Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تاريخ ابن خلدون
تاريخ ابن خلدون
تاريخ ابن خلدون
Ebook736 pages6 hours

تاريخ ابن خلدون

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتألف كتاب تاريخ ابن خلدون من سبعة أجزاء، والجزء الثامن مخصص للفهارس، ويعتبر هذا الكتاب أحد المحاولات الإسلاميّة القائمة على فهم التاريخ الإسلامي، وهو من أول الكتب التي اهتمت بعلم المجتمع، ولذلك تُرجم إلى العديد من اللغات، وهو نقطة ارتكاز لمكانة ابن خلدون وشهرته، وسعى هذا المؤلف في مقدمة الكتاب إلى وضع نفسه في فئة المؤرخين، وأن يخطو خطى المسعودي، ولكنّه حاول تصحيح بعض الأخطاء التي وقع فيها، ولكن كان من الصعب اعتباره مؤرخاً من قبل الراجع، وذلك لأنه استعان في مقدمته بطرف من كلِ علم، حيث تناول كل ما يرتبط بالإنسان ماديّاً ومعنويّاً.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 19, 1902
ISBN9786383728274
تاريخ ابن خلدون

Read more from ابن خلدون

Related to تاريخ ابن خلدون

Related ebooks

Reviews for تاريخ ابن خلدون

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون

    الغلاف

    تاريخ ابن خلدون

    الجزء 7

    ابن خلدون

    809

    يتألف كتاب تاريخ ابن خلدون من سبعة أجزاء، والجزء الثامن مخصص للفهارس، ويعتبر هذا الكتاب أحد المحاولات الإسلاميّة القائمة على فهم التاريخ الإسلامي، وهو من أول الكتب التي اهتمت بعلم المجتمع، ولذلك تُرجم إلى العديد من اللغات، وهو نقطة ارتكاز لمكانة ابن خلدون وشهرته، وسعى هذا المؤلف في مقدمة الكتاب إلى وضع نفسه في فئة المؤرخين، وأن يخطو خطى المسعودي، ولكنّه حاول تصحيح بعض الأخطاء التي وقع فيها، ولكن كان من الصعب اعتباره مؤرخاً من قبل الراجع، وذلك لأنه استعان في مقدمته بطرف من كلِ علم، حيث تناول كل ما يرتبط بالإنسان ماديّاً ومعنويّاً.

    ظهور التتر

    ظهرت هذه الأمة من أجناس الترك سنة ست عشرة وستمائة، وكانت جبال طمغاج من أرض الصين بينها وبين بلاد تركستان ما يزيد على ستة أشهر، وكان ملكهم يسمى جنكزخان، من قبيلة يعرفون نوحي فسار إلى بلاد تركستان وما وراء النهر وملكها من أيدي الخطا ثم حارب خوارزم شاه إلى أن غلبه على ما في يده من خراسان وبلاد الجبل، ثم تخطى أرانية فملكها. ثم ساروا إلى بلاد شروان وبلد اللان واللكز فاستولوا على الأمم المختلفة بتلك الأصقاع. ثم ملكوا بلاد قنجاق، وسارت طائفة أخرى إلى غزنة وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان فملكوا ذلك كله في سنة أو نحوها، وفعلوا من العيث والقتل والنهب ما لم يسمع بمثله في غابر الأزمان. وهزموا خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش فلحق بجزيرة في بحر طبرستان فامتنع بها إلى أن مات سنة سبع عشر وستمائة لإحدى وعشرين سنة من ملكه. ثم هزموا ابنه جلال الدين بغزنة واتبعه جنكزخان إلى نهر السند فعبر إلى بلاد الهند، وخلص منهم وأقام هنالك مدة، ثم رجع سنة اثنتين وعشرين إلى خوزستان والعراق. ثم ملك أذربيجان وأرمينية إلى أن قتله المظفر حسبما نذكر ذلك كله مقسماً بين دولتهم ودولة بني خوارزم شاه، أو مكرراً فيهما. فهناك تفصيل هذا المحل من أخبارهم والله الموفق بمنه وكرمه .

