Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

إعلام الموقعين عن رب العالمين
إعلام الموقعين عن رب العالمين
إعلام الموقعين عن رب العالمين
Ebook683 pages5 hours

إعلام الموقعين عن رب العالمين

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

إعلام الموقعين عن رب العالمين كتاب ألفه ابن قيم الجوزية جمع مصنفه فيه بين الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية مستعيناً بأول ما أخذ وتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن انتشر عنهم الفقه والدين، ثم تكلم عن الاجتهاد و القياس في بحث مطول. وصل به إلى نهاية المجلد الثاني مع أمثلة مطولة ثم تناول بعد ذلك دراسة تفصيلية في مجموعة كبيرة من الفتاوى في مسائل مهمة في مباحث القضاء والعقيدة والعبادات والمعاملات والزواج والطلاق و الربا وأيضاً بعض الفتاوى عن الضرورات التي تبيح المحضورات وغير ذلك.... فأحسن اختيار الاستشهادات وتروى في الترجيح
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 20, 1902
ISBN9786412195756
إعلام الموقعين عن رب العالمين

Read more from ابن قيم الجوزية

Related to إعلام الموقعين عن رب العالمين

Related ebooks

Related categories

Reviews for إعلام الموقعين عن رب العالمين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    إعلام الموقعين عن رب العالمين - ابن قيم الجوزية

    الغلاف

    إعلام الموقعين عن رب العالمين

    الجزء 9

    ابن قيم الجوزية

    751

    إعلام الموقعين عن رب العالمين كتاب ألفه ابن قيم الجوزية جمع مصنفه فيه بين الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية مستعيناً بأول ما أخذ وتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن انتشر عنهم الفقه والدين، ثم تكلم عن الاجتهاد و القياس في بحث مطول. وصل به إلى نهاية المجلد الثاني مع أمثلة مطولة ثم تناول بعد ذلك دراسة تفصيلية في مجموعة كبيرة من الفتاوى في مسائل مهمة في مباحث القضاء والعقيدة والعبادات والمعاملات والزواج والطلاق و الربا وأيضاً بعض الفتاوى عن الضرورات التي تبيح المحضورات وغير ذلك.... فأحسن اختيار الاستشهادات وتروى في الترجيح

    فصل عود إلى صور الدور التي يفضي ثبوتها إلى إبطالها

    وأما سائر الصور التي ذكرتموها من صُوَر الدَّوْر التي يُفضِي ثبوتها إلى إبطالها فمنها ما هو ممنوع الحكم لا يسلّمه لكم منازعكم، وإنما هي مسائل مذهبية يحتج لها ولا يحتج بها، وهم يفكون الدور تارة بوقوع الحُكْمين معًا وعدم إبطال أحدهما للآخر ويجعلونهما معلولَيْ علة واحدة ولا دَوْر، وتارة يسبق (3) أحد الحكمين للآخر سبق السبب لمسببه ثم يترتب الآخر عليه، ومنها ما هو مسلم الحكم وثبوت الشيء فيه يقتضي إبطاله.

    ولكن هذا حجة لهم في إبطال هذا التعليق؛ فإنه لو صح لأفضى ثبوته إلى بُطْلانه، فإنه لو صح لزم منه وقوع طَلْقة مسبوقة بثلاث، وسَبْقها بثلاث يمنع وقوعها، فبطل (4) التعليق من أصله [للزوم المحال] (5)؛ فهذه الصور التي استشهدتم بها من أقوى حججهم [عليكم] (6) على بطلان التعليق.

    وأدلتكم في هذه المسألة نوعان: أدلة صحيحة وهي إنما تقتضي (7) بطلان التعليق. (1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

    (2) في (ق): شرط.

    (3) في (ق) و (ك): سبق.

    (4) في (ك): فيبطل.

    (5) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).

    (6) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق) و (ن).

    (7) في (ك): تفضي إلى.

    أدلتهم التي تقتضي بطلان المنجز

    وأما الأدلة التي تقتضي بطلان المنجز فليس منها دليل صحيح؛ فإنه طلاق صَدَر من أهله في محله؛ فوجب الحكم بوقوعه؛ أما أهلية المطلِّق فلأنَّه زوج مكلف مختار، وأما محلية المطلقة فلأنها زوجة والنكاحُ صحيحٌ فتدخل (1) في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وفي سائر نصوص الطلاق؛ إذ لو لم يلحقها (2) طلاقٌ لزم واحد من ثلاثة، وكلها منتفية:

    • إما عدم أهلية المطلِّق.

    • وإما عدم قبول المحلّ.

    • وإما قيامُ مانعٍ يمنع من نفوذ الطلاق، والمانعُ مفقودٌ؛ إذ ليس مع مدعي قيامه إلا التعليق المحال الباطل شرعًا وعقلًا، وذلك لا يصح أن يكون مانعًا.

    يوضِّحه: أن المانع من اقتضاء السبب لمسببه إنما هو وصف ثابت يعارض سببيته فيوقفها عن اقتضائها، فأما المستحيل فلا يصح أن يكون مانعًا معارضًا للوصف الثابت، وهذا في غاية الوضوح، وللَّه الحمد.

