Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الإيمان الأوسط
الإيمان الأوسط
الإيمان الأوسط
Ebook775 pages5 hours

الإيمان الأوسط

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الإيمان الأوسط هو كتابٌ من تأليفِ ابن تيمية وهو شرحٌ لحديث جبريل المشهور عن الإسلام والإيمان والإحسان: «عن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث». قال: ما الإسلام؟ قال: " الإسلام: أن تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان ". قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateDec 28, 1901
ISBN9786392424389
الإيمان الأوسط

Read more from ابن تيمية

Related to الإيمان الأوسط

Related ebooks

Related categories

Reviews for الإيمان الأوسط

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الإيمان الأوسط - ابن تيمية

    الغلاف

    الإيمان الأوسط

    الجزء 1

    ابن تيمية

    728

    الإيمان الأوسط هو كتابٌ من تأليفِ ابن تيمية وهو شرحٌ لحديث جبريل المشهور عن الإسلام والإيمان والإحسان: «عن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث». قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان . قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

    [أصل هَذَا الْكتاب رِسَالَة علمية تقدَّم بهَا مؤلفها إِلَى قسم الدراسات الْعليا الشَّرْعِيَّة فرع العقيدة بجامعة أم الْقرى، وتمَّت مناقشتها بتاريخ 17/ 2/ 1420 هـ، ونال الْمُؤلف بهَا دَرَجَة الدكتوراه فِي الشَّرِيعَة الإسلامية فرع العقيدة بِتَقْدِير ممتاز مَعَ التوصية بطبع الرسَالَة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    مقدمة

    الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكما من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

    والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد: فإن خير ما صرفت فيه الأوقات، وبذلت فيه الجهود العناية بكتب العلماء المحققين من أهل السنّة والجماعة، لا سيما المتقدمين منهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله، والعكوف على مؤلفاتهم دراسة وتحقيقًا وتوضيحًا، والعمل الدؤوب لإحياء تراثهم العظيم، وتقديمه للأمة لتستنير به في طريق عودتها.

    وقد منّ الله عزّ وجل في أثناء البحث عن موضوع، لتقديمه للحصول على درجة الدكتوراه، بالعثور على نسخة نادرة لكتاب عظيم من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أثرى المكتبة الإسلامية -كما هو معروف - بحظ وافر من المصنفات القيمة، ومجموعة من المؤلفات النافعة، والتي لم تتأت إلا لقلة قليلة من العلماء، وهذا الكتاب هو كتاب الإيمان الأوسط، وبعد أن استخرت الله عزّ وجلّ، رغبت في تحقيق ودراسة هذا الكتاب الهام، لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة، وجعلت عنوان البحث هو: كتاب الإيمان الأوسط لشيخ الإسلام ابن تيمية: دراسة وتحقيق.

    ثم رأيت من خلال الدراسة أن اسم الكتاب الذي يترجح على غيره هو كتاب شرح حديث جبريل عليه السلام في الإسلام والإيمان والإحسان فاستدلته بالعنوان المشهور الإيمان الأوسط وذلك لأسباب عدة موضحة في المبحث الأخير من مباحث الدراسة.

    أما الأسباب التي دعت إلى اختيار هذا الكتاب فهي على قسمين: أسباب عامة، وأسباب خاصة.

    أما الأسباب العامة فهي

    أولًا: نفاسة المؤلفات التي خطتها يراعة شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ كانت وما زالت مؤلفاته محط أنظار الباحثين، ومنتهى آمال الدارسين، بالإضافة أن ما كتبه شيخ الإسلام في موضوع الإيمان خصوصًا يتصدر قمة هذه المؤلفات أهمية ومكانة.

    ثانيًا: أهمية موضوع الإيمان بين موضوعات العقيدة، وخطورته، وضلال كثير من الفرق في بابه، مما يجعل من الأهمية بمكان إبراز منهج السلف الصالح في هذا الموضوع، وتحديد معالم ذلك المنهج، وهو ما نجده مكنوزًا بين دفتي هذا السفر النفيس شرح حديث جبريل.

    ثالثًا: ضرورة تحديد كثير من المصطلحات المهمة المتصلة بالعقيدة، كمصطلح: الإيمان، والإسلام، والإحسان، والكفر، والنفاق، والزندقة، والفاسق وغيرها، والتي كثيرًا ما وقع اللبس وسوء الفهم فيها.

    أما الأسباب الخاصة فهي

    أولًا: العثور على نسخة جديدة نسخت بعد موت المؤلف -رحمه الله - بخمسة عشر عامًا فقط، أي في عام (743 هـ).

    ثانيًا: أن النسخة المطبوعة الموجودة في مجموع الفتاوى نسخة ناقصة ومخرومة من نهايتها، كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله (1). (1) الإيمان الأوسط (7/ 622)، ضمن مجموع الفتاوى.

