Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مجرة النور
مجرة النور
مجرة النور
Ebook344 pages2 hours

مجرة النور

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تساءلت الأم بتأثر، تحاول أن تحرر ابنتها الصغيرة من الهم الكبير على سنها. لكن خديجة نفسها كانت بحاجة إلى من يحررها. نظرت لابنتها بألم شديد، وكأنها فتحت جرحًا غائرًا في أعماق قلبها، وحاولت أن تخفي آثار حزنها، لكن لم تتمكن من حجب اندفاع الدموع من عينيها كسيول مطر بعد سنوات جفاف عجاف... وتتوالى أحداث الرواية كمغامرة جميلة شيقة، تتضمن كل متناقضات الحياة، يجب أن نعيشها حتى نقدر قيمة الحياة، ودائمًا نستطيع أن نعيشها.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2013
ISBN9789771446491
مجرة النور

Related to مجرة النور

Related ebooks

Reviews for مجرة النور

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مجرة النور - مها أيوب

    روايـــــة

    مجرة النـور

    تأليف: مهــا أيــوب

    إشراف عام: داليا محمد إبراهيم

    جميــع الحقــوق محفـوظــة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولي: 1-4649-14-977-978

    رقـــم الإيــــداع: 2013/20884

    الطبعة الأولــى: ديسمبر 2013

    Arabic DNM Logo_Colour _fmt

    21 شارع أحمد عرابي - المهندسين - الجيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    40492

    قــــال تـعـالـــــى:

    (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لعلَّهم يتذكَّرون) .

    (سورة إبراهيم:24، 25)

    جميع أحداث وشخصيات هذه القصة خيالية مستوحاة من واقع تجربتي الشخصية مع صعوبة التعلُّم، وأي تشابه في الأسماء أو الأحداث يكون محض المصادفة..

    إهـــــــداء

    أهدي هذا التراث الاجتماعي..

    إلى والدي أعظم قَصَّـــــــاص عهـــــدته منذ طفولتي، وسندي في كل خطوة في حياتي.

    وإلى أمي أقوى وأصلب إنسانة، ذات الإرادة الفولاذية منذ أن أدركت معنى الكلمة.

    وإلى أختي أحن شخص عليَّ مني، وإلى أسرتها الجميلة المقربة إلى قلبي.

    وإلى زوجي الحبيب رفيق السعي والكفاح في حياتي، وأول من يشجعني ويساندني في أي مبادرة جديدة أقدم عليها.

    وإلى أبنائي نور عيوني.

    وإلى أجدادي صلبي وأصلي، وإلى جميع أفراد أسرتي وصلة رحمي.

    وإلى كل من ساعد في شفائي على مدار حياتي.

    وإلى كل من ساعدني في كتابة هذه الرواية من أحباء، وأصدقاء، ومعالجين، ومعلمين، رغم الصعوبات التي واجهتها.

    وإلى بلدي الحبيب، أتمنى رؤيتك دائمًا بخير.

    الفصل الأول

    01 أوقات الأزمات بتبقى امتحان، والعطايا بتبقى برضه امتحان، افتكر ده دايمًا يا ابني، لا تفرح قوي ولا تزعل قوي... 02

    كانت بنت صغيرة اسمها ماريا، من صغرها كانت تشعر أن بداخلها شيئًا أعمق من مظهرها البسيط، وجسدها الضئيل، واسمها، وحتى المكان الذي تعيش فيه.

    كانت دائمًا تعرف أن ما بداخلها أكبر من كونها مجرد بنت صغيرة بضفائر ذهبية مجعدة، ووجه مستدير بملامح مسمسمة، وعيون عسلية.

    عُمرها كان ست سنوات من أسرة متوسطة، يعمل فيها والداها بجد لتربية ابنتيهما في ظل ظروف كانت الموارد فيها شحيحة، في بلد كان يخيم عليه الخوف والقلق والإحباط وخيبة الأمل؛ والسبب أن البلد كان في حالة تعبئة للحرب.

    كانوا يعيشون في الإسماعيلية على القناة مباشرة، وكان كل يوم توتر الموقف يزداد، خاصة أن التعبئة كانت تتم على خط القناة كله، حشود من الدبابات والجنود كانت تأتي من القاهرة مرورًا بالمدينة، متجهة إلى سيناء استعدادًا للحرب.

