Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شرح ألفية ابن مالك للشاطبي
شرح ألفية ابن مالك للشاطبي
شرح ألفية ابن مالك للشاطبي
Ebook823 pages6 hours

شرح ألفية ابن مالك للشاطبي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في النحو شرح فيه الإمام الشاطبي ألفية ابن مالك فأوضح غوامضها وتيسر فهمها وقد ذكر تلميذه أحمد بابا شرحه الجليل على الخلاصة في النحو في أسفار أربعة كبار لم يؤلف عليها مثله بحثا وتحقيقا وعلما
ألفية ابن مالك والمسماة أيضًا بـ «الخلاصة» هي متن شعري من نظم الإمام محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني، من أهم المنظومات النحوية واللغوية، لما حظيت به من عناية العلماء والأدباء الذين انْبَرَوْا للتعليق عليها، بالشروح والحواشي، ومتن اختصرها من منظومته الكبرى «الكافية الشافية»، والذي جمع فيه خلاصة علمي النحو والتصريف، في أرجوزة ظريفة، مع الإشارة إلى مذاهب العلماء، وبيان ما يختاره من الآراء، أحيانًا. وقد كثر إقبال العلماء على هذا الكتاب من بين كتبه بنوع خاص، حتى طويت مصنفات أئمة النحو من قبله، ولم ينتفع من جاء بعده بأن يحاكوه أو يدعوا أنهم يزيدون عليه وينتصفون منه، ولو لم يشر في خطبتهِ إلى ألفية ابن معطي لما ذكره الناس، ولا عرفوه. وحظيت ألفية ابن مالك بقبول واسع لدى دارسي النحو العربي، فحرصوا على حفظها وشرحها أكثر من غيرها من المتون النحوية، وذلك لما تميزت به من التنظيم، والسهولة في الألفاظ، والإحاطة بالقواعد النحوية والصرفية بإيجاز، مع ترتيب محكم لموضوعات النحو، واستشهاد دقيق لكل منها، فهي تُدرس في العديد من المدارس والمعاهد خاصةً الدينية واللغوية.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateFeb 28, 1902
ISBN9786334928340
شرح ألفية ابن مالك للشاطبي

Read more from الشاطبي

Related to شرح ألفية ابن مالك للشاطبي

Related ebooks

Reviews for شرح ألفية ابن مالك للشاطبي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شرح ألفية ابن مالك للشاطبي - الشاطبي

    الغلاف

    شرح ألفية ابن مالك للشاطبي

    الجزء 5

    الشاطبي، إبراهيم بن موسى

    790

    كتاب في النحو شرح فيه الإمام الشاطبي ألفية ابن مالك فأوضح غوامضها وتيسر فهمها وقد ذكر تلميذه أحمد بابا شرحه الجليل على الخلاصة في النحو في أسفار أربعة كبار لم يؤلف عليها مثله بحثا وتحقيقا وعلما

    إعمال المصدر

    هذا الباب يَذكر فيع إعمالَ المصدر الموصول، وذلك أن المصدر على قسمين، عاملٍ وغير عامل.

    فغير العامل هو ما جاء للتوكيد وما جرى مَجراه، نحو: ضربتُ ضَرْباً، وضربتُ ضَرْبةً، وضَرْبتْين، وقعَد القُرْفُصَاء، وما أشبه ذلك.

    فهذا لا يعمل، لأن مدلوله الجنسُ، أو نوعٌ من أنواعه، أو فردٌ من أفراده، ولا دلالَة فيه على العلاج، فلا رائحةَ فعلٍ فيه. وقد تقدم حكم هذا القسم في ((باب المفعول المطلق)).

    والعاملُ على ضربين: ضربُ يعمل عملَ فعله بالنيابة عنه، وذلك كالنائب عن فعل الأمر، نحو: ضَرْباً، أو غير فعل الأمر، نحو: أضَرْباً زيداً؟

    * عَلاَقةً أُمَّ الولُيِد (1) *

    وقد تقدم هذا الضرب أيضا.

    وضربٌ يعمل لتقديره بالفعل مع حرف مَصْدَرِيٍّ، وهو الذي يسمى ((المصدر الموصول)) لأنه مقدَّر بحرف، وهو (أنْ) أو ما جرى مجراها.

    فأخذ الآن يذكر أحكام هذا المصدر، فقال: (1) جزء بيت للمرار الأسدي، وهو بتمامه:

    أعَلاقَةً أمَّ الولُيِّد بعدما لأفنانُ رُأسِكَ كالثَّغَامِ المُخِلْسِ

    والبيت من شواهد الكتاب 1/ 116، والمقتضب 2/ 54، وابن الشجري 2/ 242، وابن يعيش 8/ 131، 134، والمغني 311، والخزانة 11/ 232، والهمع 3/ 194، والدرر 1/ 176، واللسان (علق). والوليد: تصغير الولد. والتصغير هنا للتحبيب والأفنان: جمع فَنَن، وهو الغصن، وأفنان الرأس: خصل شعره. والثَّغام: نبت إذا يبس صار أبيض، أو نبت له نَوْر أبيض. والمخلس: ما اختلط فيه السواد بالبياض.

    يصف كبر سنه، وأن الشيب قد جلل رأسه، فلا يليق به اللهو والصبا.

    بِفِعْلِهِ المْصْدرَ في العَمَل

    مُضَافاً أوْ مُجَرَّداً أوْ مَعَ أَلْ

    إنْ كانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أو مَا يَحُلْ

    مَحَلَّهُ ولاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ

    يعني أن المصدر يُلْحَقُ بفعله الذي اشَتُقَّ منه في عمله مطلقا، من رفع أو نصب، وعمل في جميع المفعولات وما أشبهها، كما كان الفعل كذلك، لا يضعف (1) عن مرتبة فعله، وذلك قياس مُطَّرِد.

    فيرفعُ الفاعلَ نحو: أعجبني قيامُ زيدٍ، وعَظُم نَفْعُ زيدٍ وحلمُه، وضَرَرُ عمروٍ وجَهْلُه.

    واسمَ ((كان)) نحو: أعجبني كونُ عَدُوِّنا المقهورَ. وينصب المفعولَ نحو؛ أعجبني ضربُ زيدٍ عَمْراً، وإكرامُ أخيك عمراً.

    وخبرَ ((كان)) نحو: أعجبني كونُ زيدٍ قائماً.

    والظرفَ نحو: أعجبني قيامُ زيدٍ أمامكَ، وإكرامُ عمروٍ يومَ الجُمُعةِ.

    والمفعولَ معه، ومن أجله نحو: أعجبني إتيانُ الَبرْدِ والطَّيَالِسَةَ، وأعجبني ضربُك زيداً تأديبا له.

    والحالَ نحو: أعجبني قيامُ زيدٍ ضاحكاً. وما أشبه ذلك,

    وأيضاً فيتعدَّى فعله، فتقول: مرُورُك بزيدٍ حَسَنٌ، وإعراضُك عن عمرو قبيحُ، ورغبتُك في الخير خيرٌ، وإكرامُك زيداً حَسَنٌ، وإعطأوُك زيداً درهماً جزاءٌ له، وعلمُك زيداً قائماً معروفٌ، وإعلامُك زيداً عماً أخاه غريبٌ، وأَمْرُك زيداً الخيرَ خيرٌ، ونحو ذلك.

