Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

التعليق الممجد على موطأ محمد
التعليق الممجد على موطأ محمد
التعليق الممجد على موطأ محمد
Ebook745 pages5 hours

التعليق الممجد على موطأ محمد

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

التعليق الممجد على موطأ محمد شرح جليل، عظيم لكتاب " موطأ الإمام مالك "، بالإضافة إلى ذلك فهو أحد الكتب الكبار التي ألفها الإمام اللَّكنَويّ من كتبه الكثيرة البالغة 115 كتابًا، وقد بدأ تأليفه أواخر سنة 1292 ، وكانت سِنُّه 27 سنة، ثم اعترضته أسفار وأعراض وأشغال فأتمّ تأليفه في شعبان سنة 1295، فهي موهبة عجيبة وقدرة غريبة أن يتسنّم كتاب الموطأ شابٌّ هندي اللغة والدار في هذه السن، وقد ضمّنه زاهي علمه وأرقى معرفته في الحديث الشريف وعلومه، وفي الفقه الحنفي والمذاهب الأخرى وسائر ما يتصل بذلك من العلوم من بعيد أو من قريب- فجاء هذا الكتاب درة فريدة من درر العلم وجوهرة نفيسة من أنفس الجواهر
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJul 27, 1903
ISBN9786363192576
التعليق الممجد على موطأ محمد

Related to التعليق الممجد على موطأ محمد

Related ebooks

Related categories

Reviews for التعليق الممجد على موطأ محمد

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    التعليق الممجد على موطأ محمد - اللكنوي الهندي

    الغلاف

    التعليق الممجد على موطأ محمد

    الجزء 2

    اللكنوي الهندي

    1304

    التعليق الممجد على موطأ محمد شرح جليل، عظيم لكتاب موطأ الإمام مالك ، بالإضافة إلى ذلك فهو أحد الكتب الكبار التي ألفها الإمام اللَّكنَويّ من كتبه الكثيرة البالغة 115 كتابًا، وقد بدأ تأليفه أواخر سنة 1292 ، وكانت سِنُّه 27 سنة، ثم اعترضته أسفار وأعراض وأشغال فأتمّ تأليفه في شعبان سنة 1295، فهي موهبة عجيبة وقدرة غريبة أن يتسنّم كتاب الموطأ شابٌّ هندي اللغة والدار في هذه السن، وقد ضمّنه زاهي علمه وأرقى معرفته في الحديث الشريف وعلومه، وفي الفقه الحنفي والمذاهب الأخرى وسائر ما يتصل بذلك من العلوم من بعيد أو من قريب- فجاء هذا الكتاب درة فريدة من درر العلم وجوهرة نفيسة من أنفس الجواهر

    (بَابُ افْتِتَاحِ (1) الصَّلاةِ)

    99 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا الزُّهريُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عبدِ اللَّهِ بْنِ عُمر أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَر قَالَ: كَانَ (2) رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتح (3) يكبِّر، ويقرأ، وبلال في إقامة الصلاة (الاستذكار 2/105). انتهى.

    وفيه نظر لا يخفى، والأمر في هذا الباب واسع، ليس له حد مضيق في الشرع، واختلاف العلماء في ذلك لاختيار الأفضل بحسب ما لاح لهم (وذهب عامة العلماء إلى أنه يُستحب أن لا يكبِّر الإِمام حتى يفرغ المؤذن من الإِقامة، ومذهب الشافعي وطائفة أنه يُستحب أن لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإِقامة، وهو قول أبي يوسف، وعن مالك: السنَّة في الشروع في الصلاة بعد الإِقامة وبداية استواء الصف، وقال أحمد: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة يقوم. وقال أبو حنيفة ومحمد: يقومون في الصف إذا قال: حي على الصلاة، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبَّر الإِمام لأنه أمين الشرع، وقد أخبر بقيامها فيجب تصديقه، وإذا لم يكن الإِمام في المسجد فقد ذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، كذا في عمدة القاري 5/676) .

    (1) أي: ابتدائها.

    (2) قوله: كان....إلخ، هذا أحد الأحاديث الأربعة التي رفها سالم، عن أبيه ووقفها نافع، عن ابن عمر، والقول فيها قول سالم، والثاني: من باع عبداً وله مال ... ، جعله نافع، عن ابن عمر، عن عمر، والثالث: الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، والرابع: في ما سقت السماء والعيون أو كان بَعْلاً العشر، وما سُقي بالنضح نصف العشر. كذا في التنوير.

    (3) قال ابن المنذرك لم يختلف أهل العلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه إذا افتتح، نقله ابن دقيق العيد في الإِمام.

