نيل الأوطار
By الشوكاني
()
About this ebook
Read more from الشوكاني
القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالسيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدراري المضية شرح الدرر البهية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنيل الأوطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأدب الطلب ومنتهى الأدب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsولاية الله والطريق إليها Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح القدير للشوكاني Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالبحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to نيل الأوطار
Related ebooks
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنيل الأوطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطأ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسبل السلام شرح بلوغ المرام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجامع العلوم والحكم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتحرير والتنوير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالإنصاف لابن عبد البر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح معاني الآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبستان الأحبار مختصر نيل الأوطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsفتح الباري لابن حجر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمنحة الباري بشرح صحيح البخاري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمختصر التحرير شرح الكوكب المنير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح مشكل الآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمنتقى شرح الموطإ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسنن ابن ماجه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsسنن الدارمي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتلخيص الحبير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsإحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsحاشية السيوطي على سنن النسائي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعون المعبود وحاشية ابن القيم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالناسخ والمنسوخ للنحاس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsزاد المعاد في هدي خير العباد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح صحيح البخاري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsصحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمحلى بالآثار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشرح سنن أبي داود لابن رسلان Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for نيل الأوطار
0 ratings0 reviews
Book preview
نيل الأوطار - الشوكاني
نيل الأوطار
الجزء 4
الشوكاني
1250
نيل الأوطار أحد كتب الحديث ألفه الإمام محمد الشوكاني ،هو عبارة عن شرح لكتاب منتقى الأخبار للإمام أبو البركات ابن تيمية، جد ابن تيمية، فكتاب منتقى الأخبار من أوسع كتب أحاديث الأحكام وأكثرها شمولا وفائدة حيث بلغت أحاديث الكتاب قرابة 5000 حديث ، فقام الإمام محمد الشوكاني بشرح هذا الكتاب وقد اشتمل شرحه على مزايا منها أنه تعرض لتخريج الحديث وبيان طرقه وألفاظه وما قيل في حكمه، ومنها كشفه عن معاني الألفاظ وأقوال علماء اللغة فيها مع إيضاح المعنى الاصطلاحي الشرعي، ومنها استنباط الأحكام الفقهية من الأحاديث وكيفية دلالتها عليها وأقوال مذاهب علماء الأمصار وحجة كل مذهب مع الترجيح، ومنها استنباط القواعد الأصولية وتطبيق الأحكام الجزئية الفرعية عليها مع ذكر أقوال الأصوليين.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
. الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ وَزَادُوا النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ
بَعْدَ قَوْلِهِ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.
وَزَادَ أَبُو دَاوُد بَعْد قَوْلِهِ: كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ. بِلَفْظِ: فِي الْعَالَمِينَ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَسَيَأْتِي. وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا.
وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
وَفِي رِوَايَةٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ
فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمَا وَآلِ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبِدِك وَرَسُولِك كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ» .
وَعَنْ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِك وَرَحْمَتِك وَبَرَكَاتِك عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا جَعَلْتهَا عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَفِيهِ أَبُو دَاوُد الْأَعْمَى اسْمُهُ نُفَيْعٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ.
وَعَنْ زَيْدِ بْن خَارِجَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قُولُوا «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَسَيَأْتِي.
وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْمُسْتَغْفِرِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ: يَنْبَغِي أَنْ تَجْمَعَ مَا .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
Qفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَتَقُولُ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». قَالَ. الْعِرَاقِيُّ: بَقِيَ عَلَيْهِ مِمَّا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ وَهِيَ خَمْسَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» انْتَهَى وَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ الَّتِي ذَكَرهَا الْعِرَاقِيُّ ثَابِتَةٌ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا. وَقَدْ وَرَدَتْ زِيَادَاتٌ غَيْرَ هَذِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنْ فِيهَا مَقَالٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ قُولُوا) اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْد التَّشَهُّدِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَوَّازِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّاصِرُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَآخَرُونَ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ: إنَّهُ أَجْمَعَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْوُجُوبِ إلَّا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ طَوَّلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ لِمَا عَرَفْت مِنْ نِسْبَةِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ إلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَهْلِ الْبَيْتِ وَالْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ الْأَمْرِ بِهَا وَبِمَا فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ لِأَنَّ غَايَتَهَا الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الْجُمْلَةِ فَيَحْصُلُ الِامْتِثَالُ بِإِيقَاعِ فَرْدٍ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحُوهُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِزِيَادَةِ «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا» ؟وَفِي رِوَايَةٍ كَيْف نُصَلِّي عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا؟
وَغَايَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِهَا مَحِلُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُعَيِّنُ مَحِلَّ النِّزَاعِ وَهُوَ إيقَاعُهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
وَيُمْكِنُ الِاعْتِذَارُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَوَامِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَحَادِيثِ تُعَيِّنُ كَيْفِيَّتَهُ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ إذَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا فَكَيْفَ أُعْطِيَكَ إيَّاهُ، أَسِرًّا أَمْ جَهَرًا؟ فَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِيهِ سِرًّا، .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
Qكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ السِّرِّيَّةِ لَا أَمْرًا بِالْإِعْطَاءِ، وَتَبَادُرُ هَذَا الْمَعْنَى لُغَةً وَشَرْعًا وَعُرْفًا لَا يُدْفَعُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي السُّنَّةِ وَكَثُرَ فَمِنْهُ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ اللَّيْلَ فَلْيَفْتَتِحْ الصَّلَاةَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» الْحَدِيثُ. وَكَذَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ: فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لْيَقُلْ» الْحَدِيثُ
وَكَذَا «قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ: فَقُمْ وَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» «وَقَوْلُهُ فِي الْوِتْرِ: فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ» وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا هِيَ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْقُرْآنِ فَتَعْلِيمُهَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ الْمُجْمَلِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً لَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْأَمْرَ الْقُرْآنِيَّ بِالصَّلَاةِ مُجْمَلٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِاتِّضَاحِ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَكَى الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَحْمَلَ الْآيَةِ عَلَى النَّدْبِ فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ مَنْدُوبٍ لَا وَاجِبَ، وَلَوْ سَلِمَ انْتِهَاضُ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ لَكَانَ غَايَتُهَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِعْلُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَأَيْنَ دَلِيلُ التَّكْرَارِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَلَوْ سَلِمَ وُجُودُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ لَكَانَ تَرْكُهَا فِي تَعْلِيمِ الْمُسِيءِ دَالًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» قَالُوا: وَقَدْ ذُكِرَ النَّبِيُّ فِي التَّشَهُّد وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لَكِنْ بَعْدَ تَسْلِيمِ تَخْصِيصِ الْبُخْلِ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْبَخِيلِ عَلَى مَنْ يَشِحُّ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَالصَّلَاةِ عَلَيَّ» وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لِأَنَّ غَايَتَهُ إيجَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دُونِ تَقْيِيدٍ بِالصَّلَاةِ، فَأَيْنَ دَلِيلُ التَّقَيُّدِ بِهَا. سَلَّمْنَا فَأَيْنَ دَلِيلُ تَعْيِينِ وَقْتِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ؟
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى نَبِيِّهِ» وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا عَرَفْت ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّتِهِمْ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ» وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَغَايَتُهُ إيجَابُ الصَّلَاةِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ فَأَيْنَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ، فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ اسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْآتِي، وَغَايَتُهُ إيجَابُ الصَّلَاةِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّعَاءِ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ
وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّتِهِمْ مَا قَالَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا حَتْمَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَتُعُيِّنَ فِيهَا لِلْأَمْرِ، وَالْإِجْمَاعُ مَمْنُوعٌ فَقَدْ قَالَ .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
Qمَالِكٌ: إنَّهَا تَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّهَا تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَقَدْ كَثُرَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ الْمُتَفَقِّهَةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا تَجِبُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَجِبَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ إنْ أَرَادَ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ عَيْنًا فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَجِبَ فِي الصَّلَاةِ عَيْنًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُعَيَّنَيْنِ: أَعْنِي خَارِجَ الصَّلَاةِ وَدَاخِلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوُجُوبُ الْمُطْلَقِ فَمَمْنُوعٌ اهـ.
وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّتِهِمْ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «صَعَد النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ فَقَالَ: آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، فَلَمَّا نَزَلَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ» الْحَدِيثُ وَفِيهِ: «وَرَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ هُوَ الْغَنَوِيُّ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمًا إلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ حِينَ ارْتَقَى دَرَجَةً: آمِينَ ثُمَّ رَقِيَ أُخْرَى فَقَالَ: آمِينَ» الْحَدِيثُ، وَفِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَهُ عِنْدَ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَة: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك. فَقُلْت: آمِينَ
، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: «شَقِيٌّ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» يُفِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ الذِّكْرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ دَاخِلِ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَالْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَقُولُونَ بِالْوُجُوبِ خَارِجِهَا، فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْ الْوُجُوبِ خَارِجِهَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ الْوُجُوبِ دَاخِلِهَا عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَهُ مُشْعِرٌ بِوُقُوعِ الذِّكْرِ مِنْ غَيْرِ مَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَالذِّكْرُ الْوَاقِعُ حَالَ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ غَيْرِ الذَّاكِرِ، وَإِلْحَاقُ ذِكْرِ الشَّخْصِ بِذِكْرِ غَيْرِهِ يَمْنَعُ مِنْهُ وُجُودَ الْفَارِقِ وَهُوَ مَا يُشْعِرُ بِهِ السُّكُوتُ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَفْلَةِ وَفَرْطِ الْقَسْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَى ذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّخْصِ نَفْسِهِ، فَكَفَى بِهِ عُنْوَانًا عَلَى الِالْتِفَاتِ وَالرِّقَّةِ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ «أَنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا». وَمِنْ أَنْهَضَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الصَّلَاةِ مُقَيَّدًا بِالْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ: أَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ» الْحَدِيثُ لَوْلَا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَجُلًا مَجْهُولًا وَهُوَ هَذَا الْحَارِثِيُّ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي مِنْ الْأَدِلَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ، وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ فَتَرْكُ تَعْلِيمِ الْمُسِيءِ لِلصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» قَرِينَةٌ صَالِحَةٌ لِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَبَعْدَ تَعْلِيمِهِ التَّشَهُّدَ: «إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَكَ، 781 - (وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ فِي عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُر آلَهُ)
Qإنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ كَوْنِ السَّلَامِ فَرْضًا. وَبَعْدَ هَذَا فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ الَّتِي يَقْتَرِبُ بِهَا الْخَلْقُ إلَى الْخَالِقِ وَإِنَّمَا نَازَعْنَا فِي إثْبَاتِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَقْتَضِيه مَخَافَةَ مَنْ الْمُتَقَوِّلِ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ وَلَكِنْ تَخْصِيصُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِمَّا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَخِيرِ
وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْأَخِيرِ بِهَا حَدِيثُ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ كَمَا يَجْلِسُ عَلَى الرَّضْفِ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَشْرُوعِيَّةُ التَّخْفِيفِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِجَعْلِهِ أَخَفَّ مِنْ مُقَابِلِهِ: أَعْنِي التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ. وَأَمَّا إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِيهِ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ التَّشَهُّدَاتِ وَعَلَى أَخْصَرِ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُسَارِعًا غَايَةَ الْمُسَارَعَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ مِنْ تَطْوِيلِ الْأَخِيرِ بِالتَّعَوُّذِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْمُورِ بِمُطْلَقِهَا وَمُقَيَّدِهَا فِيهِ
إذَا تَقَرَّرَ لَك الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، فَذَهَبَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى الْوُجُوبِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَوَامِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْآلِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالنَّاصِرُ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُونَ هُنَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، قَالُوا: فَيَكُونُ قَرِينَةً لِحَمْلِ الْأَوَامِرِ عَلَى النَّدْبِ، قَالُوا: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عَدَمُ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي الْقُرْآنِ وَالْخِلَافُ فِي تَعْيِينِ الْآلِ مَنْ هُمْ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي. وَشَرْحُ بَقِيَّةِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَأْتِي فِي شَرْحِ مَا بَعْدَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ.
