Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الإحاطة في أخبار غرناطة
الإحاطة في أخبار غرناطة
الإحاطة في أخبار غرناطة
Ebook677 pages5 hours

الإحاطة في أخبار غرناطة

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

لإحاطة في أخبار غرناطة هو كتاب للأديب الأندلسي لسان الدين بن الخطيب، يعد من أمهات كتب التاريخ الأندلسي التي عوّل عليها الباحثون. ينصب موضوع الكتاب حول الحديث عن تاريخ غرناطة آخر معقل إسلامي سقط في الأندلس وهو عبارة عن موسوعة تؤرخ لكل ما يتعلق بهذه المدينة من أخبار وأوصاف ومعالم تاريخية لعل في مقدمتها قصر الحمراء وقد عني الكاتب بتغطية جميع الجوانب الجغرافية من مواقع وتضاريس، والجوانب الفكرية والاجتماعية (تاريخ من نزل بها منذ عهد العرب الأوائل، من مر بها من الكتاب والشعراء والأدباء والوزراء والمتغلبين، ترجمة لأكثر من 500 شخصية مهمة في تاريخ المدينة، ..) غير أن الملاحظ على ابن الخطيب في كتابه عدم التقيد بالترتيب التاريخي للعصور والحوادث والأشخاص، وإنما هو يلتزم بالترتيب الأبجدي للتراجم
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateFeb 14, 1902
ISBN9786419020112
الإحاطة في أخبار غرناطة

Read more from لسان الدين ابن الخطيب

Related to الإحاطة في أخبار غرناطة

Related ebooks

Reviews for الإحاطة في أخبار غرناطة

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب

    الغلاف

    الإحاطة في أخبار غرناطة

    الجزء 4

    لسان الدين ابن الخطيب

    776

    لإحاطة في أخبار غرناطة هو كتاب للأديب الأندلسي لسان الدين بن الخطيب، يعد من أمهات كتب التاريخ الأندلسي التي عوّل عليها الباحثون. ينصب موضوع الكتاب حول الحديث عن تاريخ غرناطة آخر معقل إسلامي سقط في الأندلس وهو عبارة عن موسوعة تؤرخ لكل ما يتعلق بهذه المدينة من أخبار وأوصاف ومعالم تاريخية لعل في مقدمتها قصر الحمراء وقد عني الكاتب بتغطية جميع الجوانب الجغرافية من مواقع وتضاريس، والجوانب الفكرية والاجتماعية (تاريخ من نزل بها منذ عهد العرب الأوائل، من مر بها من الكتاب والشعراء والأدباء والوزراء والمتغلبين، ترجمة لأكثر من 500 شخصية مهمة في تاريخ المدينة، ..) غير أن الملاحظ على ابن الخطيب في كتابه عدم التقيد بالترتيب التاريخي للعصور والحوادث والأشخاص، وإنما هو يلتزم بالترتيب الأبجدي للتراجم

    عبد الرزاق بن يوسف

    بن عبد الرزاق الأشعري

    من أهل قرية الأنجرون من إقليم غرناطة، أبو محمد.

    حاله

    فقيه أديب كاتب سري، موصوف بكرم نفس، وحسن خلق لقي أشياخا وأخذ عنهم

    شعره

    يا منعماً ما زال من أمه ........ يرفل في السابغ من أميته

    ويا حساماً جردته العلا ........ فربع صرف الدهر من سكوته

    عبدك قد ساءت هنا حاله ........ شوقا لمن خلف من إخوته

    شوقها يبث الجمر في قلبه ........ ويخلع للعهد على مقلته

    فسكن المؤلم من شوقه ........ وانسى المقلق من وحشته

    وامنن عليه ببلوغ المنا ........ في علمكم من مقتضى بغيته

    وها كها نفشة ذي خجلة ........ تفهم ما يلقيه من نفثته

    إذا شدا مداحكم ساجعاً ........ يحسده الطيار في نغمته

    وفاته: سنة إحدى وسبعين وخمسماية عن سن عالية.

    عبد الملك بن سعيد ين خلف العنسي

    من أهل قلعة يحصب من عمل إلبيرة .