    الصلاة (1) رفع (2) يديه (3) (1) قوله: افتتح الصلاة (قال الباجي: افتتاح الصلاة يكون بالنطق، ولا يكون بمجرَّد النيّة، لمن يقدر على النطق. أوجز المسالك 2/41): استند به صاحب البحر أن وقت الرفع قبل التكبير، وفيه نظر لأنه يحتمل أن يكون معناه إذا كبَّر رفع يديه، لأن افتتاح الصلاة إنما هو بالتكبير، نعم، إن كان المراد بالافتتاح إرادة الافتتاح لتم الاستشهاد.

    (2) هذا مستحب عند جمهور العلماء، لا واجب كما قال الأَوْزاعي والحُمَيْدي وابن خزيمة وداود وبعض الشافعية والمالكية.

    (3) قوله: رفع يديه، معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره خضوع، واستكانة، وابتهال، وتعظيم الله تعالى، واتِّباع لسنَّة نبيه صلّى الله عليه وسلّم (الاستذكار 2/122) .

    (1) بالكسر: أي: مقابله.

    (2) قوله: إذا كبَّر ... إلخ، رواه يحيى ولم يذكر فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع، وتابعه على ذلك جماعة من الرواة، للموطأ عن مالك، ورواه جماعة عن مالك، فذكروا فيه الرفع عند الانحطاط، وهو الصواب، وكذلك رواه سائر مَن رواه مِن أصحاب ابن شهاب عنه (في الأوجز 2/44، قال ابن عبد البر: هو الصواب. قلت: هو وهم منه وكذلك إن سائر من رواه، عن ابن شهاب ذكره سهو منه، فإن الحديث أخرجه الزبيدي عن الزهري عند أبي داود وليس فيه ذكر الرفع عند الركوع، وأيضاً لم يختلف فيه على الزهري فقط، بل اختلف سالم ونافع على ابن عمر رضي الله عنهما، كما لا يخفى على من سهر الليالي في تفحّص كتب الحديث). كذا في التنوير.

    (3) أي: حذو منكبيه.

    حِذاءَ (1) مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّر (2) للرُّكوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ (3)، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكوع رَفَعَ يديْه، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ (4) لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قال (5): ربَّنا ولك الحمد (6) . (4) معنى سمع ها هنا: أجاب.

    (5) قوله: ثم قال، قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وجماعة من أهل الحديث: إن الإِمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وحجَّتهم حديث ابن عمر: ورواه أبو سعيد الخُدْري وعبد الله بن أبي أوفى وأبو هريرة، وقال جماعة: يقتصر على سمع الله لمن حمده، وحجّتهم حديث أنس: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: فإذا رفع الإِمام فارفعوا: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد. كذا في الاستذكار (2/128) .

    (6) قوله: ربنا ولك الحمد، قال الرافعي: روينا في حديث ابن عمر: ربنا لك الحمد، بإسقاط الواو وبإثباتها والروايتان معاً صحيحتان. انتهى.

    قلت: الرواية بإثبات الواو متفق عليها، وأما بإسقاطها ففي صحيح أبي عوانة: وقال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الواو في: ربنا ولك الحمد، فقال: زائدة، وقال النووي: يحتمل أنها عاطفة على محذوف، أي: أطعنا لك وحمدناك، ولك الحمد، كذا في التلخيص (في الأصل: تلخيص الحبير، وهو تحريف) الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير، للحافظ ابن حجر، وعند البخاري، عن المقبري، عن أبي هريرة: كان رسول الله إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللهم ربنا ولك الحمد. وعند أبي داود الطيالسي، عن ابن أبي ذئب عنه: كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، كذا في ضياء الساري 100 - أخبرَنا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نافعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: كَانَ (1) إِذَا ابتدأَ الصَّلاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الركوع (2) رفعهما دون ذلك (3) . (هو شرح على البخاري للشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي، المتوفى سنة 1134. مقدمة لامع الدراري، ص 457) .

    (1) قوله: كان ... إلخ، الثابت، عن ابن عمر بالأسانيد الصحيحة هو أنه كان يرفع عند الافتتاح، وعند الرفع من الركوع، وعند الركوع حسبما رواه مرفوعاً، وأخرج الطحاوي بسنده، عن أبي بكر بن أبي عيّاش، عن حصين، عن مجاهد، قال: صليت خلف ابن عمر، فلم يكن يرفع يديه إلاَّ في التكبيرة الأولى، ثم قال الطحاوي: فلا يكون هذا من ابن عمر إلاّ وقد ثبت عنده نسخ ما رأى النبي صلّى الله عليه وسلم. انتهى.

