Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مصريات عربية
مصريات عربية
مصريات عربية
Ebook528 pages3 hours

مصريات عربية

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

يتحدث الكتاب عن مصر العربية.. علاقة ماضيها القديم بحاضرها العربي، وجانب من خصوصيتها ومظاهر انفرادها عن البلدان التي دخلها الإسام، متجسدًا في تراثها وعمارتها، هو موضوع هذا الكتاب «مصريات عربية: ملامح من تراث وآثار مصر » كتابٌ يحاول الكشف عن وجه مصر ووجهتها، بدءًا من سؤال الهوية. وهو رحلة تنطلق من دخول مصر في حوزة الإسام ) 19 ه 640 م - 21 ه 642 م(، إلى مطلع الألفية الثالثة بحثًا عن خيطٍ ناظم لهذه العلاقة الراسخة بين عروبة مصر وحضارتها ؛ حيث صارت مصر بقلبٍ عربي وروح إسامية وعقلٍ يحتضن مختلف الثقافات والحضارات والديانات التي مرت واختلط فيه الشعبي بالديني، وامتزج الثقافي بالحضاري، حتى صار الحجر في مصر تاريخًا والنقش مجدًا، والخط لغة عزةٍ وكبرياء.
Languageالعربية
PublisherNahdet Misr
Release dateJan 1, 2020
ISBN9789771458418
مصريات عربية

Related to مصريات عربية

Related ebooks

Reviews for مصريات عربية

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مصريات عربية - رضوى زكي

    الغلاف

    مصريات عربية

    حكايات وملامح من تراث مصر العربية

    Y9789771458418.xhtml

    د.رضوى زكي

    العنـــوان: مصريات عربية

    حكايات وملامح من تراث مصر العربية

    تأليـف: د.رضـــوى زكــــي

    إشـراف عـام: داليـا محمــد إبراهيــم

    932

    ز.م.ر

    زكي، رضوى- مؤلف.

    مصريات عربية : حكايات وملامح من تراث مصر العربية / تأليف رضوى زكي ؛ إشراف داليا محمد إبراهيم. الجيزة : دار نهضة مصر للنشر، يناير 2020.

    271 ص. : صور، خرائط ؛ 13.7 × 19.5سم.

    يشتمل على قائمة محتويات للكتاب : ص. 5 .

    توجد هوامش في نهاية كل فصل من فصول الكتاب.

    يحتوي على ملاحظات باللغة الإنجليزية والفرنسية داخل النص.

    يشتمل على قائمة مصادر ومراجع باللغة العربية والأجنبية : ص. 255 : 270 .

    توجد نبذة عن المؤلفة ص. 271

    تدمك : 8-5841-14-977-978

    يتناول الكتاب التطور التراثي والمعماري والثقافي لمصر في العصور القديمة والإسلامية حتى مطلع الألفية الثالثة بالاستعانة ببعض الكتب التي تتحدث عن العلاقة الراسخة بين عروبة مصر وحضارتها.

    1 . العنوان. 2. إبراهيم، داليا محمد (مشرف). 3. أ.مصر القديمة - تاريخ. ب.مصر - تاريخ.

    ج. مصر – تاريخ – العصر الإسلامي. د.الحضارة الإسلامية ه. مصر - حضارة. و.الإسلام - حضارة. ز.التاريخ الإسلامي. ح.الحضارة العربية – تاريخ. ط. مصر- الآثار.

    جميــع الحقــوق محفـوظـة © لدار نهضة مصر للنشر

    يحظـــــر طـبــــــع أو نـشـــــر أو تصــويــــر أو تخـزيــــن

    أي جــزء مــن هــذا الكتــاب بأيــة وسيلــة إلكترونية أو ميكانيكية

    أو بالتصويـــر أو خــلاف ذلك إلا بإذن كتابي صريــح من الناشـــر.

