About this ebook
Related to منتصف الحب
Related ebooks
أوراق المطر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيُمْنَاي: (عن قصة واقعية) Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsروح وحيدة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنور Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرحلة نحو النور Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرسائل لن تصل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتفاصيل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتفاصيل بسيطه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمياسين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسلام أسود: مذكرات التعافي وما بعد الاكتئاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأحاديث روح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعندما تصنع الآلهةُ أقدارَها Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاعترافات كاهن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإلى أن ننسى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرمية حجر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعزيزتي تارا: رسائل مثيرة للونس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمعنى الكلام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحرية العهد الجديد: التحرر من عبودية الذات وتحطيم عبودية الآخر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالحياة بكل معانيها Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقهوة باللبن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوحي قلم: pen's inspiration Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقارئة الأرواح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsثمَّ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsهمسات من القلب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالطيور على أشكالها تطير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبريد لم يصل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجسر الأمنيات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتعب السر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسوانح القراءة: قراءات.. تأملات.. خواطر.. Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمن حافة الهاوية إلى الفوضى الخلاقة Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for منتصف الحب
0 ratings0 reviews
Book preview
منتصف الحب - د. مريم الملا
الإهداء
أهدي هذا العمل إلى كلِّ مَن نقش على جدران قلبي بَصمته المضيئة، فمنحني هبة حبِّه.
أهديه إلى أبنائي الذين أرى في كلِّ واحد منهم نورًا مِن روحي، وأرى في كلِّ واحد منهم سرًّا عظيمًا مِن أسرار الوجود، أسأل الله أن يحفظهم، وأن يرزقني أن أبرَّهم صغارًا ويبرُّوا بي كبارًا، ويرزقني أن أرى نجاحهم وازدهارهم مِن الآن إلى أن يشتدَّ عودهم، ويصبِحوا ما شاءوا أن يكونوا.
وأهديه إلى والدي الكريم الذي علَّمَني أنَّ النَّجاح يتحقَّق بالسَّعي، وينمو بالمشاركة، ويدوم بالعطاء، والدي المتفائل الذي علَّمني أنَّ الوقت دائمًا مناسب لنبدأ مِن جديد حتَّى وإن بدأنا مِن الصفر مجدَّدًا، والدي العظيم الذي لَم ينتظرني لأسقط إن تعثَّرتُ، بل أَسرَع يمدُّ يده لي كي لا أسقط، وحمل همِّي على أكتافه وأنا كبيرة كما حملني على أكتافه وأنا صغيرة، فكان قُدوَتي أولًا ومعلِّمي ثانيًا.
وأهديه لأمِّي الجميلة الأنيقة الحنون الصابرة، أمِّي التي لَم تتعلَّم كيف تقرأ وتكتب، ولكنَّها سهرَتِ الليالي تدعو لنا بالنجاح والتوفيق لكَي نتعلَّم وننجح، فكنَّا نحن شهاداتها وعلمها ونورها، أمِّي القلب الأعظم في الوجود الذي فقد أربعة أقمار هجروا ليلها، فوكَّلَت أمرها إلى الله، وجعلَت مِن الصبر نبراسًا يضيء بدموعها لحظات خلوَتها وصلواتها، أمي التي لَم تبخل بما بقي مِن قلبها وروحها الوارفة لتظلِّل مَن حولها مِن أبناء وأهل وأصدقاء.
وأهديه إلى ثلاثة لا يتكرَّرون بين نساء الأرض، إلى المرأة الاستثناء لطيفة، وإلى الفارسة الجميلة خلود، وإلى ملكة الورد خولة.
وأهديه إلى جميع إخوتي، شموس القلب وأقماره، أصحاب القلوب النقية والأخلاق الراقية والفِكر الشامخ، أسأل الله أن يحفظهم جميعًا.
وأهديه إلى صديقاتي الصدوقات، أخواتي اللاتي اخترتُهنَّ بإرادتي، ولَم يحرمني البُعد ولا الانشغال مِن جمال وجودهنَّ، هنَّ إكسير الشباب الدائم، وهُنَّ الزمن الجميل الذي يتجدَّد دائمًا دون أن يفقد أصالته، أسأل الله لهنَّ السعادة والنَّعيم.
