Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول
الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول
الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول
Ebook476 pages3 hours

الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين توفى سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين توفى سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين توفى سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين توفى 716
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2019
ISBN9786327435190
الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول

Related to الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول

Related ebooks

Related categories

Reviews for الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - الجزء الأول - نجم الدين الطوفي

    [الجزء الأول]

    أولا: المقدمة

    - سبب اختيار الموضوع.

    - أهميته العلمية.

    - العمل الذي عملته في الكتاب.

    المقدمة

    الحمد لله الذي بعث في كل أمة رسولا ليعبدوه مخلصين له الدين وجعل خاتمهم وأفضلهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ العهد والميثاق على النبيين إن أدركوه في حياته ليؤمن به، وليكونن من أنصاره وأتباعه، ناداهم بأسمائهم وناده بوصف النبوة والرسالة، وأنزل عليه القرآن الكريم ومثله معه، فكان معجزة خالدة، أعجز البلغاء والفصحاء والحكماء، وتكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة وجعله مهيمنا على الكتب قبله، وحجة على من بلغه. وجادل به أهل الكتاب فأقام عليهم الحجة ونصره الله به في إظهار دينه وأيده.

    وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هديه ونصر شريعته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا-.

    أما بعد:

    فإن الصراع بين الحق والباطل منذ خلق الله آدم- عليه السلام- فقد كان في صراع مع إبليس الذي أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر وتوعد بإغواء آدم وذريته وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) إلى قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) «1» واستمر هذا بين حزب الله المفلحين وحزب الشيطان الخاسرين في كل عصر. وبين

    الأنبياء والمعاندين من المشركين والكافرين.

    كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) «1»

    وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «2»

    إلى أن جاءت رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فكانت خاتمة الرسالات وكانت سنة الله جارية في ذلك الصراع، ومنه الصراع الذي كان مستمرا بين نبي الله وأهل الكتاب: اليهود والنصارى، فكانوا دائما يحاولون التشكيك في القرآن الكريم وفي نبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ نزول الوحي بمكة، ويحرض اليهود كفار قريش في انكار دعوته صلّى الله عليه وآله وسلّم وإثارة الشبه حول ما جاء به.

    وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «3».

    وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «4».

    ومن هؤلاء: النصارى الضلال الذين اتخذوا من شخص محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والقرآن

    الكريم والسنة المطهرة، هدفا يصوبون إليه سهامهم المسمومة، ويوجهون نحوها الدعاوى الباطلة، والمطاعن الكاذبة؛ استمروا على ذلك منذ فجر الإسلام، ولقد سجل القرآن الكريم بعض مواقفهم مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ومناظرتهم له، كما في قصة وفد نجران التي انتهت بالمباهلة التي امتنعوا منها لعلمهم بأن محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم على الحق وخوفهم أن يقصمهم الله لعنادهم ومكابرتهم وكتمانهم الحق «1».

    واستمر ذلك عبر القرون التالية لعصر النبوة والخلافة الراشدة. وظل الاسلام يخوض معهم حروبا ساخنة بالسيف والقلم كما حدث في الحروب الصليبية ...

    والاستعمار الغربي الصليبي في أول القرن الحاضر، ولا تزال آثار هذه الحروب باقية إلى اليوم.

    ولقد اشتدت الحرب الفكرية الشيطانية في هذه، الأيام واستطاعت أن تستخدم المؤسسات التعليمية والوسائل المقروّة والمرئية والمسموعة بل وتستعمل العقول الجاهلة والضالة لترويج تلك السموم والدعاوى الباطلة، والمطاعن الكاذبة التي رددها أسلاف هؤلاء النصارى الصلبيين.

    لقد نهجوا في ذلك أساليب كثيرة، واتخذوا وسائل متعددة ففتحوا الجامعات اللاهوتية لدراسة الإسلام وتتبع نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، والسيرة النبوية الشريفة، في محاولات جادة لإثارة الشبه والمطاعن حولها، وتخرج من هذه الجامعات مجموعة من عصابات الاستشراق والتنصير، وانطلقوا بقلوب مليئة بالحقد والتعصب، على خطط متضافرة على العمل ضد الإسلام تمدها ميزانيات ضخمة من الدول الأوروبية والأمريكية الكافرة.

    ولقد كانت لهم الآثار الكبيرة في المعاهد والمدارس، والمنشآت الطبية والدوائية، والأندية الرياضية، والجمعيات الثقافية، والملاجئ، ودور التكافل الاجتماعي، والكنيسة وتحركاتها التنصيرية.

