Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الأدب العربي الحديث
الأدب العربي الحديث
الأدب العربي الحديث
Ebook576 pages4 hours

الأدب العربي الحديث

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

أعجبت بدراسة بعض تفاصيل العلاقة بين بدايات الأدب الحديث والأدب الكلاسيكي، وأعجبني أيضاً تفادي المؤلف التركيز المعتاد على الأدب المصري، حين تعامل أكثر مع الأدب العربي الحديث بوصفه ظاهرة واحدة. د/ ميسامي, محرر في دورية الجمعية الأمريكية الاستشراقية العبيكان للنشر .. يقدم هذا الكتاب مقدمة موجزة للأدب العربي الحديث في القرنين التاسع عشر والعشرين, وصمم في الأساس ليكون كتاباً تعليمياً لطلاب الجامعات المتحدثين باللغة الإنجليزية. ويتوجه الكتاب إلى شريحة أوسع من القراء المهتمين بالشرق الأوسط المعاصر والأدب الحديث والمقارن. يضع الكتاب تطور الأدب العربي الحديث في سياق تراث العصور الوسطى، وأيضاً الأشكال الأدبية الجديدة المستقاة من الغرب, مستكشفاً التفاعل بين التغير الاجتماعي والسياسي والثقافي في الشرق الأوسط وتطور التراث الأدبي العربي الحديث. يناقش هذا الكتاب الشعر وكتابة النثر والمسرح في فصول منفردة. وعلى وجه العموم يقدم كتاب (الأدب العربي الحديث) معلومات متوازنة تعكس وتيرة التطور الأدبي في أجزاء مختلفة من العالم العربي، بما في ذلك شمال إفريقيا. السمات الرئيسة: مدخل دقيق إلى حقل معرفي يستحق أن يعرف أكثر في الغرب. تقديم واضح مبني على تجربة المؤلف الطويلة في تدريس الموضوع. دليل لمصادر أخرى و معلومات أكثر. مراجع واسعة مع قائمة لأعمال مترجمة للغة الإنجليزية.
Languageالعربية
PublisherObeikan
Release dateJan 1, 2013
ISBN9789960549996
الأدب العربي الحديث

Related to الأدب العربي الحديث

Related ebooks

Reviews for الأدب العربي الحديث

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الأدب العربي الحديث - بول ستاركي

    الأدب العربي الحديث

    تأليف

    بول ستاركي

    محرر السلسلة

    كارل هيلينبراند

    نقلته إلى العربية

    هند تركي السديري

    Original Title

    MODERN ARABIC LITRATURE

    Author: Paul Starkey

    Copyright © Paul Starkey 2006

    ISBN-13: 978-0748612901

    All rights reserved. Authorized translation from the English language edition

    Published by Edinburgh University Press

    22 George Square, Edinburgh EH89LF (U.K.)

    حقوق الطبعة العربية محفوظة للعبيكان بالتعاقد مع مطابع جامعة إدنبرة، المملكة المتحدة.

    © 2008 _ 1428

    مكتبة العبيكان، 1431هـ

        فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر

    ستاركي، بول

    الأدب العربي الحديث./ بول ستاركي.- الرياض 1431هـ

    ردمك: 6 - 999 - 54 - 9960 – 978

    1 - الأدب العربي - نقد - العصر الحديث             أ. العنوان

    ديوي: 810.99                                        رقم الإيداع: 2011 / 1431

    الطبعة العربية الأولى 1433هـ - 2012م

    الناشر للشسر

    المملكة العربية السعودية - الرياض - المحمدية - طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول

    هاتف4808654: فاكس: 4808095 ص.ب: 67622 الرياض 11517

    امتياز التوزيع سركة مكتبة

    المملكة العربية السعودية - العليا - تقاطع طريق الملك فهد مع شارع العروبة

    هاتف: 4160018 /4654424 - فاكس: 4650129 ص. ب: 62807 الرياض 11595

    جميع الحقوق محفوظة للناشر. ولا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو نقله في أي شكل أو واسطة، سواء أكانت إلكترونية أو ميكانيكيـــة، بما في ذلك التصوير بالنسخ «فوتوكوبي»، أو التسجيل، أو التخزين والاسترجاع، دون إذن خطي من الناشر.

