Explore 1.5M+ audiobooks & ebooks free for days

From $11.99/month after trial. Cancel anytime.

ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع: رواية, #1
ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع: رواية, #1
ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع: رواية, #1
Ebook265 pages2 hoursرواية

ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع: رواية, #1

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الرواية «ظلال ثيسيوس» هي عمل فلسفي سردي يغوص في أعماق النفس البشرية ويعيد طرح أسئلة الوجود والهوية والحب في عالم معاصر تتداخل فيه الحقيقة بالوهم.

تحكي الرواية قصة حب ممنوع يتجاوز حدود المألوف، إذ تجمع بين شخصيتين تبحثان عن معنى الوجود وسط تناقضات الحياة، حيث يصبح العشق عندهما طريقًا للتأمل والتمرد في آن واحد.
من خلال هذا الحب، يدخل القارئ في عالم فلسفي عميق يتأرجح بين الواقع والخيال، الجسد والروح، الحب والفكر، الحرية والقدر.

في خلفية السرد، تستحضر الرواية أسطورة ثيسيوس الإغريقية كمرآة رمزية للإنسان المعاصر الذي يسعى إلى التحرر من المتاهة الفكرية والاجتماعية التي صنعها بنفسه. «ظلال ثيسيوس» هنا ليست مجرد شخصية بل هي حالة وجودية تعبّر عن الإنسان الذي يبحث عن ذاته وسط ظلال المفاهيم والحقائق الملتبسة.

الكاتب يوظف اللغة بأسلوب تأملي وشاعري، يمزج بين الفلسفة والعاطفة، ليخلق تجربة قرائية تلامس الوجدان وتستفز الفكر في آن واحد. لا يقدم الحب في بعده الرومانسي البسيط، بل يجعله سؤالًا ميتافيزيقيًا عن المعنى والحرية والهوية.
الشخصيات لا تُروى عنها كأفراد، بل كرموز تمثل صراعات داخلية عميقة، فيتداخل الحوار الفلسفي مع الاعترافات العاطفية ليكشف عن رحلة داخلية نحو معرفة الذات.

الرواية تطرح أيضًا رؤية نقدية للعصر الحديث الذي تسوده العزلة الرقمية، حيث تتحول العلاقات إلى انعكاسات رقمية، والهوية إلى بناء افتراضي هشّ.
من خلال هذه الخلفية، يعيد الكاتب التفكير في مفهوم الإنسان بين العالم الواقعي والافتراضي، ويطرح تساؤلات حول الحب في زمن التقنية، والحرية في زمن الهيمنة الفكرية، والوجود في زمن النسيان.

في نهاية المطاف، «ظلال ثيسيوس» ليست مجرد رواية عن حب ممنوع، بل هي تأمل وجودي في ماهية الإنسان، وصرخة فكرية ضد الفراغ القيمي الذي يعيشه الجيل المعاصر.
إنها رحلة فلسفية وشعرية في متاهة الروح، حيث يسعى البطل (أو الراوي) إلى إيجاد معنى للحياة وسط الظلال الكثيفة التي تحجب الحقيقة، ليكتشف أن التحرر الحقيقي يبدأ من الداخل.

Languageالعربية
Publisherظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع
Release dateOct 10, 2025
ISBN9789920897600
ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع: رواية, #1

Related to ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع

Titles in the series (8)

View More

Related ebooks

Related categories

Reviews for ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    ظلال ثيسيوس - سيرة حب ممنوع - TAAAM ABDELMAJID

    عبد المجيد طعام

    العنوان : ظلال ثيسيوس

    الكاتب : عبد المجيد طعام

    النوع : رواية

    رقم الإيداع القانوني : 2025M01876

    ISBN                   : 978-9920-8976-0-0

    الناشر : زيري للطباعة والنشر

    إلى أولئك الذين يجرؤون على الحب

    خارج حدود التوقعات.

    .

    هذه الرواية

    في إطار مشروع ورش الفلسفة للجميع، وبعد أن قدمنا للقارئ كتاب أسطورة الخلق – سفر في الميثولوجيا، وهو محاولة لكسر الطابع النخبوي للميثولوجيا ، وجعل متعتها في متناول الجميع. نواصل رحلتنا المعرفية بإصدار جديد ، لكن هذه المرة اخترنا الرواية لطرح التساؤلات الوجودية ، ومد الجسور

    بين الفلسفة والأدب، وسبر أغوار المعاني الوجودية، والغوص في التجارب الإنسانية، ومساءلة الحقيقة والمعرفة والأخلاق والحرية والحب .