    حاله ونسبه

    هو عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد ابن الحسن بن عثمن بن محمد بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عينا من أعيان الأندلس، مشاراً إليه في البيت والرأي، والجزالة والفضل، علقت به الآمال، ورفعت إليه الممادح، وحطت لديه الرحال، وكان من أولى الجلالة والنباهة، والطلب والكتابة الحسنة، والخط البارع. واشتمل على حظوة الأمير يحيى بن غانية اللمتوني، وكتب عنه. بلده قلعة بني سعيد، فثقفها، وجعل بها أكبر بنيه عبد الرحمن ضابطا لها وحارسا، فحصنها أبو مروان ومهدها بالعمارة، فكانت في الفتنة مثابة وأمنا. وحرزا له ولبنيه، فانجلت الناس إليها من كل مكان. ولما قبض ابن غانية على القمط مرين وأصحابه النصارى عندما وصلوا لاستنجاز الوعد في الخروج عن جيان، وتحصلوا بيده بإشارة عبد الملك ابن سعدي، حسبما ثبت في اسم الأمير يحيى، ثقفهم بالقلعة بيد ثقته المذكور وأمينه أبي مروان، فتحصلوا في معقل حريز، عند أمير وافر العقل، سديد الرأي. ومات ابن غانية بغرناطة لأيام قلائل، واختلف قومه، فنظر أبو مروان لنفسه، وعاهد القمط مرين ومن معه من الزعماء على عهود، أخذها عليهم وعلى سلطانهم، أن يكون تحت أمن وحفظ طول مدته، فأجريت القلعة في الأمن والحماية، وكف أيدي التعدي مجرى ما لملك النصرى من البلاد، فشمل أهلها الأمن، واتسعت فيها العمارة، وتنكبتها النكبات، تحاشتها الغارات. ولم يزل أبو مروان بها إلى أن دخل في أمر الموحدين. ووصل هو وابنه إلى السيد أبي سعيد بغرناطة، وحضر معه غزوة ألمرية، ثم دخل بجملته، فكمل له الأمن، وأقر على القلعة، وأمر بسكني غرناجة بولده. ثم وصل ثانية إلى مراكش صحبة السيد أبي سعيد، ولقي من إلبير ولطف المكانة عادته، واستكتب ابنه أحمد بن أبي مروان الخليفة في هذه الوجهة، وانتظم في جملة الكتاب والأصحاب.

    محنته

    وعاد أبو مروان وبنوه إلى غرناطة صحبة واليها السيد أبي سعيد، فبقى في جملة العسكر عند دخول ابن مردنيش وصهره غرناطة، وقد اضطربت الفتنة، وفسد ما بين السيد وبين أبي جعفر بن أبي مروان منهم، بما تقدم في اسمه من حديث حفصة. ولما ظهرت دلايل التغير، وخافوا على أنفسهم، أداروا الرأي في الانحياز إلى خدمة ابن مردنيش، ونهاهم والدهم أبو مروان، وأشار عليهم بمصابرة الأمر، فلحق عبد الرحمن بالقلعة، وفر أحمد لما انكشف الأمر، وعثر عليه بجهة مالقة، فقتل، وانجرت بسبب ذلك النكبة على عبد الملك وابنه محمد، فبقيا بغرناطة، ومن يشار إليه من أهل بيتهما، واستصفيت أموالهما، واستخلصت ضياعهما، إلى أن ورد كتاب الخليفة أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن بن علي بإطلاقهم ورد أموالهم، بما اقتضته السياسة من استمالة من نزع منهم عن الطاعة، وأمر عبد الملك باستيلاف نافرهم. ولما هلك ابن مردنيش، ورد من اتصل به صحبة المستأمنين من أولاد الأمير الهالك، فقدموا على رحب وسعة، وثاب جاه أبي مروان، واتصل عزه، واتسعت حظوته، إلى أن هلك بعد أن ولي بمراكش النظر في العدة والأسلحة، والقيام على دار الصنعة .وفاته: بغرناطة سنة ستين وخمسماية.

    عبد العزيز بن علي

    بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن يستمن أهل غرناطة، يكنى أبا سلطان .

    حاله

    فاضل، حيي، حسن الصورة، بادي الحشمة، فاضل البيت، سريه. كتب في ديوان الأعمال، وترقى إلى الكتب مع الجملة بالدار السلطانية، وسفر في بعض الأغراض الغربية، ولازم الشيخ أبا بكر بن عتيق بن مقدم، من شيوخ الصوفية بالحضرة، فظهرت عليه آثار ذلك في نظمه ومقاصده الأدبية.

    شعره

    وشعره لا بأس به، ومن أمثله قوله ما أنشد له في ليلة الميلاد الأعظم:

    القلب يعشق والمدامع تنطق ........ برح الخفاء فكل عضو منطق

    قلت، قد ذكرها ابن الخطيب في جملة ما أنشد في الميلاد الأعظم في السفر الخامس، فلا فائدة في تكرارها هنا .ومما خاطبني به:

    أطلت عبت زمان فل من أمل ........ وسمته الذم في حل ومرتحل

    عاتبته ليلين للعتب جانبه ........ فما تراجع عن مطل ولا بخل

    فعدت أمنحه العتبى ليشفق بي ........ فقال لي إن سمعي عنك في شغل

    فالعتب عندي والعتبى فلست أرى ........ أصغى لمدحك إذ لم أصغ للعذل

    فقلت للنفس كفى عن معاتبة لا ........ تنقضي وجواب صيغ من وجل

    من يعتلق بالدنا بابن الخطيب فقد ........ سما عن الذل واستوى على الجدل

    فقلت من لي بتقريبي لخدمته ........ فقد أجاب قريبا من جوابك ل

    قد اشتغلت عن الدنيا بآخرتي ........ وكان ما كان في أيامي الأول

    وقد رعيت وما أهملت من منح ........ فكيف يختلط المرعى بالهمل

    ولست أرجع للدنيا وزخرفها ........ بعد شيب غدا في الرأس مشتعل

    ألست تبصر أطماري وبعدي عن ........ نيل الحظوظ وإعداد إلى أجل

    فقال ذلك قول صح مجمله ........ لكن من شأنه التفصيل للجمل

    ما أنت طالب أمر تستعين به ........ على المظالم في حال ومقتبل

    ولا تحل حراماً أو تحرم ما ........ أحل ربك في قول ولا عمل

    ولا تبغ آجل الدنيا بعاجلها ........ كما الولاة تبيع السيم بالوشل

    وأين عنك الرشا إن كنت تطلبها ........ هذا لعمري أمر غير منفعل

    هل أنت تطلب إلا أن تعود إلى ........ كتب المقام الرفيع القدر في الدول

    فما لأوحد أهل الكون قاطبة ........ وأسمح الخلق من حاف ومنتعل

    لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ........ ولم يشد الذي قد بان من خلل

    إن لم تقع نظرة منه عليك فما ........ يصبو لديك للذي أملت من أمل

    فدونك السيد الأعلى فمطلبكم ........ قد نيط منه بفضل غير منفضل

    فقد خبرت بني الدنيا بأجمعهم ........ من عالم وحكيم عارف دول

    فما رأيت له في الناس من شبه ........ قل النظير له عندي فلا تسل

    فقد قصدتك يا أسمى الورى نسباً ........ وليس لي عن علياك من حول

    فما سواك لما أملت من أمل ........ وليس لي عنك من زيغ ولا ميل

    فانظر لحالي فقد رق الحسود لها ........ واحسم زمانة ما قد ساء من علل

    قدمك لنا ولدين الله ترفعه ........ ما أعقبت بكر الإصباح بالأصل

    لا زلت معتليا عن كل حادثة ........ كما علت ملة الإسلام في الملل

    عبد البر بن فرسان

    بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الغساني

    وادي آشي الأصل. يكنى أبا محمد.

    حاله

    كان من جلة الأدباء، وفحول الشعراء، وبرعة الكتاب، كتب عن الأمير أبي زكريا يحيى بن إسحق بن محمد بن علي المسوفي الميورقي. الثائر على المنصور بني عبد المؤمن، ثم على من بعده من ذريته إلى أيام الرشيد منهم، وانقطع إليه وصحبه في حركاته. وكان آية في بعد الهمة، والذهاب بنفسه، والعنا، ومواقف الحرب، فإنه دهم في المثل. أشبه امرءاً يعض بزه، فقد كان أليق الناس بصحبة الميورقي، وأنسبهم إلى خدمته .مشيخته: روى عن أبي زيد بن السهيلي.

    بعض أخباره

    في البأو والصرامة. حدثنا أبو الحسن بن الجياب عمن حدثه من أشياخه، قال، وجهه الميورقي في عشية يوم من أيام حروبه إلى المأزق. وقد طال العراك، وكاد يكل الناس عن الحرب. إلى أن يباكروها من الغد، فنفذ لما أمر به. ولما بلغ الصدر، اشتد على الناس، وذعر أرباب الحفيظة، وأنهى إليهم العزم من أميرهم في الحملة. فانهزم عدوهم شر هزيمة، ولم يعد أبو محمد إلا في آخر الليل بالأسلاب والغنيمة. وقال له ما حملك على ما صنعت. فقال له، الذي عملت هو شأني. وإذا أردت من يصرف الناس عن الحرب ويذهب ريحهم. فانظر غيري .وحدثني كذلك أن ولدا له صغيرا، تشاجر مع ترب له من أولاد أميره أبي زكريا، فنال منه ولد الأمير. وقال وما قدر أبيك. ولما بلغ ذلك أباه. خرج مغضبا لحينه، ولقي ولد الأمير المخاطب لولده، فقال حفظك الله، لست أشك في أني خديم أبيك. ولكني أحب أن أعرفك بمقداري ومقداره، إعلم أن أباك وجهني رسولا إلى الخليفة ببغداد بكتاب عن نفسه. فلما بلغت بغداد نزلت في دار اكتريت لي بسبعة دراهم في الشهر، وأجرى على سبعة دراهم في اليوم. وطولع بكتابي، وقيل من الميورقي الذي وجهه. فقال بعض الحاضرين، هو رجل مغربي ثائر على أستاذه. وأقمت شهرا، ثم استدعيت إلى الانصراف، ولما دخلت دار الخلافة، وتكلمت مع من بها من الفضلاء، أرباب المعارف والآداب، اعتذروا لي. وقالوا اللخليفة، هذا رجل جهل مقداره، فأعدت إلى محل، اكتريت بسبعين درهما، وأجري على مثلها في اليوم، ثم استدعيت، فودعت الخليفة، واقتضيت ما تيسر من جوابه. وصدر لي شيء له خطر من صلته. وانصرفت إلى أبيك. والمعاملة الأولى كانت على قدر أبيك عند من يعرف الأقدار، والثانية كانت على قدري والمنة لله. وأخبار ابن فرسان كثيرة.

