Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

دلائل النبوة للبيهقي
دلائل النبوة للبيهقي
دلائل النبوة للبيهقي
Ebook1,233 pages6 hours

دلائل النبوة للبيهقي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة المعروف اختصارا بدلائل النبوة هو كتاب لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. وهو من بين أهم كتب السيرة وأوفاها، إذ أنه يسوق الروايات بأسانيدها إلى أصحاب الكتب المعتبرة، وأحياناً يتكلم على الروايات ويبين حالها.يتميز كتاب دلائل النبوة بجملة من الخصائص منها: أنه يجمع بين كتب الأسانيد والسيرة النبوية، فهو يورد الأحاديث مسندة ويبين صحيحها والضعيف منها. حيث أن البيهقي قد قال في كتابه: «ويعلم كل حديث أوردته قد أردفته بما يشير إلى صحته أو تركته مبهماً وهو مقبول في مثل ما أخرجته وما عسى فيه ضعف أشرت إلى ضعفه وجعلت الاعتماد إلى غيره». كما جاء مرتبا على أبواب السيرة من المولد حتى الوفاة. وهو كتاب خاص بذكر دلائل نبوة محمد ﷺ فقد قال مؤلفه في الجزء الثالث: «القصد من هذا الكتاب، بيان دلائل نبوته، وإعلام صدقه في رسالته صلى الله عليه وسلم».
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateApr 2, 1901
ISBN9786409536739
دلائل النبوة للبيهقي

Read more from أبو بكر البيهقي

Related to دلائل النبوة للبيهقي

Related ebooks

Related categories

Reviews for دلائل النبوة للبيهقي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    دلائل النبوة للبيهقي - أبو بكر البيهقي

    الغلاف

    دلائل النبوة للبيهقي

    الجزء 2

    أبو بكر البيهقي

    458

    دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة المعروف اختصارا بدلائل النبوة هو كتاب لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. وهو من بين أهم كتب السيرة وأوفاها، إذ أنه يسوق الروايات بأسانيدها إلى أصحاب الكتب المعتبرة، وأحياناً يتكلم على الروايات ويبين حالها.يتميز كتاب دلائل النبوة بجملة من الخصائص منها: أنه يجمع بين كتب الأسانيد والسيرة النبوية، فهو يورد الأحاديث مسندة ويبين صحيحها والضعيف منها. حيث أن البيهقي قد قال في كتابه: «ويعلم كل حديث أوردته قد أردفته بما يشير إلى صحته أو تركته مبهماً وهو مقبول في مثل ما أخرجته وما عسى فيه ضعف أشرت إلى ضعفه وجعلت الاعتماد إلى غيره». كما جاء مرتبا على أبواب السيرة من المولد حتى الوفاة. وهو كتاب خاص بذكر دلائل نبوة محمد ﷺ فقد قال مؤلفه في الجزء الثالث: «القصد من هذا الكتاب، بيان دلائل نبوته، وإعلام صدقه في رسالته صلى الله عليه وسلم».

