Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر
Ebook807 pages6 hours

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا الكتاب الواقع في ثلاثة مجلدات يعد من أهم تأليف الشيخ "عبد الرازق البيطار". صنفه لترجمة رجال القرن الثالث عشر وذكر فيه المشاهير وغيرهم. وقد اشتمل على فوائد وفرائد، كتبه مؤلفه في أدوار من عهود شبابه وكهولته وشيخوخته وقد استدرك صاحبه على كثير من كتب التراجم فسيجد القارئ ما لا يجده في غيره من كتب المصنفين. وقد آثر حفيد المؤلف نشرة كاملاً دون تصرف فيه بزيادة أو نقص أو تغيير إظهارا للفائدة. وقد أورد المؤلف الكثير من القضايا والمسائل، مما هو فيها ناقل غير قائل مثل قصة مد اليد التي استشهرة على الألسنة، ومنها لبس الخرقة وقد حرص المجتمع العلمي على الإبقاء عليها في هذه الطبعة لأن الكتاب مرآة للعصر الذي وضع فيه وقد عكف القائمون على نشر الكتاب إلى إضافة الحواشي لاستدراك ما فات المؤلف كتسمية ما لم يكن معروفاً من مؤلفات الإعلام وإضافة سنة وفاة من ترجم لهم في حياتهم.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateAug 27, 1903
ISBN9786485753655
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

Related to حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

Related ebooks

Reviews for حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - عبد الرزاق البيطار

    الغلاف

    حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر

    الجزء 2

    عبد الرزاق البَيْطَار

    1335

    هذا الكتاب الواقع في ثلاثة مجلدات يعد من أهم تأليف الشيخ عبد الرازق البيطار. صنفه لترجمة رجال القرن الثالث عشر وذكر فيه المشاهير وغيرهم. وقد اشتمل على فوائد وفرائد، كتبه مؤلفه في أدوار من عهود شبابه وكهولته وشيخوخته وقد استدرك صاحبه على كثير من كتب التراجم فسيجد القارئ ما لا يجده في غيره من كتب المصنفين. وقد آثر حفيد المؤلف نشرة كاملاً دون تصرف فيه بزيادة أو نقص أو تغيير إظهارا للفائدة. وقد أورد المؤلف الكثير من القضايا والمسائل، مما هو فيها ناقل غير قائل مثل قصة مد اليد التي استشهرة على الألسنة، ومنها لبس الخرقة وقد حرص المجتمع العلمي على الإبقاء عليها في هذه الطبعة لأن الكتاب مرآة للعصر الذي وضع فيه وقد عكف القائمون على نشر الكتاب إلى إضافة الحواشي لاستدراك ما فات المؤلف كتسمية ما لم يكن معروفاً من مؤلفات الإعلام وإضافة سنة وفاة من ترجم لهم في حياتهم.

    حرف الحاء

    الشيخ حامد بن أحمد بن عبيد العطار الشافعي الأشعري الدمشقي

    فاضل العلماء، وعالم الفضلاء، وإمام السادة الدمشقية، وهمام القادة العلمية، مرجع الخاص والعام، ومجمع الجهابذة الأعلام، شيخ الجميع في زمانه. ومقتدي العموم في وقته وأوانه، وصاحب الدرجة العالية، والمرتبة الرفيعة السامية، فهو من الممتطين مطايا المعالي، والمتحلين بحلل الهمم العوالي، ولد بدمشق سنة ست وثمانين ومائة وألف، ونشأ في حجر والده وليس له غير الاستفادة من إلف، فكان من دأبه الطاعة والعبادة، والتقوى والزهادة، والجد في طلب العلوم، والاجتهاد في تحقيق المنطوق والمفهوم، وقد أخذ عن عدة مشايخ، ما منهم إلا وهو في العلم جبل راسخ، فمنهم والده الشهاب أحمد العطار، ومنهم الإمام الشيخ أحمد الرحمتي المشهور في الأقطار، ومنهم عالم الديار الشامية الشيخ محمد الكزبري، وغيرهم ممن هو بكل فضيلة حقيق وحري، إلى أن صار صدر الشريعة والدين، ناشراً بتحقيقه طي العلم بالكشف المبين، جامعاً لصحيح حديث الفضائل، آتياً بتدقيقه بما لم تستطعه الأوائل، فلعمري إنه لهو العلامة المحقق المفضال، والمحدث الناقد البصير المعروف بكل كمال، والجامع أشتات الفضائل، والمسارع لأضواء جميع الشمائل، من انعقد الإجماع على أنه فخر المحققين قديماً وحديثاً، وصدر المدققين فقهاً وتوحيداً وتفسيراً وحديثاً، وكان في علم الحقيقة أستاذاً، وفي إرشاد الطريقة ملاذاً، ولا شك أنه اشتهر في العلم أي اشتهار، وكان في عصره كالشمس في رابعة النهار، وكان يقرأ صحيح الإمام البخاري في تكية السلطان سليمان خان، كل صباح خميس من رجب وشعبان، فيجتمع في درسه الأعيان والعلماء، والأكابر والفضلاء، وكانت قراءته له بعد والده المرحوم الشيخ أحمدالعطار، المنتقل إليه بعد وفاة علي أفندي الداغستاني، الذي سار صيته في الأقطار وطار، المنتقل إليه بعد وفاة علي أفندي المرادي ذي القدر والشان، إلا أن علي أفندي المرقوم كان يقرأ الهداية في هذا المكان، في فقه الإمام الأعظم قدس الله سره، وأولاه لديه كل بشر ومسرة، وكان يقرأ بقية دروسه تارة في داره وتارة في جامع بني أمية، ولدروسه طلاوة وحلاوة وشهرة قوية، وفي سنة اثنتين وستين ومائتين وألف قصد حج بيت الله الحرام، وزيارة سيدنا محمد سيد الأنام، ولما وصل إلى قلعة القطرانة وهو راجع من البلاد الحجازية، ثم أجله ونشبت به أظفار المنية، ودفن بها وقبره ظاهر مشهور، جمعنا الله به في دار المسرة والحبور، آمين.