    شعره

    وقد نعم الأمير بعمامة بيضاء، ولبس غفارة حمراء على جبة خضراء، فقال:

    فديتك بالنفس التي قد ملكتها ........ بما أنت موليها من الكرم الغض

    توددت للحسن الحقيقي بهجة ........ فصار بها الكلى في ذاك البعض

    ولما تلألأ نور غرتك التي ........ تقسم في طول البلاد وفي العرض

    تلقفتها خضراء أحسن ناظر ........ نبت عنك إجلالا وذاك من الفرض

    وأسدلت حمر الملابس فوقها ........ بمفرق تاج المجد والشرف المحض

    وأصبحت بدرا طالعا في غمامة ........ على شفق دان إلى خضرة الأرض

    ومن شعره، ولا خفاء ببراعته:

    ندى مخضلا ذاك الجناح المنمنما ........ وسقياً وإن لم تشك يأسا جعاضما

    أعدهن ألحانا على سمع معرب ........ يطارح مرتاحا على القضب معجما

    وطر غير مقصوص الجناح مرفها ........ مسوغ أشتات الحبوب منعما

    وقال أيضاُ رحمه الله:

    كفى حزنا أن الرماح صقيلة ........ وأن الشبا رهن الصدا بدمايه

    وأن بياذيق الجوانب فرزنت ........ ولم يعد رخ الدست بيت بنايه

    عبد العظيم بن عمر

    بن عبد الله بن حسان الغساني

    جلياني من أهل وادي آش، وترد إلى غرناطة، يكنى أبا محمد، وأبا الفضل.

    حاله

    تجول ببلاد المشرق سائحا، وحج ونزل القاهرة، وكان أديبا، بارعا حكيما، ناظما ناثرا.

    تواليفه

    وله مصنفات منها جامع أنماط السايل في العروض والخطب والرسايل، أكثر كلامه فيه نظما ونثرا .مشيخته ومن روى عنه. روى عنه أبو الحسن علي بن عبد الله ابن عبد الرحيم الخطيب بضريح الخليل، وأبو عبد الله بن يحيى المرسي.

    شعره

    قال من شعره:

    ألا إنما الدنيا بحار تلاطمت ........ فما أكثر الغرقى على الجنبات

    وأكثر من لاقيت يغرق إلفه ........ وقل فتى ينجو من الغمرات

    وفاته: سنة ثلاث وستماية.

    ومن الغرباء

    عبد المهيمن بن محمد الحضرمي

    بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمييكنى أبا محمد، شيخنا الرئيس صاحب القلم الأعلى بالمغرب .

    حاله

    من عائد الصلة: كان رحمه الله خاتمة الصدورن ذاتاً وسلفاً وتربية وجلالة. له القدح المعلى في علم العربية، والمشاركة الحسنة في الأصلين، والإمامة في الحديث، والتبريز في الأدب والتاريخ واللغة، والعروض والمماسة في غير ذلك. نشأ فارس الحلبة، وعروس الوليمة، وصدر المجلس، ووفور الجاه والإغراق في النعمة، كثير الاجتهاد والملازمة، والتفنن والمطالعة، مقصور الأوقات على الإفادة والاستفادة، إلى أن دعته الدولة المرينية بالمغرب، إلى كتابة الإنشاء، فاشتملت عليه اشتمالاً، لم يفضل عنه من أوقاته، ما يلتمس فيه ما لديه، واستمرت حاله، موصوفاً بالنزاهة والصدق، رفيع الرتبة، مشيد الحظوة، مشاركاً للضيف فاضلاً، مختصر الطعمة والحلية، يغلب عليه ضجر يكاد يخل به، متصل الاجتهاد والتقييد، لا يفتر له قلم، إلى أن مضى بسبيله .وجرى ذكره في الإكليل الزاهر من تأليفنا بما نصه: تاج المفرق وفخر المغرب على المشرق، أطلع منه نور أضاءت له الآفاق، وأثرى منه بذخيرة حملت أحاديثها الرفاق. ما شيت من مجد سامي المصاعد والمراقب، عزيز عن لحاق المجد الثاقب، وسلف زينت سماؤث بنجوم المناقب. نشأ بسبتة بين علم يفيده، وفخر يشيده، وطهارة يلتحف مطارفها، ورياسة يتفيأ وارفها، وأبوه رحمه الله قطب مدارها، ومقام حجها واعتمارها، فسلك الوعوث من المعارف والسهول، وبذل على حداثة سنه الكهول، فلما تحلى من الفوايد العلمية بما تحلى، واشتهر اشتهار الصباح إذا تجلى، تنافست فيه همم الملوك الأخاير، واستأثرت به الدول على عادتها في الاستئثار بالذخاير، فاستقلت بالسياسة ذراعه، وأخدم الذوابل والسيوف يراعه، وكان عين الملك التي بها يبصر، ولسانه الذي به يسهب أو يختصر. وقد تقدمت له إلى هذه البلاد الوفادة، وجلت به عليها الإفادة، وكتب عن بعض ملوكهان وانتظم في عقودها الرفيعة وسلوكها، وله في الأدب الراية الخافقة، والعقود المتناسقة.

