أنت لا تقرأ رواية بل أحاسيس
()
About this ebook
Sheihanna Al Merri
هذا الكتاب لابنة هنادي العصيمي (شيهانة المري). طالبة قانون في جامعة الملك سعود. ألَّفَت أوَّل رواية في عمر 21 سنة. حاصلة على المركز الأول على مستوى مدارس شمال الرياض بكتابة القصَّة القصيرة.
Related to أنت لا تقرأ رواية بل أحاسيس
Related ebooks
نور Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمنازل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلست نصفًا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسقوط حر في حقيبة زرقاء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأبي الذي أكره: تأملات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكتاب المعلمين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسلام أسود: مذكرات التعافي وما بعد الاكتئاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسيكوباتي في حياتي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلوح رخام أبيض Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلماذا يا أمي؟: كيف تتعافين من جرح الأم وتجنبين أطفالك توارث الألم؟ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسهم غرب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلم تكن غيمة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsملفات جامعية سرية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsترددات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأوكسافورد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبئر الحرمان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأحلام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرجال من ورق وعروس من حلوى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجسر الأمنيات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصفقة زواج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsناعومى وأخواتها Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقصص من السعودية 2022: "قصص قصيرة كُتبت خلال عام 2022 م، وتناولت موضوعاتٍ متنوعة لتصحب القارئ في مشاهد من الحياة اليومية السعودية " Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدنيا اللي في بالي: متتالية قصصية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإبن الصلصال Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوداعًا للمرض النفسي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsظل عاليا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsملاذ آمن: هو وهي.. الحكاية الكاملة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعصير الأحمر: مجموعة قصصية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتحت سماء لا تعترف بالألوان: حكايات بلا قوس قزح, #2 Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالألم يحصد الآن Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for أنت لا تقرأ رواية بل أحاسيس
0 ratings0 reviews
Book preview
أنت لا تقرأ رواية بل أحاسيس - Sheihanna Al Merri
شيهانة المري
هذا الكتاب لابنة هنادي العصيمي (شيهانة المري).
طالبة قانون في جامعة الملك سعود.
ألَّفَت أوَّل رواية في عمر 21 سنة.
حاصلة على المركز الأول على مستوى مدارس شمال الرياض بكتابة القصَّة القصيرة.
الإهداء
هذا الكتاب إهداء لسيدة عمري وعظيم ما أملك (ماما).
أنا أحقِّق حلمي، فوجدتُ أمِّي هي الحلم، فعندما أفرح كانت هي أهازيج ضحكاتي، وعندما أفخر لا أجد فخرًا أكبر مِن كَونها أمِّي، ولا أعظم مِن كَوني جزءًا مِن هذه السيِّدة، فعلمتُ بأنَّها ليسَتِ امرأة.. هي المثال الحقيقي لمعنى (أُمّ).
حقوق النشر ©
شيهانة المري2024
تمتلك شيهانة المري كمؤلفة لهذا العمل، وفقًا للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
جميع الحقوق محفوظة
لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.
أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.
الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948733669 (غلاف ورقي)
الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948733652 (كتاب إلكتروني)
رقم الطلب: MC-10-01-4020810
التصنيف العمري: E
تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقًا لنظام التصنيف العمري الصادر عن مجلس الإمارات للإعلام.
الطبعة الأولى 2024
أوستن ماكولي للنشر م. م. ح
مدينة الشارقة للنشر
صندوق بريد [519201]
الشارقة، الإمارات العربية المتحدة
www.austinmacauley.ae
+971 655 95 202
شكر وتقدير
أنا أحقق حلمي.. فوجدتُ أمي هي الحلم!
فعندما أفرح.. كانت هي أهازيج ضحكاتي..
وعندما أفخر.. لا أجد فخرًا أكبر من كَونها أمي..
ولا أعظم من كوني جزءًا مِن هذه السيدة..
فعلمتُ بأنها ليست امرأة..
هي المثال الحقيقي لمعنى (أمّ).
هذا التحدي معك أيُّها القارئ بألَّا تنغمس في حياة مازن.. وتعيش صراعاته النفسيَّة وحزنه وفرحه ومشاعره في الحبِّ!
