Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب
مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب
مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب
Ebook411 pages3 hours

مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

الأهدابُ تحمِلُ همومَ الجفنِ عندما يحزَن، وقد تذرف العين الكثير من الدموع؛ تارةً سعيدة وتارةً حزينة. فما بين الجفن والأهداب قصص لا تسمع، وحكايات لا تُنطَق!
Languageالعربية
Release dateNov 30, 2021
ISBN9789948831785
مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب

Related to مملكة الجبين

Related ebooks

Reviews for مملكة الجبين

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    مملكة الجبين - عبد الله حسن الفارسي

    bb

    مملكة الجبين:

    ما بين الجفن والأهداب

    عبد الله حسن الفارسي

    Austin Macauley Publishers

    مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب

    حقوق النشر©

    كنتُ ظالماً

    ولكن كيف أخذت العدالة مجراها؟

    إني أتساءل

    الفصل الأول

    بعد مرور ستَّ عشرةَ سنة

    الفصل الثاني

    الفصل الثالث

    الفصل الرابع

    الفصل الخامس

    الفصل السادس

    الفصل السابع

    الفصل الثامن

    الفصل التاسع

    الفصل العاشر

    الفصل الحادي عشر

    الفصل الثاني عشر

    الفصل الثالث عشرة:

    الفصل الرابع عشر

    الفصل الخامس عشر

    الفصل السادس عشر

    الفصل السابع عشر

    الفصل الثامن عشرة

    الفصل التاسع عشر

    الفصل العشرون

    الفصل الحادي والعشرون

    الفصل الثاني والعشرون

    الفصل الثالث والعشرون

    الفصل الرابع والعشرون

    الفصل الخامس والعشرون

    الفصل السادس والعشرون

    الفصل السابع والعشرون

    الفصل الثامن والعشرون

    حقوق النشر©

    عبد الله حسن الفارسي 2021

    يمتلك عبد الله حسن الفارسي الحق كمؤلف لهذا العمل، وفقاً للقانون الاتحادي رقم (7) لدولة الإمارات العربية المتحدة، لسنة 2002 م، في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

    جميع الحقوق محفوظة

    لا يحق إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب، أو تخزينه، أو نقله، أو نسخه بأي وسيلة ممكنة؛ سواء كانت إلكترونية، أو ميكانيكية، أو نسخة تصويرية، أو تسجيلية، أو غير ذلك دون الحصول على إذن مسبق من الناشرين.

    أي شخص يرتكب أي فعل غير مصرح به في سياق المذكور أعلاه، قد يكون عرضة للمقاضاة القانونية والمطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار.

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948831792 (غلاف ورقي)

    الرقم الدولي الموحد للكتاب 9789948831785 (كتاب إلكتروني)

    رقم الطلب:MC-10-01-0491212

    التصنيف العمري:E

    تم تصنيف وتحديد الفئة العمرية التي تلائم محتوى الكتب وفقا لنظام التصنيف العمري الصادر عن المجلس الوطني للإعلام.

    الطبعة الأولى 2021

    أوستن ماكولي للنشر م. م. ح

    مدينة الشارِقَّة للنشر

    صندوق بريد [519201]

    الشارِقَّة، الإمارات العربية المتحدة

    www.austinmacauley.ae

    202 95 655 971 +

    aa

    القراءة بالتسلسل التالي:-

    مملكة الجبين: ما بين الأنوار الظلال

    مملكة الجبين: ما بين العين والدمعة

    مملكة الجبين: ما بين الجفن والأهداب

    كنتُ ظالماً

    ولكن كيف أخذت العدالة مجراها؟

    C:\Users\HS\Desktop\1.png

    إني أتساءل

    C:\Users\HS\Desktop\1.png

    الفصل الأول

    انتصفت الشمس في السماء على قلعة كبيرة وعملاقة وحدائقها واسعة جداً ومليئة بالشجيرات الجميلة والأزهار الزاهية. ووصل موكب قادم من مملكة الجبين تبعد عن هذه المملكة – مملكة الرخام – أكثر من أسبوعين واستقر في فناء القلعة الواسعة. نزل من الموكب رجل أربعيني طويل وعضلاته بارزة يرتدي بزة زرقاء وهي تخصُّ حراس العائلة الملكية فقط. دخل الرجل القاعة برفقة جنوده الذين أتوا مع الموكب ومن بينهم ثلاثة أشخاص معتقلين وتبعه بعض حراس القلعة ليلتقي بملك القلعة الكبيرة، وقد كانت واسعة ومفروشة بسجاد أبيضَ مزخرف برسومات دائرية، ونوافذها كبيرة وتطل على الحدائق مباشرة، وفي السقف قبة زجاجية لتسمح لضوء الشمس بالنفاذ إلى القاعة. ظل الرجل والجنود والحراس يمشون حتى وصلوا إلى عرش الملك الكبير والمرصَّع بالجواهر.