    وفاة الناصر وخلافة الظاهر ابنه

    ثم توفي أبو العباس أحمد الناصر بن المستضيء في آخر شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة لسبع وأربعين سنة من خلافته، بعد أن عجز عن الحركة ثلاث سنين من آخر عمره، وذهبت إحدى عينيه وضعف بصر الأخرى. وكانت حاله مختلفة في الجد واللعب، وكان متفنناً في العلوم، وله تآليف في فنون منها متعددة، ويقال إنه الذي أطمع التتر في ملك العراق لما كانت بينه وبين خوارزم. شاه من الفتنة، وكان مع ذلك كثيراً ما يشتغل برمي البندق واللعب بالحمام المناسيب، ويلبس سراويل الفتوة شأن العيارين من أهل بغداد. وكان له فيها سند إلى زعمائها يقتصه على من يلبسه إياها، وكان ذلك كله دليلاً على هرم الدولة وذهاب الملك عن أهلها بذهاب ملاكها منهم. ولما توفي بويع ابنه أبو نصر محمد، ولقب الظاهر وكان ولي عهده عهد له أولاً سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ثم خلعه من العهد وعهد لأخيه الصغير علي لميله إليه. وتوفي سنة اثنتي عشرة فاضطر إلى إعادة هذا فلما بويع بعد أبيه أظهر من العدل والإحسان ما حمد منه، ويقال إنه فرق في العلماء ليلة الفطر التي بويع فيها مائة ألف دينار.

    وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر

    ثم توفي الظاهر أبو نصر محمد في منتصف رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة لتسعة أشهر ونصف من ولايته، وكانت طريقته مستقيمة وأخباره في العدل مأثورة. ويقال إنه قبل وفاته كتب بخطه إلى الوزير توقيعاً يقرؤه على أهل الدولة فجاء الرسول به وقال: أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم وأنفذ مثال، ثم لا يتبين له أثر، بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال .ثم تناولوا الكتاب وقرؤوه فإذا فيه بعد البسملة أنه ليس إمهالنا إهمالا ولا إغضاؤنا إغفالاً، ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملاً، وقد غفرنا لكم ما سلف من إخراب البلاد، وتشريد الرعايا، وتقبيح السنة، وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة، وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكاً للأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل، وأنياب أسد مهيب، تنطقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد، وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم ماطلتم بحقه، فيطيعكم وأنتم له عاصون، ويوافقكم وأنتم له مخالفون والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمناً، وفقركم غنى وباطلكم حقاً. ورزقكم سلطاناً يقبل العثرة ولا يؤاخذ إلا من أصر ولا ينتقم إلا ممن استمر، يأمركم بالعدل، وهو يريده منكم، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه، يخاف الله فيخوفكم مكره، ويرجو الله تعالى ويرغبكم في طاعته فإن سلكتم مسالك نواب خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكتم والسلام .ولما توفي بويع ابنه أبو جعفر المستنصر وسلك مسالك أبيه إلا أنه وجد الدولة اختلفت، والأعمال قد انتقضت والجباية قد انتقصت، أو عدمت فضاقت عن أرزاق الجند وأعطياتهم فأسقط كثيراً من الجند، واختلفت الأحوال. وهو الذي أعاد له محمد بن يوسف بن هود دعوة العباسية بالأندلس آخر دولة الموحدين بالمغرب فولاه عليها، وذلك سنة تسع وعشرين وستمائة كما يذكر في أخبارهم. ولآخر دولته ملك التتر بلاد الروم من يد غياث الدين كنخسرو، وآخر ملوك بني قليج أرسلان، ثم تخطوها إلى بلاد أرمينية فملكوها. ثم استأمن إليهم غياث الدين فولوه من قبلهم وفي طاعتهم كما يذكر في أخبارهم إن شاء الله تعالى انتهى.