    مشيخته

    قرأ ببلدة سبتة على الأستاذ الإمام أبي إسحق الغافقي المديوني، وعلى الأستاذ المقري أبي القاسم محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن الطيب، والأستاذ النحوي أبي بكر بن عبيدة الإشبيلي، وعلى الأستاذ العارف أبي عبد الله محمد بن عمر بن الدارج التلمساني، وعلى ابن خال أبيه الأمير الصالح أبي حاتم العزفي، والعدل الرضا أبي فارس عبد الرحمن ابن إبراهيم الجزيري .وقرأ بغرناطة على الشيخ العلامة أبي جعفر بن الزبير، وروى عن الوزير الراوية أبي محمد عبد الله المرادي ابن المؤذن وعلى الأستاذ أبي بكر القللوسي. وأخذ عن الشيخ الوزير أبي الوليد الحضرمي القرطي. وممالقة عن الإمام الولي أبي عبد الله الطناجلي. وببلش عن الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات، وعن الخطيب أبي عبد الله بن شعيب المروي، والعلامة أبي الحسين بن أبي الربيع، وأبي الحكم بن منظور، وابن الشاطج وابن رشيد، وابن خميس، وابن برطال، وابن ربيع، وابن البنا، وسميه ابن البنا المالقي، وابن خميس النحوي، وأبي أمية بن سعد السعود بن عفير الأمدي. هؤلاء كلهم لقيهم وسمع منهم، وأجازوا له ما عندهم. وممن أجاز له مشافهة أو مكاتبة من أهل المغرب، الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عمر الأنصاري التلمساني ابن الدارج، والكاتب ابو علي الحسين بن عنيق، وتناول تواليفه، والأديب الشهير أبو الحكم مالك بن المرحل، والشريف أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي الشرف الحسيني، وأبو بكر بن خليل السكوني، وأبو العباس المطري، والجزاري، وشرف الدين بن معطي، وابن الغماز، وابن عبد الرفيع القاضي، وأبو الشمل جماعة بن مهيب، وأبو عبد الله محمد بن أحمد التجاني وأبناء عمه عمر وعلي، وابن عجلان، ومحمد بن إبراهيم القيسي السلولي ومحمد بن حماد اللبيدي، وابن سيد الناس، وابنه أبو الفتح، وابن عبد النور، والمومناني، والخطيب ابن صالح الكتاني، وابن عياش المالقي، والمشدالي، وابن هرون، والخلاسي، والدباغ، وابن سماك، وابن أبي السداد، وابن رزين، وابن مستقور، وأبو الحسن بن فضيلة، وأبو بكر بن محزز. وكتب له من أهل المشرق جماعة منهم: الأبرقيشي وابن أبي الفتح الشيباني، وابن حمادة، وابن الطاهري، وابن الصابوني، وابن تيمية، وابن عبد المنعم المفسر، وابن شيبان، وابن عساكر، والرضى الطبري، وابن المخزومي، وابن النحاس. قلت من أراد استيفاءهم ينظر الأصل. فقد طال على استيفاء ما ذكره الشيخ رحمه الله وقد ذكر جماعة من النساء، ثم قال بعد تمام ذلك، ولو قصدنا الاستقصاء لضاق عن مجاله المتبع.

    شعره

    وشعره متخل عن محله من العلم والشهرة، وإن كان داخلاً تحت طور الإجادة .فمن ذلك قوله:

    تراءى سحيراً والنسيم عليل ........ وللنجم طرف بالصباح كليل

    وللفجر بحر خاضه الليل فاعتلت ........ شوى أدهم الظلماء منه خجول

    بريق بأعلى الرقمتين كأنه ........ طلائع شهب في السواد تجول

    فمزق ساجي الليل منه شرارة ........ خرق ستر الغيم منه نصول

    تبسم ثغر الروض عند ابتسامه ........ وفاضت عيون للغمام همول

    ومالت غصون البان نشوى كأنها ........ يدار عليها من صباه شمول

    وغنت على تلك الغصون حمايم ........ لهن حفيف فوقها وهديل

    إذا سجعت في لحنها ثم قرقرت ........ يطيح خفيف دونها وثقيل

    سقى الله ربعاً لا تزال تشوقني ........ إليه رسوم دونه وطلول

    وجاد رياه كلما ذر شارق ........ من الودق هتان أجش هطول

    ومالي استسقي الغمام ومدمعي ........ سفوح على تلك العراص همول

    وعاذلة ظلت تلوم على السرى ........ وتكثر من تعذالها وتطيل

    تقول إلى كم ذا فراق وغربة ........ ونأي على ما خيلت ورحيل

    ذريني أسعى لنتى تكسب العلا ........ سناء وتبقى الذكر وهو جميل

    فإما تريني من ممارسة الهوى ........ نحيلاً فحد المشرفي نحيل

    وفوق أنابيب اليراعة صفرة ........ تزين وفي قد القناة ذبول

    ولولا السرى لم يجتل البدر كاملاً ........ ولا بات منه للسعود نزيل

    ولولا اغتراب المرء في طلب العلا ........ لما كان نحو المجد منه وصول

    ولولا نوال ابن الحكيم محمد ........ لأصبح ربع المجد وهو محيل

    وزير سما فوق السماك جلالة ........ وليس له إلا النجوم قبيل

    من القوم أما في الندى فإنهم ........ هضاب وأما في الندى فسيول

    حووا شرف العلياء إرثاً ومكسباً ........ وطابت فروع منهم وأثول

    وماجونة هطالة ذات عيجب ........ مرتها شمال مرجف وقبول

    لها زجل من رعدها ولوامع ........ من البرق عنها للعيون كلول

    كما هدرت وسط القلاص وأرسلت ........ شقاشقها عند الهياج فحول

    بأجود من كف الوزير محمد ........ إذا ما توالت لسنين محول

    ولولا روضة بالحسن طيبة الشذا ........ ينم عليها إذخر وجليل

    وقد أذكيت للزهر فيها مجامر ........ تعطر منها للنسيم ذيول

    وفي مقل النوار للظل عبرة ........ ترددها أجفانها وتحيل

    بأطيب من أخلاقه الغر كلما ........ تفاقم خطب للزمان يهول

    حويت أبا عبد الآه مناقباً ........ تفوت يداً من رامها وتطول

    فغرناطة مصر وأنت خصيبها ........ ونائل يمناك الكريمة نيل

    فذاك رجال حاولوا درك العلا ........ ببخل وهل نال العلاء بخيل

    تخيرك المولى وزيراً وناصحاً ........ فكان له ما أراد حصول

    وألقى مقاليد الأمور مفوضاً ........ إليك فلم يعدم يمينك سول

    وقام بحفظ الملك منك مؤيد ........ نهوض بما أعيا سواك كفيل

    وساس الرعايا منك أروع باسل ........ مبيد العدا للمعتفين منيل

    وأبلج وقاد الجبين كأنما ........ على وجنتيه للنضار مسيل

    تهيم به العلياء حتى كأنها ........ بثينته في الحب وهو جميل

    له عزمات لو أعير مضاءها ........ حسام لما نالت ظباه فلول

    سرى ذكره في الخافقين فأصبحت ........ إليه قلوب العالمين تميل

    وأعدى قريضي جوده وثناؤه ........ فأصبح في أقصى البلاد يجول

    إليك أيا فخر الوزارة أرقلت ........ برحلي هوجاء النجاء ذلول

    فليت إلى لقياك ناصية الفلا ........ بأيدي ركاب سيرهن ذميل

    تسددني سهماً لكل ثنية ضوامر ........ أشباه القسى نحول

    وقد لفظتني الأرض حتى رمت إلى ........ ذراك برجلي هوجل وهجول

    فقيدت أفراسي به وركائبي ........ ولذ مقام لي به وحلول

    وقد كنت ذا نفس عزوف وهمة ........ عليها لأحداث الزمان ذحول

    ويهوى العلا حظي ويغري بضد ........ لذاك اعترته رقة ونحول

    وتأبى لي الأيام إلا إدالة ........ فصونك لي إن الزمان مديل

    فكل خضوع في حمامك عزة ........ وكل اعتزاز قد عداك خمول

    وهي طويلة، ومن شعره في الحنين إلى وطنه سبتة.

    سقى ثرى سبتة بين البلاد ........ وعهدها المحبوب صوب العهاد

    وجاد منهل الحيا ربعها ........ بوبله تلك الربى والوهاد

    وكم لنا في طورسينائها ........ من رائح للأنس في إثر غاد

    وعينها البيضاء كم ليلة ........ بيضاء فيها قد خلت لو تعاد

    وبالمنارة التي نورها ........ لكل من ضل دليل وهاد

    نروح منها مثلما نغتدي ........ للأنس والأفراح ذات ازدياد

    في فتية مثل نجوم الدجى ........ ما منهم إلا كريم جواد

    ارتشفوا كأس الصفا بينهم ........ وارتضعوا أخلاف محض الوداد

    ويا لأيام بنيولش لقد ........ عدت عنها صروف العواد

    أدركت من لبنى بها كلما ........ لبانة وساعدتني سعاد

    ونلت من لذات دهري الذي ........ قد شيته وللأماني انقياد

    منازل ما إن على مبدل ........ هاء مكان اللام فيها انتقاد

    سلوتها مذ ضمني بعدها ........ نادي الوزير ابن الحكيم الجواد

    ومن المقطوعات قوله:

    أبت همتي أن يراني امرؤ ........ على الدهر يوماً له ذا خضوع

    وما ذاك إلا لأني اتقيت ........ بعز القناعة ذل القنوع

    ومن ذلك في المشط والنشفة من آلات الحمام:

    إني حسدت المشط والنشفة الذي ........ لهما مزايا القرب دوني مخلصه

    فأنامل من ذا تباشر صدغه ........ ومراشف من ذا تقبل أخمصه

    نثره

    وقع هنا بياض مقدار وجهة في أصل الشيخ.

