Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)
إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)
إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)
Ebook313 pages2 hours

إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)

Rating: 3.5 out of 5 stars

3.5/5

()

Read preview

About this ebook

 بِسْمِ اللهِ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. وَالحَمْدُ لله الَّذِي سَخَّرَ الأَشْيَاءَ وَرَفَعَ السَّمَاءَ وَحَقَّقَ الدُّعَاءَ، وَأَمْهَلْنَا لِنَرَى الحُلْمَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ عَنَاءٍ. مَنْ مَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ أَشْخَاصِ وَمُنْتَسِبِي هَذَا الخَيْرِ وَالعَطَاءِ.

إِنَّ حُلْمَ تَأصيلَ علمِ الأَنْسَابِ كَانَ عَلَى مَرِّ السِنِينَ أَمَلِ كلمح السَّرَابُ، وَهَدَفٌ طَالَمَا سَعْى أَكْثَرُ أَهَّلِ النَّسَبِ لتحقيقه، وبَذَلُوا فِيهُ الغَالِيَ الثَّمِينَ مِنْ الجُهْدِ وَالسِّنَّيْنِ، وَوَاصَلُوا البَحْثَ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ الحَتْمِيَّةِ الَّتِي تَفْرِضُ عَلَى كُلِّ أَهْلٍ نَسُبٍّ أَنْ يَحْفَظُوهُ، وعن كل دنسٍ ينزهوه.

قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب. 5).

Languageالعربية
PublisherAhed Alkilany
Release dateNov 25, 2020
ISBN9781393492245
إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)

Related to إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)

Related ebooks

Reviews for إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق)

Rating: 3.5 out of 5 stars
3.5/5

4 ratings1 review

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

  • Rating: 5 out of 5 stars
    5/5
    الف مبارك دكتور عهد
    نتمنى لك المزيد من الالق
    والتفوق

    1 person found this helpful

Book preview

إتحاف أُولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى ( العقيق في أصول التحقيق) - Ahed Alkilany

إتحاف أُولي الحسب

بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب

المسمى

العقيق  في أصول التحقيق

logo-1914020_1280.png

تأليف المؤرخ النسابة

السيد عهد محمد نور الدين الكيلاني

––––––––

الطبعة الأولى

إﺻﺪارات  ﻃﻮﻗﺎن ﻟﻠﻨﺸﺮ اﻟﺮﻗﻤﻲ  2020

حقوق النشر

محفوظة للمؤلف

الطبعة :الأولى

المؤلف: عهد محمد نور الدين الكيلاني

إيميل الكاتب : ansabkilani313@gmail.com

الناشر:  طوقان للنشر الرقمي  (فلسطين)

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف، ولا يجوز تبادل هذا الكتاب جزئياً أو كلياً بطريقة غير شرعية، سواء من خلال إتاحته للتحميل على مواقع الويب أو تبادله عبر رسائل البريد الإلكتروني، كما لا يجوز نسخ جزء من النص بدون إذن مسبق منه.

إهداء

إلى من كان سببا فيما أنا فيه ...

إلى سيدي الوالد محمد نور الدين الكيلاني رحمه الله تعالى أسأل الله

تعالى أن يتقبل مني لمقام الوالد الشريف ما تُقبل من حسناتٍ آمين.

إلى الوالدة الغالية أطال الله بقائها بالصالحات يا رائحة الجنة رزقني الله حسن برِّكِ إلى زوجتي ورفيقة دربي ...

إلى إخواني من شد الله بهم عضُدي ...

إلى أولادي وفلذة كبدي.

أدامكم الله وحفظكم وجزاكم عني كل خير.

إلى مشيايخي وإخواني وأحبابي لكم مني خالص المحبة.

إلى كل من يعمل أو يحب أن يدخل هذا البحر الزاخر أُهديكم هذا المُؤلَّف

مع خالص مودتي.

شكر

الحمد لله رب العالمين الموفق والمعين

وأصلي وأسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطاهرين.

أما بعد: فقد بلغنا من حديث الصادق المصدوق سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله). وعليه فإني بعد شكر الله العظيم على ما أفاض على قلبي من الفيوضات الرحمانية فسال القلم بالعلم والله ذو فضل عظيم.

أتقدم بالشكر لكل أهلي وعائلتي عن تقديم العون والمساعدة لي بتهيئة الأجواء المناسبة والراحة النفسية المساعدة على التأليف فلهم كل الشكر والتقدير.