    وفاة المستنصر وخلافة المستعصم آخر بني العباس ببغداد

    لم يزل هذا الخليفة المستنصر ببغداد فالنطاق الذي بقي لهم بعد استبداد أهل النواحي كما قدمنا. ثم انحل أمرهم من هذا النطاق عروة، وتملك التتر سائر البلاد، وتغلبوا على ملوك النواحي ودولهم أجمعين، ثم زاحموهم في هذا النطاق وملكوا أكثره. ثم توفي المستنصر سنة إحدى وأربعين لست عشرة سنة من خلافته، وبويع بالخلافة ابنه عبد الله ولقب المستعصم، وكان فقيهاً محدثاً. وكان وزيره ابن العلقمي رافضياً، وكانت الفتنة ببغداد لا تزال متصلة بين الشيعة وأهل السنة، وبين الحنابلة وسائر أهل المذاهب، وبين العيارين والدعار والمفسدين مبدأ الأمراء الأول، فلا تتجدد فتنة بين الملوك وأهل الدول إلا ويحدث فيها بين هؤلاء ما يعني أهل الدولة خاصة زيادة لما يحدث منهم أيام سكون الدولة واستقامتها، وضاقت الأحوال على المستعصم فأسقط أهل الجند وفرض أرزاق الباقين على البياعات والأسواق، وفي المعايش فاضطرب الناس وصافت الأحوال وعظم الهرج ببغداد، ووقعت الفتن بين الشيعة وأهل السنة، وكان مسكن الشيعة بالكرخ في الجانب الغربي وكان الوزير ابن العلقمي منهم فسطوا بأهل السنة، وأنفذ المستعصم ابنه أبا بكر وركن الدين الدوادار، وأمرهم بنهب بيوتهم بالكرخ ولم يراع فيه ذمة الوزير فآسفه ذلك وتربص بالدولة وأسقط معظم الجند يموه بأنه يدافع التتر بما يتوفر من أرزاقهم في الدولة .وزحف هلاكو ملك التتر سنة اثنتين وخمسين إلى العراق، وقد فتح الري وأصبهان وهمذان، وتتبع قلاع الإسماعيلية ثم قصد قلعة الموت سنة خمس وخمسين فبلغه في طريقه كتاب ابن الموصلايا صاحب اربل، وفيه وصية ابن العلقمي وزير المستعصم إلى هلاكو يستحثه لقصد بغداد، ويهون عليه أمرها فرجع عن بلاد الإسماعيلية، وسار إلى بغداد واستدعى أمراء التتر فجاءه بنحو مقدم العسكر ببلاد الروم، وقد كانوا ملكوها. ولما قاربوا بغداد برز للقائهم أيبك الدوادار في العساكر فانكشف التتر أولاً ثم تذامروا فانهزم المسلمون واعترضهم دون بغداد أو حال مياه من بثوق انتفثت من دجلة، فتبعهم التتر دونها، وقتل الدوادار، وأسر الأمراء الذين معه .ونزل هلاكو بغداد، وخرج إليه الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فاستأمن لنفسه ورجع بالأمان إلى المستعصم، وأنه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم. فخرج المستعصم ومعه الفقهاء والأعيان فقبض عليه لوقته وقتل جميع من كان معه. ثم قتل المستعصم شدخاً بالغمد ووطأً بالأقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت، وذلك سنة ست وخمسين. وركب إلى بغداد فاستباحها واتصل العيث بها أياماً، وخرج النساء والصبيان وعلى رؤوسهم المصاحف والألواح فداستهم العساكر وماتوا أجمعين. ويقال أن الذي أحصي ذلك اليوم من القتلى ألف ألف وستمائة ألف، واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يبلغه الوصف ولا يحصره الضبط والعد، وألقيت كتب العلم التي كانت بخزائنهم جميعاً في دجلة، وكانت شيئاً لا يعبر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لأول الفتح في كتب الفرس وعلومهم .واعتزم هلاكو على إضرام بيوتها ناراً فلم يوافقه أهل مملكته. ثم بعث العساكر إلى ميافارقين فحاصروها سنين، ثم جهدهم الحصار واقتحموها عنوة وقتل حاميتها جميعاً وأميرهم من بني أيوب، وهو الملك ناصر الدين محمد بن شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب وبايع له صاحب الموصل، وبعث بالهدية والطاعة وولاه على عمله. ثم بعث بالعساكر إلى اربل فحاصرها وامتنعت فرحل العساكر عنها ثم وصل إليه صاحبها ابن الموصلايا فقتله واستولى على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة كلها، وتاخم الشام جميع جهاته حتى زحف إليه بعد كما يذكر، وانقرض أمر الخلافة الإسلامية لبني لعباس بغداد، وأعاد لها ملوك الترك رسماً جديداً في خلفاء نصبوهم هنالك من أعقاب الخلفاء الأولين، ولم يزل متصلاً لهذا العهد على ما نذكر الآن. ومن العجب أن يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب ذكر في ملاحمه وكلامه على القرآن الذي دل على ظهور الملة الإسلامية العربية أن انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين والستمائة فكان كذلك، وكانت دولة بني العباس من يوم بويع للسفاح سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى أن قتل المعتصم سنة خمس وستمائة خمسمائة سنة وأربعاً وعشرين وعدد خلفائهم ببغداد سبعة وثلاثون خليفة. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