    لم تكن الشوارع فقط هي ما تعكس هذه الحالة، لكن الجو العام واهتمام الناس بسماع الإذاعة في كل مناسبة، وفي كل مكان، في البيوت، وعلى المقاهي.

    أصوات الراديو تملأ كل مكان، منها ما يذيع أخبارًا، والآخر يذيع أغاني وطنية لعبدالحليم ولغيره، أو قد تستمع لخطابات عبد الناصر التي تحفز الناس، وتبث فيهم الثقة في النصر مع روح التأهب والاستعداد.

    لكن ماريا كان لديها عالمها الخاص الذي تهرب إليه من رياح الخوف والفزع التي تملأ كل زاوية تذهب إليها.

    عندما تخاف من كلام الكبار الغريب بالنسبة لعمرها كانت تجري إلى ملجئها، إلى حجرتها وتسد أذنيها لتسمع صوت تشويش في داخلها، ثم قليلًا ما تدخل في حالة من اللاوعي المدرك.

    كانت ترى فضاءً واسعًا ظلامه أسود غطيس، يغزو ظلمته لآلئ ساطعة، وكأنه محاط بثريات ماسية، ونجوم تدور حولها من كل جانب.

    وبعد دقائق، وعندما تشعر بالسكون والأمان، كان إحساسها يدفعها لرفع يديها من على أذنيها؛ فقد اطمأنت أخيرًا عندما وصلت لعالمها الخاص وكأنها تسبح وسط مجرة من نور.

    «يــاه إيه كل النجوم دي! أنا مش حاسة بجسمي كأني طايرة، مفيش ولا صوت، أنا هنا دلوقتي في أسعد لحظة في حياتي، لا ليها قبل ولا بعد»..

    كانت تظل بالساعات في هذا الوضع إلى أن تبدأ أصوات الواقع في الظهور مرة أخرى، ثم تدرك أنها تحتاج إلى أن تدخل مرة أخرى إلى واقعها الصغير، وببطء تبدأ في فتح عيونها العسلية، وتنظر إلى يديها وتقلبها؛ لتتأكد أنها ما زالت تتحرك، وأنها دخلت مرة أخرى داخل جسدها الصغير.

    ٭ ٭ ٭

    والدها شكري علوان كان يعمل مترجمًا للخبراء الفرنسيين في هيئة قناة السويس منذ رجوعه من بعثته في فرنسا منذ حوالي 15 سنة.

    وهذه كانت وظيفة الأحلام لأي شاب في هذا الوقت؛ فالهيئة تعطي امتيازات عديدة للعاملين بها، فضلًا عن البدلات وامتيازات السكن.

    وقد حصل على هذه الوظيفة بجدارته وتفوقه، في البعثة التي حصل عليها من كلية الآداب الفرنسية؛ فقد حصل على ترتيب أول الدفعة، لتكون هذه الوظيفة مكافأة تفوقه.

    كانت فيلات الهيئة تبنى خصيصًا على الطراز الفرنسي القديم؛ لتناسب إقامة الخبراء الفرنسيين أيام حق الإدارة الفرنسي، ولكن بعد تأميم القناة 1956 آلت لكل العاملين في الهيئة على حسب درجتهم، وأهمية عملهم.

    وكان عمل شكري علوان ينحصر في ترجمة كل الحوارات ما بين كل خبير فرنسي وعمال التشغيل المصريين، ومع أنه لم يكن مهندسًا لكن المدة الطويلة التي قضاها في العمل معهم، منذ تخرجه، أكسبته خبرة واسعة ونادرة في معرفة مفاتيح وسبل التشغيل في حجرة التحكم، والتي كان يمنع من دخولها أي مهندس مصري.

    خبرة شكري علوان هذه جعلته يقوم بدور كبير في توجيه مهندسي التحكم المصريين ونجاحهم في تمكين مئات السفن من العبور عبر القناة أثناء العدوان الثلاثي، وبعده.

    وهذا النجاح كان بفضل شكري علوان، فأصبح بطلًا قوميًّا بين أبناء مدينة الإسماعيلية، ونال وسامًا من رئيس الهيئة، ومن الرئيس جمال عبد الناصر نفسه؛ تقديرًا لجهوده. كما حصل على امتيازات أكبر من الهيئة، منها فيلا جميلة؛ عرفانًا بدوره في اجتياز هذه المرحلة الحرجة للبلاد.

