Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس
Ebook650 pages5 hours

تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في السير والتاريخ وهو كتاب مشهور تضمن الحوادث التي كانت قبل ابتداء ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحوادث التي كانت من ابتداء مولده الى زمان هجرته، وتضمن ايضا الحوادث من الهجرة الى الوفاة والخلفاء الاربعة وبني أمية وبني .العباس حتى جلوس السلطان مراد الثالث
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateAug 23, 1902
ISBN9786629064135
تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Related to تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Related ebooks

Reviews for تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - الديار بكري

    الغلاف

    تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس

    الجزء 2

    الديار بكري

    966

    كتاب في السير والتاريخ وهو كتاب مشهور تضمن الحوادث التي كانت قبل ابتداء ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحوادث التي كانت من ابتداء مولده الى زمان هجرته، وتضمن ايضا الحوادث من الهجرة الى الوفاة والخلفاء الاربعة وبني أمية وبني .العباس حتى جلوس السلطان مراد الثالث

    ذكر ظهور زمزم في زمن عبد المطلب ثانياً

    وكانت مدفونة بعد جرهم زهاء خمسمائة سنة لا يعرف مكانها كما يجيء. وفي سيرة مغلطاي سميت زمزم بذلك لأنها زمت بالتراب أو لزمزمة الماء فيها. وفي سيرة ابن هشام وهي دفن بين صنمي قريش أساف ونائلة عند منحر قريش كانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم التي سقاه الله حين ظمئ وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت على الصفا تدعو الله وتستسقيه لإسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك وبعث الله جبريل فهمزها بعقبه في الأرض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافت عليه فأقبلت تشتدّ نحوه فوجدته يفحص بيديه عن الماء تحت خدّه ويشرب فجعلته حبساً كما مرّ في ابتداء ظهور زمزم. وفي المواهب اللدنية أن الجرهمي عمرو بن الحارث لما أحدث قومه بحرم الله الحوادث قيض الله لهم من أخرجهم من مكة فعمد عمرو إلى نفائس فجعلها في زمزم وبالغ في طمها وفرّ إلى اليمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلك العهد مجهولة إلى أن رفعت الحجب برؤيا منام رآها عبد المطلب دلته على حفرها بإمارات عليها قال ابن هشام في سيرته حدّثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال بينما عبد المطلب بن هاشم نائم في الحجر إذ أتى فأمر بحفر زمزم. وفي رواية أن زمزم بقيت منطمسة بعد جرهم زهاء خمسمائة سنة لا يعرف مكانها إلى أن بلغت نوبة حكومة مكة ورياسة أهلها عبد المطلب وتعلقت إرادة الله القديمة بإظهارها فأمره عبد المطلب في المنام بحفرها. وفي سيرة ابن هشام كان أوّل ما بدأ به عبد المطلب من حفرها كما روي عن عبد الله بن زريق الغافقي أنه سمع عليّ بن أبي طالب يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها. قال قال عبد المطلب إني لنائم في الجحر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة قلت وما طيبة قال قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر برة قلت وما برة ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر المضنونة قلت وما المضنونة ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم قال قلت وما زمزم قال لا تنزف أبداً ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم وهي بيت الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل وكذا أورده ابن الجوري في الحقائق إلا أنه لم يذكر عند قرية النمل وزاد بعد نقرة الغراب الأعصم قوله وهي شرف لك ولولدك وكان غراب أعصم لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم. قال ابن إسحاق فلما بيّن له شأنها ودلّ على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فجعل يحفر ثلاثة أيام حتى بدا له كذا في الحقائق فلما بدا لعبد المطلب الطي كبّر وقال هذا لطوى إسماعيل فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها قال ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا له فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا كاهنة بني سعد بن هذيم قال نعم وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أمية من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر قال والأرض إذ ذاك مفازة فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا إنا بمفازة تخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوّف على نفسه وأصحابه قال فماذا ترون قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت قال فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفيرة لنفسه بما بكم الآن من القوّة فكلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحداً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً قالوا نعم ما أمرت به فقام كل رجل منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ونبتغي لأنفسنا لعجز فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدّم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملؤوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش وقال هلمّ إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاؤوا فشربوا واستقوا ثم قالوا قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبداً إن الذي سقاك هذا الماء بهذة الفلاة هو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها. قال ابن إسحاق فهذا الذي بلغني من حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم وقد سمعت من يحدّث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أم بحفر زمزم

