Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الغناء والسياسة في تاريخ مصر
الغناء والسياسة في تاريخ مصر
الغناء والسياسة في تاريخ مصر
Ebook365 pages2 hours

الغناء والسياسة في تاريخ مصر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعرض الكتاب لعلاقة الموسيقى والغناء بالسياسة في مصر عبر تاريخها، ويرصد كيف تأثر وأثر كل منهما في الآخر.. ساند الغناء سياسات حكام وعارض سياسات أخرى، وشارك في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى ذلك كانت الأغاني في كل حقبة زمنية تفصح عن هوية المجتمع المصري، فكانت انعكاسًا لثقافة هذا الشعب ورصدت عبر تاريخها التغيرات التي طرأت عليه.
كما يتعرض هذا الكتاب لنقد وتحليل الأغنيات التي ارتبط إنتاجها بأحداث سياسية في تاريخ مصر.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2014
ISBN9789771446675
الغناء والسياسة في تاريخ مصر

Related to الغناء والسياسة في تاريخ مصر

Related ebooks

Reviews for الغناء والسياسة في تاريخ مصر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الغناء والسياسة في تاريخ مصر - ياسمين فراج

    الغناء والسياسة

    فــي تـــاريـــخ مــصـــــر

    تأليف: د. ياسمـين فـراج

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 5-4667-14-977-978

    رقـــم الإيــــداع: 22530 / 2013

    الطبعة الأولى: يناير 2014

    Arabic%20DNM%20Logo_Colour%20Established%20Black.eps

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    إهـــداء

    إلى مصر الغالية

    أرض الحضارة الباقية

    التي قهرت كل طاغية

    سينتصر المستقبل للحرية

    مهما استحكمت قوى الظلام العاتية.

    مقدمة

    يعتقد البعض أن الموسيقى والغناء منتج فني يقتصر دورهما على الترفيه والتسلية فقط، ولكن الذي لا يدركه الكثيرون أن للفنون أدوارًا متعددة في سياسات البلاد وكثيرًا ما يستخدمها الحُكّام والسياسيون في تسهيل مهمتهم، حتى السياسات المرتبطة بالعقيدة الدينية كثيرًا ما ارتبطت بالموسيقى والغناء.

    يشهد التاريخ على أن الموسيقى والغناء لعبا دورًا بارزًا في السياسة المصرية، وبالمثل فقد لعبت التوجهات السياسية دورًا أيضًا في تشكيل الحركة الفنية.

    إن العلاقة بين الحركة الفنية والسياسة كانت وما زالت علاقة جدلية؛ أحيانًا تكشف عورات الأنظمة السياسية وتواجهها، وأحيانًا أخرى تصفق لها وتنافقها، أحيانًا يُناهض الفن أشخاص السياسيين وسياساتهم، وأحيانًا أخرى يتبادل معهم المنفعة.

    لقد كانت وما زالت الأغنية وسيلة هامة لتوجيه وتعبئة الشعوب فمن خلالها تشكل وعي ومفاهيم الكثير من أبناء الوطن الواحد، وتشكلت طبيعة العلاقات الاجتماعية بينهم، فقد ساهمت الأغنية بشكل فعال في تعبئة الشعب ضد المستعمر أوالمحتل كما حدث قبل اندلاع ثورة 1919م، كذلك حمست الشعب للإتيان بنصر أكتوبر، وأخيرًا كانت مؤشرًا واضحًا قبل اندلاع ثورة 25 يناير. وعندما يتدنى مستوى الفن ومنه الموسيقى والغناء تختلف أخلاقيات المواطنين تأثرًا بهذه الفنون، وربما يتساءل البعض: ولماذا لا يكون الفن هو المتأثر بأخلاقيات المجتمع ؟ والإجابة هنا تكون أن كليهما يتأثر بالآخر، ولكن دائمًا ما يكون تأثير الفنان هو الأقوى، خاصة على المواطن البسيط إذ إنه يُعد قدوة للكثير منهم ونموذجًا يُحتذى به، فعندما يكون الفنان موهوبًا ويتمتع بعلم وثقافة ومهارة يمكنه إنتاج فن هادف راق، أما إذا ما اختلت هذه المعايير فإن هذا ينعكس على المنتج الفني؛ ومن ثم يساهم في تشوه المتلقي.