    فصل رد السريجيين

    قال السريجيون (3): لقد ارتقيتم مرتَقًى صعبًا، وأسأتم الظن بمن قال بهذه المسألة وهم أئمة علماء لا يُشَقّ غبارُهم، ولا تُغْمَز قناتُهم، كيف وقد أخذوها من نص الشافعي رحمه اللَّه تعالى، وبَنَوْها على أصوله، ونَظّرُوا لها النظائر، وأتوا لها بالشواهد؟ فنص الشافعي على أنه إذا قال: أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات لأكثر من شهر بعد هذا التعليق؛ وقع الطلاق قبل موته بشهر وهذا إيقاعُ طلاقٍ في زمن ماض سابق لوجود الشرط وهو موته، فإذا وجد الشرط تبيَّنا وقوع الطلاق قبله، وإيضاح ذلك بإخراج الكلام يخرج الشرط، كقوله: إن مت -أو إذا متُّ - فأنت طالق قبل موتي بشهر ونحن نلزمكم بهذه المسألة على هذا الأصل، فإنكم (1) في المطبوع: فيدخل.

    (2) في (ق): يلحق.

    (3) في (ك) و (ق): المسرجون وفي هامش (ق): أي أتباع ابن سريج.

    موافقون عليه، وكذا قوله قبل دخوله: أنت طالق طلقة قبلها طلقة فإنه يقع بها طلقتان وإحداهما وقعت في زمن ماض سابق على التطليق، وبهذا خرج الجواب عن قوله: إن الوقوعَ كما لم يسبق الإيقاع فلا يسبق الطلاقُ التطليق فكذا لا يسبق شرطُه فإن الحكم لا يتقدم عليه، ويجوز تقدمُه على شرطه وأحد سببيه أو أسبابه فإن الشرط مُعَرِّف محض، ولا يمتنع تقديم المعرف عليه، وأما تقديمه على أحد سببيه فكتقديم الكفارة على الحِنْث بعد اليمين، وتقديم الزكاة على الحول بعد ملك النصاب، وتقديم الكفارة على الجرح قبل الزهوق، ونظائره.

    وأما قولكم: إن الشرط يجب تقدمه (1) على المشروط فممنوعٌ بل مُقتضى الشرط (2) توقفُ المشروطِ على وجوده، وأنه لا يوجد بدونه، وليس مقتضاه تأخر المشروط عنه، وهذا يتعلق باللغة والعقل والشرع، ولا سبيل لكم إلى نص عن أهل اللغة في ذلك ولا إلى دليل شرعي ولا عقلي، فدعواه غير مسموعة، ونحن لا ننكر أن من الشروط ما يتقدم مشروطَه، ولكن دعوى أن ذلك حقيقة الشرط وأنه إن لم يتقدم خرج عن أن يكون شرطًا دعوى لا دليل عليها، وحتى لو جاء عن أهل اللغة ذلك لم يلزم مثله في الأحكام الشرعية؛ لأن الشروط في كلامهم تتعلق بالأفعال كقوله: إن رزتني أكرمتك وإذا طلعت الشمس جئتك فيقتضي الشرط ارتباطًا بين الأول والثاني: فلا يتقدم المتأخر ولا يتأخر المتقدم، وأما الأحكام فتقبل التقدم والتأخر والانتقال، كما لو قال: إذا متُّ فأنت طالق قبل موتي بشهر ومعلوم أنه لو قال مثل هذا في الحسيات كان محالًا، فلو قال: إذا زُرْتني أكرمتك قبل أن تزورني بشهر كان محالًا، إلا أن يحمل كلامه على معنى صحيح، وهو إذا أردت أو عزمت على زيارتي أكرمتك قبلها.

    وسر المسألة: أن نقَل الحقائق عن مواضعها ممتنعٌ، والأحكام قابلة للنقل والتحويل والتقديم والتأخير، ولهذا لو قال: أعْتِق عبدك عني ففعل؛ وقع العتق عن القائل، وجعل الملك متقدمًا على العتق (3) حكمًا، وإن لم يتقدم عليه حقيقة.

    وقولكم: يلزمنا تجويز تقديم الطلاق على التطليق فذلك غيرُ لازمٍ؛ فإنه إنما يقع بإيقاعه؛ فلا يسبق إيقاعه، بخلاف الشرط، فإنه لا يوجب وجود (1) في المطبوع: تقديمه.

    (2) في المطبوع: الشرع.

    (3) في (ك): الملك.

    المشروط، وإنما يرتبط به، والارتباط أعم من السابق والمقارن والمتأخر، والأعم لا يستلزم الأخص.

    ونكتة الفرق: أن الإيقاع موجِبٌ للوقوع؛ فلا يجوز أن يسبقه أثره وموجبه، والشرط علامة على المشروط؛ فيجوز أن يكون قبله وبعده، فوِزانُ الشرط وزِانُ الدليل، ووزانُ الإيقاع وزانُ العلة، فافترقا.

    وأما قولكم: إن هذا التعليق يتضمن المُحَالَ إلى آخره فجوابه أن هذا التعليق تضمن شرطًا ومشروطًا، وقد تعقد القضية الشرطية في ذلك للوقوع، وقد تعقد للإبطال؛ فلا يوجد فيها الشرط ولا الجزاء، بل تعليق (1) ممتنع بممتنع، فتصدق الشرطية وإن انتفى كلٌّ من جزئيها، كما تقول: لو كان مع اللَّه إلهٌ آخر لفسد العالم، وكما في قوله: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] ومعلوم أنه لم يقله ولم يعلمه اللَّه، وهكذا قوله: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا فقضيةٌ عقدت لامتناع وقوع طرفيها، وهما المنجز والمعلق.

