Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
Ebook1,102 pages5 hours

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يعتبر كتاب شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك من المراجع الهامة بالنسبة للباحثين والمتخصصين في مجال دراسات الحديث الشريف؛ حيث يقع كتاب شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك في نطاق علوم الحديث الشريف والفروع وثيقة الصلة من علوم فقهية وسيرة وغيرها من فروع الهدي النبوي.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 1, 2023
ISBN9786336222927
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

Related to شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

Related ebooks

Related categories

Reviews for شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك - الزرقاني المصري الأزهري

    الغلاف

    شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

    الجزء 10

    الزرقاني المصري الأزهري

    يعتبر كتاب شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك من المراجع الهامة بالنسبة للباحثين والمتخصصين في مجال دراسات الحديث الشريف؛ حيث يقع كتاب شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك في نطاق علوم الحديث الشريف والفروع وثيقة الصلة من علوم فقهية وسيرة وغيرها من فروع الهدي النبوي.

    جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

    بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

    حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لِلطَّعَامِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا قَالَ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَآدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ بِالدُّخُولِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا»

    10 - بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

    1725 - 1675 - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ، زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالِدَةِ أَنَسٍ (لِأُمِّ سُلَيْمٍ) - بِضَمِّ السِّينِ - بِنْتِ مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيَّةِ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ الْفَاضِلَاتِ اسْمُهَا: سَهْلَةُ، أَوْ رُمَيْلَةُ، أَوْ رُمَيْثَةُ، أَوْ مُلَيْكَةُ، أَوْ أُنَيْفَةُ، اشْتَهَرَتْ بِكُنْيَتِهَا، مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، قَالَ الْحَافِظُ: اتَّفَقَتِ الطَّرْقُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ لِأُمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُوعَ» ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ: الْمَوْضِعُ الَّذِي أَعَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّلَاةِ فِيهِ حِينَ مُحَاصَرَةِ الْأَحْزَابِ لِلْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، («لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ»)، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَوْتِهِ حِينَ تَكَلَّمَ الْفَخَامَةَ الْمَأْلُوفَةَ، فَحَمَلَهُ عَلَى الْجُوعِ لِلْقَرِينَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى دَعْوَى ابْنِ حِبَّانَ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِجُوعٍ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ رَبْطِ الْحَجَرِ مِنَ الْجُوعِ تَصْحِيفٌ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ: «أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ صَحِيحَةٌ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَالِ، فَكَانَ أَحْيَانًا يَجُوعُ إِذَا لَمْ يُوَاصِلْ لِيَتَأَسَّى بِهِ أَصْحَابُهُ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا.

    وَلِمُسْلِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: «جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ، وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مِنَ الْجُوعِ، فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ» ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ جَاءَ فَسَمِعَ صَوْتَهُ وَرَآهُ.

    وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاوِيًا.

    وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَجِعًا يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ» ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ: «جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: أَعِنَدَكَ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُقْرِئُ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ سُورَةَ النِّسَاءِ، وَقَدْ رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ» ، (فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ) يَأْكُلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ)، جَمْعُ قُرْصٍ بِالضَّمِّ قِطْعَةُ عَجِينٍ مَقْطُوعٍ مِنْهُ.

    وَلِأَحْمَدَ: عَمَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نِصْفِ مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ، فَطَحَنَتْهُ ، وَلِلْبُخَارِيِّ: عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، ثُمَّ عَمِلَتْهُ عَصِيدَةً، وَفِي لَفْظٍ: خَطِيفَةً بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ الْعَصِيدَةُ وَزْنًا وَمَعْنَى.

    وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ: أَتَى أَبُو طَلْحَةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، فَأَمَرَ فَصَنَعَ طَعَامًا، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا بِأَنَّ الشَّعِيرَ فِي الْأَصْلِيِّ صَاعٌ، فَأَفْرَدَتْ نِصْفَهُ لِعِيَالِهِمْ، وَنِصْفَهُ لِلنَّبِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ مَا بَيْنَ الْعَصِيدَةِ وَالْخُبْزِ الْمَفْتُوتِ الْمَلْتُوتِ بِالسَّمْنِ مِنَ الْمُغَايَرَةِ.

