حواديت من الغابة: الجزء الثاني
By رأفت علام
()
About this ebook
كتاب للأطفال يروي عدد من القصص التي تقتصر بطولتها على الحيوانات في الغابة.. يسافر الكتاب بالقارئ إلى البرية ليتخيل الغابات والأشجار والحيوانات التي تقوم ببطولة تلك القصص الشيقة والمثيرة..
لا تخلو الحكايات من الإرشاد الغير مباشر والنصائح التربوية التي لا يلاحظها القارئ بشكل مباشر بل يتعلمها المتلقي من سياق الحكاية..
جمعت في هذا الكتاب سبع حكايات، وهم كما يلي:
- في عالم الأرانب
- الأم نهر الحنان
- جزاء ثعلوب الشرير
- كرامة
- قاضِي الغابَةِ
- ذكاء ثعلوب
- نمولة العسولة
ثم جمعت مقطتفات من دائرة المعارف الفرنسية عن النمل، ليكون مرجعًا لكل من أعجبته قصة «نمولة»، وأراد أن يعرف أكثر عن حياة النمل..
ثم تم إضافة بابين شيقين الأول عن أسماء كنيات الحيوانات وأعلامها كما جائت في الأثر، والأخر عن أسماء أسرة الحيوانات..
Read more from رأفت علام
أبيع دموعي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحديقة الذئب: تسعة عشر قصة مختارة من عالم الحيوان للأطفال Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحواديت من الغابة: الجزء الأول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكتالوج الأخت الصغرى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرحمة في السماء: قصة عن الفقد Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to حواديت من الغابة
Related ebooks
زهرة البرسيم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأسد الطائر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأُمُّ سِنْدٍ وَأُمُّ هِنْدٍ: كامل كيلاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعنكب الحزين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالنحلة العاملة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالنَّحْلة العَامِلة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجحا في بلاد الجن Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدجاجة الصغيرة الحمراء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعَنْكَبُ الحَزين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالأمير الحادي والخمسون Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفي الإصطبل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفي بلاد العجائب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزهرةُ البرسيم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأسرة السناجيب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبنت الصباغ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشدائد وأزمات: الجزء الرابع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالوزير السجين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجَلِفَر فِي الْجَزِيرَةِ الطَّيَّارَةِ الرحلة الثالثة: كامل كيلاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأم سند وأم هند Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصراع الأخوين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسفيرة القمر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأُمُّ سِنْدٍ وَأُمُّ هِنْدٍ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsهجرة الصحابة – إسلام عمر: الجزء الثالث Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبدر البدور Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكنزُ الشَّمردَل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأمير العفاريت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالعلبة المسحورة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأصدقاء الربيع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشجرة الحياة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسفيرة القَمرِ Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for حواديت من الغابة
0 ratings0 reviews
Book preview
حواديت من الغابة - رأفت علام
حواديت من الغابة
الجزء الثاني
إعداد وتحرير: رأفت علام
مكتبة المشرق الإلكترونية
يحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة من وسائل تسجيل البيانات إلا بإذن كتابي صريح من الناشر.
صدر في نوفمبر 2019 عن مكتبة المشرق الإلكترونية – مصر
Table of Contents
حواديت من الغابة
في عالم الأرانب
الأم نهر الحنان
دِنْدِشُ الْعَجِيبُ
كرامة
قاضِي الغابَةِ
ذكاء ثعلوب
نمولة العسولة
عن بالنمل
أعلام الحيوان
أسماء أُسْرَةُ الْحَيَوَانِ
Notes
في عالم الأرانب
تقديم
كَانَتْ أَبْرَعَ بَنَاتِ جِنْسِهَا جَمَالًا، وَأَحْسَنَهُنَّ قَامَةً وَتَكْوِينًا وَاعْتِدَالَ جِسْمٍ، وَأَظْرَفَهُنَّ مَنْظَرًا. كَانَتْ - لِوَسَامَتِهَا، وَتَأَلُّقِ عَيْنَيْهَا، وَدِقَّةِ أَنْفِهَا الصَّغِيرِ الْوَرْدِيِّ، وَرَشَاقَةِ أَقْدَامِهَا الْمُبَطَّنَةِ بِالشَّعْرِ - مِثَالًا لِلْحُسْنِ وَنَمُوذَجًا لِلْمَلَاحَةِ.
لَوْ رَأَيْتَهَا - وَهِيَ تَخْتَالُ وَتَتَبَخْتَرُ فِي جِلْبَابِهَا الْأَبْيَضِ الْأَنِيقِ - لَمَا تَمَالَكْتَ مِنْ فَرْطِ الْإِعْجَابِ بِهَا، وَالِافْتِتَانِ بِمَنْظَرِهَا الرَّائِعِ الْأَخَّاذِ.
أَطْلَقَ عَلَيْهَا صَوَاحِبُهَا وَرَفِيقَاتُهَا لَقَبَ (وناسة) لبشاشتها وقربها منهم..
كَانَتْ (وناسة) - تِلْكَ الْأَرْنَبَةُ الصَّغِيرَةُ الظَّرِيفَةُ الشَّقْرَاءُ - تَعِيشُ مَعَ أَبَوَيْهَا، وَأُخْتَيْهَا، وَإِخْوَتِهَا الثَّلَاثَةِ، فِي جُحْرٍ عَمِيقٍ، حَفَرَهُ أَبُوهَا (رابح) فِي مَكَانٍ مُنْخَفِضٍ - اخْتَارَهُ لِسُكْنَاهُ - يُحِيطُ بِهِ سُورٌ مِنَ الْأَعْشَابِ، بِالْقُرْبِ مِنْ بَعْضِ التِّلَالِ الْمُشْمِسَةِ الرَّمْلِيَّةِ.
كَانَ (رابح) خَيْرَ مِثَالٍ لِرَبِّ الْأَسْرَةِ الْبَارّ.
كَانَتْ زَوْجَتُهُ (صهباء) تُحِبُّهُ حُبًّا جَمًّا، لِإِخْلَاصِهِ وَلِينِ طَبْعِهِ.
كَانَ (رابح) - فِي الْحَقِيقَةِ - جَدِيرًا بِكُلِّ إِعْجَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّخِرْ وُسْعًا فِي إِسْعَادِ أُسْرَتِهِ: كَانَ يَقْضِي وَقْتَهُ كُلَّهُ مَعَ أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ، فَلَا يُفَارِقُهُمْ إِلَّا لِضَرُورَةٍ قَاهِرَةٍ. لَا عَجَبَ إِذَا نَعِمَتْ هَذِهِ الْأُسْرَةُ بِسَعَادَةٍ نَادِرَةٍ قَلَّمَا يَظْفَرُ بِهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.
لَمْ يَكُنْ يُنَغِّصُ عَلَيْهِمْ سَعَادَتَهُمْ، وَيُكَدِّرُ صَفْوَهُمْ، إِلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ، هُوَ مَرَضُ (صهباء): أُمِّ الْأَرَانِبِ وَزَوْجَةِ (رابح).
كَانَتْ تَشْكُو المرض في سيقانها وَلَا تَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ.
اضْطُرَّ زَوْجُهَا النَّبِيلُ إِلَى تَعَهُّدِ أَبْنَائِهِ، وَالسَّهَرِ عَلَى رَاحَتِهِمْ.
كَانَ (رابح) قَدْ جَابَ الْبِلَادَ وَطَافَ بِهَا - فِي أَوَّلِ شَبَابِهِ - وَعَاشَرَ الحيوانات والآدميين، وَاكْتَسَبَ أَكْرَمَ مِيزَاتِهِمْ، وَجَمَعَ - إِلَى إِخْلَاصِهِ وَوَفَائِهِ - تَجْرِبَةً نَادِرَةً، وَثَقَافَةً وَاسِعَةً. عَرَفَ كَيْفَ يُنَشِّئُ بَنِيهِ أَحْسَنَ تَنْشِئَةٍ، وَيُبَصِّرُهُمْ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ مِنْ فُنُونِ الْمَعْرِفَةِ وَأَنْوَاعِهَا. نَشَأَ (رابح) - مُنْذُ حَدَاثَتِهِ - فِي بَيْتِ زَارِعٍ يَعِيشُ فِي إِحْدَى الْقُرَى النَّائِيَةِ الْبَعِيدَةِ.
كَانَتْ حَفِيدَةُ الزَّارِعِ تُحِبُّهُ أَشَدَّ الْحُبِّ: لَا تَكَادُ تُفَارِقُهُ لِشِدَّةِ الْأُلْفَةِ وَالْحُبِّ وَالْإِينَاسِ بَيْنَهُمَا.
هَرَبَ (رابح) مِنْ بَيْتِ الزَّارِعِ، حِينَ رَأَى رَبَّةَ الْبَيْتِ تَذْبَحُ أَحَدَ رِفَاقِهِ، لِتُهَيِّئَ لِزَوْجِهَا غَدَاءَهُ. لَمْ يُطِقِ الْبَقَاءَ فِي الْبَيْتِ - مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ - وَهَجَرَهُ إِلَى حَيْثُ يَعِيشُ مَعَ أُسْرَتِهِ.
لَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، اجْتَمَعَتِ الْأُسْرَةُ فِي جُحْرِهَا، قَالَ (رابح) لِأَبْنَائِهِ: «هَلْ أَنْتُمْ مُستعِدُّونَ؟ فَإِنَّا عَلَى الرَّحِيلِ عَازِمُونَ.»
أَسْرَعَ (حمدون) - وَهُوَ أَكْبَرُ أَبْنَاءِ (رابح) - إِلَى أُمِّهِ (صهباء) لِيُوَدِّعَهَا قَبْلَ سَفَرِهِ. كَانَتْ مُمَدَّدَةً فِي رُكْنٍ مُنْزَوٍ مِنَ الْجُحْرِ، تُعَانِي آلَامَ الْمَرَضِ.
سَأَلَهَا مَحْزُونًا لِسَقَامِهَا:
- «كَيْفَ أَمْسَيْتِ، يَا أُمَّاهُ؟»
أَجَابَتْهُ:
- «لَا زِلْتُ أُعَانِي آلَامَ الْمَرَضِ. إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ أَهُمَّ بِالْقِيَامِ، فَتَكَادُ سَاقَايَ لَا تَحْمِلَانِي لِضَعْفِهِمَا!»
قَالَتْ (وناسة):
- «كَلَّا. لَا تَقُولِي ذَلِكَ، يَا أُمَّاهُ!»
أَقْبَلَتْ عَلَى أُمِّهَا تُصَبِّرُهَا، وَتُمِرُّ لِسَانَهَا عَلَى أُذُنَيْهَا - فِي حُنان وَرِفْقٍ - وَتُسَرِّي عَنْهَا مَا تُكَابِدُهُ مِنْ أَلَمٍ، وَتُبَشِّرُهَا بِقُرْبِ شِفَائِهَا.
رَأَى (رابح) أَنَّ الْوَقْتَ يَمُرُّ سَرِيعًا، فَصَاحَ فِي أَبْنَائِهِ آمِرًا:
- «هَلُمُّوا أَيُّهَا الْأَبْنَاءُ. لَقَدْ أَرْسَلَ الْقَمَرُ أَشِعَّتَهُ الْفَاتِنَةَ عَلَى الدُّنْيَا. لَا بُدَّ أَنْ نَتَعَشَّى. لَا تُضِيعُوا وَقْتَكُمْ عَبَثًا. سَأُرِيكُمْ: أَيُّ حَقْلٍ مِنْ حُقُولِ الْبِرْسِيمِ قَدْ وُفِّقْتُ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ؟ إِنَّهُ حَقْلٌ مُحْتَشِدٌ مَمْلُوءٌ بِذَلِك الطَّعَامِ الشَّهِيِّ، الَّذِي يَسِيلُ لُعَابُنَا شَوْقًا إِلَيْهِ.»
صَاحَ الْأَبْنَاءُ يُوَدِّعُونَ أُمَّهُمْ - فِي جَزَعٍ وَأَسَفٍ - ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ جُحْرِهِمْ، وَرَفَعُوا آذَانَهُمْ وَأَذْنَابَهُمْ فِي الْهَوَاءِ، وَأَسْلَمُوا سيقانهم لِلرِّيحِ، سَاقًا بَعْدَ سَاقٍ، وَهُمْ يَقْفِزُونَ فِي رَشَاقَةٍ وَخِفَّةٍ.
وَقَفُوا عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ يَنْتَظِرُونَ مَقْدَمَ أَبِيهِمُ (رابح) لِيُرْشِدَهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْحَقْلِ.
كَانَ (رابح) - حِينَئِذٍ - يواسي زَوْجَتَهُ (صهباء) الْمَرِيضَةَ، وَيُوصِّيهَا بَالصَّبْرِ وَالتَّجَلُّدِ، وَيَتَمَنَّى لَهَا نَوْمًا هَادِئًا.
شَكَرَتْ لَهُ (صهباء) ذَلِكَ الْعَطْفَ، وَتَمَنَّتْ لَهُ السَّلَامَةَ فِي رِحْلَتِهِ، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا.
حَانَتْ مِنَ (رابح) الْتِفَاتَةٌ. رَأَى (وناسة) لَا تَزَالُ بَاقِيَةً فِي الْجُحْرِ. قَالَ لَهَا:
- «مَا بَالُكِ لَمْ تَذْهَبِي مَعَ إِخْوَتِكِ؟ أَلَا تُحِبِّينَ أَنْ تُشْارِكِينَا فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ؟ ألست جائعة؟؟»
قَالَتْ (وناسة) حزينة:
- «كَلَّا، يَا أَبَتِ. لَنْ أَتْرُكَ أُمِّي الْمَرِيضَةَ وَحِيدَةً فِي الْجُحْرِ!»
قَالَ لَهَا (رابح) في حنان:
- «بَارَكَ اللهُ فِيكِ، يَا عَزِيزَتِي. إِنِّي مُكَافِئُكِ - عِنْدَ عَوْدَتِي - بِمَا يَسُرُّكِ. فَودَاعًا.»
خَرَجَ (رابح). رَأَى أَبْنَاءَهُ يَنْتَظِرُونَ قدومه عَلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ مِنَ الْجُحْرِ. لَمَّا رَأَوْهُ مُقْبِلًا هَتَفُوا فَرِحِينَ. تَقَدَّمَ (رابح)، وَتَبِعَهُ بَنُوهُ وكَانُوا يَقْفِزُونَ فِي الْهَوَاءِ مَسْرُورِينَ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
قَالَتْ (صهباء) لِابِنْتِهَا (وناسة):
- «مَا بَالُكِ لَمْ تَذْهَبِي مَعَ إِخْوَتِكِ وَأَبِيكِ إِلَى حَقْلِ الْبِرْسِيمِ؟»
أَجَابَتْهَا عَاطِفَةً مُتَوَدِّدَةً:
- «كَلَّا يَا أُمَّاهُ. مَا أَنَا بِجَائِعَةٍ. وَلَا أَخْتَارُ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْبَقَاءِ إِلَى جَانِبِ أُمِّي الْحَبِيبِة. أَقْبِلِي يا أمي. نَامِي عَلَى هَذِهِ الْحَشَائِشِ اللَّيِّنَةِ الرَّقِيقَةِ؛ لَعَلَّهَا تُخَفِّفُ شَيْئًا مِنْ أَوْجَاعِكِ، وَتُزِيلُ آلَامَ سَاقَيْكِ.»
لَمْ تَتَرَدَّدْ (صهباء) فِي ذَلِكَ.
أَعَانَتْهَا (وناسة). أَقَامَتْهَا حَتَّى أَجْلَسَتْهَا عَلَى الْحَشَائِشِ.
ثم جَلَسَتْ إِلَى جَانِبِهَا صَامِتَةً.
سَأَلَتْهَا (صهباء):
- «فِيمَ تُفَكِّرِينَ يَا عَزِيزَتِي؟»
أَجَابَتْهَا (وناسة):
- «أَنْتِ أَدْرَى بِمَا يَشْغَلُنِي، يَا أُمَّاهُ. لَكِنَّكِ مَرِيضَةٌ مُتْعَبَةٌ. لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ بِكِ أَنْ أَزِيدَكِ تَعَبًا.»
قَالَتْ لَهَا (صهباء):
- «آهٍ. لَقَدْ عَرَفْتُ مَا تَطْلُبِينَ! أَلَسْتِ تُرِيدين سماع قِصَّةً؟»
قَالَتْ (وناسة) مبتسمة:
- «آه، يَا أُمَّاهُ. لَيْسَ هناك ما هو أحب إلي مِنْ سَمَاعِ قِصَصِكِ الْعجيبة.»
قَالَتْ (صهباء):
- «اجْلِسِي أَمَامَي لِأُتمَتَّعَ بِرُؤْيَتِكِ، وَيَبْهَجَ نَفْسِي جَمَالُ عَيْنَيْكِ الْبَرَّاقَتَيْنِ. إِنِّي سأقص عَلَيْكَ قصة مَا وَقَعَ لِأَحَدِ أَشِقَّائِكِ، مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، لَا أَحْسَبُهُ يَقِلُّ عَنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا.»
أَنْصَتَتْ (وناسة) لِحَدِيثِهَا. أَرْهَفَتْ أُذُنَيْهَا لِسَمَاعِ الْقِصَّةِ.
اسْتَأْنَفَتْ (صهباء) قَائِلَةً:
- «فِي مَسَاءِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ خَرَجْتُ وَمَعِي وَلَدِي (ماندو). لَعَلَّهَا أَوَّلُ مَرَّةٍ أَخْرَجْتُهُ فِيهَا مِنَ الْجُحْرِ. ذَهَبْنَا إِلَى حَقْلٍ بَعِيدٍ مِنْ حُقُولِ «السَّعْتَرِ». كَانَ (ماندو) - بِكْرُ أَوْلَادِي - مُدَلَّلًا. لذلك فقد كان عَنِيدًا شَاذًّا. أَعْنِي: أَنَّه كَانَ يَسِيرُ وَفْقَ أَهْوَائِهِ، لَا يفعل إِلَّا مَا يُرِيدُ. إِذَا خَطَرَتْ لَهُ فِكْرَةٌ خَاطِئَةٌ، لَمْ يَسْتَشِرْ أَحَدًا، وَلَمْ يَخْشَ كَائِنًا كَانَ، وَلَمْ يُبَالِ الْعَوَاقِبَ. إِذَا أَجْمَعَ إِخْوَانُهُ وَالْمُخْلِصُونَ لَهُ عَلَى فَسَادِ خُطَّتِهِ، وَخَطَإِ طَرِيقتِهِ، استهَزَأَ بِهِمْ، وَسَخِرَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يُصْغِ إِلَى نُصْحِهِمْ، وَأَصَرَّ عَلَى فعل مَا يُرِيدُ، فِي َإِلْحَاحٍ وَعِنَادٍ. ولقد أتت عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَمَاقَةُ بأَشَدَّ النَّكَبَاتِ….»
سَكَتَتْ (صهباء). تَأَوَّهَتْ مِنْ أَوْجَاعِهَا. قَالَتْ:
- «آيْ! آيْ! سَاقِي الْيُمْنَى.. إنها تُؤْلِمُنِي سَاقِي الْيُمْنَى.. سَاعِدِينِي عَلَى الْحَرَكَةِ لِأَضْطَجِعَ عَلَى جَنْبِي الْأَيْسَرِ»
لَبَّتْ (وناسة) طَلَبَهَا، فشَكَرَتْهَا (صهباء) ثم قَالَتْ لَهَا:
- «حَدَّثْتُكِ أَنَّ (ماندو) كَانَ غَرِيبَ الطَّبْعِ. لَمْ يَشَإِ الْبَقَاءَ مَعَنَا فِي حَقْلِ «السَّعْتَرِ»: يَأكل مِنْهُ مَا يَشْتَهِي، وَيَطعم مِنْ طَيِّبَاتِهِ كمَا نَأْكُلُ. لقد أَبَى إِلَّا أَنْ يَتَسَلَّلَ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ فابْتَعَدَ عَنَّا. لَعَلَّهُ كَانَ يَبْحَثُ عَنْ طَعَامٍ آخَرَ.
كنت أَقْضَمُ سَاقًا مُزْدَهِرَةً مِنْ النَّبَاتِ، فدَوَّتْ فِي أُذُنَيَّ صَرْخَةٌ مُزْعِجَةٌ. دُرْتُ بِعَيْنَيَّ فِي أَوْلَادِي لِأَعُدَّهُمْ. ولَمْ أَجِدْ بَيْنَهُمْ (ماندو). قَفَزْتُ أجري - يَمْنَةً وَيَسْرَةً - وَأَنَا أُنَادِيهِ بِأَعْلَى صَوْتِي: «يَا (ماندو)! أين أنت يَا (ماندو).
سَمِعْتُهُ يستغيث، طَالِبًا النَّجْدَةَ.
أَتَعْرِفِينَ يا (وناسة) مَا رَأَيْتُ حِينَئِذٍ؟
رَأَيْتُ مَا فَزَّعَنِي وَهَالَنِي وَكَادَ قَلْبِي يَنْفَطِرُ لَهُ، لقد أَبْصَرْتُ وَلَدِي الْعَزِيزَ بَيْنِ مِخْلَبَيْ سَبُعٍ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْر… لَكَ اللهُ يَا وَلَدِي. حَاْوَلْتَ - جُهْدَكَ - أَنْ تُفْلِتَ مِنْ مِخْلَبَيْهِ، لَمْ تَسْتَطِعْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.
كْنُتَ تنادي أُمَّكَ الْحَنُونَ الْمِسْكِينَةَ، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إِنْقَاذِكَ مِنْ الْمَوْتِ!
هَمَمْتُ - يَا (وناسة) - أَنْ أُسْرِعَ لِنَجْدَتِهِ. لَكِنَّ سَاقَيَّ لَمْ تَقْوَيَا. لَمْ أَسْتَطِعِ السَّيْرَ. شَمِلَتْنِي رِّعْشَةُ سَرَتْ فِي جِسْمِي. تَفَكَّكَتْ أَوْصَالِي. لَمْ أَخْطُ - مِنْ مَكَانِي - خُطْوَةً وَاحِدَةً. وَقَفْتُ - حَيْثُ كُنْتُ - وَقَلْبِي يَكَادُ يَتَمَزَّقُ مِنَ الْأَلَمِ..»
لَمَّا وَصَلَتْ (صهباء) إِلَى هَذَا الْحَدِّ الْمُؤَثِّرِ، تألمت من الذِّكْرَى. وَقَفَتْ عَنِ الْكَلَامِ ومَسَحَتْ بِيَدِهَا دَمْعَةً مُتَحَدِّرَةً عَلَى أَنْفِهَا.
أَقْبَلَتْ عَلَيْهَا (وناسة) تُواسيها، وَتَقُولُ لَهَا:
- «كَفَى.. كَفَى، يَا أُمَّاهُ!.. لَا تُتِمِّي هَذِهِ الْقِصَّةَ، مَا دَامَتْ تُثِيرُ أَشْجَانَكِ وَهُمُومَكِ.»
تَجَلَّدَتْ (صهباء). قَالَتْ لِابِنْتِهَا مُتَصَبِّرَةً:
- «إِنَّ قَضَاءَ اللهِ مَحْتُومٌ، لَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِهِ. سأكمل لك القصة. أَنْصِتِي إِلَيَّ. اُذْكُرِي هَذَا الْحَدِيثَ طُولَ عُمْرِكِ. إِنَّ فِيهِ دَرْسًا نَافِعًا لَكِ، وَعِبْرَةً لِكُلِّ مَنْ يَعْتَبِرُ. السَّعِيدُ