    طلاقان يسبق أحدهما الآخر

    ثم نذكر في ذلك قياسًا [آخر] (2) حَرَّره الشيخ أبو إسحاق رحمه اللَّه تعالى، فقال: طلاقان متعارضان يسبق أحدهما الآخر؛ فوجب أن ينفي السابقُ منهما المتأخر. نظيره أن يقول لامرأته: "إن قَدِم زيد فأنت طالق ثلاثًا (3)، وإن قدم عمرو (4) فأنت طالقٌ طلقة، فقدم زيد بُكرةً وعمرو عشيةً (5). ونكتة المسألة أنَّا لو أوقعنا الطلاق المباشر لزمنا أن نوقع قبله ثلاثًا ولو أوقعنا قبله ثلاثًا لامتنع وقوعه في نفسه؛ فقد أدى الحكم بوقوعه إلى الحكم بعدم وقوعه، فلا يقع.

    عود إلى رد السُّريجيين

    وقولكم: إن هذه اليمين تُفْضِي إلى سد باب الطلاق، وذلك تغيير [لشرع اللَّه] (6)؛ فإن اللَّه مَلكَ الزوجَ الطلاق رحمة به -إلى آخره جوابه أن هذا ليس فيه تغيير للشرع، وإنما هو إتيانٌ بالسبب الذي ضيَّق به على نفسه ما وسعه اللَّه عليه، وهو هذه اليمين، وهذا ليس تغييرًا للشرع. ألا ترى أن اللَّه تعالى وَسَّع عليه (1) في (ق) و (ك): تعلق.

    (2) سقط من (ق).

    (3) في (ن) و (ق): فأنت طالق قبله ثلاثًا.

    (4) في (ك) و (ق): عمر.

    (5) انظر: المهذب (2/ 92 - 93).

    (6) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    أمر الطلاق فجعله واحدة بعد واحدة ثلاث مرات لئلا يندم، فإذا ضيق على نفسه وأوقعها بفمٍ واحدٍ حصر نفسه وضيّق عليها ومنعها ما كان حلالًا لها، وربما لم يبق له سبيل إلى عَوْدها إليه، ولذلك جعل اللَّه تعالى الطلاق إلى الرجال، ولم يجعل للنساء فيه حظًا؛ لنقصان عقولهن وأديانهن، فلو جعله إليهن لكان فيه فسادُ كبيرٌ تأباه حكمة الرب تعالى ورحمته بعباده، فكانت المرأة لا تشاء أن تستبدل بالزوج إلا استبدلت به، بخلاف الرجال؛ فإنهم أكمل عقولًا وأثبت، فلا يستبدل بالزوجة إلا إذا عِيلَ صبره، ثم إن الزوج (1) قد يجعل طلاق امرأته (2) بيدها، بأن يملّكها ذلك أو يحلف عليها أن (3) لا تفعل كذا، فتختار طلاقه متى شاءت، ويبقى الطلاق بيدها، وليس في هذا تغيير للشرع؛ لأنه هو الذي ألزم نفسه هذا الحرج بيمينه وتمليكه، ونظير هذا ما قاله فقهاء الكوفة قديمًا وحديثًا: إنه لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم يمكنه أن يتزوج بعد ذلك امرأة، حتى قيل: إن أهل الكوفة أطبقوا (4) على هذا القول، ولم يكن [في] (5) ذلك تغيير للشريعة؛ فإنه هو الذي ضيَّق على نفسه ما وَسَّع اللَّه عليه، ونظير هذا لو قال: كل عبد وأمة أملكهما فهما حُرَّان لم يكن [له] (5) سبيل بعد هذا إلى ملك رقيق أصلًا، وليس في هذا تغيير للشرع، بل هو المضيق على نفسه، والضيق والحرج الذي يُدْخِله المكلف على نفسه لا يلزم أن يكون الشارع قد شَرَعه له، وإن ألزمه به بعد أن ألزم نفسه، ألا ترى أن مَنْ كان معه ألف دينار فاشترى بها جارية فأولدها ثم ساءت العشرة بينهما لم يبق له طريق إلى الاستبدال بها، وعليه ضررٌ في إعتاقها أو تزويجها أو إمساكها ولا بد له من أحَدِها.

    ثم نقول في معارضة ما ذكرتم: قد (6) يكون في هذه اليمين مصلحة له وغرض صحيح، بأن يكون محبًا لزوجته شديدَ الإلفِ بها، وهو مشفقٌ من أن ينزغ الشيطان بينهما فيقع منه طلاقها من غضبة أو موجدة، أو يحلف يمينًا بالطلاق أو يُبْلَى بمن يستحلفه بالطلاق ويضطر إلى الحنث، أو يُبْلَى بظالم يكرهه على الطلاق ويرفعه إلى حاكم ينفذه، أو يُبْلَى بشاهدَيْ زورٍ يشهدان عليه بالطلاق، وفي ذلك ضرر عظيم به، وكان من محاسن الشريعة أن يُجعل له طريقًا إلى الأمن من ذلك كله، ولا طريق أحسن من هذه؛ فلا ينكر من محاسن هذه الشريعة الكاملة أن (1) في (ك): الرجل.

    (2) في (ق): المرأة.

    (3) في (ق): فإن.