    (ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا) - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - لَهَا، (فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بَعْضَهُ)، أَيِ الْخِمَارَ، (ثُمَّ دَسَّتْهُ)، أَيْ أَدْخَلَتْهُ بِقُوَّةٍ (تَحْتَ يَدِي) - بِكَسْرِ الدَّالِ - أَيْ إِبِطِي، (وَرَدَّتْنِي) - بِشَدِّ الدَّالِ - (بِبَعْضِهِ)، أَيْ جَعَلَتْهُ رِدَاءً لِي، وَلِلتِّنِّيسِيِّ: وَلَاثَتْنِي بَعْضَهُ بِمُثَلَّثَةٍ، فَفَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ، فَنُونٍ مَكْسُورَةٍ، أَيْ: لَفَّتْنِي، (ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ) أَنَسٌ: (فَذَهَبْتُ بِهِ) بِالَّذِي أَرْسَلَتْنِي، (فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ) الْمَوْضِعِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَنْدَقِ، (وَمَعَهُ نَاسٌ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آرْسَلَكَ) - بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ لِلِاسْتِفْهَامِ - (أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ) أَنَسٌ: (فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: لِلطَّعَامِ؟)، أَيْ لِأَجْلِهِ (قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُومُوا)، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلِذَا قَالَ لِمَنْ عِنْدُهُ: قُومُوا.

    وَأَوَّلُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ، وَأَبَا طَلْحَةَ أَرْسَلَا الْخُبْزَ مَعَ أَنَسٍ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بِإِرْسَالِ الْخُبْزِ مَعَ أَنَسٍ أَنْ يَأْخُذَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ أَنَسٌ وَرَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ حَوْلَهُ اسْتَحَى، وَأَظْهَرُهُ أَنَّهُ يَدْعُوهُ لِيَقُومَ مَعَهُ وَحْدَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ لِيَحْصُلَ قَصْدُهُ مِنْ إِطْعَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُ، عَهِدَ إِلَيْهِ إِذَا رَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ أَنْ يَسْتَدْعِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُمْ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَدْ عَرَفُوا إِيثَارَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ تَقْتَضِي أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَاهُ، فَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: «بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْعُوهُ، وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا» ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ: «أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْهِ» ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: «فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ» .

    وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ.

    وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ عَسَى أَنْ نَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَأْكُلَ عِنْدَنَا فَفَعَلَتْ فَقَالَتِ: ادْعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ اتْبَعْهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ» ، وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: «اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْ لَهُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَغَدَّى عِنْدَنَا فَافْعَلْ» ، وَلِلْبَغَوَيِّ عَنْ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَنَسٍ: «فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا بُنَيَّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادْعُهُ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ» ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَنَسٍ: «فَقَالَ: يَا بُنَيَّ اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَادْعُهُ وَلَا تَدْعُ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلَا تَفْضَحْنِي» "، قَالَهُ الْحَافِظُ، وَلَمْ يَتَنَزَّلْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْعَشْرِ وَبَيْنَ مُقْتَضَى أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ لِسُهُولَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ يَدْعُوهُ وَحْدَهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْخُبْزَ فَإِنْ جَاءَ قَدَّمُوهُ لَهُ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ لِمُحَاصَرَةِ الْأَحْزَابِ أَعْطَاهُ الْخُبْزَ سِرًّا.

    وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي أَنَّهُ أَقْرَاصٌ، أَوْ كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّهَا كَانَتْ أَقْرَاصًا مُكَسَّرَةً.

    وَقَوْلُهُ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ يُحْمَلُ عَلَى تَلْيِينِهِ بِنَحْوِ مَاءٍ، أَوْ سَمْنٍ لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهُ، كَأَنَّهُ كَانَ يَابِسًا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكِسَرِ غَالِبًا.

    (قَالَ: فَانْطَلَقَ) هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، (وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: «فَلَمَّا قُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا أَرْسَلَ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءَ مَعَهُ» ، (حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ) بِمَجِيئِهِمْ.

    وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا مُنْدَهِشٌ ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: يَا أَنَسُ فَضَحْتَنَا.

    وَلِلطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ: فَجَعَلَ يَرْمِينِي بِالْحِجَارَةِ.

    ( «فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ»)، أَيْ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِمْ، (فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِمْ إِلَّا وَسَيُطْعِمُهُمْ، كَأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لِيُظْهِرَ الْكَرَامَةَ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَرُجْحَانِ عَقْلِهَا.

