Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

وحي القلم
وحي القلم
وحي القلم
Ebook478 pages4 hours

وحي القلم

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب وحي القلم عمل أدبي لمصطفى صادق الرافعي، من أفضل مؤلفاته، يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء هي عبارة عن مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من الصحف والمجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، وجريدة المؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها. يجمع الكتاب كل خصائص الرافعي الأدبية متميزة بوضوح في أسلوبه، كذلك يجمع كل خصائصه العقلية والنفسية متميزة بوضوح في موضوعه، ففيه خلقه ودينه، وفيه شبابه وعاطفته، وفيه تزمته ووقاره، وفيه فكاهته ومرحه، وفيه غضبه وسخطه، فمن شاء أن يعرف الرافعي عرفان الرأي والفكرة والمعاشرة فليعرفه في هذا الكتاب
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateSep 17, 1903
ISBN9786421951701
وحي القلم

Read more from مصطفى صادق الرافعي

Related to وحي القلم

Related ebooks

Reviews for وحي القلم

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    وحي القلم - مصطفى صادق الرافعي

    الغلاف

    وحي القلم

    الجزء 3

    مصطفى صادق الرافعي

    1356

    كتاب وحي القلم عمل أدبي لمصطفى صادق الرافعي، من أفضل مؤلفاته، يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء هي عبارة عن مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من الصحف والمجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، وجريدة المؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها. يجمع الكتاب كل خصائص الرافعي الأدبية متميزة بوضوح في أسلوبه، كذلك يجمع كل خصائصه العقلية والنفسية متميزة بوضوح في موضوعه، ففيه خلقه ودينه، وفيه شبابه وعاطفته، وفيه تزمته ووقاره، وفيه فكاهته ومرحه، وفيه غضبه وسخطه، فمن شاء أن يعرف الرافعي عرفان الرأي والفكرة والمعاشرة فليعرفه في هذا الكتاب

