Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى
الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى
الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى
Ebook680 pages5 hours

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى هو كتاب تاريخ من تأليف المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري، ويعد من أشهر المؤلفات في تاريخ المغرب الأقصى من فترة الفتح الإسلامي إلى عصر المؤلف
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateAug 7, 1903
ISBN9786471839394
الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

Related to الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

Related ebooks

Reviews for الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - السلاوي

    الغلاف

    الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

    الجزء 2

    السلاوي

    1315

    الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى هو كتاب تاريخ من تأليف المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري، ويعد من أشهر المؤلفات في تاريخ المغرب الأقصى من فترة الفتح الإسلامي إلى عصر المؤلف

    له حلبة الخيل العتاق ........ نشاوى تهادت تطلب العزف والقصصا

    عرائس أغنتها الحجول عن الحلي ........ فلم تبغ خلخالاً ولا التسمت وقفا

    فمن يقق كالطرس تحست إنه ........ وان جردوه في ملاءته الشفا

    وأبلق أعطى الليل نصف أهابه ........ وغار عليه الصبح فاحتبس النصفا

    وورد تغشى جلده شفق الدجا ........ فإذا حازه دلى له الذيل والعرف

    وأشقر مج الراح صرفاً أديمه ........ وأصفر لم يمسح بها جلده صرفا

    وأشعب فضى الأديم مدنر ........ عليه خطوط غير مفهمة حرفا

    كما خطخط الراهي بمهرق كاتب ........ فجر عليه ذيله وهو ما جفا

    تهب على الأعداء منها عواصف ........ ستنسف أرض المشركين بها نسفا

    ترى كل طرف كالغزال فتمتري ........ أضبياً تحت العجاجة أم طرفا

    وقد كان في البيداء بألف سربه ........ فربته مهراً وهي تحسبه حشفا

    تناوله لفظ الجواد لأنه ........ إذا ما أردت الجرى أعطاكه ضعفاً .

    ومما مدح به المنصور رحمه الله قول بعض شعراء عصره حين طلب منه الفنش الصلح فأجابه إليه:

    أهل بأن يسعى إليه ويرتجي ........ ويزار من أقصى البلاد على الرجا

    من قد غدا بالمركمات مقلداً ........ وموشحتً ومختماً ومتوجاً

    عمرت مقامات الملوك بذكره ........ وتعطرت منه الرياح تأرجاً

    ودخل عليه الأديب أبو اسحق إبراهيم بن يعقوب الكاتمي الأسود الشاعر فانشده:

    أزال حجابه عني وعيني ........ تراه من المهابة في حجاب

    وقربني تفضله ولكن ........ بعدت مهابة عند اقترابي

    وكاتم بكسر النون جنس من السودان وهم بنو عم تكرور، وليس اسمهما للانتساب لأب أو أم، وإنما كاتم اسم بلدة بنواحي غانة فسمي هذا الجنس بها، وكذلك تكرور اسم الأرض التي هم بها فسموا بها، والله أعلم.