    وكان وقوف المسلمين في هذا العصر أمام هذه الحرب الضروس قليلا، فلم تتحرك الدول الإسلامية في مقابل تحركات الدول الغربية بدعم قساوستهم ومنصريهم، بل اقتصر الأمر على جهود فردية قليلة أخذت تدافع وتصد هجوم هؤلاء الأعداء عن طريق التأليف والنشر ... والمناظرات مع القساوسة، مثل مناظر الشيخ رحمة الله الهندي مع القس فندر، ومجموعة من العلماء في مصر مع مجموعة من القساوسة في السودان، ومناظرة أحمد ديدات مع بعض النصارى أخيرا.

    فتركز في ذهني ضرورة الذب عن حياض الدين وعن شخص محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والقرآن الكريم والسنة المطهرة، وفضح أباطيل النصارى، وكشف خدعهم، فأخذت أبحث في تراث علماء الإسلام عن مؤلف يحقق الهدف، ليقيني بأن حجتهم أقوى، وردهم أبلغ وأعمق.

    فوقع اختياري على كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية للإمام سليمان بن عبد القوي الطوفي، وذلك للأسباب التالية:

    أولا:

    إن الإمام الطوفي- رحمه الله- نقض في هذا الكتاب دعاوى للنصارى ما زال أحفادهم يرددونها في زماننا هذا، ويتولى كبرها طائفة من المتخصصين في جامعاتهم اللاهوتية التي أنشئت لهذا الغرض.

    ثانيا:

    إن في المجتمع الإسلامي بعض الجهال وأمي الفكر. ومن انخدع بما يأتي به النصارى والمنصرون من شبهات عبر ما يكتبونه وينشرونه في المجتمع الإسلامي، ويظنون أن هذه الشبهات والدعاوى الباطلة هي وليدة هذا العصر، وأن السابقين من المسلمين لا يدرون بها، وأنهم يجهلونها، وحسبوا أن النصارى فيها على شيء وما هم على شيء- والحمد لله- وما علم هؤلاء المغفلون والجهال أن النصارى ضلوا في الربوبية فقالوا: إن الخالق ثلاثة وإن الثلاثة واحد، وفي الألوهية فعبدوا عيسى- عليه السلام- من دون الله، ووصفوا الله بصفات المخلوق وجعلوه إنسانا وجعلوا الإنسان إلها- تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا- فكيف يأخذ كلامهم بعد من له أدنى تمييز.

    ثالثا:

    إن الإمام الطوفي- رحمه الله- مشهور بذكائه وغزارة علمه وقوة حجته على المخالفين للحق تشهد بذلك كتبه في الأصول وشتى العلوم والفنون وخصوصا في مجال الجدل الذي برع فيه وألف بعض المؤلفات في ذلك، ولا شك أن من كان كذلك فهو أهل لمجادلة النصارى ورد شبهاتهم ود حض مفترياتهم وإظهار مساوئهم.

    رابعا:

    إنه يتحقق بإخراج هذا الكتاب ودراسته وتحقيقه الهدف النبيل في الدفاع عن الإسلام في هذه الحرب الشعواء التي يشنها أعداء الإسلام في هذا الزمان من النصارى وغيرهم من الملاحدة والمنافقين المحسوبين على الإسلام.

    خاصة أن الكتاب لم يخدم خدمة علمية جيدة ولم توثق نصوصه وتخرج

    أحاديثه وتعرف أعلامه ليسهل على الباحث الاستفادة منه.

    وسيأتى لهذا زيادة بيان- إن شاء الله- في الحديث عن أهمية الكتاب العلمية وبعض الفصول الأخرى.

    وقد كان عملي في هذا البحث علي قسمين: دراسة وتحقيق:

    أما القسم الدراسي فقد كان قسمين أيضا.

    القسم الأول: تعريف موجز بالطوفي وعصره.

    وتحته فصلان:

    - الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي.

    أ- الحالة السياسية: وقد تحدثت في هذه الفقرة عن الأحداث السياسية: التي كانت في زمنه وعلى الأخص حرب التتار والحروب الصليبية لما للأولى من أثر على بغداد وما حولها موطن الطوفي، ولما للثانية من أثر على الإسلام والمسلمين في جميع بلدانهم، ولأن هذه الحروب كانت من أسباب طغيان النصارى وبث أفكارهم السيئة، ورد الطوفي وغيره عليهم.