    وبالمقارنة بين النسختين، وُجد أن هناك خرمًا كبيرًا، ونقصًا كثيرًا، يبلغ تسع لوحات من الموضع الذي أشار إليه ابن قاسم حتى نهاية الكتاب، وبهذا النقص فإن كلام المصنف عن الإحسان يكتمل، وبالتالي يكون الكتاب كاملًا.

    وتمثل كل لوحة من المخطوط ثلاث صفحات من المطبوع، تكون هذه الزيادة في الكتاب على هذا الحساب (27) صفحة طباعية.

    ثالثًا: كثرة الفروق بين المطبوع والمخطوط، فبالإضافة إلى هذه الزيادة النادرة في آخر الكتاب، فإن هناك فروقًا كثيرة مختلفة، حيت يوجد سقط في المطبوع، يصل في بعض الأحيان إلى أربعة أسطر متتابعة، هذا عدا التحريفات في المطبوع.

    ويتكون البحث من مقدمة وقسمين:

    المقدمة: وفيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ومنهج التحقيق.

    القسم الأول: الدراسة، وتشتمل على تمهيد وعدة مباحث: التمهيد: موضوع الإيمان ومذاهب الطوائف فيه، وبيان الراجح منها، وقد تم فيه تعريف الإيمان في اللغة، وذكر مذاهب الناس فيه.

    المبحث الأول: دراسة موجزة عن المؤلف، وقد قمت بترجمة مختصرة للمؤلف، وحاولت التركيز فيها على جوانب لم تلق حظها من العناية -حسب علمي - ومن ذلك التركيز على أسرته العلمية، وتلامذته الكثيرين.

    المبحث الثاني: دراسة تحليلية وتفصيلية عن الكتاب، وهذا المبحث هو أهم مباحث الدراسة على الإطلاق، وقد جاء في سبع مسائل أصلية، وعدة مسائل فرعية.

    أما المسائل الأصلية فقد رتبت على النحو التالي:

    المسألة الأولى: أقسام الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم المؤمنون والكافرون والمنافقون.

    المسألة الثانية: تعريف النفاق والكلام عليه.

    المسألة الثالثة: وجوب التفريق بين أحكام الظاهر وأحكام الباطن.

    المسألة الرابعة: الخلاف في الإيمان، وكانت هذه المسألة أبرز المسائل الواردة في الكتاب، وقد تبلورت في تسعة موضوعات هي:

    أولًا: أصل الخلاف في الإيمان.

    ثانيًا: تقرير شبهات المخالفين في الإيمان.

    ثالثًا: تفنيد تلك الشبهات.

    رابعًا: الرد التفصيلي على آراء الفرق المخالفة في الإيمان.

    خامسًا: مناقشة تحليلية لمذاهب المرجئة الذين أخرجوا الأعمال من الإيمان.

    سادسًا: الرد على من قال بالمجاز في الإيمان.

    سابعًا: حكم ترك جنس الأعمال.

    ثامنًا: موقف المصنف من الخلاف بين السلف وبين مرجئة الفقهاء في الإيمان.

    تاسعًا: الآثار المترتبة على الخلاف في الإيمان، وأبرز هذه الآثار: زيادة الإيمان ونقصانه، والاستثناء في الإيمان.

    المسألة الخامسة: تقرير مذهب السلف في الإيمان.

    المسألة السادسة: الفرق بين الإسلام والإيمان.

    المسألة السابعة: الكلام على الإحسان.

    وأما المسائل الفرعية (الاستطرادية) فهي عبارة عن مسألتين:

    الأولى: تضمنت بعض الردود على الملاحدة من المتفلسفة وغلاة المتصوفة.

    الثانية: كلام المصنف عن الأحاديث التي ذكر فيها الإسلام والإيمان، وتأصيل فهمها.

    المبحث الثالث: المقارنة بين الكتاب، وبين كتاب الإيمان الكبير، وقد دارت معالم هذه المقارنة، حول الأسبق تأليفًا من الكتابين، وعرض المسائل فيهما، وما تميز به كتاب شرح حديث جبريل (الإيمان الأوسط) عن كتاب الإيمان الكبير، وختمت هذا المبحث بجواب على تساؤل يقول: هل هناك كتاب في الإيمان للمصنف يسمى الإيمان الصغير؟ .

    المبحث الرابع: دراسة عن نسخ الكتاب المطبوع منها والمخطوط.

    القسم الثاني: نص الكتاب.

    وستكون هذه النسخة الجديدة هي النسخة الأصلية في البحث، بالإضافة إلى نسخة المكتبة المحمودية، هذا مع النسخة المطبوعة التي اعتمد عليها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في مجموع فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله.

    وهناك أيضًا نسخة تمثل مختصر الكتاب لم أتمكن من معرفة مؤلفها، استفدت منها في بعض الأحيان.

    وقد رمزت للنسخ بالرموز التالية: النسخة المحمودية: م، والنسخة المطبوع: ط، والنسخة المختصرة: ص.