    انتصار الحب

    كل ما يكتب عن حبيبين لا يفهم منه بعض ما يفهم من رؤية وجه أحدهما ينظر إلى وجه الآخر .وما تعرفه العين من العين لا تعرفه بألفاظ ، ولكن بأسرار . .والغليل المتسعر في دم العاشق كجنون المجنون : يختص برأسه وحده .وضمة المحب لحبيبه إحساس لا يستعار من صدر آخر ، كما لا يستعار المولود لبطن لم يحمله .وكلمة القبلة التي معناها وضع الفم ، لن ينتقل إليها ما تذوقه الشفتان !ويوم الحب يوم ممدود ، لا ينتهي في الزمن إلا إذا بدأ يوم السلو في الزمن . .فهل يستطيع الخلق أن يصنعوا حدّاً يفصل بين وقتين لينتهي أحدهما . . ؟وهبهم صنعوا السلوان من مادة النصيحة والمنفعة ، ومن ألف برهان وبرهان ، فكيف لهم بالمستحيل ، وكيف لهم بوضع السلوان في القلب العاشق ؟وإذا سالت النفس من رقة الحب ، فبأي مادة تصنع فيها صلابة الحجر . . ؟وما هو الحب إلا إظهار الجسم الجميل حاملاً للجسم الآخر كل أسراره ، يفهمها وحده فيه وحده ؟وما هو الحب إلا تعلق النفس بالنفس التي لا يملؤها غيرها بالإحساس ؟وما هو الحب إلا إشراق النور الذي فيه قوة الحياة ، كنور الشمس من الشمس وحدها ؟قلت : وحادثة تخلي الملك إدوارد عن عرش الإمبراطورية البريطانية في سنة 1936 من أجل امرأة - ذائعة مشهورة .وهل في ذهبت الدنيا وملك الدنيا ما يشتري الأسرار ، والإحساس ، وذلك النور الحي ؟ . .فما هو الحب إلا أنه هو الحب ؟ما هو هذا السر في الجمال المعشوق ، إلا أن عاشقه يدركه كأنه عقل للعقل وما هو هذا الإدراك إلا انحصار الشعور في جمال متسلط كأنه قلب للقلب ؟ وما هو الجمال المتسلط بإنسان على إنسان ، إلا ظهور المحبوب كأنه روح للروح ؟ ولكن ما هو السر في حب المحبوب دون سواه ؟ . . هنا تقف المسألة وينقطع الجواب .هنا سر خفي كسرِّ الوحدانية ؛ لأنها وحدانيته 'أنا وأنت' .ناقشوا الحب ؛ فقالوا : أصبحت الدنيا دنيا المادة ، والروحانية اليوم كالعظام الهرمة لا تكتسي اللحم العاشق . .وقال الحب : لا بل المادة لا قيمة لها في الروح ؛ وهذا القلب لن يتحول إلى يد ولا إلى رجل . .ناقشوا الحب ؛ فقالوا : إن العصر عصر الآلات ، والعمل الروحي لا وجود له في الآلة ولا مع الآلة . .قال الحب : لا ، يصنع الإنسان ما شاء ، ويبقى القلب دائماً كما صنعه الخالق . .وقالوا : الضعيفان : الحب والدين ، والقويان : المال والجاه ؛ فبماذا رد الحب . . ؟جاء بلؤلؤة روحانية في 'مسز سمبسون' ؛ ووضع لها في ميزان المال والجاه أعظم تاج في العالم إدوارد الثامن 'ملك بريطانيا' العظمى وإرلندا والممتلكات البريطانية فيما وراء البحار وملك - إمبراطور الهند' .وتنافست الروحانية والمادية ، فرجع التاج وما فيه إلا أضعف المعنيين من القلب .وأعلن الحب عن نفسه بأحدث اختراع في الإعلان ، فهز العالم كله هزة صحافية :الحب . الحب . الحب . . . .'مسز سمبسون' ، تلك الجميلة بنصف جمال ، المطلقة مرتين . هذا هو اختيار الحب !ولكنها المعشوقة ؛ وكل معشوقة هي عذراء لحبيبها ولو تزوجت مرتين ؛ هذا هو سر الحب !ولكنها الفاتنة كل الفتنة ، والظريفة كل الظرف ، والمرأة كل المرأة ، هذا هو فعل الحب !ولكنها العقل للأعصاب المجنونة ، والأنس للقلب المستوحش ، والنور في ظلمة الكآبة ؛ هذا هو حكم الحب !ومن أجلها يقول ملك انجلترا للعالم : 'لا أستطيع أن أعيش بدون المرأة التي أحبها' ؛ فهذا هو إعلان الحب . .إذا أخذوها عنه أخذوها من دمه ، فلذلك معنى من الذبح .وإذا انتزعوها انتزعوها من نفسه ، فذلك معنى من القتل .وهل في غيرها هي روح اللهفة التي في قلبه ، فيكون المذهب إلى غيرها ؟ لكأنهم يسألونه أن يموت موتاً فيه حياة .وكأنهم يريدون منه أن يجن جنوناً بعقل . . هذا هو جبروت الحب !وللسياسة حجج ، وعند 'مسز سمبسون' حجج ، وعند الهوى . .التاج ، الملكية ، امرأة مطلقة ، امرأة من الشعب ؛ فهذا ما تقوله السياسة .ولكنها امرأة قلبه ، تزوجت مرتين ؛ ليكون له فيها إمتاع ثلاث زوجات ؛ وهذا ما يقوله الحب !واللحظة الناعسة ، والابتسامة النائمة ، والإشارة الحالمة ، وكلمة 'سيدي' ؛ هذا ما يقوله الجمال .وانتصر الحب على السياسة . وأبى الملك أن يكون كالأم الأرملة في ملك أولادها الكبار . .العرش يقبل رجلاً خلفاً من رجل ، فيكون الثاني كالأول .والحب لا يقبل امرأة خلفاً من امرأة ، فلن تكون الثانية كالأولى .وطارت في العالم هذه الرسالة : 'أنا إدوارد الثامن . . . أتخلى عن العرش وذريتي من بعدي' !'وأعلن الحب عن نفسه بأحدث اختراع في الإعلان ؛ فهز العالم كله هزة صحافية' .الحب . الحب . الحب . . .^