    المحتوى

    مقدمة المترجمة

    مقدمة وشكر

    تمهيد: ماهو الأدب العربي الحديث

    1- الخلفية

    2- النهضة

    3- الشعر الكلاسيكي الجديد

    4- الرومانسية في الشعر العربي

    5- الشعر: الحداثيون

    6- أدب النثر: التطورات المبكرة

    7- أدب النثر: مرحلة النضج

    8- جيل الستينات وما بعده

    9- المسرح: التجارب الأولى

    10- المسرح: مرحلة النضج

    11- الخاتمة

    مقدمة المترجمة

    يقدم كتاب الأدب العربي الحديث شرحًا واسعًا عن نشأة الأدب العربي الحديث بلغة سهلة ومفهومة؛ قُصِدَ بها طلاب الأدب العربي في المقام الأول. ويقع الكتاب في أحد عشر فصلًا مرتبة حسب التسلسل الزمني للتطور الأدبي. والكتاب ممتع ومفيد جدًّا، ويشتمل على معلومات واسعة وشاملة فهو يبدأ بمفهوم وأصل مصطلح «الأدب» وأصله، ويميزه عن كلمة أدب العربية والتي تعني بالأخلاقيات في اللغة العربية، ولا نجد هذا التداخل في المعنى باللغة الإنجليزية التي هي لغة الكتاب الأصلية.

    وينطلق المؤلف من هذه النقطة ليتحدث، ويوثق نشأةَ الأدب العربي منذ بداياته في العصر الجاهلي، و تأثير بلاغة النص القرآني وأهميته في لغة الأدب. وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أنواع الأدب العربي التي بدأت بجنس أدبي واحد هو الشعر، متحدثًا عن أهمية الشعر للعرب وعن كونه يحفظ تاريخ هذه الأمة وكيف كان سجلًّا لإنجازاتها. وأن المؤلف يشرح للقارئ الغربي الذي ليس على اطلاع على الثقافة العربية، وقد يُفاجأ بذكر الشاعر لدابتَه ورحلته قبل الولوج إلى موضوعه، وكيفية بناء القصيدة العربية القديمة مستندًا إلى تحليل ابن قتيبة لبناء القصيدة العربية. وهو في نقله عن ابن قتيبة ينقل بأمانة، ويستخدم ألفاظًا مناسبة حملت المعنى المقصود باللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية. ويشرح ظهور الشعر الحر وقصيدة النثر.

    ومن الشعر ينطلق المؤلف إلى ظهور جنس أدبي جديد هو النثر فيتابع تطوره وصولًا إلى القرن العشرين. وهو في تلك المتابعة يغطي معظم الدول العربية، وإن كان التركيز على مصر وسوريا. وينتقل إلى المسرح وبداياته البسيطة، إلى أن وصل إلى أوجه مع توفيق الحكيم والرواد من بعده.

    ويتحدث عن أهم المدارس الأدبية في العالم العربي والتأثيرات الغربية التي أثرت عليها أو أضافت إليها، وعن الأحداث السياسية التي كانت عاملًا مهمًّا في تشكيل بعض المنهجيات الأدبية والفلسفية.

    ولكن يؤخذ على المؤلف تجاهل تجارب دول عربية أخرى لم يتطرق إليها أطلاقًا، سواء في حديثه عن الشعر أو النثر أو المسرح، على الرغم من مساهمتها المهمة في البناء الثقافي، وتَشكُّلها الخاص ببيئتها. يغفل المؤلف تمامًا معظم دول الخليج ولا يذكر منها إلا المملكة العربية السعودية مختصرًا مساهمتها بكاتبين فقط هما عبد الرحمن المنيف وتركي الحمد. وعلى الرغم من مساهمة المملكة العربية السعودية في مجال الشعر واشتهارها به، ولكنه لا يتحدث عن هذا الجانب ويهمله. أيضًا لا نجد ذكرًا للمسرح في الكويت، وهو إحدى علامات الكويت الثقافية، وخاصة المسرح السياسي. وليس هناك ذِكر لليمن وشاعرها الزبيدي والروائي مطيع الدماج، على الرغم من أنهما من أهم العلامات الأدبية في اليمن، ويرمزان إلى حقبة مهمة في تطور الحركة الأدبية العربية. ولا أعرف سبب هذا الإغفال: هل يعود إلى قلة المراجع المتوفرة عن هذا الجزء من العالم، أم أن المؤلف لم يجد لهم مساهمة كافية؟! وهذا محل دهشة.

    قمت ببعض الإضافات البسيطة التي تعين القارئ على فهم بعض المصطلحات حين أجد الحاجة إلى ذلك، وقمت ببعض التصحيح لبعض المعلومات التي لم تكن دقيقة، مثل انتماء الكاتب الروائي محمد المر إلى الكويت بدلًا من الإمارات كما ذكر المؤلف.

    ومع ذلك، فإن هذه الملاحظات لا تقلل من قيمة الكتاب والجهد المبذول فيه، خاصة لطلاب الأدب العربي، وهو يحتوي على مخزون معرفي جيد، ويسرني أن أقدمه للقارئ العربي المهتم.