    ب- الحالة الاجتماعية: وقد بنيت الحياة الاجتماعية واختلاط المسلمين بغيرهم من التتار والأتراك والنصارى وما طرأ على حياة المسلمين من التأثر بهذه الأجناس.

    ج- الحالة الثقافية والفكرية: أوضحت فيها اتساع الثقافة الإسلامية وازدهارها رغم العوائق الكبيرة والصعبة التي كانت في طريقها وكيف صمد العلماء أمام تلك العقبات والمشكلات وردوا كيد أصحابها في نحورهم.

    الفصل الثاني: حياة الطوفي

    وقد كان الحديث في هذا الفصل عن:

    1 - مولده ونسبه.

    2 - كنيته ولقبه.

    3 - نشأته وأسرته.

    4 - طلبه للعلم وفقهه.

    5 - أثاره العلمية ومصنفاته.

    6 - شيوخه وتلامذته.

    7 - عقيدته ومذهبه.

    8 - وفاته وأقوال الناس فيه.

    وقد توسعت قليلا في موضوع الطوفي وعقيدته فتحدثت فيه عن أمور مهمة:

    الأمر الأول: اتهام الطوفي بالرفض، وقد بينت من خلال كتبه وما فهمته في هذا الموضوع أن الاتهام غير صحيح وليس عليه دليل.

    الأمر الثاني: موقف الطوفي من توحيد الأسماء والصفات وقد ظهر لي أنه يوافق الأشاعرة في بعض مذهبهم. وقد نقلت ما يؤيد ذلك من كتبه.

    الأمر الثالث: موقف الطوفي من المصلحة المرسلة ومخالفته لجمهور الفقهاء والأصوليين واستقلاله بقوله الخاص في ذلك.

    الأمر الرابع: موقف الطوفي من خبر الآحاد. والقول الحق في ذلك وصلة هذا بقوله في المصلحة المرسلة.

    أما القسم الثاني:

    فقد تحدثت فيه عن الأمور التالية:

    1) - اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي.

    2) - سبب تأليف الطوفي لكتاب الانتصارات.

    3) زمن ومكان تأليف الكتاب.

    4) منهج الطوفي فيه.

    5) مقارنة هذا الكتاب بغيره مما كتب في الرد على النصارى.

    6) المصادر التي اعتمد عليها الطوفي في تأليف هذا الكتاب.

    7) أهمية هذا الكتاب العلمية.

    8) وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق، وقد بينت في ذلك

    الأخطاء التي ارتكبها الدكتور أحمد حجازي السقا في إخراجه الكتاب أثناء إعداد البحث، واعتزالياته وانكاره للسنة والطعن فيها، وأن ذلك سبب في تشويه الكتاب والحط من قيمته العلمية.

    أما القسم الثاني من العمل فهو القسم التحقيقي وقد كان على النحو التالي:

    1 - حققت نص الكتاب وذلك بمقابلته ومراجعته على ثلاثة أصول خطية.

    وقد تبين أن هناك فروقا بينها، وأثبت ما يكون ساقطا من بعضها، واخترت ما أراه هو الصواب من ألفاظ تلك النسخ. وأشرت إلى ذلك في الهامش.

    2 - أثبت الفوارق بين النسخ في الهامش وهي قليلة- بحمد الله- وصححت أخطاء النساخ النحوية والاملائية الواردة في النص.

    3 - عزوت النصوص إلى مصادرها.

    4 - رقمت الآيات القرآنية الكريمة.

    5 - وثقت ما نقله المؤلف من كتب العهدين القديم والحديث.

    6 - شرحت المصطلحات والمفردات الغريبة.

    7 - علقت على بعض المسائل التي رأيت أنها بحاجة إلى ذلك.

    8 - خرجت الأحاديث النبوية الشريفة، واجتهدت في الحكم على أسانيدها إن لم تكن في الصحيحين أو لم يصححها أحد من العلماء أو من الدارسين لأسانيد تلك الأحاديث.

    9 - عرفت بالأماكن والبقاع والأعلام والفرق والملل.

    10 - وضعت فهارس عامة للآيات القرآنية والأحاديث والآثار والأعلام والأماكن والبقاع المذكورة في البحث والمصطلحات والمفردات الغريبة، والأمثال العربية، والأشعار، والفرق والملل، وفقرات الكتب التي بأيدي النصارى، والمصادر والمراجع، وموضوعات الدراسة والكتاب.

    وعلى العموم فقد أفرغت جهدي وطاقتي في هذا البحث متوخيا الدقة وسبل التحقيق، راجيا الثواب من رب العباد، وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يظهر الحق ويدحر المشركين والملحدين والضالين ومن في قلبه مرض.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

    كتبه:

    سالم بن محمد القرني- عفا الله عنه- الرياض 18/ 10/ 1407 هـ

    ثانيا: قسم الدراسة

    1 - تعريف موجز بالمؤلف وعصره

    الفصل الأول

    1 - الحالة السياسية.

    ب- الحالة الاجتماعية.

    ح- الحالة الفكرية والثقافية.

    ثانيا: الدراسة

    1 - تعريف موجز بالطوفي وعصره:

    الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي

    لا بد أن يكون للبيئة التي يعيش فيها المرء أثر واضح في شخصيته فيظهر ذلك في سلوكه وفكره وإنتاجه واهتمامه، وتختلف البيئات من حيث تأثيرها، ونوعيته، فبعضها أقوى في التأثير من البعض الآخر، فالذي يعيش في البيئة العلمية الجدلية يكون أقوى ممن يعيش في غيرها من حيث قوة المناظرة والمجادلة والإدلاء بالحجة والبراهين، والمران على إقناع الخصم أو إفحامه.

    والبيئة التي تجتمع فيها المؤثرات العلمية والسياسية والاجتماعية ينشأ فيها نماذج من نوع خاص، استجابة للمؤثرات المختلفة.

    ولهذا أرى أنه عند دراسة شخصية الطوفي لا بد من التعرف على بيئته وعلى المؤثرات التي تسودها حتى يتسنى لنا الحكم على شخصيته بصورة واضحة ودقيقة.

    وعند النظر في تاريخ حياة الطوفي نجد أنه عاش في الفترة من سنة سبع وخمسين وستمائة من الهجرة النبوية وهو العام الذي ولد فيه إلى سنة سبعمائة وست عشرة من الهجرة، وهي السنة التي مات فيها ولذلك فإن الحديث عن ما له أثر في حياته سيكون في نقاط ثلاث:

    ا- الحالة السياسية:

    شهدت الفترة المتقدمة على ولادة الطوفى كثيرا من الأحداث التي أثرت على المسلمين تأثيرا مؤلما. فقد كانت هناك الحروب الصليبية الشرسة التي اشتعلت نارها في آخر المائة الخامسة من الهجرة، واستمرت نحو قرنين من الزمان «1»، أظهر فيها الصليبيون حقدهم على الإسلام والمسلمين، وغيرها من المدن الإسلامية في بلاد الشام والأندلس، واشتبك معهم المسلمون في معارك كثيرة في بلاد الشام ومصر وإفريقية وغيرها.

    وقد ذكر المؤرخون عدة أسباب لهذه الحروب منها:

    1 - تدهور الحالة الاقتصادية في أوربا في القرن الخامس والسادس الهجريين، مما حدا بالنصارى إلى الزحف على بلاد إفريقية والشام «2».

    2 - استنجاد صاحب القسطنطينية «الأرثوذكسي» بملوك أوربا النصارى ضد السلاجقة الذين فرضوا عليه الضرائب، على أن يتنازل عن أرثوذكسيته «3».

    3 - أن بعض حجاج بيت المقدس من النصارى كانوا يلقون سوء معاملة من المسلمين أثناء وجودهم في القدس، وكان منهم بطرس السائح أو الناسك الذي اتجه إلى البابا أوبانس الثاني وصور له تلك الحال، وطلب منه تخليص أرض المسيح من أيدي المسلمين، حتى ألهب حماسهم لذلك «4».

    4 - ولكن هناك سبب رئيس جدير بالمعرفة أشار إليه ابن تيمية «1» - رحمه الله تعالى- في رسالته «الفرقان بين الحق والباطل» ص 145 ط المدني بالقاهرة، قال:" فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول، سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة ...

    إلى أن قال: وكان أهل الشام بأسوإ حال بين الكفار والنصارى والمنافقين الملاحدة اه.

    ولعل تلك الأسباب مجتمعة هي التي سببت هذه الحرب غير أنها كانت عقدية قبل أن تكون اقتصادية: ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ ولَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ (120) «2»

    وكانت حال المسلمين السياسية طوال فترة الحروب الصليبية وقبلها عاملا مشجعا لاستمرار حرب النصارى الإفرنج، فقد انشغل الحكام المسلمون بالتنافس على الملك وضرب بعضهم بعضا من أجل ذلك؛ بل وصل الأمر إلى أن بعضهم كان يعطي بعض التنازلات للنصارى في بعض المدن والمناطق مقابل حمايته أو إعانته على أخيه المسلم الذي ينافسه على الملك «3».