    مولده

    ولد ببلدة سبتة في عام ستة وسبعين وستماية .وتوفي بتونس في الثاني عشر لشوال من عام تسعة وأربعين وسبعماية في وقيعة الطاعون العام، بعد أن أصابته نبوة في مخدومه السلطان أبي الحسن. ثم استعتبه وتلطف له. وكانت جنازته مشهورة، ودفن بالزلاج من جبانات خارج تونس رحمه الله.

    عبد المهيمن بن محمد الأشجعي

    البلذوذي

    نزيل مراكش

    حاله

    من كتاب المؤتمن، قال، كان شاعراً مكثراً، سهل الشعر، سريعه، كثيراً ما يستجدي به، وكان يتقلد مذهب أبي محمد علي بن حزم الفقيه الظاهري، ويصول بلسانه على من نافره. دخل الأندلس، وجال في بلادها. بعد دخوله مراكش. وكان أصله من بلذوذ. ورد مالقة أيام قضاء أبي جعفر بن مسعدة، وأ'ال بها لسانه، فحمل عليه هنالك حملاً أذاه، إلى أن كان مآل أمره ما أخبرني به شيوخ مالقة، وانسيته الآن، فتوصل إلى مآل أمره من جهة من بقي بها الآن من الشيوخ، نقلت اسمه ونسبه من خطه.

    شعره

    أما على ذي شرك ........ في صيدنا من درك

    تصيدنا لواحظ ........ وما لها من حرك

    والبدر إن غاب فمن ........ يجلو ظلام الحلك

    قد تاب القلب فما ........ يدري إن لم تدرك

    عدا السقام أو عدا ........ وعد الذي لم يأفك

    أو لن يكن حل دمي ........ فلتبطي أو أترك

    حاربت من لا قدرة ........ لديه في المعترك

    يفل غرب سيفه ........ سيف لحاظ فتك

    يا لفتى يا قبلتي ........ يا حجتي يا نسك

    إن عظم الحزن فما ........ أرجل حسن فلك

    أو أهديت الحي ........ فلإبن عبد الملك

    خطيب ومران للذي ........ سلك على سلك

    ركن التقا محمد ........ ذو النبل والطبع الزك

    منفرد في جوده ........ بماله المشترك

    يا نوق هذا بابه ........ فهو أجل مبرك

    وأنت يا حادية ........ قربت ما أسعدك

    فبركي وكبري ........ وابركي وبرك

    فقد أتينا بشراً ........ له صفات الملك

    كفك يهمى ملكت ........ كأنها لم تملك

    قصيدتي لو لم تنل ........ منك حلى لم تسبك

    أبكيت ديمة الندا ........ فزهرها ذو ضحك

    لكنني يا سيدي ........ من فاقتي في شرك

    وشعره على هذه الوتيرة. حدثني أبي، قال رايته رجلاً طوالاً، شديد الأدمة، حليق الرأس، دمينه، عاريه، كثير الاستجداء، والتهاتر مع المحابين من أدباء وقته، يناضل عن مذهب الظاهرية بجهده.

    وفاته

    من خط الشيخ أبي بكر بن شبرين، وفي عام سبعة وتسعني وستماية توفي بفاس الأديب عبد المهيمن المكناسي، المكتني بأبي الجيوش البلذوذي، وكان ذا هذر وخرق، طوافاً على البلاد، ينظم شعراً ضعيفاً، يستمنح به الناس، وآلت حاله إلى أن سعى به لأبي فارس عزوز الملزوزي الشاعر، شاعر السلطان أبي يعقوب وخديمه، وذكر له أنه هجاه، فألقى إلى السلطان ما أوجب سجنه، ثم ضربت عنقه صبراً، نفعه الله.

    عبد العزيز بن عبد الواحد

    بن الملزوزي

    من أهل العدوة الغربية، يكنى أبا فارس، ويعرف بعزوز.

    حاله

    كان شاعراً مكثراً سيال القريحة، منحط الطبقة، متجنداً، عظيم الكفاية والجرأة، جسوراً على الأمرا، علق بخدمة الملوك من آل عبد الحق وأبنايهم، ووقف أشعاره عليهم، وأكثر النظم في وقايعهم وحروبهم، وخلط المعرف باللسان الزناتي في مخاطباتهم، فعرف بهم، ونال عريضاً من دنياهم، وجماً من تقريبهم. واحتل بظاهر غرناطة في جملة السلطان، أمير المسلمين أبي يعقوب، وأمير المسلمين أبيه، واستحق الذكر بذلك.