    بَابُ الْهِجْرَةِ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةَ، ثُمَّ الثَّانِيَةِ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ وَتَصْدِيقِ النَّجَاشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْقُسُسِ وَالرُّهْبَانِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي قَالَ: " ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا ائْتَمَرَتْ رَوِيَّتَهُمْ وَاشْتَدَّ مَكْرُهُمْ، وَهَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِخْرَاجِهِ حِينَ رَأَوْا أَصْحَابَهُ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَعَرَضُوا عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُعْطُوهُمْ دِيَتَهُ وَيَقْتُلُوهُ، فَأَبَى ذَلِكَ قَوْمُهُ وَمَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ بِحَمِيَّةِ رَهْطِهِ، وَاشْتَدُّوا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى دِينِ اللهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، فَكَانَتْ فِتْنَةً شَدِيدَةً وَزِلْزَالًا شَدِيدًا، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَ اللهُ، وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ، فَلَمَّا فُعِلَ بِالْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الشِّعْبَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَكَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ النَّجَاشِيُّ لَا يُظْلَمُ بِأَرْضِهِ أَحَدٌ ، وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ خَيْرًا، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ حِينَ قُهِرُوا وَخَافُوا الْفِتْنَةَ، وَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْرَحْ، وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا الْمَرَّةَ الْأُولَى قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرِ وَأَصْحَابِهِ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ سُورَةَ النَّجْمِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ أَقْرَرْنَاهُ وَأَصْحَابَهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَذْكُرُ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمِثْلِ مَا يَذْكُرُ بِهِ آلِهَتَنَا مِنَ الشَّتْمِ وَالشَّرِّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ مَا نَالَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَذَاهُمْ وَتَكْذِيبِهِمْ وَأَحْزَنَتْهُ ضَلَالَتُهُمْ وَكَانَ يَتَمَنَّى هُدَاهُمْ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةَ النَّجْمِ قَالَ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 20] أَلْقَى الشَّيْطَانُ عِنْدَهَا كَلِمَاتٍ حِينَ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آخِرَ الطَّوَاغِيتِ فَقَالَ: «وَإِنَّهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَهِيَ الَّتِي تُرْتَجَى» وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سَجْعَ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ، فَوَقَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُشْرِكٍ بِمَكَّةَ، وَزَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ وَتَبَاشَرُوا بِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ وَدِينِ قَوْمِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ النَّجْمِ سَجَدَ، وَسَجَدَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ، غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا رَفَعَ مِلْءَ كَفَّيْهِ تُرَابًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَعَجِبَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي السُّجُودِ بِسُجُودِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَعَجِبُوا لِسُجُودِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ إِيمَانٍ وَلَا يَقِينٍ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لِمَا أُلْقِيَ فِي أُمْنِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَرَأَهَا فِي السَّجْدَةَ، فَسَجَدُوا لِتَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ، وَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي النَّاسِ، وَأَظْهَرَهَا الشَّيْطَانُ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، وَمَرَّ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ، وَحُدِّثُوا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ وَصَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَلَغَهُمْ سُجُودُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفَّيْهِ، وَحُدِّثُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ آمَنُوا بِمَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا وَقَدْ نَسْخَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ اللهُ آيَاتِهِ وَحَفِظَهَا مِنَ الْبَاطِلِ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج : 52] فَلَمَّا بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَضَاءَهُ وَبَرَّأَهُ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ، انْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ فِيمَنْ رَجَعَ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَهُمْ شِدَّةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِجِوَارٍ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ الَّذِي يَلْقَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَعُذِّبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَالسِّيَاطِ، وَعُثْمَانُ مُعَافًى لَا يُعْرَضُ لَهُ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ فَقَالَ: أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّتِهِ وَذِمَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي اخْتَارَ اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُبْتَلًى، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ خَائِفٌ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُعَافًى، فَعَهِدَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: يَا عَمِّ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِيَ إِلَى عَشِيرَتِكَ فَتَبْرَأَ مِنِّي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَعَلَّ أَحَدًا مِنْ قَوْمِكَ آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي فَأَكْفِيكَ ذَاكَ قَالَ: لَا وَاللهِ، مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلَا آذَانِي، فَلَمَّا أَبَى إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ الْوَلِيدُ، أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ فَأَتَى بِهِ قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْ جِوَارِهِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ، أَنَا وَاللهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ، ثُمَّ جَلَسَا مَعَ الْقَوْمِ وَلَبِيدٌ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ لَبِيدٌ:

    [البحر الطويل]

    أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ

    فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ أَتَمَّ لَبِيدٌ الْبَيْتَ فَقَالَ:

    وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

    فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذَبْتَ، فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ، وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ، ثُمَّ أَعَادُوهَا الثَّانِيَةَ وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ حِينَ أَعَادَهَا مِثْلَ كَلِمَتَيْهِ الْأُولَيَيْنِ صَدَّقَهُ مَرَّةً وَكَذَّبَهُ مَرَّةً، وَإِذَا ذَكَرَ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ صَدَّقَهُ، وَإِذَا ذَكَرَ: كُلُّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ كَذَّبَهُ، لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَاخْضَرَّتْ. فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ: قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَانِعَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَخَرَجْتَ مِنْهَا، وَكُنْتَ عَنِ الَّذِي لَقِيتَ غَنِيًّا. فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى الَّذِي لَقِيتُ مِنْكُمْ فَقِيرًا، وَعَيْنِيَ الَّتِي لَمْ تُلْطَمْ إِلَى مِثْلِ مَا لَقِيَتْ صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ، وَلِيَ فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ: لَا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ. وَخَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ذَلِكَ فِرَارًا بِدِينِهِمْ أَنْ يُفْتَنُوا عَنْهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَمَرُوهُمَا أَنْ يُسْرِعَا السَّيْرَ، فَفَعَلَا وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ فَرَسًا، وَجُبَّةَ دِيبَاجٍ، وَأَهْدَوْا لِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالًا مِنَّا سُفَهَاءَ لَيْسُوا عَلَى دِينِكُمْ وَلَا عَلَى دِينِنَا، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَتْ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: أَجَلْ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: لَا وَاللهِ، لَا أَدْفَعُهُمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ وَأَعْلَمَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: هُمْ أَصْحَابُ الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِينَا، وَسَنُخْبِرُكَ بِمَا نَعْرِفُ مِنْ سَفَهِهِمْ وَخِلَافِهِمُ الْحَقَّ، أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللهِ، وَلَا يَسْجُدُونَ لَكَ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ أَتَاكَ فِي سُلْطَانِكَ. فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَجْلَسَ النَّجَاشِيُّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ جَعْفَرٌ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَحَيَّوْهُ بِالسَّلَامِ، فَقَالَ عَمْرٌو وَعُمَارَةُ: أَلَمْ نُخْبِرْكَ خَبَرَ الْقَوْمِ وَالَّذِي يُرَادُ بِكَ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: أَلَا تُحَدِّثُونِي أَيُّهَا الرَّهْطُ، مَا لَكُمْ لَا تُحَيُّونِي كَمَا يُحَيِّينِي مَنْ أَتَانِي مِنْ قَوْمِكُمْ وَأَهْلِ بِلَادِكُمْ وَآخَرُونَ؟ وَأَخْبِرُونِي: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ وَمَا دِينُكُمْ: أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَيَهُودُ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَعَلَى دِينِ قَوْمِكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: الْإِسْلَامُ. قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. قَالَ: مَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، بَعَثَهُ اللهُ إِلَيْنَا كَمَا بَعَثَ الرُّسُلَ إِلَى مَنْ قَبْلَنَا، فَأَمَرَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْأَوْثَانَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ، فَصَدَّقْنَاهُ، وَعَرَّفَنَا كَلَامَ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَّمَنَا أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ عَادَانَا قَوْمُنَا وَعَادَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقَ، وَكَذَّبُوهُ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، وَأَرَادُونَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا مِنْ قَوْمِنَا، وَلَوْ أَقَرُّونَا اسْتَقْرَرْنَا. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ جَعْفَرٌ: وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَإِنَّ رَسُولَنَا أَخْبَرَنَا أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ، وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ فَحَيَّيْنَاكَ بِالَّذِي يُحَيِّي بِهِ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَأَمَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَخَفَّضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا وَقَالَ: وَاللهِ مَا زَادَ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى هَذَا وَزْنَ هَذَا الْعُودِ فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللهِ لَئِنْ سَمِعَتْ هَذَا الْحَبَشَةُ لَتَخْلَعَنَّكَ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ لَا أَقُولُ فِي عِيسَى غَيْرَ هَذَا أَبَدًا، وَمَا أَطَاعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسَ فِيَّ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي دِينِ اللهِ؟ مَعَاذَ اللهِ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ أَبُو النَّجَاشِيِّ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، فَمَاتَ، وَالنَّجَاشِيُّ غُلَامٌ صَغِيرٌ، فَأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ أَنْ إِلَيْكَ مُلْكُ قَوْمِي حَتَّى يَبْلُغَ ابْنِي، فَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْمُلْكُ، فَرَغِبَ أَخُوهُ فِي الْمُلْكِ فَبَاعَ النَّجَاشِيَّ مِنْ بَعْضِ التُّجَّارِ، فَقَالَ لِلْتَاجِرِ: دَعْهُ حَتَّى إِذَا أَرَدْتَ الْخُرُوجَ فَآذِنِّي، فَأَدْفَعَهُ إِلَيْكَ، فَآذَنَهُ التَّاجِرُ بِخُرُوجِهِ، فَأَرْسَلَ بِالنَّجَاشِيِّ حَتَّى أَوْقَفَهُ عِنْدَ السَّفِينَةِ وَلَا يَدْرِي النَّجَاشِيُّ مَا يُرَادُ بِهِ، فَأَخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّهُ الَّذِي بَاعَهُ صَعْقًا فَمَاتَ، فَجَاءَتِ الْحَبَشَةُ بِالتَّاجِ فَجَعَلُوهُ عَلَى رَأْسِ النَّجَاشِيِّ، وَمَلَّكُوهُ. فَلِذَلِكَ قَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ مَا أَطَاعَ اللهُ النَّاسَ فِيَّ حِينَ رَدَّ اللهُ عَلَيَّ مُلْكِي، وَزَعَمُوا أَنَّ التَّاجِرَ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهُ قَالَ: مَا لِي بُدٌّ مِنْ غُلَامِيَ الَّذِي ابْتَعْتُ أَوْ مَالِي قَالَ النَّجَاشِيُّ: صَدَقْتَ، فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ حِينَ كَلَّمَهُ جَعْفَرٌ بِمَا كَلَّمَهُ وَحِينَ أَبَى أَنْ يَدْفَعَهُمْ إِلَى عَمْرٍو: أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ - يُرِيدُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَاللهِ لَوْ رَشَوْنِي فِي هَذَا دَبْرَ ذَهَبٍ - وَالدَّبْرُ فِي لِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ - مَا قَبِلْتُهُ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: امْكُثُوا فَإِنَّكُمْ سُيُومٌ، وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ، قَدْ مَنَعَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَرَ لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً تُؤْذِيهِمْ فَقَدْ رَغِمَ، أَيْ فَقَدْ عَصَانِي. وَكَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى الْعَدَاوَةَ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ فِي مَسِيرِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، ثُمَّ اصْطَلَحَا حِينَ قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ لِيُدْرِكَا حَاجَتَهُمَا الَّتِي خَرَجَا إِلَيْهَا مِنْ طَلَبِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أَخْطَأَهُمَا ذَلِكَ رَجَعَا إِلَى أَشَدِّ مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَسُوءِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَمَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ، فَقَالَ: يَا عُمَارَةُ إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ النَّجَاشِيِّ فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَنَا فِي حَاجَتِنَا، فَرَاسَلَهَا عُمَارَةُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا انْطَلَقَ عَمْرٌو إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ صَاحِبِي هَذَا صَاحِبُ نِسَاءٍ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَهْلَكَ؛ فَاعْلَمْ عِلْمَ ذَلِكَ، فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ فَإِذَا عُمَارَةُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِخَ فِي إِحْلِيلِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ فَجُنَّ وَاسْتَوحَشَ مَعَ الْوَحْشِ، وَرَجَعَ عَمْرٌو إِلَى مَكَّةَ قَدْ أَهْلَكَ اللهُ صَاحِبَهُ وَخَيَّبَ مَسِيرَهُ وَمَنْعَهُ حَاجَتَهُ" وَقَدْ رُوِّينَا قِصَّةَ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قِصَّةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمَاعًا مِنْهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَصَمَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ الْقِصَّتَيْنِ، بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْهِجْرَةِ فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي أَحَادِيثَ مَوْصُولَةٍ أَمَا الْهِجْرَةُ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ فَفِيهَا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قَالَ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْخَفَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادِ الْبُرْجُمِيُّ إِمَامُ مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يَعْنِي أَنَسًا يَقُولُ: خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَمَعَهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَأَبْطَأَ خَبَرُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَأَيْتُ خَتَنَكَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ قَالَ: «عَلَى أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِيهِمَا» قَالَتْ: رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّانةِ، وَهُوَ يَسُوقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَحِبَهُمَا اللهُ، إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ» وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الزِّبْرِقَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ عَالِيًا وَأَمَّا الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيمَا حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ

    بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ ثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمَعَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عُمَارَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَبَعَثُوا مَعَهُ بِهِدِيَّةٍ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ سَجَدَا لَهُ وَبَعَثَا إِلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ، وَقَالَا: إِنَّ نَاسًا مِنْ قَوْمِنَا رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا، وَقَدْ نَزَلُوا بِأَرْضِكَ قَالَ: وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَا: هُمْ فِي أَرْضِكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَاتَّبَعُوهُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَلَمْ يَسْجُدُوا لَهُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ لَمْ تَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا نَبِيَّهُ فَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَسْجُدَ إِلَّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى قَالَ: فَمَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ قَالُوا: نَقُولُ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ، وَلَمْ يَفْرِضْهَا وَلَدٌ، فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ، مَا تَزِيدُونَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ مَا تَزِنُ هَذِهِ، فَمَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَحْمِلُ نَعْلَيْهِ، أَوْ قَالَ: أَخْدُمُهُ، فَانْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَرْضِي فَجَاءَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَبَادَرَ فَشَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ بِهَا سُوقٌ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ وَحْدَهُ، وَأَخَذَ مَا مَعَهُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ مَنْزِلِهِ: إِنِّي أَرَاكَ تَنْطَلِقُ وَحْدَكَ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ رَجُلًا بَلَغَ مِنْ شَرِّهِ لَا يَلْقَى غَرِيبًا إِلَّا ضَرَبَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ. قَالَ: ثُمَّ وَصَفَ لِي صِفَةَ الرَّجُلِ، فَلَمَّا جِئْتُ السُّوقَ عَرَفْتُهُ بِالصِّفَةِ فَجَعَلْتُ أَسْتَخْفِي مِنْهُ بِالنَّاسِ لَا يَأْخُذُ طَرِيقًا إِلَّا أَخَذْتُ غَيْرَهُ حَتَّى بِعْتُ مَا مَعِي بِدِينَارَيْنِ، ثُمَّ إِنِّي غَفَلْتُ غَفْلَةً فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي قَدْ أَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَ يَسْأَلُنِي مَا مَعَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَتَجْعَلُ لِي إِنْ يُخَلِّي سَبِيلِي أُعْطِكَ مَا مَعِي؟ قَالَ: وَكَمْ مَعَكَ؟ قُلْتُ: دِينَارَانِ قَالَ: زِدْنِي، قُلْتُ: مَا بِعْتُ إِلَّا بِهِمَا قَالَ: زِدْنِي قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ إِذْ بَصُرَ بِهِ رَجُلَانِ وَهُمَا عَلَى تَلٍّ فَانْحَطَّا نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا خَلَّى سَبِيلِي وَهَرَبَ، فَجَعَلْتُ أُنَادَيهَ هَاكَ الدِّينَارَيْنِ. فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا وَاتَّبَعَا وَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ: فَقَدِمْنَا فَبُعِثَ إِلَيْنَا قَالَ لَنَا جَعْفَرٌ لَا يَتَكَلَّمْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ

    . قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِهِ فَزَبَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ: اسْجُدُوا لِلْمَلِكِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ. قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ؟ قَالَ: لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ، وَهُوَ الرَّسُولُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ. فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ قَوْلُهُ قَالَ: فَمَا يَقُولُ صَاحِبُكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: يَقُولُ فِيهِ: هُوَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ، فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ: مَا يَزِيدُ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا تَقُولُونَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ مَا تَزِنُ هَذِهِ. مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَإِنَّهُ بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ، امْكُثُوا فِي أَرْضِي مَا شِئْتُمْ، وَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ وَكِسْوَةٍ قُلْتُ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ بَلَغَهُمْ مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ بِالْيَمَنِ فَخَرَجُوا مُهَاجِرِينَ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا فِي سَفِينَةٍ، فَأَلْقَتْهُمْ سَفِينَتُهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقُوا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَأَمَرَهُمْ جَعْفَرٌ بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ خَيْبَرَ، فَأَبُو مُوسَى شَهِدَ مَا جَرَى بَيْنَ جَعْفَرٍ وَبَيْنَ النَّجَاشِيِّ، فَأَخْبَرَ عَنْهُ، وَلَعَلَّ الرَّاوِي وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْطَلِقَ وَاللهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ بِإِسْنَادِهِ قِصَّةً طَوِيلَةً فِي هَذِهِ الْهِجْرَةِ، وَهِيَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرِو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ وَأُوذِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُتِنُوا وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ عَمِّهِ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مِمَّا يَنَالُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ، فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ» فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالًا حَتَّى اجْتَمَعْنَا بِهَا فَنَزَلْنَا بِخَيْرِ دَارٍ وَإِلَى خَيْرِ جَارٍ، آمَنَّا عَلَى دِينِنَا، وَلَمْ نَخْشَ مِنْهُ ظُلْمًا، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّا قَدْ أَصَبْنَا دَارًا وَأَمْنًا، اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ فِينَا فَيُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِهِ، وَلِيَرُدَّنَا عَلَيْهِمْ، فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، فَجَمَعُوا لَهُ هَدَايَا وَلِبَطَارِقَتِهِ، فَلَمْ يَدَعُوا مِنْهُمْ رَجُلًا إِلَّا هَيَّئُوا لَهُ هَدِيَّةً عَلَى حِدَةٍ، قَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا فِيهِمْ، ثُمَّ ادْفَعُوا هَدَايَاهُ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمَا أَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَكُمْ فَافْعَلُوا، فَقَدِمَا عَلَيْنَا فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَتِهِ إِلَّا قَدَّمُوا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ وَكَلَّمُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا قَدِمْنَا عَلَى هَذَا الْمَلِكِ فِي سُفَهَاءَ مِنْ سُفَهَائِنَا فَارَقُوا أَقْوَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، فَبَعَثَنَا قَوْمُهُمْ لِيَرُدَّهُمُ الْمَلِكُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا نَحْنُ كَلَّمْنَاهُ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَ فَقَالُوا: نَفْعَلُ، ثُمَّ قَدَّمُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، وَكَانَ مِنْ أَحَبِّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ الْأُدْمُ، فَلَمَّا أَدْخَلُوا عَلَيْهِ هَدَايَاهُ قَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ فِتْيَةً مِنْ