    إن أنماط الموسيقى والغناء التي تُقدَّم في أي مجتمع تدل على هويته، فعلى سبيل المثال عندما تكون غاية الغناء الوطني هي تمجيد شخص الحاكم، يمكننا استنتاج أن هذا المجتمع ليس لديه مشروع وطني قومي يلتف حوله ويستفز طاقاته على الإنتاج بما فيه الإنتاج الثقافي والفني، وأنه مجتمع لا يتمتع بحرية حقيقية، وأن أخلاقيات النفاق والانتهازية هي السائدة بين أفراده. وعندما نجد كلمات الأغنية راقية هادفة بعيدة عن التملق والنفاق لابد أن نعلم أن هذا المجتمع مُنتج، يتمتع بقدر كبير من الحرية الحقيقية وما يترتب عليها من معطيات اجتماعية إيجابية مثل مبدأ تكافؤ الفرص، والاهتمام بالكفاءات وغيرها.

    من هذا المنطلق جاءت فكرة هذا الكتاب الذي نحاول من خلاله رصد العلاقة بين السياسة والحركة الغنائية في مصر وتأثر كلٍّ منهما بالآخر، مستعرضين أنماطًا غنائية في فترات زمنية مختلفة من تاريخ مصر، التي تُمكننا من رصد مدى تقدم أو تدهور أو ثبات مستوى الغناء في كل حقبة تاريخية. فقد تغيرت أهداف وأنواع وماهية صناعة الأغنية بحسب تغير المعطيات السياسية لكل من الثقافة، والتعليم، والاقتصاد... وغيرها، وكان لكل من هذه الحقب موسيقاها وأغنياتها الخاصة.

    إن تاريخ اشتباك السياسة بالحركة الفنية التي منها الغناء زَخَرَ بأنواع متعددة منه مثل : الغناء القومي، الذي تهدف كلماته إلى تنمية الحس الوطني عند مجموعة من البشر يجمعهم الحيز الجغرافي الذي يعيشون فيه معًا. الغناء السياسي الذي تهدف كلماته إلى كشف سلبيات وفساد الأنظمة السياسية لدرجة تصل إلى التحريض عليه وعلى رموزه. الغناء الحماسي مثل الأناشيد التي تقدم أثناء فترات الحروب أو الاستعداد لها، ومنها الأناشيد المميزة للدول المختلفة والتي تُعرف بموسيقى السلام الوطني. الغناء التلقائي أو الشعبي الذي ينتجه الشعب أثناء الانتفاضات والثورات والأحداث المرتبطة بالوطن. وأخيرًا وأكثره حداثة الغناء الدعائي، الذي يُنتج بغرض الترويج الدعائي لتيارات أو أحزاب أو أشخاص بأعينهم أثناء الانتخابات البرلمانية أوالرئاسية.

    فــصـــــول الكــتـــــاب:

    ينقسم هذا الكتاب إلى خمسة فصول نبدؤها بالفصل الأول الذي يحمل عنوان «الأغنية الوطنية بين الماضي والحاضر»، ويدورحول عرض لأنواع وسمات الأغنيات الوطنية في فترات مختلفة من تاريخ مصر بدءًا من عصور الفراعنة وانتهاءً بالقرن الحادي والعشرين في تلك الألفية الثالثة التي نعيش في سنواتها الآن، لنصل في نهاية هذا الفصل إلى أنواع الغناء الوطني التي ظهرت عبر تاريخ مصر الحديث وتعريفها بالشرح المفصل.

    الفصل الثاني بعنوان «السلام الوطني في تاريخ مصر الحديث» يدور مضمون هذا الفصـل حول تاريـخ السـلام الوطني في مصر الحديثـة، وكل ما يتعلق بملابسات البحث عن النشيد والسلام الوطني لمصر، انتهاءً بتحليل موسيقى النشيد والسلام الوطني الحالي (بلادي بلادي) وأهم التعديلات التي طرأت عليه.

    الفصـل الثالـث بعنـوان «الموسيقى والغنـاء في آخـر ثــورات مصر (25 يناير 2011)» نتعرض في هذا الفصل لموسيقى هتافات ثورة يناير وتناولها بالتحليل الموسيقي والوقوف على الدلالات السياسية والاجتماعية لهذه الهتافات، يتبعه رصد للأغنيات التي تم إنتاجها في الفترة ما بين 25 يناير حتى نهاية شهر مارس تقريبًا من عام الثورة، ثم إلقاء الضوء على مشروع الارتقاء بالأغنية الوطنية الذي أطلقه مجموعة من شيوخ الشعراء والملحنين والإعلاميين باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري تملقًا لثورة يناير ولم يسفر عن شيء، وذلك من خلال الجزء المعنون بــ «أغنيات ثورة 25 يناير الوطنية من الإرهاصات إلى الادعاءات».

