Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

قاهرة المماليك: من العمارة الإسلامية إلى البحث عن هوية وطنية مصرية
قاهرة المماليك: من العمارة الإسلامية إلى البحث عن هوية وطنية مصرية
قاهرة المماليك: من العمارة الإسلامية إلى البحث عن هوية وطنية مصرية
Ebook517 pages3 hours

قاهرة المماليك: من العمارة الإسلامية إلى البحث عن هوية وطنية مصرية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هو كتاب عن ""العمارة المملوكية"" بعد زوال حكم المماليك.. وكيف كان للمعمار المملوكي امتداد في الدول التالية مثل الدولة العثمانية والعلوية التي رفضت هذا الطراز تمامًا ثم عادت إليه حين رأت أنه سيكون مثالُا للهوية المصرية المستقلة عن الدولة العثمانية ومناوئًا للاحتلال الإنجليزي. .وتتساءل الكاتبة: كيف كان اقتران ظهور الطراز المملوكي في مصر بالمتغيرات السياسة في مصر حافزًا على اعتباره أداة غير مباشرة للتعبير عن القومِيَّة المصرِيَّة في يد الأسرة الحاكمة الملكِيَّة؟ لِمَ تم اعتباره طرازًا وطنيًّا مصريا؟ لماذا تم اختيار الطراز المملوكي على وجه التحديد؟ ولمن كان هذا الاختيار؟ وكيف تباينت آراء النخبة المصرِيَّة تجاه العمارة المملوكِيَّة في هيئتها الحديثة؟وبخاصة في تلك الفترة بين تاريخي انقضاء حكم المماليك 1517 م على يد العثمانيين، إلى نهاية عهد الملك فؤاد الأوَّل عام 1936 م، مرحلة اشتملت على تغيرات جوهريَّة متعاقبة شهدتها مصر.
ونتابع في الفصول المتلاحقة تاريخ العمارة الإسلامِيَّة في مصر، من وصولها لأوج الاكتمال المعماري في الحقبة المملوكِيَّة، ثم ظهورها كمظهر جمالي وقشرة خارجِيَّة لمنشآت حديثة، إلى تراجعها التام اليوم.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2023
ISBN9789771461524
قاهرة المماليك: من العمارة الإسلامية إلى البحث عن هوية وطنية مصرية

Related to قاهرة المماليك

Related ebooks

Reviews for قاهرة المماليك

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    قاهرة المماليك - رضوى زكي

    Section00001.xhtml

    مِنَ العِمَارَةِ الإِسلامِيَّة إِلَى البَحْثِ عَنْ هُوِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ مِصرِيَّة

    د. رضوى زكي

    الإِسْكَنْدَرِيَّةُ - 2022

    العنـــوان: قاهرة المماليك

    تأليـف: د.رضـــوى زكــــي

    إشـراف عـام: داليـــا محمـــد إبراهيـــــم

    جميــع الحقــوق محفـوظـة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولـى: 978-977-14-6152-4

    رقــــم الإيـــــداع: 2022/22730

    طبـعـــة: يناير 2023

    Section00002.xhtml

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    رسـالـة حنين إلـى الزمن القـاهري الجميل،

    إلى زمن يحمل ملامح العـصر المملوكي.

    مقدمة

    هذا كتابٌ عن العمارة المملوكِيَّة في القاهرة بعد انقضاء حُكم المماليك!

    ورث المماليك عاصمةً ذات تاريخ طويل من الفن والعمارة والسيادة في العالم الإسلامي منذ نشأتها على يد الخلفاء الفاطميين، مرورًا بحُكم سلاطين الأيوبيين. وبزغ نجمهم من زخم الأحداث السياسِيَّة والعسكرِيَّة المتأججة في العالم الإسلامي باعتبارهم حكامًا جددًا لمصر وللشرق الإسلامي بوجه عام، بعد توليهم زمام الأمور في مصر ونجاحهم في كسر شوكة المغول الذين اجتاحوا المشرق الإسلامي وقضوا على مدنه الزاهرة بما فيها عاصمة الخلافة بغداد، فضلًا عن نجاحهم في التصدي للحملات الصليبِيَّة أواخر العصر الأيوبي، لتبدأ صفحة جديدة من صفحات تاريخ مصر في عهدهم بتأسيس دولة سلاطين المماليك (648- 923 هـ/ 1250- 1517 م) ولتصبح مصر- مقر حُكهم - أكبر قوة في العالم الإسلامي.