    وعلى الرغم من أنه لم يكن من أهل المدينة لكنه ارتضى أن يعيش بعيدًا عن العاصمة؛ فقد وجد بها حياته الاجتماعية التي كان يحلم بها أثناء حياته كطالب. وشعر أن وظيفته الجديدة بالامتيازات العديدة التي حظي بها ستمكنه من تكوين أسرته المثالية الخاصة به بشكل يناسب حساباته هو «فقط»!

    كان وقتها لا يزال شابًّا في الثلاثينيات، مفتول العضلات، أنيقًا، أسمر، جذابًا، من أسرة ريفية طيبة، لديه أربع أخوات، والده الحاج عبدالله كان يعمل موظفًا بوزارة الأوقاف، وكانت طبيعة عمله تضطره إلى الانتقال كل فترة من محافظة لأخرى.

    هذه الحياة غير المستقرة كانت تسبب الضيق لشكري، وكان يحلم بأن يوفر لأسرته المستقبلية الوضع الاجتماعي والاستقرار الذي حُرم منه؛ لذلك لم يكن يستجيب لإلحاح أمه ليتزوج لأنه لم يكن قد وجد بعد ما يبحث عنه في زوجة المستقبل؛ فقد كان يبحث عن الجمال، والأصل؛ وهذا ما سيجعله يحقق حلمه في تكوين أسرته المثالية التي حلم بها، وسيصبح لديه أبناء مثاليون في المستقبل المثالي الذي بدأ في بنائه من وقت رجوعه من بعثة كلية الآداب بفرنسا.

    شكري علوان كانت لديه إرادة فولاذية، يتمسك بأحلامه، ولا يتهاون في تحقيقها فحتى عندما قرر دخول مسابقة السباحة، في أولى سنوات الكلية، كان يتدرب في عز الشتاء، في مياه النيل، وكان يسبح لمسافات طويلة جدًّا، حتى حصل على الميدالية الذهبية الممنوحة من نادي اليخت في سباحة المسافات الطويلة لثلاث مرات على التوالي.

    ٭ ٭ ٭

    تسلم شكري علوان أعلى وسام في الجمهورية في احتفال رسمي كبير، وبعد انتشار الخبر في أجواء دائرته الاجتماعية، في القاهرة، والإسماعيلية، فوجئ بزيارة من أربعة من أعز أصدقائه، وقت الدراسة، في فيلته بالهيئة.

    ومع بداية اللقاء قال له محمد عبدالمعبود بنبرة حقد:

    - إيه ده كله، إيه ده كله.. إيه الفيلا دي يا واد يا شكري...

    وقاطعه حسن العزازي رافعًا كف يديه، (يخمس) في وجهه قائلًا:

    - الله أكبر يا أخي من عينك، شكري يستاهل كل خير، إنت ناسي هو تعب قد إيه علشان يطلع أول البعثة وهو في فرنسا بعد ما خلصنا الكلية، إنت مش فاكر قد إيه عم الحج عبدالله باع كل اللي حيلتهم علشان يعلم ابنه، ويوصل له احتياجاته كل شهر لحد ما اتخرج. يا أخي ارحم نفسك بقى.. يا شكري، إنت لازم تطلب من الست هوَّا والدتك، تعملك تحصينة من بتوعها؛ عشان تحميك من الواد محمد اللي عينه تندب فيها رصاصة.

    أما الثالث محمود بدران فلم يهتم بالحديث الدائر بينهما، ووجه كلامه لشكري بصوت لعوب:

    - ها يا شكشك هنسهر فين بقى احتفالًا بالبطل القومي؟

    رد رابعهم سمير مسيحة بابتسامة، وبلهجة صعيدي وقال:

    - إيه رأيكم يا جماعة نسيب شكري يختار هو عايز يعمل إيه، إحنا جايين نحيره وَلَّا نبسطه، أنا عارف شكري مش بتاع سهر، ولا إيه يا شكري؟

    ابتسم شكري بثقة وقال لهم:

    - مين قال إن أنا عايز أخرج معاكم يا تلفانين، أنا خلاص عامل ترتيبي هاعدِّي الأول على الوالد والوالدة لأنهم وحشوني، وبقالي كتير من ضغط الشغل مسألتش عنهم.

    رد محمود بدران:

    - طب هتتغدا معاهم وقلنا ماشي، وبعدين هتعمل إيه؟ شكلك مرقد على حاجة مش سهلة.

    رد شكري:

    - ما تسبني أكمل طيب، أنا يا سيدي هقابل بنت خالتي ليلى في جروبي علشان معاها كام صاحبة كده، أشوف منهم عروسة.

    وكمل شكري كلامه بنبرة تصميم:

    - على فكرة إنت بالذات مش هتيجي معايا يا بدران، أنا عايز أختار براحتي ومن غير أي تأثير من أي حد.

    قال سمير مسيحة بنبرة سخرية، وتهيأ للرحيل مصطحبًا أصدقاءه؛ ليعفي صديق عمره بطريقة لطيفة من أي التزام مع الشلة:

    - يلَّا يا جماعة نوصل شكري وفي السكة نحكي علشان يلحق دكر البط بتاع الست هوَّا اللِّي أكيد مزغطاه بإديها، وبمزاج مستنية زيارة الغالي البكري.

    وخرج الشباب الخمسة من الحديقة، متجهين إلى سيارة بدران، الفيات 1100 الكحلي، بعد زنقة الجلوس معًا في السيارة الصغيرة، لكي يصل شكري لبيت الوالد في القبة.

    لكن ضيق السيارة لم يمنعهم من الضحك طوال الطريق، مع تذكر مغامراتهم، وكم المقالب التي دبروها لزملائهم، وأساتذتهم أيام الدراسة.

    وأخيرًا بعد سكة سفر ساعتين، وصل شكري لمنزل أهله في سرايا القبة، كانت فرحتهم بلقائه مثل فرحة العيد، خاصة على إخوته الصغار، نعيمة، وعبدالفتاح، فقد عودهم على استقبالهم بالهدايا، والحلويات. ولم يكن أبدًا ينسى أن يحضر شالًا جديدًا «مدندش» للحاجة هوَّا أمه التي كما يقال عنها «فشتها عايمة».

    وكانت الست هوا معروفة بين أهل الحتة، فيها شيء لله، أي مريض يطلب منها ترقيه، وبعد زيارة، أو زيارتين يكون على يدها الشفاء.

    أما الحاج فكان دائمًا يجلس على مقعده الخاص، بالجبة والقفطان. وكان شكري عند كل زيارة يدخل ليقبل يد وكتف الحاج بمودة ويقول له:

    - وحشتني يا بويا قوي، على فكرة أنا عازمك الليلة على نيفا في الحسين.

    ويضحك والده، بوجهه البشوش الذي يغلب عليه الاحمرار، وبلحيته البيضاء الخفيفة، متكئًا على العصا:

    - وعليك جوزين حمام كمان من المرة اللي فاتت.

    ويرتمي شكري في حضن والده كأنه طفل، هذا هو المكان الوحيد الذي يسمح فيه لنفسه بإظهار هذه العواطف.

    ويرد شكري ويقول له:

    - من عنيا يا حاج، بس كده؟ إنت تؤمر.

    وبعد غياب طال أكثر من شهرين، لا بد من وليمة «معتبرة»، بها كل ما لذ وطاب، من طاجن بامية باللحم، أرز معمّر بالكبد والكلاوي، ولحمة ملبّسة محمرة لعم الحاج، ومعها ثلاث بطات اثنتان محشوتان أرزًا للعيال، وواحدة بالفريك لشكري.. أما السلطة البلدي فبها كل الخيرات وطبعًا عليها الجرجير، والليمون الصابح.

    وتنادي الست هوا على ابنتها البكرية في المطبخ، أثناء طشة تقلية الملوخية، ومعها شهقة لزوم النفس:

    - يا بت يا هنية، تعالي خدي معايا العيش البتاو، وحاسبي يتكسر منك وإنتي ماشية، وحطيه قدام أبوكي وشكري أخوكي، أنا جاية وراكي بالملوخية، قولي لأختك نعيمة تيجي تاخد طاجن دقية البامية وتيجي ورايا.

    وسمعت الست هوا الشيخ عبدالله يقول:

    - الله الله الله الله على اللحمة الملبسة الله.