    ثم ادع بالماء الروا غير الكدر ........ تسقي حجيج الله في كل مبر ........ ليس يخاف منه شيء ما عمر

    فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش فقال تعلمون أني قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا فهل بيّن لك أين هي قال لا قالوا فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت فإن يك حقاً من الله يبيّن لك أي هي وإن يكن من الشيطان فلن يعود إليك فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فيه فأتى فقيل له احفر زمزم فإنك إن حفرتها لم تندم وهي تراث أبيك الأعظم لا تنزف أبداً ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثاً وعقداً محكم ليس كبعض ما قد تعلم وهي بين الفرث والدم. قال ابن هشام هذا الكلام والكلام الذي قبله في حديث عليّ في حفر زمزم من قوله لا تنزف أبداً ولا تذم إلى قرية عند قرية النمل عندنا سجع وليس بشعر. قال ابن إسحاق فزعموا أنه حين قيل له ذلك قال وأين هي قيل له عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غداً فالله أعلم أيّ دلك كان. وفي بعض الكتب فرأى في المنام يقال له زمزم وما زمزم هزمة جبريل برجله وسقيا إسماعيل وأهله زمزم البركات تروي الرماق الواردات شفاء سقام وخير طعام وأرى مرّة أخرى قيل له احفر تكتم بين الفرث والدم وعند نقر الغراب الأعصم وفي قرية النمل مستقبل الأصنام الحمر وفي القاموس تكتم على ما لم يسم فاعله اسم بئر زمزم كمكتوم وفي الحديث الغراب الأعصم الذي إحدى رجليه بيضاء رواه ابن شيبة وقيل أحمر المنقار والرجلين رواه الحاكم في مستدركه وفي الأحياء الأعصم أبيض البطن وقال غيره أبيض الجناحين وقيل أبيض الرجلين كذا في حياة الحيوان فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد ينتظر ما سمي له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة وهي بأسفل مكة سميت باسم أمة لرجل يقال له وكيع بن سلمة وكان إليه أمر البيت فبنى فيه ضريحاً جعل فيه أمة يقال لها حزورة وجعل فيه سلماً يرقاه ويقول بزعمه أنه يناجي ربه كذا في شفاء الغرام فبينما تنحر البقرة انفلتت منحورة عن جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم فجزرت في مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث والدم فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب يحفر هناك فجاءت قريش فقالوا له لم تحفر في مسجدنا فقال إني لحافر هذه البئر ومجاهد من صدّني عنها فطفق يحفر هو وابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فسفه عليهما ناس من قريش ونازعوهما وقاتلوهما حتى إذا اشتدّ عليه الأذى نذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه وسهل الله له حفر زمزم لينحرن أحدهم لله عند الكعبة كذا في أنوار التنزيل. وعبارة المواهب اللدنية فنعته قريش من ذلك قالوا لم تحفر هنالك فآذاه من السفهاء من آذاه واشتدّ بذلك بلواه ومعه ولده الحارث ولم يكن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشر بنين وصاروا له أعواناً ليذبحنّ أحدهم لله قرباناً فأعان الله عبد المطلب حتى غلب مع ابن واحد على سائر قريش فامتنعوا عنه. وفي سيرة ابن هشام قال ابن إسحاق فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين أساف ونائله اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جدّه وقالوا والله لا نتركك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذد عني حتى أحفر فو الله لأمضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيراً حتى بدا له الطي فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم فيها حين خرجت من مكة ووجد فيها أسيافاً قلعية وأدراعاً فقالت له قريش يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق قال لا ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا وكيف تصنع قال أجعل للكعبة قدحين ولي قدحين ولكم قدحين فمن خرج قدحاه على شيء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شيء له قالوا أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل وهبل صنم في جوف الكعبة على بئر وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكان أعظم أصنامهم وهو الذي يعني أبو سفيان بن حرب يوم أحد حين قال اعل هبل أي ظهر دينك وقام عبد المطلب يدعو الله وضرب صاحب القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الأسياف باباً للكعبة وضرب في الباب الغزالين من ذهب فكان أوّل ذهب حليته الكعبة فيما يزعمون. وفي شفاء الغرام أوّل من علّق المعاليق بالكعبة في الجاهلية على ما قيل عبد المطلب علقها بالغزالين من الذهب اللذين وجدهما في زمزم حين حفرها وكانا معلقين مدّة حتى سرقوهما. وقصته أن جماعة من قريش كانوا في ليلة من الليالي يشربون الخمر وفيهم أبو لهب ومعهم القيان ولما فنيت أسباب طربهم عمدوا إلى باب الكعبة وسرقوا الغزالين وباعوهما من تجار قدموا مكة بالخمر وغيرها واشتروا بثمنها جميع ما في العير من الخمر بالمرة واشتغلوا بالطرب واللهو شهراً ولم يدر من سرق حتى مرّ العباس بن عبد المطلب في ليلة من الليالي بباب الدار التي تلك الجماعة فيها فسمع القيان يغنين بقصة سرقة الغزالي من باب الكعبة وبيعهما من أهل القافلة وأخبر بها العباس قريشاً فأخذوهم وضربوهم وقطعوا أيدي بعضهم ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج.