    الخلفاء العباسيين بمصر

    الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم

    لما هلك المستعصم ببغداد، واستولى التتر على سائر الممالك الإسلامية فافترق شمل الجماعة، وانتثر سلك الخلافة، وهرب القرابة المرشحون، وغير المرشحين، من قصور بغداد فذهبوا في الأرض طولاً وعرضاً، ولحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر، وهو عم المستعصم وأخو المستنصر، وكان سلطانها يومئذ الملك الظاهر بيبرس، ثالث ملوك الترك بعد بني أيوب بمصر والقاهرة فقام على قدم التعظيم، وركب لتلقيه وسر بقدومه، وكان وصوله سنة تسع وخمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة، وحضر القاضي يومئذ تاج ابن بنت الأغر فأثبت نسبه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة، ولم يكن شخصه خفياً، وبايع له الظاهر وسائر الناس، ونصبه للخلافة الإسلامية ولقبوه المستنصر، وخطب له على المنابر، ورسم اسمه في السكة. وصدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان، وفوض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله، وكتب تقليده بذلك وركب السلطان ثاني يومه إلى خارج البلد، ونصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا وقرأ كتاب التقليد .وقام السلطان بأمر هذا الخليفة ورتب له أرباب الوظائف والمناصب الخلافية من كل طبقة، وأجرى الأرزاق السنية وأقام له الفسطاط والآلة. ويقال أنفق عليه في معسكره ذلك ألف ألف دينار من الذهب العين، واعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الإسلام من يد أهل الكفر. وقد كان وصل على أثر الخليفة صاحب الموصل، وهر إسماعيل الصالح بن لؤلؤ، أخرجه التتر من ملكه بعد مهلك أبيه فامتعض له الملك الظاهر، ووعده باسترجاع ملكه وخرج آخر هذه السنة مشيعاً للخليفة ولصالح بن لؤلؤ، ووصل بهما إلى دمشق فبالغ هنالك في تكرمتهما، وبعث معهما أميرين من أمرائه مدداً لهما، وأمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات. فلما وصلوا الفرات بادر الخليفة بالعبور، وقصد الصالح بن لؤلؤ الموصل، واتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر للقائه، والتقى الجمعان بعانة، وصدموه هنالك فصادمهم قليلاً ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة، وأبلى في جهادهم طويلاً ثم استشهد رحمه الله .وسارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح إسماعيل بها سبعة أشهر، وملكوها عليه عنوة، وقتل رحمه الله. وتطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أصل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الإسلامية، وبينما هو يسائل الركبان عن ذلك إذ وصل رجل من بغداد ينسب إلى الراشد بن المسترشد. قال صاحب حماة في تاريخه عن نسابة مصر: إنه أحمد بن حسن بن أبي بكر ابن الأمير أبي علي ابن الأمير حسن بن الراشد. وعند العباسيين السليمانيين في درج نسبهم الثابت أنه أحمد بن أبي بكر بن علي بن أحمد بن الإمام المسترشد، انتهى كلام صاحب حماة. ولم يكن في آبائه خليفة فيما بينه وبين الراشد. وبايع له بالخلافة الإسلامية ولقبه الحاكم، وفوض هو إليه الأمور العامة والخاصة، وخرج هو له عن العهدة وقام حافظاً لسياج الدين بإقامة رسم الخلافة. وعمرت بذكره المنابر، وزينت باسمه السكة، ولم يزل على هذا الحال أيام الظاهر بيبرس وولديه بعده ثم أيام الصالح قلاون وابنه الأشرف، وطائفة من دولة ابنه الملك الناصر محمد بن قلاون إلى أن هلك سنة إحدى وسبعمائة، ونصب ابنه أبو الربيع سليمان للخلافة بعده، ولقبه المستكفي. وحفظ به الرسم وحضر مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون للقاء التتر في النوبتين اللتين لقيهم فيها فاستوحش منه السلطان بعض أيامه، وأنزله بالقلعة، وقطعه عن لقاء الناس عاماً أو نحوه. ثم أذن له في النزول إلى بيته ولقائه الناس إذا شاء، وكان ذلك سنه ست وثلاثين .ثم تجددت له الوحشة وغربه إلى قوص سنة ثمان وثلاثين ثم هلك الخليفة أبو الربيع سنة أربعين قبل مهلك الملك الناصر رحمهما الله تعالى. وكان عهد بالخلافة لابنه أحمد فبويع له، ولقب الحاكم ثم بدا للسلطان في إمضاء عهد أبيه بذلك فعزله، واستبدل منه بأخيه إبراهيم، ولقبه الواثق. وكان مهلك الناصر لأشهر قريبة من ذلك فأعادوا أحمد الحاكم ولي عهد أبيه سنة إحدى وأربعين، وأقام في الخلافة إلى سنة ثلاث وخمسين وهلك رحمه الله فولي من بعده أخوه أبو بكر ولقب المعتضد، ولم يزل مقيماً لرسم الخلافة إلى أن هلك لعشرة أعوام من خلافته سنة ثلاث وستين، ونصب بعده ابنه محمد ولقب المتوكل فأقام برسم الخلافة، وحضر مع السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر عام انتقض عليه الترك في طريقه إلى الحج. وفسد أمره، ورجع الفل إلى مصر وطلبه أمراء الترك في البيعة له بالسلطة مع الخلافة فامتنع من ذلك. ثم خلعه أيبك من أمراء الترك المستبدين أيام سلطانه بالقاهرة سنة تسع وتسعين لمغاضبة وقعت بينهما ونصب للخلافة زكريا ابن عمه إبراهيم الواثق فلم يطل ذلك، وعزل زكريا لأيام قليلة وأعاده إلى منصبه إلى أن كانت واقعة قرط التركماني من أمراء العساكر بمصر ومداخلته للمفسدين في الثورة بالسلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق سنة خمس وثمانين وسعى عند السلطان بأنه ممن داخله قرط هذا فاستراب به وحبسه بالقلعة سنة ستين وأدال منه بعمر ابن عمه الواثق إبراهيم ولقبه فأقام ثلاثاً أو نحوها ثم هلك رحمه الله آخر عام ثمانية وثلاثين، ونصب السلطان عوضه أخاه زكريا الذي كان أيبك نصبه كما قدمنا ذكره ثم حدثت فتنة بليقا الناصري صاحب حلب سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وتعالى على السلطان بحبسه الخليفة، وأطال النكير في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمد المتوكل من محبسه بالقلعة، وأعاده إلى الخلافة على رسمه الأول وبالغ في تكرمته وجرت فيما بين ذلك خطوب نذكر أخبارها مستوفاة في دولة الترك المقيمين لرسم هؤلاء الخلفاء بمصر. وإنما ذكرنا هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة فقط، دون أخبار الدولة والسلطان. وهذا الخليفة المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة، والمعين لإقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة، والمبرك بذكره على منابر هذه الإيالة تعظيماً لأبيهم الظاهر، وجرياً على سنن التبرك بسلفهم، ولكمال الإيمان في محبتهم، وتوفية لشروط الإمامة بينهم. وما زال ملوك الهند وغيرهم من ملوك الإسلام بالنواحي يطلبون التقليد منه، ومن سلفه بمصر، ويكاتبون في ذلك ملوك الترك بها من بني قلاون وغيره فيجيبونهم إلى ذلك، ويبعثون إليهم بالتقليد والخلع والأبهة، ويمدون القائمين بأمورهم بمواد التأييد والإعانة بمن الله وفضله.

