Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
شرح صحيح البخاري
Ebook784 pages5 hours

شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMar 24, 1901
ISBN9786362563568
شرح صحيح البخاري

Related to شرح صحيح البخاري

Related ebooks

Related categories

Reviews for شرح صحيح البخاري

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح صحيح البخاري - ابن بطال

    الغلاف

    شرح صحيح البخاري

    الجزء 6

    ابن بطال

    449

    هذا كتاب شَرحَ فيه مصنفُه كتاب: «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، فبيَّن المفردات والألفاظ غير الواضحة، ووجَّه الروايات نحويًّا وصرفيًّا، كما تعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، وذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الفقهية، وبخاصة المذهب المالكي، وذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام، والمجمل والمبين، وأنواع الأقيسة، وذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، وما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، وبيَّن الملتبس والمشتبه، والمختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها.

    181 - باب لُبْسِ السِّلاحِ لِلْمُحْرِمِ

    قَالَ عِكْرِمَةُ: إِذَا خَشِىَ الْعَدُوَّ لَبِسَ السِّلاحَ وَافْتَدَى، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِى الْفِدْيَةِ. / 258 - فيه: الْبَرَاء، اعْتَمَرَ النَّبِىُّ، عليه السَّلام، فِى ذِى الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ لا يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلاحًا إِلا فِى الْقِرَابِ. قال المهلب: كان هذا فى عام القضية. وفيه من الفقه: جواز حمل المحرم السلاح فى الحج والعمرة إذا كان خوف واحتيج إليها، وأجاز ذلك عطاء ومالك والشافعى، وكرهه الحسن البصرى، وهذا الحديث حجة على الحسن فى كراهيته وعلى عكرمة فى إيجاب الفدية فى ذلك.

    2 -

    باب دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ

    وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) بِالإهْلالِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ. / 259 - فيه: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَّتَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. / 260 - وفيه: أَنَس، دَخَلَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ). قال ابن القصار: اختلف قول مالك والشافعى فى جواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يُرِدْ الحج والعمرة فقالا مرَّةً: لا يجوز دخولها إلا بإحرام؛ لاختصاصها ومباينتها جميع البلدان إلا الحطابين ومن قرب منها مثل جدة والطائف وعسفان لكثرة ترددهم عليها، وبه قال أبو حنيفة والليث. وقالا مَرَّةً أخرى: دخولها بلإحرام استحباب لا واجب. قال المؤلف: وإلى هذا القول ذهب البخارى، وله احتج بقوله عليه السلام: (ولكل آت أتى عليهن ممن أراد الحج والعمرة) فدل هذا أن من لم يرد الحج والعمرة فليست ميقاتًا له، واستدل أيضًا بدخوله عليه السلام عام الفتح وعلى رأسه المغفر وهو غير محرم، وبهذا احتج ابن شهاب، ولم يره خصوصًا للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأجاز دخول مكة بغير إحرام، وهو قول أهل الظاهر. وقال الطحاوى: قول أبى حنيفة وأصحابه فى أن من كان منزله فى بعض المواقيت أو دونها إلى مكة فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ومن كان منزله قبل المواقيت لم يدخل مكة إلا الإحرام، وأخذوا فى ذلك بما روى عن عمر أنه خرج من مكة وهو يريد المدينة، فلما كان قريبًا من قديد بلغه خبر من المدينة فرجع فدخل حلالا. وقال آخرون: حكم أهل المواقيت كحكم من كان قبلها. قال الطحاوى: وليس النظر قول أصحابنا؛ لأننا رأينا من يريد الإحرام إذا جاوز المواقيت حلالا حتى فرغ من حجه ولم يرجع إلى المواقيت كان عليه دم، ومن أحرم من المواقيت كان محسنًا، وكذلك من أحرم قبلها، فلما كان الإحرام من المواقيت كحكم الإحرام مما قبلها لا فى حكم الإحرام مما بعدها؛ ثبت أن حكم المواقيت كحكم ما قبلها لا كحكم ما بعدها، فلا يجوز لأهلها من دخول الحرم إلا ما يجوز لأهل الأمصار التى قبل المواقيت، فانتفى بهذا ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ووجدنا الآثار تدل على خصوص الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدخولها غير محرم بقوله: (إنما أحلت لى ساعة من نهار فلا تحل لأحد بعدى، وقد عادت حرامًا إلى يوم القيامة) فلا يجوز لأحد أن يدخلها إلا بإحرام؛ وهو قول ابن عباس والقاسم والحسن البصرى. قال المؤلف: والصحيح فى معنى قوله: (لا تحل لأحد) يريد بمثل المعنى الذى حل للنبى عليه السلام وهو محاربة أهلها وقتالهم وردهم عن دينهم، على ما تقدم فى باب (لا يحل القتال بمكة) عن الطبرى. وهو أحسن من قول الطحاوى أن الذى خص به عليه السلام دخول مكة بغير إحرام. واحتج من أجاز دخولها بغير إحرام أن فرض الحج مرة فى الدهر، وكذلك العمرة وهى مرة فى الأبد، فمن أوجب على الداخل مكة إحرامًا فقد أوجب عليه ما أوجبه الله. وفى قتل النبى (صلى الله عليه وسلم) لابن خطل فى الفتح حجة لمن قال أن النبى (صلى الله عليه وسلم) دخل مكة عنوة، وهو قول مالك وأبى حنيفة وجماعة المتقدمين والمتأخرين، وقال الشافعى وحده: فتحت صلحًا. وفائدة الخلاف فى هذه المسألة ما ذهب إليه مالك والكوفيون أن الغانمين لا يملكون الغنائم ملكًا مستقرا بنفس الغنيمة وأنه يجوز للإمام أن يمنَّ ويعفو عن جملة الغنائم كما منَّ على الأسرى وهم من جملة الغنائم، ولا خلاف بينهم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) مَنَّ على أهل مكة وعفا عن أموالهم كلها. قال أبو عبد الله بن أبى صفرة: إنما قتل ابن خطل؛ لأنه كان يسب النبى (صلى الله عليه وسلم) وقد عفا عن غيره ذلك اليوم ممن كان يسبه، فلم ينتفع ابن خطل باستعاذته بالبيت ولا بالتعلق بأستار الكعبة، فدل ذلك على العنوة، وعلى أن الحدود تقام بمكة على من وجبت عليهم.

    فإن قيل: فإن قوله يوم الفتح: (من دخل البيت فهو آمن، ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن) يعارض قتله لابن خطل يوم الفتح. فالجواب: أنه لا معارضة بينهما؛ لما رواه ابن أبى شيبة قال: حدثنا أحمد بن مفضل، حدثنا أسباط بن نصر وقال: زعم السدى عن مصعب، عن سعد، عن أبيه قال: (لما كان يوم فتح مكة أَمَّنَ النبى عليه السلام الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: اقتلوهم إن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبى جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح). وسأذكر شيئًا من معنى فتح مكة فى كتاب الجهاد فى حديث ابن خطل فى باب: قتل الأسير والصبر. واستدل المالكيون من حديث ابن خطل أن من سب النبى يُقتل ولا يستتاب كما فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) بابن خطل.

    3 -

    باب إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ

    وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. / 261 - فيه: يَعْلَى، أتى النَّبِىّ، عليه السَّلام، رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ، وبهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: (انزع الجبة، واصْنَعْ فِى عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِى حَجِّكَ). هذا الباب رد على الكوفى والمزنى فى قولهم أنه من لبس أو تطيب ناسيًا فعليه الفدية على كل حال، وقولهم خلاف لهذا الحديث؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يأمر الرجل بالكفارة عن لباسه وتطيبه قبل علمه بالنهى عن ذلك، وإنما تلزم الكفارة من تعمد فعل ما نُهى عنه فى إحرامه، ولو لزمه شىء لبيَّنه له عليه السلام، وأمره به ولم يجز أن يؤخر ذلك.

    وذهب مالك إلى أن من تطيب أو لبس فنزع اللباس وغسل الطيب فى الحال فلا شىء عليه. وقال الشافعى: لا شىء عليه وإن طال وانتفع. والشافعى أشد موافقة للحديث؛ لأن الرجل كان أحرم فى الجبة المطيبة، فسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك فلم يجبه حتى أوحى إليه وسُرى عنه، فطال انتفاع الرجل باللبس والطيب ولم يوجب عليه النبى عليه السلام كفارة، وقول مالك احتياط؛ لأن الحلق والوطء والصيد نُهى عنه المحرم، وحُكْمُ العمد والسهو فيها سواء إذا وقعت، وكذلك الصوم لو أكل فيه وهو ساهٍ لفسد الصوم، فكذلك الحج. وفى هذا الحديث رد على من زعم أن الرجل إذا احرم وعليه قميص أنَّ له أن يشقه، وقال: لا ينبغى أن ينزعه؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد غطى رأسه وذلك لا يجوز له، فلذلك أُمر بشقه، وممن قال هذا: الحسن والشعبى والنخعى وسعيد بن جبير. وجميع فقهاء الأمصار يقولون: من نسى فأحرم وعليه قميص أنه ينزعه ولا يشقه. واحتجوا بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر الرجل بأن ينزع الجبة ولم يأمره بشقها، وهو قول عكرمة وعطاء. وقد ثبت عنه عليه السلام أنه نهى عن إضاعة المال، والحجة فى السنة لا فيما خالفها. قال الطحاوى: وليس نزع القميص بمنزلة اللباس؛ لأن المحرم لو حمل على رأسه ثيابًا أو غيرها لم يكن بذلك بأس ولم يدخل بذلك فيما نهى عنه من تغطية الرأس بالقلانس وشبهها؛ لأنه غير لابس؛ فكان النهى إنما وقع من ذلك على ما يلبسه الرأس لا على ما يغطى به، وكذلك الأبدان إنما نُهى عن إلباسها القمص ولم يُنه عن تجليلها بالإزار؛ لأن ذلك ليس بلباس المخيط، ومن نزع قميصه فَلاقَى ذلك رأسه فليس ذلك بإلباس منه شيئًا، فثبت بهذا أن النهى عن تغطية الرأس فى الإحرام المعهود فى الإحلال إذا تعمد فعل ما نهى عنه من ذلك قياسًا ونظرًا.

    4 -

    باب الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ

    وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِىُّ، عليه السَّلام، أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ / 262 - فيه: ابْن عَبَّاس، بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِىِّ، عليه السَّلام، بِعَرَفَةَ؛ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ، عليه السَّلام: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِى ثَوْبَيْنِ، أَوْ قَالَ: ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّى). قال المهلب: يدل أنه لا يحج أحد عن أحدٍ؛ لأن الحج من أعمال الأبدان كالصلاة لا تصح فيها النيابة عن غيره، ولو صح فيها النيابة لأمر النبى عليه السلام بإتمام الحج عن هذا، كما أنه قد يمكن ألا يتبع بما بقى عليه من الحج فى الآخرة والله أعلم لأنه قد بلغ جهده وطاقته ووقع أجره على الله بقوله: (فإنه يبعث يوم القيامة). قال المؤلف: وفيه دليل أن من شرع فى عمل من عمل الطاعات وصحت فيه نيته الله، وحال بينه وبين تمامه الموت؛ فإن الرجاء قوى أن الله قد كتبه فى الآخرة من أهل ذلك العمل وتقبله منه، ويشهد لهذا قوله تعالى: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ) [النساء: 100] أنه لا يُقطع على أحد بعينه بهذا ولا أنه بمنزلة ذلك الموقوص، ولذلك قال كثير من اهل العلم: إن هذا الحديث خاص فى الموقوص، وإن سنة المحرم أنه إذا مات يخمر رأسه ويطيب ويفعل به ما يفعل بالمبيت الحلال، ولا يجنب ما يجتنبه المحرم، هذا قول مالك وأبى حنيفة وأصحابه والأوزاعى، وبذلك أخذ ابن عمر حين توفى ابنه بالجحفة وهو محرم، خمر رأسه ووجهه وقال: لولا أنا حُرم لطيَّبْنَاهُ. لأنه لم يقطع ابن عمر أن ابنه بمنزلة الموقوص الذى أخبر عليه السلام أنه يبعث يوم القيامة ملبيًا. وبهذا قالت عائشة، ولم يأخذوا بحديث الموقوص، وأخذ به الشافعى وقال: لا يخمر رأس المحرم ولا يطيب اتباعًا لظاهر حديث ابن عباس. وهو قول عثمان وعلى بن أبى طالب وابن عباس. واحتج الذين رأوا الحديث خاصا فى الموقوص بعينه أن من مات بعده فى حال الإحرام، لا يعلم هل يُقبل حَجُّه؟ وهل يبعث يوم القيامة ملبيًا أم لا؟ ولا يُقطع على غير ذلك إلا بوحى، فافترقا فى المعنى، واحتج مالك كذلك فقال: إنما يعمل الرجل ما دام حيا، فإذا مات انقطع عمله. قال الأصيلى: ثبت الخبر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد يدعو له، أو علم ينتشر عنه، أو صدقة موقوفة بعده) .

    5 -

    بَاب الْحَجِّ وَالنُّذرِ عَنِ الْمَيِّتِ وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ

    / 263 - فيه: ابْن عَبَّاس، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، حُجِّى عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ). اختلف العلماء فى الرجل يموت وعليه حجة الإسلام أو حجةُ نذرٍ؛ فقالت طائفة: يجوز أن يُحج عنه وإن لم يُوصِ بذلك، ويُجزئه. روى ذلك عن ابن عباس وأبى هريرة، وهو قول عطاء وابن سيرين ومكحول وسعيد بن المسيب وطاوس، وبه قال الأوزاعى وأبو حنيفة والشافعى وأبو ثور. وقالت طائفة: لا يَحج أحد عن أحدٍ، روى ذلك عن ابن عمر والقاسم بن محمد والنخعى. وقال مالك والليث: لا يَحج أحد عن أحدٍ إلا عن ميت لم يحج الإسلام ولا ينوب عن فرضه. فإن أوصى بذلك الميت؛ فعند مالك وأبى حنيفة يُخرج من ثلثه. وهو قول النخعى. وعند الشافعى يخرج من رأس ماله. وحجة أهل المقالة الأولى حديث ابن عباس قالوا: ألا ترى أن النبى عليه السلام شبه الحج بالدَّيْن، يجوز أن يقضيه عنه غيرهُ، أوصى بذلك أو لم يُوص؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يشترط فى إجازته ذلك، إن كان من أمها لها فذلك أمرها، ولو كان ذلك غير قاض عن أمها لكان عليه السلام قد أعلمها أن ذلك غير جائز، إلا أن تحج عنها بأمرها فلما أعلمها عليه السلام أن ذلك قضاء عنها صح أن ذلك مجزئ عمن حج عنه ممن عجز عن أدائه فى حياته، وسبيل ذلك قضاء دين على رجل أن ذلك براءة للمقضى عنه بأمر الله، كان عليه أو بغير أمره، وتشبيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك بالدَّيْن يدل أن ذلك عليه من جميع ماله ثلثه كسائر الديون، قاله الطبرى، وذكر ابن المنذر أن عائشة اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن بعد موته. وحجة من منع الحج عن غيره أن الحج عمل الإنسان ببدنه، وقد أجمعوا أنه لا يُصلِّى أحد عن أحدٍ فكذلك الحج. قال ابن القصار: والدليل على أنه لا يَحجُّ أحد عن أحدٍ قوله عليه السلام: (أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيه) ؟إنما سألها: هل كنت تفعلين ذلك تطوعًا؟ لأنه لا يجب عليها أن تقضى دين أمها إذا لم يكن لها تَركَة؛ لأن الحج من عمل الأبدان وهى عبادة لا تصح النيابة مع القدرة ولا مع العجز فى حال الحياة فلم يصح بعد الممات، دليله الصلاة. وأما قول البخارى فى الترجمة: والرجل يحج عن المرأة. وأدخل حديث المرأة التى سألت النبى (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، فكان ينبغى أن يقول: والمرأة تحج عن المرأة. فالجواب عن ذلك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء، وهو قوله: (اقضوا الله)، وهذا يصح للمذكر والمؤنث، ولا خلاف فى حج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، إلا الحسن ابن صالح، وسأذكر قوله فى الباب بعد هذا إن شاء الله.

    6 -

    باب الْحَجِّ عَمَّنْ لا يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ

    / 264 - فيه: ابْن عَبَّاس، عن الفضل، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِىَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِى عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ).

    وترجم له: (باب: حج المرأة عن الرجل). واختلف العلماء فى الذى لا يستطيع أن يستوى على الراحلة لكبرٍ أو ضعف أو زمانة، فذكر الطبرى أن رجلا أتى على بن أبى طالب فقال: كبرتُ وضعفتُ وفرطت فى الحج. فقال: إن شئت فجهزت رجلا فحج عنك. وقال مالك: لا يلزمه فرض الحج أصلا وإن وجد المال وأمكنه أن يحمل من يحج عنه. وقال أبو حنيفة والشافعى: هو مستطيع يلزمه أن يحج غيره يؤذى عنه الحج. واختلفا فقال الشافعى: إذا بذل له ابنه الطاعة وهو غير واجد للمال؛ فإنه يحج عنه ويلزمه فرض الحج. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه إلا إذا كان وزاجدًا للمال يمكنه أن يحمل غيره يحج عنه. واحتج أصحاب أبى حنيفة والشافعى بحديث الخثعمية. قال: وفى الحديث دليلان على وجوب الحج على المغضوب: أحدها: أنها قالت: (إن فريضة الله فى الحج أدركت أبى) فأقرها الرسول (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، ولو لم يلزمه وهى قد ادَّعَت وجوبه على أبيها بحضرته لأنكره عليه السلام. والثانى: أنه شبهه بالدَّيْن فى رواية عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار (أن النبى عليه السلام حين أمر أن يحج عن الشيخ الكبير، قيل: أوَ ينفعه ذلك؟ قال: نعم، كما يكون على أحدكم الدَّيْن فيقضيه). ولهذا: الدَّيْنُ الذى يُقضى عن الإنسان يكون واجبًا عليه، ومن قضاه أسقط الفرض والمأَثم، فكذلك يجب أن يكون الحج، مَنْ قضاه أسقط الفرض والمأثم جميعًا لقولها: (فهل يقضى عنه أن أحج عنه؟) وروى عبد الرزاق: (أيفعه أن أحج عنه؟ قال: نعم). قال ابن القصار: ولا دلالة لهم فيه؛ لأنها قالت: (إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى) ولم تقل: فرضت على أبى، وإنما قالت: إنها نزلت وأبى شيخ. أى: فرضت فى وقتٍ أبى كبير لا يلزمه فرضها، فلم ينكر عليه السلام قولها، وقد يمكن أنها وهمت أن الذى فرض على العباد يجوز أن يدخل فيه أبوها غير أنه لا يقدر على الأداء. ولا يمتنع أن يتعلق الوجوب بشرطية القدرة على الداء، فيكون الفرض وجب على أبيها ثم وقت الداء كان عاجزًا؛ لأن الإنسان لو كان واجدًا للراحلة والزاد، وكان قادرًا ببدنه؛ لم يمتنع أن يقال له فى الحرم: قد فرض عليك الحج، فإن بقيت على ما أنت عليه إلى وقت الحج لزمك الداء وإلا سقط عنك. ونحن نعلم أنه فرض تراخى عن وقت الحج المضيق، وإنما سألته فى وقت الداء عن ذلك، وقولها: (أفأحج عنه؟ قال: نعم) لا يدل على أن الأداء كان مقدرًا عليه فسقط بفعلها، ولكنه أراد عليه السلام أنها إن فعلت ذلك لحقه ثواب ما [.. .. . .] من دعائها فى الحج، كما لو تطوعت بقضاء دينه، لا أنه مثل الدين فى الحقيقة؛ لأن الدين حق لآدمى يسقط بالإبراء ويؤدى عنه مع القدرة والعجز بأمره مع الصحة وغير أمره، ولو كان كالدين كان إذا حجت عنه ثم قوى وصح سقط عنه، كما يقضى دين المعسر. وفى حديث الخثعمية جواز حج المرأة عن الرجل، وأجازه جماعة الفقهاء إلا الحسن بن صالح؛ فإنه قال: لا يجوز. واعتل بأن المرأة تلبس الثياب فى الإحرام والرجل لا يلبسها. قال ابن المنذر: وهذه غفلة وخروج عن ظاهر السنة؛ لأن النبى عليه السلام أمر المرأة أن تحج عن أبيها، وعلى هذا يعتمد من أجاز الحج عن غيره.

    واختلفوا فى المريض يأمر من يحج عنه، ثم يصح بعد ذلك وتعذّر؛ فقال الكوفيون والشافعى وأبو ثور: لا يجزئه، وعليه أن يحج. وقال أحمد وإسحاق: يجزئه الحج عنه. وكذلك إن مات من مرضه وقد حُج عنه، فقال الكوفيون وأبو ثور: يجزئه من حجة الإسلام. وقال الشافعى فيها قولان: أحدهما: هذا. والثانى: لا يجزئ عنه. وهو أصح القولين.

    187 -

    باب حَجِّ الصِّبْيَانِ

    / 265 - فيه: ابْن عَبَّاس، بَعَثَنِى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فِى الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. / 266 - وفيه: أَقْبَلْتُ، وَقَدْ نَاهَزْتُ الْحُلُمَ، أَسِيرُ عَلَى أَتَانٍ لِى، وَرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَائِمٌ يُصَلِّى بِمِنًى، حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ، فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم). وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِنًى فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ. / 267 - وفيه: السَّائِب، حُجَّ بِى مَعَ النَّبِىّ، عليه السَّلام، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. اتفق أئمة الفتوى على سقوط فرض الحج عن الصبى حتى يبلغ؛ لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن الصبى حتى يبلغ) إلا أنه إذا حُجَّ به كان له تطوعًا عند مالك والشافعى وجماعة من العلماء وعلى هذا المعنى حمل العلماء أحاديث هذا الباب. وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه ولا يلزمه شىء إن فعل من محظورات الإحرام، وإنما يُفعل به ذلك، ويجنب محظوراته على وجه التعليم له والتمرين عليه، كما قالوا فى صلاته أنها لا تكون صلاة أصلا، وشذ من لا يُعد خلافه فقال: إذا حَج الصبى قبل بلوغه أجزأه ذلك عن حجة افسلام ولم يكن عليه أن يحج بعد بلوغه، واحتج بحديث ابن عباس: (أن امرأة سألت النبى عليه السلام عن صبى: هل لهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) ذكره الطحاوى. قال ابن القصار: والحجة على أبى حنيفة فى نفيه عنه حج التطوع ما رواه ابن عباس من قول المرأة: (ألهذا حج يا رسول الله؟ قال: نعم، ولك أجر) فأضاف الحج الشرعى إليه فوجب أن يتعلق به أحكامه، وأكد هذا بقوله: (ولك أجر) أخبر أنها تستحق الثواب عن إحجابه، وهذا مذهب ابن عباس وابن عمر وعائشة. وقد روى عن ابن عباس أنه قال لرجل حج بابنٍ صبىٍّ له أصاب حمامًا فى الحرم: اذْبَحْ عن ابنك شاة. وأجمع العلماء أن جنايات الصبيان لازمة لهم فى أموالهم، قال الطحاوى: وتاويل الحديث عندنا أن النبى عليه السلام أوجب للصبى حجا وهذا مما قد أجمع الناس عليه، ولم يختلفوا أن للصبى حجا كما أن له صلاة، وليست تلك الصلاة بفريضة عليه، فكذلك يجوز أن يكون حجات ولا يكون فريضة عليه، وإنما هذا الحديث حجة على من زعم أنه لا حج للصبى، وأما من يقول أن له حجا وأنه غير فريضة فلم يخالف الحديث، وإنما خالف تأويل مخالفه خاصة. وقال الطبرى: جعل له (صلى الله عليه وسلم) حجا مضافًا كما يضاف إليه القيام والقعود والأكل والشرب، وإن لم يكن ذلك من فعله على الوجه الذى يفعله أهل التمييز باختيار.

    قال الطحاوى: هذا ابن عباس وهو راوى الحديث قد صرف حج الصبى إلى غير الفريضة، حدثنا ابن خزيمة، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن أبى السفر قال: سمعت ابن عباس يقول: يا أيها الناس، أسمعونى ما تقولون، ولا تخرجوا تقولوا: قال ابن عباس، أيما غلام حَج به أهلُه فمات فقد قضى حجة الإسلام، فإن عُتق فعليه الحج. وقد أجمعوا أن صبيا لو دخل وقت صلاة فصلاها، ثم بلغ بعد ذلك فى وقتها أن عليه أن يعيدها، فكذلك الحج، وذكر الطبرى: أن هذا تأويل سلف الأمة، وروى أن أبا بكر الصديق حج بابن الزبير فى [.. .. . .]، وقال عمر: أحجوا هذه الذرية. فكان ابن عمر يجرد صبيانه عند الإحرام ويقف بهم المواقيف وكانت عائشة تفعل ذلك وفعله عروة بن الزبير، قال عطاء: يجرد الصغير ويلبى عنه، ويجنب ما يجنب الكبير ويقضى عنه كل شىء إلا الصلاة، فإن عقل الصلاة صلاها، فإذا بلغ وجب عليه الحج. واختلفوا فى الصبى والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم الصبى ويُعتق العبد قبل الوقوف بعرفة؛ فقال مالك: لا سبيل إلى رفض الإحرام ويتماديان عليه ولا يجزئهما عن حجة الإسلام. وقال الشافعى: إذا نويا بإحرامهما المتقدم حجة الإسلام أجزأ عنهما. وعند مالك: أنهما لو استأنفا الإحرام قبل الوقوف بعرفة أنه لا يجزئهما من حجة الإسلام. وهو قول أبى حنيفة؛ لأنه يصح عنده رفض الإحرام.

    وحجة مالك أن الله تعالى أمر كل من دخل فى حج أو عمرة بإتمامه تطوعًا كان أو فرضًا؛ لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) [البقرة: 196] ومن رفض إحرامه فلم يتم حجه ولا عمرته. وحجة الشافعى فى إسقاط تجديد النية أنه جائز عنده لكل من نوى بإهلاله أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة؛ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) أمر أصحابه المهلين بالحج أن يفسخوه فى عمرة، فدل أن النية فى الإحرام ليست كالنية فى الصلاة، وحجة أبى حنيفة: أن الحج الذى كان فيه لما لم يكن يجزئ عنده ولم يكن الفرض لازمًا له فى حين إحرامه، ثم لما لزمه حين بلغ، استحال أن يشتغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه، كمن دخل فى نافلة، فأقيمت عليه مكتوبة وخشى فوتها قطع النافلة ودخل فى المكتوبة وأحرم لها، فكذلك الحج يلزمه أن يجدد له الإحرام؛ لأنه لم يكن للفريضة.

    8 -

    باب حَجِّ النِّسَاءِ

    وَأَذِنَ عُمَرُ لأزْوَاجِ النَّبِىِّ، عليه السَّلام، فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَالرَّحْمَنِ. / 268 - فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: (لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ)، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ النَّبِىّ، عليه السَّلام (صلى الله عليه وسلم). / 269 - وفيه: ابْن عَبَّاس، قَالَ النَّبِىُّ، عليه السَّلام: (لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِى مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)، فَقَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِى جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِى تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: (اخْرُجْ مَعَهَا).

    / 270 - وفيه: ابْن عَبَّاس، لَمَّا رَجَعَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) مِنْ حَجَّتِهِ، قَالَ لأمِّ سِنَانٍ: مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ.. .؟ الحديث. قال المهلب: قوله عليه السلام: (لكنَّ أفضل الجهاد حج مبرور) يبطل إفك المتشيعين وكذب الرافضيين فيما اختلقوه من الكذب على النبى عليه السلام أنه قال لأزواجه فى حجة الوداع: (هذه، ثم ظهور الحصر). وهذا ظاهر الاختلاق؛ لأنه عليه السلام حَضَّهُنَّ على الحج وبَشَّرَهُنَّ أنه أفضل جهادهن، وأذن عمر لهن فى الحج، ومسير عثمان وغيره من أئمة الهدى معهن حجة قاطعة على الإجماع على ما كُذِبَ به على النبى عليه السلام فى أمر عائشة والتسبب إلى عرضها المطهر، وكذلك قولهم: (فتقاتلى عليا وأنت له ظالمة؟) إفك وباطل لا يصح، وأما سفرها إلى مكة مع غير ذى محرم منها من النسب؛ فالمسلمون كلهم أبناؤها وذوو محارمها بكتاب الله تعالى كيف وإنها كانت تخرج فى رفقة مأمونة وخدمة كافية؟ هذه الحال ترفع تحريج الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن النساء المسافرات بغير ذى محرم، كذلك قال مالك والأوزاعى والشافعى: تخرج المرأة فى حجة الفريضة مع جماعة النساء فى رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحج معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصرى، وقال الحسن: المسلم محرم، ولعل بعض من ليس بمحرمٍ أوثق من المحرم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تحج المرأة إلا مع ذى محرم. وهو قول أحمد وإسحاق وأبى ثور، حملوا نهيه على العموم فى كل سفر، وحمله مالك وجمهور الفقهاء على الخصوص، وأن المراد بالنهى الأسفار غير الواجبة عليها بعموم قوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران: 97] فدخلت المرأة فى عموم هذا الخطاب ولزمها فرض الحج، ولا يجوز أن تُمنع المرأة من الفروض كما لا تمنع من الصلاة والصيام؛ ألا ترى أن عليها أن تهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا أسلمت فيه بعير محرم، وكذلك كل واجبٍ عليها أن تخرج فيه، فثبت بهذا أن نهيه عليه السلام أن تسافر المرأة مع غير ذى محرم أنه أراد بذلك سفرًا غير واجب عليها، والله أعلم. واتفق الفقهاء أَن لْيسَ للرجل منع زوجته حجة الفريضة، تخرج للحج بغير إذنه، وللشافعى قول أنها لا تخرج إلا بإذنه، وأصح قوليه ما وافق فيه سائر العلماء، وقد أجمعوا أنه لا يمنعها من صلاة ولا من صيام، فكذلك الحج. وسيأتى فى كتاب الجهاد فى باب: من اكتتب فى جيش فخرجت امرأته حاجَّة، أن معنى قوله عليه السلام: (ارجع فاحجج مع امرأتك) أنه محمول على الندب لا على الوجوب.

    9 -

    باب مَنْ نَذَرَ الْمَشْىَ إِلَى الْكَعْبَةِ

    / 271 - فيه: أَنَس، أَنَّ النَّبِىَّ، عليه السَّلام، رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: (مَا بَالُ هَذَا) ؟قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ). / 272 - وفيه: عُقْبَةَ، قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِى أَنْ تَمْشِىَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَأَمَرَتْنِى أَنْ أَسْتَفْتِىَ لَهَا الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: (لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ).

    أخذ أهل الظاهر بحديث أنس وعقبة بن عامر وقالوا: من عجز عن المشى فلا هدى عليه اتباعًا للسنة فى ذلك، قالوا: ولا يثبت شىء فى الذمة إلا بيقين، وليس المشى مما يوجب نذرًا؛ لأن فيه تعب الأبدان، وليس الماشى فى حال مشيه فى حرمة إحرام، فلم يجب عليه المشى ولا بدل منه. وأما سائر الفقهاء فإن لهم فى هذه المسألة ثلاثة أقوال غير هذه: الأول: روى عن على بن أبى طالب وابن عمر أن من نذر المشى إلى بيت الله فعجز، أنه يمشى ما استطاع، فإذا عجز ركب وأهدى. وهو قول عطاء والحسن، وبه قال أبو حنيفة والشافعى، إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: وكذلك إن ركب وهو غير عاجز، قالوا: ويكفر يمينه لحنثه كما حكاه الطحاوى عنه، وقال الشافعى: الهدى فى هذه المسألة احتياط من قِبَل أنه من لم يُطِقْ شيئًا سقط عنه، وحجتهم ما رواه همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عقبة ابن عامر (أن أخته نذرت المشى إلى بيت الله، فسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، فقال: إن الله لغنى عن نذر أختك، فلتركب ولتُهد). والقول الثانى: يعود ثم يحج مرة أخرى، ثم يمشى مَا ركبَ ولا هَدْى عليه، هذا قول ابن عمر، ذكره مالك فى (الموطأ)، وروى عن ابن عباس وابن الزبير والنخعى وسعيد بن جبير. والقول الثالث: يعود فيمشى ما ركب وعليه الهدى، روى عن ابن عباس أيضًا، وروى عن سعيد بن المسيب والنخعى، وهو قول مالك، جمع عليه الأمرين: المشى والهدى؛ احتياطًا لموضع تفريقه المشى الذى كان يلزمه فى سفر واحد، فجعله فى سفرين قياسًا على التمتع والقران، والله أعلم.

    قال المؤلف: ويمكن أن يُتأولَ حديثُ أنسٍ وعُقبةَ بوجهٍ موافقٍ لفقهاء الأمصار، حتى لا ينفرد أهل الظاهر بالقول بهما وذلك أن فى نصهما ما يبيِّن المعنى فيهما، وهو أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأى شيخًا يهادى بين ابنيه فقال: (إن الله لغنى عن تعذيب هذا نفسه) فبان واتضح أنه كان غير قادر على المشى، وممن لا ترجى له القدرة عليه، ومن كان غير قادر على شىء سقط عنه. والعلماء متفقون أن الوفاء بالنذر إنما يكون فيما هو لله طاعة، والوفاء به بِر، ولا طاعة ولا بِرَّ فى تعذيب أحدٍ نفسهَ، فكأن هذا الناذر على نفسه ما لا يقدر على الوفاء به، وكان فى معنى أبى إسرائيل الذى نذر ليقومن فى الشمس ولا يستظل ويصوم ذلك اليوم فأمره عليه السلام بكفارة وقد روى فى حديث عقبة بن عامر ما يدل أن أخته كانت غير قادرة على المشى، فلذلك لم يأمرها عليها السلام بالهَدْى. روى الطبرى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا محمد بن أبى يحيى الأسلمى، حدثنا إسحاق بن سالم، عن عقبة بن عامر (أن أخته نذرت أن

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1