    حنى الرجل رأسه وقال للملك: [سعيدٌ بأن أراك بخير يا جلالة الملك (إيثار)]

    نظر الملك إلى الرجال المعتقلين وسأل: [أنت المستشار (سعدون)، أليس كذلك؟ مستشار ملك مملكة الجبين]

    - [نعم يا جلالة الملك، أنا هو]

    كان الملك كبيراً في السن وقد حَفَرت التجاعيد في وجهه ومن ينظر إليه يعتقد أنه مريض أو أن أيامه معدودة. كان يرتدي ملابس فضفاضة وتغطي ظهره عباءة حمراء فاخرة ورباطها حول عنقه.

    دخل ابن الملك وقد كان أميراً وسيماً تجاوز الثلاثين وأسمه (مرمر)، ومن ثم قال مبتسماً: [أرى المستشار سعدون هنا... أين هو الأمير (ضوء)؟ ألم يأتِ؟]

    تمعَّن الأمير في المستشار وجنوده وانتبه لوجود ثلاثة رجال مقيدين يعرفهم حق المعرفة.

    سأل الأمير مرمر وقد اجتاحته ريبة: [ما الأمر أيها المستشار؟ لماذا تقيِّدُ حراس أخي ضوء؟]

    قال الملك حين اقترب الأمير منه: [وأنا متعجب أيضاً. دخلتَ عليَّ برجالي وهم مقيدين. كم أنت جريء يا حضرة المستشار!]

    عبس المستشار وقال وهو محافظ على آدابه: [أتمنى من جلالتكم أن تسمحوا لي وتسمعوا سبب اعتقالي لهؤلاء الحراس من أفواههم]

    تنحى المستشار قليلاً وأشار لأحد المقيدين أن يتحدث.

    قال الأول مرتبكاً: [الرحمة يا مولاي...]

    أمره الملك: [قل ما في جوفك!]

    حدَّق الملك والأمير بالرجل المتحدث بتعابير متلهفة في انتظار الرجل ليكمل حديثه.

    قال الرجل بعد أن أخذ نفساً عميقاً وزفر في توتر: [الأمير ضوء قَتَل ملك مملكة الجبين وزوجته الملكة غدراً]

    وقف الملك من على كرسيه حين قال متعجباً وغاضباً: [ماذا؟!]

    قال الأمير بعيون جاحظة غير مصدق: [هذا غير معقول!]

    أغمض الرجل عينيه خوفاً من سخط الملك وأكمل: [إنها الحقيقة يا مولاي. الأمير ضوء قتل الملك والملكة وبث الفساد والفوضى في مملكة الجبين ومات الكثير من الناس جراء ذلك]

    قال الرجل الثاني ليقف مع الرجل الأول: [الحق الحق يا مولاي وأنا شاهد على ذلك. الأمير ضوء أحدث هزة كبيرة في مملكة الجبين وسيظل الناس يذكرونها لأجيال عديدة]

    سأل الملك إيثار والغضب قد ظهر عليه: [وكيف حدث كل هذا؟!]

    قال الأمير مرمر: [يجب أن يكون لذلك سببٌ]

    قال المستشار سعدون: [السبب واضح جداً يا سمو الأمير؛ كان يريد العرش وظهرت حقيقة نواياه الخبيثة بعد خطوبته من الأميرة (شعاع)]

    صار الملك والأمير يسألان وحراس الأمير ضوء يجيبون على التساؤلات وقد اعتراهم الخوف وهم يعرفون أن الإعدام سيكون مصيرهم دون شك. وكان سعدون يقف معهم ويساندهم ويوضح لهما الأمور بأدق تفاصيلها مؤكداً أن الحراس لا دخل لهم بما جرى، فهم كانوا يتبعون الأوامر فقط لا أكثر ولا أقل ولم يكن لديهم حيلة أو شجاعة لاعتراض الأمير ضوء.