    بقية أخبار المنصور وسيرته

    قال ابن أبي زرع: كان المنصور رحمه الله ذا رأي وحزم ودين وسياسية، قال: وهو أول من كتب العلامة بيده من ملوك الموحدين: والحمد لله وحده فجرى عملهم على ذلك. وقد تقدم لنا أن ذلك كان في دولة أبيه فالله اعلم .وهو واسطة عقد ملوك الموحدين الذين ضخم الدولة وشرفها. وكانت أيامه أيام دعة وأمن ورخاء ورفاهية وبهجة، صنع الله عز وجل في أيامه الأمن بالمشرق والمغرب والأندلس، فكانت الظغينة تخرج من بلاد تول فتنتهي إلى برقة وحدها لا ترى من يعرض لها ولا من يسومها بسوء ضبط الثغور، وحصن البلاد، وبنى المساجد والمدارس في بلاد أفريقية والمغرب والأندلس، وبنى المرستانات للمرضى والمجانين وأجرى عليهم الإنفاق في جميع أعماله، وأجرى المرتبات على الفقهاء وطلبة العلم، كل على قدر مرتبته، وبنى الصواع والقناطر، وحفر الآبار للماء في البرية واتخذ عليها المنازل من السوس الأقصى إلى سويقة ابن مصكوك، فكانت أيامه زينة للدهر وشرفاً للإسلام وأهله، وقال ابن خلكان: كان يعقوب المنصور رحمه الله صافي السمرة جداً، إلى الطول ما هو، جميل الوجه، أقوه، أعين. شديد الكحل. ضخم الأعضاء، جوهري الصوت، جزيل الألفاظ. من أصدق الناس لهجة، وأحسنهم حديثاً، وأكثرهم إصابة بالظن، مجرياً للأمور، ولي وزارة أبيه فبحث عن أحوال حثاً شافياً، وضالع مقاصد العمال والولاة وغيرهم مطالعة أفادته معرفة جزيئات الأمور، فلما مات أبوه اجتمع رأي اشايخ الموحدين على تقديمه فقام بالأمر أحسن قيام، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع، ونظر في أمور الدين والورع، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الاقربين، كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه، وعظمت الفتوحات، وكان قد أمر لأول دولته بقراءة البسملة في أول الفاتحة في الصلوات، وأرسل بذلك إلى سائر بلاد الإسلام التي في ملكه ،: فأجاب قوم وامتنع آخرون، وكان ملكاً جواداً عادلاً، متمسكاً بالشرع المطهر. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما ينبغي من غير محاباة، ويصلي بالناس الصلوات الخمس، ويلبس الصوف، ويقف للمرأة والضعيف ويأخذ لهم بالحق .قال ابن خلكان: وسمعت عنه حكاية يليق أن نذكرها هنا، وهي أن الشيخ أبا محمد عبد الواحد ابن عاشر أبي حفص كان قد تزوج أخت يعقوب المنصور، فأقامت عنده ثم جرت بينهما منافرة: فجاءت إلى بيت أخيها يعقوب المنصور، فسير الشيخ عبد الواحد في طلبها عليه، فشكى الشيخ عبد الواحد ذلك إلى قاضي الجماعة بمراكش، وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن مروان، فاجتمع القاضي المذكور بأمير المؤمنين يعقوب المنصور، وقال له: (إن الشيخ ابن محمد عبد الواحد يطلب أهله) فسكت عنه المنصور، ومضت أيام، ثم أن الشيخ أبا محمد اجتمع بالقاضي المذكور في قصر المنصور بمراكش وقال له: (أنت قاضي المسلمين وقد طلبت أهلي فما جاءوني) فاجتمع القاضي بالمنصور وقال له: (يا أمير المؤمنين الشيخ عبد الواحد قد طلب الهمرة وهذه الثانية) فسكت المنصور ثم بعد ذلك بمدة لقي الشيخ عبد الواحد القاضي بالقصر المذكور فقال له: (يا قاضي المسلمين قد قلت لك مرتين وهذه الثالثة أنا أطلب أهلي وقد منعوني منهم) فاجتمع القاضي بالمنصور، وقال له: (يا مولانا أن الشيخ عبد الواحد قد تكرر طلبه لأهله، فأما أن تسير إليه أهله، وأما أن تعزلني عن القضاء) فسكت المنصور وقيل إنه قال له: (يا عبد الله ما هذا إلا جد كبير) ثم استدعى خادماً وأمره سراً بأن تحمل أهل الشيخ عبد الواحد اليه، فحملت إليه في ذلك اليوم، ولم يتغير على القاضي ولا قال له شيئاً يكرهه، وتبع في ذلك حكم الشرع المطهر وانقاد لأمره، وهذه حسنة تعد له وللقاضي أيضاً فإنه بالغ في إقامة منار الشرع والعدل .وكان المنصور يشدد في إلزام الرعية بإقامة الصلوات الخمس، وقتل في بعض الأحيان على شرب الخمر، وقتل العمال الذين تشكرهم الرعايا، وأمر برفض فروع الفقه وإحراق كتب المذاهب وإن الفقهاء لا يفتون إلا من الكتاب والسنة النبوية، ولا يقلدون أحداً من الأئمة المجتهدين، بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الكتاب والحديث والإجماع والقياس .قال ابن خلكان: ولقد أدركنا جماعة من مشايخ المغرب وصلوا إلينا وهم على ذلك الطريق، مثل أبي الخطاب بن دحية وأخيه أبي عمرو، ومحيي الدين بن عربي نزيل دمشق وغيرهم، وكان يعاقب على ترك الصلوات، ويأمر بالنداء في الأسواق بالمبادرة إليها، فمن غفل عنها أو اشتغل بمعيشته عزره تعزيراً بليغاً .وكان قد عظم ملكه واتسعت دائرة سلطنته، حتى إنه لم يبق بجميع أقطار بلاد المغرب من البحر المحيط إلى برقة إلا من هو في طاعته وداخل في ولايته إلى غير ذلك من جزيرة الأندلس، وكان محسناً، محباً للعلماء مقرباً للادباء، مصغياً إلى المدح، مثنياً عليه، وله ألف أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي كتابه الذي سماه صفوة الأدب وديوان العرب في نختار الشعر، وهو مجموع مليح أحسن في اختياره كل الإحسان .وكان المنصور يضرب به المثل في حسن التوقيع وإجادته وقد تقدم لنا ما وقع به على كتاب الفنش .وحكى ابن الخطيب في رقم الحلل: أن المنصور طلب يوماً من قاضيه أن يختار له رجلين لغرضين من تعليم ولد، وضبط أمر، فعرفه برجلين، قال في أحدهما: وهو بحر في علمه، وقال في الآخر: وهو بر في دينه، ولما خرج المنصور أحضرهما واختبرهما فقصرا بين يديه، وأكذبا الدعوى، فوقع المنصور على رقعة القاضي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ظهر الفساد في البر والبحر، قال إن الخطيب: وهذا من التوقيع العريق في الإجادة والصنعة .وكان مجلس المنصور رحمه الله مجلس الفضلاء والأدباء وأرباب المعارف والفنون. حكى أبو الفضل التيفاشي قال: جرت مناظرة بين يدي ملك المغرب يعقوب المنصور، وكان بين الفقه أبي الوليد بن رشد المعروف بالحفيد، والرئيس الوزير أبي بكر بن زهر بضم الزاي، وكان الأول قرطبياً، والثاني اشبيلياً، فقال ابن رشد لابن زهر في تفضيل قرطبة: (ما ادري ما تقول غير إنه إذا مات عالم باشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وان مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى اشبيلية) .وهذا الوزير ابن زهر هو أحد أعيان وزراء الدول الموحدية، وزر للمنصور ولأبيه من قبله .قال ابن خلكان: كان ابن زهر من أهل بيت كلهم علماء رؤساء حكماء وزراء، نالوا المراتب العلية، وتقدموا عند الملوك، ونفذت أوامرهم وكان يتكرر رورده على الحضرة بمراكش فيقيم بها ويرجع إلى الأندلس، ومما قاله بمراكش يتشوق إلى ولد له صغير تركه باشبيلية:

    ولي واحد مثل فرخ القطا ........ صغير تخلف قلبي لديه

    نأت عنه داري فيا وحشتي ........ لذاك الشخيص وذاك الوجيه

    تشوقي وتشوقه ........ فيبكي علي وأبكي عليه

    لقد تعب الشوق ما بيننا ........ فمنه إلي ومني إليه

    قال العلامة الأديب أبو العباس المقري في نفح الطيب: اخبرني الطبيب الماهر السقة الصالح العلامة سيدي أبو القاسم بن محمد الوزير الغاني الأندلسي الأصل، الفاسي المولد والنشأة، حكيم حضرة السلطان أبي العباس المنصور بالله السعدي، أن ابن زهر لما قال هذه الأبيات وسمعها يعقوب المنصور أرسل المهندسين إلى اشبيلية - يعني من غير علم من ابن زهر - وأمرهم أن يحيطوا علماً ببيوت ابن زهر وحارته، ثم يبنوا مثلها بحضرة مراكش. ففعلوا ما أمرهم به في اقرب مدة، وفرشها بمثل فرشه، وجعل فيها مثل آلاته، ثم أمر بنقل عيال ابن زهر وأولاده وحشمه وأسبابه إلى تلك الدار، ثم احتال عليه حتى جاء إلى ذلك الموضع فرآه أشبه بشيء ببيوته وحارته، فاحتار لذلك وظن إنه نائم وان ذلك أحلام، فقيل له: ادخل البيت الذي يشبه بيتك، فدخله فإذا ولده الذي يتشوق إليه يلعب في البيت، فحصل له من السرور ما لا مزيد عليه ولا يعبر عنه. (هكذا هكذا وإلا فلا لا) .ومن آباء المنصور الوزير الطبيب الشهير أبو بكر بن طفيل من أهل وادي آش، كان حاذقاً بصناعة الطب والجراحات. ومن أطبائه أيضاً الحفيد بن رشد المتقدم الذكر. ومن كتابه الكاتب البارع أبو الحسن عبد الملك بن عياش القرطبي النشأة، اليابوري الاصل، والفقيه البارع أبو الفضل بن طاهر من أهل بجاية، ومن الفقهاء الذين كانوا يجالسونه ويسامرونه بن طاهر من أهل بجاية، ومن الفقهاء الذين كانوا يجالسونه ويسامرونه الفقيه الحافظ أبو بكر بن الجد، والفقيه القاضي أبو عبد الله ابن الصقر، وغيرهم رحم الله الجميع.