    (4) في (ق): اتفقوا.

    (5) سقط من (ق).

    (6) في المطبوع: بل.

    تأتي بمثل ذلك، ونحن لا ننكر أن في ذلك نوع ضرر عليه، لكن رأى احتماله لدفع ضرر الفراق الذي هو أعظم من ضرر البقاء، وما يُنكر في الشريعة من دفع أعلى الضررين باحتمال أدناهما؟

    فصل الجواب على شبه أصحاب الحيلة السريجية

    قال الموقّعون: لقد دعوتم الشُّبَهَ الجَفَلَى (1) إلى وليمة هذه المسألة، فلم تَدَعُوا منها داعيًا ولا مجيبًا، واجتهدتم في تقريرها ظانين إصابةَ الاجتهاد، وليس كل مجتهد مصيبًا، ونثرتم عليها ما لا يصلح مثلها (2) للنثار، وزيّنتموها بأنواع الحلي، ولكنه حُلىٌّ مستعار؛ فإذا استردت العارية زال الالتباس والاشتباه، وهناك (تسمع بالمُعَيْدِيِّ خير من أن تراه) (3).

    فأما قولكم: أنا ارتقينا مرتقى صعبًا، وأسأنا الظن بمن قال بهذه المسألة فإن أردتم بإساءة الظن بهم تأثيمًا أو تبديعًا فمعاذ اللَّه! بل أنتم أسأتم بنا الظن، وإن أردتم بإساءة الظن أنَّا لم نصوبهم في هذه المسألة، ورأينا الصواب في خلافهم فيها؛ فهذا قدر مشترك بيننا وبينكم في كل ما تَنَازَعْنا فيه، بل سائر المتنازعين بهذه المثابة، وقد صرح الأربعة الأئمة (4) بأن الحق في واحد من الأقوال المختلفة، وليست كلها صوابًا (5). (1) قال (و): الجفلى: أي دعاها بجماعتها وعافتها، ونحوه في (ط) وزاد: "وقد أخذ هذا التعبير من قول الشاعر:

    نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآداب فينا ينتقر"

    قلت: وانظر: لسان العرب (1/ 643).

    (2) في (د) و (ك) و (ق): مثله.

    (3) مثل يضرب فيمن شهر ذكره، وتزدري مرآته.

    ومعيدي: تصغير مَعَدِّي -بفتح الميم والعين وكسر الدال مع تشديدها-" (و).

    وانظر: جمهرة الأمثال (1/ 266)، الأمثال (9) للضبي، الفاخر (65)، فصل المقال (121) مجمع الأمثال (1/ 86)، المستصفى (148) اللسان (معد).

    (4) في (ق): الأئمة الأربعة.

    (5) وهذا هو الحق، فالمجتهدون منهم المصيب وله أجران، ومنهم المخطئ, وله أجر واحد، فالحق أن الحق واحد لا يتعدد، وانظر هذه المسألة في الإحكام في أصول الأحكام (4/ 189)، والمستصفى (2/ 363)، والمحصول (6/ 33 - 65)،= وأما قولكم: إن هذه المسألة مأخوذة من نص الشافعي فجوابه من وجهين:

    أحدهما: أنها لو كانت منصوصة له فقوله بمنزلة قول غيره من الأئمة يحتج له ولا يحتج به، وقد نازعه الجمهور فيها، والحجة تفصل ما بين المتنازعين.

    الثاني: أن الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه لم ينصَّ عليها ولا على ما يستلزمها.

    وغاية ما ذكرتم نصه على صحة قوله: أنت طالق قبل موتي بشهر (1) فإذا مات لأكثر من شهر من وقت هذا التعليق تبينَّا وقوع الطلاق، وهذا [قد] (2) وافقه عليه مَنْ يبطل هذه المسألة، وليس فيه ما يدل على صحة هذه المسألة ولا هو نظيرها، وليس فيه سبق الطلاق لشرطه، ولا هو متضمن للمُحَال؛ إذ حقيقتُه؛ إذا بَقي من حياتي شهر فأنت طالق.

    وهذا الكلام معقول غير متناقض ليس فيه تقديم الطلاق على زمن التطليق ولا على شرط وقوعه، وإنما نظير المسألة المتنازع فيها أن يقول: إذا مت فأنت طالق قبل موتي بشهر وهذا المحال بعينه، وهو نظير قوله: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا أو يقول: أنت طالق عامَ الأول فمسألة الشافعي شيء ومسألة ابن سريج شيء، ويدل عليه أن الشافعي إنما أوقع عليه الطلاق إذا مات لأكثر من شهر من حين التعليق؛ فلو مات عقيب اليمين لم تطلق، وكانت بمنزلة قوله: أنت طالق في الشهر الماضي وبمنزلة قوله: أنت طالق قبل أن أنكحك فإن كلا الوقتين ليس بقابل للطلاق؛ لأنها في أحدهما لم تكن محلًا، وفي الثاني لم تكن فيه طالقًا قطعًا، فقوله: أنت طالق في وقت قد مضى ولم تكن فيه طالقًا إما إخبارٌ كاذب أو إنشاءٌ باطل، وقد قيل: يقعُ عليه الطلاق ويلغو قوله: أمس لأنه أتى بلفظ الطلاق ثم وَصَلَ به ما يمنع وقوعه أو يرفعه فلا يصح (3) ويقع لغوًا، وكذلك قوله: أنت طالق طلقة قبلها طلقة ليس فيه إيقاع = والإحكام (5/ 70) لابن حزم، وروضة الناظر (ص 324 - 334)، والمسودة (ص 497 - 506)، وشرح اللمع (43/ 102)، والبحر المحيط (6/ 241 - 253)، وإرشاد الفحول (ص 260 - دار الفكر).