    وفيه نظر لوجوه: أحدها: أنه سند معلول لا يوازي الأسانيد الصحيحة، فقد أخرجه البيهقي من الطريق المذكور في كتاب المعرفة، وأسند، عن البخاري أنه قال: ابن عياش قد اختلط بآخره، وقد رواه الربيع وليث وطاووس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبَّر وإذا رفع، وكان أبو بكر بن عيّاش يرويه قديماً، عن حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعود مرسلاً موقوفاً: أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يرفعهما بعد. وهذا هو المحفوظ، عن ابن عياش، والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات، عن ابن عمر. انتهى. وثانيها: أنه لو ثبت، عن ابن عمر ترك ذلك فلا يثبت منه نسخ فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثابت بالطرق الصحيحة، عن الجمع العظيم إلاّ إذا كان فيه تصريح، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذ ليس فليس. وثالثها: أن ترك ابن عمر لعله يكون لبيان الجواز، فلا يلزم منه النسخ.

    (2) في نسخة: ركوعه.

    (3) قوله: دون ذلك، يعارضه قول ابن جريج: قلت لنافع، أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهنّ؟ قال: لا. ذكره أبو داود.

    101 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا وهبُ بْنُ كَيْسان (1)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ: أنهُ يُعَلِّمُهم (2) التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاةِ، أَمَرَنَا (3) أَنْ نكبِّر كُلَّمَا خَفَضْنَا وَرَفَعْنَا.

    102 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (4) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالبٍ أَنَّهُ قَالَ (5): كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر كُلَّمَا (6) خَفَضَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلاتُهُ حَتى لقي (7) اللَّهَ عزّ وجلّ. (1) هو أبو نعيم المدني، وثقه النسائي وابن سعد، مات سنة 127 هـ، كذا في الإِسعاف.

    (2) أي: أصحابه التابعين، وفي نسخة: كان يعلِّمهم.

    (3) بيان للتعليم.

    (4) هو أبو الحسين زين العابدين، قال ابن سعد: كان ثقةً مأموناً كثير الأحاديث، مات سنة 92 هـ، كذا في الإِسعاف.

    (5) قوله: أنّه قال ... إلخ، قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافاً من رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث. رواه عبد الوهاب بن عطاء، عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن أبيه موصولاً: ورواه عبد الرحمن بن خالد، عن أبيه، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عليّ بن الحسين، عن عليّ، ولا يصح فيه إلاَّ ما في الموطأ مرسلاً.

    (6) ظاهر الحديث عمومه في جميع الانتقالات، لكن خُصَّ منه الرفع من الركوع بالإِجماع.

    (7) بارتحاله من الدنيا.

    103 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أنَّه أَخْبَرَهُ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ: كَانَ يصلِّي بِهِمْ، فكبَّر كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، ثُمَّ انْصَرَفَ (1) قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي (2) لأَشْبَهُكُمْ (3) صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    104 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي نُعَيْمٌ المُجْمر (4) وَأَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ (5)، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ: كان يصلي بهم، فكبَّر كلما خفض وفع، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يكبِّرُ وَيَفْتَحُ (6) الصَّلاةَ.

    قَالَ مُحَمَّدٌ: السنَّة أَنْ يكبِّر الرجل في صلاته كلما خفض (7) (1) من الصلاة.

    (2) قال الرافعي: هذه الكلمة مع الفعل المأتي به نازلةٌ منزلة حكاية فعله صلّى الله عليه وسلّم.

    (3) قوله: لأشبهكم ... إلخ، هذا يدلُّك على أن التكبير في الخفض والرفع لم يكن مستعملاً عندهم ولا ظاهراً فيهم، كذا في الاستذكار.

    (4) هو نعيم المُجْمر بن عبد الله، أبو عبد الله المدني، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما.

    (5) أبو جعفر القارئ: اسمه يزيد بن القعقاع المدني المخزومي، وقيل: جندب بن فيروز، وقيل: فيروز، ثقة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثلاثين، كذا قال الزرقاني.

    (6) في نسخة: يفتتح.

    (7) كلما خفض وكلما رفع لما أخرجه الترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكبِّر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر.

    وكلما رفع، وإذا انحطّ (1) للسجود كبَّر، وأخرجه أحمد والدارمي وإسحاق بن راهويه والطبراني وابن أبي شيبة. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبِّر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبِّر حين يسجد، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلِّها، ويكبِّر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس، وفي الصحيحين، عن عمرانَ بن حُصين أنه صلّى خلف علي بن أبي طالب بالبصرة، فقال: ذكَّرنا هذا الرجل صلاةَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر أنه كان يكبِّر كلما رفع وكلما خفض، وفي الباب عن أبي موسى عند أحمد والطحاوي، وابن عمر عند أحمد والنسائي، وعبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، ووائل بن حُجْر عند ابن حِبَّان، وجابر عند البزار، وغيرهم عند غيرهم.

