بسمارك التائه: حياة مكافح - الجزء الأول
By إميل لودفيغ, رأفت علام and عادل زعيتر
()
About this ebook
Read more from إميل لودفيغ
بسمارك المسيطر: حياة مكافح - الجزء الرابع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبسمارك المبعد: حياة مكافح - الجزء الخامس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالبحر المتوسط: مصاير بحر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsابن الإنسان: حياة نبي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبسمارك الطموح: حياة مكافح - الجزء الثاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالنيل: حياة نهر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبسمارك الباني: حياة مكافح - الجزء الثالث Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to بسمارك التائه
Related ebooks
بسمارك حياة مكافح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبسمارك الباني: حياة مكافح - الجزء الثالث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحياة محمد في عيون مستشرق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقصة الحضارة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsروبنسون كروزو Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعصر المأمون Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبروتوكولات حكماء صهيون: الخطر اليهودي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالزهر الأنيق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعبقرية الصديق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبدائع الخيال: عشر قصص ممتعة للفيلسوف الروسي ليو تولستوي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعبرة التاريخ: أحمد زكي أبو شادي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأمثال العرب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبنجامين فرانكلين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسير أعلام النبلاء ط الحديث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبدائع الخيال Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرسائل البشرى في السياحة بألمانيا وسويسرا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول) Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجميل بثينة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعوليس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsخيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب: أحمد تيمور باشا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقصة العرب في إسبانيا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمغامرات شيلتبرڠر وأسفاره: في المشرق العربي والإسلامي ورحلاته في أوروپا وآسيا وأفريقيا 1394-1427 م Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيوميات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالملك هنري الخامس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول): الجزء الأول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتاريخ آداب اللغة العربية (الجزء الثالث): الجزء الثالث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفي سبيل التاج Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for بسمارك التائه
0 ratings0 reviews
Book preview
بسمارك التائه - إميل لودفيغ
مقدمة المترجم
هذه هي ترجمةُ كتاب «بسمارك» للكاتب الألماني الكبير «إميل لُودفيغ». وربما كان هذا السِّفر أَعْمَقَ ما وضع لودفيغ من كتب التراجم وأدقَّ، ولا نستثني من ذلك كتاب «نابليون» الذي امتاز بحسن التحليل، ولا كتاب «ابن الإنسان» الذي امتاز بقوة الوصف. والكتب الثلاثة هذه هي خيرُ ما أَلَّفَ لودفيغ من رسائل السِّيَر على ما نرى. ولا عجب؛ فموضوع الكتاب ألمانيٌّ يشغل بال الألمان والعالم بأسره، والكاتب ألمانيٌّ لم يألُ جُهدًا في أَسْر أفئدة الناس أجمعين.
والمؤلف يقول: «وَلَمَّا حلَّت سنة ١٩١١ حاولتُ أن أقف حيال أسطورة هذا الوزير الحديديِّ في رسالة نفسية، عارضًا فيها بطريق الوصف طبيعةً عُدَّت من الألغاز، ثمَّ انقضت عشرُ سنوات فوضعت روايةً مؤلَّفة من ثلاثة فُصُول عن بسمارك طامعًا أن تُمثَّل على المسرح الألماني. ويختلف السِّفر الوصفيُّ الحاضر عن ذلك السِّفر غير السياسيِّ الباكر. وليس في هذا الكتاب اللاحق ما هو مُقْتَبَسٌ من ذلك الكتاب السابق؛ فما في هذا الكتاب من عَرْض لبسمارك فقد تمَّ على نور جديد، ولا تُبصر في الكتابين من أوجه الشبه سوى الصورة الأساسية التي تجلَّت بها تلك الطبيعة المعقَّدة. ومما اقتضى وضع كتاب جديد عن بسمارك أكثر ملاءمةً لأُصُول النقد؛ ما أسفرت عنه الحرب الأخيرة من نشر وثائقَ قاطعةٍ ومذكِّراتٍ مفيدةٍ، وما اتَّفق لنا من النضج.»