    وأيضاً لًمَّا قال: ((بفِعْلهِ المَصْدَرَ الحِقْ في العَمَلْ)) ولم يُقيَّد فعلاً من فعل - دَلَّ على أنه ... / يعمل عمل كل فِعْل، ماضياً كان أو حاضراً أو مستقبلاً، فتقول: أعجبني ضَرْبُ زيدٍ 425 عمراً أمسِ، ويعجبني ضربُ زيدٍ عمراً الآنَ أو غداً. (1) في الأصل، و (ت) ((يضعف)) بدون ((لا)) وهو سهو من الناسخ، وما أثبته من (س) هو الصواب.

    بخلاف اسم الفاعل، فإنه لا يعمل إلا بمعنى الحال أو الاستقبال.

    قال المؤلَّف: لأن المصدر أصل، والفعل فرعه، فلم يَتَقَيَّد عمله بزمان دون زمان، بل يعمل عملَ الماضي والحاضر والمستقبل، لكونه أصلَ كلِّ واحدٍ منها، بخلاف اسم الفاعل، لأنه عمل لشَبَهِه (1)، فتَقَيَّد عملهُ بما هو مشبهُه، وهو المضارع (2).

    هذا ما قال، ولذلك يقدَّره بالماضي والمضارع، وإنما تعذَّر تقديرهُ بفعل الأَمْر، لأن الحروف المصدريَّة لا توصل بفعل الأمر، حسبما يذكر بحول الله.

    فعلى هذا كلِّه احتوى قولهُ: ((بِفِعْلِه المَصْدَرَ أَلْحِقْ)).

    و((المصدرَ)) منصوب بـ ((أَلْحِقْ)) وبه تعلَّق المجرورات معاً، وهما ((بِفِعْلِه، وفي الَعَمَلِ)) وضمير ((بِفِعْلِه)) عائد على ((المصدر)).

    وإنَّما قيدَّ هذا الإلحاق بالعمل، لأن ذلك هو المقصود، إذْ ات يُلْحق به في غير العمل من الأحكام الجارية على الفعل، لأن الفعل والمصدر نوعان متباينان، هذا فعلٌ تَجْري عليه أحكامُ الأفعال، وهذا اسمُ تَجْري عليه أحكام الأسماء.

    وأَوَّلُ ذلك أن الفعل يدل على زمان الفعل الواقع من الفاعل، ماضياً وحالاً ومستقلاً، والمصدر ليس كذلك.

    والفعلُ مبنيٌّ لفاعله فلا يُستغنى عنه، والمصدر ليس كذلك.

    والفعلُ لا يقع مبتدأً، ولا فاعلاً، ولا مفعولاً لم يُسَمَّ فاعلهُ، ولا مفعولاً يُسَمَّى فاعلهُ، ولا نحو ذلك، والمصدر بخلاف ذلك.

    وبالجملة فهذا اسمٌ، وهذا فعلٌ، فلذلك قال: ((في العَمَلِ)).

    ثم قال: ((مُضافاً أو مُجَرَّداً أو مَعَ أَلْ)) (1) في شرح التسهيل للناظم ((للشبه)).

    (2) شرح التسهيل (ورقة 156 - أ) مع اختلاف يسير.

    يريد أن هذا الحكم جارٍ على المصدر في جميع أحواله، من كَوْنه مضافاً، أو بالألف واللام، أو مجَّرداً منهما، أي إن إضافته أو دخولَ الألف واللام عليه، وإن كانا مما يَخْتَصُّ بالأسماء، لا يُؤَثِّران في عمله عملَ فعله، بل يبقى عملُه كالمجَّرد منهما، فكما لا يُؤَثَّر التنوينُ، وإن كان من خصائص الأسماء، كذلك لا تُؤَثَّر الإضافةُ ولا الألفُ والام.

    إلا أنه في هذه الوجوه ليس على رُتْبةٍ واحدةٍ في العمل، بل على مراتبَ في الحُسْن والكثْرة، فعمله مضافاً أكثرُ من عمله غير مضاف. قال المؤلف: لأن الإضافة تَجْعل المضاف إليه كالجزء من المضاف، كما يَجْعل الإسنادُ الفاعلَ كالجزء من الفعل، وتَجْعل المضافَ كالفعل في عدم قبول التَّنْوين والألف واللام (1).

    وعملُه منوَّناً أكثرُ من عمله بالألف واللام، فالترتيب في الحُسْن والكثرة على حَسَبَ ما رَتَّبه الناظم، فكأنه قصد بذلك التَّنْبيه.

    وهذا ليس مُتَّفَقاً عليه فقد قيل: إن المنوَّن أقوى، ثم المضاف، ثم ذو الألف واللام. وإنما يعنون: أقوى في القياس. صَرَّح بذلك صاحب ((الإيضاح)) (2) لموافقته الفعلَ في التنكير.

    والناظم اعتبر الكثرة، ولا شك أن المضاف أكثرُ في الإعمال من غيره فصار الخلاف/ 426 وفاقاً.

    فمثال إعماله مضافاً قولُك: أعجبني ضَرْبُ زيدٍ عمراً، وإكرامُ بِشْرٍ خالداً.

    ومنه في القرآن {ولَولاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ في الدُّنْيَا (1) المصدر السابق (ورقة 157 - ب).

    (2) يعني أبا علي الفارسي رحمه الله، وانظر: الإيضاح: 160.

    والآخِرَةِ (1)} وقوله: {فَاذْكُروا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أو أشَدَّ ذِكْرا (2)} وقالوا: سَمْعُ أُذُنِي زيداً يقولُ ذاك (3)، وأنشد سيبويه للَبِيد (4):

    عَهْدِي بهِ الحَيَّ الجَمِيعَ وفيهِمُ

    قبلَ التَّفَرُّقِ مَيْسِرٌ ونِدَامُ

    وأنشد أيضا لرُؤْبَة بن العَجَّاج (5):

    ورَأْيُ عَيْنَيَّ الْفَتَى أخَاكَا

    يُعْطِي الجَزِيلَ فعليكَ ذَاكا

    وهو كثير.

    ومثال إعماله منوَّناً قولُك: أعجبني ضَرْبُ زيدٌ عمراً.

    وفي القرآن الكريم {أوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبةٍ. يتيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (6)} وفي قراءة أبي بكر بن عاصم - {إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بزِينَةٍ الكَوَاكِب (7)} - أي بأَنْ زِنَّاهَا. يقال: زانَه وزَيَّنه. (1) سورة النور/ الآية 14.

    (2) سورة البقرة/ الآية 200.

    (3) سيبويه 1/ 191.

    (4) الكتاب 1/ 190، وابن يعيش 6/ 62، وديوانه 288، واللسان (حضر) والجميع: المجتمعون. والميسر: اللعب بالقداح. والندام: إما جمع نديم، كظريف وظراف، أو ندمان، كغرثان وغراث. والنديم والندمان: الرجل الذي يرافقك ويشاربك.

    (5) الكتاب 1/ 191، والهمع 5/ 69، والدرر 2/ 124، وملحقات ديوانه 181 وقبله:

    تقولُ بِنْتِي قد أَنَى إناكَا يا أبتَا عَلَّكَ أو عَساكَا

    والجزيل: العطاء العظيم. ويروى ((الفتى أباكا)).

    (6) سورة البلد/ الآيتان 14، 15.

    (7) سورة الصافات/ الآية 6.