    سأل الأمير والحزن تسلل إلى صدره: [وأين هو أخي الآن؟]

    أجابه الرجل الأول: [لقد قُتِل على يد أحد المواطنين هناك بعد أن ثار الشعب عليه]

    قال الملك: [ضوء ليس ولدي، فقد كان ابن زوجتي الراحلة فقط ولا ينتمي للسلالة الملكية، وما فعله في مملكة الجبين سيظل وصمة عار علينا]

    قال الأمير ليدافع عن ضوء: [ولكن يا أبي...]

    الملك: [انتهى الكلام وهيا انصرفوا!]

    حنى الجميع رؤوسهم وهمُّوا بالخروج فقال الملك غاضباً: [وأنت أيها المستشار! هيا ارجع إلى مملكتكم ولا تعد إلى هنا ثانية!]

    حنى سعدون رأسه وقال: [كما تأمر يا جلالة الملك]

    وغادر سعدون القلعة مع موكبه بعد أن أرضاه الأمير وأكَّد له أن الملك صار عجوزاً ويغضب بسرعة، وطلب منه أن يسامحه وهذا ما فعله سعدون لأن الأمير يريد السلام بين المملكتين فحسب.

    *****

    في تلك الأثناء، وفي إحدى قرى مملكة الجبين الصغيرة والتي هي (قرية السلسبيل)، تجمع القرويون حول شاب سمين وعريض وشابَّة شقراء وجميلة يحرسهما بعض حراس القلعة. بدى على الجميع السعادة والوئام وهم يتحدثون مع هذين الشابين بكل حماسة.

    قال الشاب السمين ذو الشعر الأسود القصير واللحية الكثة والمحسنة: [أشكركم جميعاً على كل شيء فعلتموه من أجلي]

    قال أحد القرويين وكان يرتدي ملابس تخص من يعمل في مجزرة: [لم نفعل شيئاً يا (عين)., لقد كوَّنت نفسك بنفسك]

    كان عين يرتدي ملابس بيضاء فضفاضة وفخمة جداً عكس باقي القرويين الذين كانوا فقراء وعاديين جداً.

    قال رجل آخر وهو يبتسم: [كانت أمك ستفخر بك كثيراً]

    قال عين وهو يبادلهما الابتسام: [أشكركما يا (عَظْمة) ويا (رغيف)]

    كان عظمة جزاراً ورغيف خبازاً يعملان في هذه القرية منذ زمن بعيد.

    قالت الشابة الشقراء وفستانها الأحمر ذو الأربطة الزهرية يتراقص مع نسمات الهواء: [لن أنسى فضلكم ما حييت، وسامحوني لأني أزعجتكم كثيراً وكنت سبباً في خراب القرية]

    قالت زوجة رغيف: [لم تكوني كذلك أبداً يا سمو الأميرة. كنتِ كالزهرة المتفتحة تنشر عبقها الزكي في كل مكان]

    ابتسمت الأميرة وقالت: [شكراً لكِ يا سيدة (قمحة) وأتمنى أن تناديني بـ(دمعة) كما السابق. سآمر المسؤولين في القلعة بإعادة بناء هذه القرية وباقي القرى أيضاً. لقد هُدِّمتْ بيوت ودكاكين كثيرة بسبب هيجان حراس القلعة]

    قالت قمحة منشرحة الصدر: [هذا عظيم!]

    أخذ القرويون يتبادلون أطراف الحديث بسعادة وفرح من عين ودمعة حتى دخلت من بين الحضور شابة أخرى جميلة بشعر بني مسرح جيداً وتحمل بين ذراعيها طفلة قد أكملت ربيعها الثاني منذ عدة شهور.

    قالت مبتسمة: [آسفة على تأخري., فقد ركضت (أهداب) بعيداً. هل فاتني شيء؟]

    قال عين: [لم يفتكِ أي شيء يا أختي العزيزة (رِقَّة)]

    فرحت أهداب حين رأت عيناً ومدَّت ذراعيها نحوه وهي تقول: بابا ليحملها بين ذراعيه الثخينتين وكان شعرها أحمر قرمزي ولها عيون مغايرة، فعينها اليمنى زرقاء واليسرى خضراء.

    قال عين وهو يلتقط أهداب من بين ذراعي رِقَّة: [لقد أتعبتِ عمتكِ كثيراً يا ابنتي]

    قال الجزار عظمة: [يبدو أنك سعيد في القلعة يا عين]

    - [حمداً لله، أشعر بالسكينة والاستقرار]

    قالت قمحة: [اهتمي بعين وبأهداب يا دمعة ولا تنسي نفسكِ فأنتِ حبلى وستحتاجين لأن تعتني بغذائك كثيراً]

    قالت دمعة: [نعم، سأفعل ذلك بكل تأكيد]

    قال أحد القرويين لعين: [ستصبح أباً عما قريب يا عين وهذا أمر رائع جداً]

    قالت قروية أخرى: [أتمنى أن تزورينا دائماً يا سمو الأميرة فسنشتاق لكِ كثيراً]

    قالت دمعة: [بالطبع سأزوركم دائماً]

    جهَّز الحراس العربة الملكية التي يجرها حصانان ملكيان وركبها عين ودمعة وابنتهما بالتبني – أهداب – وغادروا القرية إلى القلعة وهما يودعان أصدقاءهما والقرويين.

    *****

    عند غروب الشمس، وفي (قرية الأنوار) التي تبعد عن المدينة والقلعة مئات الكيلومترات، كان هناك رجل سمين ذو شعر قرمزي ولحية كثة ينتظر في بيته الخشبي الكبير مع زوجته وأمه وابنه الصغير. يتحرك في غرفة المعيشة ذهاباً وإياباً في قلق وتوتر وصبر نافد.

    قالت زوجته: [اِهدأ يا (قرمز). سيأتي أخي عمَّا قريب بالأخبار السارَّة]

    فتح قرمز الباب وأطل برأسه المستدير إلى الخارج وهو ينقل ناظريه في كل الاتجاهات ومن ثم أغلق الباب.

    قال وهو يقترب من أمه: [لقد تأخر كثيراً!]

    قالت الأم: [أنا لستُ مرتاحة يا بُنَي]

    - [ولا حتى أنا يا أمي]

    ركض الابن الصغير والذي كان يشبه أباه كثيراً في الشكل والشعر إلى جدته ليجلس في حجرها.

    قالت الزوجة: [لا تزعج جدتك (قشّة) يا (جَفْن)]

    قالت قشّة -أم قرمز-: [دعيه يا (رونقة)]

    - [ولكن...]

    ثم طرق أحد ما الباب ففتحه قرمز مباشرة فوجد من كان ينتظره، وهو رجل طويل ونحيل ذو شعر أسود وملابس تخصُّ حرَّاس القلعة ويحمل في يده كيساً قماشياً كبيراً.

    سأله قرمز وقد هزمه القلق: [هل عثرتم عليهم يا (خشر)؟]

    تنهَّد خشر ودخل إلى البيت والحزن بادٍ عليه.

    سألت رونقة: [ما الأمر يا أخي...؟ تكلم!]

    فتح خشر الكيس القماشي أمامهم وسأل: [هل تبدو هذه الأشياء مألوفة لكم؟]

    نظرت قشّة إلى الأشياء وقالت وهي تلتقط قطعة قماش بيضاء وقالت: [إنها تخص ابنتي (لبيبة)! أنا متأكدة فهذه القطعة جزء من فستانها]

    تفحَّص قرمز الأغراض والتقط قطعة دائرية وذهبية اللون وعليها نقوش وزخارف.

    قال قرمز: [وهذه الساعة تخص صهري (غارب)]

    وقف قرب خشر وسأله: [من أين عثرت على هذه الأغراض وأين هي أختي وصهري والتوءمتين (أنين) و(رنين)؟]

    أخذ خشر نفساً عميقاً وقد ضاعت الكلمات من فمه ولكنه استجمع قواه وقال بعد أن زفر: [بكل أسف أقول لكم أنهم... أنهم...]

    مسكه قرمز من كتفيه وصار يهزه بعصبية: [إنهم ماذا؟! تكلم!]

    قال خشر حين أغمض عينيه بأسى: [يؤسفني القول إنهم قتلوا]

    - [مـ... ماذا؟! هذا مستحيل!]