لأنك في مرحلة ما ستجد نفسك.. تصارع شيئًا في قصَّة مازن!
وإذا وجدتَ التشابُهَ، فلا تقاوم، بل حارب.. وتواصَل مع أقرب معالجٍ نفسيٍّ.
ابدأ الرِّحلة!
أنا الدكتورة خولة..
عزيزي مازن، وأعزَّائي القرَّاء! ولكن مَن وجد نفسه في سطر من أسطر مازن وأحاسيسه، يُؤسفني ما حدث لك ولمعاناتك التي استمرَّت لأربعين عامًا، ولروحك التي كانت تصارع رغم أنَّ علاجها بسيط جدًّا، ولكن الوقت لَم يتأخَّر؛ فكلُّ ثانية تقضيها في علاج روحك سيكتب الله لك سنة في إطالة عمرك، وأنت تستحق الشفاء، وروحك تستحق أن تحيا، فلا أعلم ما مصيرك، وهل ستصلك رسالتي أم لا؟! وهل أنت بين القضبان محبوس أم حكِمَ عليك؟! لا أعلم! ولكن قصتك ألهمَتني كثيرًا وتستحق النشر؛ فهي تحمل عِبرةً يجب أن تصل للجميع، فأنت في أحاسيسك ومشاعرك وتساؤلاتك واضطراباتك اختصرتَ معاناة كنتُ أسمعها مِن كلِّ مَن تاهت أرواحهم عن السعادة والطُّمأنينة، كنتُ أراهم بالشوارع، وعلى الطرقات، وفي المطاعم والمناسبات الاجتماعية، فشوارعنا وبيوتنا ومدنُنا مليئة بمازن! ومليئة بأحاسيس واضطرابات مازن، ولكنهم تردَّدوا في طلب العلاج! فأتمنَّى مِن كلِّ مَن لامسه شيء في قصَّة مازن ألَّا يتردَّد في طلب المساعدة.
مازن، يا عزيزي.. سأسعَى لنشر كتابك لأجعل صوتك يصل للجميع! وأتمنَّى أن تسمَع أصداء كتابك في حياتك، أتمنَّى أن تكون بخير وراسِلني إذا استطعتَ.
طبيبتك الدكتورة خولة.
أنا مازن..
هذا الكتاب ملخَّص مفاهيمي الَّتي بنيتُها طوال أربعين عامًا الَّتي عشتُها في محاولة علاج روحيٍّ، وفهم ذات الإنسان والتكيُّف معها، فأنا قد قرأتُ كلَّ الكتب النفسية التي تحكي عن تطوير الذات وفهم الأنا، وحاولتُ أن أفهم مصدر مشاعرنا، ومِن ماذا تتكوَّن الروح، ولكن لَم أجِد الجواب، وكلَّ كتاب قرأتُه كان يُناقض الكتاب الآخر، وكأن كتبَ الذَّات لَم تجتمع على (أنا) واحدة، بل نحن مختلفون بعقدنا وحُزننا وطريقة تعبيرنا عن حزننا، وتكيُّفنا مع الحياة، واستجابتنا للحياة، نحن مختلفون.. وبعد أربعين عامًا استسلمتُ! لأنَّ التعمُّق بـ(الأنا) زاد من العقَد.
الملاحظة:
كتبت لك حياتي في مراحل متعدِّدة، وفي كلِّ مرحلة كان (مازن) هو مَن يكتُب لك بنفس أحاسيسه وعاطفته والوَعي واللا وَعي لديه، كتبتُ لك مثلما عشتُ اللحظة وشعرتُ بها.
وكأنِّي كبِرتُ ولكن مراحلي لَم تتخطَّني.
طفولة خيال
لَم تكن حياتي مع أمِّي سوى دقائق تمضي، وهواء يجمعنا سكونه، وصباح نقبَل عليه بلا مشاعر، وبرود يَخدِش طفولتي دون أن تشعر.