    المترجمة   

    د. هند السديري

    مقدمة وشكر

    قُصِدَ من هذا الكتاب أن يكون مقدمة عامة للأدب باللغة العربية، الذي كتب في المئتين سنة الماضية أو نحوها، وعلى الرغم من أن القراء المعنيين بهذا الكتاب هم طلاب الجامعة الذين يتعرفون على الموضوعَ أول مرة، ولكنني آمل أن أكون قد حررته لقراء مهتمين بالأدب المقارن وأيضًا للآخرين الذين قد لا تكون الاهتمامات الأدبية من أولوياتهم ولكن يكونون مهتمين بشكل أو آخر بجوانب مختلفة من الشرق الأوسط، وهي منطقة لها أهمية واضحة ومتنامية في العالم اليوم.

    وتوافقًا مع عنوان السلسلة، يهدف الكتاب إلى أن يقدم مسحًا بدلًا من سرد شامل وبالتأكيد يمكن التساؤل إن كان مازال ممكنًا «السرد الشامل» للموضوع، إذ إنه كان واضحًا وخاصة في الفصل الثامن، أن هناك نوعًا من الانفجار في الكتابة الأدبية في السنوات القليلة الأخيرة، ولذلك يمكن أن نجد اليوم إنتاجا أدبيًّا قويًّا ومبدعًا في كل أنحاء العالم العربي من المغرب وموريتانيا في الغرب وحتى الخليج والعراق في الشرق، إضافة إلى المراكز الرئيسة للنشاط الأدبي مثل مصر وبلاد الشام، وقد دفعت الأحداث السياسية الحالية إلى تطور مراكز جديدة مهمة للنشر باللغة العربية خارج الشرق الأوسط خاصة في لندن وباريس.

    ولاغرو فهناك عدد من الدراسات التمهيدية من هذا النوع، بالإنجليزية وبلغات أوربية أخرى منذ أن نشر سابقًا زميلى Jhon Haywood كتابه، الذي يُعَدُّ الآن قديمًا1970-1800،Modern Arabic Literature 1971عام. يمكننا أن نذكر من ضمن الأعمال باللغة الإنجليزية (التفاصيل موجودة في المراجع)، كتاب بيير كاشيا Arabic Literature An Overview of Modern الذي نشر عام 1990م في السلسلة ذاتها التي تنشر هذا الكتاب، ولكن يتكون في معظمه من إعادة نشر مقالات سابقة للمؤلف، وهو مؤلف Arabic literature: An Overview الذي نشر عام 2002م، ويغطي المرحلتين الكلاسيكية والحديثة، وكتاب م.م .بدوي، A Short History of Modern Arabic Literature، الذي نشر عام 1993م، وكتاب Roger Allen An Introduction to Arabic Literature (2000 الذي بني على كتابه السابق ary Heritage (1998)، The Arabic Literالذي يحاول أن يغطي المرحلتين الكلاسيكية والحديثة، وربما أول مرة، بوصفه تقليدًا منفردًا. ويجب أن أكون أول من يعترف بأني مدين إلى جميع هذه الأعمال (وحتىHaywood الأسوأ)، وأيضًا إلى عدد من الكتب الأكثر تخصصًا عن الأدب الحديث والتي ظهرت في السنوات الأخيرة، لأن التخصص الآن واسع جدًّا، ولا يستطيع باحث واحد أن يكون خبيرًا في كل شيء، ولكن في جزء منه وكل ما أرجوه هو الإضافة إلى هذه الكتب الموجودة، كما أشار بدوي في كتابة، حتمًا يحتاج هذا النوع من الكتب إلى التحديث من وقت لآخر، وكل كاتب سيدلي بوجهة نظره في هذه المهمة.

    قد يكون مثيرًا للاستياء أن أحدد زملاء معينين، وأشكرهم، ولكن يسرني أن أشكر المساعدة المالية التي حصلت عليها على شكل مِنْحَة سفر من الأكاديمية البريطانية وجامعة دورهام خلال مدة كتابتي هذا العمل، التي لأسباب خارجة عن إرادتي امتدت إلى مدة أطول مما كنت أود، وأنا شاكر لجانت ستاركي Janet Starkey لمساعدتها على تصنيف الفهرس، وللبروفسور Hillenbrand Carole، ومحررة سلسلة الدراسات الإسلامية؛ لمساندتها المستمرة وتشجيعها، ولموظفي مطبعة جامعة أدنبرة وخاصة Nicola Ramsey، لسعة صدرهم التي بدت سرمدية.

    بول ستاركي         

    جامعة دور هام - فبراير 2006م

    تمهيد:

    ما الأدب العربي الحديث؟

    يواجه اسم «الأدب العربي الحديث»، الذي يشكل موضوع هذه الدراسة، مشكلة؛ فالكلمات الثلاث التي تكون هذا الاسم لا تعبر بدقة عن المضمون، كما يبدو للوهلة الأولى. وقبل أن نبدأ مناقشة موضوعنا سنقدم تعريفات مختصرة؛ لتحديد نطاق هذا العمل.