والشكر خاص وحار لكل من السادة:

السيد محمد عبد الفتاح الشريف.

السيد طارق عبد الرحمن الزغيبي.

السيد خالد شلاش المهداوي.

السيد د. مراد الخطيب الكيلاني.

السيد د. وصفي محمد ديب الشريف.

السيد الأديب أحمد شطناوي.

على ما قدموه لي من دعم بالمراجع والمراجعات لهذا العمل، وعلى ما بذلوه من جهد ووقت، جزاهم الله على ما فعلوا خيراً.

محبكم

اِسْتِهْلَال

بِسْمِ اللهِ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. وَالحَمْدُ لله الَّذِي سَخَّرَ الأَشْيَاءَ وَرَفَعَ السَّمَاءَ وَحَقَّقَ الدُّعَاءَ، وَأَمْهَلْنَا لِنَرَى الحُلْمَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ عَنَاءٍ. مَنْ مَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ أَشْخَاصِ وَمُنْتَسِبِي هَذَا الخَيْرِ وَالعَطَاءِ.

إِنَّ حُلْمَ تَأصيلَ علمِ الأَنْسَابِ كَانَ عَلَى مَرِّ السِنِينَ أَمَلِ كلمح السَّرَابُ، وَهَدَفٌ طَالَمَا سَعْى أَكْثَرُ أَهَّلِ النَّسَبِ لتحقيقه، وبَذَلُوا فِيهُ الغَالِيَ الثَّمِينَ مِنْ الجُهْدِ وَالسِّنَّيْنِ، وَوَاصَلُوا البَحْثَ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ الحَتْمِيَّةِ الَّتِي تَفْرِضُ عَلَى كُلِّ أَهْلٍ نَسُبٍّ أَنْ يَحْفَظُوهُ، وعن كل دنسٍ ينزهوه.

قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب. 5).

وَلِحِفْظِ الحُقُوقِ اِمْتِثَالًا وَتَقْلِيداً وَحَيْثُ كَانَتْ قَدْ تَلَاشَتْ مَوَاطِنُ التَّثْبِيتِ، المَعْلُومَةِ مُنْذُ أَنْ اِنْتَهَتْ صَلَاحِيَّةُ النُّقَبَاءِ المُعَيَّنِينَ، إمَّا بِالوَفَاةِ، وَإمَّا بِإِلْغَاءِ الصَّلَاحِيَّةِ. وَلمَّا لَمْ يَجِدْ الكَثِيرُ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ مَرْجَعاً مَوْثُوقاً فِي بِلَادِنَا لِتَوْثِيقِ أَنْسَابِهِمْ، لِإِضَافَةِ مَا اِسْتَجَدَّ مِنْ مَوَالِيدَ، وَإِثْبَاتِ مَا يَصِحُّ بِهِ التَّقْيِيدُ، حَتَّى أَضْطَرَّ كُثُّرٌ إلى البَحْثِ خَارِجَ الحُدُودِ، أو الرضى بِالقُعُودِ، وَكَانَ أَنْ اِسْتَعَرَتْ ظَاهِرَةُ الرَّوَابِطِ وَتَتَالَتْ المُسَمَّيَاتُ، فَتَنَاوَلَ أَهْلُ الغَايَاتِ حَاجَةَ النَّاسِ وجيّروها إلى جُيُوبِهِمْ، فَأَفْتَوْا أَحْيَانًا بِدُونِ عِلْمٍ وَصَحَّحُوا وَبَدَّلُوا بِغَيْرِ فَهْمٍ.

رُبَّمَا كَانَ الحُكْمُ فِيهَا المَالُ وَإِلَى اللهِ المَألُ، فَأُدْخِلَ الحَابِلُ بِالنَّابِلِ يعِدْ الأَصِيلُ يَعْرِفُ مِنْ الدَّخِيلِ. وَكُلٌّ فَرِحٌ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى سَمِعْنَا العَجَبَ وَأَطْلِعْنَا عَنْ كَثَبٍ، كَيْفَ طَمْيَ السَّيْلُ حَتَّى غَاصَتْ الرُّكَبُ.. فَوُلِدَ مِنْ رَحْمِ الحَاجَةِ هَذَا المَوْلُودُ (إتحاف أولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب المسمى العقيق في أصول التحقيق). نَسْتَبْشِرُ اليَوْمَ بِهَذَا الفَتْحِ. وَهَذِهِ الخُطْوَةُ المُبَارَكَةُ فِي عَالَمِ الأَنْسَابِ مَنْهَجًا وَنِبْرَاسًا.. حَيْثُ أُنْتَهَى الأَمَرُّ إلى أَهْلِهِ.