    الترقيم الدولـى: 978-977-14-5841-8

    رقــــم الإيـــــداع: 2019/26753

    طبـعـــة: ينــايـــر 2020

    Y9789771458418-1.xhtml

    21 شارع أحمد عرابى- المهندسين - الجــيزة

    تليفـــون: 33466434 - 33472864 02

    فاكـــــس: 33462576 02

    خدمة العملاء: 16766

    Website: www.nahdetmisr.com

    E-mail: publishing@nahdetmisr.com

    «مصر حالة نادرة من حيث السمات والقسمات،

    فرعونية هي بالجد، ولكنها عربية بالأب،

    بجسمها النهري قوة بر، وبسواحلها قوة بحر،

    قلب العالم العربي، وواسطة العالم الإسلامي، وحجر الزاوية في العالم الإفريقي،

    تتأكد فيها الوسطية؛ فهي سيدة الحلول الوسطى».

    المُفكر والجغرافي المصري

    د. جمال حمدان (1928-1993م)

    المقـدمة

    هذا كتابٌ عن وجه مصر ووجهتها، بدءًا من سؤال الهوية.

    وهو رحلةٌ تنطلق من دخول مصر في حوزة الإسلام (19هـ / 640م - 21هـ / 642م)، وصولًا إلى مطلع الألفية الثالثة، بحثـًا عن خيطٍ ناظم لهذه العلاقة الراسخة بين عروبة مصر وحضارتها.

    اللافت للانتباه أن مصر أسبغت الكثير من موروثها على هذا الملمح الأساسي من هويتها العربية، فأثرت فيه كما تأثرت به، وتركت بصمتها عليه في التراث والآثار والعمارة، كما أخذت عنه في هذه المجالات وغيرها.

    هكذا صارت مصر بقلبٍ عربي وروح إسلامية وعقلٍ يحتضن مختلف الثقافات والحضارات والديانات التي مرت عليها عبر العهود والعصور. هكذا أيضـًا اختلط الشعبي بالديني، وامتزج الثقافي بالحضاري، حتى صار الحجر في مصر تاريخـًا، والنقش مجدًا، والخط لغة عزةٍ وكبرياء.

    الشاهد أن مصر العربية صارت ركنًا مهمًّا من أركان العالم العربي- الإسلامي، للحد الذي رُوي عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في بعض المصادر التاريخية أن ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة، وذلك بعد أن انتشر دين الإسلام وأصبح العقد الاجتماعي لحياة المصريين منذ ذلك الحين. ولأن التعريب كان أداة توحيد المجتمع المصري بصبغته العربية-الإسلامية، فقد مثَّلَ الإسلام في مصر التراكم الحضاري والفكري لما سبقه من وقائع التاريخ السالف، ومن ثم انطلقت مصر لتستكمل دورها الحضاري بين تاريخ الأمم تحت لواء الحضارة العربية.

    كان الدخول العربي- الإسلامي لبلاد النيل مرحلة مفصلية وفاصلة في التاريخ المصري، وكأنه جسرٌ ممتد بين العصور القديمة والحديثة، وقد نتج عن التحول من اللغة المصرية القديمة إلى اللغة العربية فصلٌ تامٌّ في تاريخ مصر عن ماضيها السابق على الفتح الإسلامي؛ إذ تغير الدين وتبدل اللسان. كانت مصر في تلك الفترة تسودها لغتان؛ اليونانية لغة أهل السلطة، والقبطية -آخر مراحل اللغة المصرية القديمة- لسان أهل مصر من العامة الذين ظلوا متمسكين بلغتهم لما يزيد عن أربعة قرون قبل التحول التام إلى اللغة العربية على المستويين الرسمي والشعبي على حد السواء، وبخاصة عقب قرار الخليفة عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين في الأمصار العربية عام 87ه/ 706م. ومع مطلع القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي صارت اللغة العربية لغة تواصل أهل مصر، فيما اختفت تدريجيًّا اللغة القبطية وانحصر استخدامها في الطقس الديني. وتجدر الإشارة إلى أن مصر قد تحولت من لغتها المصرية إلى العربية تحت ظل الحضارة الإسلامية على حين أن بلادًا أخرى مثل إيران وتركيا قبلت الإسلام دينًا دون أن تتحول عن لغتها الأم. ومن هنا ابتدأ تعريب الثقافة المصرية مع تحول أهلها التدريجي إلى الإسلام عبر الأربعة قرون الأولى من عمر الحضارة العربية في بلاد النيل.