    الدولة العلوية

    أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العباس

    ونبدأ منهم بدولة الأدارسة بالمغرب الأقصى. قد تقدم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعلي بن أبي طالب وبنيه رضي الله عنهم، وما كان من شأنهم بالكوفة، وموجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره، واضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم، حتى قتل المتولون كبر ذلك، منهم حجر بن عدي وأصحابه ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معروف ثم ندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته فخرجوا بعد وفاة يزيد، وبيعة مروان، وخرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة، وسموا أنفسهم التوابين، وولوا عليهم سليمان بن صرد، ولقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم .ثم خرج المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالباً بدم الحسين رضي الله عنه، وداعيا لمحمد بن الحنفية وتبعه على ذلك جموعه من الشيعة، وسماهم شرطة الله، وزحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله، وبلغ محمد بن الحنفية من أحوال المختار ما نقمه عليه فكتب إليه بالبراءة منه فصار إلى الدعاء لعبد الله بن الزبير. ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن علي بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك، فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه، وخرج إليه ابنه يحمي بالجوزجان من خراسان فقتل وصلب كذلك، وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية، وقد تقدم ذلك كله في أخبار الدولتين .ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلوية وذهبوا طرائق قددا، فمنهم الإمامية القائلون بوصية النبي صلى الله عله وسلم لعلي بالإمامة، وشممونه الوصي بذلك، ويتبرؤون من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم، وخاصموا زيدا بذلك حين دعا بالكوفة. ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسموا بذلك رافضة .ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي وبنيه على سائر الصحابة، وعلى شروط يشترطونها، وإمامة الشيخين عندهم صحيحة وإن كان علي أفضل ؛وهذا مذهب زيد وأتباعه، وهم جمهور الشيعة، وأبعدهم عن الإنحراف والغلو .ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد الحسن والحسين، ومن هؤلاء كانت شيعة بني العباس القائلون بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالإمامة. وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة، وافترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم. وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان. ولما صار أمر بني أمية إلى اختلال أجمع أهل البيت بالمدينة، وبايعوا بالخلافة سراً لمحمد بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن بن علي وسلم له جميعهم، وحضرهذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وهو المنصور، وبايع له فيمن بايع له من أهل البيت، وأجمعوا على ذلك لثقدمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم، ولهذا كان مالك وأبوحنيفة رحمهما الله يحتجان إليه حين خرج من الحجاز، ويريدون أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لإنعقاد هذه البيعة من قبل، وربما صار إليه الأمر عند الشيعة بانتقال الوصية من زيد بن علي. وكان أبو حنيفة يقول بفضله، ويحتج إلى حقه فتأدت إليهما المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور، حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره، وحبس أبو حنيفة على القضاء .ولما انقرضت دولة بني أمية، وجاءت دولة بني العباس، وصار الأمرلأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن، وأن محمد بن عبد الله يروم الخروج، وأن دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بني حسن وإخوته وإبراهيم وجعفر، وعلي القائم، وابنه موسى بن عبد الله، وسليمان وعبد الله ابن أخيه داود، ومحمد وإسماعيل واسحاق بنو عمه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهرالكوفة حتى هلكوا في حبسهم، وأرهبوا لطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين، وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وفارس وبعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها، وبعث عاملاً إلى اليمن، ودعا لنفسه، وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتسمى بالمهدي وكان يدعى النفس الزكية، وحبس رباح بن عثمان المري عامل المدينة فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور، ونصه :بعد البسملة من عبد الله أمير المؤمنين، إلى محمد بن عبد الله. أما بعد فإنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم. وأن لك ذمة الله وعهده وميثاقه، إن تبت من قبل أن نقدر عليك أن نؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن تابعك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضي لك ما شئت من الحاجات، وأن أطلق من سجن من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحداً منكم بمكروه. وإن شئت أن تتوثق لنفسك، فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام .فأجابه محمد بن عبد الله بكتاب نصه بعد البسملة من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد .أما بعد طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني ففد تعلم أن الحق حقنا، وأنكم إنما أعطيتموه بنا ونهضتم فيه بسعينا وحزتموه بفضلنا، وأن أبانا علياً عليه السلام، كان الوصي والإمام فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء، وقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يشيد بمثل فضلنا، ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا ونسيبنا، وأنا بنو بنته فاطمة في الإسلام من بينكم فإنا أوسط بني هاشم نسباً وخيرهم أماً وأباً، لم تلدني العجم، ولم تعرف في أمهات الأولاد، وأن الله عز وجل لم يزل يختار لنا فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه أقدمهم إسلاماً وأوسعهم علماً وأكثرهم جهاداً علي بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل الجنة، ومن المتولدين في الإسلام سيدا شباب أهل الجنة، ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين من قبل جدي الحسن لحسين فما زال الله يختار لي حتى اختار لي في معنى النار، فولدني أرفع الناس درجة في الجنة، وأهون أهل النار عذابأ يوم القيامة، فأنا ابن خير الأخيار، وابن خير الأشرار، وابن خير أهل الجنة، وابن خير أهل النار. ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمنك على نفسك وولدك وكل ما أصبته إلا حداً من حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك، وأحرى بقبول الأمان منك. فأما أمانك الذي عرضت علي فهو أي الأمانات هي أأمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبي مسلم ؟والسلام .فأجابه المنصور بعد البسملة: من عبد الله أمير المؤمنين، إلى محمد بن عبد الله .فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جل فخرك بالنساء لتضل به الحفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء، وقد جعل الله العم أبا وبدأ به على الولد فقال جل ثناؤه عن نبيه عليه السلام واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. ولقد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث محمد صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة، فأجابه إثنان أحدهما أبي وكفر به إثنان احدهما أبوك. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن فلو أعطى على قرب الأنساب، وحق الأحساب، لكان الخير كله لآمنة بنت لب. ولكن الله يختارلدينه من يشاء من خلقه .وأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنة غداً. ولكن الله أبى ذلك فقال أنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، وفاطمة أم الحسين، وأن هاشماً ولد عليا مرتين، وأن عبد المطلب ولد الحسن مرتين، فخير الأولين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يلده هاشم إلا مرة واحدة، ولم يلده عبد المطلب إلا مرة واحدة .وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل قد أبى ذلك فقال: ما كان محمد أبا أحداً من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين، ولكنكم قرابة ابنته وإنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث، ولا يجوز أن تؤم فكيف تورث الإمامة من قبلها ولقد طلب بها أبوك من كل وجه، وأخرجها تخاصم، ومرضها سراً ودفنها ليلا، وأبى الناس إلا تقديم الشيخين: ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالصلاة غيره. ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم ثم كان في أصحاب الشورى، فكل دفعه عنها، بايع عبد الرحمن عثمان، وقبلها عثمان، وحارب أباك طلحة والزبير، ودعا سعداً إلى بيعته فأغلق بابه دونه. ثم بايع معاوية بعده، وأفضى أمر جدك إلى أبيك الحسن فسلمه إلى معاوية بخزف ودراهم، وأسلم في يديه شيعته، وخرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله، وأخذ مالاً من غير حلة، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه، فأما قولك إن الله اختار لك في الكفر فجعل أباك أهون أهل النار عذابا فليس في الشر خيار، ولا من عذاب الله هين، ولا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتخر بالنار، سترد لتعلم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .وأما قولك لم تلدك العجم، ولم تعرف فيك أمهات الأولاد، وأنك أوسط بني هاشم نسبا، وخيرهم أما وأبا، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طراً وقحمت نفسك على من هو خير منك أولا وآخراً وأصلا وفصلا. فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى والد والده، فانظر ويحك أين تكون من الله غداً وما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي بن الحسين، وهو لأم ولد، ولقد كان خيراً من جدك حسن بن حسن. ثم ابنه محمد خير من أبيك، وجدته أم ولد، ثم ابنه جعفر وهو خير، ولقد علمت أن جدك عليا حكم الحكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكمابه، فأجمعا على خلعه. ثم خرج عمك الحسين بن علي بن مرجانة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه، ثم أتوا بكم على الأقتاب كالسبي المجلوب إلى الشام، ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرقوكم بالنار وصلبوكم على جذوع النخل، حتى خرجنا عليهم فأدركنا يسيركم إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم وأورثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار كل صلاة مكتوبة، كما يلعن الكفرة فسفهناهم وكفرناهم وبينا فضله، وأشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة، وظننت أنا بما ذكرنا من فضل علي قدمناه على حمزة والعباس وجعفر، كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم، وأبتلي أبوك بالدماء .ولقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم، وولاية زمزم، وكانت للعباس من دون إخوته فنازعنا فيها أبوك إلى عمر فقضى لنا عمر بها وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من عمومته أحد حياً إلا العباس، وكان وارثه دون عبد المطلب، وطلب الخلافة واحد من بني هاشم فلم ينلها إلا ولده فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وبنوه القادة الخلفاء، فقد ذهب بفضل القديم والحديث، ولو أن العباس أخرج بدر كرهاً لمات عماك طالب وعقيل جوعاً ويلحسان جفان عتبة وشيبة، فأذهب عنهما العار والشنار. ولقد جاء الإسلام والعباس يمون به طالب للأزمة التي أصابتهم، ثم فدى عقيلاً يوم بدر فعززناكم في الكفر وفديناكم من الأسر وورثنا دونكم خاتم الأنبياء، وأدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه، ووضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم والسلام .ثم عقد أبو جعفرعلى حربه لعيسى ابن عمه موسى بن علي، فزحف إليه في العساكر، وقاتله بالمدينة فهزمه، وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين، ولحق ابنه علي بالسند إلى أن هلك هناك، واختفى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور، ورجع عيسى إلى المنصور فجهزه لحرب إبراهيم، أخي محمد، بالعيرة فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه، وقتله حسبما مر ذكره هنالك، وقتل معه عيسى بن زيد بن علي فيمن قتل من أصحابه. وزعم ابن قتيبة أن عيسى بن زيد بن علي ثار على المنصور بعد قتل أبي مسلم، ولقيه في مائة وعشرين ألفا، وقاتله أياما إلى أن هم المنصور بالفرار، ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه هنالك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر .ثم خرج بالمدينة أيام المهدي سنة تسع وستين من بني حسن الحسين بن علي بن حسن المثلث، وهو أخو عبد الله بن حسن المثنى وعم المهدي، وبويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة، وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي وقد كان قدم حاجاً من البصرة فولاه حربه يوم التروية فقاتله بفجة على ثلاثة أميال من مكة، وهزمه وقتله، وافترق أصحابه، وكان فيهم عمه إدريس بن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت عنهم يومئذ، ولحق بمصر نازعاً إلى المغرب، وعلى بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور ويعرف بالمسكين، وكان يتشيع فعلم بشأن إدريس وأتاه إلى المكان الذي كان به مستخفيا، وحمله على البريد إلى المغرب ومعه راشد مولاه فنزل بوليلى سنة ست وسبعين، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من قبائل البربر، وكبيرهم لعهده فأجاره وأكرمه، وجمع البربر على القيام بدعوته، وخلع الطاعة العباسية، وكشف القناع واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره، وكان فيهم مجوس فقاتلهم إلى أن أسلموا .وملك المغرب الأقصى، ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين، ودخلت ملوك زناتة أجمع في طاعته، واستفحل ملكه، وخاطب إبراهيم بن الأغلب صاحب القيروان، وخاطب الرشيد بذلك فشد إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز، ويعرف بالشماخ، وأنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا من الدعوة العباسية، ومنتحلا للطالبيين واختصه الإمام إدريس وحلى بعينيه، وكان قد تأبط سماً في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه، ودفن ببوليلى سنة خمس وسبعين، وفر الشماخ، ولحقه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده، وأجاز الشماخ الوادي فأعجزه وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه إدريس سنة ثمان وثمانين، واجتمعوا على القيام بأمره ولحق به كثير من العرب من إفريقيا والأندلس، وعجز بنو الأغلب أمراء إفريقيا عنه فاستفحلت له ولبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبي العافية وقومه مكناسة أولياء العبيديين عام ثلاثة عشر وثلاثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر، ونعدد ملوكهم هناك واحداً واحداً، وانقراض دولتهم وعودها، ونستوعب ذلك كله لأنه أمس بالبربر فإنهم كانوا القائمين بدعوتهم .ثم خرج يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الديلم سنة ست وسبعين أيام الرشيد، واشتدت شوكتهم وسرح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان، وتلطف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب ويكتب له الرشيد بذلك خطه، فتم بينهما، وجاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب، وأجرى له أرزاقا سنية ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير فيقال أطلقه بعدها، ووصله بمال ويقال سمه لشهرمن اعتقاله، ويقال أطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكان بسببه نكبة البرامكة، وانقرض شأن بني حسن، وخفيت دعوة الزيدية حينا من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمن والديلم ما نذكره والله غالب على أمره.

    الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد

    كانت الدولة العباسية قد تمهدت من لدن أبي جعفر المنصور منهم، وسكن أمر لخوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد، ووقع بين بنيه من الفتنة ما وقع، وقتل الأمين بيد طاهر بن الحسين، ووقع حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع، وبقي المأمون مقيماً بخراسان تسكيناً لأهلها عن ثائرة الفتن، وولي على العراق أحسن بن سهل اتسع الخرق حينئذ بالعراق وأشيع عن المأمون أن الفضل بن سهل غلب عليه، وحجره فامتعض الشيعة لذلك، وتكلموا وطمع العلوية في التوثب على الأمر فكان في العراق أعقاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنى المقتول بالبصرة أيام المنصور. وكان منهم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ولقبه أبوه طباطبا، للكنة كانت في لسانه، أيام مرباه بين داياته فلقب بها. وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلى إمامته لأنها كانت متوارثة في آبائه من إبراهيم الإمام جده على ما قلناه في خبره، خرج سنة تسع وتسعين، ودعا لنفسه، ووافاه أبو السرايا السري بن منصور كبير بني شيبان فبايعه وقام بتدبير حربه، وملك الكوفة وكثر تابعوه من الأعراب وغيرهم. وسرح حسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره، ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة، ويقال إن أبا السرايا، سمه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين واستبد عليه، وزحفت عليهم جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا، وملك البصرة وواسط والمدائن .وسرح الحسن بن سهل لحربه هرثمة بن أعين وكان مغضبا فاسترضاه وجهز له جيوش، وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه فغلبهم على المدائن، وهزمهم وقتل منهم خلقاً، ووجه أبو السرايا إلى مكة الحسين الأفطس بن الحسن بن علي زين العابدين، وإلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسن المثنى ابن الحسن، وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق، وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة، وكان بمكة مسرور الخادم الأكبر، وسليمان بن داود بن عيسى فلما أحسوا بقدوم الحسين فروا عنها، وبقي الناس في الموقف فوضى، ودخلها الحسين من الغد فعاث في أهل الموسم ما شاء الله، واستخرج الكنز الذي كان في الكعبة من عهد الجاهلية، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، وقدره فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله .ثم إن هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه، ثم بحث عن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1