    قنبلة بالبارود لا بالماء المقطر

    حياكم الله يا شباب الجامعة المصرية ؛ لقد كتبتم الكلمات التي تصرخ منها الشياطين . .كلمات لو انتسبن لانتسبت كل واحدة منهن إلى آية مما نزل به الوحي في كتاب الله .فطلب تعليم الدين لشباب الجامعة ينتمي إلى هذه الآية : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ } .وطلب الفصل بين الشبان والفتيات يرجع إلى هذه الآية : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } .وطلب إيجاد المثل الأخلاقي لهذه الأمة من شبابها المتعلم هو معنى الآية : { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } .قوة الأخلاق يا شباب الجامعة ؛ لقد كتبتم الكلمات التي يصفق لها العالم الإسلامي كله .كلمات ليس فيها شيء جديد على الإسلام ، ولكن كل جديد على المسلمين لا يوجد إلا فيها .قلت : وكان ذلك في مارس سنة 1937 .كلمات القوة الروحية التي تريد أن تقود التاريخ مرة أخرى بقوى النصر لا بعوامل الهزيمة .كلمات الشباب الطاهر الذي هو حركة الرقي في الأمة كلها ، فسيكون منها المحرك للأمة كلها .كلمات ليست قوانين ، ولكنها ستكون هي السبب في إصلاح القوانين . . .قوة الأخلاق يا شباب ، قوة الأخلاق : إن الخطوة المتقدمة تبدأ من هنا . . .يريد الشباب مع حقيقة العلم حقيقة الدين ؛ فإن العلم لا يعلِّم الصبر ولا الصدق ولا الذمة .يريدون قوة النفس مع قوة العقل ، فإن القانون الأدبي في الشعب لا يضعه العقل وحده ولا ينفذه وحده .يريدون قوة العقيدة ، حتى إذا لم ينفعهم في بعض شدائد الحياة ما تعلموه نفعهم ما اعتقدوه .يريدون السمو الديني ، لأن فكرة إدراك الشهوات بمعناها هي فكرة إدراك الواجبات بغير معناها .يريدون الشباب السامي الطاهر من الجنسين ، كي تولد الأمة الجديدة سامية طاهرة .قوة الأخلاق يا شباب ، قوة الأخلاق ؛ إن الخطوة المتقدمة تبدأ من هنا . . .أحس الشباب أنهم يفقدون من قوة المناعة الروحية بقدر ما أهملوا من الدين .وما هي الفضائل إلا قوة المناعة من أضدادها ؟ فالصدق مناعة من الكذب والشرف مناعة من الخسة .والشباب المثقل بفروض القوة هو القوة نفسها ؛ وهل الدين إلا فروض القوة على النفس ؟وشباب الشهوات شباب مفلس من رأس ماله الاجتماعي ، ينفق دائماً ولا يكسب أبداً !والمدارس تخرج شبانها إلى الحياة ، فتسألهم الحياة : ماذا تعودتم لا ماذا تعلمتم !قوة الأخلاق يا شباب ، قوة الأخلاق ؛ إن الخطوة المتقدمة تبدأ من هنا . . .