    وعلى الرغم مما يبدو من انقطاع مظاهر الاتصال بين مصر في عصرها القديم وعصرها العربي؛ فإننا شهدنا عدة أنماط للتفاعل الشعبي والاجتماعي بين تراث مصر القديمة ومصر العربية، وتأثرت الثقافة الإسلامية بالكيان التاريخي المصري القديم، فظل الموروث المصري الحضاري والاجتماعي حيًّا فاعلًا بهيئات أخرى بين المصريين في العصور الإسلامية.

    وإذا كان مفهوم الهوية كما يُعرِّفه الفيلسوف العربي أبو النصر الفارابي (ت. 339هـ/950م) هو ماهية الشيء بوصفه متميزًا، له خصوصيته ووجوده المنفرد، وفي عبارة أخرى هو الأسلوب أو الشخصية؛ فالهوية المصرية وإن بدت في ظاهرها منفصلة عن بعضها، نظرًا لطول وتباعد الفترات التاريخية المختلفة، فإنها في مضمونها متصلة ببعضها البعض عبر طوق الموروث والعادات والتقاليد. إن إحدى السمات الرئيسية في تكوين الهوية المصرية أنها استطاعت أن تجد لماضيها وتراثها القديم ترجمة جديدة في المسيحية ثم في الإسلام، فعلى سبيل المثال يتصف التدين المصري بتغلغل المعتقدات الشعبية وامتزاجه بها للحد الذي تألفت معه ديانة شعبية-مصرية، وهو النمط الديني الذي ظل حيًّا بين شرائح واسعة من المصريين، على الرغم من تمسكهم بتعاليم الأديان السماوية المنزلة.

    كما احتفظت مصر عبر تاريخها برواسبها الثقافية بصور متنوعة، فنجد عدة أوجه للشبه بين الطقوس والشعائر الدينية المصرية القديمة والمسيحية والإسلامية، وبخاصة في ظاهرة الاحتفال بموالد الأولياء والقديسين، فاحتفالات المصريين الشعبية والدينية تبدأ بطقوس صارمة، وتنتهي بمظاهر المسرة والمرح، الذي قد يصل إلى خرق القيم والتقاليد الأخلاقية. لذا نجد الموالد تجمع بين الطقس الديني كالصلاة أو الذكر، وبين المظهر الترفيهي كالغناء وبيع الحلوى. وكان من أبرز مظاهر الاتصال بالموروث الثقافي المصري بعضه ببعض ظاهرة «التصوف المصري». فقد أسلمت فكرة الوحدانية المصرية القديمة بدورها إلى الرهبنة المسيحية، ومن ثم التصوف الإسلامي المشهود بقوالبه الشعبية والرسمية في العصور الوسطى.

    وفي العمارة والعمران ليس من شعوب العالم أكثر تطويعًا للحجارة الصلبة، وإبداعًا في فن البناء، واكتمالًا في الضخامة وعناية بالزخارف الدقيقة كأهل مصر، كما وصف المؤرخ الإغريقي هيرودوت قائلًا: «ليس من أقطار العالم ما يملك الروائع أكثر من مصر، وليس منها ما له مثلها من عديد الأعمال التي تتحدى الوصف».

    وغني عن الإشارة ما تحفل به مصر من تنوع أنماط العمائر والمنشآت التي أبهرت العالم انطلاقًا من ضخامة معابدها المصرية القديمة، مرورًا بالتأثيرات العربية والأجنبية الوافدة في عصور الحضارة العربية كالطرز المغربية الفاطمية، والمشرقية الفارسية، والغربية الرومية والأندلسية، والتي أسهمت بدورها في ظهور طراز مصري – إسلامي خلال العصر المملوكي، بلغ قمة النضج والكمال المعماري في العمارة العربية، وانتهاءً إلى فنون العمارة العثمانية المميزة.