    وقد انعكست قوة المماليك ونفوذهم في عاصمتهم على جميع المستويات، إذ أصبح الشرق الإسلامي بعد سقوط بغداد وانتقال الخلافة العباسِيَّة إلى القاهرة خاضعًا لهذه السلطة الدينِيَّة الشكلِيَّة المستقرة في مصر؛ مما جعل القاهرة في عهدهم مدينة مفعمة بالحيوِيَّة، ومكتظة بالعلماء والتجار والفنانين والصُّناع والعلماء، فسحرت قَاهِرَة المماليك الرحَّالة الغربيين في العصور الوسطى، وأبهرت بعض علماء المسلمين؛ فوصفها ابن خلدون حين زارها للمرة الأولى سنة 784 هـ/ يناير 1383 م قائلًا:

    «رأيت حاضرة الدنيا، وبستان العالم ومحشر الأمم، ومدرج الذر من البشر، وإيوان الإسلام، وكرسي الملك تلوح القصور والأواوين فى حجره، وتزهر الخوانق -مساكن الصوفِيَّة المنقطعين للعبادة وأعمال الخير ومفردها خانقاه- والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزخر بالنعم. وما زلنا نتحدث عن هذا البلد وبعد مداه في العمران، واتساع الأحوال.. ومن لم يرها لم يعرف عز الإسلام».

    كانت القاهرة في ظل الحكم المملوكي أهم مدينة إسلامِيَّة وأكبرها في العالم، وتميزت عمارة المماليك بفخامتها وسماتها المعمارِيَّة المميزة عن الأنماط المعمارِيَّة الإسلامِيَّة الأخرى؛ لذا، حددت الآثار المملوكِيَّة الباقِية هيئة القاهرة التاريخِيَّة وطابعها حتى يومنا هذا. فقد تمصرت العمارة الإسلامِيَّة في هذا العصر، ووصلت أبنيتها إلى قمة الكمال، وقد ساهمت الطبقة الأرستقراطِيَّة المملوكِيَّة الراغبة في التشييد والبناء في تشكيل ملامح المدينة وإضفاء طابع حصري مميز بقبابها ومآذنها التي تشق السماء، للحد الذي وصفها فيه المقريزي بأنها «مدينة تفوق الخيال».

    تبدل الحال بظهور الدولة العثمانِيَّة الناشئة التي أصبحت القوة الجديدة النامِية في المنطقة، وبخاصة بعد اكتشاف طريق رأس رجاء الصالح على يد البرتغاليين، ليضع السلطان العثماني سليم الأَوَّل كلمة النهاية في تاريخ حُكم المماليك لمصر بصورة رسمِيَّة، بينما ظل المماليك كما النار تحت الرماد، متربصين، ينتظرون الفرصة لعودتهم إلى عرش مصر، واستمر الترقب طويلًا على مدى ثلاثة قرون! وعلى الرغم من «عثمنة المئذنة في مصر» باعتبارها تعبيرًا معماريًّا عن الطراز العثماني الوافد، فإن روح العمارة المملوكِيَّة وبعض مفرداتها المعمارِيَّة قد سادت حتى في العمائر التي وقعت عليها تأثيرات عثمانِيَّة!

    إن أكثر ما يزال مبرزًا سمة قَاهِرَة العصور الوسطى وسحرها الأخاذ الذي امتد لعدة قرون هو المرحلة المملوكِيَّة، تلك المرحلة التي ازدهرت فيها سائر الفنون ازدهارًا لم تشهده مصر منذ عصورها القديمة، التي بُني فيها هذا القدر الكبير من الآثار التي لا تزال شاهدة على هذا العصر بكل ما له وما عليه، واستمرت القاهرة على هذا الزهو والرونق والبهاء بعد انتهاء حُكم المماليك ودخول العثمانيين لأرض مصر، فكانت القاهرة الشرقِيَّة تفتن زوارها من الرحَّالة والحجاج المارين بها والمستشرقين الراغبين في الاكتشاف، وبقيت حاضرة في لوحات وكتابات الأجانب وقصص ألف ليلة وليلة التي ألهمت الخيال تجاه الشرق.