    أولًا، أنا أشير بكلمة «الحديث» إلى الأدب المكتوب بوجه عام، بعد تعرُّض الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى تأثير واسع من أوروبا الغربية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين. وهذه العملية التي نُوقشت كثيرًا في اللغتين العربية والإنجليزية، كانت عملية تراكمية معقدة. ولأهداف عملية اعتمد تاريخ 1798 (تاريخ غزو نابليون مصرَ) بوصفه نقطة بداية سلسلة من التطورات، وعلى الرغم من أهمية هذا التاريخ بوصفه نقطة بداية معتمدة (وسوف أستخدمه بالمعنى نفسه هنا)، ولكن ليست له صلة بمناطق أخرى من العالم العربي، الذي بقي بعضه بعيدًا عن التأثير الأوروبي من وجهة نظر اجتماعية و أوروبيه حتى القرن العشرين،في حين تمتع قليل من البلاد العربية (لبنان أفضل مثال على ذلك) باتصالات واسعة ومميزة مع أوروبا على مدى قرون، قبل أن يطأ جيش الإمبراطور الفرنسي الأراضي المصرية. وكما سنرى في الصفحات المقبله فإن مسار التطور الأدبي (مثل التطور الاجتماعي والسياسي) في الشرق الأوسط كان بعيدًا عن الانتظام والتواريخ المحدده والواضحة، ولكنه كافٍ، ويمكن أن يكون في معظم الأحيان مضللًا. وعلى كل حال، وكما ستوضح ذلك الصفحاتُ المقبلة أيضًا، وعلى الرغم من أن معظم الأدب العربي «الحديث» يظهر علامات تأثُّر واستعارة من التقليد الغربي، ولكنه من المستبعد أن تثمر أي محاولة لفهم تطور الأدب العربي الحديث بعيدًا عن الموروث العربي الكلاسيكي.

    لنتحول الآن من «الحديث» إلى «العربي»، قد يبدو هذا المصطلح في البداية أقل تعقيدًا من «الأدب العربي» من المؤكد أنه «أدب كتب باللغة العربية»، وهذا تعريف جيد ووافٍ لمعظم المادة التي نتعامل معها، ولكن اتسم التاريخ السياسي للشرق الأوسط في القرنين الماضيين بحقب من الاستعمار الأوروبي المعادي، وفي بعض الأحيان كان هناك تداخل ثقا في غير واضح، وخاصة في بلاد شمال إفريقيا (وبنسب مختلفة)، وخفت الأدب العربي بتأثير الأدب الفرنسي في بعض الحقب قيد الدراسة هنا، وعلى الرغم من أن هذه الدراسة لا تضم الأدب المكتوب بالفرنسية، (ولكنه سيُذكر أحيانًا)، ولا يمكن تجاهل ظاهرة الأدب الفرانكفوني، وكثير من الأدباء موضوع دراسة هذا الكتاب كتبوا باللغتين الفرنسية والعربية، أو تنقلوا أحيانًا بين اللغتين وهو توجه له مغزاه السياسي والأدبي. وشكلت مثل هذه المعاناة جزءًا من المحيط الثقافي العام والذي أنتج أغلب الأدب العربي في شمال إفريقيا خلال معظم القرن العشرين، وتمس الحديث عن الأدب «العربي» الحديث مسًّا وثيقًا. وظاهرة أخرى (على الرغم من أنها غير واضحة حتى وقت قريب) هي ظاهرة الأدباء العرب، الذين عاشوا في الغرب في بعض الأحيان، ويكتبون بالإنجليزية، وأمامهم سوق أكبر من تلك المتوفرة لزملائهم المتحدثين بالعربية.

    والمصطلح الثالث «الأدب» يحتاج أيضًا إلى بعض الشرح. يشير المصطلح إلى «الأدب المتخيل أو الروائي والقصصي» بالنسبة إلى القارئ الغربي – الرواية، والقصة القصيرة، والفلكلور، والمسرحية، والشعر، وما يوازيها في الثقافات الأخرى. و بالتأكيد سوف نستخدم هذا المصطلح بهذا المعنى في معظم هذه الدراسة. ويجب أن نتذكر أن كلمة «أدب» التي هي الأقرب إلى الأدب تُعدّ مصطلحًا معقدًا يضم إضافة إلى التعبير الأدبي «الثقافة» و «الأخلاق العالية» و«الاحترام» و «الإنسانية»، وتختلف معاييرها في المجال الأدبي تمامًا عن المصطلح الإنجليزي «الأدب».(*) وأيضًا الكتاب الأوائل والقراء لم يلتفتوا إلى اختلاف أنواع الأدب، كما فعل المتأخرون. ولذلك فإن كلمة «الأدب»في حقبة القرون العربية الوسطى كانت تعني كل أنواع الكتابة: التاريخ، والجغرافيا، والسيرة، والفلسفة وما إلى ذلك. وفي هذه الدراسة سنعني «بالأدب» - وفي معظم الأحيان - الأدب المتخيل أو الروائي، ولا يمنع ذلك من الإشارة أحيانًا إلى الأنواع الأدبية الأخرى، وبشكل خاص في الفصل الأول الخلفية وفي الفصل الثاني الذي يتحدث عن المراحل الأولى للنهضة الأدبية في القرن التاسع عشر.