الشريف محمد بن عبد الفتاح  الودغري

الإدريسي الحسني

الشهير بالشريف الجموني

تصدير

العقيق في أصول التحقيق

سمرٌ بلا سهر، وصفوٌ بلا كدر

بقلم الباحث المؤرخ: الدكتور فتحي عبد القادر سلطان الحسيني الهاشمي

[1]

الحمد لله الذي لن يُستفتح بأفضل من إسمه كلام، ولم يُستنجح بأحسن من صنعه مرام، الحمد لله الذي جعل الحمدَ مستحقَّ الحمد حتى لا انقطاع، وموجب الشكر بأقصى ما يستطاع، الحمد لله مانح الأعلاق، وفاتح الأغلاق، الحمد لله ذي الحجج البوالغ، والنِّعم السَّوابغ، والنقم الدَّوامغ، الحمد لله معزِّ الحقّ وناصره، ومذلِّ الباطل وقاصره، حمداً لا إنقطاع لراتبه، ولا إقلاع لسحائبه، حمداً يكون لإنعامه مجازياً، ولإحسانه موازياً، حمداً يتردد أنفاس الصدور، حمداً يستنزل الرحمة، ويستكشف الغمة، سبحان من له في كل قضيةٍ ألطافٌ نعرفها ونثبتها في فضله ونعمته، أو نجهلها فنردها إلى عدله وحكمته، علاّمُ الغيوب، ومن بيده أزمّةُ القلوب، الخبير بما تُجِنُّ به الضمائر، وتَكِنُّ به السرائر، العالمُ بما تفضي إليه الأمور، وبخائنة الأعين وما تخفي الصدور، وصلّى الله على سليل أكرم نبعة، وقريع أشرف بقعة، جاء بأمته من الظلمات إلى النور، وأفاء عليهم بعد الحَرُور. محمد نبي الله وصفوته وخيرته من بريته، مؤكد دعوته بالتأييد، ومفردُ شريعته بالتأبيد، خيرة الله من خلقه، وحجته في أرضه، والهادي إلى حقه، والمُنبه على حكمه، والداع إلى رشده، صلّى الله على خير من افتتحت بذكره الدعوات، واستنجحت بالصلاة عليه الطلبات، صلّى الله على محمدٍ نبيٍ مبعوث، وأفضل وارثٍ وموروث، وعلى آله الذين عظّمهم توقيرا، وطهرهم تطهيرا، مقاليد السعادة ومفاتيحها، ومجاديح البركة ومصابيحها، أعلام الإسلام، وأمان الإيمان، الطيبين الأخيار، الطاهرين الأبرار، الذين أذهب عنهم الأرجاس، وطهرهم من الأدناس، وجعل مودتهم أجراً له على الناس، الَّذين هم حبل الهدى، وشجرة التقوى، وسفينة النجاة العظمى، وعروة الدين الوثقى، زينة الحياة، عشيرة الإيمان، شجرة أصلها نبوة، وفرعها مُروّة، وأغصانها تنزيل، وورقها تأويل، وخدمها جبريل وميكائيل.

أما بعد؛

فقد استكتبنا ابننا الحبيب الباحث السيد الشريف عهد ابن أخينا ورفيق نضالنا السيد (محمد نور الدين) ابن السيد الشيخ علي الكيلاني الحسني - شيخ السجادة القادرية العلية في المملكة الأردنية الهاشمية، أمين أنساب السادة آل الكيلاني الحسني، لتقديم كتابه الذي أسماه (إتحاف أولي الحسب بتحقيق بعض المسائل في أصول علم النسب، المسمى / العقيق في أصول التحقيق)، فاستجبنا لمن استقى عِرقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته من ثدي الرسالة، وتهدلت أغصانه عن نبع الإمامة، وتبحبحت أطرافه في عرصة الشرف والسيادة، سر العنصر الكريم، ومعدن الشرف الصميم، طيب العنصر والمركب، كريم المنصبِ والمنتَسَب، كريم الطرفين، شريف الجانبين، الذي ركَّب الله دوحته في قرارة المجد، وغرس نبعته في محل الفضل، أصلٌ شريف، وعرقٌ كريم، ومغرِسٌ عظيم، ومغْرِزٌ صميم، المجد لسان أوصافه، والشرف نسب أسلافه، نسبٌ فخم، وشرفٌ ضخم، يستوي شرف الأرومة، بكرم الأبوة والأمومة، ما أتته المحاسن عن كلالة، ولا ظفر بالهدى عن ضلالة، بل تناول المجد كابراً عن كابر، وأخذ المجد بين أسرةٍ ومنابر، واكتسب الشرف على الأصاغر والأكابر، ينزع إلى المحامد بنفس وعرق، ويحن إلى المكارم بوراثة وخلق، يجمع إلى عزّ النصاب، مزية الآداب، لا غرو أن يجري الجواد على عرقه، وتلوح مخايل الليث في شبله، له مع نباهة شرفه، نزاهة ظلفه، ومع مكرم أرومته وجِذمه، مزية أدبه وعلمه، لا غرو أن يغمر فضله وهو نجل الصيد الأكارم، أو يغزُر علمه وهو فيض البحور الخضارم.

