Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

كشاف القناع عن متن الإقناع
كشاف القناع عن متن الإقناع
كشاف القناع عن متن الإقناع
Ebook1,259 pages5 hours

كشاف القناع عن متن الإقناع

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

"فإن أجل العلوم قدرا ، وأعلاها فخرا ، وأبلغها فضيلة ، وأنجحها وسيلة ، علم الشرع الشريف ومعرفة أحكامه ، والاطلاع على سر حلاله وحرامه ، فلذلك تعينت إعانة قاصده وتيسير موارده لرائده ، ومعاونته على تذكار لفظه ومعانيه ، وفهم عباراته ومبانيه . ولما رأيت الكتاب الموسوم بالإقناع تأليف الشيخ الإمام ، والحبر العمدة العلام ، شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن سالم بن عيسى بن سالم المقدمي الحجاوي ثم الصالحي الدمشقي تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه الغرفات العليا من جنانه ، في غاية حسن الوقاع ، وعظم النفع ، لم يأت أحد بمثاله ، ولا نسج ناسج على منواله . غير أنه يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه محذراته النقاب ، ويبرز من خفي مكنوناته بما وراء الحجاب ، فاستخرت الله تعالى وشمرت عن ساعد الاجتهاد ، وطلبت من الله العناية والرشاد ، وكنت أود لو رأيت لي سابقا أكون وراءه مصليا ، ولم أكن في حلبة رهانه مجليا ، إذ لست لذلك كفؤا بلا مرا والفهم لقصوره يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وسألت الله أن يمدني بذارف لطفه ووافر عطفه ، وسميته ( كشاف القناع عن الإقناع ) ."
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateNov 16, 1902
ISBN9786474349593
كشاف القناع عن متن الإقناع

Read more from البهوتي

Related to كشاف القناع عن متن الإقناع

Related ebooks

Related categories

Reviews for كشاف القناع عن متن الإقناع

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    كشاف القناع عن متن الإقناع - البهوتي

    الغلاف

    كشاف القناع عن متن الإقناع

    الجزء 7

    البُهُوتي

    1051

    فإن أجل العلوم قدرا ، وأعلاها فخرا ، وأبلغها فضيلة ، وأنجحها وسيلة ، علم الشرع الشريف ومعرفة أحكامه ، والاطلاع على سر حلاله وحرامه ، فلذلك تعينت إعانة قاصده وتيسير موارده لرائده ، ومعاونته على تذكار لفظه ومعانيه ، وفهم عباراته ومبانيه . ولما رأيت الكتاب الموسوم بالإقناع تأليف الشيخ الإمام ، والحبر العمدة العلام ، شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن سالم بن عيسى بن سالم المقدمي الحجاوي ثم الصالحي الدمشقي تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه الغرفات العليا من جنانه ، في غاية حسن الوقاع ، وعظم النفع ، لم يأت أحد بمثاله ، ولا نسج ناسج على منواله . غير أنه يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه محذراته النقاب ، ويبرز من خفي مكنوناته بما وراء الحجاب ، فاستخرت الله تعالى وشمرت عن ساعد الاجتهاد ، وطلبت من الله العناية والرشاد ، وكنت أود لو رأيت لي سابقا أكون وراءه مصليا ، ولم أكن في حلبة رهانه مجليا ، إذ لست لذلك كفؤا بلا مرا والفهم لقصوره يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وسألت الله أن يمدني بذارف لطفه ووافر عطفه ، وسميته ( كشاف القناع عن الإقناع ) .

    فَصْلٌ تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ

    (فَصْلٌ وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ) وَكَذَا غَيْرُ الْغَاصِبِ (وَهِيَ) أَيْ التَّصَرُّفَاتُ الْحُكْمِيَّةُ (مَا لَهَا حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ فَسَادٍ) أَيْ مَا تُوصَفُ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ (كَالْحَجِّ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ) الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَغْصُوبِ إذَا فَعَلَهَا عَالِمًا ذَاكِرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ كَالصَّلَاةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءِ مِنْ مَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ بِخِلَافِ عِبَادَةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ وَالِاعْتِقَادِ.

    (وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) لِلْمَغْصُوبِ (وَالْإِنْكَاحِ كَأَنْ أَنْكَحَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ وَنَحْوَهَا) أَيْ نَحْوَ الْمَذْكُورَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ (تَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ لِحَدِيثِ: «مَنْ عَمَلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ مَرْدُودٌ (وَتَحْرُمُ) التَّصَرُّفَاتُ (غَيْرُ الْحُكْمِيَّةِ) فِي الْمَغْصُوبِ (كَإِتْلَافِ) الْمَغْصُوبِ (وَاسْتَعَمَّا لِ) هـ (كَأَكْلِ) الْمَغْصُوبِ (وَلُبْسِ) هـ (وَنَحْوِهِمَا) كَرُكُوبِهِ وَحَمْلٍ عَلَيْهِ وَسُكْنَى الْعَقَارِ لِحَدِيثِ: «إنَّ أَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» .

    (وَإِنْ اتَّجَرَ) الْغَاصِبُ (بِعَيْنِ الْمَالِ) الْمَغْصُوبِ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَاتَّجَرَ بِهَا (أَوْ) اتَّجَرَ بِثَمَنِ (عَيْنِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهِ وَحَصَلَ رِبْحٌ (فَالرِّبْحُ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَالِكِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَاحْتُجَّ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ بُطْلَانِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَكَيْفَ يَمْلِكُ الْمَالِكُ الرِّبْحَ وَالسِّلَعَ؟ لَكِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ فَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ فَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُغْنِي وَبَنَاهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْغَصْبِ يَطُولُ بِطُولِ الزَّمَانِ فَيَشُقُّ اعْتِبَارُهُ وَخَصَّ ذَلِكَ بِمَا طَالَ زَمَنُهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ثَمَّ نَقَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى مُقَيَّدِهِ وَحَمَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ وَحَمَلَهُ فِي الْمُبْدِعِ عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ وَرَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي.

    (وَإِنْ اشْتَرَى) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا) أَيْ عَيْنَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ ثَمَنَهَا.