    ذكر بئار قبائل قريش بمكة

    قال ابن هشام وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئاراً بمكة فيما حدّثني زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى وهي البئر التي بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف الثقفي وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهي البئر التي عند المستند حطم الخندمة وهي على فم شعب أبي طالب وزعموا أنه قال حين حفرها لأجعلنها بلاغاً للناس قال ابن هشام وقال الشاعر :

    سقى الله أمواهاً عرفت مكانها ........ جراباً وملكوما وبذر والغمرا

    قال ابن إسحاق وحفر سجلة وهي بئر المطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف التي يسقون عليها اليوم تزعم بنو نوفل أن المطعم بن عديّ ابتاعها من أسد بن هاشم وتزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلك الآبار وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه وحفرت بنو أسد بن عبد العزى شفية وهي بئر بني أسد وحفرت بنو عبد الدار أمّ اخراد وحفرت بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بن وهب وحفرت بنو سهم الغمر وهي بئر بني سهم وكانت آبار حفائر خارجة من مكة قديمة من عهد مرّة بن كعب بن كلاب بن مرّة وكبراء قريش الأوائل منها يشربون وهي رم ورم بئر مرّة بن كعب وحم وخم بئر بني كلاب بن مرّة والحفر. وقال حذيفة بن غانم أخو بني عديّ بن كعب بن لؤي قال ابن هشام وهو ابن أبي جهم بن حذيفة:

    وقدماً غنينا قبل ذلك حقبة ........ ولا نستقي إلا بخم أو الحفر

    قال ابن إسحاق فعفت زمزم على البئار التي كانت قبلها يستقي عليها الحاج وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب. وفي البحر العميق فلم يزل هاشم ابن عبد مناف يسقي الحاج حتى توفي فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة فكان منها شرب الحاج وكانت لعبد المطلب إبل كثيرة إذا كان الموسم جمعها ثم سقى لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج ليكسر غلظ ماء زمزم وكانت إذ ذاك غليظة جداً وكان للناس إذ ذاك في بيوتهم أسقية فيها الماء من هذه الآبار ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لتكسر عنهم غلظ ماء آبار مكة وكان الماء العذب بمكة عزيزاً لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون خارج مكة فلبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل في يده وكان للعباس كرم بالطائف وكان يحمل ربيبه إليها وكان يداين أهل الطائف ويقتضي منهم الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة ثم ردّهما عليهما وسيجيء في الموطن الثامن في فتح مكة إن شاء الله تعالى .^