    الفصل الرابع بعنوان «سيميولوجيا الأغنيات الدعائية لمرشحي رئاسة الجمهورية» ونتعرض في هذا الفصل لكلمات وموسيقى الأغنيات الدعائية لأبرز مرشحي أول انتخابات رئاسية في الجمهورية الثانية لمصر بعد ثورة يناير، والوقوف على الدلالات السياسية والاجتماعية التي روجت لها حملات خمسة من أبرز المرشحين في الجولة الأولى والثانية، والتي كان منها الحملة الدعائية لآخر رؤساء مصر وهو «محمد مرسي»، وهو الحاكم الأول في تاريخ مصرالذي لم يستمر حكمه سوى عام واحد فقط .

    الفصل الخامس بعنوان «المبدعون والطريق إلى ثورة 30 يونيو»، يتناول هذا الفصل توثيق ردود أفعال الحركة الفنية والثقافية تجاه الهجمة الشرسة على قوة مصر الناعمة، من خلال أربعة محاور أساسية هي: أولًا: رصد الحركة الغنائية للأحداث السياسية وتعبيرها عن نبض الشارع المصري خلال فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي. ثانيًا: دور أكاديمية الفنون في صد الهجمة الشرسة على الفنون و الصدامات التي تعرضت لها مع جماعة الإخوان والموالين لهم، فهي إحدى أهم المؤسسات الفنية التي تلعب دورًا فعالًا في تَشكيل الحركة الثقافية في مصر والوطن العربي والتي تشكل خطرًا على مشروعهم الظلامي لمصر. ثالثًا: رصد فنون اعتصام المبدعين والمثقفين المصريين اعتراضًا على محاولة ضرب القوة الناعمة المصرية بعد مجيء وزير ثقافة ينتمي للتيارات الظلامية الموالية للإخوان، هذا الحدث التاريخي الذي كان له دور هام في تأجيج مشاعر الشعب المصري وتحفيزه على رفض حكم الإخوان والجماعات الظلامية ونزوله الشوارع في ثورة 30 يونيو 2013. رابعًا: تحليل موسيقى هتافات ثورة الثلاثين من يونيو، والتي يمكن من خلالها التعرف على الحالة الانفعالية للشعب المصري خلال عام من حكم الإخوان.

    الفصل السادس بعنوان « نقد نماذج لأغنيات ارتبطت بأحداث سياسية في مصر» حيث نتعرض في هذا الفصل لعرض النوتات الموسيقية لمجموعة من الأغنيات التي ارتبطت بأحداث سياسية في مصر ولاقت نجاحًا، ونتناولها بالتحليل والنقد الموسيقي والاجتماعي.

    في ختام هذه المقدمة المختصرة، علينا أن ننوه على أن المعلومات التي يحتويها هذا الكتاب تهدف للوصول إلى عدة نتائج يمكن من خلالها فك شفرات الهوية المصرية وأهم المتغيرات التي طرأت عليها عبر الحِقب الزمنية المختلفة من خلال نمط الغناء المُقدم، بهدف تقييمها وتقويمها في حالة الحاجة إلى تقويم سلوك أفراد المجتمع إذا ما استدعى الأمر ذلك. وأن ما يحتويه هذا الكتاب من معلومات حول توثيق ونقد تحليل أغنيات ثورة يناير وما بعدها، هي الأولى من نوعها التي تؤرخ لموسيقى وأغنيات هذه الفترة في تاريخ مصر، على أمل أن تكون هذه المعلومات مصدرًا جيدًا للباحثين، ونواة لأبحاث أخرى اجتماعية وفنية تنبثق عنها.