    - [لا نعرف بالضبط ما حدث؛ فقد عثرنا على جثث كثيرة ويبدو أنهم تعرضوا لهجوم من قطَّاع الطرق والوحوش الكاسرة، وكانت جثة أختك وصهرك من بينهم]

    لم يستوعبوا في بادئ الأمر حتى شرح لهم خشر أكثر، ثم أخذ قرمز يصفع نفسه ويجهش بالبكاء وبدأ بتمزيق ثيابه حتى كشف عن نصف جسده، وأمه صارت تضرب نفسها وتندب حظ ابنتها المقتولة وزوجها، ورونقة بكت معهم غير مصدِّقة لما سمعت من أخيها خشر، ونزل الحزن عليهم كثيراً بسكاكينه وصار يقطع قلوبهم بلا رحمة.

    اتجهت رونقة إلى أخيها وسألت بعيون دامعة: [ماذا عن الطفلتين؟]

    - [كل الجثث تعفنت وفي حالة يصعب على المرء معرفتهم. سنأتي بالجثث بعد قليل ولكنني لا أنصح بأن يراها أحد]

    أخذت رونقة تجهش بالبكاء وهي تحتضن قرمز وقالت: [إنها أكبر مصيبة حلَّت علينا]

    قال خشر وقد سيطر عليه الحزن: [ولكننا لم نجد جثث لأطفال. كلهم بالغون. رغم ذلك فلا أعتقد أن الطفلتين نجتا. ربما أكلتهما الوحوش الكاسرة]

    لم ينطق أحد بكلمة فكلهم يبكون بحسرة وألم على فراقهم، ومضت عليهم الليلة ثقيلة جداً ولم يستطع أحد منهم النوم من الحزن.

    بعد مرور ستَّ عشرةَ سنة

    الفصل الثاني

    تزوَّج سعدون وأنجب طفلة أسماها (رامية) وثابر على تدريبها لتصبح حارسة في القلعة. ومضت السنوات على مملكة الجبين بسرعة حتى توّج عين ملكاً رغم محاولات سعدون لمنع ذلك، فعين ليس من السلالة الملكية بل من قرية متواضعة، ولكن دمعة أصرَّت عليه حتى كان لها ما أرادت. وكرَّست جهودها في تعليم عين الأصول الملكية وكيفية إدارة شؤون المملكة حتى أصبح ملكاً ذا معرفة وحنكة وحكمة ممتازة. ومات سعدون بعد سنتين من التتويج إثر مرض خبيث أصابه هو وزوجته وقد تركا ابنتهما الوحيدة في القلعة، وقد أصرَّ عين على احتوائها تحت جناحه إكراماً لما قدمه سعدون من تضحيات في سبيل المملكة.

    وها هو عين الآن أكمل عامه الثاني والأربعين وقد أنجبت له دمعة خمسة أبناء ذكوراً. كانت الأمور على ما يرام حتى بدأت ابنته أهداب – التي تبنَّاها وصار عمرها الآن ثماني عشرة سنة – تسأله عن ماضيها؟ وكيف عثر عليها؟ ومن قد يكون أهلها؟ ولكن للأسف الشديد عين لا يملك سوى القليل من الأجوبة.

    في يوم جميل ولطيف، اصطحب عين ابنته أهداب برفقة القليل من الحراس ومن بينهم رامية بنت سعدون والتي أصبحت حارسة الأميرة أهداب الشخصية، ولقد كانت فتاة جميلة ذات شَعْرٍ كحلي غامق وعيون سوداء وبشرة بيضاء. ترتدي بزَّة الحراس الزرقاء وعلى كتفها قوس متين وخلف ظهرها كنانة مليئة بالسهام. لم يعرف أحد إلى أين يأخذهم عين بالضبط حتى دخلوا إلى الغابة.

    سألت الأميرة بفستانها الأصفر: [إلى أين تأخذنا يا أبي؟]

    أجاب عين بلباسه البني الخاص للرحلات الميدانية: [إلى مكان قد يطفئ ناركِ قليلاً]

    قال أحد الحراس: [إن الغابة خطيرة يا مولاي.. علينا توخي الحذر]

    طمأنهم عين حين التفت إليهم برأسه المستدير وجسمه العريض: [لا تقلقوا فحيوانات الغابة لن تؤذينا طالما أنا موجود]

    سألت رامية: [عذراً يا مولاي.. سمعت أن رائحتك الزكية تؤثِّر على الحيوانات.. هل هذا صحيح؟]

    أجاب عين وهو يكمل طريقه: [نعم يا صغيرتي]

    وحين نزلت الشمس قليلاً من السماء لتشير إلى وقت العصر، وصل الجميع إلى مكان مفتوح ذي أشجارٍ عالية وكبيرة وأغصانها تغطي المكان كالسقف وضوء الشمس يتغلغل ويتسلل إلى المكان كأشرطة ضوئية مثيرة للابتهاج. والأزهار البيضاء تنتشر في الأرجاء بكثرة.