    الطليعة الثالثة

    ولادة عبد الله وتزوج آمنة وقصة الخثعمية

    في ولادة عبد الله ونذر عبد المطلب ذبحه وعرضه عليه وتزوّج آمنة وقصة الخثعمية ووقائع مدّة الحمل من وفاة عبد الله وقصة أصحاب الفيل

    ذكر ولادة عبد الله

    قال أصحاب السير والتواريخ كانت ولادة عبد الله بن عبد المطلب لأربع وعشرين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان كان يوم ولد عبد الله علم بمولده جميع أحبار الشام وذلك أنه كانت عندهم جبة من صوف بيضاء وكانت الجبة مغموسة في دم يحيى بن زكريا وكانوا قد وجدوا في كتبهم إذا رأيتم الجبة البيضاء والدم يقطر منها فاعلموا أن أبا محمد المصطفى قد ولد تلك الليلة وقدموا بأجمعهم إلى الحرم وأرادوا أن يغتالوا بعبد الله فصرف الله شرّهم عنه ورجعوا إلى بلادهم ولم يكن يقدم عليهم أحد من الحرم إلا سألوه عن عبد الله فيقولون تركنا نوراً يتلألأ في قريش فتقول الأحبار ليس ذلك النور لعبد الله إنما ذلك النور لمحمد عليه السلام قال فخرج عبد الله أجمل قريش فشغفت به كل نساء قريش وكدن أن تذهل عقولهنّ فلقي عبد الله في زمنه من النساء ما لقي يوسف في زمنه من امرأة العزيز وكان عبد الله يخبر أباه بما يرى من العجائب يقول يا أبت إني إذا خرجت إلى بطحاء بمكة وصرت على جبل ثبير خرج من ظهري نوران أخذ أحدهما شرق الأرض والآخر غربها ثم إن ذينك النورين يستديران حتى يصيرا كالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فيدخلان فيها ثم يخرجان ثم يرجعان إليّ في لمحة واحدة وإني لأجلس في الموضع فأسمع فيه من تحتي سلام عليك أيها المستودع ظهره نور محمد صلى الله عليه وسلم وإني لأجلس في الموضع اليابس أو تحت الشجرة اليابسة فتخضرّ وتلقي عليّ أغصانها فإذا قمت وتركتها عادت إلى ما كانت فقال له عبد المطلب أبشر يا بني فإني أرجو أن يخرج الله من ظهرك المستودع المكرم فإنا قد وعدنا ذلك وإني رأيت قبلك رؤيا كلها تدل على أنه يخرج من ظهرك أكرم العالمين وكان عبد الله أبو النبيّ كلما أصبح وذهب ليدخل على صنمهم الأكبر وهو اللات والعزى صاح كما تصيح الهرّة ونطق وهو يقول ما لنا ولك أيها المستودع ظهره نور محمد الذي هلاكنا وهلاك أصنام الدنيا على يديه .