    ياسمـــين فــــراج

    الفصل الأول: الأغنية الوطنية

    بين الماضي والحاضر

    كانت مصر من أوليات الدول التي استخدمت الموسيقى والغناء في دعم سياسات أمرائها وملوكها ورؤسائها بدءًا من العصر الفرعوني الذي امتد في الفترة ما بين «3100 ق.م إلى 343 ق.م» كما دونته كتابات الفراعنة. وقد ظهر خلال هذا الزمن أنواع مختلفة من الأغنية الوطنية كما أرشدتنا نقوشات جدران المعابد في الحضارات الفرعونية القديمة التي عرفت العديد من الفنون كانت تُمارس في الأسر المختلفة منها، وكان ضمن هذه الفنون الموسيقى والغناء «والتاريخ يعرف للمصريين حبهم للموسيقى، وإقبالهم عليها، ويستوي في ذلك أمراؤهم وفقراؤهم.. ولا تكاد ساحة العمل تخلو من الزامر والمُنشد»(1). وقد ظهرت أنواع من الأغنيات التي ارتبطت بالسياسة في العصورالفرعونية، منها ما كان ذا طابع قومي، وهي تلك الأغنيات التي كان ينتجها الشعب بتلقائيته الفطرية أثناء الاحتفالات المرتبطة بتمجيد الموارد الطبيعية لمصر مثل احتفالات فيضان النيل، احتفالات تقديم القرابين للنيل (طقس تقديم عروس للنيل)، تقديرًا منهم لأهمية ودور الموارد الطبيعية في حياتهم، فقد أدرك المصري القديم أن سر ديمومة الحياة يرتبط ارتباطًا كليًّا بالموارد الطبيعية لبلاده. وكان هذا النوع من الغناء (القومي) يؤديه جميع فئات الشعب في أماكن متفرقة من البلاد بعيدًا عن المعابد، كما ذكر معجم الحضارات المصرية القديمة كالتالي: «وكذلك كانت الطبقة المتواضعة من الشعب تعشق الأغاني، فكان عمال الحصاد يبدون ملاحظتهم (أنه جميل) عندما يسمعون أحد زملائهم ينشد أغنية قديمة بمصاحبة الناي الريفي، وفي موسم البذر عندما تُساق الأغنام فوق الأرض الرطبة المزروعة حديثًا، يترنم كل شخص بنغمة على وقع قرقعة السياط»، ويُستكمل الحديث حول هذا النوع من الغناء بالتالي: «فقد وُجد مرسومًا على جدران مقبرة (تي) الذي عاش في عهد الدولة القديمة موسيقيّ ينفخ في مزمار طوله ذراعان ليطرب عمال الحصاد متتبعًا سيرهم، وقد لازمه عامل يُصفق بيديه دون أن يترك منجل الحصاد، ويُغني أغنية للثيران ويتبعها بأغنية أخرى مطلعها: إني أسير في طريقي، ويرتجل عمال الحصاد نقاشًا غنائيًّا: ما أجمل هذا اليوم..هيا اخرج من الأرض .... إن الرياح الشمالية تهب وتعمل السماء على إسعادنا.... إن عملنا هو الذي نحبه. وكذلك كان الرعاة يرددون أصداء أغنية شعبية قديمة مطلعها: الراعي في الماء في رفقة الأسماك»(2). وهذا النوع من الغناء الذي نطلق عليه القومي بما أن هدفه يعود على خدمة المصريين، لم يكن بعيدًا عن السياسة لأن المشروع القومي للمواطن المصري في عصور الفراعنة كان الحفاظ على الطبيعة وخيراتها، ولعل أهم وصايا «كتاب الموتى» أقدم كتاب في تاريخ البشرية الذي كتبه الفراعنة في دولتهم الحديثة يوصي بألا تلوثوا مياه النيل، والحفاظ على الطبيعة. وقد أعطى الفراعنة اهتمامًا للطبيعة حتى بعد وفاتهم فقد جاء في بردية «آني» المحفوظة بالمتحف البريطاني التي تحتوي على أهم فصول كتاب الموتى الفرعوني التالي: «فصل استنشاق الهواء والسيطرة على الماء في العالم السفلي، يقول أوزيريس - آني: هلا – أنت شجرة جميز الإلهة نوت؛ لتضمني لي الماء والهواء الذي بداخلك»(3). فقد كان الاهتمام بالطبيعة في الحياة والممات سياسة ملوك وأمراء الفراعنة؛ ومن ثم انتقل ذلك من الصفوة إلى عامة الشعب، فكانت الموارد الطبيعية أهم ثروات الوطن، وكان الغناء لها نوعًا من أنواع الغناء القومي.