    (1) قوله: وإذا انحط ... إلخ، مصرَّح به لكونه محل الخلاف أخذاً مما أخرجه أبو داود، عن عبد الرحمن بن أَبْزَى أنه صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان لا يتم التكبير، قال أبو داود: ومعناه إذا رفع رأسه من الركوع، وأراد أن يسجد لم يكبِّر وإذا قام من السجود لم يكبِّر. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار وقال: فذهب قوم إلى هذا، فكانوا لا يكبِّرون في الصلاة إذا خفضوا، ويكبِّرون إذا رفعوا، وكذلك كان بنو أمية يفعلون ذلك (في الأصل: يفعل ذلك)، وخالفهم في ذلك آخرون، فكبَّروا في الخفض والرفع جميعاً، فذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الآثار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. انتهى. ثم أخرج عن عبد الله بن مسعود، قال: أنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكبِّر في كل خفض ورفع. وأخرج عن عكرمة، قال: صلّى بنا أبو هريرة، فكان يكبِّر إذا رفع، وإذا خفض، فأتيتُ ابن عباس، فأخبرته، فقال: أوليس سنَّة أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم؟ وأخرج عن أبي موسى، قال: ذكَّرنا عليٌّ صلاةً كنّا نصلّيها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إما نسيناها، وإما تركناها عمداً، كان يكبِّر كلّما خفض ورفع، وكلَّما سجد. وأخرج عن أنس: وإذا انحطّ (1) للسجود الثاني كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر يُتمّون التكبير، يكبِّرون إذا سجدوا، وإذا رفعوا، وإذا قاموا من الركعة. وأخرج عن أبي هريرة نحو ما أخرجه مالك، ثم قال الطحاوي (1/130): فكانت هذه الآثار المروية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التكبير في كل خفض ورفع أظهر من حديث عبد الرحمن بن أبزى (ضعّف الحافظ في الفتح 2/223 حديث عبد الرحمن بن أبْزى، وقال: وقد نفى البخاري في التاريخ، عن أبي داود الطيالسي أنه قال: هذا عندنا باطل، وقال الطبري والبزّار: تفرد به الحسن بن عمران وهو مجهول: قال: وأجيب على تقدير صحته بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، أو المراد لم يتم الجهر به، أو لم يمدّه. اهـ)، وأكثر تواتراً، وقد عمل بها أبو بكر وعمر وعلي، وتواتر بها العمل إلى يومنا هذا. انتهى كلامه. وفي الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي: أول من نقص التكبير معاوية، كان إذا قال: سمع الله لمن حمده انحطّ إلى السجود ولم يكبِّر، أسنده العسكري، عن الشعبي. وأخرج ابن أبي شيبة، عن إبراهيم أنه قال: أول من نقص زياد. انتهى. وفي الاستذكار بعد ذكر حديث أبي هريرة، وحديث أبي موسى: (إما نسيناها وإما تركناها عمداً)، وغير ذلك. هذا يدلك على أن التكبير في غير الإِحرام لم يتلقَّه السلف من الصحابة والتابعين على الوجوب، ولا على أنه من مؤكَّدات السنن، بل قد قال قوم من أهل العلم: إن التكبير هو إذن بحركات الإِمام، وشعار الصلاة، وليس بسنَّة إلا في الجماعة، ولهذا ذكر مالكٌ في هذا الباب حديثَه، عن علي بن حسين وأبي هريرة مرفوعين، وعن ابن عمر وجابر فعلهما، ليُبيِّن بذلك أن التكبير في كل خفض ورفع سنَّة مسنونة، وإن لم يعمل بها بعض الصحابة، فالحجة في السنَّة، لا في ما خالفها. انتهى ملخَّصاً (الاستذكار 2/131) .

    (1) أي: انخفض.

    كبَّر. فَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ (1) حَذْوَ الأذنين (2) (1) من دون مطأطأة الرأس عند التكبير كما يفعله بعض الناس، فإنه بدعة، ذكره محمد بن محمد الشهير بابن أمير الحاج في حَلْبة المجلِّي شرح منية المصلي (في الأصل: حلية المحلي، وهو تحريف) .