    ذكر نذر عبد المطلب ذبح عبد الله وعرضه عليه

    قال ابن إسحاق وكان عبد المطلب نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة كما مرّ قلما توافى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم . وفي الحدائق روى قبيصة عن ذؤيب عن ابن عباس قال لما رأى عبد المطلب قلة أعوانه في حفر زمزم نذر لئن أكمل الله له عشرة ذكور ليذبحنّ أحدهم فلما تكاملوا عشرة جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع قال ليأخذ كل واحد منكم قدحاً وليكتب فيه اسمه ثم ليأتني به ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة وكان هبل على البئر التي يجمع فيها ما يهدى إلى الكعبة كما مرّ وقال لقيم الصنم وفي الحدائق قال للسادن اضرب بقداح هؤلاء فلما أخذ ليضرب قام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله ويقول اللهمّ إني نذرت لك نحر أحدهم وإني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت ثم ضرب السادن القداح فخرج القدح على عبد الله وأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى أساف ونائلة فقامت إليه قريش من أنديتها وقالوا ما تريد أن تصنع قال أذبحه قالوا لا ندعك أن تذبحه حتى تعذر فيه إلى ربك ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه فيذبحه ويكون سنّة وقالوا له انطلق إلى فلانة الكاهنة بالحجاز ذكر الحافظ عبد الغني أن اسمها قطبة وذكر ابن إسحاق أن اسمها سجاح فقالوا لعلها أن تأمرك بأمر فيه فرج لك فانطلقوا حتى أتوها بخيبر فقص عليها عبد المطلب القصة فقالت لهم كم الدية فيكم قالوا عشرة من الإبل قالت فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقرّبوا عشرة من الإبل ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا في الإبل ثم اضربوا أيضاً وهكذا حتى يرضى ربكم فإذا خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم فرجع القوم إلى مكة فقرّبوا عبد الله وعشرة من الإبل فخرجت على عبد الله فزادوا عشرة فخرجت على عبد الله فلم يزالوا يزيدون عشراً عشراًَ إلى أن جعلوها مائة فخرجت على الإبل فقالوا قد رضي ربكم فقال عبد المطلب لا والله حتى أضرب عليها وعليه ثلاث مرات ففعل فخرجت على الإبل ففداه بمائة من الإبل ولذلك صارت الدية مائة من الإبل . وفي سيرة مغلطاي أوّل من سنّ الدية عبد المطلب وقيل القلمس وقيل أبو سيارة انتهى فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها إنسان ولا طائر ولا سبع ثم انصرف عبد المطلب بابنه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابن الذبيحين كما ذكره الزمخشري في الكشاف وعند الحاكم في المستدرك قال أعرابي يا رسول الله عد عليّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه والمراد بالذبيحين عبد الله وإسماعيل إذ عرضا على الذبح . وذهب بعض العلماء إلى أن الذبيح إسحاق فإن صحّ هذا فالعرب تجعل العمّ أباً كذا في المواهب اللدنية . وقد استشكل بعض الناس أن عبد المطلب نذر نحر أحد بنيه إذا بلغوا عشراً وقد كان تزوّج هالة أمّ ابنه حمزة بعد وفاته بنذره فحمزة والعباس إنما ولدا بعد الوفاء بنذره وإنما كان أولاده عشرة . قال السهيلي ولا إشكال في هذا فإن جماعة من العلماء قالوا كان أعمام النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر فإن صحّ هذا فلا إشكال في الخبر وإن صحّ قول من قال كانوا عشرة لا يزيدون فالولد يقع على البنين وبنيهم حقيقة لا مجازاً وكان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده وولد ولده عشرة رجال حين وفى بنذره ويقع أيضاً في بعض السير أن عبد الله أصغر بني أبيه عبد المطلب كذا قاله ابن إسحاق وهو غير معروف ولعل الرواية أصغر بني أمه وإلا فحمزة كان أصغر من عبد الله والعباس أصغر من حمزة كذا في سيرة مغلطاي . وروي عن العباس أنه قال أذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها فجيء به حتى نظرت إليه وجعل النسوة يقلن لي قبّل أخاك فقبّلته فكيف يصح أن يكون عبد الله هو الأصغر ولكن رواه البكائي ولروايته وجه وهو أن يكون أصغر ولد أبيه حين أراد نحره ثم ولد له بعد ذلك حمزة والعباس انتهى وهذا أيضاً على تقدير أن يكون أولاد عبد المطلب اثني عشر .