وفي مسك الختام وطِيبه وبهائه، أهديه إلى الذي لن يقرأ إهدائي، إلى الذي طالما أطلَّتِ الحياة مِن ابتسامته الصادقة التي ما زالت تسكن عيني، عاش أيامه بحبٍّ وفرح وعطاء، جاء للدنيا كومضة نور أنارَتِ السماء سريعًا ورحلَت، لا أدري هل جاء في زمن البسطاء ليكون مِن العظماء، أم جاء في زمن العظماء ليكون مِن البسطاء، فما كان ذاك زمانه وما كان ذاك مكانه، أخي الصديق الصدوق، عيسى الملا رحمه الله.
أودُّ أن أضع كلَّ الرَّائعين الذين يستحقُّون إهداءاتي بأسمائهم جميعًا، لكنِّي سأحتاج إلى كتاب آخَر لهم؛ لذا أقول لكلِّ قلب رائع لَم أذكر اسمه، أنتم يا مَن تعرفون أنفسكم مِن أصدقاء وأحبَّة وأهل وزملاء، والعابرين العظماء بقلوبكم البيضاء، وجميع الأرواح الطيِّبة البهيَّة التي مرَّت بي، شكرًا لكم عليكم، أنتم أكبر مِن كلمات الشكر، وأجمل مِن قصائد الحب، أنتم مِن النِّعَم التي أسأل الله أن يحفظها وأن يزيد العالم جمالًا بها.
حملتُ الحبَّ على كتفي، ومشيتُ في رحلة البحث عن الحكمة حتَّى رأيتُها، رأيتُ الحقيقية العارية التي كنتُ أشيح عنها نظري زمنًا طويلًا، فلمَّا رأيتُها اكتشفتُ أنَّها لَم تكن مخيفة بل كانت مختلفة، ولَم تكن قبيحة بل كانت صادقة، ولَم تكن عارية بل كانت زاهية بكلِّ ألوان الحياة، اخترتُ كتابة بعض ما رأيتُ والاحتفاظ بالباقي للمنتصَف الآخَر، فما رأيتُه ليس هذا زمانه وليس هذا الكتاب مكانه!
أسأل الله أن يؤدِّي هذا الكتاب الهدف المنشود منه، وأن ينفع كلَّ مَن يحمله في هذه اللحظة بين يديه، فما يحتويه ليس مجرَّد سطور، بل هو ميراث مِن النور أتركه لمن أراد هذا الخير.
حقوق النشر©
د. مريم الملا 2024
تمتلك د. مريم الملا الحق كمؤلفة لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
جميع الحقوق محفوظة
لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.
أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.
الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948761921 (غلاف ورقي)
الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948761938 (كتاب إلكتروني)
رقم الطلب:MC-10-01-7508898
التصنيف العمري:E
تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن مجلس الإمارات للإعلام.
الطبعة الأولى 2024
أوستن ماكولي للنشر م. م. ح
مدينة الشارقة للنشر
صندوق بريد [519201]
الشارقة، الإمارات العربية المتحدة
www.austinmacauley.ae
202 95 655 971+
img1المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحياة قصيرة جدًّا أمام كلِّ الأشياء التي أردتُ القيام بها، ورغم ذلك بدَت رحلاتي طويلة، أحد الأشياء التي أردتُ أن أقوم بها هو أن أجعل بعضًا مِن النور والعلم الذي وصلني أن يصل إلى كلِّ مكان، وينفع كلَّ إنسان، ويبقى مِن بعدي في كلِّ زمان، يبقى لمئات السنين وربَّما آلاف السنين.
جاءتني فكرة أن أكتب كتابًا علميًّا في طبِّ العيون الذي أحببتُه منذ أول سنة في دراستي الجامعية، وكان علمًا ممتعًا وسهلًا بالنسبة لي، ووضعتُه في قائمة ما سأنجزه يومًا ما ليفيد الطلبة والأطباء المتدربِّين، ويسهِّل عليهم طب العيون.