    (2) قوله: حذو الأذنين، لما روى مسلم، عن وائل أنه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رفع يديه حين دخل في الصلاة حيال أذنيه، ثم التحف بثوبه ... الحديث. وأخرج أحمد وإسحاق بن راهويه والدارقطني والطحاوي، عن البراء: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه. وأخرج الحاكم - وقال: صحيح على شرط الشيخين - والدارقطني والبيهقي، عن أنس: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كبَّر، فحاذى بإبهاميه أذنيه ... الحديث. وأخرج أبو داود ومسلم والنسائي وغيرهم، عن مالك بن الحُوَيرث: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرفع يديه إذا كبَّر، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يَبلغ بهما فروع أذنيه. ويعارض هذه الأحاديث رواية ابن عمر التي أخرجها مالك وأبو داود والنسائي ومسلم والطحاوي وغيرهم. وأخرج الجماعة إلاّ مسلماً من حديث أبي حُمَيد الساعدي: رفع يديه حتى يحاذيَ بهما مَنْكِبيه. وأخرج أبو داود والطحاوي من حديث عليٍّ نحوه. وباختلاف الآثار اختلف العلماء، فاختار الشافعي وأصحابه كما هو المشهور حذو المنكبين، واختار أصحابنا حذو الأذنين، وسلك الطحاوي على أن الرفع حذوَ المنكبين كان لعذر حيث أخرج، عن وائل: أتيتُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فرأيته يرفع يديه حذاء أذنيه، إذا كبَّر، وإذا ركع وإذا سجد، ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها وأشار شريك الراوي عن عاصم عن كليب عن وائل إلى صدره، ثم قال الطحاوي: فأخبر وائل في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم تحت ثيابهم، فعملنا بالروايتين، فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في ابتداء الصلاة (1) مرَّةً واحدة، تحت الثياب لعلَّة البرد إلى منتهى ما يُستطاع إليه الرفع، وهو المنكبان، وإذا كانا باديتين رفعهما إلى الأذنين، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. انتهى. وقال العيني في البناية: لا حاجة إلى هذه التكلُّفات، وقد صحَّ الخبر في ما قلنا وفي ما قاله الشافعي، فاختار الشافعي حديث أبي حميد، واختار أصحابنا حديث وائل وغيره، وقد قال أبو عمر (في الأصل: أبو عمرو، وهو تحريف) بن عبد البر: اختلفتْ الآثار، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن الصحابة ومن بعدهم، فروي عنه عليه السلام الرفع فوق الأذنين، وروي عنه أنه كان يرفع حذاء الأذنين، وروي عنه حذوَ منكبيه، وروي عنه إلى صدره، وكلُّها آثار مشهورة محفوظة، وهذا يدل على التوسعة في ذلك. انتهى (قال الشيخ في الأوجز 2/42: الاختلاف فيه كأنه لفظيّ، لأن ابن الهمام من الحنفية قال: لا تعارض بين الروايتين)، وفي شرح مسند الإِمام لعلي القاري: الأظهر أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه من غير تقييد إلى هيئة خاصة، فأحياناً كان يرفع إلى حيال منكبيه، وأحياناً إلى شَحْمَتي أذنيه. انتهى.

    (1) قوله: في ابتداء الصلاة، إما قبل التكبير كما أخرجه النسائي، عن ابن عمر: رأيت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبِّر. وأخرج ابن حِبّان، عن أبي حميد: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر. وإما مع التكبير كما أخرجه أبو داود، عن وائل: أنه رأى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يرفع يديه مع التكبير. وإما بعد التكبير كما أخرجه مسلم، عن أبي قلابة: أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلّى كبَّر، ثم رفع يديه، وحدَّث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل هكذا. والكل واسع ثابت إلا أنه رجَّح أكثر مشائخنا (والأصح عند الشافعية والمالكية المقارنة، وفي المغني عند الحنابلة المقارنة كذا في الأوجز 2/43) تقديم الرفع.

    ثُمَّ لا يَرْفَعُ (1) فِي شيْء مِنَ الصَّلاةِ (2) بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (3) - رحمه الله تعالى - وفي (1) قوله: ثم لا يرفع: ولو رفع لا تفسد صلاته كما في الذخيرة وفتاوى الولوالجي وغيرهما من الكتب المعتمدة، وحكى بعض أصحابنا عن مكحولٍ النسفي أنه روي، عن أبي حنيفة فساد الصلاة به، واغترَّ بهذه الرواية أمير الكاتب الإِتقاني صاحب غاية البيان فاختار الفساد، وقد ردَّ عليه السبكي في عصره أحسن ردّ كما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، وصنَّف محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي رسالة نفيسة في إبطال قول الفساد، وحقق فيها أن رواية مكحول شاذة مردودة، وأنه رجل مجهول لا عبرة لروايته، وقد فصلتُ في هذا الباب تفصيلاً حسنً في ترجمة مكحول في كتاب: طبقات الحنفية المسمَّى بالفوائد البهية في تراجم الحنفية، فليرجع إليه.

    (2) أي: في جزء من أجزاء الصلاة.