    سُفَهَائِنَا فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ، وَقَدْ لَجَئُوا إِلَى بِلَادِكَ، فَبَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ عَشَائِرُهُمْ آبَاؤُهُمْ وَأَعْمَامُهُمْ وَقَوْمُهُمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَاهُمْ عَيْنًا، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَوْ رَدَدْتَهُمْ عَلَيْهِمْ كَانُوا أَعْلَاهُمْ عَيْنًا. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ فَتَمْنَعَهُمْ بِذَلِكَ، فَغَضِبَ, ثُمَّ قَالَ: لَا لَعَمْرُو اللهِ لَا أَرُدُّهُمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأُكَلِّمَهُمْ وَأَنْظُرَ مَا أَمْرُهُمْ. قَوْمٌ لَجَئُوا إِلَى بِلَادِي وَاخْتَارُوا جِوَارِي عَلَى جِوَارِ غَيْرِي، فَإِنْ كَانُوا كَمَا تَقُولُونَ رَدَدْتُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ، وَلَمْ أُخَلِّ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَلَمْ أُنْعِمْهُمْ عَيْنًا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّجَاشِيُّ فَجَمَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ، اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا: وَمَاذَا نَقُولُ؟ نَقُولُ وَاللهِ مَا نَعْرِفُ، وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِنَا وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي يكَلِّمُهُ مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ؟ فَارَقْتُمْ دِينَ قَوْمِكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي يَهُودِيَّةٍ، وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، فَمَا هَذَا الدِّينُ؟ فَقَالَ: جَعْفَرٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا عَلَى الشِّرْكِ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةُ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَنَسْتَحِلُّ الْمَحَارِمَ بَعْضُنَا مِنْ بَعْضٍ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَغَيْرِهَا، لَا نُحِلُّ شَيْئًا، وَلَا نُحَرِّمُهُ، فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ وَفَاءَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَصِلَ الرَّحِمَ، وَنُحْسِنَ الْجِوَارَ، وَنُصَلِّيَ لِلَّهِ، وَنَصُومَ لَهُ، وَلَا نَعْبُدَ غَيْرَهُ