781 - (وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ فِي عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُر آلَهُ). قَوْلُهُ: (قَدْ عَلِمْنَا.. . إلَخْ) يَعْنِي بِمَا تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَنْ التَّشَهُّدِ
قَوْلُهُ: .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
Qفَكَيْف الصَّلَاةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةُ مَا فُهِمَ جُمْلَتُهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ مَنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. قَوْلُهُ: (قُولُوا) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَآلِ مُحَمَّدٍ
بِحَذْفِ عَلَى وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ بِإِثْبَاتِهَا، وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى وُجُوبِ زِيَادَتِهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ) هُمْ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ بِقَوْلِهِ: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73] وَلَمْ يُجْمَعَا لِغَيْرِهِمْ فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْطَاءَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ وَاسْتَشْكَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ التَّشْبِيهَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ
وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا أَنَّ الْمُشَبَّهَ مَجْمُوعُ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِمَجْمُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَفِي آلِ إبْرَاهِيمَ مُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا لِلْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاعْتِبَارِ تَكَرُّرِهَا مِنْ كُلِّ فَرْدٍ تَصِيرُ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ أَعْظَمَ وَأَوْفَرَ وَإِنْ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْفَرْدِ مُتَسَاوِيَةً أَوْ نَاقِصَةً، وَفِيهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ حَاصِلٌ فِي صَلَاةِ كُلِّ فَرْدٍ، فَالصَّلَاةُ مِنْ الْمَجْمُوعِ مَأْخُوذٌ فِيهَا ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهَا أَعْظَمَ وَأَوْفَرَ
وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَانَتْ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَالسُّؤَالُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الزَّائِدِ عَلَى الْقَدْرِ الثَّابِتِ، وَبِانْضِمَامِ ذَلِكَ الزَّائِدِ الْمُسَاوِي أَوْ النَّاقِصِ إلَى مَا قَدْ ثَبَتَ تَصِيرُ أَعْظَمَ قَدْرًا. وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ غَيْرُ مَنْظُورٍ فِيهِ إلَى جَانِبِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ نَوْعُ تَعْظِيمٍ وَإِجْلَالٍ كَمَا فُعِلَ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ وَتَقَرَّرَ وَاشْتَهَرَ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَتَشْرِيفِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّشْبِيهِ قَدْ يَكُونُ لِبَيَانِ حَالِ الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قُوَّةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا لِقَرِينَةٍ
وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَلَى جِهَةِ اللُّزُومِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ.
وَفِيهِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ نَادِرًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَالِبٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ. وَمِنْهَا أَنَّ مُرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ مُرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبْقَى لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْآخَرِينَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا كَإِبْرَاهِيمَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ آلِ إبْرَاهِيمَ. وَكَذَلِكَ آلِهِ فَالْمُشَبَّهُ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إنَّك حَمِيدٌ) أَيْ مَحْمُودُ الْأَفْعَالِ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لِمَا فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْهُ، وَالْمَجِيدُ: الْمُتَّصِفُ بِالْمَجْدِ وَهُوَ كَمَالُ الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ 782 - (وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَجَّلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ. فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ مَا شَاءَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ
783 - (عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
Qوَالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ) الْبَرَكَةُ: هِيَ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ مِنْ قَوْلِهِمْ بَرَكَ الْبَعِيرُ: إذَا ثَبَتَ وَدَامَ: أَيْ أَدُمْ شَرَفَهُ وَكَرَامَتَهُ وَتَعْظِيمِهِ.