    (3) قوله: قول أبي حنيفة، ووافقه في عدم الرفع إلاَّ مرة الثوريُّ والحسنُ بن حَيّ وسائر فقهاء الكوفة قديماً وحديثاً، وهو قول ابن مسعود وأصحابه، وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المَرْوزي: لا نعلم مصراً من الأمصار تركوا بإجماعهم رفعَ اليدين عند الخفض والرفع إلا أهل الكوفة، واختلفت الرواية فيه، عن مالك، فمرة قال: يرفع، ومرة قال: لا يرفع، وعليه جمهور أصحابه، وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وابن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وجماعة أهل الحديث بالرفع إلا أن منهم من يرفع عند السجود أيضاً، ومنهم من لا يرفع عنده. ورُوي الرفع في الرفع والخفض، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وأبو الدرداء وأنس وابن عباس وجابر، وروى الرفعَ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم نحو ثلاثة وعشرين رجلاً من الصحابة كما ذكره جماعة من أهل الحديث، كذا في الاستذكار (2/123 - 125) لابن عبد البر. وذكر السيوطي في رسالته ذلك (1) آثار كثيرة (2) . الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة أن حديث الرفع متواتر (قال في نيل الفرقدين ص 22: إن الرفع متواتر إسناداً وعملاً، ولا يُشك فيه، ولم يُنسخ ولا حرف منه، وإنما بقي الكلام في الأفضلية، وصرَّح أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن أنه من الاختلاف المباح، وفي ص 123: حكى ذلك من الحافظ أبي عمر (أي: ابن عبد البر) من المالكية، ومن الحافظ ابن تيمية والحافظ ابن القيم من الحنابلة. وأما الترك، فأحاديثه قليلة ومع هذا هو ثابت بلا مرية، وهو متواتر عملاً لا إسناداً عند أهل الكوفة، وقد كان في سائر البلاد تاركون وكثير من التاركين في المدينة في عهد مالك، وعليه بنى مختاره، وكان أكثر أهل مكة يرفعون فبنى عليه الشافعي. معارف السنن 2/459)، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الشيخان، عن ابن عمر ومالك بن الحويرث، ومسلم، عن وائل بن حُجْر، والأربعة، عن عليّ، وأبو داود، عن سهل بن سعد، وابن الزبير وابن عباس ومحمد بن مسلمة وأبي أسيد وأبي قتادة وأبي هريرة وابن ماجه، عن أنس وجابر وعمير الليثي، وأحمد، عن الحكم بن عمير، والبيهقي، عن أبي بكر رضي الله عنه والبراء، والدارقطني، عن عمر. وأبي موسى، والطبراني، عن عقبة بن عامر ومعاذ بن جبل.

    (1) أي: في عدم رفع اليدين إلا مرَّة.

    (2) قوله: آثار كثيرة، عن جماعة من الصحابة: منهم ابن عمر وعلي وابن مسعود، كما أخرجه المؤلف وسيأتي ذكر مالها وما عليها. ومنهم: عمر بن الخطاب، روى الطحاوي والبيهقي من حديث الحسن بن عيّاش، عن عبد الملك بن الحسن، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: رأيت عمر يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، ورأيت إبراهيم والشعبي يفعلان ذلك. قال الطحاوي: فهذا عمر لم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، والحديث صحيح لأن الحسن بن عيّاش وإن كان هذا الحديث دار عليه، فإنه ثقة، حجة، . .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. . . وذكر ذلك يحيى بن معين وغيره. انتهى.