    (وَلَوْ مِنْ وَدِيعَةِ عَبْدِهِ أَوْ قَارَضَ بِهِمَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ (وَلَوْ) كَانَ الشِّرَاءُ (بِغَيْرِ نِيَّةِ نَقْدِهِ) أَيْ الثَّمَنِ مِنْ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (فَالْعَقْدُ) أَيْ الشِّرَاءُ (صَحِيحٌ) ؛لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لَهُ (وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ أَيْ غَيْرُ مُبَرِّئٍ) لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فِيهِ (وَالرِّبْحُ وَالسِّلَعُ) فِي الْمُضَارَبَةِ وَغَيْرِهَا (الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَالِكِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ادْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَهُ بِنِتَاجِهَا وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ لِلْمَالِكِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا صَحَّ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا فِي ذِمَّةِ الْعَاقِدِ فَكَيْفَ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقَعْ فِي ذِمَّتِهِ؟ وَمَأْخَذُ الصِّحَّةِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ نَتِيجَةُ مِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ عَيْنِهِ وَهَذَا قَضَاءٌ بِالدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ قَهْرًا كَدُخُولِ الْمِيرَاثِ بِالْإِرْثِ لَا فِي الْعَامِلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ فِيهَا وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ثَمَّ إنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.

    (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مُبَاحٍ (أَكَلَ عَادَتَهُ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (لَا مَا لَهُ عَنْهُ غِنًى كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ إذْ لَا مُبِيحَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ.

    (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ (فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْمَالِكُ: اثْنَا عَشَرَ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي زِيَادَةِ قِيمَتِهِ: هَلْ زَادَتْ قَبْلَ تَلَفِهِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي صِنَاعَةٍ فِيهِ وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا.

    (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ) فَقَالَ الْغَاصِبُ: رَدَدْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَقَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ (فِيهِ بَعْدَ تَلَفِهِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ:

    كَانَ الْعَبْدُ أَعْمَى مَثَلًا وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ (فَقَوْلُ الْمَالِكِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (لَكِنْ لَوْ شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقَالَ الْمَالِكُ حَدَثَ) الْعَيْبُ (عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ) الْعَيْبُ (فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ.

    (وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يُعْرَفُ أَرْبَابَهَا فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (قَبُولُهَا بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا) ؛لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا لَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ (وَلَهُ) أَيْ الَّذِي بِيَدِهِ الْمَغْصُوبُ (الصَّدَقَةُ بِهَا عَنْهُمْ) أَيْ أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ أَوْ الْمَعَادِ وَمَصْلَحَةُ الْمَعَادِ أَوْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ.

    وَقَدْ تَعَيَّنَتْ هَهُنَا لِتَعَذُّرِ الْأُخْرَى (بِشَرْطِ ضَمَانِهَا) لِأَرْبَابِهَا إذَا عَرَفَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ الضَّمَانِ إضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ أَيْ مَكَانِ الْغَاصِبِ إنْ عَرَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ وَيُرَاعَى الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَنَقَلَ صَالِحٌ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ شِرَاءُ عَرَضٍ بِنَقْدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا (كَلُقَطَةٍ) حُرِّمَ الْتِقَاطُهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ أَوْ يَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ.

    وَإِذَا أُنْفِقَتْ كَانَتْ لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْحَقِّ مُبَاحَةً كَمَا أَنَّهَا مَنْ يَأْكُلُهَا بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ وَبِكُلِّ حَالٍ تَرْكُ الْأَخْذِ أَجْوَدُ مِنْ الْقَبُولِ، وَإِذَا صَحَّ الْأَخْذُ كَانَ أَفْضَلَ أَعْنِي الْأَخْذَ وَالصَّرْفَ إلَى النَّاسِ الْمُحْتَاجِينَ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَهُنَاكَ التَّرْكُ أَوْلَى وَمِنْ الصَّدَقَةِ بِمَا ذُكِرَ: وَقْفُهُ أَوْ شِرَاءُ عَيْنٍ بِهِ يَقِفُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَصًّا (وَيَسْقُطُ عَنْهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (إثْمُ الْغَصْبِ) بِدَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ أَوْ الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ عَنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ لِجَهْلِهِ بِهِ.

    وَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا فَالثَّوَابُ لِأَرْبَابِهَا (وَكَذَا رُهُونٌ وَوَدَائِعُ وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ) كَالسَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ إذَا جُهِلَ رَبُّهَا دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعًا بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْقَابِضِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَتَخَرَّجُ جَوَازُ أَخْذِ الْفُقَرَاءِ مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ يَدِ مَنْ مَالُهُ حَرَامٌ كَقُطَّاعِ طَرِيقٍ وَأَفْتَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ.

    (وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ) أَيْ: الْغُصُوبُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولَةُ أَرْبَابُهَا (عِنْدَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا) وَلَوْ كَانَ (فَقِيرًا) مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: الدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحِقِّهَا نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: تَصَدَّقْ عَنِّي بِدَيْنِي الَّذِي لِي عَلَيْك لَمْ يَبْرَأْ بِالصَّدَقَةِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَاطِنًا، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عَنْ مَالِكِهَا.

    فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازُ فِيمَنْ اشْتَرَى آجُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ: أَرْجُو إنْ أُخْرِجَ قِيمَةَ الْآجُرِّ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ وَقَدْ يَتَخَرَّجُ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ.

    (وَإِذَا تَصَدَّقَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (بِالْمَالِ) الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ الْمَجْهُولِ رَبُّهُ (ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ خُيِّرَ بَيْنَ الْآجُرِّ وَبَيْنَ الْأَخْذِ) لِلْبَدَلِ (مِنْ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ) اخْتَارَ الْآجُرَّ فَذَاكَ.

    (وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ مِنْ) الْمُتَصَدِّقِ (فَلَهُ ذَلِكَ وَالْآجُرُّ لِلْمُتَصَدِّقِ) عَمَّا تَصَدَّقَ بِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَ رَدُّ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ شَرْعًا لِلْحَاجَةِ كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا حَاكِمَ.

    (وَلَوْ نَوَى) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ) الْغَصْبِ أَوْ الْأَمَانَةِ وَنَحْوِهَا فِي حَيَاةِ رَبِّهِ (أَوْ) نَوَى جَحْدَ (حَقٍّ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ) أَيْ: لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ جَحْدِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ فَكَانَ ثَوَابُهُ لَهُ (وَإِلَّا) يَنْوِي جَحْدَ مَا ذُكِرَ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَ) ثَوَابُهُ (لِوَرَثَتِهِ) ؛لِأَنَّهُ إنَّمَا عُدِمَ عَلَيْهِمْ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَاتَ عَلَيْهِ قَهْرًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ.

    (وَلَوْ نَدِمَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ عَلَى تَعَدِّيهِ (وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ) أَوْ سَرَقَهُ وَنَحْوَهُ (عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ مِنْ (إثْمِهِ) أَيْ: الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَسْرُوقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (لَا مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ) فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ مَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْ مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَلَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّ بِالضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ بِلَا تَوْبَةٍ يَزُولُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ وَذَكَر الْمَجْدُ فِيمَنْ ادَّانَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَعَجَزَ: لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

    وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِير: بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحِلُّ وِفَاقٍ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ: الْمَالَ الْمَغْصُوبَ وَنَحْوَهُ (وَارِثُ الْغَاصِبِ) أَوْ السَّارِقِ وَنَحْوُهُ (فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ) أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ (مُطَالَبَتُهُ) أَيْ: الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ (فِي الْآخِرَةِ نَصًّا) ؛لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ.