    (1) انظر: الأم (5/ 198) ومعرفة السنن (11/ 67 - 68)، ومغني المحتاج (3/ 302، 333، 334)، والمهذب (2/ 86).

    (2) سقط من (ق).

    (3) كذا في (ن) و (ق) و (ك) وفي سائر النسخ: فلا يصلح.

    الطلقة (1) الموصوفة بالقَبْلية في الزمن الماضي ولا تقدمها على الإيقاع، وإنما فيه إيقاع طلقتين إحداهما قبل الأخرى؛ فمن ضرورة قوله: قبلها طلقة إيقاعُ هذه السابقة أولًا ثم إيقاع الثانية بعدها؛ فالطلقتان إنما وقعتا بقوله: أنت طالق لم تتقدم إحداهما على زمن الإيقاع، وإن تقدمت على الأخرى تقديرًا، فأين هذا من التعليق المستحيل؟ فإن أبيتم وقلتم: قد وصل (2) الطلقة المنجّزة بتقدّم مثلها عليها، والسبب هو قوله: أنت طالق؛ فقد تقدم وقوع الطلقة المعلَّقة بالقَبْلية على المنجزة، ولما كان هذا نكاحًا صح، وهكذا قوله: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبلها ثلاثًا أكثَرُ ما فيه تقدم الطلاقِ السابق على المنجز، ولكن المحل لا يحتملهما؛ فتدافعا وبقيت الزوجية بحالها، ولهذا لو قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قَبْله واحدة صح لاحتمال المحل لهما.

    فالجواب أنه أوقع طلقتين واحدة قبل واحدة، ولم تسبق إحداهما إيقاعه، ولم يتقدم شرط الإيقاع؛ فلا محذور، وهو كما لو قال: بعدها طلقة، أو معها طلقة وكأنه قال: أنت طالق طلقتين معًا، أو واحدة (3) بعد واحدة ويلزم من تأخر واحدة (4) عن الأخرى سبق إحداهما للأخرى، فلا إحالة، أما وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فهو محال وقَصْدُه باطل، والتعبير عنه إن كان خبرًا فهو كذبٌ، وإن كان إنشاءً فهو منكرٌ؛ فالتكلّمُ به منكرٌ من القول وزور (5) في إخباره، منكر في إنشائه، وأما كون المعلق تمام الثلاث فههنا لمنازعيكم قولان تقدم حكايتهما وهما وجهان في مذهب أحمد (6) والشافعي رضي اللَّه عنهما (7):

    أحدهما: يصح هذا التعليق ويقع المنجز والمعلق، وتصير المسألة على وزان ما نص عليه الشافعي من قوله: إذا مات زيد فأنت طالق قبله بشهر فمات بعد شهر، فهكذا إذا قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله واحدة ثم مضى زمن تمكن فيه القَبْلية ثم طلقها تبينَّا وقوع المعلق في ذلك الزمان وهو متأخر عن الإيقاع؛ فكأنه قال: أنت طالق في الوقت السابق على تنجيز الطلاق أو وقوعه معلقًا فهو تطليق في زمن متأخر. (1) في (ق): للطلقة.

    (2) في (ك) و (ق): وصف.

    (3) في (ك) و (ق): وواحدة.

    (4) في (د): واحدًا.

    (5) في (ق): وزور زور.

    (6) المغني (7/ 164)،كشاف القناع (5/ 333).

    (7) انظر ما مضى قريبًا.

    والقول الثاني: أن هذا محال أيضًا، ولا يقع المعلق؛ إذ حقيقته أنت طالق في الزمن السابق على تطليقك تنجيزًا أو تعليقًا فيعود إلى (1) سبق الطلاق للتطليق، وسبق الوقوع للإيقاع (2)، وهو حكمٌ بتقديم (3) المعلول على علَّته.

    يوضحه أن قوله: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله إما أن يريد طالق قبله بهذا الإيقاع أو بإيقاعٍ متقدم. والثاني ممتنع، لأنه لم يسبق هذا الكلام منه شيء. والثاني لأنه يتضمن (4): أنت طالق قبل أن أطلقك وهذا عين المحال. فهذا كشف حجاب هذه المسألة وسر مأخذها، وقد تبين أن مسألة الشافعي هذه لون وهي لون آخر (5).