    وعبر تلك المراحل التاريخية المتعاقبة تفاعلت العمارة المصرية الإسلامية مع التأثيرات الحضارية السابقة عليها كنمط العمارة المحلية، أو المعاصرة لها من روافد خارجية وافدة، فلم يسبق أن ظهر طراز معماري من العدم. ومن أبرز الأمثلة على إبداع المعماري من خلال مشاهدته وتأثره بروافد البيئة المحيطة ما نشهده من ضخامة بعض العمائر المصرية المملوكية المتأثرة ببنيان العمارة المصرية القديمة، ويقف ضريح ومدرسة السلطان حسن، درة العمارة المصرية –المملوكية، في مقدمة تلك المنشآت الفريدة التي جمعت بين الضخامة والفخامة في البنيان وبين دقة الزخارف وتفاصيلها، فضلًا عن تخطيطه الملائم للبيئة المصرية للحد الذى دعا شيخ مؤرخي العصر المملوكي تقي الدين المقريزي (ت. 845ه/ 1442م) في موسوعته الفريدة «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» المعروفة باسم «الخطط المقريزية» لوصفه باعتباره: «لم يبن في بلاد الإسلام معبد يضاهي هذا المعبد»، وهو ما يشير بوضوح أن المؤرخ المصري حين أراد أن يجد تشبيهًا ملائمًا لهذا البنيان المهيب نسبه للمعابد المصرية القديمة التي ليس لها مثيل سوى ببلاد النيل. كما رأى الإسكندر المقدوني حين دخل مصر في شخصه خليفة لملوك مصر القديمة، ولما جاء العرب إلى مصر لعبوا دور الوريث لما سبق من حضارة مصر قبل دخول الإسلام؛ تلك الحضارة هي في حد ذاتها نتاج لتلاقح حضارات وثقافات عديدة، مصرية ويونانية وبيزنطية؛ فحضارة اليونان تدين بالفضل لحضارة مصر القديمة(1)، وعلى أرضها امتزجت بروافد شرقية ونمت الحضارة الهلينستية(2)، والحضارة العربية بدورها تأثرت في بعض نواحيها بالحضارة البيزنطية(3)، وسعت للاستفادة من التجربة الحضارية المصرية. لذا اهتم المؤرخون المسلمون والرحَّالة الوافدون إلى مصر بالبحث والتقصي عن تاريخ الحضارة المصرية السابق للإسلام، وتوثيق ملامح مميزة من التراث المصري- العربي من عادات وتقاليد وثقافات، فضلًا عن الإشارة لما شُيِّد من عمائر وأبنية، عبر تسجيل طرفٍ من أخبارها، ووصفٍ لآثارها، كعتبةٍ لبيان فضلها وخصائصها عن الأمم العربية الأخرى.. فمصر طبقات متعاقبة ومتراتبة من الحضارة والثقافة والفنون، حلقات يسلم بعضها بعضًا، كان فيها الإنسان المصري القاسم الرئيسي في فصول تاريخها الطويل. هكذا تميزت مصر العربية في مظاهر حضارتها وثقافتها، وتفردت بطابع وشخصية مميزة، مستوحاة من تقليدها وموروثها، زاخرة بنتاج تفاعل المسلمين مع ما وجدوه في مصر من تراث ومعمار أخَّاذ، فتشكَّل على أيديهم قالبٌ مصري للحضارة العربية في بلاد النيل، بعد أن تمصَّرت تلك الحضارة الوافدة، واكتسبت روافد جديدة نمت وتكونت خلال قرون طويلة منذ دخول العرب لمصر وحتى نهاية حُكم أسرة محمد علي باشا للمحروسة.

    من هذا المنطلق نبعت تسمية هذا الكتاب «مصريات عربية.. حكايات وملامح من تراث مصر العربية»، على الرغم أن مصطلح المصريات كما هو معلوم يُطلق على أحد فروع علم الآثار، وهو علم يختص بدراسة تاريخ مصر القديمة ولغتها وآدابها ودياناتها وفنونها، ظهر منذ أن بدأ الاهتمام بالآثار المصرية في مطلع القرن التاسع عشر. وإذا كانت فروع علم المصريات تشمل تاريخ مصر القديمة، وتاريخ مصر في عصري ملوك البطالمة وأباطرة الرومان، ثم العصر الذي دانت فيه البلاد والعباد بدين السيد المسيح عليه السلام، فهو بذلك يمثل ماضي مصر العربية الذي كان داعمًا كبيرًا لاستمرار دورها الحضاري، ومكونًا رئيسًا في نسيج تراثها وجذور ثقافتها. ويؤكد هذا الاتجاه ما ذهب إليه بعض الباحثين أمثال «دومينيك فالبيل» في كتابها «علم المصريات» بأن عصور الحضارة الإسلامية تنضوي تحت لواء علم المصريات، باعتبار تلك الفترة من تاريخ مصر هي استمرار لعصور السيادة المصرية.

    إن التراث المصري الاجتماعي والشعبي بدفئه وثرائه، والعمارة بما تجسده من دلالات لأحوال المجتمع السياسية والاقتصادية هما خير شاهد على فصول ازدهار وانحسار تاريخ الحضارة المصرية - العربية، وأوثق الأواصر بين ماضي الإمبراطورية القديمة وحاضر البلاد العربية، لذلك كان التراث والعمارة في عصر الحضارة العربية هما جناحي تلك الدراسة، وموضوعها الرئيسي.

    وبعد، نضع بين دفتي هذا الكتاب مشاهد منتقاة من حضارة مصر في عصرها العربي- الإسلامي، والتي قد تبدو وكأنها فصولٌ متناثرة من ثنايا التاريخ المصري، تعالج فكرة محورية قائمة على إبراز بعض عناصر خصوصية طابع مصر العربية. فمن جانب نسعى لإلقاء الضوء على تجليات العلاقة بين التراث المصري القديم والعربي في صورة معتقدات اجتماعية وشعبية تارة، وبالاستعانة بالآثار القديمة في عمارة الآثار العربية تارة أخرى، وهو أبرز ما يميز شخصية «مصر العربية» المتصلة بماضيها الباهر. فنتناول مظهرًا من مظاهر اعتقاد المصريين في الأساطير الشعبية، كالاستخدام السحري للتوابيت القديمة في العمارة الإسلامية، واستخدام بعض أطلال عين شمس القديمة في بناء بعض الآثار الإسلامية بمدينة القاهرة.

    ومن زاوية أخرى، يهدف الكتاب إلى الكشف عن ملامح من المُكوِّن التراثي والمعماري والثقافي لمصر العربية. ففي المعتقدات الشعبية نشهد إيمان المصريين بكرامات الأولياء عبر احتفالهم بـ «موكب الدوسة» ضمن مظاهر الاحتفالات المصرية بالمولد النبوي الشريف، واحتفالات ختان الصبيان على الطريقة المصرية. ونبحث اهتمام المستشرقين بتدوين «وصف مصر» في مؤلفاتهم عن بلاد الشرق الأخرى، ونشأة لجنة حفظ الآثار العربية في مصر؛ أول لجنة قومية تُعنى بالحفاظ على التراث المعماري العربي في العالم، ونحكي عن المتحف الإثنوجرافي بالقاهرة، الذي يختزن في محتوياته مظاهر حياة أهل مصر الشعبية. كما نتعرف على نمط من العمارة المصرية الصوفية كالتكية المولوية بالقاهرة، ونطوف بين آثار شارع السيوفية بقاهرة المعز، وبين أرجاء جامع سليمان الخادم أول مسجد عثماني على أرض مصر. ونستعرض سمات الشخصية المعمارية للمئذنة المصرية، باعتبارها أهم عناصر فن المعمار الإسلامي الذي ازدانت به منشآت القاهرة، للحد الذي عُرِفت به بأنها مدينة الألف مئذنة.

    ولما كان عصر أسرة محمد علي من أكثر فترات التاريخ المصري المعاصر زخمًا وازدهارًا في مختلف مظاهر الحياة في مصر؛ كان لزامًا أن نتبين مظاهر تأثر العمارة المصرية بمستجدات تلك الحقبة التاريخية التي شهدت تأرجحًا بين التمسك بالتراث ومجاراة تيار الحداثة، كان فيها للمُكوِّن الإسلامي في العمارة المصرية المعاصرة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين دورٌ بارزٌ في مناهضة الاحتلال الإنجليزي لمصر. كما اتسم هذا العصر بظاهرة إنشاء المدن الجديدة، وجاءت «مدينة هليوبوليس» في مصاف التجارب العمرانية الرائدة بتخطيطها الأوروبي الجوهر.. العربي المظهر.

    لقد عاشت مصر خلال الربع الأول من القرن العشرين مرحلة من البحث عن هويتها وقوميتها بعد قرون قضتها تولى فيها الحُكم مَن هم ليسوا من بنيها، فكانت تارة تعود لأصولها المصرية القديمة تحت شعار أن المصريين هم أبناء الفراعنة، وطغت مظاهر الدعوة إلى الفرعونية على الثقافة والفنون والمعمار، وتارة أخرى تنادي مصر بعروبتها وارتباطها بديار الإسلام، وبخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924. والحق أن مصر مزيج فريد من الثقافات والأطياف، ومناط تميزها هو قدرتها على التوفيق بين ماضيها وحاضرها، فلا الانتماء العربي لمصر ينقص من تاريخها القديم، ولا الاحتفاء بالموروث المصري القديم المتغلغل في تربة مصر الحضارية ينال من قدر مصر العربية.

    نحسب أننا حاولنا بلورة طرفٍ من التنوع والتراكم الحضاري لمصر العربية الممتد أربعة عشر قرنًا عبر إصدار هذا الكتاب وتقديمه للقارئ العربي، والذي سعينا من خلاله لتقديم مادة معلوماتية تجمع بين السلاسة والرصانة، في محتوى أكاديمي ليس بعسير على القارئ غير المتخصص، وليس بثقافيٍّ مبسط يرمي إلى الإمتاع على حساب الجودة والإفادة، ومضمون يناسب القارئ الشغوف بالمعرفة، مما يساعده على الاطلاع والاستزادة من الموضوعات المطروحة بفضل المراجع التوثيقية التي تُذيِّل الفصول، فيتنقل من موضوع لآخر عبر رحلة بين دفتي «مصريات عربية»؛ أوراق ترسم في طياتها لوحة عن فصل مهم من فصول حضارة مصر لتكتمل ملامح الصورة.. صورة «مصر العربية».

    إن كتابنا هذا هو لبنة إضافية في مبنى شاهق يحمل عنوان عروبة مصر، وحضارتها التليدة، ونحسب أننا نحاول بهذه الإضافة البسيطة أن نشير إلى هذا البناء العظيم، وبعض أوجه تفرده، التي يباهي بها الأمم.

    فإن تحقق ذلك، كان للتعب معناه، وللجهد ثمرته، في بحثنا الذي بين أيديكم الآن.

    د.رضوى زكي

    الإسكندرية

    25 سبتمبر/ أيلول 2019

    Dr.radwa.zaki@gmail.com

    Y9789771458418-3.xhtml

    الهوامش

    (1) أقدم وأبرز حضارات العالم القديم وتعرف باسم الحضارة الفرعونية أحيانًا، تبدأ بعام 3100 أو 3150 ق.م منذ أن جمع الملك مينا -أو نعرمر- قُطري مصر العليا والسفلى تحت حُكم واحد وعاصمة واحدة، وكان هذا إيذانًا لبداية حضارة استمرت قرابة ثلاثة آلاف عام نشأت على ضفاف النيل وعاصرت عهودًا تاريخية ضمت الدولة القديمة والوسطى والحديثة. وتتباين آراء الباحثين في نهاية تاريخ مصر القديم؛ إذ يرى البعض أن الحضارة المصرية القديمة تمتد لتشمل العصرين البطلمي والروماني، وآراء أخرى تذهب إلى أنه بدخول الإسكندر الأكبر لمصر وتأسيس دولة البطالمة (323-30ق.م.) تنتهي العصور المصرية القديمة. عبدالحليم نور الدين، تاريخ وحضارة مصر القديمة (القاهرة، 2005م)، ص17-18؛ محمد عبدالرحمن الشرقاوي، منهج البحث في تاريخ وحضارة مصر القديمة (الإسكندرية، 2018م)، ص23.

    (2) تلك الحضارة التي ازدهرت في القرون الثلاثة التالية لوفاة الإسكندر الأكبر 323 ق.م، وهي في أصلها وجوهرها حضارة يونانية امتزجت بالحضارات الشرقية في المناطق التي قام بغزوها الإسكندر الأكبر. طه باقر، موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارة العربية الإسلامية (بغداد، 1980م)، ص131؛ إبراهيم نصحي، تاريخ مصر في عصر البطالمة، ج4 (القاهرة، 2002م)، ص227.

    (3) بسقوط الدولة الرومانية أواخر القرن الخامس الميلادي أعلن ميلاد إمبراطورية جديدة اتخذت من بيزنطة موقعًا لها وعاصمتها القسطنطينية وعرفت تاريخيًّا بالإمبراطورية الرومانية. وكانت الحضارة البيزنطية في مصر متميزة نابعة من البيئة والموروثات المصرية السابقة، وتعرف كذلك بالحضارة القبطية، وكانت حلقة وصل مهمة بين الحُكم الروماني والحُكم العربي الإسلامي استمرت منذ تربع الإمبراطور دقلديانوس على حُكم مصر حتى دخول العرب المسلمين لمصر 284م - 640م؛ محمد محمد عبدالحميد فرحات، تاريخ مصر وحضارتها في العصر البيزنطي (الإسكندرية، 2014م)، ص5.

    Y9789771458418-4.xhtml

    في البدء كانت أم الدنيا

    هناك الكثير من العبارات التي اعتدنا سماعها ثم إطلاقها دون معرفة أصل تسميتها أو مغزاها.. على الرغم أنها يكثُر تداولها على الألسنة، ومن تلك الأسماء اللصيقة بمصر والمعروفة بها «أم الدنيا».

    متى وكيف صارت مصر أمًّا لهذا العالم؟! وأي مسئولية ملقاة على عاتق تلك الأم بطبيعة الحال؟ تلك البلاد الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، مصر التي حين تُذكر ترتبط بفكرة الأسبقية والأفضلية؛ فهي أم الفنون والعلوم والحضارات.

    كانت نقطة البداية في البحث عن أصل تلك العبارة ومعناها قيمة مصر في بعض المصادر التاريخية العربية، فقد أولى العديد من المؤرخين والرحَّالة والجغرافيين العرب ممن مروا بأرض بلاد النيل عنايتهم بتدوين مزايا مصر وفضائلها، وهو نمط من الكُتب التاريخية ذات الطابع المحلي عنيت بتسجيل أخبار مصر وفضائلها قبل الفتح الإسلامي حتى زمن المؤلف؛ مثل «فضائل مصر وأخبارها» لابن زولاق، و«الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة» لابن ظهيرة.

    كما كان هناك تقليد اتبعه بعض المؤرخين الكبار في موسوعاتهم التاريخية؛ وهو استهلالهم بالحديث عن فضائل مصر ومنزلتها، حسبما ذُكرت في القرآن والأحاديث الشريفة، ومكانتها لدى الأنبياء والصحابة، ثم بيان ما اختُصت به من الخيرات والصفات والمزايا، كما رأى العرب مصر خزانة الأرض كلها، وأن عجائب الدنيا ثلاثون، من بينها عشرون اختصت بها مصر وحدها(1).

    أظهرت تلك الكتابات العربية اختصاص مصر بدور الأم بأهميته وأعبائه الثقيلة في عنايتها بمن سواها. وتعود أقدم تلك الإشارات إلى القرن الثالث الهجري على أقل تقدير، فيشير المؤرخ العربي ابن عبد الحكم (ت. 257ه/871م) في كتابه «فتوح مصر وأخبارها» إلى فكرة نسبة العرب إلى البلد الأم مصر؛ فالسيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم وأم إسماعيل -عليهما السلام- وأم العرب جميعًا مصرية(2).

    ولطالما عُرفت بمصر بأنها سلة غلال العالم منذ العصر الذي دانت

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1