وبالفعل كتبتُ الكثير أثناء عملي، ومررتُه لمن يريده، وفتحتُ موقعًا طبيًّا، وعلَّمتُ الكثيرين مِمَّن مرُوا عليَّ مِن طلبة ومتدرِّبين وزملاء، حتَّى تركتُ ممارسة الطبِّ لأتفرَّغ لدور جديد ومهمٍّ في حياتي، وهو دوري كأمٍّ.
ومضتِ السنوات سريعة كنتُ فيها أحطُّ وأرحل بين المجال الطبي وبين أسرتي الصغيرة، وبقي الكتاب حلمًا على الرفِّ ينتظر دوره.
مرَّ وقت طويل، وكان لا بدَّ لهذا الحلم أن يتجلَّى؛ فهو مِن النِّيَّات المتجذِّرة في كياني، إلا إنَّني أدركتُ لاحقًا بأنَّ هذه النيَّة لَم تكن في العمق موجَّهة لكتاب طبِّي، بل لكتاب مختلف لَم أعرف ملامحه حتَّى بدأتُ أشكِّله بين يدي ببطء ومتعة، وتحوَّل مِن كتاب معلومات علمية إلى كتاب يشبهني، يفتح جميع الأبواب، ويجمع النور مِن كلِّ فكر فلسفي علمي روائي ديني أدبي، وتحوَّلَتِ الفكرة البيانية إلى فراشة فتحَت أجنحتها بكلِّ ألوان الحياة، أدهشني جمالها، وأربكني حزنها، فقرَّرتُ أن أحرِّرها، ولكنِّي تساءلتُ: هل أحتاج للعلم أم للحكمة أم للواقع؟ لَم أُرِد أن أتخبَّط بين حلم الأمل وواقعية الألم؛ لهذا أخذ الكتاب وقتًا طويلًا جدًّا حتَّى بدا لي أنَّه لن يرى النور أبدًا، فكلُّ سنة كانت تمرُّ عليه كانت تحذف الكثير مِن سطور السَّنة التي سبقَتها إلى أن هداني الله لأقبل التَّغيير الذي يأتي فاتحًا ذراعيه كلَّ يوم دون أن أُضطَرَّ لأن ألغي الماضي بتجاربه التي جاءت بالكثير مِن الرسائل، وأن أقبل نُسَخي السابقة بما كانت عليه، فتوقَّفتُ عن حذف السطور، وبدأتُ بقبول وتمرير تلك الرسائل.
كان الزمن كريمًا وكنتُ شحيحة، ولكن الحمد الله تحوَّلَت لحظات الكتابة المسروقة إلى كتاب صغير مزدحم بالحياة، كتاب يبحث في كلِّ الزوايا بين الحقائق والأكاذيب، بين النور والظلام، بين الفقد والصبر عن تلك الهدية المُخبَّأة خلف كلِّ حزن، عن القوَّة الكامنة وراء كلِّ ضعف، عن جمال لحظة الوقوف بعد السقوط، عن الحياة الواقفة بين ما يجب أن نفعل وبين ما نريد أن نفعل.
في هذا الكتاب سأفتح كلَّ الأبواب، بابًا تلو الآخَر في سلسلة متداخلة مِن المواقف والمشاعر الإنسانية التي دائمًا تتشابه عندما يتعلَّق الأمر بالبحث عن الذَّات، سأُبحِر حتَّى أصل لمنتصَف الحبِّ، حيث الحب ليس فقط رجلًا وامرأة، بل هو نحن والأيام واللحظات والتفاصيل التي تصنعنا، هو الحياة التي نعيش فيها قصة حبٍّ كبرى مع الكون المتصالح معنا رغم تناقضنا معه.
img2img1لماذا منتصف الحب؟
لأنَّه المكان الذي يعيد فيه الزمن مقياسه للصفر ليعيد كتابة القصة مِن جديد، ولأنَّه الوضوح الذي تسقط أمامه جميع الأقنعة والأوهام، ولأنَّه المنعطَف الذي تكثر عنده الحوادث والأخطاء، ذلك المنعطف الحادُّ رغم وضوحه إلا إنَّ الكثيرين يصطدمون بحواجزه ويتألَّمون كثيرًا، الجميع يقف في هذا المكان إمَّا مخيَّرين أو مسيَّرين، يعيدون ترتيب أولويَّاتهم ثم يكمِلون طريقهم.