    __________

    (*)هناك ملاحظات أخرى عن العلاقة بين هذه المعاني المختلفة موجودة في الصفحات 27 - 24.

    1      الخلفية

    إرث القرون الوسطى.. بدايته وخفوته

    لا يمكن في نطاق دراستنا المحدود إلا أن نعطي لمحة مختصرة عن أبرز سمات أدب القرون الوسطى(¹) أو الأدب العربي الكلاسيكي. و يستطيع القارئ الرجوع إلى قائمة مراجع هذا الكتاب(²) لمعرفة المزيد. ويمكن وصفُ جميع الدراسات التي كتبت عن الأدب العربي «الحديث» ولم تنجح في الحديث عن خلفية الأدب الشرق أوسطي بأي صفة ما عدا أنها ليست مكتملة، ولذلك فإن الجزء اللاحق سوف يحدد بعض السمات الأساسية لما يسمى الأدب العربي «الكلاسيكي» أو «من القرون الوسطى»، لافتًا النظر إلى بعض ملامحه الرئيسة بوصفه خليفة للحقبة الحديثة اللاحقة له.

    يجب أن نبدأ مرة أخرى ببعض التعريفات، والأدب العربي ضاعت بداياته مثله مثل أدب اليونان الكلاسيكي مع مرور الزمن وذلك (مرة أخرى مثل اليونان) لأن العينات الأولى منه اُسْتُمِدَّتْ من ثقافة شفهية أكثر منها كتابية، لذلك فإن معظم تاريخ البدايات يخضع لا محالة للتوقعات، ولكن يكمننا القول: إن الأدب العربي القديم ظهر نحو أواسط القرن السادس الميلادي، حيث نجد قصائد كاملة لجسد شعري بدوي قبلي ظهر في أنحاء شبه الجزيرة العربية بأوزان وقوافٍ متطورة، ما يدل على حقبة طويلة من التطور (من المتوقع أن تكون قرونًا عدّة)، ويسمى هذا الجسد الشعري عادة «الشعر الجاهلي» (على الرغم من أنه يمتد إلى الحقبة الإسلامية)، ويكون أحد القسمين الرئيسين لبدايات التطور اللاحق لمعظم الأدب العربي القديم، ونقطة البداية الأخرى هي نزول القرآن الكريم، الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مدى 20 عامًا تقريبًا ما بين 610 م إلى 632م. وظهر التطور اللاحق للأدب العربي القديم، وأيضًا للغة العربية، في ظل حادثتين أدبيتين محوريتين: بقيت مادة الشعر العربي وقوافيه، كما كانت في العصر الجاهلي مع بعض الأستثناءات القليلة، ولم تتغير بشكل رئيس لدى معظم الشعراء حتى القرن العشرين، واستمر تعليق المعلقات السبع (³) على الكعبة بوصفه أمثلة متفوقة لفن الشاعر،في حين تطور هذا الشعر في أشكال عدة في العصور اللاحقة. وبالنسبة إلى القرآن مع الأخذ في الحسبان أهميته وتفرُّده بأنه كلام الله، (وبذلك فإن تعريفه «ليس له مثيل»)، لغة القرآن الكريم وبلاغته استمرت في التأثير وتشكيل معظم التراث الأدبي اللاحق وليس فقط المكتوب بالعربية، ولكن أيضًا المكتوب لشعوب مسلمة تتحدث بلغات أخرى مثل الفارسية والتركية والأوردية.

    وكما سنرى لاحقًا، يدين الازدهار اللاحق لهذا التراث الغني في مختلف فروعه بالكثير للتأثر والأخذ من الحضارات الأخرى التي ليس أقلها الهند وإيران قبل الإسلام، ولكن الأسس المحلية للشعر الجاهلي والقرآن الكريم لم تفقد مكانتها المهمة بوصفها مصدرَ إلهام مهمًّا للتراث الأدبي العربي. ومن المؤكد أن التداخل بين مسارين أحدهما ديني والآخر مادي أدي دورًا في تطوير نموذج متميز للأدب العربي في الزمن القديم أو العصور الوسطى. وأيضًا، هناك مسار ثالث، وهو موازٍ للتراث الأدبي المستمد من القرآن الكريم والشعر الجاهلي (الذي يوصف أحيانًا بالأدب القيم، أو النخبوي).