    حجليلان بن عليان من قبيلة من تميم وهو بضم الحاء وفتح الجيم

    الشيخ حسن بن إبراهيم بن حسن بن محمد بن حسن ابن إبراهيم بن عبد الله الشهير بالبيطار

    الشافعي الأشعري النقشبندي الدمشقي ولادة وقراءة، الميداني إقامة ومدفناً، الوالد الأعظم، والسيد الأفخم والأكرم، والعالم النحرير، والمدقق الخبير، شافعي زمانه، وألمعي أوانه، الجامع بين العلوم العقلية والنقلية، والمقتدي بالكتاب العزيز والسنة المحمدية، بحر العلوم والمعارف، الشارب من أطيب مناهل العرفان واللطائف، الآخذ بعزائم العبادة، والجاعل التقوى إلى الآخرة زاده، الصوفي النقي الصالح، والزاهد التقي العابد الناجح، من أطبق الناس على فضله، واقتدى العموم بصدق قوله وفعله، إن نطق رأيت البيان متسرباً من لسانه، وأدركت من بيانه تمام عرفانه، حوى الكمالات وحازها، وتحقق حقائق العلوم ومجازها، فالفضل حشو ابراده، و النبل تلو إصداره وإيراده، مع نفس عذبت صفاء، وشيمة ملئت وفاء، ومذهب صفا صفاء التبر، وخلص من شوائب الخيلاء والكبر، وسعى لكل نجح، واستوى على ذروة التحصيل والربح، وأدبٍ زرت على صدر السنة جيوبه، وهبت بعرف النفس المطمئنة صباه وجنوبه .ولد رضي الله تعالى عنه أثناء سنة ست ومائتين وألف، وشب في حجر والده، ويد العناية والرعاية تجذبه إلى أسنى مقاصده، وحينما بلغ سن التمييز وجهه والده لتعليم القرآن العزيز، عند الفاضل الكامل، والعالم العامل، الشيخ فتح الله أفندي فقرأ القرآن، ثم حفظه على تمام الإتقان، إلى أن صار يعتمد عليه فيه، ويطلب منه ما استتر من مشكلاته وخوافيه، وكان مواظباً على تلاوة آياته، في غالب أوقاته، وتفقه على علامة وقته الشيخ صالح الزجاج، والشيخ حسن العطار المصري الأزهري، والشيخ عبد الله الكردي، وغيرهم مما هو مذكور في ثبته، وقرأ كثيراً من العلوم الآلية والشرعية، على من تقدم وعلى سادة ذوي مقامات علية، وشهرة سنية، منهم علامة العلماء وفهامة القادة الفضلاء، الشيخ خالد الحضرة النقشبندي والشيخ عبد الرحمن الكزبري والشيخ حامد العطار والشيخ نجيب القلعي والشيخ عبد الرسول المكي والشيخ عمر المجتهد والشيخ عبد الغني السقطي وغيرهم من العلماء الأعلام، والفضائل الكرام، ولا زال يترقى في مدارج العلوم، حتى استوى على عرش المنطوق منها والمفهوم، ويشار بحل المشكلات إليه، ويعتمد في عويصات المسائل عليه، واعترف له مشايخه بالإجادة، وألزموه بالتدريس والإفادة .ولما بلغ من العمر ثلاثين، طلبه أعيان أهل الميدان للقيام بوظائف الإمامة والخطبة والتدريس والتعليم في جامع كريم الدين، فتمنع جهده، وأظهر أن مطلوبهم ليس عنده، فاستعانوا عليه بشيوخه، واجتهدوا في طلبهم له لما يعلمون من تمكنه في العلم ورسوخه، فأجاب دعوة شيوخه في الحال، وقابل الأمر بالامتثال، وانتقل بعياله ومتاعه إلى الميدان، سنة ألف ومائتين وست وثلاثين وكان لهم به من الحظوة والسرور ما كان، فانقاد له الكبير والصغير، وأحبه الجليل والحقير، وقدموه على الملك والمال، والأهل والعيال، وكان هو لهم بمنزلة الوالد والشقيق، والرفيق الرفيق، يجل كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويعظهم بما ينفع، ويذب عنهم الأذى جهده ويدفع .ومما وقع له من الأمور الغريبة، والحوادث النادرة العجيبة، أنه في سنة اثنتين وستين ومائتين وألف في رمضان، كان جالساً في حجرته قبيل الزوال يتدارس القرآن مع أحد أولاده، إذ جاءه رسول القاضي فقال له: إن القاضي يرومك فبادر لمراده، فقام ممتثلاً، وللإجابة مستعجلاً، فلما دخل عليه، نظر القاضي بعين المقت إليه، وقال له أنت الذي قد استملت الناس إليك، حتى صاروا لا يعتمدون في مصالحهم إلا عليك، وإن السلطان قد وجه حاكماً لمصالح العباد، وأنت قد حلت بيننا وبينها وهذا عدوان وفساد، وما زال يقرعه هو وأهل المحكمة، وينسبون إليه كل مفسدة ومظلمة، إلى أن أمر القاضي يحبسه في حبس الأشقياء الطغام، وقال له هذا جزاء من يتعرض لمصالح الحكام، ولم يصغ لقوله ولا لاعتذاره، بل كلما بالغ في تلطيفه بالغ في إنذاره، فاستدار حوله الأعوان، وأخذوه إلى الحبس وأسلموه للسجان، فدخل السجن وهو راض بالقدر، ليس في قلبه تغير ولا كدر، وجلس يتلو القرآن، وأهله وأولاده وعائلته ليس لهم خبر بهذا الطغيان، فما أذن العصر، إلا وقد شاع هذا الأمر، فقام الناس على ساق، وأظهروا حالة الخلاف والشقاق، ورعدت رعود الفتنة وسال سيلها، وانسحب على بهجة الأمن والركون ذيلها، وسدت الطرق من ورود الأفواج، حتى لم يبق لسالك من مسلك ولا لناهج من منهاج، وكل إنسان متقلد بأنواع السلاح، لا يصغي لعاذل ولا لاح، وكل من القاضي وأعوانه خال أنه بلغ مطلوبه، ونال من هذا الفاضل مرامه ومرغوبه، وأنه قد أدب فيه سواء، وجعله هدفاً لسهام من عداه، فلما صار الغروب توجه الناس لنصرة الدين أفواجاً، جاعلين ذلك لرضى مولاهم منهاجاً، فلما سمع القاضي بذلك، علم أنه أوقع نفسه بالمعاطب والمهالك، فندم حين لا ينفعه الندم، وفهم أن ما صنعه زلة قدم، فبادر للتوقع على السادات الأكابر، وهم يقولون له أنت متعنت مكابر، قد فتحت علينا للشر باباً أي باب، وسلكت سبيل الغي وأخطأت طريق الصواب، أظننت أنه بسبب فعلك هان، وأنه لا ينتطح له كبشان، فانظر ما وقع من سوء فعلك، والله يعلم ما يحصل لك وللناس من أجلك، فقال لقد أغراني أعواني، وألقوني في أودية ذلي وهواني، وقالوا لا تخش من تأديبه لأنه رجل حقير، لا يسأل عنه كبير ولا صغير، وإني الآن قد اعترفت بذنبي، وتبت إلى مولاي وربي، فأحضروه لأعتذر إليه، وأقبل رأسه ويديه، وها أنا ذا الآن لأمره مطيع، وعندكم في كف هذا الأمر وقيع، فعند ذلك اجتمع العلماء والأعيان، وتوجهوا وأمامهم نقيب الأشراف السيد أحمد أفندي العجلاني لإخراج المترجم من السجن بالعظمة والشان، فحينما دخلوا عليه، وقدموا جميل العبارات إليه، وطلبوا منه أن يعفو عن ظالمه، وأن يقابله بمراحمه، فقال أنا ما جرى لي ذلك إلا بذنب اقترفته، وإن كنت ما تذكرته ولا عرفته، ونسأل الله أن يعفو عنا، ويققبل صالح الأعمال منا، ثم ساروا جميعاً إلى دار النقيب، فحينما رآه القاضي بادره بالترحيب، وأبدى اعتذاره لديه، وعانقه وقبل يديه، ثم رجع إلى مكانه ومعه من الناس ألوف كثيرة، ولا زالوا يطلقون البارود بين يديه ويلعبون بالسيوف والسنان إلى أن وصلوا به إلى داره الشهيرة، ولم يمض بعد ذلك مدة أيام، إلا وأباد الله ذلك القاضي وأعوانه وأدار عليهم كؤوس الحمام .ثم إنه في آخر شعبان سنة ثلاث وستين ومائتين وألف قد حضر من السلطان الغازي عبد المجيد، مرسوم سني يأمر فيه بدعوة الوالد المترجم والشيخ عبد الرحمن الطيبي إلى الآستانة ويؤكد غاية التأكيد، فأحضرهما حضرة الوالي صفوتي باشا بالتعظيم وأخبرهما بما كان، وأعلمهما بأن السفر قد تعين ثامن رمضان، فتوجها على نفقة الملك الجليل، بكل إكرام وتعظيم وتبجيل، إلى أن دخلا القسطنطينية، دار المملكة السنية، فنزل كل منهما في مكان، ولاحظتهما عين الرفعة والإحسان، وكانت مشيخة الإسلام إذ ذاك لحضرة من تصرف من حين شبيبته بدراسة المعارف، وإفاضة العوارف، وكلف بالعلم حتى صار ملهج لسانه، وروضة أجفانه، السيد أحمد عارف حكمت بيك، فكان لوالدي منه الالتفات الوافر، والميل المتكاثر، وكان يكثر بينهم البحث والحديث، خصوصاً فيما يتعلق بالتفسير والحديث، فلذلك كان مقدماً عنده على ما سواه، وملحوظاً بعين عنايته ورضاه، وكل منهما أخذ عن الآخر وأجازه، وأسمعه حديث الأولية وذكر معناه وحقيقته ومجازه، ثم قرأ كل منهما الفاتحة، ودعوا لهما وللمسلمين بالدعوات الصالحة، وقد مدح الأستاذ الأعظم، شيخ الإسلام والمسلمين الأكرم والدي بهذه الأبيات على الارتجال، من غير إمهال، وهي:

    يا قلب أبشر بما ترجوه من منن ........ فقد حظيت بشهم كامل فطن

    حليف علم إمام سيد ثقة ........ أخلاقه الشم قد جاءت على سنن

    فقلت للقلب هذا ما تؤمله ........ لقد بلغت المنى والأنس من حسن

    فأجابه سيدي الوالد حفظه الله، وأحسن مثواه، بقوله:

    شمس المعارف تغنينا عن السرج ........ ومهج الفضل لا يخفى لمن يلج

    وطالع السعد لا يعروه كاسفة ........ وعارف الدهر محفوظ من العوج

    شيخ الأنام الذي طابت مآثره ........ بحر الكمالات ذو الأمواج واللجج

    فرع النبوة وصف الحسن لابسه ........ فنوره ظاهر في وجهه البهج

    شهم همام وللمختار نسبته ........ فيا لها نسبة تسمو لمبتهج

    رب المعارف والأبحاث شاهدة ........ بكونه عارفاً حقاً بلا حرج

    طود من العلم والإحسان جمله ........ حلم به قد سما الأسمى من الدرج

    بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا ........ من فضله نظرة تدني من الفرج

    يا مبتغي العلم لذ إن رمت ري صدى ........ بمنهل بفنون العلم مبتهج

    يا سائلي عن دليل الصدق في خبري ........ شواهد الفضل لا تحتاج للحجج

    فيمم الركب وانزل روض ساحته ........ واشمم شذا طيبه الفياح بالأرج

    فمنصب المجد فيه حاز غايته ........ وقد سعى نحوه بالصدق واللهج

    وكوكب السعد مسعود بطلعته ........ يلوح في ذورة الأفلاك بالبلج

    ومن يقف بالحمى نودي بلغت مني ........ هذا الغياث ففز بالبشر والفرج

    فالله يحفظه من كل نازلة ........ ممتعاً بسرور عنه لم يعج

    ما نال كل المنى في مدحه حسن ........ معطراً من ثناه نفحة المرج

    ثم إنه بعد تمام رمضان، قامت دواعي الأفراح من كل زوجين اثنان، وذلك لختان جلالة السلطان مراد والسلطان عبد الحميد شبلي مولانا المعظم أمير المؤمنين السلطان عبد المجيد، وكان فراغ مواكب الختان، ذوات العظمة والشأن، نهار الجمعة حادي وعشرين من شوال، سنة ثلاث وستين ومائتين وألف من هجرة محمد شمس الكمال، وقد أنشد سيدي الوالد في تهنئة السلطان، ومؤرخاً ذلك الختان:

    ظهر السرور وزالت الضراء ........ وصفا الزمان ونجمه العلياء

    وترنمت أطيار روضات الهنا ........ بدوام عز لم يشبه فناء

    وتراقصت أغصان هاتيك الربا ........ حيث المغارس أرضها الفيحاء

    وتدلت الزهر الكواكب فرحة ........ وبدا الهناء ولم يصبه عناء

    والناس طراً قد تزايد بشرهم ........ وعلا الجميع بشارة حسناء

    وعلى الرؤوس مشوا بأفخر حلة ........ يا حبذا تلك الخطا الحسناء

    وترى النجوم من البحور تصاعدت ........ فكأنها للناظرين سماء

    نغمات أنس بالتهاني أقبلت ........ بترنم تسمو به الأرجاء

    يا بهجة للعالمين بأسرهم ........ حيث الأماكن زانها النجباء

    بكواكب منها الخيام تزينت ........ بشموس أفلاك هم الوزراء

    وكذا الموالي للرحاب تواردوا ........ والبشر فيهم قد علاه هناء

    لما أنال الله بغيتنا بدا ........ ملك الندى وعليه راق بهاء

    فأراح أرواح الأنام ببشره ........ وتروحت من نشره الأرجاء

    عبد المجيد ولم يزل متمجداً ........ بين البرايا سيفه الإمضاء

    جمع الجموع ليشرفوا بجنابه ........ وحضور سنة من هداه سناء

    إلى أن قال:

    فأدام عزهما بمجد أبيهما ........ وكساهما حللاً لهن بهاء

    وأدام سعد كمالهم طول المدى ........ وأدامهم ما دامت الزهراء

    ثم بعد الختان تكرر له الاجتماع بحضرة ذي العظمة والشأن، مولانا السلطان عبد المجيد خان، وعرضت عليه الدولة العلية إجراء معاش جزيل، فقال لم يبق في العمر إلا قليل .ومن النوادر اللطيفة، والوقائع الظريفة، أني اجتمعت سنة ثمانين ومائتين وألف في مدينة غزة، بمفتيها حضرة الإمام الفاضل، والعلامة الكامل، السيد محيي الدين أفندي الحسيني، فكان من جملة المذاكرة أن حكى لنا أنه بعد انفضاض موكب الختان شرف حضرة تميمي أفندي مفتي مصر القاهرة إلى بلد الخليل للزيارة، وكان طريقه على غزة، فنزل في دار محيي الدين أفندي المرقوم، فسأله عن سفره إلى الآستانة واجتماعه بالسلطان وعن موكب الختان، فحكى له إلى أن قال له: ولما دخلنا مجلس السلطان للاجتماع معه وكان المجلس في غاية الاتساع، فأخذ كل منا مجلسه والسلطان بعد لم يحضر، والحاضرون كل منهم لا يعرف الآخر، وكل منهم يظن أن الحاضرين على غير لغته، فضاق صدري لذلك ولم أدر ما أفعل، إلى أن رأيت إنساناً عليه الهيبة والوقار، قد نظر إلى الخادم وقال: أسقني ماء مع أنه لم يرد ذلك، ولكن أراد أن يفتح للحاضرين باب معرفة في بعضهم مع بعض فعرفه الحاضرون بأنه عربي، فقمت إليه وقعدت بجانبه، وتكلمت معه، وعرف كل من الحاضرين من يفهم عليه، وانضم إليه، واشتغل كل منهم بالمذاكرة مع من يأنس به ويفهم لغته، وكان أصل ذلك هذا الإنسان فاستسميته فقال أنا من الشام واسمي حسن البيطار وهو المترجم المذكور واستسماني، ونلنا بعضنا مع بعض في هذا المجلس وبعده غاية الأنس والتهاني، ووجدته عالماً فاضلاً، وشهماً كاملاً، ومدح وأطنب، وأطال وأسهب اه، ولم يزل هذا المترجم في الآستانة معظماً مبجلاً، مكرماً مفضلاً، إلى أن حصل لهم الإذن الشريف بالعود إلى الوطن، مقلدين قلائد الفضل والمنن، وكان يوم السفر من الآستانة يوماً مشهوداً، وموكباً للاجتماع مقصوداًن اجتمع فيه للوداع السادات والأكابر، وذوو المراتب والمفاخر، وكان يوم دخوله إلى الشام يوم اجتماع وسرور، وهناء وحبور، كاد أن يقال ما بقي في الشام إنسان، إلا وقد خرج لاستقبال هذا الحبر المصان، وكانت مدة سفره أربعة أشهر، لأنه بدأ السفر في ثامن رمضان سنة ألف ومائتين وثلاث وستين، وانتهى سفره ثامن محرم الحرام سنة أربع وستين .وكان رضي الله عنه مواظباً على التهجد وصلاة الفجر في الوقت الأول، وبعد الصلاة له أوراد لا يبرح عنها في سفر ولا حضر، منها أوراد الصباح والمساء الواردة في السنة، فإنه كان يقرأها صباحاً ومساء، ومنها أنه يقرأ في كل يوم من القرآن جزءاً، فيختم في كل ثلاثين يوماً القرآن بتمامه، ومنها قراءة حزب الإمام النووي كل يوم، ومنها قراءة الدور الأعلى وصلاة بن مشيش وقراءة سورة الكهف ومريم وطه ويس والدخان والواقعة وتبارك الملك وعم يتساءلون وسبح اسم ربك الأعلى وإنا أنزلناه والإخلاص والمعوذتين والفاتحة، وله أوراد عقب كل صلاة، وأوراد يقرأها في بعض الأيام، ليس له ملازمة عليها، وكان كثير الزيارة لمشاهد السادات، حسن الخلق يغلب عليه الزهد والإعراض عن الدنيا، وكان إذا تصعب أمر بين الناس من حقوق وغيرها بمجرد حضوره وتكلمه فيه ينقضي أمره على أحسن حال، وذلك لصفاء نيته وحسن سريرته .وفي سنة سبع وستين ومائتين وألف توجهت معه إلى الحجاز، وكانت هذه المرة له المرة الثالثة، ورأيت منه في السفر ما يدل على سمو درجته، وكان له مع علماء الحجاز مذاكرات علمية، وأبحاث علمية، وأبحاث شريفة سنية، وكانوا يشهدون له بالفضل .ولو أردت أن أذكر في هذه الكتابة ما حواه من الشمائل وما لديه، لأفضى الأمر إلى قصر هذا الكتاب عليه، ولكن ما لا يذكر كله، لا يترك كله. وفي ثاني وعشرين من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف مرض في داء ذات الجنب، وفي ليلة رمضان سأل عن إثبات الشهر، فأخبرناه بإثباته فشرب في السحر ونوى، وأصبح يعالج سكرات الموت، فوضع له بعض عياله نقطة ماء في فمه، ففتح عينيه ومسح فمه، وأمرهن بالإشارة بعدم العود لمثل ذلك. ومات رضي الله عنه قبل الغروب بساعة ونصف، وكان آخر كلامه من الدنيا الذكر، وكان نزوله لرمسه مع قول المؤذن للمغرب الله أكبر، وقد حضر مشهد جنازته جمع عظيم، وعدد جسيم، وما ترى منهم إلا من دموعه ساكبة، وأحزانه متفاقمة دائبة، وأسفه متزايد، وزفيره متصاعد، وذلك كما تقدم في غرة رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف، ودفن رضي الله عنه في تربة باب الله بجانب قبر سيدنا تقي الدين الحصني من جهة الشمال، وقبره ظاهر مشهور يزار، ولقد رثاه حفيده ابن أخي الأديب الأريب الشيخ محمد بهاء الدين البيطار:

    ما قر قلبي من نواك ولا سكن ........ كلا ولا عمري أميل إلى سكن

    غادرت لي مر الصبابة والأسى ........ وسلبتني حلو المسرة والوسن

    أسري وأبكي في المعاهد شاكياً ........ وجدي فترثي لي الحمامة في الفنن

    والوعتي ما للحمام بدافع ........ حكم الذي علم السرائر والعلن

    يا وحشة للشام مذ بان الذي ........ فاق الأفاضل بالمعارف والفطن

    بحر تفجر من عيون بنانه ........ عذب البيان مسلسلاً من كل فن

    إن لم يكن أهلاً لكل فضيلة ........ ولملتج إن لم يكن غوثاً فمن

    لله طلعة وجهه إذ طابقت ........ لاسم له فلذاك يدعى بالحسن

    سار المنون به ليسعد رمسه ........ بمطالع الأنوار من شمس الزمن

    بالله يا نعش الحبيب تمهلا ........ أو ما علمت البدر غيب في الكفن

    قسماً بغر خصاله لفراقه ........ حن المصلي بعده وشكا وأن

    والصحف تندبه لفقد جواهر ........ كانت بها من قبل غالية الثمن

    والدهر قمص من برود مصابه ........ ثوباً له حاكته ناسجة المحن

    صبراً لئن ظعن الحبيب فذكره ........ فينا بحسن الوصف دوماً قد قطن

    لما دعته الحور تخطبه لها ........ كفوا كريماً مال عن دار الحزن

    وافاه شهر الصوم ليلة نزعه ........ فنوى وأمسك صائماً وفق السنن

    وبيومه عند الغروب مغيبه ........ في اللحد يرجو رحمة من ذي المنن

    حيا ضريحاً ضمه وسقى ثرا _ ه العنبري النشر وسمي الهتن

    وأصابه الإحسان ما صب صبا ........ لنسيم نجد ذاكراً عهد الأغن

    وحباه صفو الأنس ما عام اللقا ........ تاريخه روض الجنان له الوطن

    وكثير من الناس من رثاه، وذكر بعضاً من صفاته وحلاه، ويكفي ما قد ذكرناه، رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه. ولقد تشبهت بمن رثاه، ورثيته وإن كنت عاجزاً عن معرفة قدره وعلاه، فقلت، وعلى الله اعتمدت، وبحبله المتين اعتصمت.