    ذكر تزوّج عبد الله آمنة

    روي أنه خرج عبد الله يوماً إلى قنصه وقد قدم عليه تسعون رجلاً من أحبار يهود الشام معهم السيوف المسمومة يريدون أن يغتالوه ويقتلوه وكان وهب بن عبد مناف أبو آمنة صاحب قنص أيضاً . قال فلما نظرت إلى الأحبار قد أحدقوا بعبد الله وعبد الله يومئذ وحده تقدّمت إليه لأعينه عليهم فنظرت إلى رجال لا يشبهون رجال الدنيا على خيل شهب قد حملوا على الأحبار حتى هزموهم عن عبد الله فلما رأى ذلك وهب بن عبد مناف من عبد الله رغب فيه وقال لن يستقيم لابنتي آمنة زوج غير هذا وقد كان خطبها أشراف قريش وكانت آمنة تأبى ذلك وتقول يا أبت لم يأن لي التزويج فرجع وهب إلى أهله فأخبرها بما كان من عبد الله وقال إنه أجمل قريش وأوسطهم نسباً وإني لا أحب لابنتي آمنة زوجاً غيره فانطلقي إليه فأعرضي ابنتي عليه لعله يتزوجها قال فانطلقت أمّ آمنة حتى دخلت على عبد المطلب فعرضت عليه ابنتها فقال عبد المطلب لم يعرض عليّ امرأة تستقيم لابني غيرها فتزوّجها عبد الله فليلة بنى عبد الله بها لم تبق امرأة في قريش إلا مرضت قال عبد الله بن عباس عن أبيه عباس أن ليلة بنى عبد الله بآمنة أحصينا مائتي امرأة من بني مخزوم وعبد شمس وعبد مناف متن وخرجن من الدنيا ولم يتزوجن أسفاً على ما فاتهنّ من عبد الله وكان عبد الله يوم تزوّجها ابن ثلاثين سنة وقيل ابن خمس وعشرين سنة وقيل سبع عشرة ولم يذكر القول الأخير في الصفوة وذخائر العقبى . قال أبو عمرو وخرج أبوه عبد المطلب إلى وهب بن عبد مناف فزوّجه آمنة ابنة وهب وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب آمنة بنت وهب لابنه عبد الله فتزوّجاهما في مجلس واحد فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وولدت هالة لعبد المطلب حمزة وصفية ولم يكن لآمنة أخ ولا أخت فلذلك لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خال ولا خالة وإنما بنو زهرة يقولون نحن أخواله لأن أمّه آمنة منهم ولم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غيره صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يكن له أخ ولا أخت لكن كان له ذلك من الرضاعة وسيأتي ذكرهم كذا في ذخائر العقبى فأعطى الله آمنة من الجمال والكمال ما كانت تدعى به حكيمة قومها فبقيت مع عبد الله مدّة سنين لا يؤذّن لنور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من عبد الله إلى آمنة وقد طالت الفترة وانقطع أخبار السماء واندرس ذكر النبوّة فلا أمير ينتجب ولا رسول يصطفى برسالات ربه والأرض مشوبة بالأصنام وقد نبذ الناس الطاعة واقتدوا بالظلم والجهالة منهمكين في عبادة الأوثان .

    ذكر قصة الخثعمية الكاهنة

    في الصفوة جرت لعبد الله قصة الخثعمية قبل حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي الفياض الخثعمي قال مرّ عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مرّة وكانت من أجمل النساء وأشبهها وأعفها وكانت قد قرأت الكتب فرأت نور النبوّة في وجه عبد الله فقالت يا فتى من أنت فأخبرها فقالت هل لك أن تقع عليّ وأعطيك من الإبل فنظر إليها وقال :