فبعد اطلاعنا على هذا السِفْر الدُري الكامل المتكامل بمراحله الثلاث، وما أفاء به سادتنا الأجلاء، من تقريظ للمرحلة الأولى من هذا السفر، بلغ كل منهم أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعانٍ أفراد، بلاغته ميدان لم يُقطع إلاّ بسابق الأذهان، ولم يُسلك إلا ببصائر البيان، فالبيان أصغر صفاته، والبلاغة عفو خطراته، لسانه يُغيِّض البحور، ويفلق الصخور، ألم ترى فلاناً ولَسَنَه، وكيف يجري في الفصاحة رسنه، كأن لسانه مِخْراق لاعب، أو غِرارُ سيفٍ قاضب، قد أحسن السِفارة، واستوفى العبارة، لم تناله حُبسة، ولم ترتهنه في خطاباته لُكنة، رقيق الأسلة، عذبُ العَذَبة، لو وضع لسانه على الصخر فلقه، أو على الجمر حرقه، أو على الصفا خرقه، فما تركوا لنا مجالاً للحاق بركبهم، سوى القول في مَنْ خطّه: هو بحرٌ من العلم ممدود بسبعة أبحر، ويومه في الأدب كعمر سبعة أنسُر، العلم حشو ثيابه، والأدب ملْء إهابه، هو شخص الأدب مائلاً، ولسان العلم قائلاً، شجرةٌ فضل عودها أدب، وأغصانها علم، وثمرتها عقل، وعروقها شرف، تسقيها سماء الحرية، وتُغذيها أرض المروة، هو ملح الأرض إذا فسدت، وعمارة الدنيا إذا خربت، ومعرض الأنام إذا احتشدت، هو جميل الأيام، خاصة الأنام، فارس الكلام، فيلسوف الإسلام، غصنٌ طبعه نضير، وليس له بحمد الله نظير، قد جمع الحفظ الغزير، والفهم الصحيح، والأدب القوي القويم، ما يؤنسه عن الوحشة إلاّ الدفاتر، ولا تصحبه في الوحدة إلاّ المحابر، همه مُهرة فكرةٍ يستفيدها، وشرودٌ من الكلم يصيدها، يحل دقائق الأشكال، ويزيل معترض الإشكال.