    وفاة يعقوب المنصور رحمه الله

    قال ابن أبي زرع: لما رجع المنصور من الأندلس إلى مراكش اخذ البيعة لولده أبي عبد الله الملقب بالناصر لدين الله. فبايعه كافة الموحدين وسائر أهل الأمصار والأقطار، فلما تمت البيعة للناصر المذكور وجلس في محل الخلافة وجرت الأحكام والأوامر باسمه وعلى يديه في حياة أبيه دخل المنصور قصره فلزمه .وقال ابن خلكان: لما وصل المنصور إلى مراكش - يعني بعد قدومه من الأندلس - أمر باتخاذ الأحواض والروايا وآلات السفر للتوجه إلى بلاد أفريقية، فاجتمع إليه مشايخ الموحدين وقالوا له: يا سيدنا قد طالت غيبتنا بالأندلس، فمنا من له خمس سنين وغير ذلك. فتنعم علينا بالمهلة هذا العام وتكون الحركة في أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، فأجابهم إلى سؤالهم، وانتقل إلى مدينة سلا وشاهد ما فيها من المتنزهات المعدة له .وكان قد بنى بالقرب من المدينة المذكورة مدينة عظيمة سماها رباط الفتح على هيئة الإسكندرية في الاتساع وحسن التقسيم وإتقان البناء وتحصينه وتحسينه، وبناها على البحر المحيط الذي هناك، وهي على نهر سلا مقابلة لها من البر القبلي، وطاف تلك البلاد وتنزه فيها ثم رجع إلى مراكش .قال ابن خلكان: وبعد هذا اختلفت الروايات في أمره، فمن الناس من يقول: إنه ترك ما كان فيه وتجرد وساح في الأرض حتى انتهى إلى بلاد الشرق، وهو مستخف لا يعرف ومات خاملا، ومنهم من يقول: إنه لما رجع إلى مراكش كما ذكرناه توفي في غرة جمادى الأولى، وقيل في ربيع الآخرة في سابع عشرة، وقيل في غرة صفر، ولم ينقل شئ من أحواله بعد ذلك إلى حين وفاته. وقيل توفي بمدينة سلا .قال ابن خلكان: ثم حكى لي جمع كثير بدمشق أن بالقرب من المجدل - البليدة من أعمال البقاع العزيز - قرية يقال لها حمارة، والى جانبها مشهد يعرف بقبر الأمير يعقوب ملك المغرب، وكل أهل تلك النواحي متفقون على ذلك وليس عندهم فيه خلاف، وهو القبر بينه وبين المجدل مقدار فرسخين من جهتها القبلية بغرب، قال: وكان أوصى أن يدفن على قارعة الطريق ليترحم عليه من يمر به .قال المقري في نفح الطيب: هذه مقالة عامية لا يثبتها علماء الغرب، وسبب هذه المقالة تولع العامة به، فكذبوا في موته، وقالوا: إنه ترك الملك وحكوا ما شاع إلى الآن وذاع مما ليس له أصل، ثم نقل عن الشريف الغرناطي مثل ذلك فانظره .قال مؤلفه عفا الله عنه: وعندي أن إنكار ما حكاه ابن خلكان ليس بجيد، وهب أن أهل المغرب قالوا ذلك تولعاً به فما بال أهل المشرق يتولعون به ويتخذون له المشهد ثم يتفق كبيرهم وصغيرهم على إنه قبر يعقوب ملك المغرب من غير اصل ولا مستند، هذا بعيد في العادة، بل لابد أن يكون لذلك اصل والله أعلم بحقيقته. نعم، ما تزعمه عامة المغرب في حمة أبي يعقوب التي بقرب مدينة فاس إنها منسوبة ليعقوب المنصور هذا، وإنه رصد لها عفريتين يوقدان عليها إلى الأبد، وإن حرارة مائها بسبب ذلك الاياقد، وإن الشفاء يحصل للمستحمين إنما هو ببركة يعقوب المنصور، وجعلوا له زوجة أو بنتاً اسمها شافية اشتقاقاً من لفظ الشفاء الحاصل بتلك العين كله باطل، وإنما حرارة العين خاصية أودعها الله في اصلها ومنبعها، وكذا الشفاء الحاصل بها إنما هو بخاصية في ذلك الماء، ولعلها ما فيه من الكبريتية، فأنا نرى أصحاب الجرب يتلطخون بالكبريت المعالج فيشفون، وكم من عين على وجه الأرض في المشرق والمغرب، وبلاد المسلمين والكفار على هذه الحالة كما اخبر بذلك غير واحد .قال الجوهري في الصحاح الحمة العين الحارة يستشفي بها الإعلاء والمرضى وفي الحديث العالم كالحمة ومثله في القاموس: بل ذكر فيه أن مدينة تفليس - وهي قصبة كرجستان عليها سوران - قال وحمامتها تنبع ماء حاراً بغير نار .