    وانظر: السبعة 546، والنشر 2/ 356.

    وقد يكون من ذلك قوله تعالى: {ويَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَالاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً من السَّموات والأَرْض شَيْئاً (1)} - أي مالا يملك لهم أن يرزقهم شيئا. وأنشد سيبويه (2):

    فَلَوْلاَ رجاءُ النَّصْرِ مِنْكَ ورَهْبَةٌ

    عِقَابَكَ قَدْ صَارُوا لنا كَالمْوَارِدِ

    وأنشد أيضا قول الآخر (3):

    أَخَذْتُ بسَجْلِهمْ فَنَفَحْتُ فيِهِ

    مُحَافَظَةً لَهُنَّ إخَا الذِّمامِ

    وأنشد أيضا (4):

    بِضَرْبٍ بالسُّيُوفِ رءوسَ قَوْمٍ

    أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عن الْمَقِيل

    ومثال إعماله بالألف واللام قولك: أعجبني الضربُ زيداً، والإكرامُ عمراً، (1) سورة النحل/ الآية 73، وقد مثل بها الفارسي في الإيضاح: 155.

    (2) الكتاب 1/ 189، وابن يعيش 6/ 61، والدرر 1/ 66.

    يقول: لولا رجاؤنا في أن تنصرنا عليه، ورهبتنا لعقابك لنا إن انتقمنا منهم بأيدينا-لوطئناهم وأذللناهم، كما تُوطأ الموارد، وهي الطرق إلى الماء. وخصَّها بالذكر لأنها أعمر الطرق، وأكثرها استعمالا.

    (3) الكتاب 1/ 189.

    والسجل: الدَّلو المملوء ماء. ونفحت: أعطيت. والذمام: الحق والحرمة. وإخا الذمام: إخاء الذمام. ومعناه أنه عاملهن بمثل ما فعلن به محافظة على ما بينه وبينهم من عهد.

    (4) الكتاب 1/ 116، وابن يعيش 6/ 61، والأشموني 2/ 284، والعيني 3/ 499 والبيت للمرار بن منقذ. والهام: جمه هامة، وهي الرأس. والضمير المتصل به راجع إلى ((الرءوس)) وإضافة الشيءِ إلى نفسه إذا اختلف اللفظان جائزة للتوكيد كما في قوله تعالى ((حبل الوريد)) و ((حبَّ الحصيد)). والمقيل: مقيل الرأس، وهو العنق، وأصله مكان القيلولة وقت الظهيرة.

    وأنشد سيبويه للمرار (1):

    لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغِيرةِ أَنَّنيِ

    لَحِقْتُ فَلَمْ أَنْكُلْ عن الضَّرْب مِسْمَعَا

    وأنشد أيضا (2):

    ضَعِيفُ النَّكَايةِ أعْدَاءَهُ

    يَخَالُ الفِرَار يُرَاخِي الأَجَلْ

    وجعل الفارسيُّ من هذا القسم قوله تعالى: {لاَ يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بالسُّوءِ من القَوْلِ إلاَّ مَنْ ظُلِمَ (3)} فـ (مَنْ) في موضع رفع بـ (الجَهْر) وهو حَسَن.

    ونَبَّه بقوله: ((مُضَافاً اوْ مجَّرداً أو مَعَ أَلْ)) على خلاف من خالف في بعض هذه الأقسام، وهم الكوفيون، فوافقوا البصريين في المصدر المضاف أنه يرفع وينصب وخالفوا فيما عدا لك، فزعموا أن المجرد ينصب ولا يرفع، فيجوز (1) الكتاب 1/ 193، والمقتضب 1/ 152، والجمل 136، وابن يعيش 6/ 64، والخزانة 8/ 129، والعيني 3/ 40، 105، والهمع 5/ 72، والدرر 2/ 125، والأشموني 2/ 100، 284. والبيت للمرار أو لمالك بن زغبة الباهلي. وأولى المغيرة: أولها. والمغيرة: الخيل تخرج للإغارة، والمراد فرسانها. والنكول: النكوص والرجوع جبنا وخوفا. مسمع: هو مسمع بن شيبان أحد بني قيس بن ثعلبة، وكان خرج مطالبا بدماء.

    يقول: علم أول من لقيت من المغيرين أني صرفتهم عن وجوههم هازماً له، وأنني لحقت عميدهم فلم أتراجع عن ضربه بسيفي. ويروى ((كررت)).

    (2) الكتاب 1/ 192، والمنصف 3/ 71، والخزانة 1/ 127، وابن يعيش 6/ 59، والتصريح 2/ 63، والهمع 5/ 72، والدرر 2/ 52، والأشموني 2/ 284. والنكاية: مصدر: نكيت العدو، ونكيت فيه، إذا أثرت فيه. ويراخي الأجل: يباعده ويطيله. يهجو رجلا، ويصفه بأنه أضعف من أن ينال من اعدائه، وأنه جبان لا يثبت لقرنه، ويلجأ إلى الفرار يظنه يؤخر أجله.

    (3) سورة النساء/ الآية 148.

    عندهم: أعجبني ضربٌ زيداً، ولا يجوز: أعجبني ضربٌ زيدٌ، ولا ضربٌ زيدٌ عمراً، وأن ذا الألف واللام لا يرفع ولا ينصب، فلا يقال: أعجبني الضربُ زيدٌ، ولا أعجبني الضربُ زيداً، ولا الضربُ زيدٌ عمراً. وما جاء مما يخالف ذلك فشاذّ ومؤوَّل، كما أن الذي جاء به السماع في المجرَّد إنما هو النصب وحده.

    هكذا حَكى الخلافَ عن الكوفيين ابنُ ابي الرَّبِيع، وحكى الشَّلَوْبين عنهم أن المصدر لا يعمل إلا إذا كان منوَّناً، فإن كان مضافاً أو بالألف واللام لم يعمل شيئاً، وكان المنصوب بعدهما على إضمار فِعْل.

    ومنهم من حكى الخلافَ في ذى الألف واللام وحده، وأنه عندهم غير عامل، ومِمَّن حكى هذا الأخير عن البغداديين ابنُ السرَّاج (1). قال الفارسي: ولم أرَهُ يَحكي عنهم في الإضافة شيئا، أعني في الإضافة إلى المعرفة. وذكر ابن عُصْفور عن الفراء في المجرَّد ما ذكره ابنُ الرَّبيع وعن قومٍ لم يعيِّنهم في ذي الألف/ واللام، ما ذكره غيرُه. ... 427

    والذي تحقَّق من النقل وجودُ الخلاف في ذى الألف واللام. وغالبُ الظن صحةُ ما نقله ابن أبي الرَّبيع وابن عُصْفور. وما ذكره الشَّلَوْبين غريب. وإن صَحَّ ثَبت الخلاف في الأقسام الثلاثة. والأرجح ما رآه الناظم.

    أما ((المضاف)) فهملهُ شهير جدا، وقد تقدم منه، وهو من الكثرة بحيث لا ينبغي أن يُنْكر قياسه.

    وأما ((المنَّون)) فالسماع موافقٌ لما قال الكوفيون، إذ لا تكاد تجده رافعاً. ولكن القياس سائغٌ، إذ لا فرق في ذلك بين المضاف والمنوَّن، فإن (1) انظر: كتاب الأصول في النحو 1/ 162.