    أما عملي في المخطوط فقد كان على النحو التالي:

    1 - عزو الآيات، وتخريج الأحاديث من مصادرها الأصلية، والحكم عليها من خلال أقوال أهل العلم.

    2 - إثبات الفروق بين المطبوع ونسخ المخطوط؛ وإكمال الناقص في المطبوع.

    3 - تصحيح بعض الكلمات، وحل بعض العبارات المشكلة.

    4 - التعليق الموجز على أصول المسائل المهمة الواردة في الكتاب.

    5 - ترجمة الأعلام غير المشهورين الذين ورد ذكرهم في الكتاب، والتعريف ببعض الفرق والنحل والعقائد الباطلة الواردة كذلك.

    6 - عمل الفهارس العلمية.

    وفي الختام: فلا يسعني إلا أن أرفع أكف الابتهال والحمد والشكر إلى الله عزّ وجلّ الذي وفقني لخدمة كتاب هام، في موضوع هو رأس الموضوعات، ولمؤلف يتسابق الدارسون إلى دراسة كتبه، وخدمة تراثه، هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    كما أدعو الله عزّ وجلّ للوالدين الحبيبين اللذين كان دعاؤهما -بعد توفيق الله عزّ وجلّ - خير معين لي في فترة إعداد هذا البحث، أن يمد الله في عمرهما، وأن يبارك فيهما، وأن يكتب لهما موفور الصحة والعافية والسلامة، وأن يعينني على برهما، وأن يختم بالصالحات أعمالهما. كما أن الشكر والتقدير والعرفان في هذا البحث، لأستاذي وشيخي ومشرفي الفاضل الأستاذ الدكتور أحمدَ بنِ سعدٍ بنِ حمدانَ الغامدي حفظه الله ورعاه، الذي كانت توجيهاته وملاحظاته واستدراكاته تقود البحث إثراءً وفائدةً وتصحيحًا وتكملًا، فجزاه الله خير الجزاء، ورزقه الله الصحة والعافية، ونفع بعلمه الأمة، إنه سميع قريب.

    كلما أنني لا أنسى أبدًا الذين كان لهم سعي مشكور، في الحصول على النسخة الأصلية من المتحف التركي باستانبول فى تركيا، والذين ذللوا الصعوبات، وبذلوا الجهود، حتى وصلت إليّ، وعلى رأس هؤلاء أستاذنا الكبير محمد قطب، والشيخ أمين سراج، والدكتور حمدي أرسلان، فجزى الله الجميع أفضل الجزاء.

    كما لا يفوتني أن أشكر أيضًا أستاذنا الدكتور علي بن عباس الحكمي الذي تقضل مشكورًا غير مرة، بإعطائي بعض المراجع الهامة في البحث، ووفر لي صعوبة الحصول عليها، ولكل من مدَّ يد المساعدة والنصح.

    كما أشكر لِلشيخين الفاضلين، والأستاذين الكريمين تفضلهما مشكورين -مأجورين إن شاء الله تعالى - بقبول مناقشة هذه الرسالة مع كثرة الأعمال التي يقومان بها، وهما:

    فضيلة شيخنا: الأستاذ الدكتور علي بن نفيع العلياني، أستاذ العقيدة الإسلامية في جامعة أم القرى.

    وفضيلة الأستاذ الدكتور: عطية بن عتيق الزهراني، أستاذ العقيدة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام.

    كما أشكر كل من تكرَّم بحضور المناقشة، وأخص بالذكر منهم عمي الأستاذ خضران الزهراني الذي حببني في العلم منذ الصغر، فجزاه الله خير الجزاء.

    والشكر أخيرًا لجامعة أم القرى -تلك الجامعة العريقة - التي يسرت للباحثين أيسر الوسائل للبحت والدراسة ممثلة في ذلك الصرح الشامخ، كلية الدعوة وأصول الدين، هذه الكلية المباركة التي خرَّجت وما زالت تخرج عشرات من الدعاة والدارسين والمتخصصين في الكتاب والسنّة والدعوة والعقيدة والقراءات والإعلام، ولكل من ائتمن عليها، وقام بخدمتها.

    اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

    اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

    اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل.

    اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم ونعوذ بك أن نشرك بك ونحن لا نعلم.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    تمهيد

    مسألة الإيمان، ومذاهب الطوائف فيها، وبيان الراجح منها:

    تعد مسألة الإيمان من أهم مسائل العقيدة الإسلامية على الإطلاق، ولا ريب أن أول خلاف وقع في الأمة كان فيها، وكان الخلاف فيها محورًا رئيسيًا تبلورت حوله آراء عدة فرق، وصار معلمًا بارزًا لكل منها.

    ومسألة الإيمان هي الأصل العظيم، الذي يخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وبه يتميز السعداء من الأشقياء، وأولياء الله من أعدائه، وبه تنال الحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء الحسن، والأجر العظيم في جنات النعيم {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97].