وأحس الشباب معنى كثرة الفتيات في الجامعة ، وأدركوا معنى هذه الرقة التي خلقتها الحكمة الخالقة .والمرأة أداة استمالة بالطبيعة ، تعمل بغير إرادة ما تعمله بالإرادة ، لأن رؤيتها أول عملها .نعم إن المغناطيس لا يتحرك حين يجذب ، ولكن الحديد يتحرك له حين ينجذب !ومتى فهم أحد الجنسين الجنس الآخر ، فهمه بإدراكين بإدراك واحد !وجمال المرأة إذا انتهى إلى قلب الرجل ، وجمال الرجل إذا استقر في قلب المرأة . . .هما حينئذ معنيان . ولكنهما على رغم أنف العلم معنيان متزوجان . .لا ، لا ؛ يا رجال الجامعة ، إن كان هناك شيء اسمه حرية الفكر فليس هناك شيء اسمه حرية الأخلاق .وتقولون : أوروبا وتقليد أوروبا ! ونحن نريد الشباب الذين يعملون لاستقلانا لا لخضوعنا لأوربا .وتقولون : إن الجامعات ليست محل الدين ، ومن الذي يجهل أنها بهذا صارت محلاً لفوضى الأخلاق .وتزعمون أن الشباب تعلموا ما يكفي من الدين في المدارس الابتدائية والثانوية فلا حاجة إليه في الجامعة . .أفترون الإسلام روساً ابتدائية وثانوية فقط ؛ أم تريدونه شجرة تغرس هناك لتقلع عندكم . .لا ، لا ؛ يا رجال الجامعة ، إن قنبلة الشباب المجاهد تملأ بالبارود لا بالماء المقطر . .إن الشباب مخلوقون لغير زمنكم ، فلا تفسدوا عليهم الحاسة الاجتماعية التي يحسون بها زمنهم .لا تجعلوهم عبيد آرائكم وهم شباب الاستقلال ؛ إنهم تلاميذكم ، ولكنهم أيضاً أساتذة الأمة .لقد تكلم بلسانكم هذا البناء الصغير الذي يسمى الجامعة ، وتكلم بألسنتهم هذا البناء الكبير الذي يسمى الوطن .أما بناؤكم فمحدود بالآراء والأحلام والأفكار ، وأما الوطن فمحدود بالمطامع والحوادث والحقائق .لا ، لا ؛ إن المسلمين الذين هدوا العالم ، قد هدوه بالروح الدينية التي كانوا يعملون بها لا بأحلام الفلاسفة .لا ، لا ، إن الفضيلة فطرة لا علم ، وطبيعة لا قانون ، وعقيدة لا فكرة ؛ وأساسها أخلاق الدين لا آراء الكتب . .من هذا المتكلم يقول للأمة : 'الجامعيون لن يقبلوا أن يدخل أحد في شئونهم مهما يكن أمره' ؟أهذا صوت جرس المدرسة لأطفال المدرسة ترن ترن . . فيجتمعون وينصاعون ؟كلا يا رجل ! لي في الجامعة قالب يصب فيه المسلمون على قياسك الذي تريد .إن التعليم في الجامعة بغير دين يعصم الشخصية ، هو تعليم الرذيلة تعليمها العالي . .{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } .قوة الأخلاق يا شباب ، قوة الأخلاق . . إن الخطوة المتقدمة تبدأ من هنا .^