    فَصْلٌ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَالُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ

    (فَصْلٌ) فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَالُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ (وَمَنْ أَتْلَفَ) مِنْ مُكَلَّفٍ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ رَبُّهُ (وَلَوْ) كَانَ الْإِتْلَافُ (خَطَأً أَوْ سَهْوًا مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ (ضَمِنَهُ) أَيْ: ضَمِنَ الْمُتْلِفُ مَا أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ الْكَلْبِ وَالسَّرْجَيْنِ النَّجَسِ وَنَحْوِهِمَا (سِوَى إتْلَافِ حَرْبِيٍّ مَالَ مُسْلِمٍ) وَعَكْسِهِ وَعَادَلَ مَالَ بَاغٍ وَعَكْسِهِ حَالَ الْحَرْبِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُتْلِفُ وَيَأْتِي (وَغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ حَرْبِيٍّ وَصَائِلٍ وَرَقِيقٍ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ وَنَحْوهِمْ) كَآلَاتِ لَهْوٍ وَآنِيَةِ خَمْرٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَصَلِيبٍ وَصَنَمٍ وَنَحْوِهَا (لَا يَضْمَنُهُ) مُتْلِفُهُ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ وَيَأْتِي.

    (وَإِنْ أُكْرِهَ إنْسَانٌ عَلَى إتْلَافِهِ) أَيْ: الْمَالِ الْمَضْمُونِ (ضَمِنَهُ مُكْرِهُهُ) وَلَوْ كَانَ مَالَ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْ الْمُكْرِهِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَهُوَ كَالْآلَةِ.

    (وَمَنْ أَغْرَى ظَالِمًا بِأَخْذِ مَالِ إنْسَانٍ وَدَلَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْإِنْسَانِ أَوْ مَالِهِ (ضَمِنَهُ) الْمُغْرِي لِتَسَبُّبِهِ (أَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّرِيرَانِيِّ) وَلَعَلَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْإِغْرَاءِ أَوْ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِهِ فَهْوَ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ.

    (وَإِنْ غَرِمَ) إنْسَانٌ (بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَلَهُ) أَيْ: الْغَارِمِ (تَغْرِيمُ الْكَاذِبِ) لِتَسَبُّبِهِ فِي ظُلْمِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخِذِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْحَجْرِ) وَتَقَدَّمَتْ لَهُ نَظَائِرُ أَيْضًا وَمِثْلُهُ مَنْ شَكَا إنْسَانًا ظُلْمًا فَأَغْرَمَهُ شَيْئًا لِحَاكِمٍ سِيَاسِيٍّ كَمَا أَفْتَى بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ الشِّهَابُ ابْنُ النَّجَّارِ وَلَمْ يَزَلْ مَشَايِخُنَا يُفْتُونَ بِهِ بَلْ لَوْ غَرَّمَهُ شَيْئًا لِقَاضٍ ظُلْمًا كَانَ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ فِيمَا غَرِمَهُ رَبُّ الدَّيْنِ بِمَطْلِ الْمَدِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ.

    (وَإِنْ أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي إتْلَافِهِ) أَوْ دَفَعَهُ إلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ (فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُتْلِفُ) مَا أَتْلَفَهُ لِتَسْلِيطِ رَبِّهِ لَهُ عَلَيْهِ.

    (وَإِنْ فَتَحَ) إنْسَانٌ (قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ) مَمْلُوكٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ (أَوْ حَلَّ إنْسَانٌ قَيْدَ عَبْدِهِ أَوْ) حَلَّ قَيْدَ (أَسِيرٍ أَوْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ: الْعَبْدِ أَوْ الْأَسِيرِ (مِبْرَدًا فَبَرَدَهُ) أَيْ: الْقَيْدَ (فَذَهَبُوا) أَيْ: الطَّائِرُ وَالْعَبْدُ وَالْأَسِيرُ ضَمِنَ الْفَاتِحُ وَالْحَالُّ وَدَافِعُ الْمَبْرَدِ لِتَسَبُّبِهِ فِي الضَّيَاع.

    (أَوْ حَلَّ إنْسَانٌ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِعُصُوفِ رِيحٍ أَوْ لَا) ضَمِنَ.

    (أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلًا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ (فَضَاعَتْ الدَّابَّةُ أَوْ حَلَّ رِبَاطَ فَرَسٍ) فَفَاتَتْ ضَمِنَهَا.

    (أَوْ) حَلَّ (وِكَاءَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ نَحْوُ الْقِرْبَةِ (زِقٍّ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: ظَرْفٍ (مَائِعٍ) فَانْدَفَقَ (أَوْ) حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ (جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ) فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ فَإِنْ قَرَّبَ إلَيْهِ شَخْصٌ نَارًا فَذَابَ بِهَا فَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا: يَضْمَنهُ بِقُرْبِ النَّارِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ قَالَهُ الْمَجْدُ (أَوْ بَقِيَ) الزِّقُّ (بَعْد حَلِّهِ قَاعِدًا فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ أَوْ) أَلْقَتْهُ (زَلْزَلَةٌ فَانْدَفَقَ فَخَرَجَ) مَا فِيهِ (كُلُّهُ فِي الْحَالِ أَوْ) خَرَجَ (قَلِيلًا قَلِيلًا أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ أَسْفَلُهُ) أَيْ: الزِّقِّ (فَسَقَطَ) فَانْدَفَقَ (أَوْ ثَقُلَ أَحَدُ جَانِبَيْهِ) أَيْ: الزِّقِّ بَعْدَ حَلِّ وِكَائِهِ (فَلَمْ يَزَلْ يَمِيلُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَهُ) أَيْ: ضَمِنَ الْمُتَسَبِّبُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ سَوَاءٌ (تَعَقَّبَ ذَلِكَ فِعْلَهُ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ) وَسَوَاءٌ (هَاجَ الطَّائِرُ أَوْ الدَّابَّةُ حَتَّى ذَهَبَا أَوْ لَا) ؛لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَكَمَنْ قَطَعَ عِلَاقَةَ قِنْدِيلٍ فَسَقَطَ فَانْكَسَرَ قَالَ فِي الْفُنُونِ: إلَّا مَا كَانَ مِنْ الطُّيُورِ يَأْلَفُ الرَّوَاحَ وَيَعْتَادُ الْعَوْدَ فَلَا ضَمَانَ فِي إطْلَاقِهِ إتْلَافًا.