    قالت أهداب وهي مفتوحة الثغر: [ما أروع هذا المكان!]

    قال أحد الحراس مندهشاً: [لا أصدق أن مكاناً كهذا موجود في المملكة]

    أحسَّت رامية باقتراب شيء ما فقالت: [يبدو أن شيئاً ما يتحرك خلف الأشجار]

    وبعد سماع خشخشة واضحة، ظهرت مجموعة من الحيوانات ومن بينها أسود وغزلان وأرانب وطيور وسناجب.

    قال عين حين أخذ الجميع وضعية الدفاع: [لا تخافوا أبداً إنهم أصدقائي]

    سأل أحد الحراس: [كيف للغزال أن يتجول برفقة أسد؟]

    - [لا أعرف بالضبط، ولكن الحيوانات تكون في وئام حين أكون متواجداً بينها]

    تقدَّم عين والجميع خلفه حتى توسط المكان وقال: [هنا بالضبط عثرتُ عليكِ يا أهداب]

    سألت أهداب وهي تنظر إلى أبيها بعيونها المغايرة وشعرها القرمزي يتموج مع الرياح الآتية من بين الأشجار: [ألم تجد قطعة خاصة أو أي أثر ممكن أن يرشدني إلى أهلي؟]

    - [وجدناكِ أنتِ فقط...]

    صارت أهداب تتفحص المكان بعينيها وتلامس الأرض بأناملها حتى بدأت بذرف الدموع.

    وضعت رامية يدها على كتف أهداب وقالت: [لقد كان مصيركِ أن تكوني بيننا الآن يا سمو الأميرة. عليكِ أن تعيشي حياتكِ]

    قال عين: [هذا كل ما أعرف وكل ما أستطيع فعله لكِ فأرجوكِ أن ترضي بقدرك]

    سألت أهداب وهي تمسح دموعها: [لماذا أنا بالذات حدث معي ذلك؟]

    أجاب أحد الحراس: [إنه قدركِ يا سمو الأميرة...]

    أمر عينٌ الحراس: [فتشوا المكان، وإذا عثرتم على شيء خاص أو مثير للتساؤلات، أحضروه لي]

    قال الجميع بصوت واحد: [حاضر!]

    أخذ الحراس بتفحُّص المكان لفترة طويلة ولكنهم لم يعثروا على شيء. شعر عين بحزن على ابنته وليس بيده أي حيلة لطمس حيرتها وتفكيرها حول حقيقتها وماضيها ومن ثم غادروا المكان عائدين إلى القلعة والأميرة أهداب تجر ذيول الخيبة.

    وفي المساء، دخلت الملكة على زوجها الملك إلى غرفتهم الخاصة والواسعة والتي كانت مفروشة بسجاد أحمر فخم ولها نافذتان كبيرتان بستائر حمراء وسرير كبير وفاخر جداً صمم خصيصاً لهما والشموع المعلقة بالسقف تنير المكان.

    سألت الملكة والتي كانت ترتدي ملابس نوم بيضاء وشعرها الأشقر ينسدل حتى أسفل ظهرها: [هل وجدتم شيئاً في الغابة؟]

    قال الملك والذي كان ينظر إلى النجوم من خلال النافذة وكان يرتدي ملابس نوم زرقاء: [كلا يا دمعة.. لم نجد شيئاً]

    تنهدت دمعة وقالت: [مسكينة هذه البنت...! لها رغبة جامحة في معرفة أهلها وأصلها]

    - [والمؤلم في الأمر أننا لا نملك أي شيء يساعدها على ذلك. ربما يكونون قد ماتوا]

    احتضنت دمعة ظهر الملك وقالت: [لا يمكنني تخيلها ترحل عنا بعيداً... إنها ابنتي يا عين]

    قال عين وعيونه في السماء: [نعم يا عزيزتي.. إنها جوهرتنا الغالية...]

    في تلك الأثناء، كانت أهداب مستلقية على السرير تحدق

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1