    وأما قولكم: إن الحُكمَ لا يجوز تقدمه على علّته، ويجوز تقدمه على شرطه (6) كما يجوز تقدمه على أحد سببيه -إلى آخره فجوابه أن الشرط إما أن يوجد جزءًا من المُقْتضى أو يوجد خارجًا عنه، وهما قولان للنُّظار، والنزاع لَفْظِيٌّ؛ فإن أريد بالمقتضى التام فالشرط جزءٌ منه، وإن أريد به المقتضى الذي يتوقف اقتضاؤه على وجود شرط وعدم مانعه فالشرطُ ليس جزءًا منه، ولكن اقتضاؤه يتوقف عليه، والطريقة الثانية طريقة القائلين بتخصيص العلة، والأولى (7) طريقة المانعين من التخصيص، وعلى التقديرين فيمتنع تأخر الشرط عن وقوع المشروط؛ لأنه يستلزم وقوع الحكم بدون سببه التام؛ فإن الشرط إن كان جزءًا من المقتضى فظاهرٌ، وإن كان شرطًا لاقتضائه فالمعقق على الشرط [لا] (8) يوجد (9) عند عدمه، وإلا لم يكن شرطًا؛ فإنه لو كان يوجد بدونه لم يكن شرطًا، فلو ثبت الحكم قبله لثبت بدون سببه التام، فإن سببه لا يتم إلا بالشرط، فعاد الأمر إلى سبق الأثر لمؤثره والمعلول لعلته، وهذا محال، ولهذا لما لم يكن لكم حيلةَ في دَفْعه وعلمتم لزومه فررتم إلى ما لا يُجْدِي عليكم شيئًا، وهو جَعلُ (1) في (ن) و (ق): على.

    (2) في (ق): الإيقاع للوقوع.

    (3) في (ك) و (ق): بتقدم.

    (4) كذا في (ن) و (ق) و (ك)، وفي سائر النسخ: والثاني كذلك؛ لأنه لا يتضمن.

    (5) كذا في (ن) و (ق) و (ك). وفي سائر النسخ: أن مسألة الشافعي لون وهذه لون آخر.

    (6) في (ن): على أحد شرطه، وفي (ق): على أحد شرطيه.

    (7) في (ك) و (ق): الأول.

    (8) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق) و (ك)، وفي هامش (ق): لعله: لا.

    (9) في (ك): يوجده.

    الشرط مجرد علامة ودليل ومعرِّف، وهذا إخراج للشرط عن كونه شرطًا وإبطال لحقيقته؛ فإن العلامة والدليل والمعرف ليست شروطًا في المدلول المعرَّف، ولا يلزم من نفيها نفيه، فإن الشيء يثبت بدون علامةٍ ومعرِّف له، والمشروط ينتفي لانتفاء شرطه وإن لم يوجد لوجوده. وكل العقلاء متفقون على الفرق بين الشرط والأمارة المَحْضَة وأن حقيقة أحدهما وحكمه دون حقيقة الآخر وحكمه، وإن كان قد يقال: إن العلامة شرط في العلم بالمعلم والدليل شرط في العلم بالمدلول، فذاك أمر وراء الشرط في الوجود الخارجي، فهذا شيء وذاك (1) شيءٌ آخر، وهذا حقٌّ، ولهذا ينتفي العلم بالمدلول عند انتفاء دليله، ولكن هل يقول أحد: إن المدلول ينتفي لانتفاء دليله؟

    فإن قيل: نعم، قد قاله غير واحد، وهو انتفاء الحكم الشرعي لانتفاء دليله.

    قيل: نعم فإن الحكم الشرعي لا يثبت بدون دليله، فدليلُه موجِبٌ لثبوته، فإذا انتفى الموجِب انتفى الموجَب، ولهذا [يقال:] (2) لا موجِبَ فلا موجَبَ، أما شرط (3) اقتضاء السبب لحكمه فلا يجوز اقتضاؤه بدون شرطه، ولو تأخر الشرط عنه لكان مقتضيًا بدون شرطه، وذلك يستلزم إخراج الشرط عن حقيقته، وهو محال.

    وأما تقديم الحكم على أحد سببيه في الصورة التي ذكرتموها على إحدى الطريقتين، أو تقديمه على شرط بعد وجود سببه على الطريقة الأخرى؛ فالتنظير به مَغْلَطة (4)؛ فإن الحكم لم يتقدم على سببه ولا شرطه، وهذا محال، وإن وقع تسامحٌ في عبارة الفقهاء، فإن انقضاء الحول مثلًا والحنثُ والموتُ بعد الجرح شرطٌ للوجوب (5)، ونحن لم نقدِّم الوجوبَ على شرطه ولا سببه، وإنما قدَّمنا فعلَ الواجب. والفرق بين تقدم الحكم بالوجوب، وبين تقدم أداء الواجب، فظهر أن هذا وهم أو إيهام (6)، وقد ظهر أن تقديمَ شَرْط علة الحكم وموجبه على (7) الحكم أمرٌ ثابت عقلًا وشرعًا، ونحن لم نأخذ ذلك عن نصِّ أهل اللغة حتى تطالبونا بنقله، بل ذلك أمر ثابت لذات الشرط وحكم من أحكامه. وليس ذلك متلقَّى من [أهل] (8) (1) كذا في (ن)، وفي غيرها: وذلك.

    (2) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

    (3) في (ق): لشرط بدل أما شرط.

    (4) في (ق): مغالطة.

    (5) في (ق): بشرط الوجوب.

    (6) في (ن) و (ك) و (ق): وهم وإيهام.

    (7) في (ق): وموجب علة الحكم.

    (8) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق) و (ك).

    اللغة، بل هو ثابت في نفس الأمر لا يختلف بتقدم لفظ (1) ولا تأخره، حتى لو قال: أنتِ طالقٌ إن دخلت الدار أو قال: يبعثك اللَّه إذا متِّ أو (2) تجب عليك الصلاة إذا دخل وقتها ونحو ذلك فالشرط متقدم عقلًا وطبعًا وشرعًا وإن تأخر لفظًا.