    (وَمِثْلُهُ لَوْ أَزَالَ يَدَ إنْسَانٍ عَنْ عَبْدٍ أَوْ) عَنْ حَيَوَانٍ (فَهَرَبَ إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا يَذْهَبُ بِزَوَالِ الْيَدِ) عَنْهُ (كَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ) فَيَضْمَنهُ مَنْ أَزَالَ يَدَ رَبِّهِ عَنْهُ لِتَسَبُّبِهِ فِي فَوَاتِهِ.

    (أَوْ نَفَّرَ الدَّابَّةَ بِأَنْ صَرَخَ فِيهَا حَتَّى شَرَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهَا تَنْفِرُ بِصِيَاحِهِ فَيَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ.

    (وَكَذَا لَوْ أَزَالَ يَدَهُ الْحَافِظَةَ) لِمَتَاعِهِ (حَتَّى نَهَبَهُ النَّاسُ أَوْ) حَتَّى (الدَّوَابُّ أَفْسَدَتْهُ أَوْ) أَفْسَدَتْهُ (النَّارُ أَوْ) أَفْسَدَهُ (الْمَاءُ) فَيَضْمَنُهُ (بِأَنْ فَتَحَ بَابَهُ) تَعَدِّيًا (فَيَجِيءُ غَيْرُهُ فَيَنْهَبُ الْمَالَ أَوْ يَسْرِقُهُ) أَوْ يُفْسِدُهُ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ فَلِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُ فَاتِحِ الْبَابِ لِتَسَبُّبِهِ فِي الْإِضَاعَةِ (وَالْقَرَارُ عَلَى الْآخِذِ) لِمُبَاشَرَتِهِ فَإِنْ ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ ضَمِنَ الْفَاتِحُ رَجَعَ عَلَى (الْآخِذِ) .

    (وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ يَدَ آخَرَ وَفِيهَا) أَيْ: الْيَدِ (دِينَارٌ فَضَاعَ) الدِّينَارُ (ضَمِنَهُ) الضَّارِبُ لِتَسَبُّبِهِ فِي إضَاعَتِهِ.

    (وَلَوْ خَاصَمَهُ فَأَسْقَطَ عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ بِيَدِهِ أَوْ هَزَّهُ حَتَّى سَقَطَتْ) عِمَامَتُهُ عَنْ رَأْسِهِ (فَتَلِفَتْ) لِوُقُوعِهَا فِي نَارٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ) سَقَطَتْ (فِي زِحَامٍ) بِسَبَبِ هَزِّهِ وَنَحْوِهِ (فَضَاعَتْ ضَمِنَهَا) الَّذِي سَقَطَتْ بِفِعْلِهِ لِتَعَدِّيهِ قُلْتُ: فَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَحْوِ قَذَرٍ يُنْقِصُهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ.

    (وَلَوْ أَقَامَ عَمُودًا) وَنَحْوَهُ (بِجِدَارِهِ الْمَائِلِ) يَمْنَعهُ مِنْ السُّقُوطِ (فَجَاءَ آخَرُ وَرَفَعَ الْعَمُودَ) أَوْ نَحْوَهُ تَعَدِّيًا (فَسَقَطَ الْجِدَارُ فِي الْحَالِ ضَمِنَهُ) الرَّافِعُ لِلْعَمُودِ وَنَحْوِهِ لِتَعَدِّيهِ.

    (وَإِنْ وَقَعَ طَائِرُ إنْسَانٍ عَلَى جِدَارٍ فَنَفَّرَهُ آخَرُ) صَاحِبُ الْجِدَارِ أَوْ غَيْرُهُ (فَطَارَ يَضْمَنُهُ الْمُنَفِّرُ) ؛لِأَنَّ تَنْفِيرَهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبَ فَوَاتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ ذَلِكَ (وَإِنْ رَمَاهُ) إنْسَانٌ (فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ) الرَّامِي (وَإِنْ كَانَ) فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ تَنْفِيرِهِ بِغَيْرِ قَتْلِهِ.

    (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ: الطَّائِرَ (وَهُوَ مَارٌّ فِي هَوَاءِ دَارِهِ أَوْ) وَهُوَ مَارٌّ فِي هَوَاءِ دَارِ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْعُ الطَّائِرِ مِنْ الْهَوَاءِ.

    (وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ الْمَحْلُولَةُ عَقُورًا وَجَنَتْ) بَعْدَ حَلِّهَا أَوْ فَتْحِ إصْطَبْلِهَا وَنَحْوِهِ (ضَمِنَ) الْحَالُّ وَنَحْوُهُ (جِنَايَتَهَا) ؛لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا (كَمَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ أَوْ سَاجُورَ كَلْبٍ فَعَقَرَا) فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَالِّ لِتَسَبُّبِهِ وَالسَّاجُورُ: خَشَبَةٌ تُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ.

    (وَإِنْ أَفْسَدَتْ) الدَّابَّةُ الْمَحْلُولَةُ (زَرْعَ إنْسَانٍ فَكَإِفْسَادِ دَابَّةِ نَفْسِهِ) زَرْعَ غَيْرِهِ (عَلَى مَا سَيَأْتِي) تَفْصِيلُهُ فِي جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ.

    (وَلَوْ فَتَحَ) إنْسَانٌ (بَثْقًا) بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي يَحْبِسُ الْمَاءَ (فَأَفْسَدَ بِمَائِهِ زَرْعًا أَوْ بُنْيَانًا) قُلْت: أَوْ غِرَاسًا (ضَمِنَ) فَاتِحُ الْبَثْقِ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ قُلْتُ وَعَلَى قِيَاسِهِ: لَوْ فَاتَ بِهِ رَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ تُرْوَى بِسَبَبِ سَدِّهِ فَيَضْمَنُ فَاتِحُهُ خَرَاجَهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ: لَوْ فَرَّطَ مَنْ يَلِي سَدَّ الْبَثْقِ فِيهِ فَأَزَالَهُ الْمَاءُ عِنْد عُلُوِّهِ وَأَتْلَفَ شَيْئًا أَوْ فَاتَ بِهِ رَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَرَاضِي.

    (كَمَا لَوْ أَطْلَقَ دَابَّةً رَمُوحًا مِنْ شِكَالٍ أَيْ: تَضْرِبُ بِرِجْلِهَا) بَيَانٌ لِلرَّمُوحِ فَيَضْمَنُ مَنْ أَطْلَقَهَا مَا تَلِفَ بِهَا.

    (وَإِنْ رَمَى) أَيْ: أَلْقَى (الزِّقَّ الَّذِي بَقِيَ بَعْدَ حَلِّ وِكَائِهِ قَاعِدًا إنْسَانٌ آخَرُ اخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ) أَيْ: بِالْمُلْقِي لِلزِّقِّ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ.