    شعره

    من ذلك أرجوزة نظمها بالخضراء في شوال سنة أربع وثمانين وستماية، ورفعها إلى السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق، سماها: بنظم السلوك، في الأنبياء والخلفاء والملوك لم يقصر فيها عن إجادة .ومن شعره: قال مخبراً عن الأمير أبي مالك عبد الواحد ابن أمير المسلمين أبي يوسف:

    دعاني يوماً والسما قد ارتدت بالسحايب ........ والغيث يبكي بالدموع السواكب

    كأنه عاشق صد عنه حبيبه ........ ففاضت دموعه عليه وكثر نحيبه

    ولم يرق له مدمع ........ كأنه لم يبق له فيه مطمع

    فكان الوعد حسرته ........ والبرق لوعته وزفرته

    فقال لي ما أحسن هذا اليوم ........ لو كان في غير شهر الصوم

    فاقترح غاية الاقتراح علي ........ وقال قل فيه شعراً بين يدي

    فأنشدته هذه الأبيات:

    اليوم يوم نزهة وعقار ........ وتقرب الآمال والأوطار

    أو ما ترى شمس النهار قد اختفت ........ وتسترت عن أعين النظار

    والغيث سح غمامه فكأنه ........ دنف بكى من شدة التذكار

    والبرق لاح من السماء كأنه ........ سيف تألق في سماء غبار

    لا شيء أحسن فيه من نيل المنا ........ بمدامته تبدو كشعلة نار

    لولا صيام عاقني عن شربها ........ لخلعت في هذا النهار عذار

    لو كان يمكن أن يعار أعرته ........ وأصوم شهراً في مكان نهار

    لكن تركت سروره ومدامه حتى ........ أكون لديه ذا أفكار

    ونديرها في الكأس بين نواهد ........ تجلو الهموم بنغمة الأوتار

    فجفونها تغنيك عن أكواسها ........ وخدودها تغنيك عن أزهار

    فشكره لما سمعه غاية الشكر، وقال أسكرتنا بشعرك من غير سكر. قال، وأتيته بهذه الأبيات:

    أعلمت بعدك زفرتي وأنيني ........ وصبابتي يوم النوى وشجون

    أودعت إذ ودعت وجداً في الحشا ........ ما إن تزال سهامه تصمين

    ورقيب شوقك حاضر مترقب ........ إن رمت صبراً بالأسى يغرين

    من بعد بعدك ما ركنت لراحة ........ يوماً ولا غاضت عليك شؤون

    قد كنت أبكي الدمع أبيض ناصعاً ........ فاليوم تبكي بالدماء جفون

    قل للذين قد ادعوا فرط الهوى ........ إن شيتم علم الهوى فسلون

    إني أخذت كثيره عن عروة ........ ورويت سايره عن المجنون

    هذي روايتنا عن أشياخ الهوى ........ فإن ادعيتم غيرها فأرون

    يا ساكني أكناف رملة عالج ........ ظفرت بظبيكم الغرير يمين

    كم بات في جنح الظلام معانقي ........ ومجنت في صفروي إلى مجنون

    في روضة نم النسيم بعرفها ........ وكذاك عرف الروض غير مصون

    والورق من فوق الغصون ترنمت ........ فتريك بالألحان أي فنون

    تصغي الغصون لما تقول فتنثني ........ طرباً لها فأعجب لميل غصون

    والأرض قد لبست فلايل سندس ........ قد كللت باللؤلؤ المكنون

    تاهت على زهر السماء بزهرها ........ وعلى البدور بوجهها الميمون

    قال أبو فارس، وكان أمير المسلمين أبو يوسف سار إلى مدينة سلا، فبويع بها ولده أبو يعقوب، وذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام أحد وسبعين وستماية، يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشدته يوم بيعته هذه القصيدة ورفعتها إليه:

    يا ظبية الوعساء قد برح الخفا ........ إني صبرت على غرامك ما كفى

    كم قد عصيت على هواك عواذلي ........ وأناب بالتبعيد منك وبالجفا

    حملتني ما لا أطيق من الهوى ........ وسقيتني من غنج لحظك فرقفا

    وكسوتني ثوب ألنحول فمنظري ........ للناظرين عن البيان قد اختفا

    هذا قتيلك فارحميه فإنه ........ قد صار من فرط النحول على شفا

    لهفي على زمن تقضى بالحما ........ وعلى محل بالإجيرع قد عفا

    أترى يعود الشمل كيف عهدته ........ ويصير بعد فراقه متألقا

    لله درك يا سلا من بلدة ........ من لم يعاين مثل حسنك ما اشتفا

    قد حزت براً ثم بحراً طامياً ........ وبذاك زدت ملاحة وتزخرفا

    فإذا رأيت بها القطائع خلتها ........ طيراً

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1