وعلى كثرة ما يتردد اسم «بسمارك» في الرسائل والصحف، وعلى كثرة ما يدور اسم «بسمارك» على الألسُن، وعلى ما مثَّله بسمارك من الدور العظيم في تاريخ العالم، عَطِلَت العربية من كتابٍ كبير أو صغير عن حياة هذا الإمام في السياسة، عن تاريخ هذا الذي لم يتحرَّج أحدُ فلاسفة١ فرنسة من وصفه ب «صاحب الدماغ القدير المتصرف في المصير.»
وبسمارك هو الذي جعل من ضعف ألمانية قوَّةً، وبسمارك هو الباني للإمبراطورية الألمانية والمُوجِد لألمانية الحديثة والرافع لذِكْرها والمُعْلي لشأنها والمُظهِر لها فوق الجميع، وبسمارك هو الجامع لأجزاء ألمانية بعد تفرُّق والموُحِّد لأقطارها بعد شتات، فإذا ما ذُكِر قيام الدول وتأسيس الجامعات وتوحيد ما اختلف من الجهات؛ كان بسمارك أولَ من يبدو للأعيُن نِبراسًا يُهتدَى به وللأبصار قبسًا يُسارُ على نوره.
وقد بلغ ما شاده بسمارك من القوة درجةً لم تَسطِعْ أن تدكَّه حربان طاحنتان؛ فالأساس متينٌ والأصول ثابتةٌ، وإذا ما قُطِعت الفروع أخرجت السوقُ شطْأً أقوى مما كان؛ كما ثبت بعد الحرب العالمية الأولى، وكما يلوح بعد الحرب العالمية الثانية. ولو خلا من الرعونة من قبضوا على زمام الأُمُور في ألمانية بعد بسمارك، وبين تَيْنِك الحربين أيضًا، فكان لهم مِثلُ ما له من اتِّساع الأفق وأصالة الرأي؛ ما أُصيبت ألمانية بغَلَبٍ بعد طويلِ جهادٍ وعظيمِ دفاعٍ، ولظلَّت ألمانية أول دولة في العالم على ما يُحتمل.
والمؤلفُ في هذا الكتاب — كما في كتاب نابليون — سار مع بسمارك سيرًا طبيعيًّا من ولادته إلى وفاته بأُسلوبٍ أخَّاذٍ مؤثِّر لم يسبقه إليه أحد. ولا نرى أن نُسهب في بيان ما وجدناه من إبهام والتباس وغموض في هذا الكتاب، ولا في بيان ما بذلناه من جهود مضاعفة في جعل عبارة الكتاب واضحةً جهد المستطيع؛ فذلك يقدِّره قرَّاء كتب لودفيغ، ولا نرى أن نضع مقدمة مطوَّلة نعرض فيها مناحي الكتاب؛ لِما قصدناه من ترك ذلك للقارئ، وإنما نذكر أن هذا الكتاب هو خير ما أُخرِج للناس عن بسمارك — على ما نعتقد.
نقدِّم هذا الكتاب إلى الأمة العربية في وقتٍ هي في أشدِّ الاحتياج إلى مثله؛ فلعلَّ العرب يُبصرون من مطالعته كيف تُقام الجامعات وكيف توحَّد الشعوب والدول على أُسُس صحيحة بعيدة عن الرئاء والشعوذة والكيد والتخاذل والمظاهر الخادعة، قائمةٍ على الإيمان والإخلاص والبذل والتضحية والجهاد الصادق. فإذا كنتُ قد نقلت هذا الكتاب إلى العربية نقلًا يكاد يكون حرفيًّا معتمدًا على ترجمته إلى الفرنسية والإنكليزية، فإنني أكون قد نلت ما أرجو.
«نابلس»، عادل زُعَيتِر
١ الدكتور غوستاف لوبون.
مقدمة المؤلف
واضحٌ غامضٌ، كاملُ العُدَّة، منيرٌ في سَحَر،١ هذا هو بسمارك الذي يشابه ما رسمه رَنْبرانْت٢ من الصور، فيجب وصفه بمثل ما في هذه الصور. وبسمارك هو الذي أحاطته شحناء الفِرَق منذ ثمانين سنة بضياء البرق، وبسمارك هو الذي أُحِبَّ قليلًا في حياته؛ لما كان من قلة حبِّه للآخرين، وبسمارك هو الذي قُضي عليه بعد مماته بأن يبدو تمثالًا؛ لما كان من عُسر اكتناه سرائره، فكان بين الألمان كرولان٣ منحوتًا من صَوَّان.