    (قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُرْصٌ عَمِلَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ» ، وَفِي أُخْرَى: «إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى، فَقَالَ: ادْخُلْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ» ، (فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا)، وَقَعَدَ مَنْ مَعَهُ عَلَى الْبَابِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلُمِّي) - بِالْيَاءِ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: هَلُمَّ بِلَا يَاءٍ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِ لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَلَا يُؤَنَّثُ، وَمِنْهُ: هَلُمَّ إِلَيْنَا ، وَالْمُرَادُ: الطَّلَبُ، أَيْ هَاتِ (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ)، وَفِيهِ أَنَّ الصَّدِيقَ يَأْمُرُ فِي دَارِ صَدِيقِهِ بِمَا يُحِبُّ وَيُظْهِرُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ.

    وَالتَّحَكُّمُ لِآمِرِهِ بِفَتِّ الْخُبْزِ، وَقَوْلُ: هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ، وَهَذَا خُلُقٌ كَرِيمٌ رَفِيعٌ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْعَلَوِيُّ حِينَ افْتَخَرَ فَقَالَ:

    يَسْتَأْنِسُ الضَّيْفُ فِي أَبْيَاتِنَا أَبَدًا ... فَلَيْسَ يَعْرِفُ خَلْقٌ أَيَّنَا الضَّيْفُ

    (فَأَتَتْ) بِذَلِكَ الْخُبْزِ الَّذِي كَانَتْ أَرْسَلَتْهُ مَعَ أَنَسٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا مَعَهُ، وَخَاطَبَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ، (فَأَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ) - بِضَمِّ الْفَاءِ، وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ - أَيْ كُسِرَ، (وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا) - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَشَدِّ الْكَافِ -: إِنَاءٌ مِنْ جِلْدٍ مُسْتَدِيرٌ يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ غَالِبًا وَالْعَسَلُ.

    وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ: «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مِنْ سَمْنٍ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ شَيْءٌ فَجَاءَ بِهَا فَجَعَلَا يَعْصِرَانِهَا حَتَّى خَرَجَ» ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عَصَرَتْهَا لَمَّا أَتَتْ بِهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهَا وَعَصَرَاهَا اسْتِفْرَاغًا لِمَا بَقِيَ فِيهَا، أَوْ أَنَّهُمَا ابْتَدَآ عَصْرَهَا، ثُمَّ حَاوَلَتْ بَعْدَ عَصْرِهِمَا إِخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، أَوْ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ فِي: عَصَرَاهَا لَهَا وَلِأَبِي طَلْحَةَ، وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى أَنَّهَا الَّتِي عَصَرَتْ لِابْتِدَائِهَا بِالْعَصْرِ وَسَاعَدَهَا زَوْجُهَا، (فَأَدَمَتْهُ)، أَيْ صَيَّرَتْ مَا خَرَجَ مِنَ الْعُكَّةِ أُدْمًا لَهُ، (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ)، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: فَمَسَحَهَا وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ ، وَلِأَحْمَدَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَحْمَدَ: «فَجِئْتُ بِهَا، أَيِ الْعُكَّةِ فَفَتَحَ رِبَاطَهَا، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ» ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: «ثُمَّ مَسَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْصَ فَانْتَفَخَ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي الْجَفْنَةِ يَتَّسِعُ» ، وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْخُبْزَ فُتَّ وَجُعِلَ عَلَيْهِ السَّمْنُ; لِأَنَّهُ لَمَّا وُضِعَ عَلَى الْفَتِّ اجْتَمَعَ فَصَارَ كَالْقُرْصِ الْوَاحِدِ.

    وَمَرَّ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ عَبَّرَ عَنْهَا بِقُرْصٍ قَبْلَ فَتِّهَا لِقِلَّتِهَا، وَهَذَا غَيْرُ ذَلِكَ، (ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ بِالدُّخُولِ); لِأَنَّهُ أَرْفَقُ، وَلِضِيقِ الْبَيْتِ أَوْ لَهُمَا مَعًا، (فَأُذِنَ لَهُمْ)، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ وَحْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ.

    وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: فَلَمَّا انْتَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْبَابِ قَالَ لَهُمُ: اقْعُدُوا وَدَخَلَ ، (فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا)، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «فَوَضَعَ يَدَهُ وَبَسَطَ الْقُرْصَ، وَقَالَ: كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ حَتَّى شَبِعُوا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِي» ، (ثُمَّ خَرَجُوا)، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: «ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: قُومُوا، وَلْيَدْخُلْ عَشَرَةٌ مَكَانَكُمْ» ، (ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) ثَانِيَةٍ، («فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ») ثَالِثَةٍ، (فَأَذِنَ لَهُمْ)، فَدَخَلُوا («فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ») رَابِعَةٍ فَمَا زَالَ يُدْخِلُهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً (حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا). وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ: «حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: «ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِالْبَرَكَةِ، فَعَادَ كَمَا كَانَ» ، (وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي.

    وَفِي مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا بِالْجَزْمِ، وَزَادَ: «ثُمَّ أَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُ الْبَيْتِ، وَتَرَكُوا سُؤْرًا، أَيْ فَضْلًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: " كَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، قَالَ: وَأَفْضَلَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مَا يُشْبِعُهُمْ.

    وَلَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَلْغَى الْكِسَرَ.

    وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ: وَأُفْضَلُوا مَا بَلَّغُوا جِيرَانَهُمْ ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ فِي مُسْلِمٍ: وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى أَهْدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِجِيرَانِهَا ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً لِأَنَّهَا كَانَتْ قَصْعَةً وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ الْجَمَاعَةَ الْكَثِيرَةَ أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّنَاوُلِ مِنْهَا مَعَ قِلَّةِ الطَّعَامِ، فَجُعِلُوا كَذَلِكَ لِيَنَالُوا مِنَ الْأَكْلِ، وَلَا يَزْدَحِمُوا، أَوْ لِضِيقِ الْبَيْتِ أَوْ لَهُمَا.

    وَقَالَ الْحَافِظُ: سُئِلْتُ فِي مَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ عَنْ حِكْمَةِ تَبْعِيضِهِمْ فَقُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَرَفَ قِلَّةَ الطَّعَامِ، وَأَنَّهُ فِي صَحْفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَحَلَّقَهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، فَقِيلَ: لِمَ لَا أَدْخَلَ الْكُلَّ وَيُنْظَرُ مَنْ لَمْ يَسَعْهُ التَّحَلُّقُ، وَكَانَ أَبْلَغَ فِي اشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُعْجِزَةِ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ بِطَرْقِهِ احْتِمَالَ تَكَرُّرِ وَضْعٍ فِي الطَّعَامِ لِصِغَرِ الصَّحْفَةِ؟ فَقُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِضِيقِ الْبَيْتِ.

    وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدِّ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَدَعَوْتُهُ قَالَ: وَمَنْ مَعِي؟ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ وَمَنْ مَعِي، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ وَجِيءَ بِهِ وَقَالَ: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَكَلَ، ثُمَّ قَامَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ» ، وَلِأَحْمَدَ: «حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَبَقِيَتْ كَمَا هِيَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ.

    وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً، فَمَا زَالَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ، ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي، وَأَبَا طَلْحَةَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا» ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً سِوَى هَذِهِ.

    وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ بَلَغَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامٌ فَآجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ غَيْرِ شَعِيرٍ، فَعَمِلَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ» ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ.. . الْحَدِيثَ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ سِيرِينَ غَيْرُ الْقِصَّةِ الَّتِي رَوَاهَا غَيْرُهُ، وَكَذَا مَا بَيْنَ الْخُبْزِ الْمَفْتُوتِ الْمَلْتُوتِ بِالسَّمْنِ وَالْعَصِيدَةِ مِنَ الْمُغَايَرَةِ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا.

    وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَعَدَّدَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً سَأَلَهَا فَوَجَدَ الْخُبْزَ فَفَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَكَانُوا ثَمَانِينَ وَأَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَمَرَّةً لَمْ يَسْأَلْهَا بَلْ آجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ، وَأَتَى بِهِ إِلَيْهَا، وَقَالَ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ فَجَعَلَتْهُ عَصِيدَةً وَدَعَاهُ فَجَاءَ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ، وَأَدْخَلَهُمْ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً، وَبِهَذَا تَتَّضِحُ الرِّوَايَاتُ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ رِوَايَةَ يَعْقُوبَ الَّتِي قَالَ فِيهَا: أَدْخَلَهُمْ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً، فَفِيهَا أَنَّهُمْ ثَمَانُونَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ شَاذَّةً، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُمْ أَرْبَعُونَ لَكِنْ فِيهَا: أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، وَفِي الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ.

    وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ طَعَامُ الْاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ»

    1726 - 1676 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: طَعَامُ الِاثْنَيْنِ») الْمُشْبِعُ لَهُمَا (كَافِي الثَّلَاثَةِ) لِقُوتِهِمْ (وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ) الْمُشْبِعُ لَهُمْ (كَافِي الْأَرْبَعَةِ) قُوتًا.

    وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَإِنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ، وَالْأَرْبَعَةَ، وَإِنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الْخَمْسَةَ، وَالسِّتَّةَ» ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَالتَّقَنُّعِ بِالْكِفَايَةِ، يَعْنِي: وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ فِي مِقْدَارِ الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُوَاسَاةُ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلِاثْنَيْنِ إِدْخَالُ ثَالِثٍ لِطَعَامِهِمَا، وَرَابِعٍ أَيْضًا بِحَسَبِ مَنْ يَحْضُرُ.

    وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا يُرْشِدُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُهُ: «كُلُوا جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ» ، الْحَدِيثَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكِفَايَةَ تَنْشَأُ عَنْ بَرَكَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ كُلَّمَا كَثُرَ زَادَتِ الْبَرَكَةُ.

    وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ يَضَعُ مِنْ بَرَكَتِهِ فِيهِ مَا وَضَعَ لِنَبِيِّهِ فَيَزِيدُ حَتَّى يَكْفِيَهُمْ.

    قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا إِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُمْ، وَانْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا يَكْفِينَا قِيلَ لَهُمْ: الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ.

    وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَمَالِي: إِنْ أُرِيدَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْوَاقِعِ فَمُشْكِلٌ; لِأَنَّ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ لَا يَكْفِي إِلَّا اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ فَمَا هُوَ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ أَطْعِمُوا طَعَامَ الِاثْنَيْنِ الثَّلَاثَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقُوتُ الثَّلَاثَ، وَأَخْبَرَنَا بِذَلِكَ لِئَلَّا نَجْزَعَ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ الثَّانِيَ مَعْلُومٌ، انْتَهَى.

    وَرَوَى الْعَسْكَرِيُّ فِي الْمَوَاعِظِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «كُلُوا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ، وَالْأَرْبَعَةَ كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْجَمَاعَةِ» ، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّرْطَ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْأَكْلِ، وَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ طَعَامُ الِاثْنَيْنِ إِذَا كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ إِذَا أَكَلُوا مُجْتَمِعِينَ.

    قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْتِحْبَابُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْمَرْءُ وَحْدَهُ، انْتَهَى.

    وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُوَاسَاةَ إِذَا حَصَلَتْ حَصَلَ مَعَهَا الْبَرَكَةُ، فَتَعُمُّ الْحَاضِرِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَسْتَحْقِرَ مَا عِنْدَهُ، فَيَمْتَنِعَ مِنْ تَقْدِيمِهِ، فَإِنَّ الْقَلِيلَ قَدْ يَحْصُلُ بِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَعْنَى حُصُولِ قِيَامِ الْبِنْيَةِ لَا حَقِيقَةَ الشِّبَعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ عَامَ الرَّمَادَةِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَ عَدَدِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَهْلِكُ عَلَى مَلْءِ بَطْنِهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ السُّلْطَانَ فِي الْمَسْغَبَةِ يُفَرِّقُ الْفُقَرَاءَ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ بِقَدْرٍ لَا يَضُرُّ بِهِمْ.

    وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي الْأَطْعِمَةِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ.

    وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَغْلِقُوا الْبَابَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ وَأَطْفِئُوا الْمِصْبَاحَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ»

    1727 - 1677 - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ (الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَغْلِقُوا) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ - (الْبَابَ) حِرَاسَةً لِلنَّفْسِ، وَالْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَلَا سِيَّمَا الشَّيْطَانُ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، (وَأَوْكُوا)» - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ وَضَمِّ الْكَافِ بِلَا هَمْزٍ - شُدُّوَا وَارْبُطُوا، (السِّقَاءَ) - بِكَسْرِ السِّينِ: الْقِرْبَةُ، أَيْ شُدُّوا رَأْسَهَا بِالْوِكَاءِ، وَهُوَ الْخَيْطُ.

    زَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، أَيْ لِمَنْعِ الشَّيْطَانِ وَاحْتِرَازًا مِنَ الْوَبَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ فِي لَيْلَةٍ مِنَ السَّنَةِ كَمَا رُوِيَ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا فِي كَانُونَ الْأَوَّلِ.

    (وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ)، قَالَ عِيَاضٌ: بِقَطْعِ الْأَلِفِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ رُبَاعِيٌّ، وَبِوَصْلِهَا، وَضَمِّ الْفَاءِ ثُلَاثِيٌّ، وَهُمَا صَحِيحَانِ، أَيِ اقْلِبُوهُ، وَلَا تَتْرُكُوهُ لِلَعْقِ الشَّيْطَانِ، وَلَحْسِ الْهَوَامِّ وَذَوَاتِ الْأَقْذَارِ.

    (أَوْ خَمِّرُوا) - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّقِيلَةِ -: غَطُّوا

    (الْإِنَاءَ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيِ اكْفُوهُ إِنْ كَانَ فَارِغًا، أَوْ خَمِّرُوهُ إِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.

    وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ: وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: «وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا بِعُودٍ» ، (وَأَطْفِئُوا) - بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ، ثُمَّ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ -، (الْمِصْبَاحَ): السِّرَاجَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: إِذَا رَقَدْتُمْ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ)، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ: فَإِنَّ الْجِنَّ ، وَلَا تَضَادَّ بَيْنَهُمَا إِذْ لَا مَحْذُورَ فِي انْتِشَارِ الصِّنْفَيْنِ، إِذْ هُمَا حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ يَخْتَلِفَانِ بِالصِّفَاتِ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ (لَا يَفْتَحُ غَلَقًا) - بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَاللَّامِ - إِذَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ.

    وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: " «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا»، (وَلَا يَحُلُّ) - بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَضَمِّ الْحَاءِ - (وِكَاءً): خَيْطًا رُبِطَ بِهِ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

    (وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً) غُطِّيَ أَوْ كُفِئَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

    فَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرِضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ» ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ: «وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا» ، أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ; لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْغَلْقُ الْحَقِيقِيُّ.

    وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: فَإِنَّهُمْ، أَيِ الشَّيَاطِينَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي التَّسَوُّرِ.

    وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ.

    قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ مَرْفُوعًا: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ» ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَجَّهَ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ، عَلَى عُمُومِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ بِمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْعَ لِأَمْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِجِسْمِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِمَانِعٍ مِنَ اللَّهِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ جِسْمِهِ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ دُخُولِ الشَّيْطَانِ الْخَارِجِ، فَأَمَّا الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ دَاخِلًا فَلَا يَدُلُّ الْخَبَرُ عَلَى خُرُوجِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لِتَخْفِيفِ الْمَفْسَدَةِ لَا دَفْعِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِغْلَاقِ تَقْتَضِي طَرْدَ مَنْ فِي الْبَيْتِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ مِنِ ابْتِدَاءِ الْإِغْلَاقِ إِلَى تَمَامِهِ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ مَشْرُوعِيَّةَ غَلْقِ الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَبْوَابِ، انْتَهَى.

    (وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ) - بِتَصْغِيرِ التَّحْقِيرِ - (تُضْرِمُ) - بِضَمِّ التَّاءِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ - أَيْ تُوقِدُ (عَلَى النَّاسِ)، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ (بَيْتَهُمْ)، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ثِيَابَهُمْ ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: وَالْفُوَيْسِقَةُ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ، وَالضَّرَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ النَّارُ وَالضِّرَامُ لَهَبُ النَّارِ.

    وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ: «فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ» ، وَفِي أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ، فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا، فَاحْتَرَقَ فِيهَا مَوْضِعُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتَحْرُقُكُمْ» ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ يَزِيدِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ: «أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، لِمَ سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ الْفُوَيْسِقَةَ؟ قَالَ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ أَخَذَتْ فَأْرَةٌ فَتِيلَةً لِتَحْرِقَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ، فَقَامَ إِلَيْهَا وَقَتَلَهَا وَأَحَلَّ قَتْلَهَا لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ» ، فَفِي هَذَا بَيَانُ سَبَبِ الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ، وَالسَّبَبُ الْحَامِلُ لِلْفَأْرَةِ عَلَى جَرِّ الْفَتِيلَةِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَعِينُ وَهُوَ عَدُوُّ الْإِنْسَانِ بِعَدْوٍ آخَرَ وَهِيَ النَّارُ، وَالْأَوَامِرُ الْمَذْكُورَةُ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابُ خُصُوصًا مَنْ يَنْوِي بِفِعْلِهَا الِامْتِثَالَ.