    ودخلت الحملة الفرنسِيَّة مصر في عام 1798 م فوجدتها بلدًا شرقيًّا يحافظ على تقاليد العصور الوسطى، ثم انتقل محمد علي بمصر إلى مرحلة جديدة في تاريخها انتهت فيها طائفة المماليك من مصر فعليًّا في مذبحة المماليك عام 1811 م، وتراجعت فيها الهيئة المصرِيَّة المحلِيَّة للعمارة الإسلامِيَّة. ويعد محمد علي باشا أَوَّل حاكم مصري أدخل طِرَاز المباني الحديثة في تشييد القصور والمنشآت العامة في مصر، فظهرت أنماط معمارِيَّة وعناصر زخرفِيَّة لم يسبق أن ظهرت في مصر في العمائر العثمانِيَّة التي بنيت حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.

    وقد استكمل الخديوي إسماعيل بحماس منقطع النظير خُطا جده محمد علي باشا، وبدأ في مشروع طموح لإعادة تخطيط القاهرة التي أراد أن يجعلها «قطعة من أوروبا»، وفي خضم تحديث القاهرة والنقلة العمرانِيَّة الكبرى التي شهدتها، والتحول الجارف للعمارة إلى الطرُز الأوروبيَّة، ظهرت العمارة المملوكِيَّة في هيئة جديدة، وعلى يد المعماريين الأجانب بُعث الطراز المعماري المملوكي في القاهرة مرة أخرى.

    من هنا شهدت القاهرة إحياءً للطِرَاز المملوكي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على أيدي العديد من المعماريين الأوروبيين ذائعي الصيت مثل أنطونيو لاشياك وماكس هيرتز وغيرهما، بالإضافة إلى المعماريين المصريين الذين تلقوا تعليمهم في أوروبا، وأبرزهم حسين فهمي باشا ومصطفى فهمي.

    لقد ظهرت العمارة المملوكِيَّة في مصر منذ منتصف القرن الثالث عشر، واستمرت حتى منتصف القرن العشرين في صور وهيئات مختلفة عن ذي قبل، مرت خلالها العمارة المملوكِيَّة بالعديد من المراحل بين الازدهار والانحسار، لكنها ظلت تمثل التعبير الخالص عن فن العمارة الإسلامِيَّة في مصر، ثم تحولت إلى مظهر من مظاهر الهوِيَّة الوطنِيَّة المصرِيَّة، فقد برزت في سياق تاريخي يموج بالمتغيرات السياسِيَّة والاقتصادِيَّة والاجتماعِيَّة خلال عهد أسرة محمد علي باشا التي استمرت على عرش مصر، خلال ما يقرب من قرن ونصف القرن.

    كان الدافع الرئيسي لظهور العمارة المملوكِيَّة في المشهد المعماري المصري، بعدما قضى محمد علي على المماليك واستبعد طِرَاز عمارتهم، هو الاستشراق ودارسة الفن العربي - الإسلامي الذي كان مجهولًا لدى الغرب، وبعد مرحلة من الدراسة والتحليل تبعتها مرحلة التصميم المعماري على يد المعماريين والفنانين الأوروبيين، بدأت العمارة تكتسي بالطراز العربي من جديد في نهاية عصر الخديوي إِسْمَاعِيل، وزاد هذا الاتجاه في عهد توفيق ضمن رعايته وعنايته بالفنون العربية مع تأسيس «لجنة حفظ الآثار العربية»؛ أَوَّل كيان حديث للحفاظ على الآثار الإسلامِيَّة، ثم وصل إلى ذروته في عهد عباس حلمي الثاني، ثم الملك فؤاد مع مطلع القرن العشرين ومولد الحركة الوطنِيَّة المصرِيَّة ، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجيًّا مع أحداث ثورة يوليو 1952 م.

    وعلى الرغم من ظهور العمارة المملوكِيَّة الجديدة على يد الأجانب، فقد اكتسب هذا النمط المعماري شعبِيَّة كبيرة بين المصريين كطابع معماري وطني تماشيًا مع التيارات القومِيَّة الناشئة في مصر، وأثبت الطراز المملوكي الجديد ملاءمته ليكون نمطًا وطنيًّا لمجتمع حديث، وبالإضافة إلى أن الطراز المملوكي هو الأكثر فخامة وثراءً، وهو نمط معماري جمالي في حد ذاته، فقد استحضر هذا الطراز قوة وعظمة وفخامة الدولة المملوكِيَّة المستقلة حين كانت عاصمتها القاهرة مركز العالم الإسلامي، وأجمل مدنه؛ التي لم يُعرف لها مثيل، في فترة كانت مصر فيها في وضع سياسي واقتصادي غير مستقر. وأيدت الأسرة الخديوية الحاكمة هذا الطراز؛ لأنه كان بمثابة تعبير مرئي وملموس عن الجهود التي كانت تبذلها الدولة لتحقيق الاستقلال عن الدولة العثمانِيَّة من جانب، وعن الاستعمار البريطاني من جانب آخر.