    كذلك ظهر نوع آخر من الأغنيات التي تخدم سياسات ملوك الفراعنة حيث «استخدمت الأغنية كوسيلة تعليمية لشرح أحكام القوانين، واللوائح الحكومية الرسمية، وأحكام الديانة، وأصول الفلسفة والتاريخ والعلوم والفنون وغيرها»(4)، وهذا النوع من الغناء كان بديلًا عن سياسات الثقافة والتعليم الحديثة.

    وتشير جميع المراجع التي تحدثت عن الموسيقى والغناء في عصور الفراعنة إلى ارتباطها بجميع نواحي الحياة، فقد أشارت المراجع إلى أن كهنة المعابد المصرية القديمة «حددوا شروطًا خاصة ومواعيد محددة للعزف والغناء، فكانت هناك أوقات للموسيقى والأغنيات المرحة الخفيفة، وأخرى للموسيقى الجادة الهادئة الوقورة، وغيرها للعمل بحيث تحث على الجد والنشاط وتزيل الإحساس بالتعب، وأخرى للمساء والسهرات والسمر، كما كان منها ما يحث على حب الحياة والوطن والمعاني السامية النبيلة، والبعد عن النزوات الشريرة»(5). وكان الرقص هو العنصر الثالث المشارك للموسيقى والغناء في عصور الفراعنة، والإشارة إلى وجود الرقص في النقوشات والبرديات والمراجع يُحتم ضرورة وجود الموسيقى والغناء أو على الأقل أحدهما، وقد ذكر أن هناك رقصات كانت تُؤدى في حفلات الزواج والحرب(6)، وهذا يجعلنا نستنتج أنه كانت هناك موسيقى مخصصة للحروب كانت تصاحب تلك الرقصات، وهذا يشير إلى وجود نوع آخر من الأغنيات التي ارتبطت بالأحداث السياسية في تلك العصور، أتوقع أنها كانت ذات طابع حماسي استنادًا إلى إشارة الآلات الموسيقية التي كانت تستخدم فيها. وقد انتهى العصر الفرعوني عام 334 ق.م بعد أن أسقط الفرس الأسرة الثلاثين للفراعنة التي كانت آخر أسر تلك الحقبة من تاريخ مصر.

    توالى على حُكم مصر بعد ذلك العديد من الممالك والإمبراطوريات، وأول من تولى حكم مصر بعد الفراعنة هم الإغريق البطالمة منذُ عام 332 ق.م بقيادة الإسكندر الأكبر الذي أسس مدينة الإسكندرية في العام الثاني من دخوله مصر. خلفهم الرومان الذين دخلوا مصر عام 30 ق.م على يد الإمبراطور أغسطس وأصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. وفي عام 618 ميلادية غزاها الفرس مجددًا لفترة وجيزة قبل أن يستردها منهم البيزنطيون عام 629 ميلادية. وفي عام 639 ميلادية كان الفتح الإسلامي لمصر على يد جيش عمرو بن العاص في عهد عُمر بن الخطاب وخرج منها الرومان الشرقيون. ثم تعاقب عليها حكم الخلفاء الراشدين، ثم الطولونيين، ثم الفاطميين، ثم الأيوبيين الذين أعادوها إلى الخلافة العباسية، ومن خلالهم جاءوا بمجموعة من المحاربين العبيد كانوا نواة لنشوء دولة المماليك.

    سياسات الغناء في العصر المملوكي:

    من أهم الحقب الزمنية التي أرخ لها المؤرخون العرب والمستشرقون كانت حقبة العصر المملوكي، و«المماليك» هم الرقيق الأبيض الذين اعتمد عليهم حكام الشرق الأدنى الإسلامي، وأيضًا في مصر والشام، في صراعهم ضد بعضهم البعض في خضم الفوضى السياسية بعد وفاة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي. بدأ عنصر المماليك يتزايد في جيوش أولئك الحكام مما أدى إلى ازدياد دورهم في الحياة السياسية في مصر والشام منذُ أواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وفي خضم الصراع ضد الصليبيين توفي السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وقامت زوجته شجر الدُّر بإدارة شئون الحكم والحرب بمساعدة كبار أمراء المماليك، ثم تولت العرش بعد مصرع توران شاه لتصبح أول سلاطين المماليك في مصر والشام في منتصف القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)(7).

    ظهر في العصر المملوكي أنواع مختلفة من الغناء والموسيقى، ومارس الغناء والعزف الرجال والنساء، وكان يُطلق على

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1