    هذه الرواية مغامرة فكرية وعاطفية ، تقود نحو  عوالم تتحدى المسلمات. تفتح الأبواب أمام التأمل العميق . تشكل وعيا جديدا ، يلهم القارئ ليعيش الفلسفة بشكل عملي وتجريبي في حياته اليومية.

    إضاءات

    في خضم الحياة، حيث تتلاطم أمواج الشكوك والمحن، يظل السعي وراء الحقيقة والحب منارة تنير الدرب، حتى عندما تحيط بنا الظلال.

    الحقيقة ليست مجرد كشف للواقع . هي ضوء يبدد الجهل ويمنح الإنسان وضوح الرؤية . الحب، هو الدفء الذي يحيي الروح، ويجعل للحياة معنى يتجاوز حدود المعنى ذاته . من يطلب الحقيقة، لا يسير في طريق سهل، بل يخوض رحلة قد تكون شاقة، مليئة بالتساؤلات والشكوك ، لكنه ، رغم ذلك، يسير بنور المعرفة الذي يضيء العتمات.

    الإدراك العميق للحقيقة، وإن جاء مؤلما أحيانا، يبقى أفضل من العيش في وهم مريح. أما الحب، فهو القبس الذي يجعل أصعب اللحظات محتملة، لأنه يمنح الإنسان القدرة على العطاء، التسامح، والارتباط بالعالم.

    وسط الظلال التي قد تلقيها الحياة على دروبنا، بين خيبات الأمل وتحديات الواقع، يبقى الأمل ممكنا، لا كترف عابر، بل كحقيقة تنبثق من الإيمان بأن السعي وراء النور، سواء عبر المعرفة أو الحب، لا يمكن إلا أن يقود إلى غد أكثر إشراقا.

    الحقيقة تمنح الإنسان وضوح الرؤية، والحب يمنحه القوة على الاستمرار، وبهما معا، يولد الأمل من رحم الظلام. إنها معادلة الحياة، حيث لا معنى للنور دون الظل، ولا قيمة للأمل إن لم يختبر في لحظات العتمة. لكن من يسير وفي قلبه توق للحقيقة، وفي روحه دفء الحب، فإنه حتما سيجد في كل فجر وعدا جديدا، وفي كل ظلمة شرارة نور تنتظر أن تشتعل.

    لم يكن الظلام هو ما يخشاه بطلا هذه الرواية ، بل الاعتياد عليه. في عتمة الأيام المتشابكة، حيث تتلاشى الحدود بين الصواب والضياع. أدركا أن الحقيقة والحب هما آخر ما تبقى لهما ليقاوما الانجراف.

    في مدينة تغرق في أنصاف الحقائق، وأرواح تتوارى خلف أقنعة زائفة، كان عليهما أن يختارا : هل يغامران بالبحث عن حقيقة قد تكسرهما، أم يستسلمان للطمأنينة الزائفة التي تمنحهما الأكاذيب المريحة؟ كانا يدركان أن لكل حقيقة ثمنا، كما أن لكل حب مخاطره، لكن الأمل ظل عصيا على الموت داخلهما، يشعل فتيل غد يبدو مشرقا رغم الرماد المتراكم.

    وسط الظلال التي تحجب الرؤية، بين العتمة التي تختبئ خلفها الأسرار، وبين القلوب التي أنهكها التردد، تبدأ رحلتهما. رحلة لن تخلو من الألم، لكنها قد تكون الوحيدة التي تستحق العيش. في نهاية المطاف، لم يكونا يبحثان عن الخلاص بقدر ما كانا يسعيان لإيجاد نفسيهما وسط المتاهة، متشبثين بالنور، ولو كان مجرد شرارة في ليل بلا نجوم.