    من هذا المنطلق نبَعت تسمِية هذا الكتاب «قَاهِرَة المماليك: من العمارة الإسلامِيَّة إلى البحث عن هوِيَّة وطنِيَّة مصرِيَّة»، والذي يتناول العمارة المملوكِيَّة في سياق تاريخي، يبدأ من تكوين الهوِيَّة المعمارِيَّة الإسلامِيَّة في مصر على يد المماليك وسمات عمارتهم، واستمرار العمارة المملوكِيَّة منذ دخول سليم الأَوَّل للبلاد في عام 1517 م حتى نهاية حُكم العثمانيين في مطلع القرن التاسع عشر؛ كأسلوب مناهض للوجود العثماني في أرض مصر، ثم القطيعة مع المماليك في حُكم محمد علي باشا، إلى حلم إسماعيل بمشروع القاهرة - باريس الشرق؛ الذي شيدت في عهده طُرُز معمارِيَّة فريدة تجتمع فيها الأذواق والمشارب التراثِيَّة والمعاصرة، ومن بينها الطراز المملوكي الجديد، وصولًا إلى ظهور اتجاه في عهد الملك فؤاد لتعميم هذا الطراز المعماري الإسلامي كطِرَاز موحد للعمائر في مصر عُرف باسم «طراز فؤاد الأول».

    نكشف في هذا الكتاب عن حضور العمارة المملوكِيَّة في مصر الحديثة، ونلقي الضوء على السياق السياسي والاجتماعي الذي تسبب في ظهوره من جديد، ابتداءً من «تمصير المماليك وآثارهم»، وحصر قَاهِرَة العصور الوسطى في الحقبة المملوكِيَّة، ونتتبع ملامح الطراز المملوكي في العمارة المصرِيَّة من خلال تتبع العديد من نماذج العمارة المصرِيَّة سواء كانت مباني دينِيَّة مثل المساجد والأضرحة، أو منشآت خدمِيَّة مثل مباني الهيئات والوزارات والمتاحف والبنوك، فضلًا عن المباني السكنِيَّة والتجارِيَّة بالأسلوب الذي استهدف «إحياء الطراز المملوكي». كما نتتبع مشاركة مصر في المعارض الدولِيَّة التي أدت دورًا أساسيًّا في إنتاج عمارة مصرِيَّة تدل على هويتها الوطنِيَّة، حيث أصبح تمثيلُ القاهرة الإسلامِيَّة في تلك المعارض خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حلقةً أخرى دافعة لظهور الطراز المملوكي الحديث، ونموذجًا كوَّن الكثيرُ من الأجانب من خلاله انطباعَهم المباشر عن مصر.

    ومن زاوية أخرى، نحاول في هذا الكتاب أن نحلل الأسباب الداعية لإحياء النمط المملوكي في تلك الفترة من تاريخ مصر، والدوافع التي كانت قد أدت للانصراف عنه، ونعرض لمظاهر التقدير الغربي العميق لفن العمارة المملوكِيَّة باعتباره مرادفًا للفن العربي الإسلامي لمصر، ومناهضًا للفن والعمارة العثمانِيَّة، للحد الذي تم فيه «تدويل الطراز المملوكي» في أوروبا في منشآت بعضها اندثر، والآخر باقٍ وشاهدٌ على عظمة العمارة المملوكِيَّة المصرِيَّة خارج مصر.