    وأما قولكم: إن الأحكام تقبل النقل عن مواضعها فتتقدم وتتأخر فتطويلٌ بلا تحصيل، وتهويل بلا تفصيل، فهل تقبل النقل عن ترتيبها على (3) أسبابها وموجباتها بحيث يثبت الحكم بدون سببه ومقتضيه؟ نعم قد يتقدم ويتأخر وينتقل لقيام سبب آخر يقتضي ذلك فيكون مرتبًا على سببه الثاني بعد انتقاله كما كان مرتبًا على الأول قبل انتقاله، وفي كل من الموضعين هو مرتب (4) على سببه هذا في حكمه وذاك في محله، وأما تنظيركم بنقل الأحكام وتقدمها على أسبابها بقوله: أنت طالق قبل موتي بشهر وقولكم: إن نظيره في الحسيّات أن تقول: إن زُرتني أكرمتُك قبل زيارتك بشهر فوهم أيضًا أو إيهام (5)، فإن قوله: أنت طالق قبل موتي بشهر إنما تطلق إذا مضى شهر بعد هذه اليمين حتى يتبين وقوع الطلاق بعد إيقاعه، فلو مات قبل مضي شهر لم تطلق على الصحيح؛ لأنه يصير بمنزلة: أنت طالق عام الأول؛ وليس كذلك قوله: إن زرتنى أكرمتُك قبله بشهر (6) فإن الطلاق حكم يمكن تقدير وقوعه قبل الموت، والإكرام فعل حسي (7) لا يكون إكرامًا بالتقدير، وإنما يكون إكرامًا بالوقوع، وأما استشهادكم بقوله: أعتق عبدك [عنّي] (8) فهو حجة عليكم؛ فإنه يستلزم تقدم الملك التقديري على العتق الذي هو أثره وموجَبُه، والملك شرطه، ولو جاز تأخر الشرط القدر الملك له بعد العتق، وهذا محالٌ، فعلم أن الأسباب والشروط يجب تقدمها، سواء كانت محققة أو مقدرة.

    عن القضية الشرطيّة

    وقولكم: إن هذا التعليق يتضمن (9) شرطًا ومشروطًا، والقضية الشرطية قد (1) في (ق): لفظه".

    (2) في (ك) و (ق): و.

    (3) في (ق): ترتبها عن وفي الهامش: لعله: على.

    (4) في (ق): مترتب.

    (5) في (ك) و (ق): وإيهام.

    (6) في (ق): قبل زيارتك بشهر.

    (7) في (ق): حتى.

    (8) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).

    (9) في (ق): تضمن.

    تعقد للوقوع وقد تعقد لنفي الشرط والجزاء - إلى آخره " فجوابه [أيضًا أن هذا] (1) من الوهم أو الإيهام (2)؛ فإن القضية الشرطية هي التي يصح الارتباط بين جزءيها، سواء كانا ممكنين أو ممتنعين، ولا يلزم من صدقها شرطية صدق جزءيها جملتين؛ فالاعتبار إنما هو بصدقها في نفسها؛ ولهذا كان قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] من أَصْدق الكلام وجُزءا الشرطية ممتنعان، لكن أحدهما ملزومٌ للآخر، فقامت القضية الشرطية من التلازم الذي بينهما؛ فإن تعدد الآلهة مستلزم لفساد السماوات والأرض، فوجودُ آلهةٍ مع اللَّه ملزومٌ لفساد السموات والأرض، والفساد لازم، فإذا انتفى اللازم انتفى ملزومه، فصَدَقت الشرطية دون مفردَيْها، وأما الشرطية في مسألتنا فهي كاذبة في نفسها؛ لأنها عُقدت للتلازم بين وقوع الطلاق المنجز وسبق الطلاق الثلاث عليه، وهذا كذب في الإخبار باطل في الإنشاء؛ فالشرطية نفسها باطلة لا تصح بوجه؛ فظهر أن تنظيرها بالشرطية الصادقة الممتنعة الجزءين وهم أو إيهام (3) ظاهر لا خفاء به.

    عن الطلاقين المتعارضين

    وأما قياسكم المحرر، وهو قولكم: طلاقان متعارضان يسبق أحدهما الآخر، فوجب أن ينفي (4) السابق منهما [المتأخر] (5) كقوله: إن قدم زيد -إلى آخره " فجوابه أنه لما قدم زيد طلقت ثلاثًا، فقدم عمرو بعده وهي أجنبية، فلم يصادف الطلاق الثاني محلًا، فهذا معقول شرعًا ولغةً وعرفًا، فأين هذا من تعلق (6) مستحيل شرعًا وعرفًا؛ ولقد وهَنَتْ كلَّ الوهنِ مسألة إلى مثل هذا القياس استنادُهَا، وعليه اعتمادها (7).

    وأما قولكم: نكتة المسألة أنا لو أوقعنا المنجّز لزمنا أن نوقع قبله ثلاثًا -إلى آخره فجوابه أن يقال: هذا كلام باطل في نفسه، فلا يلزم من إيقاع المنجز إيقاع الثلاث (8) قبله، لا لغةً ولا عقلًا ولا شرعًا ولا عرفًا، فإن قلتم: لأنه شرط (1) في (ق) و (ك): أن هذا أيضًا.

    (2) في (ك) و (ق): والإيهام.

    (3) في (ك) و (ق): وايهام.