    كل واحدٍ منهما يَطْلب فاعلاً ومفعولاً من جهة المعنى، فَلْيَكُن كل واحدٍ منهما عاملاً فيما طلبه. وقد عمل المضاف في الفاعل فَلْيَعمل المنوَّنً فيه كذلك.

    وأيضا فقد جاء الرفع في المنوَّن، فُحِكى: إعجبني قراءةٌ في الحمام القرآنُ، فـ (القرآن) قائم مقام الفاعل، وهما في الحكم سواء. وإذا كان كذلك ثَبتت صحةُ رفعه.

    لا يقال: إن هذا نادر، والنادر لا يُعْتُّد به، لأنا نقول: إذا جاء السماع قليلا، وعَضَده القياس، ولم يعارضه معارض - وجب أن بكون أصلاً يُعَوَّل عليه. ألا ترى أن النسب إلى (فَعُولَة): فَعَلِىُّ، وهو عند سيبويه والنحويين قياس (1)، ولم يُسمع منه إلا (شَنَئَئٌّ) في شَنُوءة، لكنه جاء على القياس، لأن حمل (فَعُولة) على (فَعِيلَة) قياس، إذ ليس بينهما فرق إلا الواو والياء، وهما متقاربان، إذْ يقعان ردْفَيْن في القصيد الواحد (2)، ويُدغم أحدهما في الآخر، إلى غير ذلك من الأحكام.

    فكذلك هذا الموضع. وقد تقدم ما يُستفاد منه هذا المعنى في باب ((الإضافة)) وأما ((ذو الألف واللام)) فعمله غير ممتنع وإن كان ضعيفا، لأن الألف واللام لا تمنعانه من العمل كما لا تمنعه الإضافة (3)، إذ كلاهما من خصائص الأسماء، وكذلك التنوينُ من خصائصها، فيلزم تقديرُ الفعل في الجميع، وذلك باطل باتفاق. (1) الكتاب 3/ 345.

    (2) الرَّدف - في الشعر - حرف لين ومدّ يقع قبل الروى متصلاً به.

    (3) في الأصل، و (ت): تمنعانه من العمل كما تمنعه الإضافة)) وما أثبته من (س) وهو الصواب.

    وأيضاً إن كان ما تقدَّم من السماع محتملاً فيه (1) تقديرُ الفعل فلا يصلح في كل موضع.

    فقوله: ((ضَعِيفُ النِّكَايةِ أَعْدَاءَهُ (2))) معناه، على أن ((أعداءه)) معمول ((النِّكَاية)) لأنه أبلغ في الهجاء من أن يريد ضَعْفَ النكايةِ مطلقا. هكذا قالوا.

    وكذلك قول الآخر (3):

    لَحِقْتُ فًلْم أَنْكُلْ عن الضَّرْبِ مِسْمعَا

    إن كان يؤوَّل على أن ((مِسْمَعاً)) معمول ((لَحِقْتُ)) فقد روى ((كَرَرْتُ)) ولا يصح أن يُحمل على حذف الجار؛ كانه قال: كررتُ على مِسْمع، إذ لا يصح الحمل على ذلك إلا لضرورة.

    وتقدير الفعل في الموضعين خلافُ الظاهر. ورَدَّه المؤلف أيضا بأن النصب قد جاي فيما لا يمكن فيه تقدير الفعل، وذلك نحو قول كُثَيِّر عَزَّة (4): (1) في الأصل، و (ت) ((ففيه)) والصواب ما أثبته من (س).

    (2) عجزه:

    * يَخالُ الفِرارَ يُراخِي الأجل *

    وقد تقدم.

    (3) هو المرار الفقعسي، أو مالك بن زغبة الباهلي، وصدره

    * لَقَدْ عَلِمتْ أولى المُغِيرةِ أَنَّني *

    وقد تقدم.

    (4) شرح التسهيل للناظم (ورقة 157 - ب) وديوانه 173.

    وعُنفوان الشيء: أوله، ويقال: هو في عنفوان شبابه، أي في نشاطه وحدته. والأشياع: جمع شيعة، وهم الأتباع والأنصار والصبابة: الشةق أو رقته. ويروى ((الضلالة)).

    يقول: تلوم رجلا مازال في مطالع الشباب على أن يلهو ويتلذذ بالحياة مع أصحابه، مع أن ترك اللهو مع هؤلاء له وقت معين.

    تَلُومُ امْرَاً في عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ

    وللتَّرْك أَشْيَاعَ الصبَّابَ حينُ

    ثم أتى بشاهد آخر نحو ذلك (1).

    ولابن الطَّراوة هنا قول ثالث فيما فيه الألف واللام' فإنه جعله على وجهين:

    أحدهما أن تكون الألف واللام معاقِبةً للإضافة، كقوله (2):

    * فَلَمْ أَنْكُلْ عِنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا*

    وقوله (3):

    * ضَعِيفُ النَكايَةِ أعداءَهُ *

    وما أشبه ذلك، فإن المعنى: عن ضَربْي مِسْمعاً، ونكايته أعداءَه، فحكم/ ... 428 هذا حكم المضاف، لأن العرب تَحْكُم للمعاقِب بحكم المعاقَب. (1) هو قول الآخر:

    فإنكَ والتأبينً عُرْوَةَ بعدما دَعاكَ وأيدينا إليه شوارعُ

    لَكالرَّجلِ الحادى وقد تَلَع الضُّحَى وطيرُ المنايَا حولهنَّ أَوَاقِعُ

    والشعر في شرح التسهيل (ورقة 157 - ب) والعيني 3/ 524، والأشموني 2/ 284، وشرح الكافية الشافية 1014، وشرح ابن عقيل 2/ 184، واللسان (وقع).

    والتأبين: مدح الرجل بعد موته وذكره بخير. وشوارع: جمع شارعة، وهي القريبة الدانية. والحادي: سائق الإبل. وتلع الضحى: ارتفع وانبسط. وأواقع/ جمع واقعة، وهمزت الواو الأولى. والضمير في ((حولهن)) يعود على الإبل. ويروى ((فوقهن)).

    (2) سبق الاستشهاد بالبيت، وصدره:

    * لَقَدْ عَلِمتْ أوُلَى المُغيرةِ أَنَّنِي *

    (3) عجزه:

    * يَخالُ الفِرارَ يُراخِى الأجَلْ *

    وسبق الاستشهاد به.

    وإن كان الألف واللام غيرَ معاقِبة للإضافة، وإنما هي لمجرد التعريف، لم تعمل شيئاً كما قاله الكوفيون.

    والجواب أن المعاقبة للإضافة لم تَثْبت من أقسام الألف واللام. وما رُدَّ على الكوفيين به جارٍ هنا، فالأَوْلَى ما ذهب إليه الناظم، من صحة إعمال الأقسام الثلاثة.

    ثم بَيَّن شرط هذا الإعمال المذكور فقال: ((أنْ كانَ فِعْلً مع أَنْ أوْ مَا يَحُلُّ مَحلَّهُ)).

    اسم ((كان)) قوله: ((فِعْلٌ)) وخبرها ((يَحُلُّ محلَّه)) يعني أن ذلك الحكم لا يَثْبُت للمصدر إلا إذا صح أن يَقدَّر في موضعه فعلٌ مُصَاحِبُ لـ (أنْ) المخفَّفة المفتوحة، وهي الناصبة للمضارع، أو (ما) التي تجتمع معها في مُرَادَفة المصدر، وهما الحرفان المصدريَّان.