    كما نطرح في هذا الكتاب عدة تساؤلات عن هوِيَّة العمارة الإسلامِيَّة المملوكِيَّة حاولنا الإجابة عنها، ومنها: كيف كان اقتران ظهور الطراز المملوكي في مصر بالمتغيرات السياسة في مصر حافزًا على اعتباره أداة غير مباشرة للتعبير عن القومِيَّة المصرِيَّة في يد الأسرة الحاكمة الملكِيَّة؟

    لِمَ تم اعتباره طرازًا وطنيًّا مصريًّا؟

    لماذا تم اختيار الطراز المملوكي على وجه التحديد؟ ولمن كان هذا الاختيار؟

    وكيف تباينت آراء النخبة المصرِيَّة تجاه العمارة المملوكِيَّة في هيئتها الحديثة؟

    وبعد، فما بين تاريخي انقضاء حكم المماليك 1517 م على يد العثمانيين، إلى نهاية عهد الملك فؤاد الأَوَّل عام 1936 م - مرحلة اشتملت على تغيرات جوهرِيَّة متعاقبة شهدتها مصر- اجتهدنا قدر المستطاع في هذا العمل لقراءة فصلٍ من فصول تاريخ العمارة الإسلامِيَّة في مصر، من وصولها لأوج الاكتمال المعماري في الحقبة المملوكِيَّة، ثم ظهورها كمظهر جمالي وقشرة خارجِيَّة لمنشآت حديثة، إلى تراجعها التام اليوم.

    إننا نحاول أن نفهم ماذا جرى في تلك العصور من أحداث غيرت مجرى الأمور في مصر بعمق، وأثرت على العمارة الإسلامِيَّة بوجه عام، والمملوكِيَّة منها بوجه خاص، هي رحلة نمضيها معًا لنقتفي خلالها أثر عمارة المماليك في العصر الحديث، والدور الذي اكتسبته في التاريخ المصري القومي.

    واللهَ أَسْأَلُ التوفيق والقبولَ.

    د. رضوى زكي

    الإسكندرية

    مارس 2022

    Dr.radwa.zaki@gmail.com

    Section00005.xhtml

    1- المماليك وعمارتهم

    في القاهرة

    المماليك -ومفردها المملوك- هم رقيقٌ بِيضٌ محاربون يباعون ويُشتَرُون، استقدمهم الخلفاء العباسيون منذ عهد الخليفة العباسي المأمون ثم المعتصم بالله من أواسط آسيا التركِيَّة مثل بلاد تركستان والقوقاز وغيرها، وجعلوهم حرَّاسًا لهم وقادةً لجيوش المسلمين في السلم والحرب، ثم شاعت الاستعانة بهم في أغلب الدول الإسلامِيَّة، وقد ازداد نفوذ المماليك بمرور الزمن وتعاظمت أدوارهم، مستفيدين من ضعف الخلفاء وتراجع نفوذهم. وكان وجود المماليك في الحضارة الإسلامِيَّة له سياقه الذي فرضته متطلبات الخلافة العباسِيَّة التي ساد فيها العنف والقوة، وكانت استعانة الخلفاء المتصارعين على السلطة بغير أبناء جلدتهم من المماليك ممن احترفوا الحياة العسكرِيَّة والقتال حتمِيَّة، فصاروا سلاطينَ في الخفاء يُملون بقوتهم ما يريدون على الخلفاء، وأضحى المماليك -بمرور الوقت- الأداةَ العسكرِيَّة الوحيدة في بعض الدول الإسلامِيَّة؛ مثل دولة المماليك في مصر والشام(1).

    والحقيقة أن تاريخ المماليك في مصر طويل للغاية، ولم يبدأ حكمهم لها في القرن الثالث عشر؛ بل كانت علاقة المماليك بمصر تعود إلى عصور أقدمَ، وكان من أوائل المماليك ممن حكموا مصر أحمد بن طولون التركي الأصل الذي بعثه الخليفة العباسي لمصر، فأصبح واليًا عليها (254-270 هـ/ 868-883م)، واعتلى عرش مصر في نهاية القرن التاسع شبه مستقلٍّ عن الخلافة العباسِيَّة، مستعينًا بمماليكَ في جيشه الخاص. وبعد نهاية دولة الطولونيين في مصر تولى محمد بن طغج عام (323- 334 هـ/ 935-946 م) أَوَّل حكام الإخشيديين حكم مصر، وكان هو الآخر تركيًّا، وأنشأ أسرة حاكمة في مصر تحت أعين الخلافة العباسِيَّة كذلك، حتى أسقطتها الخلافة الفاطمِيَّة بدخولها لمصر وإنشائهم للقاهرة التي اتخذوها عاصمة لملكهم(2).