    واعترضه الحاكم على ما نقله الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية، بأنها رواية شاذه، لا يعارَض بها الأخبار الصحيحة عن طاووس، عن كيسان، عن ابن عمر أن عمر (في معارف السنن 2/470، قال: أعله المحدثون، وصححوه عن ابن عمر، عنه صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن عمر غير هذا) كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه، انتهى. ومنهم أبو سعيد الخدري، وأخرج البيهقي، عن سوار بن مصعب، عن عطية العوفي أن أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبِّران، ثم لا يعودان. وأعله البيهقي بأن عطية سيِّئ الحال، وسوار أسوأ منه، قال البخاري: سوار منكر الحديث، وعن ابن معين غير محتج به. ويخالف هذا الأثر ما أخرجه البيهقي، عن ليث، عن عطاء، قال: رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد وابن عباس وابن الزبير وأبا هريرة يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا. وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه، وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيَّب، قال: رأيت عمر يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وفي سنده من استضعف. ومنهم عبد الله بن الزبير كما حكاه صاحب النهاية وغيرُه من شراح الهداية أنه رأى رجلاً يرفع يديه في الصلاة عند الركوع، وعند الرفع، فقال له: لا تفعل، فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه، لكن هذا الأثر لم يجده المخرجون المحدثون مسنداً في كتب الحديث، مع أنه أخرج البخاري في رسالة رفع اليدين، عن عبد الله بن الزبير أنه كان يرفع يديه عند الخفض والرفع، وكذا أخرجه، عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وجابر وأبي هريرة وأنس أنهم كانوا يرفعون أيديهم. وأخرج البيهقي، عن الحسين، قال: سألت طاووساً عن رفع اليدين في الصلاة، فقال: رأيت عبدَ الله بنَ عباس وابنَ الزبير وابنَ عمر يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة، وإذا ركعوا، وإذا سجدوا. وأخرج أيضاً، عن عبد الرزاق قال: ما رأيت أحسنَ صلاةً من ابن جريج رأيته يرفع . .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. . . يديه إذا افتتح، وإذا رفع. وأخذ ابن جريج صلاته عن عطاء بن أبي رباح وأخذ عطاء، عن عبد الله بن الزبير، وأخذ ابن الزبير، عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه. ومنهم ابن عباس، حكى عنه بعض أصحابنا أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع، وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة، وترك ما سوى ذلك. لكنه أثر لم يثبته المحدثون، والثابت عندهم خلافه، قال ابن الجوزي في التحقيق، بعد ذكر ما حكاه أصحابنا، عن ابن عباس وابن الزبير: هذان الحديثان لا يُعرفان أصلاً، وإنما المحفوظ عنهما خلاف ذلك، فقد أخرج أبو داود، عن ميمون أنه رأي ابن الزبير يشير بكفيه حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام، فانطلقتُ إلى ابن عباس، فقلت إني رأيتُ ابن الزبير صلّى صلاة لم أرَ أحداً يصلّيها، فوصفت له، فقال: أنْ أحببتَ أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقتدِ بصلاة عبد الله بن الزبير. انتهى. وردَّه العينيّ بأن قوله: لا يُعرفان، لا يَستلزم عدم معرفة أصحابنا، هذا ودعوى النافي ليست بحجة على المثتب، وأصحابنا أيضاً ثقات، لا يَرَوْن الاحتجاج بما لم يثبت عندهم صحته. انتهى. وفيه نظر ظاهر، فإنه ما لم يوجد سند أثر ابن عباس وابن الزبير في كتاب من كتب الأحاديث المعتبرة كيف يعتبر به بمجرَّد حسن الظن بالناقلين، مع ثبوت خلافه عنهما، بالأسانيد العديدة. ومنهم أبو بكر الصديق أخرج الدارقطني وابن عدي، عن محمد بن جابر، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صلَّيْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلاَّ عند استفتاح الصلاة. وفيه محمد بن جابر، متكلَّم فيه، ويخالفه ما أخرجه أبو داود، عن ميمون كما مرَّ نقلاً عن التحقيق. ومنهم العشرة المبشرة، كما حكى بعض أصحابنا، عن ابن عباس أنه قال: لم يكن العشرة المبشرة يرفعون أيديهم إلاَّ عند الافتتاح، ذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح سفر السعادة"، ولا عبرة بهذا الأثر ما لم يوجد سنده عند مهرة الفن، مع ثبوت خلافه في كتب الحديث مما يؤيد عدم الرفع من الأخبار المرفوعة ما أخرجه الترمذي وحسّنه والنسائي وأبو داود، عن 105 - قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صالح، عن عاصم بن كٌلَيْب (1) الجَرْمي، علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلّي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلّى، فيم يرفع يديه إلا أول مرة. وأخرج أبو داود، عن البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب أذنيه، ثم لا يعود. وأخرج البيهقي من حديث ابن عمر وعباد بن الزبير مثله. وللمحدثين على طرق هذه الأخبار كلمات تدل على عدم صحتها، لكن لا يخفى على الماهر أن طرق حديث ابن مسعود تبلغ درجة الحسن.

    والقدر المتحقَّق في هذا الباب هو ثبوت الرفع وتركه كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رواة الرفع من الصحابة جم غفير، ورواة الترك جماعة قليلة، مع عدم صحة الطرق عنهم إلا عن ابن مسعود، وكذلك ثبت الترك، عن ابن مسعود وأصحابه بأسانيد محتجّة بها، فإذن نختار أن الرفع ليس بسنَّة مؤكدة يُلام تاركها إلا أن ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر وأرجح. وأما دعوى نسخه كما صدر عن الطحاوي مغتراً بحسن الظن بالصحابة التاركين، وابن الهمام والعيني، وغيرهم من أصحابنا، فليست بمبرهن عليها بما يشفي العليل ويروي الغليل.

    (1) قوله: عن عاصم بن كليب، هو عاصم بن كليب مصغراً، ابن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، روى عن أبيه وأبي بريدة وعلقمة بن وائل بن حجر وغيرهم، وعنه شعبة، والسفيانان، وغيرهم، وثَّقه النسائي، وابن معين، وقال أبو داود: كان من أفضل أهل الكوفة، وذكره ابن حبان في الثقات، وأرَّخ وفاته سنة 137 هـ. وأبوه كليب بن شهاب ثقة، كذا في تهذيب التهذيب والكاشف، وفي أنساب السمعاني: الجرمي: بفتح الجيم وسكون الراء المهملة نسبة إلى جَرْم، قبيلة باليمن، ومنها من الصحابة: شهاب بن المجنون الجَرْمي جَدّ عاصم بن كليب.

    عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ علىَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (1) رَفَعَ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى (2) مِنَ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.