    كان العالم العربي في القرون الوسطى حضنًا لأدب «شعبي» كان في معظمه شفهيًّا في طبيعته (على الأقل حتى وقت قريب)، ولم يكن ينظر إليه على أنه يستحق اسم الأدب(⁴) أو أن يضم إلى مجموعة الإنتاج الأدبي العربي. ومن المضحك، ربما، أن عملًا من هذا النوع، ألف ليلة وليلة(⁵)، الذي كان، على الأقل حتى وقت قريب، يجادل بأنه أفضل عمل أدبي عربي معروف لمعظم القراء الغربيين.

    إذا كان تحديد أصل ظهور التراث الأدب العربي وبدايته مشكلة بسبب عدم وجود أدلة مكتوبة، فإن تحديد نقطة نهاية للأدب العربي القديم أو الأوسط يشمل مشكلات أخرى مختلفة. يبدو أن هناك شبه إجماع على أن أفضل الأدب العربي القديم هو الذي كتب حين سقطت بغداد عام 1258م بيد المغول. وعلى الرغم من ظهور عدد من الأدباء المنفردين المتميزين(⁶) في العصور اللاحقة لذلك، ولكن التراث الذي كان يصل بين الأجيال في العصور السابقة انتهى إلى غير رجعة. وقبل عام 1258م بدأت الإمبراطورية الإسلامية التي وصلت إلى أوج ازدهارها في العصر العباسي بالتفكك، و سيطر العثمانيون نحو العام 1517م على مصر وسوريا. وعلى الرغم من أن اللغة العربية احتفظت بقوتها بصفتها لغة القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، ولكن منذ القرن السادس عشر بدأت اللغة التركية تأخذ تدريجيًّا مكان اللغة العربية في أواسط العالم العربي بوصفها لغة للإدارة والتعليم، وأخذ الأدب العربي يصطبغ بازدياد بأسلوب جديد، ويبتعد عن أصوله. ونتيجة لذلك توصف أحيانًا السنوات بين سقوط بغداد عام 1258م وغزو نابليون مصرَ عام 1798 «بالعصور المظلمة» للأدب العربي. وفي الحقيقة؛ فإن هذه الحقبة لم تأخذ حقها من البحث – مخزن كبير لكنوز مفقودة – جزئيًّا، بسبب افتقارها إلى نقاط رئيسة واضحة للأدب العربي القديم والحقبة الحديثة. وأيضًا لسبب آخر، ربما، هو الوضع الاجتماعي اللغوي للبلدان العربية خلال هذه الحقبة، ما يعني أنه يجب على أي باحث جاد أن يكون ضليعًا، ليس فقط في اللغة العربية، ولكن أيضًا في اللغة التركية العثمانية. وأيًّا كانت أهمية أو عدم أهمية إنتاج تلك المرحلة فمن الواضح أن وصف «العصور المظلمة» ليس بالمناسب، ولذلك سوف أشير إليه في هذا الكتاب بمصطلح حيادي هو «المرحلة الانتقالية»، الذي لا يعني أكثر من أنه يفصل بين الزمن الذي عرف تحديدًا بالحقبة الكلاسيكية والأدب «الحديث» الذي يشكل الموضوع الرئيس لهذا الكتاب

    القرآن الكريم والأحاديث النبوية في الأدب العربي

    يُعَدُّ القرآن الكريم (قراءة، وترتيلًا، ودراسة... إلخ) إحد الدعائم الأولى الرئيسة التي قام عليها تطور الأدب العربي فيما بعد، ويؤمن المسلمون بأن القرآن الكريم هو كلام الله أنزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم. ولد محمد صلى الله عليه وسلم في القبيلة الأرستقراطية قريش، ومقامها في مكة المكرمة، وكانت المركز التجاري والديني نحو عام 570م. ويعرف القليل عن حياته الأولى، فوالده توفي قبل ولادته، وتوفيت والدته وهو في سن السادسة، وتولى رعايته أولًا جَدُّهُ عبد المطلب ثم عمه أبوطالب. وعاش مدة من عمره مع البدو، ومن المحتمل أن يكون قد زار سوريا تاجرًا ثم توجه إلى العزلة و التأمل، وفي نحو الأربعين من عمره بَشَّرَ برسالة دينية في مكة المكرمة، جوهر هذه الرسالة أن الله سيخضع العالم للحساب وسيعاقب المخطئ، ويجازي المحسن. وعلى الرغم من أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت معروفة لليهود والنصارى (الذين كان يوجد البعضهم في شبه جزيرة العرب في ذلك الوقت)،ولكنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم واجه معارضة لدعوته في مكة المكرمة. وعام 622م ترك مكة المكرمة واتجه إلى المدينة المنورة، التي كان له فيها أنصار، مع مجموعة من المصدقين برسالته، وعرفت رحلته تلك في التاريخ العربي بالهجرة. قسمت هذه الهجرة عمل محمد صلى الله عليه وسلم إلى قسمين، وإنها كانت البداية للتقويم الإسلامي(⁷). وتطور دور محمد صلى الله عليه وسلم، بوصفه رئيسًا للمجتمع الإسلامي الناشئ، من واعظ ومبشر إلى سياسي ومؤسس لنظام قانوني. وتوفي عام 632 م بعد أن أخضع مكة المكرمة ومَدَّ نفوذه إلى معظم المناطق المحيطة بها.