    واستمرت هذه الحروب إلى سنة 691 هـ، أي قبل وفاة الطوفي بست وعشرين سنة.

    وليست الأحداث السياسية في عصر الطوفي منحصرة في هذه الحرب ولا فيما فعله النصارى من خراب البلاد والمدن، والتجبر والفساد في الأرض الإسلامية، ولكن تعرض المسلمون وبلادهم إلى أمر عظيم لا يقل سوءا عن الحروب الصليبية، بل هو أمرّ وأحلك من ذلك الأمر. هو غزو التتار الذين أسقطوا الخلافة الإسلامية ودمروا المدن العامرة، وقتلوا الأنفس البريئة، حتى سالت الدماء في كل موطن دخلوه، من شدة فتكهم بالعباد، وكثرة قتلهم لهم.

    ففي سنة 656 هـ أي قبل ولادة الطوفي بعام واحد تقريبا تعرضت دار الخلافة بغداد لهجوم التتار الذي غير معالمها وجمالها وبهاءها، وألبسها ثوب الحزن والهوان، بعد أن كانت منارة إشعاع العلم والمعرفة، ومركز المدنية والحضارة، ودارا للخلافة أكثر من خمسمائة سنة.

    وكان دخولهم إليها بمساعدة وتدبير الرافضي الخبيث ابن العلقمي «1» الذي كان وزيرا للمستعصم بالله «2» آخر خلفاء بني العباس في بغداد فقد كان متعصبا لطائفته متحاملا على أهل السنة، فجاء بالتتار ظنا منه أنه سيكسب بذلك التأييد لطائفته وستصبح له ولها السيادة والزعامة على غيرهم.

    ولكن الله أخزاه وفضحه فلم يظفر من خيانته بما يسره، بل لقد ندم أشد الندم، لأنه فقد ما كان فيه من الصولة والعزة التي كان يتمتع بها أيام الخليفة العباسي، وأهانته التتار حتى مات مغموما «3».

    عند ما دخل التتار بغداد قتلوا الخليفة ومن ظفروا به معه من العلماء، والوزراء، والقواد والعباد، حتى أن عدد القتلى بلغ ما يقارب ألف ألف نسمة، حتى سال الدم مثل الأنهر في الشوارع، وكثرت الجثث وأصبحت الخيل تدوسها من كثرة انتشارها في الطرقات، وفسد الهواء من رائحتها، وانتشر الوباء بسببها حتى وصل إلى الشام كما يقال «1».

    واعتدوا على التراث الإسلامي في بغداد ورموه في النهر حتى أن ماءه اسودّ من كثرة تلك الكتب.

    وبقي التتار فيها على تلك الحال يعيثون ويقتلون أربعين يوما، ثم رحل قائدهم هولاكو عنها وعين من ينوب عنه في حكم بغداد وما حولها.

    وقد وصف ابن الأثير «2» هذا الحدث في كتابه الكامل في التاريخ (12/ 36) وصفا مبكيا ومحزنا.

    وبقيت بلاد المسلمين بلا خلافة إلى عام 659 هـ ثم نصّب المستنصر بالله «3» في مصر، وبقي حكم العراق تحت أيدي التتار طوال حياة الطوفي.

    ولم تستقر الأمور إبان حكمهم بل كانوا متناحرين فيما بينهم على السلطة وهكذا كانت حالة العراق، بلد الطوفي فإنه إن سلم ولو قليلا من أذى الصليبيين

    فإن هؤلاء التتار قد جعلوا حاله وحال أهله أسوأ من حال بقية المسلمين مع الصليبيين في الشام ومصر.

    ولم يكن أذى التتار وهجومهم وحروبهم مع المسلمين مقصورا على العراق بل امتد ذلك إلى الشام فعبروا نهر الفرات أيام حكم آخر سلاطين الأيوبيين ووصلوا إلى حلب عام 658 هـ وحاصروها ثم سلمت إليهم بشرط الأمان فخانوا العهد وفتكوا بالمسلمين وفعلوا قريبا من فعلتهم في بغداد، ثم دخلوا دمشق بيسر وسهولة ودون مقاومة «1».

    ثم كانت بينهم وبين الظاهر بيبرس «2» موقعة عين جالوت التي انتصر فيها المسلمون نصرا محققا ولاحقوا التتار حتى أخرجوهم من حلب «3»، واستمرت الحرب بين المسلمين والتتار حتى بعد انتهاء الحروب الصليبية بل استمرت إلى ما بعد وفاة الطوفي سنة 716 هـ.

    وفي أثناء تلك الحروب الصليبية والتترية لم تسلم البلاد الإسلامية من الانقسام والاختلاف والاقتتال بين السلاطين، بل شهدت تلك الفترة كثيرا من التمزق والاختلاف، كما حصل من الأيوبيين فيما بينهم والمماليك الذين انتقلت سلطة الأيوبيين إليهم ابتداء بمصر سنة 648 هـ. وأصبحت مصر بعد سقوط بغداد

    مقرا للخلافة العباسية التي لم يكن لها أي سلطة تذكر، وإنما كان وجودهم مظهرا دعائيا حرص سلطان المماليك على وجوده تسكينا لنفوس الناس وصرفا لهم عن التفكير في شرعية حكمهم. ولا أدل على ذلك من الإهانات والاعتقالات التي كان يلقاها الخلفاء من المماليك حتى أنه ليصل الأمر إلى عزل الخلفاء واستبدالهم كما أرادوا «1».

    ولا بد أن هذه الحوادث جميعا، قد أحدثت أثرا بارزا في الرأي العام للأمة وبالأخص العلماء، لأنهم هم الممثلون الحقيقيون لها، فتميزت تلك الفترة- فترة حياة الطوفي- 657 - 716 هـ- ببروز مجموعة كبيرة من العلماء العاملين المجاهدين في سبيل الله، وقفوا في وجه أعداء الإسلام من الصليبيين والتتار، فهذا ابن تيمية- رحمه الله «2» - يشارك في قتال التتار هو ومجموعة من أعيان المسلمين ضد التتار لما حاصروا دمشق، وسافر سنة سبعمائة إلى مصر ليستحث واليها على قتالهم، ويشارك في بعض المعارك ضدهم كمعركة شقحب سنة 702 هـ «3».

    وللعز بن عبد السلام والإمام النووي- رحمهما الله- مواقف جليلة في نصرة الحق سواء ضد التتار أو الصليبيين أو في القضاء على الفساد الضار بالمسلمين الناجم عن تساهل السلاطين «4».

    ولعل من الأمر الواضح الجلي أن كل من كل من ينشأ في أوضاع مثل هذه الأوضاع لا بد أن يتأثر بها، وتنطبع حياته بما تأثر به، ومن أثر الأحداث المتقدمة: اهتمام الطوفي بمحاربة أعداء الإسلام باليد والقلم، وخاصة النصارى الضلال، لأنهم ينشرون فكرهم وشبههم، ويجب التصدي لهم وإبطال كيدهم، ولذلك خص بعض كتبه لذلك، كما سيأتي.

    ب- الحالة الاجتماعية «1»:

    من البديهي أن تتأثر الحياة الاجتماعية بالحياة السياسية التي تحيط بها، فاستقرار الأحوال الاجتماعية مرهون باستقرار الأحوال السياسية ويكون هناك مد وجزر كما يكون في الأخرى.

    واختلاط المسلمين بغيرهم من الكفار سيكون له أثره في سلوك الفريقين، وقد اختلط بالمسلمين النصارى القادمون من أوروبا والتتار الكفار الذين لا يؤمنون بدين ولا يعرفون أخلاقا ولا فضيلة، فظهرت عادات غريبة، لأن الوافد يحمل معه عاداته، ومن عادة الكفار التفسخ والانحلال ولأن في المجتمع الإسلامي من تستهويه تلك العادات وينصهر في بوتقة الآخرين، لضعف دينه وتغلب نفسه الأمارة بالسوء عليه.

    كما أن نزوح القبائل والأسر من مكان إلى آخر أوجد اختلاطا بين أجناس كثيرة من الناس مختلفة طبائعهم ومتفاوتة درجاتهم في التمسك بدين الله

    - عز وجل- فقد اختلط الأتراك مع البربر، والأكراد مع الأقباط، والعرب مع العجم بسبب القلاقل والأحداث وسوء المعيشة التي أجبرت الناس على التنقل من مكان إلى اخر، ومن قطر إلى قطر. فكان كل عرق يحمل معه عاداته وتقاليده المغايرة لغيرها، ولديه من التقصير والبدع ما لم يعرفه المجتمع الذي نزل به.

    وكانت تتغلب تلك العادات والسلوكيات بحسب قوة أهلها وتأثيرهم في الناس كما أنه كان يقيم بين المسلمين

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1