    فإذا صح التقدير، ووقوعُ الفعل مع أحد الحرفين موقعَ ذلك المصدر - صحَّ عملُ المصدر عملَ ذلك الفعل.

    فمثال (أن) مقدرَّةً مع الفعل قولُك: أعجبني ضربُ زيدٍ عمراً، فإن تقديره: أعجبني أن ضَربَ زيداً عمراً.

    وكذلك: يعجبني ضربُ زيدٍ عمراً، على تقدير: أن يضربَ زيدٌ عمراً. وهذا المقدَّر يصحُّ التكلُّمُ به عوَضَ التكلم بالمصدر.

    وفي القرآن {ولَوْلاَ دَفْعُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ ببَعْض لَفَسَدتِ الأَرْضُ (1)} - فَبِمَا نَقْضهِم ميثَاقَهُمْ وكُفْرِهْم بآياتِ اللهِ وقَتْلِهُم الأَنْبِياءَ (2)} إلى آخرها. (1) سورة البقرة/ آية 251.

    (2) سورة النساء/ آية 155.

    ومثال (ما) مقدَّرةً مع الفعل قولُك: أَكْرِمْ زيداً كإكرامِكَ عمراً، فالتقدير: كما أكرمتَ عمراً.

    وفي القرآن الكريم: {فاذْكُرواُ الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أو أَشَدَّ ذِكْراً (1)} فلو كان المصدر لا يتقدَّر بالفعل مع أحد هذين الحرفين، ولا يصلح أن يَحُل معهما محلَّه - لم يَجُز أن يعمل عملَه مطلقا. وذلك المصدرُ المؤكِّد، والمبيَّن. إذ لا يصح إذا قلت: ضربتُه ضَرْباً بـ (أن ضربتُ) ولا (ما ضربتُ). وكذلك إذا قلت: ضربتُه ضربَتَيْنِ - لا يصلح في موضعه (أن) والفعل، ولا (ما) والفعل.

    وكذلك قولك: مررتُ به فإذا له صَوْتٌ صَوْتَ حمارٍ - لا يصح أن ينتَصب ((صوتَ حمار)) بـ ((صوتً)) الأول، إذ ليس معناه: فإذا له يُصَوَّتَ. وإنما المعنى: فإذا له تَصْويت، أي هذا الفعل المذكور، فانتصب ((صوتَ حمارٍ)) على فِعْل من معنى ((له صَوْتٌ)) لا من لفظ ((صًوْت))، وبينهما فرق.

    فأما إذا كان المصدر يصلح أن يحل محلَّه الفعل، لكنه لا يصلح أن يقدَّر معه (أن) ولا (ما) فقد مَرَّ من كلامه أنه يَعمل مطلقا عملَ فعله، لكن بالنِّيابة لا بنفسه، بخلافه هنا، كقولك: ضرباً زيداً، وأضرباً أخاك؟ وما كان نحو ذلك (2).

    وفي هذا الكلام إشارة إلى أن هذا المصدر هو العمل في المعمولات بعده، وليس الفعل هو العامل. وهذا كأنه مُتفَق عليه، بخلاف نحو: ضَرْباً زيداً، وسَقْياً لزيدٍ، وما أشبهها، فإنه مُخْتَلف فيه. وقد تقدم بيان ذلك في ((باب (1) سورة البقرة/ آية 200.

    (2) مثل: سَقياً لزيدٍ، ورَعْياً له.

    المفعول المطلق))

    ويرد على الناظم هنا سؤال من أوجه أربعة:

    أحدها أن قوله: ((بِفِعْلِه المَصْدرَ ألْحقْ في الْعَمَل)) يُبِيِّن أن المصدر لابد له من مرفوع، كما أن الفعل لابد له منه، إذ لا يَسْتَغنى الفعل/ عنه ظاهراً أو مضمراً، فكذلك يكون ... 429 المصدر هنا بحكم هذا الإطلاق، لكن ذلك غيرُ مستقيم، فإنك تقول: أعجبني ضربً زيداً، ولا تذكر فاعلاً ولا تَنْويه، وليس تَم مَنْوِيٌّ، لأنه لا يؤكَّد، ولا يُبْدَل منه، ولا يُعطف عليه، كما يكون ذلك في الفعل واسم الفاعل وغيرها.

    وأيضاً فإن الفعل يَطلب الفاعلَ من جهة بنائه له، وكذلك اسم الفاعل ونحوه. بخلاف المصدر، فإنه لم يُبْن للفاعل، نعم هو يَطْلبه من جهة اللزوم المعنوي، وأن كل حَدَثٍ، كالفعل الذي لم يُسَمَّ فاعله.

    وأيضاً فإن الفعل لو ذُكر دون مرفوع لكان حديثاً عن غير محدَّث عنه. وكذا ما يعمل عملَه من صفة أو غيرها، فإنه لا يعمل إلا هو بنفسه واقعٌ موقع الفعل، ومُؤَدٍّ معناه، فاستَحق ما يستحقُّه الفعل، من مرفوع محدَّث عنه ظاهراً أو مضمراً، فلو خَلاَ منه لكان في تقدير فعل خلا من مرفوع، وليس كذلك المصدر، لأنه إذا عمل العملَ المنسوب إليه لم يكن إلا في موضعٍ غيرِ صالحٍ للفعل، فجرى مَجرى الأسماء الجامدة في عدم تحمُّل الضمير. وجاز أن يَرفع ظاهراً لكونه أصلاً لما لا يَسْتَغنى عن مرفوع.

    ولم يَرْتَضِ في ((التسهيل (1))) إلا أنه لا يلزم ذكر المرفوع، وهو الصواب، خلافَ ما اقتضاه ظاهرُ هذا الإطلاق.

    والجواب عن هذا بأمرين:

    أحدهما أن يقال: لعله ذهب إلى القول بلزوم ذلك، ولا نُكْر في اختلاف قوله هنا وفي ((التسهيل)) إذ قد يَرى في وقتِ ما لا يراه في وقت آخر، بحسب اختلاف اجتهاده، لأنه من أهل الاجتهاد، ويكون وجهُ قوله أنَّ المصدر نائبٌ (2) عما لا له من فاعل، فلابد فيه من تقدير فاعل إن لم يكن ظاهرا.

    والثاني أن كلامه قد لا يلزم منه ذلك، لأنه إنما نَصَّ على أن المصدر عند عمله عملَ فعله، وذلك قوله: ((بِفِعْلِه المصدرَ ألْحِقْ في العَمَل)) أي إذا عمل فعلى منْهاج فِعْلِه، ولا يلزم من ذلك أن يَنْحتم عليه جميعُ أنواع عمله، بحيث أن إذا أُعْمِل أُعمْل في كل ما يَعمل فيه الفعل، وطَلَب كلَّ ما يطلبه لزوماً أو جوازا.

    وأيضا ففي قوله: ((وبَعْدَ جَرِّهِ الَّذيِ أُضيِفَ لَهُ كِمِّلْ عَملَه بكذا)) ما يدلُّ على هذا، إذ مرادُه: كَمِّل عملَه بذلك إن أردتَ ذلك، والإلزم ألاَّ يصح حذفُ منصوبه. وذلك غير صحيح. وعلى الجملة فالسؤال قوي.

    والثاني أنه أطلق القول في إعمال المصدر، ولم يَشترط إلا التقدير بـ (أن) أو (ما) والفعل، ونحن نجده لا يعمل ذلك العمل إلا بشروط أربعة سوى ما ذَكر:

    أحدها ألاُّ يُضْمر المصدر، لأنه إنما يعمل إذا كان باقياً بصيغته الأصلية، وهو، إذا أُضمر، مُبَايِنٌ لها، فلا يعمل مضمرا، فلا يقال: مُرورُك بزيدٍ حَسَنٌ، (1) ص: 142.

    (2) المصدر المؤوّل من (أن) واسمها وخبرها في هذه العبارة خبر قوله ((يكون)) واسمها قوله: ((وجهُ قوله)).

    وهو بعمروٍ قبيحً، فيتعَلَّق المجرور بـ (هو).

    ولا: ضَرْبُك زيداً حَسَنٌ، وهو عمراً قبيحٌ. وقد شَذَّ من هذا قولُ زُهَيْر بن أبي سُلْمى (1):

    ومَا الْحَرْبُ إلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وذُقْتُمُ

    ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ

    أي: وما الحديثُ عنها. أو: ما العلُم/ عنهما، كما تقدَّم عن الأعلم. 430

    فـ ((عنها)) متعلِّق ب ((هو)) على ذلك المعنى، ولا مُعْتَبر بالشُّذُوذات.

    والثاني ألا يكون المصدر مُصَغَّرا، فلذلك للمصدر بالصِّغَر، فهو في معنى وَصْفه قبل العمل.

    ومن شرطه أيضا إلاَّ يُوصَف قبل العمل، وهو الثالث، لأن الوصف يُمَحِّضُه إلى جهة الاسمية، كما كان ذلك في ((اسم الفاعل)).

    وأيضاً فإن معمول المصدر منه بمنزلة الصِّلة من الموصول، فلا يتقدَّم نعتُ المصدر على معموله، كما لا يتقدَّم نعتُ الموصول على صلته، فلا يجوز أن تقول: ضَرْبُكَ الشديُد زيداً حَسَنٌ، ولا: عرفتُ سَوْقَكَ الحثيثَ الإبلَ. (1) من معلقته، وانظر: الخزانة 8/ 119، والهمع 5/ 66، والدرر 2/ 122، وذقتم: جَرَّبتم، وأصل ((الذوق)) في المطعوم، واستعير هنا للتجربة. والمرجم: الذي يرجَّم بالظنون، أي يُرمى فيه بها. والترجيمُ والرجم: الظن.

    يخاطب قبيلة ذبيان وأحلافهم من أسد وغطفان، ويحرضهم على الصلح مع بني عمهم بني عبس، ويقول لهم: ليس الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها، ومارستم كراهتها، وما هذا الذي أقوله بحديث مظنون، بل هو ما شهدت به الشواهد الصادقة من التجارب.

    وكل ما جاء مما ظاهُره هذا فمؤوَّل.

    والواجب أن يقال: ضَرْبُك زيداً الشديدُ حَسَنٌ، وعرفتُ سوقَكَ الإبلَ الحثيثَ. ومنه ما أنشد في ((الشَّرح)) من قوله (1):

    إنَّ وَجْدِي بِكِ الشَّدِيدَ أراني

    عَاذِراً مَنْ عَهِدْتُ فِيكِ عَذُولاَ

    والرابع ألا يكون محدوداً بالتاء قَصْداً للمَّرة الواحدة، فلا تقول: أعجبتني ضَرْبتُكَ زيداً، لأنه مُغَيَّر عن الصيغة التي اشْتُقَّ عليها الفعل، فلم يكن دالاً على معنى الفعل بتمامه، ولا الصيغةُ التي اشْتُق منها الفعل باقية. فإن رُوى ما عَمِلَ محدوداً فشاذٌ يُحفظ، كقول كثير عزة (2):

    وأَجْمَعُ هِجْراناً لأَسْمَاءَ إنْ دَنَتْ

    بِهَا الدَّارُ لاَ مِنْ زَهْدَةٍ في وصَالِهَا

    فو كانت التاء في أصل بناء المصدر لم يَضُر، نحو (3):

    فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّضْرِ مِنْكَ ورَهْبةٌ عِقَابُك ...

    فإذا تقرَّر هذا، وأنَّ هذه الشروط مُعْتَبرةٌ في العمل - فإطلاقُ الناظم القولَ بالعمل غيرَ مقيَّدٍ بها يَقتضي أنه يعمل قياساً عمل فِعْله، مضمراً (1) شرح التسهيل (ورقة 156 - ب) والتصريح 2/ 27، والهمع 5/ 70، والدرر 2/ 124، وابن الشجري 2/ 143، والعيني 3/ 366.

    والوَجد: الحب. والعَذُول: اللائم.

    (2) شرح التسهيل (ورقة 156 - أ) وديوانه 92.

    والزهدة كالزهد: الإعراض عن الشيءِ لقلة الرغبة فيه.

    (3) سبق الاستشهاد بالبيت، وهو بتمامة:

    فَلْولاَ رَجَاءُ النصرِ مِنْكَ ورَهْبَةٌ عِقابَكَ قد صَارُو النَا كالموارِدِ ومصغَّرا، وموصوفاً قبل العمل، ومحدوداً بالتاء، وذلك إخلال كثير، إلا أن يقال: إنه اعتَبر الشُّذُوذاتِ في مخالفة تلك الشروط، فأجرى القياسَ فيها، وذلك غير مستقيم أيضا.

    والجواب عن ذلك بأن الناظم غيرُ محتاجٍ إلى اشتراط شيءٍ مما ذُكِر، زائدٍ على ما شَرط، وهو أن يكون دالاً على معنى (أن) والفعل، فإنه الذي تَضَمَّن ما زاد، لأن شرطاً منها إذا فُقد لم يَبْقَ المصدر دالاً على معنى (أن) والفعل، أو (ما) والفعل.

    أما ضمير المصدر فهو دالٌ على نفس المصدر الذي عاد عليه، فالذي يَحَلُّ محلَّه هو المصدر، لا أن، والفعل، ولذلك امتنع عمله. إذ لو دَلَّ على عَيْن (1) ما دَلَّ عليه المصدرُ لعمل عمله قَطْعا، فلم يوجد فيه ما شَرط الناظم.

    وأيضا فهنا زيادةُ تُخْرج الضمير، وهي أن ضمير المصدر لا يسمى مصدراً حقيقة، كما لا يسمى ضميرُ اسم الجنس [اسمَ جنس] (2) ولا ضميرُ العلم علماً، فإن أطُلق على ضمير المصدر مَصْدَرً فمَجاز، وعلى غير الاصطلاح، وإنما قال الناظم: ((بِفْعِلِه الْمَصْدرَ أَلْحقْ في العَمَلْ)) فلا يَدْخل له إلا ما هو مصدرٌ حقيقةً، وإلا فلو كان قَصْده ما يُطلق عليه مصدرُ حقيقةً أو مجازاً - لكان ((اسم المصدر)) أَوْلَى بالدخول، لأنه قد تَضَمَّن حروفَ الفعل، كما تضمن معناه في الجملة، فأشبه الحقيقيَّ، وكان لا يَحتاج إلى النصِّ عليه بقوله: ((ولاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلٌ)) فلما خرج ((اسم المصدر)) بقوله: ((بِفِعْلِه المَصْدَرَ أَلْحِقْ)) كان خروج ضمير المصدر أَوْلَى. (1) في الأصل، و (ت) ((غير)) وهو تحريف، وما أثبته من (س) وحاشية الأصل.