لأنَّ المنتصَف محايد، وبغضِّ النَّظر عمَّا في الكفَّتَين فهو دائمًا متِّزِن، حاولتُ هنا أن أكون أنا أيضًا محايدة قدر استطاعتي، وأن أقبل بالظلام والخوف كما قبِلتُ بالنور والحبِّ حتَّى خرجتُ بهذه السطور الصادقة، حاولتُ ألَّا يكون هناك شخصنة للحبِّ أو شخصنة للوفاء أو للسعادة أو للحزن، فقط الحياة بحُلوِها ومرِّها، الحياة التي لا بدَّ أن نتذوَّق كلَّ ما تضعه بيدها في فمنا.
كتابي فيه مِن حزني ومِن فرحي، مِن ظلامي ومِن نوري، ولكن ليس كله حكاياتي، فأريحوا بالكم إذا مررتم ببعض السطور التي قد تثير فضولكم، فإن شئتم تأويلها فلكم ذلك، وأتساءل: في أي زاوية ستقفون؟ وأي جزء مِن الصورة سترَون؟ وإلى أي بُعدٍ ستَصِلون؟ في كلِّ الأحوال كلُّنا متشابهون، وكلُّنا أحرار في رؤية الصورة مِن أي زاوية نريد.
img2img1لمَن هذا الكتاب؟
لك أيها الواقف في منتصف الطريق تتساءل: هل تكمل أم تعود؟
لك أيها المتميز الذي كتم صوته المختلف، واختار أن يتكرَّر كالصَّدى بين أصوات الآخَرين.
لك يا مَن لا عيبَ فيك لكنَّك متكفِّن بالخجل والعار مِن الناس.
لك أيها الخائف مِن اللاشيء حتَّى فقدتَ كلَّ شيء.
لك أيها الواقف مكانك تبرِّر أخطاءك السوداء بأعذارك البيضاء، أيًّا كان قناعك فقد حان الوقت لتتحرَّر منه وتريح وجهك، ليس هنا أحد ليحكم عليك ولا حتَّى نفسك.
كلُّنا في هذه الصفحات سنقف صادقين صامتين أمام أطول كذبة توارثَتها البشرية منذ الأزل كذبة المثالية
، سنقرأ التاريخ مِن كتاب آخَر لَم يكتبه إنسان، بل سنكتب نحن في صفحاته ما عرفناه بأنفسنا، سنتنازل عن الأنانية ونتقاسم خبز الرحمة بيننا، سنفتح بكلِّ أدب تلك الأبواب الموصدة بقانون العيب الاجتماعي، ونرى لماذا فقد الناس جزءًا كبيرًا مِن أنفسهم وهم يبنون حياتهم، سنبحث في أخطائنا وليس في أخطاء الآخَرين لنصحِّح مساراتنا وليس مساراتهم، سنبحث بين الرماد عن عود الثقاب الأول الذي أحرق الغابة البشرية حتَّى صارتِ الإنسانية رمادًا تذروه المادة، سنكشف سر انتشار الجهل العاطفي وتفشِّي الأميَّة الأخلاقية في زمن وصل فيه العلم لاستنساخ المخلوقات وغزو الفضاء.