    وبمجرد أن مد يده ليتذوق إحداها، قالت الست هوا بصوت عالٍ:

    - على الله حد يمد إيده على حاجة قبل ما آجي أقرا على الأكل، أنا جاية أهو، ومعايا سلطانية الملوخية.

    ودخلت ريحة التقلية المعتبرة في (نخاشيش) عم الحاج الذي بدأ يفقد صبره، وريقه جرى:

    - يا ولية شهلي شوية ابنك الأستاذ شكري جاع.

    وردت الست هوا وهي داخلة ورائحة الملوخية سبقاها:

    - إهيه ابني الأستاذ شكري برضه؟

    - يا ولية اخلصي.

    رد عليها الحاج بامتعاض، ناظرًا للبط بتحفز حتى يبدأ يفصصه بيديه.

    وأخيرًا تجتمع كل الأسرة على السفرة، شكري، ومحسن، وهنية، ونعيمة، وعبدالفتاح، كلهم في انتظار بدء الحاج في تقسيم البط، وبدأت الست هوا بالتسمية على الأكل، وعلى أولادها، بصوت مختلط بدموع الفرح بزيارة ابنها الغالي.

    - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم..

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم..

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم..

    بسم الله الرحمن الرحيم..

    حصنتكم بالحي الذي لا يموت، حصنتكم بألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    وأكل شكري، وكله امتنان لوالديه، على كل شيء قدماه له، وتناول بنَهَم البطة المحشوة بالفريك، وباقي الوليمة المقامة على شرف زيارته.

    بعد هذه الأكلة الدسمة، تجمعت الأسرة في الفرندة؛ لشرب الشاي بالنعناع.

    - على فكرة يا أمي، أنا قربت استأذن علشان عندي ميعاد كده.

    ردت الست هوا:

    - كده برده يا شكري، إحنا لسّه ما شبعناش منك يا ابني...

    قاطع كلامها الحاج عبدالله:

    - يا ولية سيبيه براحته، الله.

    ردت الست هوا بنبرة ضيق:

    - جرى إيه يا حاج أنا بكلم ابني.

    وطمأن شكري والدته قائلًا:

    - لا يا أمي أنا جاي تاني وناوي أبيت معاكم، بس أنا رايح مشوار كده، وجاي آخد أبويا الحسين على المغربية كده، وبعدين جايلك تاني.

    وقال الحاج:

    - أما أقوم أنا كمان أتوضأ وأصلي العصر قبل ما أتقل، مع السلامة يا ابني، يا واد يا عبدالفتاح تعال سندني.

    وكانت الفرصة مناسبة للست هوا لتشبع فضولها:

    - والنبي لتقول لأمك إنت رايح فين؟

    قال شكري بلمعة في عينيه وبنبرة هامسة:

    - بعدين بقى يا ست هوا، بعدين، والله هاقولك بالليل لمّا الحاج ينام، في قعدة من قعدات زمان.

    وضحك شكري؛ فقد عرف أن فطنة والدته الطبيعية قد كشفته.

    وردت الست هوا بابتسامة:

    - مستنياك يا ضنايا، وما تنساش تسلم لي على ليلى.

    رد شكري بذهول:

    - إيه ده عرفتي إزاي؟!

    - أهو عرفت وخلاص، يلَّا علشان ما تتأخرش، سكة السلامة يا حبيبي، إلهي ينَوِّلك مُرادك.

    وودعته، وهي تدعو الله له وتغلق وراءه الباب.

    - يا ولية تعالي ساعديني ألبس الجلابية، إنت ما بتبطليش كلام أبدًا.

    ردت وهي تغلق الباب:

    - يا راجل اهمد طلبات شوية.. يوووه.

    نزل شكري سريعًا؛ حتى لا يتأخر على موعده مع ليلى وصديقاتها، ولكي تكتمل تمثيلية الصدفة، ويتعرف إلى العروس التي سيعجب بها بشكل تلقائي.

    وهذه بالطبع كانت خطة شكري؛ لأنه أخيرًا قرر الزواج، ولم يتبق الكثير من أيام الإجازة.

    الست نفيسة طبعًا قالت لأختها الست هوا على كل التفاصيل التي سمعتها بالصدفة، من حديث ليلى مع شكري بالتليفون. وعندما سألت الست نفيسة ابنتها، قالت:

    - ده شكري ابن خالتي يا ماما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1