    ولم يتطرق شَكٌّ إلى صحة الوحي الذي كَوَّنَ مادة القرآن الكريم على الرغم من عدم وضوح العملية التي جُمِعَ ورُتِّبَ فيها القرآن الكريم بشكله الحالي. ويتكون من 114 سورة، وتتكون كل سورة من آيات، وهذه السور ليست مرتبة تدريجيًّا أو بحسب موضوعاتها، ولكنها مرتبة بناء على طول السورة، بدءًا بالسورة الأطول، فيما عدا سورة الفاتحة التي هي السورة الأولى، ويستخدمها المسلمون بشكل واسع دعاءً. و تبدأ جميع السور بالبسملة (*)، والمسلمون عادة يبدأون بالبسملة قبل البدء بأي عمل، سواء كان طعامًا أم شرابًا أو قبل القيام برحلة.

    تُظهِر لغة القرآن الكريم تحولًا من السور القصيرة المكية إلى السور المدنية الأطول. وتتسم الأجزاء الأولى من القرآن الكريم بالآيات القصيرة التي تستخدم الأسجاع المقفاة بالأسلوب التقليدي للكاهن الجاهلي لإيصال رسالة عن حقيقة يوم القيامة، الذي يُكَافَأُ فيه المؤمن بالجنة ويخلد الكافر في جهنم. ويؤكد القرآن الكريم أن «لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»، ويدعم ذلك بقصص عن الأنبياء السابقين من الإنجيل ومن عرب الجاهلية، وعن أقوام عوقبوا لطغيانهم وعصيانهم. وبتعاظم دور محمد صلى الله عليه وسلم بدأ باستخدام أسلوب أقل دراماتيكية وأسلوب أقل سجعًا، واستخدام جمل أطول، وهو الأسلوب الأقرب إلى النثر كما نعرفه الآن، ولكنه احتفظ بسمة السجع المميزة للأسلوب العربي(⁸). ويعكس هذا التغير في الأسلوب ثقة في استخدام اللغة وأيضًا تطورًا في دور الرسول نفسه بوصفه قائدًا للمجتمع الإسلامي الناشئ، ونجده يوجِّه اهتمامه إلى المنظمة الاجتماعية والتنظيمات التشريعية، وإن السور احتوت إضافة إلى الوحي الإلهي والتعاليم الدينية تنظيماتٍ وتشريعاتٍ للزواج والوراثة، وشعائر الصيام، والزكاة، والحج، وما إلى ذلك. وهنا حَلَّ محمد صلى الله عليه وسلم السياسي محل محمد الرسول صلى الله عليه وسلم (⁹)، إذا استعرنا تعبير مونتجمرى واتس Montgomery Watt.

    ومثل الكثير من الأدب العربي لاحقًا فإن القرآن الكريم أمتع سماعًا منه وقراءة. والصور المستخدمة مروعة وتصل اللغة إلى درجة عالية من الجمال تعجز الترجمة عن نقلها، ومؤكد أن ترجمة القرآن الكريم تبدو فكرة هرطقية تقريبًا للمفسرين المسلمين(¹⁰)، وأكدت بعد ذلك القعيدة الأساسية إعجاز القرآن الكريم، وجوهر هذه الفكرة هو تحدي معارضي الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأتوا بكتاب مثله. ولهذا السبب كانت محاولات مضاهاة القرآن الكريم نادرة، ونتائجها دائمًا سيئة(¹¹). وبغض النظر عن هذا التشديد على عدم محاكاة القرآن الكريم، فإن أفكار القرآن الكريم ولغته وإيقاعه تنتشر في جميع مجالات الأدب العربي اللاحق له. ولأن القرآن الكريم هو الكتاب الأول بالمعنى الزمني وفي مكانته، فإن حفظه كان حتى وقت قريب هو الأساس للتعليم الإسلامي، والإشارات والاقتباسات من القرآن الكريم موجودة في جميع أنواع الكتب الأدبية تقريبًا. ولا تقتصر أهمية القرآن الكريم على المحيط الأدبي فقط؛ لأن اللغة العربية أسست نفسها بوصفها لغة عالمية من خلال القرآن الكريم، خادمة جميع العلماء المسلمين بصفتها أداة للتفكير. وساعد التنظيم الإسلامي في القرون اللاحقة لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على تقوية القواعد اللغوية الموجودة في القرآن الكريم، التي أصبحت سريعًا الأساس «لأدب» عربي رفيع.