    (وَإِنْ بَقِيَ الطَّائِرُ) بَعْدَ فَتْحِ قَفَصِهِ (وَ) بَقِيَ (الْفَرَسُ) بَعْدَ حَلِّ قَيْدِهِ أَوْ فَتْحِ إصْطَبْلِهِ (بِحَالِهِمَا فَنَفَّرَهُمَا آخَرُ ضَمِنَهُمَا الْمُنَفِّرُ) وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَدَافِعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ مَعَ حَافِرِهَا وَكَذَا لَوْ حَلَّ إنْسَانٌ حَيَوَانًا وَحَرَّضَهُ آخَرُ فَجَنَى فَإِنَّ ضَمَانَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُحَرِّضِ.

    (وَإِنْ أَتْلَفَ وَثِيقَةً لَا يَثْبُتُ) الْمَالُ (إلَّا بِهَا) وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ (ضَمِنَهُ) مُتْلِفُهَا؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي إضَاعَتِهِ (لَا إنْ دَفَعَ) إنْسَانٌ (مِفْتَاحًا إلَى لِصٍّ) فَسَرَقَ اللِّصُّ مَا فِي الدَّارِ الْمَدْفُوعِ مِفْتَاحُهَا إلَيْهِ فَالضَّمَانُ عَلَى اللِّصِّ دُونَ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ اللِّصَّ مُبَاشِرٌ وَالدَّافِعَ مُتَسَبِّبٌ وَإِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَسَبِّبِ.

    (وَلَوْ حَبَسَ مَالِكٌ دَوَابَّ فَتَلِفَتْ) الدَّوَابُّ بِسَبَبِ حَبْسِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) حَابِسُ الدَّوَابِّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ.

    (وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً) فِي طَرِيقٍ وَلَوْ وَاسِعًا (أَوْ أَوْقَفَهَا فِي طَرِيقٍ وَلَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (وَاسِعًا وَيَدُهُ عَلَيْهَا) بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ نَحْوَهُ (فَأَتْلَفَتْ) الدَّابَّةُ (شَيْئًا) ضَمِنَهُ مَنْ رَبَطَهَا أَوْ أَوْقَفَهَا (أَوْ جَنَتْ) الدَّابَّةُ (بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَمٍ) ضَمِنَ رَابِطُهَا وَمُوقِفُهَا لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ طَبْعَ الدَّابَّةِ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ رِجْلِهَا فَإِيقَافُهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ وَظَاهِرُهُ: لَا يَضْمَنُ جِنَايَةَ ذَنَبِهَا.

    (أَوْ تَرَكَ) أَيْ: أَلْقَى (فِي الطَّرِيقِ طِينًا أَوْ قِشْرَ بِطِّيخٍ أَوْ رَشَّ فِيهِ مَاءً فَزَلِقَ بِهِ إنْسَانٌ) ضَمِنَهُ مُلْقِي الطِّينِ أَوْ الْقِشْرِ أَوْ الرَّاشُّ لَكِنْ لَوْ كَانَ الرَّاشُّ لِتَسْكِينِ الْغُبَارِ عَلَى الْمُعْتَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ.

    (أَوْ) أَلْقَى (خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا) فِي الطَّرِيقِ لَا فِي نَحْوِ مَطَرٍ لِيَمْشِيَ عَلَيْهِ النَّاسُ (أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مَالَ إلَى السُّقُوطِ (فَتَلِفَ بِهِ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (شَيْءٌ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (ضَمِنَ) الْمُلْقِي لِذَلِكَ (مَا أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِهِ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِتَعَدِّيهِ.

    (وَمَنْ ضَرَبَ دَابَّةً مَرْبُوطَةً فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ صَاحِبُهَا ذَكَرَهُ) ابْنُ عَقِيلٍ (فِي الْفُنُونِ) وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَتْ وَاسِعَةً لَا ضَمَانَ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ضَرْبِهَا فَهُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ.

    (وَإِنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ: الْكَلْبِ (عَادَةٌ بِذَلِكَ) الْعَقْرِ (أَوْ) اقْتَنَى كَلْبًا (لَا يُقْتَنَى) بِأَنْ لَا يَكُونَ كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ (أَوْ) اقْتَنَى كَلْبًا (أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ) اقْتَنَى (كَبْشًا مُعَلَّمًا النِّطَاحَ أَوْ) اقْتَنَى (أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ فَعَقَرَتْ أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبًا) بِمَنْزِلِهِ أَوْ خَارِجَهُ ضَمِنَهُ مُقْتَنِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاقْتِنَائِهِ.

    (أَوْ) اقْتَنَى (هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتُقَلِّبُ الْقُدُورَ فِي الْعَادَةِ مَعَ عِلْمِهِ) بِحَالِهَا (بِأَنْ تَقَدَّمَ لِلْهِرِّ عَادَةٌ بِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ أَكْلِ الطُّيُورِ وَقَلْبِ الْقُدُورِ (ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ بِاقْتِنَائِهَا إذَنْ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ: الْهِرِّ (عَادَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهُ) مَا أَتْلَفَهُ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ بِاقْتِنَائِهِ مَا لَا عَادَةَ لَهُ بِذَلِكَ (كَالْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ) إذَا اقْتَنَاهُ لِنَحْوِ صَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ بَهِيمًا فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ.

    (وَلَا فَرْقَ) فِي ضَمَانِ إتْلَافِ مَا لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ (بَيْنَ) الْإِتْلَافِ فِي (اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) ؛لِأَنَّهُ لِلْعُدْوَانِ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمَخْرُوقَ ثَوْبُهُ أَوْ نَحْوُهُ (دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ) دَخَلَ (بِإِذْنِهِ وَنَبَّهَهُ) رَبُّ الْمَنْزِلِ (أَنَّهُ) أَيْ: الْكَلْبَ وَنَحْوَهُ (عَقُورٌ أَوْ غَيْرُ مَوْثُوقٍ) فَلَا يَضْمَنُ رَبُّ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ الْمُتَعَدِّي بِالدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَنَبَّهَهُ عَلَى أَنَّهُ عَقُورٌ أَوْ غَيْرُ مَوْثُوقٍ فَقَدْ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.

    (وَلَا يَضْمَنُ) مُقْتَنِي الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَنَحْوِهِ (مَا أَفْسَدَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ عَقْرٍ أَوْ خَرْقِ ثَوْبٍ بِأَنْ أَفْسَدَتْ (بِبَوْلٍ أَوْ وُلُوغٍ) فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ.

    (وَلَهُ قَتْلُ هِرٍّ بِسَبَبِ) أَكْلِ (لَحْمٍ وَنَحْوِهِ كَالْفَوَاسِقِ) وَسَائِرِ مَا فِيهِ أَذًى دَفْعًا لِأَذَاهُ (وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ حِينَ أَكْلِهَا) اللَّحْمَ وَنَحْوَهُ (فَقَطْ) إلْحَاقًا لَهَا بِالصَّائِلِ.