وغرضُ هذا السِّفر هو وضع صورة لمناضل ووصْف انتصاراته وغواياته،٤ وفي هذا السِّفر سيوصف بسمارك بصاحب سجيَّة مملوءة بما صدرت عنه أفعاله من عُجب وشجاعة وحقد. وبينما ترى اليوم فريقًا من الألمان يُغالي في تمجيد بسمارك ترى فريقًا آخر يدينه. ونحن نرى أن ندرس حياته درسًا عميقًا ما قرَّرت هذه الحياة مصير ألمانية وما وجب على الألمان معرفة خُلقه كما هو لا كما شوَّهه ما دار حوله من التقديس والتدنيس.
ورجل التاريخ ذلك هو، على الدوام، أحكم من طريقته وأعقد من صورته. ولا نجد أن نسير على غِرار المحافل العلمية فنُثقل وصفه بالحواشي والمذكِّرات، بل يجدر بزماننا أن تُعرَض الأخلاق العامة فيه عرضًا ماثلًا، وأن يُستخرج منها للعالَم بأسره مَثَلٌ ودرسٌ، والمرء رجلًا يتعذر فصله عنه قطبًا سياسيًّا، فمشاعره وأعماله متلازمة متفاعلة، وحياته الخاصة وحياته العامة كلتاهما متسايرة متجارية. وواجب المتفنِّن هو في صنع الشيء الواحد من الموادِّ التي يأتي بها الباحث الفاحص.
وَقَفَ نشوء حياة بسمارك الخاصة في الثلاثين من عمره تقريبًا، واحتمل في خمس عشرة سنة من ذلك أعنف هياج واضطراب، ولم يحدُث بعد ذلك سوى عُمق في خطوطه الأصلية؛ فمن أجل هذا يجب تفصيل وصف شبابه، أي دور مَحْيَاه٥ غير السياسي، وقد اقتصرت تراجمه على بضع صفحات عن هذا الدور.
وكلين هاتنجن — الذي لم يُعرف قدْره — هو الكاتب الوحيد الذي استطاع أن يُجيد وصف بسمارك وصفًا نفسيًّا مستعينًا بالوثائق التي أمكن الوصولُ إليها في زمنه. ولما حلَّت سنة ١٩١١ حاولتُ أن أقِف حيال أسطورة هذا الوزير الحديديِّ في رسالةٍ نفسيةٍ، عارضًا فيها — بطريق الوصف — طبيعةً عُدَّت من الألغاز. ثمَّ انقضت عشر سنوات فوضعتُ روايةً مؤلَّفة من ثلاثة فصول عن بسمارك طامعًا أن تُمثَّل على المسرح الألماني.
ويختلف السِّفر الوصفيُّ الحاضر عن ذلك السِّفر غير السياسي الباكر، وليس في هذا الكتاب اللاحق ما هو مقتبسٌ من ذلك الكتاب السابق؛ فما في هذا الكتاب من عرضٍ لبسمارك فقد تم على نور جديد. ولا تُبصِر في الكتابين من أَوْجُه الشبه سوى الصورة الأساسية التي تجلَّت بها تلك الطبيعة المعقدة، ومما اقتضى وضعَ كتابٍ جديدٍ عن بسمارك أكثرَ ملاءمةً لأُصُول النقد، ما أسفرت عنه الحرب الأخيرة من نشر وثائق قاطعةٍ ومذكِّراتٍ مفيدة، وما اتَّفق لنا من النُّضج.
وبدا أمر بسمارك الواضح الغامض أكثر وقفًا للنظر مما كان عليه بعد تلك الأسانيد؛ فالذي يحاول اكتناهَ مكافحٍ — بدلًا من نحت تمثال له — يظلُّ دَهِشًا أمام تلك الحياة التي هي نسيجٌ من نضالٍ مستمرٍّ ونصرٍ عارضٍ وحِرصٍ دائم وعدم قناعةٍ مستمرة، ومن حكمةٍ في أكثر الأزمان وخطأٍ في بعض الأحيان، ومن عبقرية حتى في العَمَاية والضلال.