    شيطان وشيطانة

    شغلني ما شغل الناس من حديث الجامعة المصرية وما أراده طلبتها من ورع يحجزهم عن محارم الله ، ودين يخلص به الإيمان إلى قلوبهم ، فلا يكون لفظ المسلم على المسلم كأنه مكتوب على ورقة ؛ ثم ابتغوه من الفصل بين الشبان والفتيات ، تطهيراً للطباع ونوازع النفس ، واتقاء لسوء المخالطة ، وبعداً عن مطية الإثم ، وتوفيراً لأسباب الرجولة على الرجل ولصفات الأنوثة على الأنثى .وقرأت كل ما نشرته الصحف ، واستقصيت وبالغت ، ونظرت في الألفاظ ومعانيها ومعاني معانيها ؛ وكنت قبل ذلك أتتبع باب 'فلان وفلانة' في المجلات الأسبوعية التي تكتب عن حوادث الاختلاط في الجامعة وتسمى الأسماء وتصف الأوصاف وتذكر النوادر ؛ فملأ كل ذلك صدري واجتمع الكلام يترجم نفسه إلي في رؤيا رأيتها وها أنذا أقصها :رأيتني عند باب الجامعة وكأني ذاهب لأقطع باليقين على الظن ، وقد علمت أن الظنة تقوم في حكمة التشريع مقام الحقيقية ؛ لخفائها وكثرة وجودها ؛ فإن كان في اختلاط الجنسين ما يخشى أن يقع فهو كالواقع . . . .ثم رأيت شيطانة قد خرجت من الجامعة ومضت تتبع أنفها تتشمم الهواء وتستروحه كأنه كأن فيه شيئاً ، حتى مالت إلى خمر هناك من ذلك الشجر الملتف عن يمين الطريق ، فوقفت عنده تتنفس وتتنهد ؛ ثم تبصرت فإذا شيطان مقبل إلى الجامعة إقبال المغير في غارته ، فأومأت له ، فعدل إليها وحياها بتحية الشياطين ، ثم قال لها : ما وقوفك هنا أيتها الخبيثة ؟ وكيف تركت صاحبتك التي أنت موكلة بها ؟ وما عسى أن يعمل الشيطان بين الجنسين إذا لم تؤازره الشيطانة ؟قالت : إنما اجتذبتني إلى هنا رائحة عاشقين كانا في هذا الظل يواريهما عن الأعين ، وما أراك إلا مزكوماً ، أفكنت في الأزهر . . ؟فجعل الشيطان يتضاحك وقال : أنا مرسل من مستشفى المجانين مدداً لشياطين الجامعة ؛ فقد احتاجوا إلى النجدة . . ولكن أنت كيف تركت صاحبتك من أجل رائحة قبلة على خمسمائة متر ؟ ما أحسبها الآن إلا جالسة تكتب في منع اختلاط الجنسين ووجوب إدخال التعليم الديني في الجامعة !قالت الشيطانة : إن صاحبتي لأبرع مني في البراعة ، وأدق في الحيلة وأهدى للمعاذير ، وأنفذ إلى الغرض ، ومثلها قليل هنا ، ولكن قليل الشر ليس قليلاً ، فإنه وصلة وطريق كما تعلم ؛ وما تجد الفتاة خيراً من هذا المكان ينفي عنها الريبة وهو يدنيها منها بهذا الاختلاط مع الفتيان ، ويهيئ لعقلها أسباباً تكون فيها أسباب قلبها ؛ وقد كنت في أوربا ، أفما رأيت هناك شابّاً وشابة حول كتاب علم وكأنهما على زجاجة خمر ؟إن هذا العلم شيء ومخالطة الشبان شيء آخر ؛ فذلك يطلق فكرها يتجاوز الحدود والاختلاط يجعل فكرها ، يحصرها في حدود إحساسها ؛ وأحدهما يرهف ذهنها لإدراك الأشياء ، والآخر يرهف عواطفها لإدراك الرجل ؛ وقد فرغ الله من خلقة الأنثى فما تخلق هنا مرة أخرى على غير الطبيعة المفطورة على الحب في صورة من صورة الممكنة ، والصورة هي الشاب هنا ؛ وأنا الشيطانة قد تعلمت في الجامعة أن قاعدة : 'لا حياة في العلم' ، هي التي تقرر في بعض الأحيان قاعدة : 'لا حياة في الحب' .