    (2) ما بين القوسين ساقط من الأصل، و (ت) وأثبته من (س) وحاشية الأصل.

    وأما المصغَّر فإنما التصغيرُ له وصفٌ في الحقيقة للمصدر، لأنك إذا قلت: ضُرَيبٌ - فمعناه: ضَرْبٌ / يَسيِر، أو ضَرْبٌ خَفيف. ... 431

    والوصف إنما يكون وصفاً للجنس، فإذا قلت: ضَرْبٌ يسير - فالقَصْد وصفُ جنس الضرب، فأخرجتَ المصدَر عن قَصْد الفعل، فصار كالمؤكِّد إذا قلت (1): ضربتُ ضرباً يسيراً، ولذلك قالوا: إن التَّصغير في اسم الفاعل والوصف يُزِيلان شَبَه الفعل، لأنهما من خصائص الأسماء، وهو إشارة إلى هذا المعنى.

    وكذلك المحدودُ بالتاء القصدُ بتحديده راجعٌ إلى قَصْد الجنس فيه، لأنه عَدٌّ لأفراده، كأنك قلت: ضَرْبَةً واحدةً، فصار كضَرْبتَيْنِ وضَرَباتٍ، فرجع إلى المصدر المبيِّن للعدد.

    وقد تقدم أن المصدر المؤكِّد والمبيِّن للنوع أو للعَدَد لا يَعمل، لأنه لا يصلح في موضعه (أَنْ) والفعل، ولا (ما) والفعل.

    فخرج إذاً المضمرُ والمصغَّرُ والموصوفُ والمحدودُ بالتاء باشتراط الناظم أن يكون فِعلٌ مع (أن) أو (ما) يحلُّ محلُّه على أبلغ معنى في فِقْه العربية (2)، فصار كلامه هنا - على اختصاره-مُحصِّلا لما قَصَد في ((التسهيل)) تحصيلَه على طولُ، إذ قال هنالك: يعمل المصدر مُظْهَرا مُكَبَّرا غيرَ محدودٍ ولا منعوتٍ قبل تمامه عملَ فِعْله (1))) إلى آخره. وقليلاً (1) من هنا إلى قوله: ((إذا لم يشترط في العمل إلا تقدير المصدر)) ساقط من (س).

    (2) في الأصل ((في هذه العربية)) وفي (ت) ((في فقد العربية)) ولا معنى له، وما أثبته من حاشية الأصل. وأرى أنه هو الصواب.

    ما ترى النحويِّين يشترطون هذه الشروط لهذا المعنى.

    والثالث أنه قال: ((إنْ كان فِعْلٌ مع أَنْ أوْ مَا)) ولم يزد على ذلك. وهو ناقص، إذ ليس كل مصدر يقدَّر بالفعل مع أحد الحرفين فقط، بل ثَمَّ ما يقدَّر به دونهما، وذلك (أنْ) المخفَّفة من الثقيلة، فإن المصدر يقدَّر بها بعد ((العِلْم)) وبالجملة حيث تقع (أنْ) هذه المخفَّفة، كقول الشاعر، أنشده في ((الشَّرْح (2))):

    عَلِمْتُ بَسْطَكَ للمَعْروفِ خيَر يَدٍ

    فلا أَرىَ فِيكَ إلاَّ باسطاً أَمَلاَ

    فالتقدير: علمت أنْ قد بَسَطْتَ للمعروف خيَر يدٍ. ولا يصلح هنا تقدير (أن) الناصبة للمضارع. وأنشد أيضا (3):

    لَوْ عَلِمَتْ إيثَارِيَ الذي هَوَتْ

    ما كنتُ مِنْهَا مُشْفِياً على الْفَلَتْ

    التقدير: لو علمت أن أوُثَر الذين هَوَتْ. فهذا لا يصح فيه تقدير الناصبة للمضارع أيضا.

    فكان من حقه أن يأتي بـ (أَنْ) هذه، لكنه لم يفعل، فكان معترضاً عليه. (1) ص: 142.

    (2) شرح التسهيل للناظم (ورقة 156 - ب) والهمع 5/ 68، والدرر 2/ 123 ويروى ((بالعروف)) والمعروف: الصنيعة يسديها المرء إلى غيره. ويقال: بسط يده بالمعروف، إذا مَدَّها به.

    (3) شرح التسهيل (ورقة 156 - ب) والهمع 5/ 68، والدرر 2/ 123.

    ومشفيا: مشرفا، يقال: أشفى على الشيءِ، وأشفى على الهلاك، إذا أشرف عليه. والفلت: الهلاك. وقد حُرِّف الثاني في الهمع ((المحقق)) والدرر تحريفاً شنيعاً.

    والجواب بأمرين:

    أحدهما أن تقدير المصدر بـ (أنْ) هذه قليل، لا يكثر كثرةَ (أنْ، وما) والغالب أن تؤتى بعد أفعال ((العِلْم)) بـ (أنْ) المخفَّفة والفعل، أو بـ (أنْ) الداخلة على الجملة الابتدائية، فقولهم: علمتُ أنَّك تقومُ، وعلمتُ أنْ سوف تقومُ، أو ألاَّ تقومُ-أشهرُ في الاستعمال من قولهم: علمتُ قيامَك، ونحوه - وإذا كان كذلك لم يَنْهض بالقليل اعتراضٌ.

    والثاني أن التقدير بـ (ما) سائغ هنالك، فتقدَّر: علمتُ ما قمتَ، كما تقول: علمتُ ما صنعتَ، وعلمتُ صُنْعَك، فقد يمكن أن يكون استَغْنى عن تقدير (أنْ) المخفَّفة بتقدير (ما) وإذا صح التقدير بـ (ما) كام ما عداه زيادة.

    فإن قلت: فكان من حَقِّه إذ قَصد الإتيان بما يُحتاج إليه من الحروف المصدرية من غير زيادة أن يأتي بأحد الحرفين دون الآخر.

    فالجواب أن إتيانه بهما معاً ضروري/ لأن زمان الفعل الذي يُقَدِّر المصدرية قد يكون ... 432 ماضياً وحالاً ومستقبلاً.

    أما الماضي فيصحُّ تقديرهُ بـ (أنْ) وبـ (ما) مع الفعل. وأما الحال فلا يقدَّر بـ (أنْ) بل بـ (ما)؛ لأن (أنْ) لا تُخَلِّص المضارع للاستقبال.

    وأما المستقبل فلا يقدَّر بـ (ما) بل بـ (أنْ)؛ لأن (ما) مختصة بالحال، إذا دخلت على المضارع خَلَّصته له، فإذاً لابد من تقدير الفعل بما يَليق بزمانه، ولا يكون ذلك في الأزمنة الثلاثة إلا مع عَدِّ (أنْ) و (ما) معاً. بخلاف المخفَّفة من الثقيلة، فإن التقدير بها غير مضطرا إليه. وهذا أيضا من مقاصد هذا النظم الحِسَانِ التي قَلَّمَا يُتفَطَّن لها. والله أعلم.