١ السَّحَر: قبيل الصبح.
٢ رَنْبرانْت: مصور هولندي مشهور (١٦٠٦–١٦٦٩).
٣ رولان: أمير إقطاعي اشتهر في عهد شارلمان.
٤ الغواية: الضلال.
٥ المحيا: الحياة.
الجزء الأول
بسمارك التائه
بسمارك ذو مزاجٍ تُضنيه الحياة، ولكن الراحة تقتله.
أ. كِيزِرْ لِنغ
الفصل الأول
في الصيف، تحت أشجار البلُّوط القديمة بالحديقة يلعب صبيٌّ أشقرُ بادنٌ، حادُّ العينين قاتم الناظرين، هو في السنة الرابعة من عمره، ولكنه يبدو في السادسة من سِنِيه حين يحفر بمجرفته الأرضَ فيملأ عربة اليد فيقلبها بالقرب من الحوض حيث يبني بهمَّةٍ حِصنًا من الحجر والتراب، والبستانيُّ إذا ما أراد ردَّ الصبيِّ إلى البيت وقت الغداء صلُب الصبيُّ وغَضِب.
ذلك بيتٌ ريفيٌ عاديٌّ، كان منزلًا لفلاح ثريٍّ، لا مسكنًا لوجيهٍ سَرِيٍّ، ذلك بيتٌ خشبيٌّ وضيعٌ عاطل من الزخرف مؤلفٌّ من طبقة واحدة خلا وسطِهِ حيث تبدو طبقة ثانية ذات خمس نوافذ، والصبي حينما ينظر من نافذته في الطبقة الأولى يمتدُّ بصره ساكتًا صامتًا إلى سهل ذي بُرٍّ١ ضارب إلى صفرة، والريح حينما تهبُّ من تِلقاء بُومِيرَانْيَة، تهزُّ رءوس السنابل الثقيلة فيتموَّج الحقل وتظهر فيه أخاديد، والأب حينما يأخذ الابن إلى القرية يقول له: «كلُّ هذا لنا!» والأب قد وَرِثَ — حين كانت سنُّ الابن سنةً واحدة — نحوَ ألفَي فدَّان في كنيبهوف، فعدل عن شُونْهَاوْزِن وسكسونية إلى بُومِيرَانْيَة الغربية.
والصبيُّ إذا ما رافق أباه ذكر قوله: «كل هذا لنا!» ما دامت القرية واستغلالها أمرًا واحدًا، ولا تبصر هنالك فلاحين، بل تبصر عُمَّالًا مرتبطين في الضيعة٢ مقيمين بأكواخٍ حقيرة مماثلين تحت سُقُفها التِّبنية للفدَّادين٣ أكثر ما للفَعَلة مَرْضيًّا عن وضعهم ذلك من سادتهم أولئك، وهنا معمل الجِير٤ وهنالك الكير،٥ وينساب الصبيُّ في الحظيرة عند البقر فيقول له براندُ البقَّار الهرِم البالغُ من العمر تسعين سنة: «حَذارِ أيها الشريف! فليس من العسير أن تضع البقرةُ قرنَها في عينك، والبقرة تداوم على أكلها هادئة من غير أن تُبصر ذلك، ولكن مع فَقْد باصرتك!»
ويقول ذلك الهرم: «أيها الشريف!» بلهجته العامية، ويمضي سبعون عامًا، فيذكر بسمارك ذلك البقَّارَ الواقعيَّ الذي كان يقصُّ عليه من أنباء الملك فِردرِيك وِلْهِلْم الأول، فيروي أنه رآه في كوسترين قبل الملك فردريك الكبير بزمن طويل.