وقد ذكر ابن أبي زرع في القرطاس حمة أبي يعقوب هذه، وذكر معها حمتين أخريين فقال: (وبالقرب أيضاً من مدينة فاس على مسيرة أربعة أميال منها حمة عظيمة تعرف بحمة خولان، ماؤها في أشد ما يكون من السخونة، وبالقرب أيضاً منها حمة وشنانة وحمة أبي يعقوب وهي من الحمات المشهورة بالمغرب) كلامه فقد ذكر أبا يعقوب بلفظ الكنية فهو غير يعقوب المنصور قطعاً، ولعله أبو يعقوب الأشقر الآتي ذكره في أحداث المائة السابعة .ولنرجع إلى الكلام على وفاة المنصور عند علماء المغرب فنقول: قال ابن الخطيب في رقم الحلل: توفي يعقوب المنصور رحمه الله في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ودفن بمجلس سكناه من مراكش، وكذب العامة بموته ولوعاً وتمسكاً به، فادعوا إنه ساح في الأرض .وقال ابن أبي زرع، لما حضرت المنصور الوفاة قال ما ندمت على شيء فعلته في خلافتي إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها، الأولى: إدخال العرب من أفريقية إلى المغرب مع أني أعلم إنهم أهل فساد. والثانية: بناء رباط الفتح أنفقت فيه بيت المال وهو بعد لا يعمر، والثالثة: إطلاقي أسارى الارك، ولابد لهم أن يطلبوا بثأرهم .قلت ما ذكر رحمه الله في رباط الفتح من إنه لا يعمر قد تخلف ظنه فيه، فهو اليوم من أعمر أمصار المغرب وأحضرها حرسه الله وحرس سائر أمصار ما كان في هذه المدة من الأحداث فنقول: في سنة أربعين وخمسمائة هدم على بن عيسى بن ميمون - وكان من رؤساء البحر في دولة اللمتونيين - صنم قادس، وقادس هذه هي الجزيرة المسماة في لسان العامة اليوم بقالص، وكان بها صنم عظيم على صورة رجل وبيده مفتاح يقال أن حكماء اليونان اتخذوه طلسماً هناك، وكان من خاصيته أن يمنع هبوب الريح فيما جاوره من البحر المحيط، فكانت السفن لا تجري هناك على ما قيل، فلما قار ابن ميمون المذكور بالجزيرة المذكورة ظن ان تحت الصنم مالا فهدمه فلم يجد شيئاً .وفي السنة المذكورة توفي أبو علي منصور بن إبراهيم المسطاسي دفين آزمور، وكان كبير الشأن من أهل العلم والعمل ومن أشياخ أبي شعيب السارية .وفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة توفي الإمام الهمام الحافظ البارع أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي قال ابن خلكان: توفي بمراكش يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة، وقيل: في شهر رمضان من السنة المذكورة، ودفن بباب آيلان داخل المدينة، وذلك في دولة عبد المؤمن ابن علي .وفي سنة تسع وخمسين وخمسمائة توفي الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حرزهم، بمنتهى نسبه إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو من أهل مدينة فاس، وبها توفي أخريات شعبان من السنة المذكورة، وكان فقيها زاهداً صوفياً، قال أبو الحسن المذكور: (اعتكفت على قراءة الإحياء سنة، فجردت المسائل التي ننتقد عليه وعزمت على إحراق الكتاب، فنمت فرأيت قائلا يقول: جردوه واضربوه حد الفرية، فضربت ثمانين سوطاً، فلما استيقظت جعلت اقلب ظهري ووجدت الألم الشديد من ذلك فتبت إلى الله، ثم تأملت تلك المسائل فوجدتها موافقة للكتاب والسنة ). وقد تقدم لنا ما اتفق له مع السلطان في جنازة أبي الحكيم بن برجان .وفي سنة إحدى وستين وخمسمائة توفي الشيخ القدرة أبو شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي الملقب بسارية من أهل مدينة ازمور، وبها توفي يوم الثلاثاء عاشر ربيع الثاني من السنة المذكورة، وكان رضي الله عنه شديد المراقبة والورع والخوف من الله تعالى، وكان إذا وقف في صلاته يطيل القايم، فلذلك لقب بالسارية، ونقلت عنه في الورع والخوف حكايات أنظر التشوف .قال مؤلفه رحمه الله عنه كنت زرت ضريح هذا الشيخ سنة ثمانين ومائتين والف، ومدحته بقصيدة سلكت فيها مسلك الأدباء من النسيب وغيره، وأنشدتها عند ضريحه فرأيت لها بركة والحمد لله، فأحببت أن أذكرها هنا وهي هذه:

    لله يا ربع ما شجيت من شجن ........ على الفؤاد ومن ضنى على البدن

    وقفت فيك ركاباً طالما وقفت ........ على القصور على الأطلال والدمن

    أيام فيك حسان ما أشبهها ........ بالشمس حسناً ولا في اللين بالغصن

    وفيك أسد من الملوك عادتها ........ بذل النضار وصون البيض والحصن

    يحمون منك عراصاً كنت أعهدها ........ مأوى السرور فعادت موقف الحزن

    عانت يد الدهر فيهم منذ أزمنة ........ كأن بأسهم المجذور لم يكن

    قوم عرفت نداهم قبل معرفتي ........ نفسي وفاجأني في المهد بالمنن

    مذ ترعرعت لم أعلق بغيرهم ........ حتى كأني رضعت الحب في اللبن

    وقضيت حق الشباب في منازلتهم ........ أيام عيش لنا أحلى من الوسن

    من ظن بالدهر خيراً فهو منخدع ........ فوده هدنة تبنى على دخن

    لا أنتحي منهلا إلا شرفت به ........ ولا احل مكاناً ليس بالخشن

    ولا اصحاب من هذا الورى بشراً ........ إلا حصلت على رزق من الإحن

    حتى توهمت أنني جنيت لهم ........ حرب البسوس وأنني أبو الفتن

    وما لذي الفضل من ذنب يلام به ........ سوى فضيلته في دهره الزمن

    فعد يا قلب عن شكوى أضيق بها ........ ذرعاً فشكواك لي ضرب من الوهن

    ولست أحسب هذا الدهر مرعوياً ........ ولو تعلقت منه بابن ذي يزن

    حلا لقد علقت يدي بمن علقت ........ أيدي العفاة به في الشام واليمن

    يا عظم الناس منزلا ومنزلة ........ واسمح الناس كفا بالندى الهتن

    واشمخ الناس قدرا في اللورى وعلا ........ واحكم الناس للفروض والسنن

    ذاك الوالي الذي كل الأنام غدا ........ يتلو مناقبه في السر والعلن

    أبو شعيب الذي من بحره انشعبت ........ جداول اليمن في الأحياء والمدن

    بدر غدا في سماء المجد مكتملا ........ به علا ذكر آزمور في الوطن

    أرض إذا الضرع المحروم يممها ........ ألفى بها بدل الاهلين والسكن

    أود من أجل ثاويها حجارتها ........ واجعل الترب لي مسكاً بلا تمن

    وكيف لا تطبي قلبي منازل من ........ به أكون من الأحداث في جنن

    مجلي الغياهب مبذول المواهب مق _ فو المذهب بالجنيد والقرني

    بحر الحقيقة والغوث الذي لهجت ........ به القبائل في المقام والطعن

    ما زال يرقى الذرى من كل صالحه ........ حتى اكتسى شهرة النيران في القنن

    يا خير من أمه العافي ولاذ به ........ أهل الجرائم والأوزار والمحن

    أني خدمتك في شعر عنيت به ........ وليس لولا حلال الزهر بالحسن

    أشكو إليك سقاماً أنت مبرئه ........ ولست أرجو سؤالك منه ينعشني

    وشد أزري فأني كنت معتقداً ........ إذا بلغتك قدت الدهر بارسن

    وانظر بفضلك من وافاك معتفياً ........ فان نظرت فكل الخير يشملني

    واعظم السؤال منك النفس تصلحها ........ وطهر القلب ما لأمراض والدرن

    وامنحه نوراً وتوفيقاً ومعرفة ........ أرى بها علمي واليسر في قرن

    فجد بما رمت من جدواك يا أملي ........ فبحر جودك عذب ليس بالاجن

    سقى ضريحك غيث ما يزال به ........ بستان أنسك وهو مورق الفنن

    بجاه أفضل خلق الله كلهم ........ محمد ذي المزايا الغر والمنن

    عليه أزكى صلاة الله ما تليت ........ صحف وما نسج القريض ذو لسن

    والآل والصحب والأزواج قاطبة ........ ومن قفا نهجهم في كل ما زمن

    واعلم أن التعلق بأولياء الله رضي الله عنهم يجب أن يكون مع استحضار ان الله تعالى هو المطلوب على الحقيقة، والفاعل للأشياء كلها، لا معبود غيره، ولا مرجو سواه، وإنما التمسك بأهل الله لأجل التبرك بهم والاستشفاع بهم إلى الله تعالى، لأنهم أبواب الله والدالون عليه، نفعنا الله بهم وأفاض علينا من مددهم آمين .وفي سنة تسع وستين وخمسمائة توفي الفقيه العالم أبو اسحق إبراهيم بن يوسف المعروف بابن قرقول - صاحب كتاب مطالع الأنوار، الذي وضعه على مثال كتاب مشارق الأنوار للقاضي عياض - كان من الأفاضل، وصحب جماعة من علماء الأندلس، وتوفي بمدينة فاس يوم الجمعة أول وقت العصر سادس شوال من السنة المذكورة، وكان قد صلى الجمعة في الجامع ذلك اليوم، فلما حضرته الوفاة تلى سورة الإخلاص وجعل يكررها بسرعة، ثم تشهد ثلاث مرات وسقط على وجهه ساجداً فوقع ميتاً رحمه الله .وفي سنة سبعين توفي الفقيه أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأنصاري المعروف بالمتيطي، ومتيطية قرية باحواز الجزيرة الخضراء، وهو الموثق المشهور، لازم مدينة فاس خاله أبا الحجاج المتيطي وبين يديه تعلم عقد الشروط، وله كتاب كبير في الوثائق سماه النهاية والتمام في معرفة الوثائق والاحكام، ثم انتقل إلى سبتة فاستوطنها ولازم مجالس علمائها بالمناظرة والتفقه، ومهر في كتابة الشروط واشتغل بها وحتى لم يكن في وقته اقدر منه عليها، وكان له في السجلات اليد الطولى، وطبع عليها حتى كاد طبعه لا يواتيه في سواها بل كان طبعه في ذلك اكثر من فقيهه، ثم ولي القضاء بشريش، وأصابه خضر لازمه نحو السنتين، ثم توفي مستهل شعبان من السنة المذكورة .وفي سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة توفي وحيد عصره، وأعجوبة دهره الولي العارف الشيخ أبو يعزي يلنور بن ميمون، قال قوم: إنه من هزميرة ابرجان، وقيل من بني صبيح من هسكورة، مات وقد نيف على المائة بنحو الثلاثين سنة، ودفن بجبل ايرجان في أوائل شوال من السنة المذكورة، كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه يقول: رأيت أخبار الصالحين من زمن اوبس القرني إلى زماننا هذا فما رأيت اعجب من أخبار أبي يعزي، قال: ونظرت في كتب التصوف فما رأيت مثل الإحياء للغزالي، وكان لباس الشيخ أبي يعزي برنساً أسود مرقوعاً إلى أسفل من ركبتيه، وجبة من تلبس مطرف، وشاشية من عزف، وكان يتعيش من نبات الأرض، ولا يشارك الناس في معايشهم، وكان طويلا رقيقاً أسود اللون، وكان إذا جنه الليل دخل غيضه كثيرة المباع يتعبد فيها، فإذا قرب الفجر أعلم أصحابه به، وأحواله رضي الله عنه وكراماته كثيرة .وفي سنة ثلاث وسبعين بعدها توفي الشيخ العارف أبو الحسن علي بن خلف بن غالب القرشي دفين قصر كتامة، نشأ بشلب من بلاد الأندلس وقرأ بقرطبة، واستقر آخراً بقصر كتامة وبه توفي في السنة المذكورة، وقيل ان وفاته كانت سنة ثمان وستني قيل هذا التاريخ والله اعلم، وكان رضي الله عنه متمكناً في علوم القوم، وكان الأولياء يحضرون مجلسه، وهو من تلامذة أبي العباس بن العريف المتقدم الذكر .في سنة ثمانين وخمسمائة توفي الشيخ أبو عبد الله التاودي المعلم من أهل مدينة فاس، ومن أصحاب الشيخ أبي يعزي، وكان يعلم الصبيان فيأخذ الأجر من أولاد الأغنياء فيرده على أولاد الفقراء، ومات بفاس في السنة المذكورة وهي النسبة التي بنى تاودي وهي قبيلة بقرب فاس .وفي سنة إحدى وثمانين بعدما توفي الإمام المشهور أبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن احمد السهلي الخشعمي صاحب كتاب الروض الأنف وغيره من التآليف الحسان، وصاحب الأبيات المشهورة في الدعاء وهي:

    يا من يرى ما في الضمير ويسمع ........ أنت المعد لكل ما يتوقع

    يا من يرجى للشدائد كلها ........ يا من إليه المشتكى والمفزع

    يا من خزائن رزقه في قول كن ........ أمنن فان الخير عندك اجمع

    مالي سوى فقري إليك وسيلة ........ فبافتقاري إليك فقرى أدفع

    مالي سوى قرعي لبابك حيلة ........ فلئن رددت فأي باب اقرع

    ومن الذي أدعو وأهتف باسمه ........ إن كان فضلك عن فقيرك يمنع

    حاشى لجودك أن تقنط عاصياً ........ الفضل أجزل والمواهب أوسع

    كان بلدته سهيل وهي قرية قرب من مالقة يتسوغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف، حتى نمى خبره إلى السلطان بمراكش فطلبه إليها واحسن اليه، واقبل بوجهه غاية الإقبال عليه، فأقام بها نحو ثلاث سنين، ثم توفي بها يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان من السنة المذكورة، ودفن وقت الظهر خارج باب الرب أحد أبوب مراكش، وكان رحمه الله ضريراً نفعنا الله تعالى به .وفي سنة تسعين وخمسمائة توفي ولي الله تعالى أبو محمد عبد الحليم بن عبد الله المراسي المعروف بالغماد من صلحاء سلا، كان رحمه الله عبداً صالحاً، يدور على المكاتب، ويستوهب الدعاء من الصبيان، ويبكي على نفسه، وله كرامات، وتوفي ببلده المذكور، وقبره معروف ملاصق للمسجد الأعظم قرب بابه الكبير من جهة القبلة .وفي سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة توفي الشيخ أبو يعقوب يوسف بن علي المبتلى. المعدود في سبعة رجال من صلحاء مراكش، وكان رضي الله عنه كبير الشأن، فاضلا صابراً راضياً على ربه فيما ابتلاه به من داء الجذم، سقط بعض جسده ذات يوم، فصنع طعاماً كثيراً للفقراء شكراً لله تعالى على ذلك، وكان يسكن بحارة الجذمي العتيقة قبلي مراكش، وبها مات في شهر رجب من السنة المذكورة، ودفن خارج باب أغمات عند رابطة الغار، واحتفل الناس لجنازته رضي الله عنه .وفي سنة أربع وتسعين بعدها توفي الشيخ العارف بالله تعالى، أبو مدين شعيب بن الحسن الأنصاري، الولي الكبير المشهور، أصله من حصن قطنيانة من عمل اشبيلية، ثم انتقل إلى العدوة فأخذ عن الشيخ أبي الحسن ين حرزهم، وعن الشيخ أبي يعزي وبه انتفع وعليه تخرج، وكان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه من العارفين الراسخين، وقد خاض من الأحوال بحاراً، ومن المعارف أسراراً، وجال في حداثة سنه في بلاد المغرب من سبتة ومراكش وفاس، ولازم بفاس الشيخ ابن حرزهم كما قلنا، ثم سمع بخبر الشيخ أبي يعزى فقصده وأخذ عنه وظهرت عليه بركته .قال الشيخ أبو مدين: (لما قدمت فاساً لقيت بها الأشياخ، فسمعت رعاية المحاسبي علي أبي الحسن بن حرزهم، وكتاب السنن للترمذي على أبي الحسن بن غالب، وأخذت طريقة التصوف على أبي عبد الله الدقاق وأبي حسن السلاوي) قال: ط وكنت ازور الشيخ أبي يعزى مراراً فقال لي جماعة من الفقهاء المجاورين لأبي يعزى قد ثببت عدنان ولاية أبي يعوي ولكنا نشاهده يلمس بطون النساء وصدورهن ويتفل عليهن فيبرأن ونحن نرى أن لمسهن حرام، فإن تكلمنا في هذا هلكنا، وان سكتنا حرنا)، فقلت لهم: (أرأيتم لو أن ابنة أحدكم أو أخته أصابها داء لا يطلع عليه إلا الزوج، ولم يوجد من يعاينه إلا طبيب يهودي أو نصراني، ألستم تجيزون ذلك مع أن دواءه مظنون، ودواء أبي يعزى أنتم على يقين منه ؟فبلغ كلامي أبي يعزى فاستحسنه .قال محمد بن إبراهيم الأنصاري: (خرج الشيخ أبو مدين ألف تلميذ، وجاءه رجل ليعترض عليه فجلس في الحلقة فقال له أبو مدين) لم جئت ؟) قال: (لاقتبس من نورك) فقال له: ما الذي في كمك ؟فقال له: مصحف فقال له: افتحه وأقرا أول سطر يخرج لك) ففعل، فخرج له قوله تعالى) الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين، فقال له أبو مدين: اما يكفيك هذا، فاعترف الرجل وتاب. وكراماته رضي الله عنه كثيرة .وكان استوطن في آخر عمره بجاية، وكثر عليه الناي، وظهرت على يده كرامات فوشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور، وقال له: (أنا نخاف منه على دولتكم، فإن له شبهاً بالإمام المهدي، وأتباعه كثيرون في كل بلد، فوقع منه ذلك، فكتب لصاحب بجاية يبعثه إليه وأوصاه بالاعتناء به، وان يحمله إليه خير محمل ففعل .ولما كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه بالطريق مرض مرض موته، فلما وصل وادي يسر قرب تلمسان اشتد به مرضه فنزلوا به هنالك فكان آخر كلامه: الله الحق، فتوفي ودفن برابطة العباد قرب تلمسان. وسمع أهل تلمسان بجنازته فحضروها، وكانت من المشاهد العظيمة .وفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة: توفي الشيخ الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المهدوي صاحب كتاب الهداية، أقام نحو أربعين سنة لم تفته صلاة في جماعة إلا يوماً واحداً لعذر عاقه عن ذلك، دخل مدينة فاس ومعه نحو من أربعين ألفاً من المال، فما زال ينفقها في سبيل الخير حتى لم يبق له إلا دار سكناه فباعها من بعض أهل فاس وأعمر المشترى لها، فلما خرجت منها جنازته حازها المشتري المذكور، وكانت وفاته يوم لجمعة الخامس والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة .واعلم أنا قد قدمنا أن الشيخ أبا مدين كان تلميذاً للشيخ أبي يعزى، وكان الشيخ أبو يعزي تلميذاً للشيخ أبي شعيب السارية، وكان الشيخ أبو شعيب تلميذاً للشيخ أبي ينور الدكالي نفعنا الله بجميعهم وأفاض علينا من مددهم آمين .ولنرجع إلى أخبار الدولة الموحدية فنقول :^