    106 - قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صالح، عن (1) قوله: رأيت على بن أبي طالب، كذا أخرجه الطحاوي، عن أبي بكر النهشلي، عن عاصم، عن أبيه، أن علياً كان يرفع في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يعود، وقال الدارقطني في علله: اختلف علي أبي بكر النهشلي فيه، فرواه عبد الرحيم بن سليمان عنه، عن عاصم، عن أبيه مرفوعاً، ووهم في رفعه، وخالفه جماعة من الثقات: منهم عبد الرحمن بن مهدي وموسى بن داود وأحمد بن يونس وغيرهم. فَرَوَوْه، عن أبي بكر النهشلي موقوفاً على علي، وهو الصواب. وكذلك رواه محمد بن أبان عن عاصم موقوفاً. انتهى. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قد روي من طرقٍ واهية، عن علي أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، وهذا ضعيف، إذ لا يُظَنّ بعليٍّ أنه يَختار فعلَه على فعلِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد روي عنه أنه كان يرفع يديه عند الركوع والرفع. انتهى. وتعقَّبه ابن دقيق العيد في الإمام بأن ما قاله ضعيف، فإنه جعل روايته مع حسن الظن بعليّ في ترك المخالفة دليلاً على ضعف هذه الرواية، وخصمه يعكس الأمر، ويجعل فعل عليّ رضي الله عنه بعد الرسول دليلاً على نسخ ما تقدم، انتهى. وذَكَر الطحاوي بعد روايته، عن عليّ: لم يكن عليّ ليرى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع، ثم يتركه إلاّ وقد ثبت عنده نسخه. انتهى.

    وفيه نظر، فقد يجوز أن يكون ترك عليّ وكذا ترك ابن مسعود، وترك غيرهما من الصحابة إنْ ثبت عنهم، لأنهم لم يروا الرفع سنَّةً مؤكَّدة يلزم الأخذ بها ولا ينحصر ذلك في النسخ، بل لا يُعتبر بنسخ أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد حسن الظن بالصحابي مع إمكان الجمع بين فعل الرسول وفعله.

    (2) عند افتتاح الصلاة.

    حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، قَالَ: لا تَرْفَعْ يَدَيْكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلاةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى.

    107 - قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (1)، أخبرنا حُصَين بن عبد الرحمن (2) ، (1) قوله: يعقوب بن إبراهيم، هو الإمام أبو يوسف القاضي صاحب الإمام أبي حنيفة، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: القاضي أبو يوسف فقيه العراقيين يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي، صاحب أبي حنيفة، سمع هشام بن عروة وأبا إسحاق الشيباني وعطاء بن السائب وطبقتهم. وعنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد ويحيى بن معين، نشأ في طلب العلم، وكان أبوه فقيراً، فكان أبو حنيفة يتعاهده قال المزني: هو أتبع القوم للحديث. وقال يحيى بن معين: ليس في أصحاب الرأي أحد أكثر حديثاً ولا أثبت من أبي يوسف، وقال أحمد: كان منصفاً في الحديث، مات في ربيع الآخر سنة 182 هـ عن سبعين سنة إلا سنة وله أخبار في العلم والسيادة، قد أفردته وأفردت صاحبه محمد بن الحسن في جزء، وأكبر شيخ له حصين بن عبد الرحمن. انتهى ملخّصاً. وله ترجمة طويلة في أنساب السمعاني، قد ذكرته في مقدمة هذه الحواشي وذكرت ترجمتَه أيضاً في مقدمة الهداية وفي النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير وفي الفوائد البهية في تراجم الحنفية.

    (2) قوله: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، هو حصين، بالضم، ابن عبد الرحمن السلمي، الكوفي، أبو الهذيل، ابن عم منصور بن المعتمر، حدث عن جابر بن سمرة، وعمارة بن رويبة وابن أبي ليلى، وأبي وائل، وعنه شعبة، وأبو عوانة، وآخرون، كان ثقةً حجةً حافظاً عالي الإسناد. قال أحمد: حصين ثقة، مأمون من كبار أصحاب الحديث، عاش ثلاثاً وتسعين سنة، ومات سنة 136 هـ، كذا في تذكرة الحفاظ.

    قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ (1) عَلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ عَمْرُو: حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وائل الحضرمي، عن (1) قوله: وعمرو بن مرّة، هو أبو عبد الله عَمرو، بالفتح، بن مُرَّة، بضم الميم، وتشديد الراء، ابن عبد الله بن طارق بن الحارث بن صلمة بن كعب بن وائل بن جمل بن كنانة بن ناجية بن مراد الجملي المرادي الكوفي الأعمى. روى عن عبد الله بن أبي أوفى وأبي وائل وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الأودي، وسعيد بن جبير، ومصعب بن سعد والنَّخَعي وغيرهم، وعنه ابنه عبد الله وأبو إسحاق السبيعي والأعمش

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1