    ولم يظهر القرآن الكريم بوصفه كتابًا إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن المؤكد أن جزءًا منه قد كتب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن من المعروف أنه لم يجمع في كتاب واحد إلا حين أُمر زيد ابن ثابت رضى الله عنه، كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم، بجمع القرآن الكريم من «الألواح والجلود وسعف النخيل ومن صدور الرجال»(¹²)، وهذه هي المرة الأولى لكتابة القرآن الكريم في كتاب واحد. بعد ذلك في نحو عام 650/1م كَوَّنَ الخليفة الثالث «عثمان» لجنة (من ضمنها زيد أبن حارث) لمقارنة القراءات المختلفة للقرآن وكتابة قرآن واضح وكامل، وعلى الرغم من استمرار وجود القراءات المختلفة للقرآن، ولكن نص القرآن الكريم الموجود بين أيدينا حاليًا هو الذي كتب نحو عام 660م.

    وفي هذه الأثناء، بدأ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وهو أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، الذي يعرف بعلم الحديث، يتبلور ويأخذ شكله(¹³). ويؤمن المسلمون بأن إرادة الله لم تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في آيات القرآن الكريم فقط، ولكن تظهر أيضًا في كلمات النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفات، وعُدَّتِ المصدر الثاني للوحي الإلهي الذي يكمل القرآن الكريم. ولم يكن جمع الأحاديث المتفرقة في عمل واحد سهلًا، ولكنه عملية معقدة أصعب من جمع القرآن الكريم؛ وذلك لأن هذه الأحاديث تختلف في أصلها أو مصداقيتها. ولأنهاكانت تتناقل مشافهة مدة ثلاثة عقود فإنها كانت كثيرًا ما تستخدم من الأطراف السياسية والأحزاب الدينية المختلفة لإضفاء الشرعية على مواقفهم ووجهة نظرهم. وأدت الحاجة إلى نقد الحديث وتمحيصه إلى ظهور معيار علمي؛ للتأكد من مصداقية كل حديث على حدة، الذي كان معظم الاهتمام فيه منصبًّا على صدق راوي الحديث و«سلسلة» ناقليه(¹⁴)من بعده، التي تلي نص الحديث، وتُعَدُّ هذه السلسلة إحدى أهم سمات هذا النوع الأدبي »العلم«. في البداية؛ صُنِّفت الأحاديث ورتبت حسب رواتها الأوائل، ثم بعد ذلك أصبح التصنيف حسب موضوعاتها، وهي الأكثر شيوعًا (¹⁵)، واكتسبت هذه بمرور الوقت أهمية بوصفها أحد مصادر التشريع الإسلامي، وأكثر كتب الأحاديث السنية شهرة صحيحا مسلم (875-810) والبخارى (870-810) اللذان مَهَّدا الطريق لكتب أحاديث أخرى.

    وضعت الدراسة العلمية للمشتغلين باستكمال جمع الأحاديث وتحقيقها، الأساسَ لظهور علم التاريخ العربي الذي وصل ذروته في القرن الثاني الهجري في عصر الخلافة العباسية. ويصر بعض الناس على أن أول عمل تاريخي جاد كان سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي كتبها ابن إسحاق (توفي عام 767)، ثم حققها ابن هشام (توفي عام 834)، وكان المدونات التاريخية السابقة أيضًا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأسئلة الدينية. ومن الطبيعي أن تكون الكتابات التاريخية الأولى عرضًا زمنيًّا للأحداث التي كانت من أهم أهدافها الرئيسة وضع تاريخ دقيق لرواة الحديث. ويدعم مثل هذا التوجه تطور أحد أهم فروع الأدب العربي القديم،معجم السير أو التراجم(¹⁶)، وهو النوع الذي لا تزال أصوله غامضة، ومن المرجح أنه يعود إلى أحاديث الجاهلية عن «أيام العرب»، وهو يحوي تاريخ الصراعات بين القبائل، الذي يكون على الأقل في جزء منه تاريخًا حقيقيًّا لعرب الجاهلية. وأفضل توثيق تاريخي نجده عند محمد ابن جرير الطبري (923-839م) «تاريخ الرسل والملوك» الذي بقي مصدرًا لا يجارى لاستقاء المعلومات التاريخية صدر الإسلام. لاحقًا، وسّع الكُتَّاب نطاق الكتابات الأولى بمحاولات في كتابة التحليل التاريخي وزيادة المشاهد الجغرافية والثقافية في أعمال جيدة ومميزة؛ لقيمتها الأدبية ووعيها التاريخي: ومن الأمثلة المميزة لهذا التوجه كتاب «مروج الذهب» للمسعودي (856-896م). وهو تاريخ عالمي يكشف ليس

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1