أيها الواقف في منتصف الحب، الواقف في منتصف الزواج، الواقف في منتصف الصداقة، الواقف في منتصف الحياة، الواقف في منتصف الطريق الذي اخترتَه أيًّا كان طريقك، حان الوقت لتأخذ استراحة محارِب؛ لأنَّ الخطوة التالية ستكون هي الأولى للمنتصف الآخَر، فمرحبًا بك في هذا الفضاء الواسع، هناك كلمات ستخاطبك أنت بذاتك، روحك كانت تنتظر هذا الكتاب؛ لهذا أنتَ لا تقرؤه صدفة، الروح تعرف ماذا تريد وتأخذنا إليه.
img2img1أين الباب؟
كم وقفنا أمام الكثير مِن الأبواب الموصدة في حياتنا، التي تعبنا كثيرًا ونحن واقفون أمامها ندقُّ أجراسها بإلحاح، ونطرقها بأيدينا وأرجلنا، واستهلكَت طاقاتنا وأوقاتنا ونحن نحاول أن نفتحها دون أن تتأكَّد حتَّى إن كانت هي الأبواب الصحيحة، ربَّما حان الوقت أن نتنازل عن تلك الأبواب ونتركها خلفنا، ونركِّز على الباب الأهمِّ والأعظم على الإطلاق.
تعال وامشِ معي في طريق النور وانظر أمامك، نحن معًا ولكن كلٌّ منَّا في عالمه، سترى بابًا ضخمًا بحجم الكوكب، دعني أخبرك السرَّ العظيم، هذا الباب هو الباب السحري لكل العجائب، وله أسرار ليس لها عدد، ولكل سرٍّ مفتاح لا يظهر إلا في يد مَن يراه، أول شيء عجيب فيه أنَّ كلَّ واحد منَّا سيراه بصورة مختلفة عن الآخَر، أنا لا أعلم كيف أنت ستراه وأنت لا تعلم كيف أنا سأراه، وثاني شيء عجيب فيه أنَّنا في اللحظة التي نراه فيها سيتغيَّر كلُّ شيء حولنا، والأعجب مِن ذلك أنَّنا لا نستطيع أن نفتحه إلا مِن الداخل، وبدون أن نكون في الداخل لن يعني أي شيء في الخارج أي شيء، والخارج توجد فيه الحياة.. هذا الباب العظيم هو القلب!
قلوبنا هي أبواب سعادتنا وشقائنا، ولكلٍّ منها مفتاح ومِرآة، والمفتاح في المرآة، والمرآة أبدية تصل بين عالمَيِ الغيب والشهادة، وهي تقف راسخة أمامنا بصمت، إنَّها المرآة الأكثر صدقًا ووضوحًا في الوجود، وحتَّى نرى ما هو موجود فيها لا بدَّ أن نمسح عنها غبار التَّجاهل الذي تراكَم عليها، نمسحها بأكمامنا وبضمائرنا وبما تحمله نفوسنا مِن حوارات داخلية لا يسمعها سِوَانا، نمسحها حتَّى ترانا بوضوح، ثمَّ نقف أمامها ونرى انعكاس صُوَرنا الحقيقية.
تلك المرآة الوحيدة التي لا تكذب أمامها وجوهنا، لا يخدعها أي قناع نضعه مهما كان متقَنًا، يقف الشاب مفتول العضلات أمامها فيبدو في الحقيقة مخلوقًا ضعيفًا لاحول له ولا قوة، وتقف الفتاة الجميلة الناعمة أمامها فتبدو بشعة مخيفة، ويقف الرجل المهيب فيظهر كطفل يبكي بخوف وارتباك، ويقف مَن قالوا عنه قبيحًا فيظهر آية مِن آيات الجمال، هي مرآة تعكس أرواحنا لنراها رأي العين.
لو كانت هذه المرآة التي تُظهِر حقائقنا وليس أشكالنا موجودة أمامنا على أرض الواقع، فهل ستتجرَّأ لتقف أمامها أمام حشد مِن الناس؟
كن صادقًا ولا تهتمَّ كثيرًا بالمثاليَّات، إجابتك الحقيقية على الأغلب: لا.
حسنًا.. لنخفِّف التوتُّر ونقلِّل العدد، هل ستقف أمامها أمام شخص واحد مِن المقرَّبين لديك؟ إجابتك أيضًا على الأغلب: لا.