    غاب بدر العلوم تحت التراب ........ وتوارت شمس العلا في الحجاب

    ونعاه الناعون من كل فج ........ مات قطب الشآم عالي الجناب

    قل لمغتر بالحياة تنبه ........ لرحيل فالعمر لمع سراب

    لو حياة دامت لصاحب قدر ........ لاستدامت لصفوة الأحباب

    إن في ذا للعالمين لذكرى ........ يتحلى بها ذوو الألباب

    خل خل الملام وارث لحالي ........ قد دهاني ما لم يكن في حسابي

    مات روحي ووالدي وعياذي ........ وملاذي وسيدي ومهابي

    منذ أضحت منه الربوع رسوماً ........ كان لي الدمع العندمي شرابي

    كان سيفاً من الشريعة حدا ........ موقعاً أرباب الشقاء في تباب

    فد قلبي إغماده في قراب ........ من تراب فاعجب لذاك القراب

    كان ذخراً لكل دان وقاص ........ ومجيراً من أمه من عقاب

    ما اعتمادي على الزمان وقد أو _ دى بمولى عليه جل احتسابي

    لو يكف البلا بساعد جود ........ كان يفدى بالأهل والأتراب

    ليس يدري الأنام من فقدوه ........ فقدوا من بكته عين السحاب

    حسن الاسم والمسمى أبو المجد ........ سلسيل العلوم والآداب

    جبل هائل المهابة راسي ........ بحر علم غدا وسيع الرحاب

    كفه من هواطل السحب أوفى ........ وحماه ملجا ومنجى المصاب

    كعبة الطالبين نيل المعالي ........ عرفات لكل داع مجاب

    ذو صلاة مرضية وصيام ........ وقيام بالذل والانتحاب

    واعتكاف تقول حين تراه ........ ذا لعمري داود في المحراب

    حسن الخلق يوسفي جمال ........ لسن النطق مقصد الأنجاب

    قد زكا محتداً وطاب نجارا ........ وعلا قدره على الأتراب

    خان دهري وغاب مذ غاب صبري ........ وسقاني النوى مرير الشراب

    سلبته الأيام قهراً وكانت ........ طوع يمناه في الأمور الصعاب

    شق قوم عند الخطوب جيوباً ........ قلت شقوا القلوب عند مصابي

    ما ظننا أيدي المنون ترقى ........ لنوال الرفيع سامي الجناب

    طود علم يسير فوق رقاب ........ كيف تسعى الجبال فوق رقاب

    غاب رشدي بفقد مولى نقي ........ مستزيد من التقى أواب

    يا هماماً حوى عظيم صفات ........ وإماماً غدا نواك عذابي

    مذ خلت من سناك زهر المعاني ........ عاد وجه الأيام مثل الغراب

    قد جفاني من بعد بعدك صبري ........ ووفاني تحسري وانتحابي

    ما رأى الناس قبل مثواك غماً ........ غير يوم أعددته للذهاب

    يوم هم يا ويحه واكئتاب ........ وانتحاب وزفرة واضطراب

    من لدرس العلوم بعد اندراس ........ من لبث الفهوم للطلاب

    شدت ركناً للمسلمين قوياً ........ أوهنته طوارق الأحقاب

    طالما ما خفت من فراقك حتى ........ صاح بالبين طائر الاغتراب

    لست أخشى مذ كنت حادث دهر ........ صرت أخشى مذ غبت وقع الذباب

    فتأمل موج البحور تجدها ........ تلطم الخد في أكف الروابي

    وشديد الرياح تسفي تراباً ........ فوق هام ندباً على ذا العباب

    قد فقدنا والله حصناً حصيناً ........ وهماماً قطباً من الأقطاب

    فعظيم على الفضائل أن تخفى ........ وفي الناس طيب ذكراك راب

    لست أسلو وأنت أصل وجودي ........ وإلى فضلك الوسيع انتسابي

    من يلمني إذا سمحت بروحي ........ وعيالي وعصبتي وشبابي

    رب صبراً والله إن فؤادي ........ في عذاب وشدة والتهاب

    حينما سار مسرعاً لقدوم ........ بازدحام يحكي ازدحام الضباب

    نادت الحور يا فريد مقام ........ لك جئنا بالبشر والترحاب

    خلت قبراً حللته مع أذان ........ لغروب في شهر عتق الرقاب

    ذاك قرب من محسن ذي جمال ........ غافر الذننب للورى في الحساب

    هذه رقدة بأوج جنان ........ عند مولى الأرباب والأحباب

    أحسن الله عنك صبر المعالي ........ وعزاء الأتراب والأصحاب

    وسقى روضة أويت إليها ........ هاطلاً من مراحم الوهاب

    وصلاة مع السلام دواماً ........ لنبي بر فسيح الرحاب

    وصحاب والآل مع تابعيهم ........ ما دهانا بالبين داعي المآب

    الشيخ حسن المعروف بالموقع الدمشقي الفرضي

    الفاضل الذي لا يبارى، والكامل الذي في ميدان السبق لا يجارى، والإمام الذي اتفق العموم على علمه وتقواه، والهمام الذي أخلص العبادة في سره ونجواه .ولد في دمشق الشام، ثم حضر دروس السادة الأعلام، وقد انفرد بعلم الفرائض فكان عليه بها مدار الفتوى، وأحبه العموم لما جبل عليه من الديانة والصيانة والعلم والتقوى، ولم يزل مدار رئاستها، وإكليل هامتها، إلى أن دعاه داعي الإياب، إلى الجنة دار الثواب، وكان ذلك سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف. ودفن في مقبرة دمشق المعروفة بمرج الدحداح رحمه الله.

    الشيخ حسن القوزاني الخطاط الخالدي النقشبندي العراقي رحمه الله

    العالم الفائق في العلوم، والفاضل الكامل في المنطوق والمفهوم، مفيد الطالبين، ومرشد الراغبين، من أشرق بدر علاه في سماء الإقبال، ونظر إليه العموم بعين الرفعة والإجلال، واشتهر في نواحي العراق، اشتهار الشمس لدى الإشراق، وكان كثير الخشوع، غزير الدموع، ملازماً على العبادة، مع الفقر والزهادة، وقد تحلى بأخذ الطريق، عن صفوة التحقيق والتدقيق، العارف بالله مولانا خالد النقشبندي شيخ الحضرة، رضي الله عنه ورفع مقامه وقدره، ثم بعد أن رآه على كمال الاستعداد، أقامه خليفة في إعطاء الطريق وأذن له بالإرشاد، وما زال على أحسن حال، وأتم منوال، إلى أن اختار الدار الباقية، وترك هذه الدنيا الفانية، وذلك سنة ألف ومائتين ونيف وخمسين.

    ملا حسن البزار

    نقطة مدار الأدب، وكعبة طواف الأرب، والناهل من أعذب مناهل النظام، والآهل لأبدع النثر وألطف الكلام، طالما نظم ونثر، والفصاحة مقبلة عليه بوجهها الأغر، وقد أخذ من عقودها جواهر، وحلى بها جيد الأوراق والدفاتر، فمن تلك العقود البهية، والجواهر النفيسة السنية، قوله:

    شجتني بذات البان ورق صوادح ........ لهن بأعلى الربوتين هدير

    تذكرن عيشاً بالحمى راق ظله ........ فطابت عشيات بها وبكور

    فنحن وما لي غيرهن على الأسى ........ معين ولا لي غيرهن سمير

    وبت ونار الشوق بين جوانحي ........ تشب ودمع المقلتين غزير

    خليلي ليس الحب ما تعرفانه ........ ولا تحسبا أن الغرام يسير

    وما هي إلا النار تسعر بالحشا ........ لها كل آن لوعة وزفير

    تحاربني الأشواق في معرك النوى ........ ومالي عليها يا نديم نصير

    فنومي وتسهيدي مقيم وراحل ........ ودمعي وقلبي مطلق وأسير

    نزلنا بسلع والأحبة باللوى ........ وما بيننا غير النسيم سفير

    تعللني منهم على البعد نفحة ........ كما فاح من أردانهن عبير

    وتعبث في لبي أحاديث ذكرهم ........ كما عبثت بالشاربين خمور

    هم أسعروا قلبي وقد سكنوا به ........ ففيه لعمري جنة وسعير

    وله أيضاً:

    ألا لامني الأصحاب يوم سويقة ........ وهل عرف الأحباب فيمن غراميا

    غرامي بسلع يا هذيم وحاجر ........ وإن كنت عن تلك الأماكن نائيا

    وما أنا إلا عاشق ، كل عاشق ........ فلابد أن يلقى عذولاً ولاحيا

    وما الدهر في أهليه إلا محكم ........ ينائي قريباً أو يقرب نائيا

    ولما شجاني ليلة الخيف بارق ........ بكيت فأمسى ضاحكاً لبكائيا

    وبت وخضراء الجناح بذي الغضا ........ مجاوبة بالسجع مني القوافيا

    وكم رمت كتمان الهوى فوشى به ........ لدى البين دمع ليس ينفك جاريا

    هل البعد إلا أن علا وجد دارهم ........ ومنعرج الجرعاء يا سعد داريا

    أم الوجد إلا أن أذوب صبابة ........ وتدمي دموعي ما بكيت المآقيا

    على أننا كنا وما بيننا سوى ........ أجارع نعمان وما كنت راضيا

    ألفت الهوى طفلاً فشابت عوارضي ........ لعشرين من عمري فأين شبابيا

    وحاربني من قبل خلع تمائمي ........ زماني فما للنائبات وما ليا

    ولست أبالي بعد هذا أكان لي ........ عدواً مبيناً أم خليلاً مصافيا

    وله أيضاً:

    هذا الغرام وهذا من أحب معي ........ فكيف لو بان عني الحب أو بعدا

    وجد تحمل منه قلب عاشقه ........ ما لم يدع عنده صبراً ولا جلدا

    هذا ولا ذنب للأشواق في كبدي ........ عيناي قد جلبت لي الوجد والكمدا

    لم أنس وقفتنا يوماً بكاظمة ........ والقلب يعتاده وجد بمن وجدا

    والشوق يجري دموعي في معاهدها ........ والدمع يذكي من الأشواق ما خمدا

    والورق تسعدني يوماً وأسعدها ........ والقلب يذكر بالجرعاء ما عهدا

    والخل يعذلني فيه فيعذرني ........ لما يرى أن لوم العاشقين سدى

    الشيخ حسن بن عمر بن معروف بن عبد الله بن مصطفى الشطي

    الدمشقي الحنبلي البغدادي الأصل الشيخ الإمام، والعمدة الهمام، صاحب السيرة الحسنة، والشمائل المستحسنة، والأوصاف الكاملة، والفضائل الشاملة، نشأ في معابد الطلب والاستفادة، وأكب بعده على الإحسان والإفادة وكانت ولادته في صفر سنة خمس ومائتين وألف وله في مذهب الإمام أحمد بن حنبل التآليف المفيدة النافعة، وله أيضاً في بقية العلوم الشريفة من توحيد وبيان وحساب ومساحة. وقد شرح الإظهار في النحو، وله مولد شريف، ومعراج منيف، وشرح على حزب الإمام النووي، ومجلس في ختم البخاري. وقد أخذ عن الشيخ محمد الكزبري وولده الشيخ عبد الرحمن والملا علي السويدي والشيخ مصطفى السيوطي وكثير من العلماء الأعلام، والجهابذة الفخام وله من النظم والنثر، ما يشهد له بالفضيلة والقدر، ومن نظامه قوله مادحاً قرية دوما وخطيبها الشيخ محمد:

    عرجا بي على ربوع بدوما ........ فسلامي لأهل دار السلام

    وأنيخا ركبي بها كل يوم ........ نرتعن في رياضها بالمرام

    حفها الله بالهنا وحباها ........ بأناس ذوي علا وكرام

    سيما من غدا خطيب رباها ........ صين من خطب هول يوم الزحام

    ومن قوله تخميساً :

    أيا من حاز فضلاً فز بوصل ........ ففيه الخير محفوفاً بشمل

    وألق السمع ميموناً بقول ........ حبا الله النبي مزيد فضل

    على فضل وكان به رؤوفا

    فدع أبويه من قول أباه ........ أولو فضل علا تغنم حباه

    فكم خير جنى حقاً لباه ........ فأحيا أمه وكذا أباه

    لإيمان به فضلاً منيفا

    وإن تعجب فلا عجب كبير ........ فقدر المصطفى قدماً جدير

    وإياك الجمود فذا خطير ........ فسلم فالقديم بذا قدير

    وإن كان الحديث به ضعيفا

    وقد صح عند بعض أهل الكشف حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال بعضهم:

    أيقنت أن أبا النبي وأمه ........ أحياهما الرب الكريم الباري

    حتى له شهدا بفضل رسالة ........ صدق فتلك كرامة المختار

    هذا الحديث ومن يقول بضعفه ........ فهو الضعيف عن الحقيقة عاري

    وتوفي رضي الله عنه سنة ألف ومائتين وأربع وسبعين من الهجرة، ودفن في مقبرة قاسيون في سفح الجبل وقبره ظاهر معروف رحمه الله تعالى، وكتب على بلاطة قبره ما نظمه له علامة وقته السيد محمود أفندي حمزة مفتي دمشق الشام:

    هل كوكب العلم استكن ........ تحت الثرى غض الأديم

    أم تخذ القبر وطن ........ لما رأى أن لا نديم

    يا فاضلاً في كل فن ........ من بعده الفصل عقيم

    كم ذا له فينا منن ........ مازت لنا الفهم السقيم

    قد ملأ الدنيا حزن ........ بندبه هذا الكريم

    هو أن يكن شطي السكن ........ لكنه بحر عظيم

    حررت لما أن سكن ........ في ظل مولاه الرحيم

    تاريخه الشطي حسن ........ يقر في دار النعيم

    الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري المصري

    الإمام العلامة أحد المتصدرين، وأوحد العلماء المتبحرين، حلال المشكلات، وصاحب التحقيقات، السمح السهل، الذي هو لكل ثناء أهل، كأنما بينه وبين القلوب نسب، أو بينه وبين الحياة سبب، بمحاضرة أشهى من ريق المحبوب، ومحادثة أصفى من الزلال المطلوب، وبالجملة فما هو إلا فرد العصر والأوان، وهو من الدهر بمنزلة العين من الإنسان، وقد ترجمه الإمام الجبرتي فقال، عليه رحمة الملك المتعال: ولد بالجدية، في سنة ثمان وعشرين ومائة وألف وهي قرية قرب رشيد، وبها نشأ، وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلديه الشيخ شمس الدين محمد الجداوي، وعلى أفقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني، وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي، وعلى السيد محمد البليدي، والشيخ علي الصعيدي، أخذ عنهم الفنون بالإتقان، ومهر فيها حتى عد من الأعيان، ودرس في حياة شيوخه وأفتى، وهو شيخ بهي الصورة، طاهر السرية، حسن السيرة، فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق، ويحل المشكلات بذهنه الرائق، وحلقة درسه عليها الخفر، وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر، وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزة جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضاً، وينزل إلى بلدة الجديه في كل سنة مرة، ويقيم بها أياماً ويجتمع عليه أهل الناحية، ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم، ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة إلى حضوره، ولا يثقون إلا بقوله. ثم يرجع إلى مصر بما اجتمع لديه من الأرز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله إلى قابل، مع الحشمة والعفة. توفي بعد أن تعلل أشهراً في أواخر شهر ذي الحجة، سنة اثنتين ومائتين وألف، وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل، ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر أعده لنفسه رحمه الله تعالى.

    الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري

    يتيمة الدهر. وعلامة القطر. الفاضل الكامل. والعالم العامل. قال الإمام الجبرتي: ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى، فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة، ثم حضر إلى مصر، وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي، ومهر في الفقه والمعقول، وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره، ولازم الأستاذ الحفني، وتداخل في القضايا والدعاوى وفصل الخصومات بين المتنازعين، وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات، ونما أمره وراش جناحه، وتجمل بالملابس وركوب البغال، وأحدق به الأتباع، واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي، فزادت شهرته ووفدت عليه الناس، وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق، ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن إليها، فاجتمع عليه أهل تلك الناحية وأولوا النجدة والزعارة والشطارة، وصار لهم بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده، ولو من الحكام، وتردد إلى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالأمارة، وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني. فلما استبد بالأمر ولم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات، ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد، فزادت شهرته، ونفذت أحكامه وقضاياه، واتخذ سكناً على بركة جناق أيضاً، ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية، وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الإفتاء، وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحفني والمترجم، وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها، أنشأها لهم بظاهر الميضأة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور، حصة من النهار في ضحوة كل يوم للإفتاء، بعد إلقائهم دروس الفقه، ورتب لهم ما يكفيهم، وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات، فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير .واجتمع المترجم بالشيخ صادومة المشغوذ، ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية، ويجعل شعوذته وسيمياه من قبي الخورق والكرامات، إلى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه الشيخ المترجم من أجله، ولم يتمكن من إيذائهما في حياة سيده، فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل، وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والإفتاء، وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي، وانكسف باله وخمد مشعال ظهوره بين أقرانه إلا قليلاً، حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول، ونسيت القضية، وبطل أمر الوظيفة والتكية، وتراجع حاله لا كالأول. ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهوراً وتعلل، وذلك في عشرين شعبان من السنة الثانية بعد المائتين والألف، وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل، ودفن بتربة المجاورين .ومن مؤلفاته إعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة، وكان قوي البأس شديد المراس، عظيم الهمة والشكيمة، ثابت الجنان عند العظائم، يغلب على طبعه حب الرياسة، والحكم والسياسة، ويحب الحركة بالليل والنهار، ويمل السكون والقرار، وذلك مما يورث الخلل، ويوقع ف الزلل، فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل، ويصاحبه الخوف والوجل، ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف، ويحلى باتباع الحق والإنصاف، أوقع صاحبه في الخذلان، وصيره مثلة بين الأقران، كما قال البدر الحجازي رحمه الله تعالى:

    إذا بعبد أراد الله نائبة ........ أعطاه ما شاء من علم بلا عمل

    فعده لاصطياد المال مصيدة ........ يعدو به عدو معدود من الهمل

    مثل الحمار الذي الأسفار يحملها ........ وما استفاد سوى الإجهاد والملل

    يقول بالأمس عند القاضي كنت كذا ........ عند الأمير وقد أبدى البشاشة لي

    وقام لي وبقدري قام أطعمني ........ حلوى وألبسني الحالي من الحلل

    ومن مكاني والحكام طوع يدي ........ وأين مثلي وما في الكون من مثلي

    أجيد فقهاً وتفسيراً ومنطق مع ........ علم الحديث وعلم النحو والجدل

    وغيرها من علوم ليس من أحد ........ يحاول البعض منها غير منخذل

    فصال إذ صار بالأشرار متصلاً ........ على الأنام صيال الصارم الصقل

    له يشار إذا ما سار وهو على ........ ركوب بغل سمين في الدواب علي

    يقال هذا فلان والصحاب به ........ قد أحدقت ملأت كفيه بالقبل

    يصيح إذ رام يقريهم بهمته ........ صياح شخص عن المعقول في عقل

    يقول ذا مذهبي أو ما فهمت وذا ........ بالرد عندي أولى ليس ذا بجلي

    كأنه في الورى قد صار مجتهداً ........ كالشافعي وأبي ثور أو الذهلي

    فتاه في تيه وادي العجب ليس له ........ إلى هداه سبيل ما من السبل

    وصار منجدلاً في المقت ميت هوى ........ أثوابه كفناً عدت بلا جدل

    فيا لداهية دهياء قد نزلت ........ به وزل بها في هوة الزلل

    أذ أعقبته عقاباً لا عقيب له ........ وعلة ما علاها قط من علل

    فحين حلت به حلت حلاه وما ........ لمن يحاول عنه الحمل من حيل

    فعنه فجا شنيعاً خذ بعيد ردى ........ على متون جياد العزم وارتحل

    إذ ذلك الشخص إبليس التعيس ومن ........ له بإبليس يا للناس من قبل

    إليك يا ملجأ الجاني لجا حسن ........ هو للحجازي الذي قد جال في الوجل

    من الدعاء الذي لا نفع فيه ومن ........ فحش المقال وسوء الحال والمحل

    وصل رب وسلم ما استنار ضحى ........ على نبيك طه أفضل الرسل

    والآل والصحب والأتباع من كملوا ........ ما أوجد الله من عال ومستفل

    اللهم الطف بنا ووفقنا وارحمنا وأحسن عاقبتنا وقنا واكفنا شر أنفسنا يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.

    الشيخ حسن بن إسماعيل بن حسين المغربي حفيد صاحب البدر التمام

    كان بارعاً في جميع العلوم والمعارف شيخ مشايخ عصره، قال في البدر الطالع بعد

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1