وفي أيام الأعياد يدخل الأب وابنه البهوَ ذا النوافذ الثلاث، فيقصُّ الأب على ابنه هذا أحاديثَ لِما يبدو في البهو من صوَر بعض الأجداد اللابسين خوذًا والحاملين سلاحًا والناظرين بعُبوُسٍ ووقار من صوَرهم ذات الأطُر المعلَّقة على الجُدُر. والواقع هو أن معظم أولئك الأجداد كانوا أصحابَ الحُكم في الإلْبة مدةً تزيد على خمسمائة عام، فإذا ما حدَّث الأبُ ابنه البِكر، الذي هو في السنة التاسعة من عمره فيَقْدر على وعي ما يقال له؛ أصغى الابنُ الأصغرُ إلى الحديث، وماذا يسمع؟ هو يسمع أن أجداد أبيه كانوا من الفُرسان وفْقَ صوَرهم في البهو، وأنهم كانوا يسكنون البروج والقصور عدَّة قرون، وأنهم كانوا يملكون من الفدَّادين مَن يحرثون أراضيهم وأنهم كانوا يمارسون شئون الأمن والعدل، وأنهم — منذ القديم وفي أيام الآحاد — كانوا يجلسون على كراسيَّ من خشب السنديان بصدر الكنيسة منفصلين عن خدمهم وبقية أتباعهم كما لا يزال حفدتُهُم يصنعون.
ومن المحتمل أَنْ روى الهِر فرديناند فون بسماركُ لابنه أن أشراف المارْش القديم أولئك كانوا من المتغلِّبين، لا من الندماء، وأنهم كانوا من الرُّماة — في أكثر الأحايين — أوَلم يُكرِه أحد الأمراء الناخبين آل بسمارك منذ طويل زمن على التنزل عن غاباتهم الرائعة فيقبلوا — مغبونين — شُونْهَاوْزِن بدلًا منها؟ ومنذ مائة سنة يحاول الملك أن يفرض ضريبةً على أملاك أشراف المارش القديم، فيضع جدُّ فرديناند الأكبرُ نفسَه على رأسهم مُحتجًّا على «تنزيل إمارةٍ حُرَّة إلى ولاية هزيلة خاضعة للإتاوة».٦ وقبل أن يموت الملك أعطى ابنه فردريك الشابَّ جدولًا بأسماء الأسر الأربع المتمردة فذكر فيه آلَ بسمارك ب «أنهم أشدُّها زهوًا وأجدرها بأن تُخشى.»
وكان جدُّ الصبيِّ شرِّيبَ خمرٍ وصيَّادًا قديرًا؛ فقد أصْمَى٧ في سنة واحدة ١٥٤ وعْلًا كبيرًا. ويشابه الصبيُّ جدَّه هذا أكثر من مشابهته لأيِّ رجلٍ كان، وقد عاد أبوه لا يكون فارسًا. ومن الواقع أَنَّ الجدَّ بَعُد من الفروسية، فلما ماتت زوجُه الفتاة قبل فِرتِر بقليل نشر مرثية مؤثِّرة غالى فيها بوصفها ووصفِ قِرانه بها. وتلميذُ جان جاك روسُّو، هذا الذي لم يُرِدْ أَنْ يجعل من أبنائه «غير أربعة رجال صالحين» كان يدعوهم بأصدقائه وكان يقرأ رسائلَهم مسرورًا إذا ما عُنُوا بأسلوبهم، وكانت لديه مكتبةٌ كاملةٌ مشتملةٌ على أفضل الآثار. وعدمُ الحرص، مع البطالة، هو ما ورِثه عنه فرديناند (والد بسمارك) وإخوتُه؛ فهم، وإن كانوا جميعهم يذهبون إلى الحرب، لم يقصدوا البلاط راضين بحياتهم المنزلية.
والآن يقوم فرديناند بتربية ولديه الصغيرين في كنيبهوف، ولا غروَ إذن أن يترك الخدمة منذ المعركة الأولى ابنًا للثالثة والعشرين من عمره، ويبلُغ الملك من الغضب ما ينزِع به رتبته قائدًا لمائةٍ من الفرسان ويحظر عليه لبسَ بزَّته العسكرية، فلم يُعِدْهما إليه إلا بعد وقت كبير، حتى إن أبا بسمارك لم يَعُد إلى الجندية في أحرج الأدوار، بل أَهَلَ٨