    ولقد أفسد الخلاف فيها بين الفرق المحدثة على المسلمين كثيرًا من معانيها العظيمة، وأحالوها في كثير من الأحيان إلى مجرد قضية عقلية باهتة، لا علاقة لها بالحياة، وعظم الخطب حين نادت بعض هذه الفرق بفصلها -فعلًا - عن الحياة، وذلك يوم أصرَّت على إخراج الأعمال من الإيمان.

    وإننا لنريد أن تعود هذه القضية الكبرى رائدةً للقضايا الإسلامية المعاصرة، على منهج خير القرون، وأن تكون هي الأصل الأصيل الذي نعتمد عليه في بعث الأمة من جديد.

    وقبل معرفة مذاهب الطوائف والفرق في مسألة الإيمان، لا بد من إطلالة موجزة على معنى هذه الكلمة في اللغة فنقول:

    الإيمان لغة:

    يقول الأزهرى: اتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق، قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} لم يختلف أهل التفسير أن معناه: وما أنت بمصدق لنا (1).

    ويقول الجوهري في باب النون، فصل الألف، عن معنى كلمة أمن: الأمان والأمانة بمعنى، وقد أمِنْتُ فأنا آمن، وآمنت غيري، من الأمن والأمان، والإيمان: التصديق، والله تعالى المؤمن، لأنه آمن عباده من أن يظلمهم (2).

    ويقول الراغب الأصفهاني: آمن إنما يقال على وجهين: أحدهما: متعديًا بنفسه، يقال: آمنته، أي جعلت له الأمن، ومنه قيل لله مؤمن، الثاني: غير متعدٍ، ومعناه صار ذا أمن، قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} قيل معناه: بمصدق لنا، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن (3).

    ويقول صاحب القاموس المحيط: آمن به إيمانًا، صدقه، والإيمان الثقة، وإظهار الخضوع، وقبول الشريعة (4).

    وذكر ابن فارس، وابن منظور، قريبًا من هذا الكلام (5).

    وعلى هذا نجد أن من معاني هذه الكلمة في اللغة الأمن، والتصديق.

    وإلى ذلك أشار القاضي أبو بكر بن العربي، واستدل على المعنى الأول بقول النابغة:

    والمؤمن العائذات الطير يمسحها.. . ركبان مكة بين الغَيل والسند (6)

    ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن هناك من يقول: إن معنى الإيمان في اللغة هو الإقرار (7). (1) تهذيب اللغة (15/ 513).

    (2) الصحاح (5/ 2071).

    (3) المفردات في غريب القرآن (26).

    (4) القاموس المحيط (1518).

    (5) لسان العرب (13/ 21)، مجمل اللغة (1/ 102).

    (6) أحكام القرآن 21/ 506).

    (7) الإيمان الكبير (101).

    بل إن شيخ الإسلام ليذهب في الكتاب الذي نقوم بتحقيقه إلى أن الإيمان مأخوذ من الأمن، الذي هو الطمأنينة، كما أن لفظ الإقرار مأخوذ من قر يقر، وهو قريب من آمن يأمن.. . فالمؤمن داخل في الأمن (1).

    وذكر صاحب لوامع الأنوار هذه الأقوال الثلاثة (2).

    على أن بعض علماء اللغة ذكر الاتفاق على أن الإيمان في اللغة هو التصديق (3)، وادعى بعض المتكلمين -كالباقلاني - الإجماع على ذلك (4)، ودعوى الاتفاق ومن باب أولى دعوى الإجماع محل نظر، فقد رأينا أن بعض علماء اللغة ذكروا أن من معاني كلمة الإيمان في اللغة الأمن.

    على أن هناك مسألة هامة ينبغي التنبيه لها في أثناء الخوض في هذه القضية، وهي أن كثيرًا من علماء اللغة -خصوصًا المتأخرين منهم - متأثرون بعلم الكلام واصطلاحات المتكلمين، ومن هنا وجب الحذر في النظر فيما يتكلمون في من ألفاظ ومعانٍ تعلق بمصطلحات العقيدة.

    وأما الإيمان في الاصطلاح:

    فقد تعددت الأقوال فيه (5):

    1 - فأهل السنّة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة يقولون: الإيمان قول وعمل، فالقول يشمل قول القلب وقول اللسان، والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، أو هو: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح.

    2 - والخوارج والمعتزلة يقولون كظاهر قول السلف: الإيمان اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. (1) شرح حديث جبريل (414).

    (2) لوامع الأنوار البهية للشيخ محمد بن أحمد السفاريني (1/ 404).

    (3) كما ذكر ذلك ابن منظور على سبيل المثال في لسان العرب (13/ 21).

    (4) سيأتي الكلام عن الرد على هذه القضية عند التعرض لمناقشة المذاهب في الإيمان.

    (5) نود التنبيه إلى أن توثيق هذه الأقوال من مصادرها قد تم خلال تحقيق متن الكتاب.

    غير أنهم يحبطون الإيمان بالكبيرة، ويكفرون صاحبها -كما فعلت الخوارج - أو ينزلونه في منزلة بين المنزلتين -كما صنعت المعتزلة - مع اتفاق الفريقين على خلود صاحبها في النار.

    وهناك المرجئة على اختلاف طوائفها التي اتفقت على إخراج الأعمال من مسمى الإيمان.

    3 - فمرجئة الفقهاء يقولون: الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان.

    4 - والكرامية يقولون: الإيمان قول باللسان.

    5 - والجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة فقط.

    6 - والأشاعرة والماتريدية يقولون: الإيمان هو التصديق (1).

    وسنعرض أثناء دراسة مسائل الكتاب -إن شاء الله - لآراء هذه الفرق بالتفصيل ومآخذها، ليظهر لنا جليًا أن مذهب السلف الذي عليه أهل السنّة والجماعة هو المذهب الحق لا ريب فيه، وأن ما سواه هو الباطل الذي لا شك في بطلانه.

    وأننا ما إن نقوم ببيان مذهب السلف وإظهاره حتى تتهاوى المذاهب الأخرى، فإذا هي زاهقة، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)} [الأنبياء: 18]. (1) الإيمان لأبي عبيد (53)، الإيمان لابن منده (1/ 331)، التبصير في معالم الدين لأبي جعفر الطبري (188/ 189)، الانتصار في الرد على المعتزلة الأشرار للعمراني (3/ 736)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 459)، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (708 - 709)، شرح العقائد النسفية (156)، فتح الباري (1/ 46)، لوامع الأنوار (1/ 405).

    المبحث الأول ترجمة المؤلف رحمه الله

    قلة من العلماء هم الذين لقوا عناية وافرة في حياتهم، وبعد مماتِهم، من قبل أهل العلم والرأي والفكر، ولعل من أبرز هؤلاء العلماء بلا منازع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله، وإن الباحث -فضلًا عن القارئ - يكاد يعجز عن أن يحيط بمؤلفات هذا العالم وبما كتب عنه، ومع كيد أعداء شيخ الإسلام له، واجتماعهم على النيل منه، واستماتتهم في طمس آثاره، ومصادرة دعوته، أو الحجر عليها، إلا أن الله عزّ وجل قد جعل له لسان صدق في الآخرين، ورد كيدهم في نحورهم، وضاعت أسماء لامعة في زمانها كانت تناصب شيخ الإسلام العداء، واعتلت في زمنه مناصب التدريس والفتوى والقضاء، ضاعت في مجاهيل التاريخ، وبقي علمه وآثاره شاهدة على أن الله عزّ وجلّ يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها، وإن لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية مجدد القرن الثامن الهجري، فمن يكون (1)؟ .

    ولن تطول بنا الترجمة، فقد ترجم للشيخ الكثيرون (2)، ولكن يكفي (1) الأعلام العلية (9).

    (2) وممن كتب عن شيخ الإسلام من الأقدمين ترجمة مستقلة: الحافظ عمر بن علي البزار في كتابه: الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن عبد الهادي في كتابه: (العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، وهما من تلاميذه، والشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي في كتابيه: الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية، و الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، وابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه الرد الوافر، وأما التراجم غير المستقلة فكثيرة منها، ما ترجمه الذهبي له في عدد من كتبه، منها: ذيول العبر" = من ذلك ما أوجز وعرَّف، وقل ودل، وأبان وأوضح، فمعالم حياته الكبرى واضحة للعيان، وكثير من تفصيلات جهوده ودعوته ماثلة في الأذهان.

    وسيكون الحديث عن ترجمة شيخ الإسلام حسب العناوين التالية بمشيئة الله تعالى:

    أولًا: اسمه ونسبه:

    هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ العلامة شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية النميري الحراني (1)، نزيل دمشق. = (157)، و المعجم المختص (25 - 28)، و معجم الشيوخ (1/ 55 - 57)، و دول الإسلام (2/ 237)، و ذيل تاريخ الإسلام (324 - 330) وتذكرة الحفاظ (4/ 228)، وترجمته في البداية والنهاية (14/ 141 - 145)، وقد أورد الحافظ ابن كثير رحمه الله أحد تلاميذه كثيرًا من أخبار شيخ الإسلام المتفرقة في تاريخه على فترة زمنية استغرقت قرابة خمسة وثلاثين عامًا، وترجمته ني: الوافي بالوفيات (7/ 15 - 33)، وفوات الوفيات (1/ 74 - 80)، وذيل طبقات الحنابلة (2/ 387 - 408)، والدرر الكامنة (1/ 144)، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (9/ 271)، وطبقات الحفاظ للسيوطي (516)، وشذرات الذهب (8/ 142 - 150)، والبدر الطالع (1/ 63)، وجلاء العينين للألوسي (5 - 14). وقد كتب المحاصرون عن شيخ الإسلام كثيرًا، ومنهم الشيخ أبو زهرة، ومحمد كرد علي، ود. عمر فروخ، ود. محمد خليل هراس، والشيخ أبو الحسن الندوي، وغيرهم وقد أقيمت ندرة عالمية فى الجامعة السلفية ببنارس في الهند، عن شيخ الإسلام ابن تيمية، (3/ 18 - 2/ 4 - 1408 هـ)، وقدم فيها أكثر من أربعين بحثًا، تناولت جوانب رئيسية من حياته رحمه الله، لمجموعة من العلماء والباحثين.

    (1) الحرَّاني نسبة إلى حرَّان الواقعة في ديار بكر بين دجلة والفرات (وهي اليوم في كردستان تركيا) معجم البلدان (2/ 235).

    وأود التنبيه إلى أن أكثر المؤرخين -بل جلّهم - لم يذكروا القبيلة التي ينتسب إليها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وإنما نسب إلى حرَّان وإلى دمشق، وقد ذكر بعضهم -وهذا هو الصحيح - أنه عربي النسب، وذكروا في نسبته النميري من قبيلة بني = وأما السبب في انتساب الأسرة إلى اسم (تيمية) فقد ذكر المؤرخون في ذلك سببين اثنين:

    الأول: أن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة في طريقه، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت له بنتًا، فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقبت بذلك، وانتسب إليها بنوها.

    الثاني: أن جده المذكور كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة فنسب إليها وعرف بها (1)، والله أعلم بحقيقة الحال.

    ثانيًا: مكانة أسرته العلمية والاجتماعية:

    ليس من الضرورة أن يكون النابغون من العلماء قد تربوا في أحضان أسر مشهورة بالعلم والفضل والمكانة والدين، فكم من أهل العلم الذين صاروا نابغين مشهورين قد ولدوا لآباء أميين، وأسلاف مغمورين، ولكن العلم رفع من شأنهم، وأعلى من قدرهم بين العالمين، ولكن حين يولد النبوغ في أسر الفضلاء، وتظهر العبقرية في بيوتات العلماء، فتلك مزية -لعمر الله - لا تعدلها مزية. = نمير، وقد مال بعض المعاصرين -كالشيخ أبي زهرة رحمه الله في كتابه ابن تيمية (18) - إلى احتمال أن يكون أصله كرديًا، لأن ديار بكر موطن الأكراد -عشيرة السلطان العادل المجاهد الإمام الملك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله - وممن ذكر من المعاصرين أنه نميري النسب المؤرخ الكبير خير الدين الزركلي في الأعلام (1/ 144).

    وقد صرَّح من الأقدمين بتلك النسبة العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه تراجم الأعيان المنظومين في بديعة الزمان (وهو مخطوط في مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى برقم (176)، وقد ذكر هذه النسبة عند ترجمة جده مجد الدين عبد السلام ابن تيمية، كما ذكرها عند ترجمة شيخ الإسلام في الطبقة الحادية والعشرين، وهي شرح لمنظومة اسمها بديعة الزمان عن موت الأعيان، وفيها قال عن شيخ الإسلام لما جاء إلى ترجمه: ثم فتى تيمية حرَّاني ذكرهم كلامه المعاني.

    (1) سير أعلام النبلاء (22/ 289)، العقود الدرية (4)، وجاء في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 161) للحافظ ابن رجب رحمه الله أن الحافظ المنذري ذكر أن الفخر ابن تيمية سئل عن سبب تسميتهم بذلك، فذكر القصة السابقة عن جده.

    وقد كان لشيخ الإسلام من تلك المزية الفائقة أوفر الحظ والنصيب، فذكاء مفرط، ونبوغ باكر، وعبقرية عجيبة تألفت منها شخصية شيخ الإسلام، لتلقى الرعاية والعناية والاهتمام من رجالات هذه الأسرة العلمية النبيلة ونسائها على حد سواء.

    وما الظن حين يرعى الموهوبون، ويتعاهد بالعناية والتشجيع النابغون، وهذا حال شيخ الإسلام رحمه الله في أسرته.

    ولعل من المناسب أن أذكر طرفًا ميسورًا ونبذة موجزة عن بعض فروع هذه الدوحة الطيبة والشجرة المباركة من آل تيمية رحمهم الله تعالى، ليدرك المطالع سرًا من أسرار بعض ما ناله شيخ الإسلام -في حياته وبعد مماته - من رفعة وعلو وقبول ومكانة.

    ولئن نالت دمشق ومصر -وغيرهما من البلدان - حظهما من علم شيخ الإسلام ودعوته، فلقد كانت حران -موطن أجداده - مهدًا لنشاط أسلافه من آل تيمية، ومركزًا بارزًا لعلومهم.

    * فمن آل تيمية -رحمهم الله - فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر (ت سنة 622 هـ) الذي نعته الإمام الذهبي بالشيخ الإمام العلامة المفتي المفسر الخطيب البارع عالم حران وخطيبها وواعظها، صاحب الديوان في الخطب، والتفسير الكبير الذي يبلغ ثلاثين مجلدًا، وله مختصر في مذهب الحنابلة -الذي درجت عليه هذه الأسرة - ولازم الإمام ابن الجوزي وقرأ عليه كثيرًا من مصنفاته، وهو عم المجد أبي البركات جد شيخ الإسلام، ووالده أبو القاسم كان من أهل العلم الصالحين وعليه قرأ القرآن، وقد أطال الحافظ ابن رجب في ترجمته (1)، وذكر أنه كانت بينه وبين الإمام موفق الدين ابن قدامة رحمه الله (1) وقد بلغت هذه الترجمة إحدى عشرة صفحة، وما التراجم المطولة في الذيل إلا لمشاهير علماء الحنابلة؛ والفخر ابن تيمية واحد من أبرزهم، وإن كان ليُؤخذ على ترجمة الفخر أن ثلاث صفحات منها قد سيقت في حال المرائي التي قيل إنها رؤيت له بعد موته، ولو خلت الترجمة منها لما أضر بها شيء، ولو اقتصر فيها على قصة أو قصتين لكفى، والله أعلم.

    مراسلات ومكاتبات، ووقوع نوع خلاف في بعض المسائل بينهما -وذلك دأب العلماء في كل زمان ومكان - وقد أورد بعضها، وتظهر مكانة الفخر ابن تيمية رحمه الله في عبارات المدح والثناء من الحافظ ابن قدامة عليه، فهو يطلق عليه فيها: الأخ الإمام الكبير جمال الإسلام ناصر السنّة، الذي يرجع إليه في جميع العلوم (1)!! .

    * ومن آل تيمية أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم الخضر، وهو ابن الشيخ فخر الدين -المتقدم ذكره - (المولود سنة 573 هـ)، وأقام ببغداد مدة طويلة يتلقى الحديث وسائر العلوم، حتى برع في ذلك كله، وقد سمع منه الحافظ ضياء الدين بعض الأجزاء في الحديث، ولكن الأجل لم يمهله طويلًا، ومات في حياة أبيه عن عمر يناهز الثلاثين عامًا (سنة 603 هـ).

    وقد ذكر والده -كما يقول الحافظ ابن رجب - أن ابنه عبد الحليم هذا له كتاب سماه الذخيرة فيه مسائل دقيقة، وأخرى عويصة (2).

    * ومن آل تيمية أبو محمد سيف الدين عد الغني بن فخر الدين أبي عبد الله بن تيمية خطيب حرَّان وابن خطيبها فخر الدين، وأخو عبد الحليم السالف الذكر، وقد ولد (سنة 581 هـ) وقام مقام أبيه بعد وفاته، فكان يخطب ويعظ ويدرِّس ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي، ومن مصنفاته الزوائد على تفسير الوالد و إهداء القرب إلى ساكني الترب، ومات رحمه الله بحران (سنة 639 هـ) (3). (1) وفيات الأعيان (4/ 386)، ذيل تاريخ بغداد (15/ 26)، سير أعلام النبلاء (22/ 289)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 151 - 161) شذرات الذهب (7/ 179)، مختصر طبقات الحنابلة لمحمد جميل الشطي (54).

    (2) الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 39).

    (3) الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 222)، شذرات الذهب (7/ 354)، جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للشيخ نعمان خير الدين ابن الألوسي (29)، مختصر طبقات الحنابلة (55).

    * ومن آل تيمية الكرام شيخ الإسلام ابن تيمية مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضر، وصفه الحافظ الذهبي بالشيخ الإمام العلامة فقيه العصر شيخ الحنابلة، تفقه على عمه فخر الدين الخطيب، ورحل مع ابن عمه سيف الدين وهو صغير إلى بغداد، وتفقه وبرع وصنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه.

    ويقول عنه الشيخ جمال الدين ابن مالك (الإمام في النحو وصاحب الألفية الذائعة الصيت): أُلين للشيخ المجد الفقه، كما ألين لداود الحديد.

    وحين حج ومر ببغداد انبهر علماؤها بذكائه وعلمه وفضله، والتمس منه أستاذ دار الخلافة محيي الدين ابن الجوزي الإقامة عندهم، فتعلل بالأهل والوطن، وما زال المجد يصنف ويدرس وينشر العلم حتى قبضه الله عزّ وجلّ (سنة 652 هـ)، ومن مصنفاته المنتقى من أحاديث الأحكام وهو كتاب مشهور، و المحرر و منتهى الغاية في شرح الهداية (1).

    * ومنهم أبو الفرج فخر الدين عبد القاهر بن سيف الدين عبد الغني (الذي سبقت ترجمته) ابن الشيخ فخر الدين بن تيمية (المولود بحرَّان سنة 612 هـ) سمع من جده الفخر ابن تيمية، وخطب بحرَّان، وحدث بدمشق، ومات بها (سنة 671 هـ)، وجاء في ترجمته: أن جد شيخ الإسلام المجد ابن تيمية لما مات رحمه الله، جاء أبو الفرج هذا -وهو ابن ابن عمه - فغلبهم على الصلاة عليه (2).

    * ومنهم أخو أبي الفرج (المتقدم ذكره) علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية، ومات (سنة 701 هـ) بمصر عن اثنتين وثمانين سنة، وممن روى عنه الحافظ الذهبي (3). (1) سير أعلام النبلاء (23/ 291)، البداية والنهاية (13/ 198)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 249)، شذرات الذهب (7/ 443)، جلاء العينين (28)، مختصر طبقات الحنابلة (56).

    (2) الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 282)، شذرات الذهب (7/ 583).

    (3) شذرات الذهب (8/ 6).

    * ومن آل تيمية والد شيخ الإسلام عبد الحليم شهاب الدين أبو المحاسن بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية (المولود سنة 627 هـ) تفقه على والده وأكثر عنه، وصار شيخ البلد بعد أبيه وخطيبه، وله اليد الطولى في كثير من الفنون، وكان -كما يقول الذهبي - من أنجم الهدى، وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس، يشير إلى أبيه وابنه، وقد عرفت دمشق له فضله لما قدمها مع أهله، وتولى المشيخة والتدريس في إحدى معاهدها العريقة، وهي دار الحديث السُّكَّرية، هذا عدا دروسه بالجامع، وقد خلفه فيهما بعد وفاته ابنه شيخ الإسلام، وقد مات رحمه الله (سنة 682 هـ) (1).

    * ومنهم شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني ابن خطيب حرَّان فخر الدين ابن تيمية، كان تاجرًا، وروى عن جماعة من أهل العلم، وحدث زمانًا، وكان من خيار عباد الله، كما يقول الذهبي (2).

    * ولئن كان شيخ الإسلام ابن تيمية هو سليل تلك الأسرة الماجدة، وأشهرها على الإطلاق، فقد كان منها فى فروع معاصرون لشيخ الإسلام أو جاؤوا بعده، ليظل اسم هذه الأسرة المباركة حيًا في عقل الأمة وفؤادها.

    * ومن هؤلاء شقيقا شيخ الإسلام عبد الرحمن وعبد الله، فأما الأول فهو زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم (المولود سنة 663 هـ) والمتوفى (سنة 747 هـ)، أخذ العلم والحديث على جماعة من العلماء، وذكر المؤرخ الحافظ علم الدين البرزالي له ستة وثمانين شيخًا، وكان تاجرًا خيرًا دينًا، وقد حبس نفسه مع أخيه شيخ الإسلام محبة له وإيثارًا لخدمته (3). (1) العبر (5/ 337)، البداية والنهاية (13/ 320)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 310)، شذرات الذهب (7/ 656)، مختصر طبقات الحنابلة (59).

    (2) ذيل تاريخ الإسلام (140)، شذرات الذهب (9/ 54).

    (3) البداية والنهاية (14/ 232)، الدرر الكامنة (2/ 330)، شذرات الذهب (8/ 262).

    * وأما الثاني فهو أبو محمد شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (المولود سنة 666 هـ) سمع خلقًا من العلماء، وتفقه في المذهب حتى برع، وبرع أيضًا في الفرائض والحساب وعلم الهيئة وفي الأصلين والعربية، وكان إمامًا في التاريخ، ودرَّس في دار الحنبلية مدة، وكان رحمه الله ذا زهد وتأله وخوف، وقد ناظر بعض خصوم الشيخ في مصر فأفحمهم وقطع حجتهم، وكان قوالًا بالحق أمَّارًا بالمعروف، وكان أخوه شيخ الإسلام يتأدب معه ويحترمه، توفي بدمشق (سنة 727 هـ) (1).

    * ومن آل تيمية المتأخرين ناصر الدين محمد بن عبد الله (ت سنة 837 هـ) وقد كان تاجرًا عارفًا بالطب، وولي قضاء الإسكندرية مدة من الزمن (2).

    * وأما النساء من تلك الأسرة الماجدة، فقد مر من قبل أن والدة جد شيخ الإسلام الأعلى محمد بن الخضر كانت واعظة (3)، ومن هذه الأسرة العالمة بدرة بنت الشيخ فخر الدين ابن تيمية، جدة شيخ الإسلام، وزوجة جده المجد، وهي ابنة عمه، وماتت قبله بيوم واحد (سنة 652 هـ) وروت بالإجازة عن بعض المحدثين، وكانت تكنى أم البدر (4).

    ومنها كذلك عمة شيخ الإسلام ست الدار بنت عبد السلام ابن تيمية، وقد روى عنها شيخ الإسلام (5).

    ومنها بنت أخي شيخ الإسلام زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلية، روت الحديث عن بعض أهل العلم، وحدَّثت، وأجازت الحافظ ابن حجر رحمه الله، وماتت سنة (799 هـ). (1) ذيل تاريخ الإسلام (309)، العقود الدرية (241)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 382)، شذرات

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1