قال الشيطان : أنت أدري بسلطان الطبيعة في المرأة ، ولكن الذي أعرفه أنا أن مفاسد أوربا تدخل إلى الشرق في أشياء كثيرة ، منها الخمر والنساء والعادات والقوانين والكتب ونظام المدارس !قالت الشيطانة : وإن سلطان الطبيعة في المرأة يبحث دائماً عن رعيته ما لم يكبح ويرد عن البحث ؛ إذ هو لا يتحقق أنه سلطان إلا بنفاذ حكمه وجواز أمره ؛ ومن رعيته نظرات الإعجاب ، وكلمات الثناء ، وعبارات الإغراء ، وعواطف الميل ، ومعاني الخضوع ؛ ورب كلمة من الرجل للمرأة لا يكون فيها شيء ويكون الرجلكله فيها ذاهباً إلى قلبها متدسساً إلى خيالها ؛ وكم من أم ترى ابنتها راجعة إلى الدار وتحس بالغريزة النسوية أن مع ابنتها خيالاً من الجنس الآخر ! .ومم ينبعث الحب إلا من الألفة والمخاطبة والمجاذبة والمنازعة التي يسمونها هنا منافسة بين الجنسين ويعدونها حسنة من حسنات الاختلاط ؟ نعم إنها مشحذة للأذهان وداعية إلى بلوغ الغاية من الاجتهاد ، وبها يرق اللسان وتنحل عقدته ، ويصبح الشاب كما يقولون : 'ابن نكتة ويفهم الطايره . . . ' وتعود الفتاة وهي تجتهد أن تكون حلاوة تذوقها الروح ؛ ولكن الأعمال بالنيات والأمور بخواتيمها : والطبيعة نفسها توازن العقل العلمي بالجهل الخلقي ، ولعل أكثر الناس فنوناً في فسقه وفجوره لا يكون إلا عالماً من أهل الفن أو زنديقاً من أهل العلم ، ولا يصحح هذه الموازنة إلا الدين ، فهو الذي يقرر القواعد الثابتة في كلتا الناحيتين ، وهذا ما يطلبه المجانين من شبان هذه الجامعة ويوشك أن يظفروا به ، لولا أن هذه الأمة مبتلاة في كل حادثة من دينها بإجالة الرأي حتى يضيع الرأي .اسمع - ويحك - هذا الفتى الذي يقرأ . . فألقى الشيطان سمعه فإذا طالب يقرأ على جماعة كلاماً في صحيفة لإحدى خريجات الجامعة تقول فيه : 'ولهذا أصرح أن تجربة اشتراك الجنسين في الجامعة نجحت إلى أبعد غاية : ولم يحدث خلالها قط ما يدعو إلى قلق القلقين والمناداة بالفصل ؛ بل بالعكس حدث ما يدعو إلى تشجيع الأخذ بالتجربة أكثر مما هي عليه اليوم' .فقهقه الشيطان وقال : 'قلق القلقين' . . ما رأيت كلاماً أغلظ ولا أجفى من هذا ؛ إنها لو دافعت عن الشيطان بهذه القافات لخسر القضية . . .ثم إنه لهز الشيطانة لهزة وقال لها : كذبت علي أيتها الخبيثة ، فما لك عمل في الجامعة وأنت تخرجين لرائحة قبلة بين عاشقين على مسافة خمسمائة متر ؛ إن هذه القافات لهي الدليل أقوى الدليل على أن الفتاة هنا تنظر فتاة حين ترى ، ولكنها تسمع رجلاً حين تتكلم !قالت الشيطانة : ولكن ألم تسمع قولها : 'تشجيع التجربة أكثر مما هي عليه اليوم' . . ؟ ألا يرضيك هذا الذي لا بد أن يدعو 'إلى قلق القلقين ؟ ' ثم إني أنا فلانة الشيطانة قد كنت السبب في حادثة وقعت وطر فيها طالب من الجامعة ، أفلا يرضيك الإغراء والكذب في بضع كلمات ؟قال الشيطان : كل الرضى ، فهذا فن آخر والعلم الذي ينكر حادثة وقعت من تلميذة ولا يقر بأنها وقعت ، لا يكون إنكاره إلا إجازة لوقوع مثلها !