    الخبر عن دولة أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد الناصر لدين الله بن يعقوب المنصور بالله

    بويع لأبي عبد الله محمد الناصر لدين الله في حياة والده يعقوب المنصور، ثم جددت البيعة له بعد وفاته وذلك يوم الجمعة الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وهو اليوم الذي توفي فيه أبوه، فأقام بمراكش بقية ربيع الأول وربيع الثاني، ثم نهض في فاتح جمادي الاولى إلى فاس، فأقام بها بقية السنة المذكورة .ثم غزا جبال غمارة من أجل علودان الغماري الثائر بها ففتحها، ثم رجع إلى افس فأتم بناء سورها الذي كان خربه عبد المؤمن وبنى قصبتها ورتب أمورها، وأقام بها إلى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، فعاد إلى مراكش وأقام بها إلى أن كان ما نذكره.

    غزو الناصر بلاد أفريقية وولاية الشيخ أبي محمد بن أبي حفص عليها والسبب في ذلك

    لما هلك المنصور رحمه الله قوى أمر يحيى بن اسحق - المعروف بابن غانية بأفريقية - واستولى على أعمال قراقوش الغزي صاحب طرابلس وعلى المهدية، وتغلب على بلاد الجريد، ثم نازل تونس سنة تسع وتسعين وخمسمائة وافتتحها عنوة لأربعة اشهر من حصارها في ختام المائة السادسة، وقبض على السيد أبي زيد وابنه ومن كان معه من الموحدين، وطالب أهل تونس بالنفقة التي انفق. وبسط عليهم العذاب حتى هلك في الامتحان كثير من بيوتاتهم. ثم دخل في دعوته أهل القيروان وغيرها من البلاد، وانتظمت له أعمال أفريقية، وفرق العمال، وخطب للخليفة العباسي .واتصل بالناصر وهو بمراكش هذا كله فامتعض لذلك، وشاور الموحدين في أمر أفريقية، فأشاروا عليه بمسألة ابن غنية، وأشار الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص بالنهوض إليها والمدافعة عنها، فعمل على رأيه، ونهض إليها سنة ستمائة وبعث الأسطول في البحر يحيى بن أبي زكريا الهزرجي .واتصل ذلك بابن غانية فبعث ذخائره وحرمه إلى المهدية مع علي بن الغاني من قرابته وولاه عليها .ولما قرب الناصر من أفريقية خرج ابن غانية من تونس إلى القيروان ثم إلى قفصة، واجتمع إليه العرب وأعطوه الرهائن على المظاهرة والدفاع، وسار إلى حامة مطماطة، ثم إلى جبل بني دمر فتحصن به .ووصل الناصر إلى تونس، ثم سار في اتباع ابن غانية إلى قفصة ثم إلى قابس، ثم عاد إلى المهدية فعسكر عليها، واتخذ الآلة لحصارها، وسرح الشيخ أبا محمد عبد الواحد لقتلا ابن غانية في أربعة الآل من الموحدين سنة اثنتين وستمائة، فلقيه بجبل تاورة من نواحي قابس وأوقع به، وقتل أخاه جبارة بن اسحق، واستنقذ السيد أبا زيد من معتقله .وأما الناصر فإنه استمر محاصراً

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1