أما سِفْرنا الدرّي، فقد كتب لي أماناً من الدهر، وهنأني أياماً من العمر، سِفْرٌ أوجب من الإعتداد، أوفر الأعداد، وأودع بياض الوِداد، سوادَ الفؤاد، سفرٌ الظَّفرُ به نعيم، والنظرُ في فتحه عظيم، سِفْرٌ ارتحت لعيانه، واهتززت لعنوانه، هو من أسْفار الميامين، التي تأتي من قِبَل اليمين، سِفْرٌ عددته من حُجول العمر وغُرَره، واعتددته من فرص العيش وغرره، سِفْرٌ آنس مسموعاً وملحوظاً، وكاد مُودَعهُ يكون مدروساً ومحفوظاً، سِفْرٌ هو أنفس طالع، وأكرم مُتطلّع، وأحسن واقع. سِفْرٌ لو قُرِئ على الحجارة لانفجرت، أو على الكواكب لانتثرت، سِفْرٌ قبّلتُهُ ألفاً ورأس كاتبه عشراً، سِفْرٌ نسيتُ لحسنه الرَوض والزَهر، وغفرت للزمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، سِفْرٌ قد أملته مزية المجد على بنان كاتبه، ونطق به لسان الفضل على لسانه، أما النقط على كل حرفٍ فنذيرة أمل بحقه، فمن كل سطرٍ تجشم تخطيطه نزهة. فإذا قرأتُ من خطه حرفاً، وجدتُ على قلبي خفّاً، وإذا تأملت من كلامه لفظاً، ازددت من أُنسي حظاً. سِفْرٌ وقع عندي موقع الماء من العطشان، سِفْرٌ هو تَعلّة المسافر، وأُنسة المستوحش، وزبدة الوصال، وعُقلة المستوفز، سِفْرٌ وجدته رُقية للقلب السليم، وغُرة العيش البهيم، هو سَمَرٌ بلا سهر، وصفوٌ بلا كدر، تمتعت منه بالنعيم الأبيض، والعيش الأخضر، واستلمته استلام الحجر الأسود، وكلت طرفي من سطوره بوَشيٍ مهلل، وتاجٍ مكلل، وأودعت سمعي من بدائعه ما أنساني سماع الأغاني، من مطربات الأغاني، نشأت سحابةٌ من روضك غيمُها نعمة سابغة، وغيثُها حكمة بلغة، سقت روضة القلب، وقد جهدتها يدُ الجدْب، فاهتزت وربت، واكتست بما اكتست، سِفْرٌ حسبته ساقطاً إليَّ من السماء اهتزازاً لمطلعه، وابتهاجاً بحسن وقعه، تناولته كما يُتناول الكتاب المرقوم، وفضضته كما يُفض الرِّحيق المختوم، سِفْرٌ كالمشرق شرق به المسير وقميص يوسف جاء به البشير، هو في الحُسن روضةُ حزنْ، بل جنةُ عدن، وفي شرح النفس، وبسط الأُنس، بردُ الأكباد والقلوب، وقميص يوسف في أجفان يعقوب، أهديَت لنا محاسن الدنيا مجموعة في ورقه، ومباهج الحُلَل والحُلي محصورة في طبقه، سِفْرٌ ألصقته بالقلب والكبد، وشممته شم الولد، وردَ منه المِسك ذكياً، والزهر جنياً، والماء مرياً، والعيش هنياً، والسِحر بابلياً، سِفْرٌ مطلعه أهلة الأعياد، وموقعه موقِع نَيْل المُراد.

أصاب ابننا الرأي في السِّفْر، فالنجاحُ معقودٌ بنواصي آرائه، واليُمن مُعتادٌ في مذاهب أنحائه، له الرأي الثاقب الذي تخفى مكائده ، وتظهر عوائده، والتدبير النافذ الذي تنجح مباديه ، وتبهج تواليه، رأيٌ كالسهم أصاب غرة الهدف، ودهاءٌ كالبحر في بُعد الغور وقرب المغترف، لم يضع رأيه إلاّ موضع الإصابة، ولم يَصْرِف تدبيره إلاّ إلى مواقع السداد والأصالة، له فكرٌ عميق، ورأيٌ وثيق، يعرف من مبادئ الأفعال، خواتم الأعمال، ومن صدور الأمور، أعجاز ما في الصدور، رؤيته رأيُ طبيب، وبديهته قدرٌ مصيب، سافر رأيه وهو دانٍ لم ينزح، وسار تدبيره وهو ثاوٍ لم يبرح ، له رأيٌ لم يخطئ شاكلة الصواب، ولم يخشَ عليه بادرة العِثار، خمَّر الرأي وجلاّه، وأذكى سراج الفكر فنال لب الصواب وأضاء الظلام، آراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب، له رأيٌ لا تغيب كواكبه، رأيٌ منير، وللأعداء مُبير، كأنه ينظر إلى الغيب من وراء سِترٍ رقيق، ويطالعه بعين الإلهام والتوفيق، رأى بأول رأيه آخر الأمر، وأصاب في شاكلة الصواب في رأي محضه، وتدبير مخضه، فعجباً لرأيه الذي يستنبط دفائن القلوب، ويستخرج ودائع الغيوب، قد سرنا من مشورته ضياءٌ ساطع، ومن رأيه الصواب في حكمٍ قاطع.

وفي الختام، نسأل الله حُسن الختام، ونضرع إليه جلَّ وعلا، أن يكون للسِّفْرِ نصيباً من مُسمَّاه، ولفظاً يطابق معناه، وأن ينفع

Enjoying the preview?
Page 1 of 1