قالت الشيطانة : وهب الحادثة لم تقع ، فكيف تعرف الجامعة ما يحدث في القلوب ؟ ومن هذا الذي يستطيع أن يقرأ قصة تؤلفها أربع أعين في وجهين ؟ وكيف تكشف الحقيقة التي أول وجودها كتمان الكلام عنها ، وأول الكلام عنها الهمس بين اثنين دون غيرهما ؟ ومن ذا الذي طاقته أن يمد بيده إلى قلبين في تلقي الرسائل كصندوقي البريد . . ؟اسمع اسمع هذا الآخر . . فاسترق الشيطان السمع فإذا طالب يقرأ في صحيفة أخرى على جماعته :'والذين يزعمون أن الاتصال بين الطالبات والطلة خطر ، إنما يسيئون إلى أخلاقكم . . والحق أيها الأصدقاء أن الذي حملني على أن أغصب وأثور إنما هو الدفاع عن الكرامة الجامعية' .قال الشيطان : كل الرضا كل الرضا . . هذا كلام داهية أريب ، فلقد أحسن قائله الله ! إنها عبارات جامعية محكمة السبك تقوم على أصولها من فن السياسة الخطابية ؛ وكل من أظنوه بتهمة فلا يستطيع أن يمخرق على الناس بأحسن من هذا ولا بمثل هذا .وليس لنا أقوى من هذا الطبع القوي الذي يشعر بالنقص فلا هم له إلا إثبات ذاته في كل ما يجادل فيه دون إثبات الصواب ولو كان الناس جميعاً في هذا الجانب وكان هو وحده في جانب الخطأ .ولكن أف ! ماذا صنع هذا القائل ؟ وأين التهمة التي لا تبدل اسمها في اللغة ؟ وأين الذنب الذي يرضى أن توضع اليد عليه ؟ وهل إنكار المذنب إلا احتجاج من كرامته الزائفة وإظهار الغضب في بعض ألفاظ ؟ . .إن هذا كغيره من الضعفاء حين يمارون ؛ ألا ما أكذب الكذب هنا ! فإن الفساد ليقع من اختلاط الجنسين في الجامعة الأوروبية ثم لا يعد ذلك عندهم إساءة إلى الأخلاق ، ولا غضّاً من الكرامة الجامعية ؛ وفي فرنسا يجتمع الشبان والفتيان من طلبة الجامعة ويحتسون الخمر ويتراقصون ويتواعدون ثم لا تقول لهم الأخلاق : أين أنتم ؟ . . وهناك في الأندية الخاصة بالطلبة ينتخبون ملكة الجمال من بين الطالبات كل سنة ، ثم ينزعون بأيديهم ثيابها التي تسمى ثياباً ، ويطوفون بها غرف النادي كعروس واحدة مجلوة على مائة زوج في المعنى ، 'وبلنسوار' أيتها الكرامة الجامعية . .والاختلاط هناك يقرب أن يكون ضرباً من المذاهب الاشتراكية ، وكل ما بقي عندهم من لغة الحياء هو أن يتلطفوا فيقولوا : إن هذه الطالبة صديقة فلان الطالب ؛ يعبرون بلفظ الصداقة عن أول المعنى ويدعون سائر أحواله ؛ إذ لا يبالي أمرهما أحد لا من الطلبة ولا من الأستاذين . . وهناك يعتذر للشباب في مثل هذا بأنه شاب ، فتقوم كلمة الشباب في العرف بمعنى كلمة الضرورة في الشرع !وهم قد عرفوا أن الجامعة لحرية الفكر ، ومن حرية الفكر حرية النزعة ، ومن هذه حرية الميل الشخصي ، ومن حرية الميل حرية الحب ؛ وهل يعرف الحب في الجامعة أنه في الجامعة فيستحي ويكون شيئاً آخر غير ما هو في كل مكان ؟ أو ليس في لغة الزواج عنهم عبارة 'نسيان ماضي الفتاة' . .ولكن اسمعي اسمعي . .فأصاخت الشيطانة ؛ فإذا طالب من الأزهر يقرأ لطالب من كلية الحقوق في صحيفة من دفاع أحد خريجي الجامعة !'