    (4) في (ك): يبقى.

    (5) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

    (6) في (ق) و (ك): تعليق.

    (7) انظر: زاد المعاد (4/ 51 - 63)، وإغاثة اللهفان (1/ 283 - 338)، والطرق الحكمية (ص 13 - 14)، وتهذيب السنن (3/ 120 - 122، 134).

    (8) في (ق): ثلاث.

    للمعلق قبله (1)، فقد تبين فساد المعلق بما فيه كفاية، ثم نقلب عليكم هذه النكتة (2) قلبًا أصح منها شرعًا وعقلًا ولغةً، فنقول: إذا أوقعنا المنجَّز لم يمكنا (3) أن نوقع قبله ثلاثًا قطعًا (4)، وقد وُجد سببُ وقوع المنجز وهو الإيقاع، فيستلزم موجبه وهو الوقوع، وإذا وقع موجبه استحال وقوع الثلاث؛ فهذه (5) النكتة أصح وأقرب إلى الشرع والعقل واللغة، وباللَّه التوفيق.

    وأما (6) قولكم: إن المكلف أتى بالسبب الذي ضيق به على نفسه فألزمناه حكمه -إلى آخره فجوابه أن هذا إنما يصح فيما يملكه من الأسباب شرعًا، فلا بد أن يكون السبب مقدورًا ومشروعًا، وهذا السبب الذي أتى به غير مقدورٍ ولا مشروع؛ فإن اللَّه تعالى لم يملّكه طلاقًا ينجزه تسبقه ثلاث قبله، ولا ذلك مقدور له؛ فالسبب لا مقدور ولا مأمور، بل هو كلام متناقض فاسد؛ فلا يترتب عليه تغيير (7) أحكام الشرع، وبهذا خرج الجواب عما نظرتم به من المسائل، أما:

    عن الطلاق الثلاث جملة

    المسألة الأولى -وهي إذا طلَّق امرأته ثلاثًا جملة - فهذه مما يحتجُّ لها، ولا يحتج بها -وللناس فيها أربعة أقوال:

    أحدهما الإلزام بها.

    والثاني: إلغاؤها جملة وإن كان هذا إنما يعرف عن فقهاء الشيعة (8).

    والثالث: أنها واحدة، وهذا (9) قول أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه (10)، (1) في (ق): قيل.

    (2) في (ق): هذه النكتة عليكم.

    (3) في (ق) و (ك): يمكننا.

    (4) سقط من (ك).

    (5) في (ق) و (ك): وهذه.

    (6) سقط من (ق).

    (7) في (ن): تغير.

    (8) انظر حلية العلماء (7/ 22)، وأحكام القرآن (1/ 388)، وفي المطبوع: الفقهاء الشيعة، وفي (ك): الفقهاء السبعة.

    (9) في (ك): وهو.

    (10) روى مسلم (1472) في (الطلاق): باب طلاق الثلاث عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة.

    وهو في مصنف عبد الرزاق (11336، 11337، و 11338)، وسنن أبي داود (2199)، والمحلى (10/ 168).

    وجميع الصحابة في زمانه، وإحدى الروايتين عن ابن عباس (1)، واختيار أعلم الناس بسيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - محمد بن إسحاق والحارث العكلي وغيره، وهو أحد القولين في مذهب مالك حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب (2)، وأحد القولين في مذهب الإمام أحمد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رضي اللَّه عنه (3).

    والرابع: أنها واحدة في حق التي لم يدخل بها، وثلاث (4) في حق المدخول بها، وهذا مذهب إمام أهل خراسان في وقته إسحاق بن راهويه نظير الإمام أحمد والشافعي ومذهب جماعة من السلف.

    وفيها مذهب خامس، وهو أنها إن كانت منجَّزة وقعت، وإن كانت معلَّقة لم تقع، وهو مذهب حافظ الغرب وإمام أهل الظاهر في وقته أبو محمد بن حزم (5)، ولو طولبتم بإبطال هذه الأقوال وتصحيح قولكم بالدليل الذي يركن إليه العالم لم يمكنكم ذلك، والمقصود أنكم تستدلون بما يحتاج إلى إقامة الدليل عليه، والذين يَسَلِّمون لكم وقوع الثلاث جملة واحدة فريقان:

    * فريق يقول بجواز إيقاع الثلاث فقد أتى المكلف عنده بالسبب المشروع المقدور فترتب عليه سبَبُه.

    * وفريق يقول: تقع وإن كان إيقاعها محرمًا كما يقع الطلاق في الحيض والطُّهر الذي أصابها فيه وإن كان محرمًا لأنه ممكن، بخلاف وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فإنه محال، فأين أحدهما من الآخر؟ (1) رواه البيهقي (7/ 339) من طريق مسلم بن عصام: أخبرنا عبد اللَّه بن سعد: أخبرنا عمي: أخبرنا أبي عن ابن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عنه.

    وهذا إسناد رواته ثقات من رجال الصحيح، غير ابن إسحاق فهو حسن الحديث، وغير مسلم بن عصام، فإني لم أجد له ترجمة فيما بين يدي.

    ولكن رواية داود عن عكرمة فيها اضطراب، كما قال غير واحد من أهل الجرح والتعديل.

    قال البيهقي -رحمه اللَّه-: وهذا إسناد لا تقوم الحجة به، مع ثمانية رووا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1