لا تقلق فالأمر طبيعي بل بديهي، لا أحد منَّا يرغب أن يرى الآخَرون ذلك الجانب المظلم منه، أو يطَّلعون على عثرات فِكره، أو يرَون النِّقاط السوداء في نفسه الأمَّارة بالسوء، أنتَ لستَ سيِّئًا بل أنتَ ككلِّ مَن حولك لستَ كاملًا ولستَ خاليًا مِن العيوب، أنت كجميع البشر فيك الخير والشر، وفيك الظلام والنور.
ستحتاج للقليل مِن الشجاعة لتفتح الباب وتقف أمام هذه المرآة، وترى الصورة الحقيقية، ولكن أحيانًا هذا القليل كثير!
هذا القليل كثير على مَن يهِّمه نظرة الناس إليه وأحكامهم عليه، فهذه المواجهة لن يراها أحد ولن يصفِّق لها أحد.
هذا القليل كثير على مَن يكذبون على أنفسهم، فهذا الباب لا يفتحه إلا الصادقون.
هذا القليل كثير على المقيَّدين بالغرور، فهذا الفضاء لا يصله إلا إنسان حرٌّ.
هذا القليل كثير على مَن يعيش منهج الغابة التي يفترس فيها القوي الضعيف، فهذه المعركة تحتاج إلى الكثير مِن التسامح والكثير مِن العفو عند المقدرة.
قد يبدو الأمر صعبًا، ولكن لا بدَّ مِن القيام به؛ فليس هناك باب آخَر، وليس هناك باب بديل، لا بدَّ مِن مواجهة أنفسنا عاجلًا أو آجلًا، فالهروب مِن هذه المواجهة يجعلنا نتعب كثيرًا في الحياة ونحن نحاول أن نُبقِي صورنا في مرآتها مختلفة عنَّا، فمهما ارتدَينا مِن أقنعة، صُوَرنا الحقيقية دائمًا تتجلَّى أمامنا وتواجهنا!
هروبنا مِن الوقوف أمام تلك المرآة يجعلنا نُهدِر الكثير مِن الجهد والطاقة والسعادة والوقت في مراحل حياتنا، يجعلنا هذا الهروب ضعفاء نجمع الهموم الصغيرة، ونظنُّ أنَّنا بأمان مِن القلق حتَّى يجتمع الحجر على الحجر، فيغدو جبلًا غير مرئيٍّ يجثم على صدورنا، وتضيق رغمًا عنَّا قلوبنا، وتغرق نفوسنا شيئًا فشيئًا في مشاعر مكبوتة كأنَّها سجن صغير ينمو في دواخلنا، فنتعلَّق بأي قشَّة تلوح لنا بالنَّجاة، ما بين أصدقاء، أو أحبَّاء، أو علاقات، أو كتب، أو علاجات نفسية أو روحانية، أو أدوية مضادَّة للاكتئاب، أو أطبَّاء، أو أي قشَّة تعطينا الأمل، نحاول ألَّا نغرق في قطرات الحزن العملاقة التي تفاجِئنا، فنتعلَّق بتلك القشَّة، وبعد لحظات مِن التعلُّق نكتشف أنَّنا تعلَّقنا بشيء صغير لا يتحمَّل أوزان قلوبنا المثقلة بالخوف والغضب والحيرة، فنغرق ببطء وهدوء وصمت ونحن ننظر للأعلى نرى فقاعات الأكسجين وهي تخذلنا وتبتعد عنَّا، وتصبح نبضات قلوبنا هي الضجيج الوحيد الذي نسمعه عندما نرتطم بالقاع دون أن يشعر بنا أحد.