وما بال إخواننا الأزهريين يسخطون على الجامعة واختلاط الجنسين فيها ، وفي مصر نواحٍ أخرى هي أحق بحربهم وأولى باهتمامهم ؟ لعلهم قد نسوا حالنا في الصيف على شواطئ البحر ، والناس يمكثون هناك شهوراً عرايا أو كالعرايا' .فقالت الشيطانة : ما له ولهذا ؟ لقد أخزى نفسه وأخزى الجامعة ، وهل صنع شيئاً إلا أنه يقول للأزهريين : إن أهون الفساد من هذا الاختلاط في الجامعة ، وأكثره في شواطئ البحر ؛ فما بالكم تدعون أشده وتأخذون على أهونه ؟قال الشيطان : ويحه ! وهل يأخذون على أهونه في الجامعة ؛ إلا لأنه في الجامعة لا في مكان آخر ؟ ولكن اسمعي ، ما هذا . . . ؟فأرعيا الصوت سمعهما ، فإذا طالب يقرأ في مجلة : 'ظهرت الآنسة فلانة وهي تلبس فستاناً أحمر شفتشي بمبي كريبي مشجر ببني وفيونكة أحمر على أبيض' . .قالت الشيطانة : هذا هذا ، فهل هي إلا ألوان أفكار تحت ألوان ثياب ؟ وهل يظهر سلطان الطبيعة في المرأة بحثاً عن رعيته إلا في ألوان جميلة هي ، أسئلة للعيون ؟ لقد مثل سرب من الطالبات في هذه الجامعة فصلاً في بعض الحفلات سموه 'عرض الأزياء' والفتاة تعرض الثوب ، والثوب يعرض الجسم ، والجسم والثوب معاً يعرضان الفتاة ! وعرض الأزياء في الجامعة هو أمر من الجامعة بإهمال هذه الآية : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } .قال الشيطان خبريني عن صاحبتك التي أنت موكلة بها ، أتريها كانت تأتي إلى هذه الجامعة لو ألبسوهن مثل ثوب الراهبة وخمروهن بالخمار وأضاعوا مساحة الجسم في مساحة الثوب وأجلسوهن في آخر الصفوف كأنهم في المسجد ؟ لقد فعلوا مثل هذا في بعض جامعات أوربا ، فحرموا صبغ الشفاه على الفتيات ، ومنعوهن إبداء الزينة ؛ فامتنعت الزينة والمتزينة معاً ، وهجرن الجامعة ، وقلن فيما قلن : إن المرآة والأحمر والأبيض ونحوها هي الحقائق في علم المرأة ، وهي من أساليب بحث كل فتاة عن رجلها المخبوء بين الرجال في الجامعة أو غير الجامعة ، والعلم وسيلة عيش ، والرجل وسيلة مثلها ، غير أنه هو أجدى الوسيلتين على المرأة وأحقهما بالعناية ؛ إذ هي لا تتزوج الكيمياء ولا الطبيعة ولا القانون ، ومعنى هذا بغير اللغة التي هنا في الجامعة المصرية أن وجود الفتاة مع الشبان للتعليم ، هو كذلك وجودها بينهم للاستمالة والمكر النسوي الجذاب .اسمعي اسمعي ؛ ما هذا الصوت المنكر الجافي الخشن ؟فتسمعت ، فإذا الطالب الأزهري يقول لصاحبه وهو يحاوره : قالوا : ويحرم على المرأة أن ترى شيئاً من الرجل ولو بلا ميل ولا خوف الفتنة ، وإذا هي اضطرت إلى مداواة أو أداء شهادة أو تعليم أو بيع أو نحو ذلك - جاز نظرها بقدر الضرورة .فقالت الشيطانة : هذا كلام رحمه الله . . لقد كان ذلك سائغاً لو أن الشبان يتعلمون في الجامعة ليحملوا معهم الحق كما يحملون معهم العلم ؛ وكيف لهم بهذا ومعاني الدين قد أصبحت منهم كأسماء البلاد البعيدة في كتاب الجغرافيا : لا هم رأوها ولا هم حققوها ؟ إنهم يريدون تعليم الدين هنا . فيقول لهم رؤساؤهم : ألم تعرفوا الصلاة وأنها الصلاة ،

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1