حاولتُ في مرَّاتٍ عديدةٍ التقرُّب منها، ولكن أفشَل في كلِّ مرَّة دون أن تشعُرَ هي بخَيباتِ مُحاولاتي، كنتُ أتوَجَّهُه لغرفتها محاولًا كَسرَ هذا الجمود ولكن ما إن أصِل لبابها حتَّى تتردَّد خُطواتي، ويتحوَّل العزم والشجاعة والرَّغبة لخوفٍ يتلبَّس باقي المشاعر؛ فبقيتُ ساكنًا خلف الباب وبداخلي تصارعَت كلُّ الرَّغبات بين رغبتي في أن أرتمي بأحضانها ومشاعري تسبقني إليها وأحضنها، وبين خشيتي من ردَّها العنيف، فأعود لسريري خائبًا ويمضي الليل بي وأنا أجادل وأخاصِم هذه الروح، فلماذا هي حاجز عن كل تقدُّم يسعدني؟ ولمَ الإنسان قد يصبح لنفسه أول عدو؟! فتغفو عيني على وَعدٍ جديدٍ بأنِّي غدًا سوف أكسِر هذا الحاجز وأكون رحيمًا على نفسي! لِيأتيَ الغد وتأتي تلك السيِّدة المجرَّدة منَ المشاعر لتوقظَني سريعًا بلا قُبلة على جبين الصُّبح ولا رأفَت بحال شمس الصُّبح الَّتي أطفأَتْهَا ببرود مشاعرها؛ فكانت توقظُني يوميًّا، وتجعلني أتوجَّه للمدرسة وأنا مكسور؛ لتبتدئ فيَّ أوَّل مراحل كسر النفس وضعف الشخصيَّة، فتمردتِ الخيبة على الجميع وعِشتُ في صراعٍ نفسيٍّ مع الجميع، فلَم يكُن لديَّ أصحاب، ودائمًا نظرة الضعف في عيني، ومقارنات مع الجميع لا تنتهي، فلمَ الجميع يقضي أوقات ممتعة سوايَ؟ ولمَ الجميع لديه صُحبة وأنا لا؟ ولمَ هذا الطفل قويٌّ وشجاع وأنا نظرة الضَّعف والانكسار في عيني، وحينما أقرِّر أن أحدِث التغيير، وأن أخطوَ خطوةً نحو تكوين الصَّداقات، أعيش شعورًا منَ التناقضات أقوى مِن طفولتي وسنِّي! فرغبةٌ تُسبقني للمُضيِّ وتشجِّعُني، وخوفٌ يُعيدني للوراء فاهتزَّت خطواتي بين التقدُّم والرُّجوع حتَّى خاطبتُ نفسي.
- لا تخَف منهم لن يفعلوا لكَ شيئًا، كلَّ ما ستطلبُه منهم أن تجلس معهم، هيَّا كُن شجاعًا واذهَب إليهم، واسمَح لمَخاوفك أن تزول منكَ.
وبالفعل كنتُ أتشجَّع يا دكتورة خولة وتنتصر ثواني الرَّغبة على الخوف، ولكنها ثوانٍ.. ثوانٍ قليلة يا دكتورة خولة! حتَّى يأتي شبح الخوف مِن جديد!
- لا. لا، لا! كيف سأذهب إليهم حقًّا إنِّي مجنون! بالطبع لن يتقبَّلوني، فإذا كانوا يريدون مجالستي فسوف يأتون إليَّ.. ولكن بالطَّبع لا يُريدونني؛ فالجميع هنا يقول عني بأنِّي مكروه ومنبوذ منَ الجميع، هذه نظرة الجميع لي؛ لأني بالفعل هكذا!
فأعود ألف خطوةٍ للوراء وأتقدَّم خطوةً واحدةً للأمام بين تردُّد وصِراعٍ داخليٍّ لا ينتهي، وأفكار هدَّمت قُدسيَّة ذاتي، فلَم أعُد أملك التبجيل لنفسي، وانكسرَت صورتي واحترامي لذاتي، وكأنِّي جبل أساسه سيِّئ فسقط منَ الهواء الَّذي يُداعبه فلَم يبقَ منِّي إلا الشَّتَّات؛ لتمُرَّ عليَّ السنون وأنا مغيِّب عن نفسي حتَّى رأيتُ نفسي اليوم! وأنا بالأربعين، جسد مشوَّه! جسد مِن خُدوش وألم وشتَّات، لَم يَستجمع منذ أربع وثلاثين سنة، منذ طفولة مازن! ذلك الطفل ذو سبع سنين الَّذي كان مثل الصَّحيفة البيضاء؛ فكتبَت صفحاتُه الظروفُ وآراءُ الناس فسمعتُ ما قالوه عنِّي وصدَّقتُ بأنَّه أنا.
حتَّى لَم أعُد أراني سوى مازن الفاشل المُحطَّم، كنتُ قاسيًا مع نفسي منذ الطفولة، وأردِّد على مَسمعي عبارات تقلِّل مِن اعتزازي بذاتي سواء أنا قلتُها أو سمعتُها مِن أحدِ طلَّاب مدرستي مثل: انظُروا لهذا المكروه منَ الجميع ليس لديه أصحاب، أو لأنك قبيح وضعيف الشخصيَّة ليس لديك أصحاب.. عَبرات رأيتها، وعبارات سمعتُها، والألمُ يزداد على قلبي حتَّى صدَّقتُها وكرَّرتُها على ذاتي، أنا وحيد وفاشل ومنبوذ وقبيح وشخصيَّتي أبشع شخصيَّة بالعالم، هكذا صنَعَني مُحيطي فصدَّقتُ ما صَنعوا وكبرتُ على ما أرادوا.
مُنذ أن كان عمري سبع سنين حتَّى تخرُّجي منَ الثانوية، وأنا تحت تجنيدهم بلا مُنقذٍ لشخصيَّتي، حتَّى صدَّقتُ بأنَّه أنا، فذبلَت نظراتي أمام ذاتي وانكسرَت عيني، وأصبحتُ ذليلَه وانحناء ظهري وضعفَت شخصيَّتي وأصبحَت أتأتأ في أثناء الحديث، حتى نسيتُ مَن أنا سابقًا، فحطَّموا الكيان ولَم يَبقَ منه سوى التَّسرُّبات.
أراكِ الآن يا دكتورة خولة كطبيبة نفسيَّة تبحثين بين السطور عن سبب إفسادي، وما العوامل الَّتي أسقطَتني في هاوية لا نهاية لها، ولكنِّي لَم أنتهِ مِن وصفِ أمِّي بعد، ومِن وصف حياتي معها رغم أنَّها لَم تكن قاسيةً، ولكن صَمتها كان قاسيًا، ولَم تكن عنيفةً ولكنَّها سلبَت منِّي حقوقي كطفلٍ؛ فهي كانت مثل الجنَّة بالنسبة لي ولكن قدمي لا تستطيع أن تخطوَ نحوَها وكأنها أراضي محرَّمة.
كنتُ دائمًا أتساءل قبلكِ يا دكتورة لمَ لَم تكن تنظر إليَّ؟! ولمَ جعلَتني أخوض هذه الحروب النفسيَّة حتَّى أوصلَتني لمرحلة كنتُ فيها أجاهد روحي لأستطيع أن أرفع عيني عليها.
كانت تجلس أمامي وأنا على الطاولة أنهي فروضي المدرسيَّة وهي تتحدَّث عبر الهاتف مع صديقتها عن مناسبة ستَذهبان إليها، فأتمنَّى بتلك اللحظة أن أنطقَ وأطلبَ منها أن تأخذَني معها!
- هيَّا تشجَّع! إنَّها والدتك، وليس منَ الخطأ أن تطلُبَ منها طلبًا سخيفًا كهذا.
فأنوي للحظة أن أكلِّمَها ولكن شبح الخوف يحضُر مِن جديدٍ؛ ليَكتُمَ أنفاسي!
- لا بالطَّبع لن أطلبَ منها أنَّها لا تحبُّني وتكرهُني بعالمها، ولن أجِدَ منها إلا البرود الَّذي أكرهه.
- ولكنَّها والدتي بالنِّهاية، ومهما حدث (أعتقد) بأنَّها تُحبُّني!
- لا! إنَّها لا تُحبُّني وأنا أحمق، يجب أن أحترمَ الحدودَ الَّتي بيننا ولا أعطيها سببًا يجعلها تطرُدُني!
فأتراجع مِن جديدٍ، ثمَّ أنوي مِن جديدٍ، وأخاف مِن جديد حتَّى تذهب ويذهَب معها آخر أمل لديَّ بأن أتشجَّع.
وتمُرُّ الأيَّام لتُصبح مواقف حياتي أصعب وأصعب، وتزيد مِن حاجتي لها، وحاجتي لتوجيهاتها، ولكن كلَّما كبِرتُ يومًا أصبحتُ أخاف منها أكثر، وتتزايد الفَجوةُ الَّتي بيننا، وانمَحى بداخلي كلُّ أثرٍ بقيَ منَ الأمان، وبتُّ لا أشعر بأنَّها والدتي، والمنزل الذي نسكُن فيه ليس منزلي، وأنا غريب في حياتها! فأصبحتُ أشعر بغُربة مُوحشة؛ فهي لَم تكن تسمع نداءاتِ قلبي أو روحي الَّتي تُناجي أو حتَّى حُزني عندما أعود منَ المدرسة بعد موقف بشَعٍ وقَعَ لي كمواقف كثيرة احتجتُ أن أخبرها لأحدٍ، ولا أجد مَن يَسمعُني أو أن أبوح لأحدٍ عنه! ولم أجد من يحتوي حزني.
ومِن أحد تلك المواقف يا دكتورة خولة أتذكَّر جيِّدًا، في مرَّة وأنا أجلِس في فناء المدرسة طلبَ أحدُ الأساتذة مِن طالبٍ أن يُخبرني بأنَّ المُدير يُريدُني في مكتبه، وما هي إلا لحظات حتَّى سمعتُ الطالب ينادي عليَّ بأعلى صوتٍ:
- أيُّها القبيح المكروه! المدير يُريدك بمكتبه
فضحِك كلُّ طلَّاب المدرسة عليَّ، وكأنَّ في السخرية بالنَّاس مُتعة لَم نفهَمها بعد، وما الَّذي يجعَل نفسًا تُشبهُني تسخَر منِّي لِتصعدَ بنظَرِها لمكانة أعلَى؟! وما الذي يجعَل ملامحي أو منظري أو عدم محبَّة النَّاس لي أمرًا يُقلِّل مِن مكانتي؟! ما النقص وما الكمال وما الرِّضا الَّذي يَملكُه الشخص المُتنمِّر لا أملكه أنا المتنمَّر عليه؟! لمَ هو بالتنمُّر يرضى عن حاله بينما أنا أرى التنمُّرَ صفةً بشعةً! لماذا لا نتشابه حتَّى بالرِّضا أو بالنقص؟! لو أنَّا كنَّا متشابهِين لما عدتُ في ذلك اليوم حزينًا وبقيتُ أراقب أمِّي وهي بعالمها، هي في سعادتها وأنا أمامها كتلة حُزنٍ تكبُر كلَّ دقيقة ويتجدَّد ألمُها وهي لا تشعر بي! وجسدي في صِراعٍ غريبٍ بين دَمعي الَّذي أحاول منعَه مِن أن يسقُطَ مِن عيني ولساني الذي حاولتُ أن أشجِّعَه على النُّطق وأن يَصرح بألمه لهذه السيِّدة الَّتي أمامه، فتمنيتُ لمرَّة أن تحدُث معجزةً وأتجرَّأُ أن أشكوَ لها، لعلِّي أجِد الأمان الَّذي حُرِّمتُ منه، ولكنِّي لَم أتشجَّع يومًا، فهذه السيِّدة الباردة المجرَّدة منَ المشاعر كانت أبرَد من حرارتي، ومعزولة بداخل عالمِها كقوقعة تفصلها عنِّي وتجعلها لا تَراني وأنا أقف أمامها حزينًا، ولو أن الجدران تشعُر لسألَتني عن حالي وهي لا!
كانت تعِدُّ الطعام في المطبخ وتتحدَّث بالهاتف ولَم تُلقِ نظرةً واحدةً عليَّ! فكيفَ لك يا لساني أن تَنطق لها بوجعك؟!
فبكيتُ كمرَّاتٍ عدَّة بكيتُ فيها.
والآنَ ماذا استنتجتِ يا دكتورة خولة؟!
بعدما انتهيتُ مِن كتابة القليل لك عن حياتي مع والدتي، قد تستنتجين أوَّل سببٍ ساهَمَ في هدَمِ شخصيَّتي وهي أمِّي! لَم أجِد منها القوَّة والأمان فزرعَت فيَّ أولى صفات الضعف والخوف والهشاشة، أمَّا السبب الآخر الذي أستطيع أن أرى استنتاجك له أيضًا وهو المدرسة والمضايقات الَّتي كنتُ أتعرَّض لها، وعدم مخالطتي واستجابتي مع المجتمع فزدتُ ضَعفًا وأصبحتُ أتأتأ في أثناءِ الحديث.
كلَّ ما كتبتِه صحيح! وأُضيفُ لكِ، إنَّ لديَّ سببًا آخَر لَم أطَّلِعكِ عليه بعد، وهو غياب أبي! وانفصال والديَّ!
لا أحدَ يَستطيع وَصفَ الطَّلاق بظروفه وتأثيره على الأطفال سوى مَن عاش التَّجربة؛ فقد رأيتُ الكثير منَ المؤثِّرين بالمجتمع والأطبَّاء المُختصُّين بسلوك الطفل يتحدَّثون عن الطلاق، وكأنَّه معادلة نهايتها نتيجة! وصفُهم له يَحمل الكثير منَ الجفاف وفلسفة مُنفصلة عن الواقع، فكلّ ما كنتُ أسمعُه عنِ الطلاق كلام يحمل الكثير من السطحيَّة أو مجرَّد مفهوم واعٍ بحيث لا يصِف مشاعر الأطفال الحقيقية.
ففلستنا الَّتي تنطبق على البالغين لا تصف الأطفال وما يشعُرون به؛ فالطلاق فيه مكاسب بالطبع، ولكنِّي كنتُ أجهَل أسبابها ولمَ وقع؟! فتراكمتِ الأسئلة بذِهني، وهل السبب كان يستحق معاناتي أم لا؟ فأبسط حقٍّ لي كطرفٍ بالقضية أن يكون لي علم بالأسباب، ولمَ حدث الانفصال حتَّى أتمكَّنَ منَ التَّعايُش وأقتنع بالمُبرِّرات فأعذرهم، وأرضى بداخلي وأقول – الحمد لله على الطلاق – ولكن الأسباب بقيَت مجهولة عنِّي حتَّى توُفِّيَت والدتي بعمر الخامسة والثلاثين، عِشتُ فيها وأنا معها بصَمتٍ وماتَت بصمت ودفنت معها تساؤلاتي التي لَم تجِب عنها، فحتَّى عند نضوجي لَم تكن لديَّ الجُرأة أن أخاطبَها أو أوجه لها أيَّ سؤالٍ حتَّى وجدتُ تساؤلاتٍ أجابت عنها بنفسي.
فمع بلوغي وتقدُّمي بالعمر أجبتُ عن أسئلة لَم يستطع مازن الطفل أن يفهمَها، أو يدرك ما الرغبة وما خلف تصرُّفات الأشخاص؟! والآن وأنا بالأربعين سنة أستطيع أن أشرح لكِ يا دكتورة خولة لمَ كانت أمِّي تتصرَّف معي بهذه الطريقة؟!
فبكلِّ بساطة الإجابة بكونها كانت تخاف من عواقب الطلاق وتكرَهه مثلما كنت أكرهه أنا، هي لَم تكُن تحمي سعادتها منِّي ولا نصيبي مِن مشاعرها الكُره، بل الخوف مِن ظروف الحياة الَّتي قد تكون أقوى منها، كانت تخشى أن تسأل عن حالي فأفيض بشلالات منَ العَتب