    والرابع أنه قيَّد عمل المصدر بصحة حلول الحرف مع الفعل محلَّه، فاقتضى مفهومُ هذا الشرط أن التقدير المذكور إن تعذَّر لم يَعمل المصدرُ هذا العمل. وليس كذلك، بل قد يتعذَّر هذا التقدير مع صِحَّة العمل. قال في ((الشرح)) بعد ما بَيَّن التقدير بالأحرف الثلاثة: وليس تقدير المصدر العامل بأحد الأحرف الثلاثة شرطاً في عمله، ولكن الغالب أن يكون كذلك (1).

    قال (2): ومن وقوعه غيرَ مقدَر بأحدها قولُ العرب: سَمْعُ أُذُنِي زيدا يقول ذلك (3). وقول إعرابي: اللهم إنَّ استِغْفَارِي إيَّاك مع كَثْرة ذنوبي لَلُؤْمٌ، وإن تَرْكيَ الاستغفارَ مع علمي بسَعة عفوكَ لَعَجْزً (4)، وقولُ الشاعر (5):

    عَهْدِي بِهِ الحيَّ الجِمَيعَ وفيِهِمُ

    قَبْلَ التَّفَرُّقِ مَيْسِرٌ ونِدَامُ

    وقول الراجز (6):

    ورَأْيُ عَيْنَيَّ الْفَتَى أبَاكَا

    يُعْطِي الجَزيل فَعَلَيْكَ ذَاكَا

    وقول الآخر (7): (1) شرح التسهيل (ورقة 156 - ب).

    (2) المرجع السابق (ورقة 156 - ب).

    (3) من شواهد سيبويه في الكتاب 1/ 191.

    (4) في شرح التسهيل ((لَعِىٌّ)) والعى: العجز عن أداء الكلام، وضد الإبانة فيه.

    (5) سبق الاستشهاد بالبيت، وهو للبيد.

    (6) الرجز لروبة. وسبق الاستشهاد به.

    (7) شرح التسهيل (ورقة 156 - ب).

    لا رَغْبَةً عَمَّا رَغِبْتِ فيهِ

    مِنِّيَ فَانُقُصِيهِ أوْ زِدِيهِ

    ومن أمثلة سيبويه: مَتَى ظنُّكَ زيداً أميراً. وذكر سيبويه في ((باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع (1))) عجبت من ضَرْبٍ زيدٌ عمراً، إذا كان هو الفاعل. ثم قال: كأنه قال: عجبت من أنه يضربُ زيدٌ عمراً.

    ولم يقدَّره في الباب بغير (إنَّ) الثقيلة.

    قال المؤلف: وإذا ثبت أن إعمال المصدر غيرُ مشروط بتقدير حرف مصدريٍّ أمكن الاستغناءُ عن إضمارٍ في نحو قوله: له صوتٌ صوتَ حمارٍ (2). وما قاله ظاهر، وليس ما حَكَى بقليل، بل هو أبوابٌ مستقلَّة متعدِّدة، كلُّها لا يصح فيه تقدير (أنْ) أو (ما) مع الفعل في موضع المصدر.

    أحدها: باب ((ضَرْبِي زيداً قائماً)) فإن ((ضَرْبِي)) عامل عملَ فعله مطلقا، مع أنه لا يصح في موضعه تقدير الحرف مع الفعل.

    والثاني: باب ((إنَّ)) إذا دخلت على المصدر العامل)) نحو: إنَّ إكرامَك زيدا لَحَسَنٌ، و [إن] (3) إعراضَك عنه لَقَبِيحٌ.

    والثالث: باب ((لا)) إذا قلت: لا إعراضاً عن أحدٍ عندي، ولا ضَرْباً أحدا من شأني.

    والرابع: باب ((متى ظَنُّكَ زيداً قائماً)).

    فجميع هذه الأبواب لا يصح فيها تقديرُ الناظم مع صحة عمل المصدر (1) الكتاب 1/ 189.

    (2) شرح التسهيل (ورقة 156 - ب).

    (3) ما بين الحاصرتين زيادة يستقيم بها التمثيل، وليست في جميع النسخ.

    عمل فعله، كالمقدَّر بالحرف والفعل.

    ومن ذلك أيضا باب ((كان)) كقولك: كان إكرامي زيدً حسناً. وباب ((ما)) نحو: ما إكرامي زيداً/ مفقودً. ... 433

    وإلى ذلك فإن سيبويه لم يلتزم التقدير بواحدٍ من الحرفين، بل قَدَّر بـ (أنَّ) الثقيلة، فصار دليلاً على اطِّراح الحرفين عن حكم الضرورة التي ادُّعَيِتْ أولا، فإذاً اشتراطُ الناظم إخلال.

    والجواب أن ما قال الناظم صحيح، ولا يَلزم ما اعتُرِض به. أما باب ((كان)) و ((إنَّ)) و ((لا)) فتقدير (أَنْ) والفعل سائغ في الأصل.

    والدليل على ذلك أنك إذا أزلتها صح التقدير، لكن العرب التَزمت ألاَّ تُولي الحرفَ المصدري هذه العوامل، كما لا تُوليها (أنَّ) الثقيلة، فكما لا تقول: كان أنَّكَ قائمٌ حسناً، كذلك لا تقول: كان أنْ قمتَ، أو أنْ تقومَ حسنٌ، ولا أنَّ أَنْ تقومَ حسنٌ، ولا ما أشبه ذلك. فإن أردت ذلك أخَّرْتَ الحرف المصدري فقلت: كان حسناً أن تقومَ، أو إنَّ عندي أن تقومَ، كما تقول: كان عندي أنَّكَ قائمٌ، أو كان حسناً أنَّكَ قائمٌ.

    ونظير ذلك في قولهم في (رَأَيْتُ) أنشد سيبويه لابن حَسَّان (1):

    إنِي رأَيْتُ من المَكَارِمِ حَسْبُكُمْ

    أنْ تَلْبَسُوا خَزَّ الثِّيَابِ وتَشْبَعُوا

    ولو قال: إني رأيتُ أن تَلْبَسوا حَسْبُكم لم يجز، بخلاف ما إذا أتى بالمصدر.

    فالحاصل أن مانع الموضع عَرَضَ في هذه المسائل، فلم يصح (1) هذه الكلمة ساقطة من الأصل، و (ت) ومستدركة على حاشية الأصل. ينظر: الكتاب 3/ 153، الهمع 4/ 92.

    النطقُ بـ (أنْ) و (الفعل) والتقديرُ الصِّناعي لا مانع له، فصدَق عليه أن هذا المصدر في هذه المواضع يصح أن يحل محلَّه الفعلُ مع الحرف.

    وأما المصدر في نحو (ضَرْبِي زيداً قائماً) فالقول فيه على نحو ما قيل فيما تقدم، وذلك أن العرب التزمت في هذا النحو رَفْضَ (أنْ) والفعل، فلا يُتكلَم بذلك مع التزام حذف الخبر.

    فلو أظهرت الخبر رجع إلى أصله، وجاز أن تقول: أنْ أضربَ زيداً قائماً حسنٌ، وأن تقول: ضَرْبِي زيداً قائماً حسنٌ، وفي القرآن: {وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (1)}.

    وإذا كان امتناع النطق به لعارض فلا مانع من التقدير الصناعي، وأن نَدَّعي أن المصدر في محل (أنْ) والفعل تقديراً لا يُنطق به، ويَصْدُق عليه أنَّ (أنْ) والفعل يَحُلان محلِّه لفظاً أو تقديراً.

    ونظير هذا الموضع

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1