    (وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ سِنَّوْرٌ ضَارٌّ) أَيْ: لَهُ عَادَةٌ بِأَكْلِ الطُّيُورِ وَقَلْبِ الْقُدُورِ مِنْ غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَمِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ (فَأَفْسَدَ) شَيْئًا (لَمْ يَضْمَنْ) مَا أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّيَ مِنْهُ وَلَا تَسَبُّبَ إذْ لَمْ يَقْتَنِهِ.

    (وَإِنْ اقْتَنَى حَمَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا فَلَقَطَ حَبًّا) لِلْغَيْرِ (ضَمِنَ) الْمُقْتَنِي خَرَّجَهُ فِي الْآدَابِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ الِاقْتِنَاءُ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ وَبَعْدَ الْجَزْمِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ.

    وَفِي الْمُغْنِي: لَا ضَمَانَ وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْحَارِثِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.

    فَصْلٌ أَجَّجَ نَارًا فِي مَوَاتٍ أَوْ أَجَّجَهَا فِي مِلْكِهِ

    (فَصْلٌ وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مَوَاتٍ أَوْ أَجَّجَهَا فِي مِلْكِهِ) بِأَنْ أَوْقَدَ النَّارَ حَتَّى صَارَتْ تَلْتَهِبُ فِي دَارِهِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ (أَوْ سَقَى أَرْضَهُ) لِشَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ بِهَا أَوْ لِيَزْرَعَهَا (فَتَعَدَّى) مَا ذُكِرَ مِنْ النَّارِ وَالْمَاءِ (إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ) أَيْ: أَتْلَفَ الْمُتَعَدِّي مِنْ النَّارِ أَوْ الْمَاءِ مِلْكَ غَيْرِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) الْفَاعِلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَعَدِّيهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ: أَوْقَدَ نَارًا فِي السَّفِينَةِ؟ فَقَالَ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَطْبُخَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ (إذَا كَانَ) التَّأْجِيجُ أَوْ السَّقْيُ (مَا) أَيْ: شَيْئًا (جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِلَا إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ فَإِنْ فَرَّطَ) بِأَنْ تَرَكَ النَّارَ مُؤَجَّجَةً وَالْمَاءَ مَفْتُوحًا وَنَامَ فَحَصَلَ التَّلَفُ بِذَلِكَ وَهُوَ نَائِمٌ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ (أَوْ فَرَّطَ بِأَنْ أَجَّجَ نَارًا تَسْرِي فِي الْعَادَةِ لِكَثْرَتِهَا أَوْ) أَجَّجَهَا (فِي رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَحْمِلُهَا) إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ وَكَذَا لَوْ أَجَّجَهَا قُرْبَ زَرْبٍ أَوْ حَصِيدٍ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَ (لَا) يَضْمَنُ إنْ تَعَدَّتْ (بِطَرَيَانِهَا) أَيْ: الرِّيحِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ أَجَّجَهَا عَلَى سَطْحِ دَارٍ فَهَبَّتْ الرِّيحُ فَأَطَارَ الشَّرَرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ وَهُبُوبُ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ.

    (أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى) عَادَةً (أَوْ فَتَحَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ أَوْقَدَ) نَارًا (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) تَعَدِّيًا (فَرَّطَ أَوْ أَفْرَطَ) أَيْ: أَسْرَفَ (أَوْ لَا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ) لِتَعَدِّيهِ.

    (وَكَذَلِكَ) يَضْمَنُ (إنْ أَيْبَسَتْ النَّارُ) الَّتِي أَوْقَدَهَا وَلَوْ فِي مِلْكِهِ (أَغْصَانُ شَجَرِ غَيْرِهِ) ؛لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَارٍ كَثِيرَةٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَغْصَانُ فِي هَوَائِهِ فَلَا يَضْمَنُ) ؛لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ.

    (وَإِنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ لَزِمَهُ حِفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ) بِيَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ لِرَبِّهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَ الدَّارِ صَاحِبَهُ) أَيْ: الثَّوْبِ (فَهُوَ لُقَطَةٌ) يُعَرِّفُهُ حَوْلًا.

    (وَإِنْ عَرَفَهُ) أَيْ: عَرَفَ رَبُّ الدَّار صَاحِبَ الثَّوْبِ (لَزِمَهُ إعْلَامُهُ) بِالثَّوْبِ فَوْرًا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يُعْلِمْ رَبَّهُ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ (ضَمِنَهُ) إنْ تَلِفَ بَعْد مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ.

    (وَإِنْ سَقَطَ طَائِرٌ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: رَبَّ الدَّارِ (حِفْظُهُ وَلَا إعْلَامُ صَاحِبِهِ) ؛لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الطَّيْرُ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ) كَالْمَقْصُوصِ جَنَاحُهُ (فَكَالثَّوْبِ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ فَلُقَطَةٌ وَإِنَّ عَرَفَهُ أَعْلَمَهُ فَوْرًا وَإِلَّا ضَمِنَ.

    (وَإِنْ دَخَلَ) طَيْرٌ مَمْلُوكٌ (بُرْجَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ) رَبُّ الْبُرْجِ (نَاوِيًا إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ ضَمِنَهُ) لِتَعَدِّيهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابُ أَوْ أَغْلَقَهُ غَيْرُ نَاوٍ إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ نَوَى إمْسَاكَهُ لِرَبِّهِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ مُحْسِنٌ لَكِنْ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ فَوْرًا إنْ عَلِمَهُ كَمَا سَبَقَ.

    (وَإِنْ حَفَرَ فِي فِنَائِهِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (وَهُوَ) أَيْ: الْفِنَاءُ (مَا كَانَ خَارِجَ الدَّارِ) وَنَحْوِهَا (قَرِيبًا مِنْهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِنَاءُ الدَّارِ كَكِسَاءٍ مَا اتَّسَعَ مِنْ أَمَامِهَا وَجَمْعُهُ أَفَنِيَةٌ وَفُنِيٌّ (بِئْرًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَلَوْ بِلَا ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا إنْ حَفَرَ نِصْفَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفَهَا فِي فِنَائِهِ.

    (وَكَذَا الْبِنَاءُ) فِي فِنَائِهِ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ: الْبِئْرِ وَكَذَا الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِي فِنَائِهِ سِكِّينًا فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكِ مُلَّاكِ الدُّورِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِهِمْ.