    أما الحرام فالممات دونه ........ والحلّ لا حلّ فأستبينه

    فكيف بالأمر الذي تنوينه ........ يحمي الكريم عرضه ودينه

    ثم مضى إلى امرأته آمنة فكان معها ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل إليها فلم ير منها من الإقبال عليه آخراً كما رأى منها أولاً فقال هل لك فيما قلت قالت. قد كان ذلك مرّة فاليوم لا. فذهبت مثلاً قالت أي شيء صنعت بعدي قال وقعت على زوجتي آمنة بنت وهب قالت إني والله لست بصاحبة ريبة ولكني رأيت نور النبوّة في وجهك فأردت أن يكون ذلك فيّ وأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله. وفي سيرة مغلطاي تعرّضت لعبد الله امرأة من بني أسد اسمها رقيقة ويقال قتيلة بنت نوفل تكنى أمّ قتال ويقال اسمها فاطمة بنت مرّة ويقال ليلى العدوية ويقال امرأة من تبالة ويقال من خثعم ويقال كانت يهودية قال أبو أحمد الحاكم كان سنّ عبد الله إذ ذاك ثلاثين سنة وفي المواهب اللدنية وعند أبي نعيم والخرائطي وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس لما خرج عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوّجه مرّ به على كاهنة من تبالة متهوّدة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مرّة الخثعمية إلى آخر ما ذكر. عن أبي يزيد المديني أن عبد الله لما مرّ بالخثعمية قالت له هل لك فيّ قال نعم حتى أرمي الجمرة فانطلق فرمى الجمرة ثم أتى امرأته آمنة ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت هل أتيت امرأة بعدي قال نعم آمنة قالت فلا حاجة لي فيك إنك مررت وبين عينيك نور ساطع إلى السماء فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها أنها قد حملت بخير أهل الأرض. وفي المواهب اللدنية أيضاً ولما انصرف عبد الله مع أبيه من نحر الإبل حين وفى بنذره مرّ على المرأة من بني أسد بن عبد العزى وبني عبد الكعبة واسمها قتيلة بضم القاف وفتح المثناة الفوقية ويقال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل فقالت له حين نظرت إلى وجهه وكان أحسن رجل في قريش لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع عليّ الآن لما رأت في وجهه من نور النبوّة ورجت أن تحمل بهذا النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم فقال لها أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه وقيل أجابها بقوله. أما الحرام فالممات دونه. والحلّ لا حلّ فاستبينه. فكيف بالأمر الذي تبغينه. يحمي الكريم عرضه ودينه. كما مرّ.

    ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم

    فلما كانت الليلة التي أذن الله عز وجل للنور المحمدي أن يخرج من عبد الله إلى آمنة اهتزت الملائكة فرحاً وذلك ليلة الجمعة في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى كذا في المنتقى. وفي سيرة اليعمري حملت به آمنة في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى انتهى وفي المواهب اللدنية زعموا أنه وقع عليها يوم الاثنين أيام منى في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى قال أبو أحمد الحاكم كان سنه إذ ذاك ثلاثين سنة وكذا في سيرة مغلطاي فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الله خازن الجنة أن يفتح أبواب الجنان تعظيماً لنور محمد صلى الله عليه وسلم وهبط جبريل بلوائه الأخضر ونصبه على ظهر الكعبة. وفي المواهب اللدنية ولما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لحمله عجائب ووجد لإيجاده غرائب فذكروا أنه لما استقرّت نطفته الزكية ودرّته المحمدية في صدفة آمنة القرشية نودي في الملكوت ومعالم الجبروت أن عطروا جوامع القدس الأسني وبخروا جهات الشرف الأعلى وافرشوا سجادات العبادات في صفف الصفاء لصوفية الملائكة المقرّبين أهل الصدق والوفاء فقد انتقل النور المكنون إلى بطن آمنة ذات العقل الباهر والفخر المصون قد خصّها الله تعالى القريب المجيب بهذا الصدر المصطفى الحبيب لأنها أفضل قومها حسباً وأنجب وأزكاهم أصلاً وفرعاً وأطيب. وقال سهل بن عبد الله التستري فيما رواه الخطيب البغدادي الحافظ لما أراد الله خلق محمد صلى الله عليه وسلم في بطن أمه آمنة ليلة رجب وكانت ليلة جمعة أمر الله تعالى تلك الليلة خازن الجنان أن يفتح الفردوس ونادى مناد في السموات والأرض ألا إنّ النور المخزون الذي يكون منه النبيّ الهادي في هذه الليلة يستقرّ في بطن أمّه الذي فيه يتمّ خلقه ويخرج إلى الناس بشيراً ونذيراً. وفي رواية كعب الأحبار أنه نودي تلك الليلة في السماء وصفاحها والأرض وبقاعها أن النور المكنون الذي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرّ الليلة في بطن أمه فيا طوبى لها ثم يا طوبى لها قوله طوبى الطيب والحسنى والخير والخيرة قاله في القاموس. وقال غيره فرح وقرّة عين. وقال الضحاك عطية. وقال عكرمة نعم وفي الحديث طوبى لأهل الشام فإن الملائكة باسطة أجنحتها عليها فالمراد بها هنا فعلى من الطيب وغيره مما ذكرنا لا الجنة ولا الشجرة ويحتمل أن يفسر بالجنة. فأصبحت يومئذ أصنام الدنيا منكوسة وكانت قريش في جدب شديد وضيق عظيم فاخضرّت الأرض وحملت الأشجار وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت تلك السنة التي حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الفتح والابتهاج وكان قد أذن الله تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكوراً كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصبح عرش إبليس لعنه الله منكوساً والملك على رأسه يغطسه في مضيق البحار أربعين صباحاً فانقلب أسود محترقاً. وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس قال كان من دلالات حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل دابة في قريش نطقت تلك الليلة بإذن الله عز اسمه وقالت حمل بمحمد. وفي رواية برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو أمان الأرض وسراجها. وفي المواهب اللدنية وهو أمان الدنيا وسراج أهلها ولم تبق كاهنة في قريش ولا في قبيلة من قبائل العرب إلا علمت بحمله ولم يبق سرير لملك من ملوك الأرض إلا أصبح منكوساً ومرّت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضاً وله في كل شهر من شهور حمله نداء في الأرض ونداء في السماء أن ابشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ميموناً مباركاً انتهى كلام المواهب اللدنية وكلت ألسنة الملوك حتى لم يقدروا في ذلك اليوم على التكلم. وفي الصفوة روي عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلاً ولا وحماً كما تحد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضتي وأتاني آت وأنا بين النوم واليقظة أو قالت بين النائمة واليقظانة فقال هل شعرت بأنك حملت فكأني أقول ما أدري قال إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها كذا ذكر ابن إسحاق في كتاب المغازي. وفي رواية بسيد الأنام قالت وذلك يوم الاثنين فكان ذلك مما يقن أو حقق عندي الحمل ثم أمهلني حتى إذا دنا وقت ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال قولي أعيذه بالصمد الواحد من شرّ كل حاسد وفي المواهب اللدنية بغير لفظ الصمد ثم سميه محمداً قالت فكنت أقول ذلك فذكرت ذلك لنسائي فقلن لي تعلقي حديداً في عضديك وفي عنقك قالت ففعلت فلم ينزل عليّ أياماً فأجده قد قطع فكنت لا أتعلقه وعن أبي جعفر محمد بن عليّ قال أمرت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد. وفي رواية عن ابن إسحاق سميه محمداً وعلقي عليه هذه التميمة قالت فانتبهت وعند رأسي صحيفة من ذهب مكتوب فيها هذه النسخة

    أعيذه بالواحد ........ من شرّ كل حاسد ........ وكل خلق رائد ........ من قائم وقاعد ........ عن السبيل حائد

    على الفساد جاهد ........ من نافث أو عاقد ........ وكل خلق مارد ........ يأخذ بالمراصد ........ في طرق الموارد

    قال الحافظ عبد الرحيم العراقي هكذا ذكر هذه الأبيات بعض أهل السير وجعلها من حديث ابن عباس ولا أصل لها كذا في المواهب اللدنية وفي رواية أبي نعيم من حديث ابن عباس قال كانت آمنة تحدّث وتقول أتاني آت حين مرّ من حملي ستة أشهر في المنام وقال لي يا آمنة إنك حملت بخير العالمين فإذا ولدتيه فسميه محمداً واكتمي شأنك فإذا وقع على الأرض فقولي أعيذه بالواحد من شرّ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1