    وَفِي الصَّحِيحِ مَرْفُوعًا: «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمِصْبَاحُ وَغَيْرُهُ.

    وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ، وَإِنَّ أُمِنَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ زَالَ الْمَانِعُ.

    وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ، وَزُهَيْرٌ، وَسُفْيَانُ كُلُّهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِنَحْوِهِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ.

    وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ»

    1728 - 1678 - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) - بِضَمِّ الْبَاءِ، وَفَتْحِهَا - الْمَدَنِيِّ - (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) - بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ - الْخُزَاعِيِّ، ثُمَّ (الْكَعْبِيِّ) نِسْبَةً إِلَى كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو بَطْنٍ مِنْ خُزَاعَةَ اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ: هَانِئٌ وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ خُزَاعَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ نَزَلَ الْمَدِينَةَ، وَلَهُ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ)، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) الَّذِي خَلَقَهُ إِيمَانًا كَامِلًا، (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الَّذِي إِلَيْهِ مَعَادُهُ، وَفِيهِ جَزَاؤُهُ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَعَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ قَصْدًا إِلَى اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ، وَتَجَدُّدِهِ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهِ وَقْتًا فَوَقْتًا; لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ لِكَوْنِهِ فِعْلًا يُفِيدُ التَّجَدُّدَ وَالْحُدُوثَ، وَهَذَا مِنْ خِطَابِ التَّهْيِيجِ مِنْ قَبِيلِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ 23)، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمُؤْمِنِ، وَأَنَّ خِلَافَهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قِيلَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْغَرَضُ.

    (فَلْيُقُلْ خَيْرًا) يُثَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّفَكُّرِ، فِيمَا يُرِيدُ التَّكَلُّمَ بِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ قَالَهُ.

    (أَوْ لِيَصْمُتْ) - بِضَمِّ الْمِيمِ - أَيْ يَسْكُتْ عَنِ الشَّرِّ فَيَسْلَمْ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «مَنْ صَمَتَ نَجَا» ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَدْ ضَبَطَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ - وَكَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الطُّوفِيُّ: سَمِعْنَاهُ - بِكَسْرِهَا - وَهُوَ الْقِيَاسُ; لِأَنَّ قِيَاسَ فَعَلَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - مَاضِيًا يَفْعِلُ - بِكَسْرِهَا - مُضَارِعًا نَحْوَ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَيَفْعُلُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - فِيهِ دَخِيلٌ كَمَا فِي الْخَصَائِصِ لِابْنِ جِنِّيٍّ، انْتَهَى.

    أَيْ يَسْكُتُ عَنْ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَفَوَاتُهُمَا يُنَافِي حَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَرَفَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْنِ، وَلَا أَمَانَ لِمَنْ فَاتَهُ الْغَنِيمَةُ وَالسَّلَامَةُ.

    وَفِي رِوَايَةٍ: أَوْ لِيَسْكُتْ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، لَكِنَّ الصَّمْتَ أَخَصُّ; لِأَنَّهُ السُّكُوتُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، أَمَّا السُّكُوتُ مَعَ الْعَجْزِ لِفَسَادِ آلَةِ النُّطْقِ، فَهُوَ الْخَرَسُ، أَوْ لِتَوَقُّفِهَا فَهُوَ الْعِيُّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى الْكَلَامِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يُحَصِّلُ لَهُ ثَوَابًا، أَوْ خَيْرًا فَيَغْنَمُ، أَوْ يَسْكُتَ عَنْ شَيْءٍ يَجْلِبُ لَهُ عِقَابًا، أَوْ شَرًّا فَيَسْلَمُ، فَـ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ فَيُسَنُّ لَهُ الصَّمْتُ حَتَّى عَنِ الْمُبَاحِ لِأَدَائِهِ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَبِفَرْضِ خُلُوِّهِ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَيَاعُ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَمِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ، قَالَ: وَأَفَادَ الْحَدِيثُ أَنَّ قَوْلَ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ قَوْلِ الْخَيْرِ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَفْصِيلِ آفَاتِ الْكَلَامِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ حَصْرٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ آفَاتِ اللِّسَانِ أَسْرَعُ الْآفَاتِ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1