    . قَالَ: فَقَالَ: فَهَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ، وَقَدْ دَعَا أَسَاقِفَتَهُ فَأَمَرَهُمْ فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ, فَقَالَ: هَلُمَّ فَاتْلُ عَلَيَّ مَا جَاءَ بِهِ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص، فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا عِيسَى، انْطَلِقُوا رَاشِدِينَ، لَا وَاللهِ لَا أَرُدُّهُمْ عَلَيْكُمْ وَلَا أُنْعِمُكُمْ عَيْنًا. فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ فَلَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا خَالَفُونَا فَإِنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَلَهُمْ حَقٌّ. فَقَالَ: وَاللهِ لَأَفْعَلَنَّ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ لَهُ فِي عِيسَى؟ إِنْ هُوَ سَأَلَكُمْ عَنْهُ، فَقَالَ: نَقُولُ وَاللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ، وَالَّذِي أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُولَ فِيهِ. فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ، فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَقُولُ: عَبْدُ اللهِ, وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ، وَرُوحُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَدَلَّى النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَأَخَذَ عُوَيْدًا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، فَقَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُوَيْدَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ، فَقَالَ: وَإِنْ تَنَاخَرْتُمْ وَاللهِ. اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ فِي أَرْضِي - وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ - مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ - ثَلَاثًا - مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِمُ الذَّهَبُ، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا

    فَاخْرُجَا مِنْ بِلَادِي، فَرَجَعَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ. فَأَقَمْنَا مَعَ خَيْرِ جَارٍ وَفِي خَيْرِ دَارٍ، فَلَمْ يَنْشِبْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا حَزِنَّا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَيَأْتِيَ مَلِكٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ يَعْرِفُهُ، فَجَعَلْنَا نَدْعُو اللهَ وَنَسْتَنْصِرَهُ لِلنَّجَاشِيِّ فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَائِرًا، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ فَيَحْضُرَ الْوَقْعَةَ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَكُونُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ، وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا: أَنَا. فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ, ثُمَّ خَرَجَ يَسْبَحُ عَلَيْهَا فِي النِّيلِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ إِلَى حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ فَحَضَرَ الْوَقْعَةَ فَهَزَمَ اللهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَقَتَلَهُ، وَظَهَرَ النَّجَاشِيُّ عَلَيْهِ، فَجَاءَنَا الزُّبَيْرُ فَجَعَلَ يُلَيِّحُ إِلَيْنَا بِرِدَائِهِ وَيَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ النَّجَاشِيَّ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا فَرَحَنَا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَنَا بِظُهُورِ النَّجَاشِيِّ, ثُمَّ أَقَمْنَا عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنَّا رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ، وَأَقَامَ مَنْ أَقَامَ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذُ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَلَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعُ النَّاسَ فِيهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَا، إِنَّمَا حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي النَّجَاشِيِّ وَلَدٌ غَيْرُ النَّجَاشِيِّ، فَأَدَارَتِ الْحَبَشَةُ رَأْيَهَا بَيْنَهَا فَقَالُوا: إِنَّا إِنْ قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ، وَمَلَّكَنَا أَخَاهُ فَإِنَّ لَهُ اثْنَى عَشَرَ رَجُلًا مِنْ صُلْبِهِ، فَتَوَارَثُوا الْمُلْكَ لَبَقِيَتِ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمْ دَهْرًا طَوِيلًا لَا يَكُونُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، فَعَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَمَلَّكُوا

    أَخَاهُ، فَدَخَلَ النَّجَاشِيُّ لِعَمِّهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَلَا يُدَبِّرُ أَمْرَهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ لَبِيبًا، فَلَمَّا رَأَتِ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْ عَمِّهِ قَالُوا: لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْغُلَامُ أَمْرَ عَمِّهِ، فَمَا نَأْمَنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّا قَدْ قَتَلْنَا أَبَاهُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْ مِنَّا شَرِيفًا إِلَّا قَتَلَهُ، فَكَلَّمُوهُ فِيهِ، فَلْنَقْتُلْهُ، أَوْ نُخْرِجْهُ مِنْ بِلَادِنَا فَمَشُوا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا مَكَانَ هَذَا الْفَتَى مِنْكَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّا قَدْ قَتَلْنَا أَبَاهُ، وَجَعَلْنَاكَ مَكَانَهُ، وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ تُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا فَيَقْتُلَنَا، فَإِمَّا أَنْ نَقْتُلَهُ وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِنَا قَالَ: فَقَالَ: وَيْحَكُمْ قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ، وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ؛ بَلْ أُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. فَخَرَجُوا بِهِ فَوَقَفُوهُ بِالسُّوقِ فَبَاعُوهُ مِنْ تَاجِرٍ مِنَ التُّجَّارِ فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ. فَانْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَابِ الْخَرِيفِ فَجَعَلَ عَمُّهُ يَتَمَطَّرُ تَحْتَهَا فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَفَزِعُوا إِلَى وَلَدِهِ فَإِذَا هُمْ مُحَمَّقِينَ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ. فَمَرَجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْلَمُونَ وَاللهِ إِنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلَّذِي بِعْتُمْ بِالْغَدَاةِ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ. فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَدْرَكُوهُ فَرَدُّوهُ، فَعَقَدُوا عَلَيْهِ تَاجَهُ، وَأَجْلَسُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَمَلَّكُوهُ، فَقَالَ التَّاجِرُ: رُدُّوا عَلَيَّ مَالِي كَمَا أَخَذْتُمْ مِنِّي غُلَامِي، فَقَالُوا: لَا نُعْطِيكَ: فَقَالَ: إِذًا - وَاللهِ - أُكَلِّمَهُ، فَقَالُوا: وَإِنْ. فَمَشَى إِلَيْهِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي ابْتَعْتُ غُلَامًا فَقَبَضُوا مِنِّي الَّذِي بَاعُونِيهِ ثَمَنَهُ, ثُمَّ عَدَمُوا عَلَى غُلَامِي فَنَزَعُوهُ مِنْ يَدِي، وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ مَالِي فَكَانَ أَوَّلُ مَا خُبِرَ مِنْ صَلَابَةِ حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ أَنْ قَالَ: لَتَرُدُّنَّ عَلَيْهِ مَالَهُ أَوْ لَيَجْعَلَنَّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَلْيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، فَقَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ مَالَهُ

    ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ، فَآخُذُ الرِّشْوَةَ مِنْهُ حَيْثُ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعُهُمْ فِيهِ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرِو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يُكَلِّمُ النَّجَاشِيَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: ", ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ مِنَ النَّصَارَى حِينَ ظَهَرَ خَبَرُهُ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَلَّمُوهُ، وَسَاءَلُوهُ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوا فَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، ثُمَّ اسْتَجَابُوا لَهُ، وَآمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوهُ، وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: خَيَّبَكُمُ اللهُ مِنْ رَكْبٍ: بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ، فَتَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ الرَّجُلِ فَلَمْ نَطْمَئِنْ مَجَالِسَكُمْ عِنْدَهُ حَتَّى فَارَقْتُمْ دِينَكُمْ وَصَدَّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ لَكُمْ، مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ، أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُمْ، فَقَالُوا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نُجَاهِلُكُمْ، لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، لَا نَأْلُوا أَنْفُسَنَا خَيْرًا. فَيُقَالُ: إِنَّ النَّفَرَ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَاللهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. وَيُقَالُ: وَاللهُ أَعْلَمُ، إِنَّ فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص : 52] إِلَى قَوْلِهِ {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] أَنْبَأَنَا الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي الْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَخْدُمُهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ» وأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ:، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يَخْدُمُهُمْ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ» تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ مَا لَهُ لَا يَخْرُجُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: «إِنَّ أَصْحَمَةَ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ نَبِيٌّ»

    بَابُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ

    أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: هَذَا كِتَابٌ مِنَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ الْأَصْحَمِ عَظِيمِ الْحَبَشَةِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ اللهِ فَإِنِّي أَنَا رَسُولُهُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ. {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]. فَإِنْ أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ النَّصَارَى مِنْ قَوْمِكَ 309 - وَفِي كِتَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحَافِظِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي أَجَازَ لِي رِوَايَتَهُ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَقِيهُ، بِمَرْوَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِي شَأْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ الْأَصْحَمِ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ الْمُؤْمِنَ الْمُهَيْمِنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رُوحُ اللهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ الطَّيِّبَةِ الْحَصِينَةِ، فَحَمَلَتْ بِعِيسَى، فَخَلَقَهُ مِنْ رُوحِهِ وَنَفَخَهُ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفَخَهُ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْمُوَالَاةِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتُؤْمِنَ بِي وَبِالَّذِي جَاءَنِي، فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمُ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرًا، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا جَاءُوكَ فَاقْرِهِمْ وَدَعِ التَّجَبُّرَ فَإِنِّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إِلَى اللهِ وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي, وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى» وَكَتَبَ النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ مِنَ النَّجَاشِيِّ الْأَصْحِمِ بْنِ أَبْجَرَ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَدْ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1