    وقد استعان الأيوبيون كذلك بالمماليك في مصر والشام؛ فتعمقت جذورهم قبل أن يبدأ حكمهم الفعلي لمصر على مدى ما يقرب من ثلاثة قرون، وقد بدأ هذا الأمر في مصر حين لم يجد الملوك والأمراء الأيوبيون وسيلة لحمايتهم سوى الاعتماد على المماليك؛ الذين جلبهم آخر سلاطين الدولة الأيوبِيَّة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، حتى جاءت اللحظة التي قامت فيها الدولة المملوكِيَّة في مصر (648-923 هـ/ 1250-1517 م) والتي تعد مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الإسلامي وتطور الحضارة الإسلامِيَّة في مصر، وترجع أهمِيَّة دولة سلاطين المماليك التي قامت في مصر والشام واتخذت من القاهرة عاصمةً لها، وامتد نفوذها إلى بلاد الحجاز- إلى ما شهدته هذه الفترة من تطورات سياسِيَّة ودينِيَّة واجتماعِيَّة واقتصادِيَّة وثقافِيَّة كبيرة، وازدهارٍ لمختلف مناحي الحياة. ويُقسم المؤرخون الدولة المملوكِيَّة إلى فرعين أو دولتين، هما: دولة المماليك البحرِيَّة، ودولة المماليك البرجِيَّة(3).

    أما المماليك البحرِيَّة فهم الملوك الأتراك الذين حكموا مصر بعد انقضاء دولة بنى أيوب لمدة 136 عامًا، وبدأت على أيديهم دولة المماليك الأولى في عام 648 هـ/1250 م وعددهم 28 سلطانًا. وكان ابتداء أمر هذه الطائفة أن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب أكثرَ من شرائهم، على سبيل الرِّق، وقرَّبهم إليه، ثم أسكنهم قلعةَ الروضة، وسماهم المماليك البحرِيَّة؛ لأنهم سكنوا على بحر النيل، أو أنهم كانوا يُجلبون عن طريق البحر بصحبة تجار الرقيق؛ ومن ثَمَّ عُرفوا بالبحرِيَّة، أو أنهم جُلبوا من بلاد ما وراء البحر، حيث كان هؤلاء المماليك من عناصرَ مختلفةٍ من الأتراك والمغول والألمان والإسبان والجراكسة وغيرهم. وعقب مقتل توران شاه ابن الصالح نجم الدين، انتزع المماليك عرش مصر من الأسرة الأيوبِيَّة(4).

    وأما المماليك الجراكسة أو البرجِيَّة فهم الملوك الذين حكموا في عهد الدولة المملوكِيَّة الثانِية بعد دولة المماليك البحرِيَّة، وكان السلطان المنصور قلاوون -أحد أبرز سلاطين دولة المماليك البحرِيَّة- قد عمل على استجلاب الروس والجركس، وأفرد لهم في القلعة أبراجًا وأسماهم المماليك البرجِيَّة. وقد استولى هؤلاء المماليك البرجِيَّة على الحُكم لاحقًا، وكان أَوَّل من تسلطن منهم الملك الظاهر برقوق سنة 784هـ/ 1382م، إيذانًا ببدء عصر جديد في تاريخ سلاطين المماليك، وأصبح العنصر الجركسي من المماليك هم أهل السلطة وعدد سلاطينهم 27 سلطانًا. وظلوا في الحُكم حتى سقطت مصر في أيدي العثمانيين سنة 923هـ/ 1517م، فتكون مدة حكمهم 139 عامًا تقريبًا(5).

    كان المماليك يفِدون إلى مصر أطفالًا صغارًا يجلبهم تجار الرقيق؛ ليباعوا إلى السلاطين والأمراء الذين يتولون -بدورهم- تدريبهم بشكل أساسي على القتال والفروسِيَّة، وشئون الحرب والصيد؛ ليصبحوا محاربين، ويتفرغوا للدفاع عنهم وعن البلاد. كما كان يُعنَى بتعليمهم وتثقيفهم وتمرينهم على الدين والثقافة العربية والإسلامِيَّة، حتى نبغ منهم أفرادٌ كثيرون في العلوم والآداب، وإجادة الخط والشعر والتاريخ، حتى وصلوا إلى أعلى المراتب في كل المجالات؛ وهو ما أهَّلهم ليكونوا قادة حقيقيين فيما بعد. وكان كل مَمْلُوك ينتسب إلى صاحبه الذي اشتراه ويدل اسمه على أنه أحد مماليك سلطان أو أمير ما. وعندما يُعتق المَمْلُوك يبذل قصارى جهده لإرضاء سيده حتى ينفتح أمامه طريق السلطة حين يصبح أميرًا، ويحق له شراء مماليكَ يدينون له بالولاء(6).