مِن المدهش أنَّنا بلغنا مِن الانفتاح والعلم ما بلغنا، ولكنَّنا عندما نقف أمام القلب ومِرآته بانعكاساتها الحقيقية نغلق عقولنا عنه خوفًا مِن صدقه المؤلم، وصراحته الجارحة لأوهامنا الراسخة، وضرباته الموجعة لمعتقداتنا الموروثة وأحزاننا العميقة ومخاوفنا المختبئة؛ لأنَّنا أجبن مِن أن نستقبل ذلك النور القادم إلينا مِن أرواحنا، نغمض أعيُننا عن ذلك النور، ونصغر كثيرا ونتقوقع على أنفسنا في كهوفنا المظلمة كأنَّنا لَم نذُق نعيمًا قطّ، وعندما ننوي النَّجاة نستنجد بالآخَرين، بالطبيب والصديق والحبيب والمعالجين النفسيِّين والروحانيِّين، فيمدون إلينا أيدي العون بصدق، ولكن أيديهم لا تصل لأنَّها أيادٍ محتاجة مثلنا، هم أيضًا يحتاجون المقابل العاطفي أو المعنوي أو المادِّي، فنزداد ارتباكًا بين ماذا نعطي وماذا نأخذ!
في تلك اللحظة وأنت قابع في دائرتك المظلمة ترجو النَّجاة، ابحث عن الشيء الوحيد الذي تحتاجه، شيء ستجده في مكانٍ ما في داخلك حتَّى وإن لَم تدرك وجوده مسبقًا، دعني أساعدك لتجده، تخيَّل نفسك صغرتَ كثيرًا حتَّى أصبحتَ بحجم خليَّة، ادخل إلى أعماقك، ادخل إلى أعمق مكان في قلبك، المكان مظلم جدًّا، لا تخَف.. ركِّز جيِّدًا، ابحث عن ضوء صغير وان كان حتَّى صغيرًا كنقطة هو حتمًا موجود، ومهما صغر فلن تجد صعوبة في إيجاده وسط الظلام، لا تتجاهله.. انظر إليه جيِّدًا، اقترِب منه ولا تخَف، المسه واشعر به مرَّة واحدة، سيشعُّ ويضيء كلُّ شيء مِن داخلك إلى آخِر الكون، إنَّه إيمانك الحقيقي بالله وبنفسك، في تلك اللحظة سيتغيَّر كلُّ شيء، وستدرك وجودك في صندوقك الضيِّق الذي يحيطك كتابوتٍ مِن الوهم، وستدرك أنَّك السجَّان السجين، وسترى المفتاح، فإذا فتحتَ الصندوق وخرجتَ وتحرَّرتَ ستتفاجأ بكميَّة وسهولة وسائل الإنقاذ التي كانت حولك، ولكنَّك لَم تكُن تراها!
إيمانك هو المعجزة الأولى، إيمانك هو القوة التي لن تدرك وجودها حتى تصبح هي الشيء الوحيد الذي ينقذك عندما يصبح كل شيء لا شيء، ولن تظهر هذه القوة حتى تثق بها، ولن تثق بها حتى تَقبل الظلام الواقف أمام النور، وتقبل كل الاحتمالات، ليس عليك أن تكون متديِّنًا لتدرك قوة إيمانك، أو أن تكون زاهدًا في الدنيا لتنال النعيم في الآخِرة، إنَّ الله خلقك ونفخ فيك مِن روحه، ووهبك الحياة لتعيشها بأكملها، وخلق الخير لتأخذه، وخلق النعيم لتتنعَّم به، وخلق الجمال لتراه، وخلق النقيض لتتعلَّم ولتدرك نقيضه فتختار.
إيمانك بالله وبنفسك هو مفتاح معجزاتك، بل هو معجزتك الأهَمُّ، إيمانك يجعلك قويًّا متحرِّرًا مِن تلك القيود المادية الضيِّقة التي تحدِّد لك الإمكانيات والاحتمالات، إيمانك يجعلك تنظر إلى الشيء الذي تريده وتطلبه وأنت واثق بمن طلبته، فإذا توجَّهتَ إلى ما تريد مشيًا جاء إليك هرولة!
غيِّر حياتك الآن وليس بعد قليل، ابدأ بالأشياء الصغيرة، الصغيرة جدًّا، تلك الأشياء التي لا تظنُّ أنَّها ستُحدِث فرقًا كبيرًا، وانظر كيف ستتغيَّر حياتك بالتدريج، أليس تغيير درجة