    (وَلَوْ حَفَرَهَا) أَيْ: الْبِئْرَ فِي الْفِنَاءِ (الْحُرِّ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا وَثَبَتَ عِلْمُهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ) أَيْ: الْآذِنِ (ضَمِنَ الْحَافِرُ) مَا تَلِفَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي (وَإِنْ جَهِلَ) الْحَافِرُ أَنَّهَا مِلْكُ الْغَيْرِ ضَمِنَ (الْآمِرُ) لِتَغْرِيرِهِ الْحَافِرَ وَكَذَا لَوْ جَهِلَ الْبَانِي فَلَوْ ادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَ الْحَافِرِ أَوْ الْبَانِي بِالْحَالِ وَأَنْكَرَاهُ فَقَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.

    (وَإِنْ حَفَرَهَا) أَيْ: الْبِئْرَ فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ (أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُ) كَبِنَاءٍ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ (فِي سَابِلَةٍ) أَيْ: طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ (وَاسِعَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ) كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِيَجْتَمِعَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ أَوْ يَنْبُعَ مِنْهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَ الْمَارَّةُ (بِلَا ضَرَرٍ بِالْمَارَّةِ) لَأَنْ فِعْلَ ذَلِكَ (لِنَفْعِ نَفْسِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهَا) ؛لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ (كَبِنَاءِ جَسْرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الْقَنْطَرَةُ لِيَمُرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ.

    (وَكَذَا لَوْ حَفَرَهَا) أَيْ: الْبِئْرَ (فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ ارْتِفَاقٍ أَوْ انْتِفَاعٍ عَامٍّ) ؛لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا (وَيَنْبَغِي) لِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا بِالطَّرِيقِ الْوَاسِعِ أَوْ الْمَوَاتِ (أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا حَاجِزًا تُعْلَمُ بِهِ لِتُتَوَقَّى قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ مَسَدًّا يَمْنَعُ مِنْ الضَّرَرِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ حَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْخَانِ وَنَحْوِهِ (فِيهَا) أَيْ: فِي الطَّرِيقِ (لِنَفْعِ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ) بِأَنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي الْقَارِعَةِ (أَوْ) فَعَلَهُ (فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ ضَمِنَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ لَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ مَاتَ الْحَافِرُ ثُمَّ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ تَرِكَتِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي بَابِ الرَّهْنِ حَتَّى قَالَا: لَوْ بِيعَتْ التَّرِكَةُ لِفَسْخٍ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ مِنْهَا لِسَبْقِ سَبَبِهِ، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْوُقُوعِ ضَمِنُوا قِيمَةَ الْعَبْدِ كَالْمَرْهُونِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ.

    (وَفِعْلُ عَبْدِهِ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَفْرِ وَالْبِنَاءِ بِالْفِنَاءِ وَالطَّرِيقِ الْوَاسِعِ أَوْ الضَّيِّقِ (بِأَمْرِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (كَفِعْلِ نَفْسِهِ) ؛لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْآلَةِ وَسَوَاءٌ (أَعْتَقَهُ) سَيِّدُهُ (بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْفِعْلِ فَيَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالسَّيِّدِ.

    (وَ) إنْ فَعَلَهُ الْعَبْدُ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (يَتَعَلَّقُ ضَمَانُهُ) أَيْ: ضَمَانُ مَا يَتْلَفُ (بِرَقَبَتِهِ) كَسَائِرِ جِنَايَاتِهِ الَّتِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا سَيِّدُهُ (ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ) السَّيِّدُ بَعْدَ الْحَفْرِ أَوْ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ تَلِفَ شَيْءٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ (فَمَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ فَعَلَيْهِ) أَيْ: الْعَتِيقِ (ضَمَانُهُ) دُونَ سَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْجِنَايَةِ.

    (وَلَوْ أَمَرَهُ) أَيْ: الْحَافِرَ أَوْ الْبَانِيَ (السُّلْطَانُ بِفِعْلِ ذَلِكَ) أَيْ: بِالْحَفْرِ أَوْ الْبِنَاءِ (ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَحْدَهُ) وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَعُهُ مُخَالَفَتُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ.

    (وَإِنْ فَعَلَ) إنْسَانٌ فِي طَرِيقٍ (مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِنَفْعِ الطَّرِيق وَإِصْلَاحِهَا كَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَنْهَا وَتَنْقِيَتِهَا مِمَّا يَضُرُّ فِيهَا) كَقِشْرِ بِطِّيخٍ (وَحَفْرِ هَدَفَةٍ) أَيْ: رَبْوَةٍ عَالِيَةٍ (فِيهَا) أَيْ: الطَّرِيقِ بِحَيْثُ تُسَاوِي غَيْرَهَا (وَقَلْعِ حَجَرٍ) فِي الْأَرْضِ (يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ فِيهَا) أَيْ: فِي الْأَرْضِ (لِيَمْلَأَهَا وَتَسْقِيفِ سَاقِيَةٍ فِيهَا وَوَضْعِ حَجَرٍ فِي طِينٍ فِيهَا لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ) ؛لِأَنَّهُ إحْسَانٌ وَمَعْرُوفٌ.

    (وَإِنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا أَوْ بَارِيَّةً) وَهِيَ الْحَصِيرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ لَكِنْ فِي عُرْفِ الشَّامِّ مَا يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا لِيَحْصُلَ التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ) بَسَطَ فِي الْمَسْجِدِ (بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ أَوْقَدَهُ أَوْ نَصَبَ فِيهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (بَابًا أَوْ عُمُدًا أَوْ بَنَى جِدَارًا) يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَسْجِدُ (أَوْ سَقَّفَهُ أَوْ جَعَلَ فِيهِ رَفًّا وَنَحْوَهُ لِنَفْعِ النَّاسِ أَوْ وَضَعَ فِيهِ حَصًى لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) ؛لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ.

    (وَإِنْ جَلَسَ) فِي مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ (أَوْ اضْطَجَعَ) فِي مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ (أَوْ قَامَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ) فَتَلِفَ أَوْ نَقَصَ (لَمْ يَضْمَنْ) تَلَفَهُ وَلَا نَقْصَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُبَاحًا لَمْ يَتَعَدَّ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي مَكَان لَهُ فِيهِ حَقٌّ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا كَالْجُلُوسِ مَعَ الْحَيْضِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مَعَ إضْرَارِ الْمَارَّةِ فِي الطَّرِيقِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ: لَا ضَمَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا لِذَاتِ الْجُلُوسِ بَلْ لِمَعْنًى قَارَنَهُ وَهُوَ الْجَنَابَةُ أَوْ الْحَيْضُ فَأَشْبَهَ مَنْ جَلَسَ بِمِلْكِهِ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ.

    (وَيَضْمَنُ إنْ جَلَسَ أَوْ اضْطَجَعَ) أَوْ قَامَ (فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ) لِإِضْرَارِهِ بِالْمَارَّةِ (وَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ) .

    وَإِنْ أَحْدَثَ بِرْكَةً لِلْمَاءِ أَوْ كَنِيفًا أَوْ مُسْتَحَمًّا فَنَزَّ إلَى جِدَارِ جَارِهِ فَأَوْهَاهُ وَهَدَمَهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تَتَعَدَّى ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ قَالَا: وَلِلْجَارِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ حَاجِزًا مُحَكَّمًا يَمْنَعُ النَّزَّ زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَوْ يَبْعُدُ بِحَيْثُ لَا يَتَعَدَّى النَّزُّ إلَى جِدَارِ جَارِهِ وَقَالَ أَيْضًا: الدَّقُّ الَّذِي يَهِدُّ الْجِدَارَ مَضْمُونُ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ.

    (وَإِنْ أَخْرَجَ) إنْسَانٌ (جَنَاحًا) وَهُوَ الرَّوْشَنُ (أَوْ مِيزَابًا وَنَحْوَهُ) كَسَابَاطٍ وَحَجَرٍ بَرَزَ بِهِ فِي الْبُنْيَانِ (إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ) مُطْلَقًا إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِي جَنَاحٍ أَوْ سَابَاطٍ أَوْ مِيزَابٍ بِلَا ضَرَرٍ (أَوْ) أَخْرَجَ مَا ذُكِرَ فِي دَرْبٍ (غَيْرِ نَافِذٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ وَلَوْ) كَانَ سُقُوطُهُ (بَعْدَ بَيْعِهِ وَقَدْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ لِحُصُولِهِ) أَيْ: التَّلَفِ (بِفِعْلِهِ) أَيْ: بِسَبَبِ فِعْلِهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا سَقَطَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَكُنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ لَا يَضْمَنُ (مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ) أَيْ: الْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ وَالسَّابَاطِ (إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ فَقَطْ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمَارَّةِ بِإِخْرَاجِهِ فَلَا ضَمَانَ) ؛لِأَنَّ النَّافِذَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُمْ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ أَهْلُ غَيْرِ النَّافِذِ لَهُ فِي ذَلِكَ.

    (وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ) بَعْدَ أَنْ بَنَاهُ مُسْتَقِيمًا (إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ (عَلِمَ بِهِ) أَيْ: بِمَيَلَانِ حَائِطِهِ (أَوْ لَا فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ) وَلَوْ أَمْكَنَهُ نَقْضُهُ وَطُولِبَ بِهِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ فَهُوَ (كَمَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيَلَانٍ وَعَنْهُ إنْ طُولِبَ) أَيْ: طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ (بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ) مَعَ إمْكَانِهِ (ضَمِنَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) ؛لِأَنَّ تَرْكَ الْهَدْمِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ تَفْرِيطٌ وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِسُقُوطِهِ ضَمَانٌ لَمْ تُشْتَرَطْ الْمُطَالَبَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا لَوْ بَنَاهُ ابْتِدَاءً مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا يَتْلَفُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ.

    (قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَالْمُطَالَبَةُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا كَانَ مَيْلُهُ إلَى الطَّرِيقِ) ؛لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِعَامَّةِ النَّاسِ (كَمَا لَوْ مَالَ إلَى مِلْكِ جَمَاعَةٍ فَطَالَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُطَالَبَةُ) بِالنَّقْضِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ.

    (وَإِنْ طَالَبَ وَاحِدٌ) مِمَّنْ لَهُمْ الْحَقُّ (فَاسْتَأْجَلَهُ) أَيْ: اسْتَمْهَلَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ أَوْ أَجَّلَهُ الْإِمَامُ (لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ) بِذَلِكَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ الْإِمْهَالُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى تَحْصِيلِ الْآلَاتِ فَلَا ضَمَانَ لِانْتِفَاءِ التَّفْرِيطِ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ (وَلَا أَثَرَ لِمُطَالَبَةِ) الْمُسْتَحِقِّ (لِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ وَمُسْتَعِيرِهَا وَمُسْتَوْدِعهَا وَمُرْتَهِنِهَا) ؛لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ النَّقْضَ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الْمَالِكِ.

    وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَطُولِبَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ أَوْ الْوَصِيُّ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ الْمَالِكُ قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِمْ وَنَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْمُنْتَخَبِ.

    وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ مِنْهُ وَهُوَ تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) ؛لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِطَلَبِهِمْ.

    (وَإِنْ بَنَاهُ) أَيْ: الْحَائِطَ (مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ) بَنَاهُ مَائِلًا (إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ) لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ (أَوْ مَالَ) الْحَائِطُ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى مِلْكِ رَبِّهِ (بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَضْمَنْ) رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ.

    (وَإِنْ بَنَاهُ) أَيْ: الْحَائِطَ (مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ) ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ (أَوْ) بَنَاهُ مَائِلًا (إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ) لِتَسَبُّبِهِ.

    (وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ) أَيْ: طُولِبَ (بِنَقْضِهِ فَبَاعَهُ مَائِلًا فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَتَلِفَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى بَائِعٍ) فِيمَا تَلِفَ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَيْسَ مِلْكَهُ حَالَ السُّقُوطِ فَزَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ هَدْمِهِ فَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ نَقْضِهِ فَيَضْمَنُ (وَلَا) ضَمَانَ (عَلَى مُشْتَرٍ) ؛لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ.

    (وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ) أَيْ: الْحَائِطَ الْمَائِلَ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَأَقْبَضَهُ) ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ وَلَا الْمُتَّهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَنْقُلُ الْمِلْكَ.

    (وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ) فِيمَا تَلِفَ (وَالتَّالِفُ آدَمِيٌّ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ: عَاقِلَةِ رَبِّ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ دِيَةَ قَتْلِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ (فَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ كَوْنَ الْحَائِطَ لِصَاحِبِهِمْ) الَّذِي يَعْقِلُونَ عَنْهُ.

    (وَأَنْكَرُوا) أَيْ: الْعَاقِلَةُ (مُطَالَبَتَهُ بِنَقْضِهِ) حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ أَوْ أَنْكَرَ وَأُتْلِفَ الْآدَمِيُّ بِالْجِدَارِ (لَمْ يَلْزَمْهُمْ) شَيْءٌ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ) بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْ مَالِ الْحَائِطِ إلَى مِلْكِهِ وَالْحَقُّ لَهُ فَلَا ضَمَانَ.

    (وَإِنْ تَشَقَّقَ الْحَائِطُ عَرْضًا فَكَمَيْلِهِ) فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ وَكَذَا إنْ طُولِبَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ إذَا طُولِبَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ (لَا) إنْ تَشَقَّقَ الْحَائِطُ (طُولًا) وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ.

    فَصْلٌ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1