    وقد اختلفت طبائع وعادات وتقاليد المماليك ذوي الأصول المتعددة، وجمعتهم تقاليد الدين الإسلامي. وكان نظام الحكم في دولة المماليك قائمًا على القوة والسلطة من منطلق الحكم لمن غلب، وليس وفقًا لوراثة العرش. وقد ربطت بين فئات من المماليك بعضهم ببعض رابطة الزمالة التي كانت تُعرف بالخشداشِيَّة؛ حين يكون مجموعة المماليك تحت إمرة سلطان معين؛ بينما يرتبط المَمْلُوك بسيده بعلاقة الأستاذِيَّة التي تنشأ بين كل مَمْلُوك ومن اشتراه وعلَّمه. وقد عاش المماليك بمعزل عن أهل البلاد التي يحكمونها ويتحدثون لغة غريبة عن رعاياهم، وحاول سلاطين المماليك وأمراؤهم تعليم مماليكهم اللغة العربية، إلا أن غالبيتهم لم يكونوا يحسنون العربية، فضلًا عن اتخاذهم زِيًّا خاصًّا بهم يختلف عن زيِّ العرب والمصريين، فقد عاش المماليك في مصر والشام على هيئة طبقة أرستقراطِيَّة مميزة منفصلة اجتماعيًّا عن أهل مصر، في ظل نظام طبقي وإقطاعي ورثوه عن الأيوبيين؛ حيث كانت كل طبقة من طبقات المجتمع تفصلها فوارق كبرى؛ ولذلك لم يحاول المماليك الزواج من أهل مصر، وظلوا على منوال السلطان والرعِيَّة؛ أي الطبقة الحاكمة المسيطرة من المماليك والرعِيَّة من المصريين(7).

    وقد مهدت طبيعة الحياة العسكرِيَّة الصارمة التي يعيشون فيها لتوليهم المهام العسكرِيَّة والحربِيَّة الكبرى؛ ليس فقط للدفاع عن الأراضي التي حكموها في مصر والشام والحجاز؛ بل كان لهم دور بالغ الأهمِيَّة وحاسم في التاريخ في صد الهجمات والحروب التي كانت تهدد وجود الدول الإسلامِيَّة في الشرق. فكان لمماليك الصالح نجم الدين أيوب في مصر فضل التصدي للحملة الصليبِيَّة السابعة التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا (647هـ/ 1249م) على دمياط، ثم حاولوا الزحف نحو القاهرة، إلا أن قوات المماليك استطاعت إلحاق الهزيمة بهم عند مدينة المنصورة، وآلت الحملة إلى الفشل، وأُسِر الملك لويس التاسع، وانتهت برحيل الصليبيين عن مصر، وجنبت مصر دخولهم إلى أراضيها. كما ظهر المماليك بمظهر منقذي العالم الإسلامي من الضياع والزوال بعد سُقُوط بغداد عاصمة الدولة العباسِيَّة والخِلافة الإسلامِيَّة في يد المغول بقيادة هولاكو خان، ومقتل آخر خُلفاء بني العبَّاس أبي أحمد عبد الله المستعصم بالله؛ فقد سار المغول لغزو الشام وهددوا مصر بمصيرٍ مشابه لمصير بغداد، فتولى سلطان المماليك على مصر -في ذلك الوقت- «سيف الدين قطز» مهمة صد الزحف المغولي، ونجح في هزيمته في معركة عين جالوت بفلسطين سنة 1260م. كما حَمَلَ المماليك لواء استكمال طرد الصليبيين وإجلائهم عن المشرق خلفًا لجهود الأيوبيين من أسيادهم، وحقق السلاطين المماليك -مثل بيبرس البندقداري والمنصور قلاوون- انتصارات حاسمة واحدة تلو الأخرى حتى المعركة الأخيرة على يد ابنه الأشرف خليل بن قلاوون الذي استرد عكا آخر المعاقل الصليبِيَّة سنة 690هـ/ 1290م(8).

    كان للمماليك كذلك دور مهم في تاريخ الثقافة العربية الإسلامِيَّة؛ فكانت مصر

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1