    -1-

    أعلن الإشعار الصوتي لهاتفيهما عن لقائهما الأول . بدأ بمصافحة رقمية تتحدى المسافات .  لكن إدريس ، العاشق للفلسفة ، وجد نفسه مشدودا إلى صورة امرأة ، لايعرفها ، ملامحها توحي بذكاء حاد ، وقوة هادئة. ماريا، روائية وناشطة في حقل حقوق الإنسان. كلماتها الأولى ، كانت متوقدة بنار البحث عن العدالة ومواجهة الظلم، والدفاع عن الحرية الشخصية . أسرت انتباهه بحديثها المقتضب المصاغ بأناقة، وإصرار.

    عندما قرر إدريس أن يرد على منشور ماريا، لم يكن يريد أن يجعل من رده مجرد تعليق عابر، بل أراده اختبارا خفيا، لقياس مدى عمقها الفكري . صحيح ، لمس في  كلماتها نبرة مختلفة، وإيقاعا يشبه صدى أفكاره الغريبة التي لا يتقبلها محيطه. كتب جملة تحيل على تحدي نيتشه للوجود الساكن : من يمنح معنى لحياته، يمكنه أن يواجه كل التحديات طبعا لم يكن ينتظر ردا، أو على الأقل، لم يكن يتوقع ردا يثير فضوله. لكن ماريا لم تترك الجسر معلقا في الهواء. أتى الرد، مقتبسا من فلسفة هايدغر: "الوجود ليس مجرد كينونة، بل انفتاح على الإمكان."

    شعر إدريس وكأن شحنة كهربائية خفيفة اخترقت أطرافه. لم يكن الرد مجرد مجاملة فكرية، رأى فيه رسالة مبطنة، وإشعارا يوحي بأنها  ترى ما وراء الكلمات، وتدرك أن اللغة يمكن أن تكون أكبر من مجرد وسيلة تواصل، بل فضاء للمغامرة. ابتسم وهو يعيد قراءة ردها للمرة الثالثة، كمن يسترجع لحنا مألوفا بأسلوب جديد، يمزج بين عبق الماضي ونبض الحاضر.. لم يكن الأمر مجرد تفاعل عابر، بل لحظة اتصال خفية بين روحين تتلمسان طريقهما وسط زحام العبارات المكررة. شيء ما في ردها منحه إحساسا غير مألوف، انتابه مزيج من الدهشة والتوجس. هل وجد أخيرا شخصا يفهمه دون أن يضطر لشرح نفسه ويبرر اختياراته الفكرية؟

    انتظرت ماريا رد فعله بصبر يشوبه قلق غير مبرر. لم تعتد على لقاء شخص يتحدث الفلسفة كأنها لغته الأم. غالبا ما كانت تتحفظ في مشاركة أفكارها مع الغرباء، إذ كانت تراها خاصة وأكثر ارتباطا بها ، من الصعب أن تطرحها بسهولة على ارض الواقع . لكنها هذه المرة شعرت بشيء مختلف، وكأن الكلمات وجدت طريقها للخروج دون تردد . لمست صدى يشبهها، نبرة مألوفة، مرآة فكرية تعكس جزءا منها ، لم تكن تدري بوجوده. كان هذا اللقاء الرقمي أشبه بأول خيط في نسيج قصة لم تبدأ بعد ، لكنه بلا شك شكل  لحظة تستحق أن تعاش.

    كانت أحاديثهما الأولى أشبه برقصة خجولة، خطواتها محسوبة بدقة رياضية، وكأن كل كلمة تتطلب ميزانا حساسا يضبط الإيقاع. لم يكن اللقاء مباشرا، كان عبر شاشة باردة، سرى فيها شيئ من دفئهما عبر كلمات ، بدت تتراقص برفق في فضاء المسكوت عنه ،  على نوتات هادئة. بدأ الحوار متزنا ، كل واحد منهما يتحسس الأرضية الفكرية للآخر . يتلمسان نقاط التقاء خفية، يختبران مدى الانسجام بين أفكارهما ، دون أن يدركا تماما أن إحساسا أعمق بدأ يتشكل عبر الشاشتين .

    تحدثا عن الكتب، عن المفاهيم الفلسفية، عن الأدب الذي شكل وجدانهما، عن الحقوق التي شغلت بالهما أكثر من أي شيء آخر. لكن ودون سابق إعلان بدأت تتسربت إلى كلماتهما نبرة خاصة، لا تحيل على  مجرد نقاش عابر، بل أضحت غوصا في أعماق المعاني، وفي ما يجعل الإنسان إنسانا ، وسط هذا العصر المتسارع الذي يستهلك كل شيء، حتى الأفكار الفاقدة للمعنى.

    ثم انزلق حديثهما إلى نقد الحضارة الحديثة، التي جعلت من الاستهلاك دينا جديدا، حيث تصاغ الأفكار في مصانع الصور البراقة، ويعاد تشكيل الواقع وفق مقاييس العرض والطلب. في هذا العالم، يتحول المؤثرون إلى أنبياء جدد ،  يوجهون الرأي العام، يصنعون التوجهات، ويعيدون رسم القيم، ويقدمون التفاهة على أنها كتاب مقدس نسخ كل الكتب  المقدسة التي نزلت من سماء النظام الرأسمالي. لم يعد الأمر مجرد استبدال للمحتوى، بل انقلاب في موازين التأثير، لم تعد المعرفة معيارا للقيمة . باتت القيمة تقاس بعدد الإعجابات والتفاعلات السريعة، وكأن الحقيقة نفسها لم تعد سوى سلعة تخضع لمنطق السوق،  والقيم العميقة تختنق تحت ركام الترفيه اللحظي . أصبح التفكير النقدي تهمةً، والتأمل عزلة، والحوار ترفا لا يتسع له الزمن المتسارع. عالم يهرب من مواجهة نفسه، يخشى الأسئلة أكثر مما يخشى الجهل، ويصنع الوهم ليحمي نفسه من رؤية الحقيقة عارية.

    كانت كلماتهما تتشابك كما لو كانا يعيدان ترتيب أجزاء لوحة مفقودة الأجزاء. يحاولان أن يفهما معا كيف وصل العالم إلى هذه الحالة من التردي. مع كل فكرة تبادلاها، كانت المسافة بينهما تتقلص فكريا وعاطفيا أيضا، كأن الفكر عثر على توأمه التائه . تحولت الكلمات إلى جسور تربط  بين روحين .

    مع مرور الوقت ، بدأت لقاءاتهما الرقمية  تتحرر شيئا فشيئا من أجواء الحذر. تخلصت من الرسميات  . أصبحت أكثر حميمية ووضوحا. اكتشف إدريس شغف ماريا بالعدالة الاجتماعية، والتزامها الثابت بالدفاع عن حقوق الإنسان، وروح الدعابة الحادة التي تمزق حجب التظاهر بغير شخصيتها. بدورها، اكتشفت اتساع أفق تأملات إدريس، وفهمه العميق للطبيعة البشرية، والهدوء الذي يتسرب من كل كلمة ينطقها ، تساءلت عن جذور هذا الهدوء : أهو حزن يحيل على حياة متناقضة ، يملأها الفرح والفقدان في نفس الوقت ؟

    تجاوز حبهما المشترك للفلسفة والأدب أفق التقيد بمظاهره ، تحول إلى لغة مشتركة بينهما ، وفهما صامتا يتردد صداه بعيدا عن الكلمات. ناقشا تعقيدات شخصيات دوستويفسكي الروائية ، المحاصرة بين الشكوك الوجودية والمفاهيم الأخلاقية، والاغتراب المستمر عن الذات والمجتمع.. كما ناقشا جمال نثر كافكا المخيف الذي يتعمد خلق عالم فني غارق في الغرابة والاغتراب، وتحويل التفاصيل اليومية البسيطة إلى كوابيس مؤلمة، تمتزج فيها اللغة السلسة بالقلق الوجودي .وجدا أنفسهما مشدودين برواية المسخ قرآها أكثر من مرة ، تبدالا مواقفهما من العالم المرعب لكافكا ، استوقفهما التحول المفاجئ للبطل، غريغور سامسا، إلى حشرة عملاقة ، بما أثار لديهما من تساؤلات حول الهوية، والغربة والاغتراب . كما وجدا أنفسهما مشدودين أيضا بذكاء السخرية السوداء لجورج أورويل كأداة حادة لفضح التناقضات الاجتماعية والسياسية ، وإظهار هشاشة الحرية والعدالة في ظل الأنظمة القمعية. ىأضحت أحاديثهما أداة للتنقيب في الروح البشرية، وانعكاسا لآفاقهما الداخلية، ورحلة مشتركة إلى جوهر المعنى نفسه. كل كلمة مختارة بعناية، وكل تعليق عميق، أسس رابطا أعمق، ليفصح عن علاقة بدأت تتطلع لتجاوز حدود العالم الافتراضي.

    عزز الفضاء الرقمي، بفضل انفصاله الفطري عن الواقع المادي، حميمية غريبة بينهما ، شعرت ماريا بالهشاشة والشدة في الوقت نفسه. كانت كلماتهما، المحررة من قيود الحضور الجسدي، تسمح بنوع من الضعف الذي قد يكبت في أي لقاء مباشر. تبادلا قصصا شخصية، وذكريات، وشغبا طفوليا ، ومخاوف بصدق نادر ، يكشف عن سعادتهما بهذا اللقاء.

    في الليالي الطويلة التي امتدت بين الكلمات، كشف لها إدريس عن صراعاته الهادئة، التي بدت ساكنة من الخارج ، لكنها جارحة  تدميه من الداخل بصمتها المرير. أخبرها عن شعوره بالانفصال عن الواقع، وأخبرها أيضا  بذلك الشرخ العميق الذي ازداد اتساعا بعد إصابته بالمرض واضطراره إلى أن يمارس حياته بحذر شديد. لم يفرض عليه المرض  مجرد الانتقال من حالة إلى أخرى، بل كان انقلابا عاصفا ، غير كل ما كان يعرفه عن نفسه. كان قاسيا، لم يترك ندوبا على جسده فقط  ، بل أحدث في ذاكرته جروحا لا تندمل.

    أما ماريا، فقد فتحت له نوافذ قلقها الوجودي. قلق يثقل روحها ويرهق خطواتها. تحدثت عن إحباطها العميق أمام مشهد الظلم السياسي والاجتماعي، عن الشعور  بالفشل والإحباط  حينما أدركت أن الكلمات وحدها لا تكفي لتغيير واقع جائر . ماريا المدافعة عن المظلومين، وجدت نفسها واحدة منهم ، تحمل ندوبا لا تقل عمقا عن تلك التي تقاسمها معها إدريس . تكلمت عن العنف الذي لم يعد مجرد فعل، بل أصبح منظومة كاملة، مهيكلة يمتد تاريخه عبر قرون، لا يستثني أحدا.  تحدثت كثيرا عن النساء ، عن معانتهن في مجتمع ذكوري عنيف ، بنى وعيا جمعيا لا يؤمن إلا  بالقوالب والطابوهات والأصنام ، والكليشهات الجاهزة .

    وكأنها تنقش الكلمات على جدار الصمت المتمرد كتبت له : لم ينصفني هذا المجتمع أبدا.  كانت الكلمات بسيطة، لكن وقعها بدا كابوسا يدوي في صمت الليل. لم تخبره فقط عن تشتت إحساساتها، بل أخبرته كذلك بتلك القسوة التي تعلمتها لحماية نفسها، العواطف التي تحجرت داخلها كآلة دفاع ضد الانكسارات المتكررة.  كان إدريس ينصت إلى حروفها وهي تشكل كلمات دامية، لا كمتفرج على حكاية مؤلمة، بل كمشارك خفي في الألم. كان كل منهما يروي جرحه، لا ليتلقى عزاء، بل ليجد في الآخر صدى لما كان يظنه معاناة فردية منعزلة.

    في هذا التبادل الصادق، وهذا التشظي المشترك ، بدأ إحساس ما يتشكل بينهما،  يتجاوز الفضول الفكري، يتجاوز حتى حدود الصداقة العادية ، غير حوارهما عن مجراه الطبيعي ، لم يعد مجرد حوار بين عقلين، بل أضحى لقاء بين روحين عاريتين تماما ، تلتقيان عند نقطة ضعفهما القصوى، حيث يولد الفهم، ويبدأ رابط لا يمكن تعريفه بسهولة، لكنه ولد ، أصبح حقيقة بما يكفي ليغير أشياء في داخلهما إلى الأبد ، ويجعل تحت سطح الشغف المشترك ، توترا خفيا، يتلألأ مثل خيط من نار  يومض في الظلام ، يكاد لا يراه أحد سواهما .

    لكنهما...منذ بداية تحول علاقتهما ، واجها حاجزا غير مرئي : حاجز  الوعي بالممنوع  كان يلاحق كل فكرة تنشأ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1