782 - (وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَجَّلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ. فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ مَا شَاءَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: (عَجَّلَ هَذَا) أَيْ بِدُعَائِهِ قَبْلَ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ لِيَكُونَ وَسِيلَةً لِلْإِجَابَةِ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ السَّائِلِ أَنْ يَتَلَطَّفَ فِي نَيْلِ مَا أَرَادَهُ
وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِلَفْظِ: «سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ». قَوْلُهُ: (وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (مَا شَاءَ) فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا شَاءَ يَعْنِي مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِيهِ الْإِذْنُ فِي الصَّلَاةِ بِمُطْلَقِ الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَحِلٍّ مَخْصُوصٍ، قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ فِي التَّشَهُّدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَضَمِّنٌ لِلتَّمْجِيدِ وَالثَّنَاءِ وَهَذَا مُجْمَلٌ وَذَلِكَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ الرَّجُلَ يَدْعُو فِي قَعْدَةِ التَّشَهُّدِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ لَا يَرَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرْضًا حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْ تَارِكَهَا بِالْإِعَادَةِ. وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ ذِكْرِ التَّشَهُّدِ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ
اهـ.
[بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ]
. الْحَدِيثُ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْآلُ هُمْ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَقَامَ الْأَزْوَاجَ وَالذُّرِّيَّةَ مَقَامَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .
Q {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَبَعْدَهَا فِي الزَّوْجَاتِ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِنَّ وَأَشْعَرَ تَذْكِيرُ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا بِإِرَادَةِ غَيْرِهِنَّ. وَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي مَنْ هُمْ الْمُرَادُونَ بِالْآيَةِ وَبِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أُجْمِلَ فِيهَا الْآلُ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ امْتِنَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إدْخَالِ أُمِّ سَلَمَةَ تَحْت الْكِسَاءِ بَعْدَ سُؤَالِهَا ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مُشِيرًا إلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: «اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» بَعْدَ أَنْ جَلَّلَهُمْ بِالْكِسَاءِ. وَقِيلَ: إنَّ الْآلُ هُمْ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ
وَمِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامِ يَحْيَى. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِذَلِكَ بِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ فَسَّرَ الْآلُ بِهِمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ الْ عَلِيٍّ وَآل جَعْفَرٍ وَآل عَقِيلٍ وَآل الْعَبَّاسِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ قَرِينَةٌ عَلَى التَّعْيِينِ. وَقِيلَ: إنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَعَلِيُّ وَالْحَسَنَانِ وَأَوْلَادُهُمْ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْكِسَاءِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: «اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» مُشِيرًا إلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ يُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا التَّرْتِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ الْمَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ، فَغَايَةُ مَا فِيهِ إخْرَاجُ مَنْ عَدَاهُمْ بِمَفْهُومِهِ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ أَعَمُّ مِنْهُمْ كَمَا وَرَدَ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَفِي الزَّوْجَاتِ مُخَصَّصَةٌ بِمَنْطُوقِهَا لِعُمُومِ هَذَا الْمَفْهُومِ
وَاقْتِصَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَعْيِينِ الْبَعْضِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَا يُنَافِي إخْبَارَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ رُبَّمَا كَانَ لِمَزِيَّةٍ لِلْبَعْضِ أَوْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْآلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ، ثُمَّ يُقَالُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّيغَةِ تَقْتَضِي الْحَصْرَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْمُجَلَّلِينَ بِالْكِسَاءِ فِي الْآلِ مَعَ أَنَّهُ مَفْهُومُ هَذَا الْحَصْرِ يُخْرِجهُمْ فَإِنْ كَانَ إدْخَالُهُمْ بِمُخَصِّصٍ وَهُوَ التَّفْسِيرُ بِالذُّرِّيَّةِ وَذُرِّيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمْ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَصِّصٍ وَمُخَصَّصٍ؟ وَقِيلَ: إنَّ الْآلُ هُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: هُمْ الْأُمَّةُ جَمِيعًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُهَا قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ اهـ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ إمَامُ اللُّغَةِ وَمِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ:
آلُ النَّبِيِّ هُمْ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ ... مِنْ الْأَعَاجِمِ وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبْ
لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إلَّا قَرَابَتَهُ ... صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبْ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ أَبْيَاتٍ:
وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ
وَالْمُرَادُ بِآلِ الصَّلِيبِ أَتْبَاعُهُ وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِآلِهِ: أَتْبَاعُهُ.
وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ 784 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
Q - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْآلِ قَالَ آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ» وَرُوِيَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَعْنَى الْآلِ لُغَةً، فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَهْلُ الرَّجُلِ وَأَتْبَاعُهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا اقْتِصَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَعْضِ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَكَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ: «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ». فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَرَابَةَ أَخَصُّ الْآلِ، فَتَخْصِيصُهُمْ بِالذِّكْرِ رُبَّمَا كَانَ لِمَزَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ كَمَا عَرَفْت وَتَسْمِيَتُهُمْ بِالْأُمَّةِ لَا يُنَافِي تَسْمِيَتُهُمْ بِالْآلِ وَعَطْفُ التَّفْسِيرِ شَائِعٌ ذَائِعٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَلُغَةً عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ آخِرَ هَذَا الْبَابِ فِيهِ عَطْفُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ الْعَطْفِ يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ مُطْلَقًا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ ذُرِّيَّتُهُ خَارِجَةً عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَالْجَوَابُ: الْجَوَابُ. وَلَكِنْ هَهُنَا مَانِعٌ مِنْ حَمْلِ الْآلِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ هُوَ حَدِيثُ: «إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي» الْحَدِيثُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْآلُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لَكَانَ الْمَأْمُورُ بِالتَّمَسُّكِ وَالْأَمْرُ الْمُتَمَسَّكُ بِهِ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ بَاطِلٌ.
784 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ حِبَّانَ بْن يَسَارٍ الْكِلَابِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَعَلَى حِبَّانَ بْن يَسَارٍ.
الْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الزَّوْجَاتِ مِنْ الْآلِ وَالْقَائِلُونَ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ مِنْ الْآلِ وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِذِكْرِ الْآلِ فِيهِ مُجْمَلًا وَمُبَيِّنًا. قَوْلُهُ: (بِالْمِكْيَالِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: وَهُوَ مَا يُكَالُ بِهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ غَيْرِهَا وَأَوْفَرُ ثَوَابًا. قَوْلُهُ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) الْأَشْهَرُ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَيَجُوزُ إبْدَالُهُ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْنَا
قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قَدْ اشْتَهَرَ زِيَادَةُ سَيِّدِنَا قَبْلَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُصَلِّينَ، وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ أَفْضَلَ نَظَرٌ اهـ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ سُلُوكِ الْأَدَبِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سُلُوكَ طَرِيقِ الْأَدَبِ أَحَبُّ مِنْ الِامْتِثَالِ، بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ
785 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ اللَّهَ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ) .
786 - (وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيخِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ) .
Qوَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ فَلَمْ يَمْتَثِلْ وَقَالَ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُ عَلِيٍّ عَنْ مَحْوِ اسْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّحِيفَةِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ: لَا أَمْحُو اسْمَك أَبَدًا، وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَتَقْرِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ تَأَدُّبًا مُشْعِرٌ بِأَوْلَوِيَّتِهِ
بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ: (إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ) فِيهِ تَعْيِينُ مَحَلِّ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَرُدُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْإِذْنِ لِلْمُصَلِّي بِالدُّعَاءِ بِمَا شَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ، لِقَوْلِهِ: إذَا فَرَغَ
. قَوْلُهُ: (فَلْيَتَعَوَّذْ) اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْأَمْرِ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ تَقَدَّمَ. وَالْحَقُّ الْوُجُوبُ إنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ هَذَا الْأَمْرِ عَنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ لِمَا عَرَّفْنَاك فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَرْبَعٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ: التَّعَوُّذُ مِنْ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
قَوْلُهُ: (وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ لِذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَوَاتِرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ، وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَمْرُ بَابُ جَامِعِ أَدْعِيَةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ
787 - (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
Qالْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا: الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا مَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا الِابْتِلَاءَ مَعَ زَوَالِ الصَّبْرِ، وَبِفِتْنَةِ الْمَمَاتِ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ مَعَ الْحَيْرَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) قَالَ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ: الْمَسِيحُ مُثَقَّلٌ الدَّجَّالُ وَمُخَفَّفٌ عِيسَى
وَنَقَلَ الْفَرَبْرِيُّ عَنْ خَلَفِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ الْمَسِيحَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَاحِدٌ، وَيُقَالُ لِلدَّجَّالِ، وَيُقَالُ لِعِيسَى وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: مَنْ قَالَهُ بِالتَّخْفِيفِ فَلِمَسْحِهِ الْأَرْضَ، وَمَنْ قَالَهُ بِالتَّشْدِيدِ فَلِكَوْنِهِ مَمْسُوحَ الْعَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي الدَّجَّالِ وَنُسِبَ قَائِلُهُ إلَى التَّصْحِيفِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه لِبَرَكَتِهِ، قَالَ: وَذَكَرْت فِي اشْتِقَاقِهِ خَمْسِينَ قَوْلًا فِي شَرْحِي لِمَشَارِقِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ، وَالدَّجَّالُ لِشُؤْمِهِ اهـ
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ) فِي الْبُخَارِيِّ بِتَقْدِيمِ الْمَأْثَمِ عَلَى الْمَغْرَمِ، وَالْمَغْرَمُ الدَّيْنُ، يُقَالُ غَرِمَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ ادَّانَ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَدَانُ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَعَاذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِلٌ: مَا أَكْثَرُ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: «إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ» .
بَابُ جَامِعِ أَدْعِيَةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ
. قَوْلُهُ: (ظَلَمْت نَفْسِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ بِمُلَابَسَةِ مَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ أَوْ يُنْقِصُ الْحَظَّ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرَى عَنْ تَقْصِيرِهِ وَلَوْ كَانَ صِدِّيقًا. قَوْلُهُ: (كَثِيرًا) وَرُوِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَقُولَ كَثِيرًا كَبِيرًا. قَالَ. الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَأْتِيَ مَرَّةً بِالْمُثَلَّثَةِ وَمَرَّةً بِالْمُوَحَّدَةِ، فَإِذَا أَتَى بِالدُّعَاءِ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ نَطَقَ بِمَا نَطَقَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَقِينٍ، وَإِذَا أَتَى بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْطِقْ بِهِ كَذَلِكَ اهـ
قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ) 788 - (وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَالَ: رَمَقَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي». رَوَاهُ أَحْمَدُ)
Qقَالَ الْحَافِظُ: فِيهِ إقْرَارٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمَغْفِرَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 135] فَأَثْنَى عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَفِي ضِمْنِ ثَنَائِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَوَّحَ بِالْأَمْرِ بِهِ كَمَا قِيلَ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَهُوَ آمِرٌ بِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذَمَّ فَاعِلَهُ فَهُوَ نَاهٍ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَك) قَالَ الطِّيبِيُّ: ذِكْرُ التَّنْكِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ غُفْرَانٌ عَظِيمٌ لَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ وَوَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُرِيدًا بِذَلِكَ التَّعْظِيمَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ.