About this ebook
Read more from لوتس عبد الكريم
الجنة المفقودة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلوتس فى مقام الكشف: أبحاث ودراسات فى رحلة البحث عنها Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعاشوا معى Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقناع الأخير Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related to سيرتى وأسرارهم
Related ebooks
المجالس المحفوظية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأهم أسباب الليل: شهادات معلقة فى رقبة المؤلف Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنصيبى من باريس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsابن صفية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالرواية رحلة الزمان والمكان Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوجع الحالمين Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsاللعب غريزة منظمة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعلى سور الأزبكية..: كانت لنا أيام Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsخريف البلد الكبير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsخصام ونقد Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالبستان والراديو: وبعض الكتب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsنصيبي من الشرق Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعائشة تيمور Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsمي زيادة :: قطوف من التراجم الأدبية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأديب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsوجوه عظيمة: (قراءات فى الأدب العالمى) Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالسيرة الذاتية: في الأدب العربي الحديث في عمان والخليج Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsذكريات.. أيام حلوة وسنوات ضائعة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsجاسوس في الكعبة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكتابات محبة: محطات وإشارات في الشعر والقصة والرواية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالمختار Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالدموع الخرساء: قصص Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأعجبني هؤلاء Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsيا دنيا يا غرامي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsتحت ظل الكتابة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأعلام الفن القصصي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأزهار سبتمبر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsآفاق الذاكرة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالإسلام والمسلمون في الأدب العالمي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقوس... ولا نهاية Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Reviews for سيرتى وأسرارهم
0 ratings0 reviews
Book preview
سيرتى وأسرارهم - لوتس عبد الكريم
سيرتي وأسرارهم
د. لوتس عبد الكريم
المحتوى
إهداء ................................................................................. 9
قبل القراءة ........................................................................ 11
( 1 ) عرفتُ أحوالهم
- إحسان عبد القدوس الذي عرفتُه. ......................................... 19
•إحسان عبد القدوس مات في فراشه.. لكنهم قَتلُوه................ 26
- شهيد السلام يوسف السباعي. .............................................31
- لونٌ لا يتكرَّر اسمه يوسف إدريس. .....................................................39
- ميخائيل نعيمة في حضرة المسيح. ........................................45
- أحمد بهاء الدين واحد من أعلام القرن العشرين. ......................51
- لويس عوض: حثالة المجتمع هم السادة الجُدُد له. ......................57
• لويس عوض: المهم بقاء النظام
وتربية العجول.........................................................62
- فؤاد زكريا:الجماعات الإسلامية تفرض
على المرأة أشد أنواع العبودية. ............................................65
•فؤاد زكريا الفيلسوف حين يذهب إلى الموسيقى...................71
- في صومعة عاشق فاجنر، ثروت عكاشة. ..................................75
- في «رامتان» مع سوزان طه حُسَيْن وابنها مؤنس. ........................81
•مؤنس طه حُسَيْن، الغريب الذي مات منسيًّا. .......................85
- في حضرة فارس الدبلوماسية محمد حسن الزيات. ....................89
- بطرس غالي (الأديب) الذي لا يعرفه أحد. ..............................95
- مفيد شهاب.. عبقري من مصر. .........................................103
- ابن الباشا الذي صار فَنَّانًا للشعب.......................................109
-«زهرة الصَّبَّار» التي لم ينصفها الزمن..................................115
- الصحافة في حاجة إلى الشمس والهواء. ..............................121
(2) تحت شجرة الدين
- عبدالحليم محمود والذهاب إلى التصوف
بالذوق والتجربة الشخصية. ...............................................125
- مصطفى محمود اسم غير قابل للتمذهب...............................133 • وكان الموسيقار محمد عبدالوهاب
يبكي بين يدي مصطفى محمود........................................ 140
- عشت رمضان بين أيدي هؤلاء.............................................143
- السيدة نفيسة التي رفضت مصر خروجها،
حيَّة أو ميِّتة..................................................................147
(3) فُرشاة أرواحهم
- خلال رسمه لي، أحببت فن صبري راغب................................155
- صلاح طاهر موسيقار الألوان. ...........................................163
- فاروق حسني الوزارة فن والفن دولة......................................169
- حُسَيْن بيكار الأستاذ الذي انتظره
السِّجن بسبب البهائية.....................................................175
- محمود سعيد ولوحاته التي اختفت........................................181
(4) أوتار رُوحي التي عزفها هؤلاء
- محمد عبد الوهاب مرآةٌ لمصر والعرب..................................189
•عندما صاحت أم كلثوم:« جرى إيه يامحمد
أنت مش عاوزنا نرفع الستارة ولّا إيه؟...................................196
•عبد الوهاب الذي حوَّل الوسوسة إلى إتقان. ...........................196
•الموسيقار محمد عبدالوهاب لم يكن فقيرًا.........................200
•منزل الموسيقار عبد الوهاب ليس
أقل من منزل بيتهوڤن...................................................202
•مَنْ حَجَبَ تمثال الموسيقار
عبدالوهاب عن الظهور؟................................................203
•وضاعت مقبرة الموسيقار محمد عبدالوهاب.......................206
- أم كلثوم وآثارها التي ضاعت..............................................211
•عندما قالت أم كلثوم لرامي:
«أنا نادمة لأنني عرفتُ واحد زيَّك».......................................216
•أم كلثوم لأحمد شوقي: «هذا عيب»....................................221
- «حكاية حب !» عبدالحليم حافظ..........................................225
- بليغ حمدي عبقري الموسيقى الذي ظلمناه.............................233
- سيد مكاوي الكفيف الذي انتصرت موسيقاه بالابتسامة..............239
(5) أماكن في الروح
- إما الإخلاص أو الانتحار؟ .................................................247
- لماذا تقدَّمت دول الشرق الأقصى، بينما ساءت أحوالنا؟.............253
- باريس : الذكريات والمحنة................................................259
• باريس الشِّفاء من كُلِّ داء..............................................264
- جورج بوش يجهل أصول الإتيكيت.........................................269
- «كان» و«موناكو» و«مونت كارلو»............................................276
- لبنان جنَّة الزائرين.........................................................277
( 6 ) إسكندريتي
- كُنْتُ في المبنى الأحمر العتيق على شاطئ الإسكندرية..................285
- شموعٌ أضاءت طريقي.......................................................291
•أبكي على أطلال إسكندريتي..............................................296
( 7 ) فريدتي.. صافيناز ذو الفقار
- في ذكرى ملكة أحبها المصريون......................................303
•فريدة التي لم تبع أسرارها، رغم حاجتها إلى المال................309
• مع الأميرات بنات الملكة فريدة والملك فاروق......................315
( 8 ) أمين باشا عثمان خالي الذي اغتالوه
- هذا رجل خسرته مصر حقًّا............................................321
• خالي «أبو الهول» لم يَخُن ولم يبع..................................326
•خالي أمين باشا عثمان لم يكن خائنًا ولا عميلًا للإنجليز........330
- سيرة الدكتورة لوتس عبد الكريم......................................335
إهداء
سالم
وزياد
ابني الذي فقدتُ
وحفيدي الذي يحملُ الفَنّ في روحه
لوتس
قبل القراءة
لستُ غزيرةَ الإنتاج في الكتابةِ والنشر، على الرغم من غزارتي في كُتب الحياة، عبر الأسفار والمُشاهدات والترحال والتجوال والبحث والتعلُّم والسؤال للوصول إلى اليقين المستحيل، حتى صرتُ أنتمي إلى من يجوبون الآفاق، ويكشفون العوالم، ويرتادون الطرقَ الصعبةَ، حيث عشتُ سنواتٍ طويلةً في دول أوروبا وآسيا، وبشكلٍ أساسيٍّ في بريطانيا وفرنسا واليابان وإيطاليا، كأنني كنت وقتذاك أستعيرُ حيوات أقطاب التصوف والفلسفة، الذين درستُهم في قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية، علي يد أساتذتي الذين أعتدُّ وأعتزُّ بهم وبسيَرِهم الأكاديمية، وفي مقدمتهم هذه الأسماء الرائدة البارزة: أبو العلا عفيفي، ويوسف كرم، وعلي سامي النشار، ونجيب بلدي، وعبد الحميد صبرة، ومحمد ثابت الفندي، وبعد ذلك على يد الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق.
رغم إيماني بأن الكتابة تُقاس بنوعيتها وكيفها، ولا تُقاس بكمِّها، أي بما تحوي ليبقى ويستمر في نسغ السنين .
وإذا كانت كَمْ – كما تذكرُ معاجمُ اللغة - (اسم مبنيٌّ على السكُون يُكنَّى بها عن العدد الكثير في مقام الافتخار والتعظيم )، فأنا في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى الحرف، أكثر ممَّا أنا في حاجة إلى أن أفتخرَ بعدد كُتبي .
وليس الإكثار ميزةً أو فضلا، كما أن الإقلال ليس عيبًا أو نقيصةً في ذات الكاتب.
ولا يمكن أن أضعَ نفسي في فئة الكسالى من الكُتَّاب، فلستُ كسُولًا، ولكنَّ كتابةَ الحياة، والانشغال بالدبلوماسية، أخذا منِّي سنواتٍ مهمةً في حياتي .
لكنَّني – على أية حالٍ - لستُ نادمةً؛ لأنَّني عدتُ بجديةٍ إلى الكتابة، واستمررتُ دون انقطاعٍ، كما أنَّني استفدتُ الكثيرَ من أسفاري ودراساتي والحياة الدبلوماسية والوزارية بعد ذلك، الإفادة التي صقلتنِي، ومنحتنِي المحن والتجارب، وهو ما لم أكن سأجده في مجالاتٍ أخرى .
أعترف أنَّني قد عشتُ .
وأعترفُ أنَّني – أيضًا – قد انشغلتُ وحملتُ أعباء كثيرةً، كان ينبغي عليَّ التخلُّص منها مُبكرًا؛ كي أُبقِي على رُوحي شفيفةً ومتوقدةً وجاهزةً للفيْض؛ وكي يظل عقلي متوهجًا مفكِّرًا رائيًا مهجُوسًا، بما حلمتُ به منذ البواكير وهو الكتابة، حيث كتبتُ مئات الصفحات، وظللتُ أحملها من بلدٍ إلى آخر دون نشر؛ مما جعل إحسان عبد القدوس يصفُني بـ «الكاتبة التي لا تكتب «، ويراني يوسف السباعي عبر خطاباتٍ عائليةٍ وحياتية تبادلناها معًا، حيث كنت أعيش خارج مصر في لندن: (عندما أقرأ للوتس عبد الكريم، فأنا أمام كاتبة محترفة، أقصد محترفة الكتابة – لا محترفة المشاعر – ولديها أسلوب جميل راقٍ، وقدرة مدهشة وفائقة في التقاط التفاصيل، وتصوير المشهد المكاني كأنها رسَّامة، والتعبير الرقيق الدقيق عن روحها.. لقد ملأت قلبي إحساسًا بمشاعرها، فهي كاتبة مرهفة الحس، مترجمة لروحها الطليقة) .
وفي سكك الحياة، ضاعت منِّي كتاباتٌ كثيرةٌ، فقدتُها أو نسيتُها في مكانٍ ما، أو هي تركتني من فرط إهمالي لها بعدم النشر، وما ظل عندي دخل في سياق كتابي «رحلة البحث عني .. رواية حياة » .
وإن كُنتُ قد عشتُ حياتي - منذ طفولتي في الإسكندرية - أقرأ وأكتبُ دون نشرٍ في الصحافة أو الكُتب، ولم أبدأ النشر إلا في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، حيث أصدرتُ روايتين وضعتُ عليهما اسمًا مُستعارًا، وكنتُ أكتبُ وقتذاك صفحاتٍ في مجلة «صباح الخير» بالاسم ذاته، كأنني حينها كنتُ أخشى المواجهة مع نفسي، ومن بعد الحركة الأدبية والمجتمع عامة .
ومنذ عام 1986 ميلادية، بدأتُ النشر بشكلٍ منتظمٍ مع صدور مجلة «الشموع» الثقافية التي أسَّستُها، ورأستُ مجلس إدارتها، ورأس تحريرها الكاتب أحمد بهاء الدين .
ولا أعرفُ ما الذي جعلني أذهبُ نحو معرفة الآخر وكتابة سيرته؟
هل هو نزوعٌ شخصيٌّ نحو ارتيادِ المناطقِ المجهُولة في البشر، واستبطان دواخلهم وتحليلها وكشفها؟
هل لأنَّني كُنتُ مُولعةً بالتحليل النفسي منذ كُنتُ طالبةً بالجامعة؟
هل لأنَّني عرفتُ كثيرين في حياتي من الأسماء البارزة، وأردتُ أن أشركَ من يقرؤني في معرفة هؤلاء من قربٍ، وأغوص في المناطق المخفية من ذواتهم، هادفةً إلى المُكاشفة ومُساءلة النفس ومُحاسبتها، وبالتالي معرفتي أنا أيضًا ؟
هل كنتُ وما زلتُ مدينةً لهم في حياتي، وأؤدِّي هذا الديْن عبر قلمي بالكتابةِ عنهم، وعن أحوالهم التي شفتُ، وعرفتُ دون الذهاب إلى مراجع أومصادر إلا في النادر القليل؛ كي أوثِّق شيئًا؛ لأنني اكتفيتُ بما أعرفُ، وما أعرفُه لم يكُن متاحًا لغيري، بحُكم الصداقات الإنسانية بيني ومن أكتبُ عنهم، أو بالأحرى أكتب الوجه أو الجانب الآخر لهم، وأنا أراه الوجه الحقيقي الذي ينبغي أن ندركه دون مواربةٍ، ونعرفه من دون مُداراةٍ؟
هل أنني أكتبَ لأُطهِّرَ رُوحي، وأنقِّي نفسي مما علق بها من غُبار الحياة؛ وأنعتق من أي أسْرٍ يمكنُ أن يقيِّدني؛ كي أتحرَّرَ من المشاعر الضارة، وهذا يحقِّق المُتعةَ الجماليةَ لي قبل أن يُحقِّقها للقارئ، ويؤثِّر فيه، ويجعله مشدُودًا منفعلا، وهذا ما تعلمتُه من أرسطو، منذ كنتُ طالبةً في السنة الأولى الجامعية، حين كنتُ أدرسُ في قسم الفلسفة .
هل أمنح غيري تجاربي وخبراتي؛ ليعتبرَ ويتعظَ ويفيدَ مما عنيتُ وعاينتُ وعانيتُ؟
السيرةُ لي أو لغيري هي مسارُ حياةٍ، مُوجَزٌ، وثيقةٌ ناقصةٌ، لأننا لا نكتبُ كل شئ، ومن المؤكَّد أننا نصمتُ ونُضْمِر ونطمُر ونستُر ونحذَر وننكر ونُزوِّر، ونخفي ما لا نريد لأحدٍ أن يعرفه عنَّا، أو نزيِّن ونزيِّف ونزخرف ونجمِّل .
وبالنسبة لي، فإن ذلك ليس خَشْيةً من أحدٍ أضعه في الاعتبار، فقد ولدتُ وعشتُ حرَّةً مغامرةً مقدامة، وليس انصياعًا لأعرافٍ وتقاليد مجتمع، فقد عشتُ ودرستُ في لغتيْن هما الفرنسية والإنجليزية بجانب لغتي الأم العربية، وعشتُ خارج مكاني الأول كثيرًا؛ مما أكسبني حريةً أخرى إضافيةً، ملخصها هو أن أتبع رُوحي أنَّى شاءتْ، وحيثما ذهبتْ، ولكن لأن النفس بطبيعتها انتقائية وحاذفة، وتختار ما يوائمها في فترةٍ زمنيةٍ معينة .
كأنَّني – بطبيعتي - شغوفٌ بأدب الاعترافات والسيرة التي تحفل بالأسرار (رُبَّما منذ اعترافات چان چاك روسو، وأيام طه حسين، وسبعين ميخائيل نعيمة، وزهرة وسجن عمر توفيق الحكيم، وسواهم )، وهو أدبٌ نادرٌ في ثقافتنا العربية سواء بين النساء أو الرجال، بمعنى أن قائمة كتب أدب السيرة الذاتية في اللغة العربية ليست طويلةً، إذ – للأسف – ما زال الكثيرون يرون هذا الأدب «أدب فضح وبوْح» أو أدب غدر بالذات ومن حولها، خُصُوصًا الأهل والعائلة والوسط الثقافي والأدبي، ويكون في الأمر لدى المتلقي ارتيابٌ وشبهاتٌ، على الرغم من أن كُتب السيرة الذاتيّة للمشاهير هي الأكثر انتشارًا ومبيعًا في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأوروبا، خُصُوصًا أوروبا الغربية حيث عشتُ ودرَستُ وعملتُ .
أكتبُ ما هو حقيقيٌّ، وأكشفُ ما رأيته مجهولا لدى الناس، حيث كنتُ قريبةً ممن أكتبهم .
وحقيقة أنا أكتبهم لا أكتب عنهم، وقد اعتدتُ في حياتي ألا أكتب عن شخصٍ أو شيء لا أعرفه المعرفة، التي تكفي لإنشاء نصٍّ مكتملٍ ذي بنيانٍ متماسك .
وما أكتبُ هو سيرةٌ شخصيةٌ أو ترجمةٌ ذاتيّةٌ بضمير المتكلم، وليس لضمير الغائب مكانُ جلوسٍ في غرفِ هذا الكتاب .
إنها كتابةٌ تقع بين المذكّرات واليوميّات والرّسم الذّاتي وأدب الوقائع؛ بحيث تُشكِّل في النهاية صورةً كليةً أو شبه كليةٍ (فلا يوجد شيء مكتملٌ في الحياة) للجانب الذي أريد أن أكشفه سردًا، دون الالتزام بشكلٍ معين أو أسلوب مُحدَّد، ولكنني أترك نفسي تختار الشكلَ والأسلوبَ الذي يتفق مع تلك الشخصية أو تلك، في تداخلٍ بين أجناسٍ كثيرةٍ للكتابة .
أظنُّ أن ما كتبتُ يقع (بين السّيرة الذّاتيّة والمذكّرات، وبينها وبين السّيرة والرّواية الشّخصيّة، واليوميّات الخاصّة والرّسم الذّاتي أو المقالة، فضلًا عن علاقة السّيرة الذّاتيّة بالرّواية )، لاغيةً أيَّ حدودٍ، يمكن أن تفصلَ أو تقصم ظهر النص .
وميثاقي مع قارئي معيارُه الحقيقة والصدق إلى الدرجة القصوى لنار الكتابة، سلاحي ذاكرتي (واسم المساحة التي أكتبُ تحتها مقالاتي في جريدة المصري اليوم هي «من الذاكرة»، وأنا من أكثر البشر الذين يدركون أن « الذّاكرة مُعرَّضَة لآفة النّسيان» وهو « غِرْبالٌ لا يمرّ من ثقوبه إلاّ ما هو جوهريٌّ « على حدّ عبارة چوليان جرين (Julien Grean ).
كتابي «سيرتي وأسرارهم» - الذي بنيتُه من ماء نهر ذاتي، وشخصيتي المتمثّلة في ذكرياتي الخاصة - هل يمكن اعتبارُهُ بشكلٍ أو بآخر تتمةً لكتابي «رحلة البحث عني .. رواية حياة» وقد صدر في سبعمائة صفحة عن الدار المصرية اللبنانية التي تنشر كتابي هذا أيضًا، وأراه الكتاب الأبرز في حياتي، وأتصوَّر أنَّني كنت سأعاني نقصًا كبيرًا لو لم أكتب «رحلة البحث عنِّي ...» ؟
أتصوَّر أن الإجابة هي نعم؛ فالكتابان يُشكِّلان جُزءًا من سيرتي، لأننا مهما كتبنا، لا يمكنُ أن نصل إلى النقطةِ الأخيرة من البئر .
في كتابتي هذه مقاومة للوحدة، وانتصار شخصي لي على النسيان، ومنح ذاكرتي درجات نهائية في التحدِّي والتفكير؛ حيث أروي سيرةً أو جُزءًا من سيرة حياةٍ فرديَّة، وتاريخًا أو جزءًا من تاريخ شخصيَّاتٍ معينة، كنتُ قريبةً منها إلى حدٍّ بعيدٍ.
وهي كتابة تعرض لتجارب ونماذج بشرية، لم تنشغل بماضٍ فقط، ولكنَّها تقدِّم وثيقةً لاستشراف الآتي؛ عبر سعيها إلى الغَرْفِ مما هو تاريخيٌّ، والكشف عن الجوهري في جواهر هؤلاء، الذين توزَّعُوا عبر الأدب والفكر والصَّحافة والفلسفة والسياسة والتاريخ والمسرح والدين والموسيقى والغناء والشِّعر والنقد.
كما أنها كتابةٌ ينتمي جزءٌ منها إلى أدب السيرة الذاتية، وكذا أدب الرحلة، فقد عشتُ حياتي أجوبُ الآفاق، وأرحلُ من بلدٍ إلى بلدٍ ثانٍ، وقد استمر هذا الأمر أكثر من ثلاثة عقودٍ، أرتادُ فيها الأمكنة، كأنَّني رحَّالةٌ أو جغرافيةٌ أو مُستكشفة من الزمن العربي في العصُور الوسطى، إذ كنتُ أشعرُ - ومازلتُ - أنني حفيدةٌ لابن فضلان، وابن بطوطة، والإدريسي، وابن جُبير، وابن ماجد، والمسعُودي، وسواهم، الذين كشفُوا للعالم ما لم يكُن يعرف، فقدموا لنا معتقداتٍ وتقاليد وأعراف البشر الذين عرفوهم في الرحلات، التي جاءت مزجًا بين الأدب والأنثروبولوجيا والجُغرافية .
ولعل دراستي المبكِّرة لعلم الإنسان، على يد أحمد أبو زيد، في قسم الفلسفة بجامعة الإسكندرية - وقت أن كانت الأنثروبولوجيا مُجرَّد علمٍ في قسمنا، وليست قسمًا منفصلا بعد ذلك، كما حدث مع علم النفس - هي ما شجَّعتني على معرفة طبائع الشعوب، فما أدب الرحلة إلا أحد المصادر المهمة، التي عرفتُ من خلاله ما هو جغرافيٌّ وتاريخيٌّ واجتماعيٌّ وثقافيٌّ بالطبع، عبر المشاهدات والتجارب التي عشتُها وحدي أو سواء مع آخرين، عندما كنت أدرس في بريطانيا وفرنسا
د. لوتس عبد الكريم
المعادي 11 من ديسمبر 2017 م
ُ
عرفت أحوالهم
كنتُ في زمنٍ مضى أمتلك ڤيلا بشاطئ بيانكي في العجمي، وكانت منطقة رائعة الجمال، لا تقل أرستقراطية ونظامًا وسِحْرًا وأناقةً عن سواحل الريڤيرا الفرنسية، فكانت الڤيلات محدودة متناثرة، والرمال ناعمة نظيفة تغوص فيها الأقدام، والجميلات يرتدين البيكيني، ويعرضن آخر ابتكارات دور الأزياء، وكان كازينو راقص فوق المياه تسهر فيه فاتن حمامة، التي كانت تمتلك أيضًا ڤيلا في المكان نفسه، وكان قديمًا يُسمَّى «لُقمة»، يقدِّم به المُصوِّر الفوتوغرافي شريف ذو الفقار (شقيق الملكة فريدة) أطباق المزَّة ! .
كنتُ حديثة عهد في صداقتي بأسرة الكاتب إحسان عبد القدوس، وكانت زوجته تستأجر ڤيلا كل مصيف في بيانكي، ووجَّها الدعوة لي لأزورهما، فسِرتُ بين الكبائن والڤيلات أبحث، وصوت لولا يتردد: (ڤيلا الدكتور الشيتي، اسألي عن الخفير سيد)، ووصلت، وكان إحسان يغسل قدميه تحت صنبور مياه في مدخل الحديقة، مرتديًا قميصًا تركواز، وشورت قصيرًا، وصاح ضاحكًا يُرحِّب بي، ثم أخذني وسار بي نحو الفراندة المحاطة بالأشجار، ورأيت زُوَّاره للمرة الأولى: أمينة السعيد وأحمد بهاء الدين وزوجته ديزي، وآخرين يضحكون ويتسامرون، وأصواتهم تعلو على أصوات الأمواج القريبة من الأشجار؛ وفي اليوم التالي وفي المكان نفسه، كان محمد حسنين هيكل والدكتور مصطفى خليل والدكتور مراد غالب والمحامي الدكتور زكي هاشم وزوجاتهم، وهؤلاء مجتمع إحسان الذي كنت ألتقي بهم - فيما بعد – كل عام ليلة رأس السنة، وهي ليلة ميلاده، التي يحتفل بها، ويدعوننا جميعًا، ولا أذكر أنني تخلَّفت عامًا عن حضورها منذ عرفته .
جلسنا فوق رمال الشاطىء، وكنت في شوقٍ إلى رؤية غروب الشمس بين الأمواج، وكانت الجلسة شاعرية، والشاطىء خال تقريبًا من الناس، وكنت في إحدى اللحظات التي أهفو فيها إلى الانطلاق بأحاسيسي، وراء متعة الجمال وتذوُّق الجمال، وإذا بإحسان يصيح: (لولا ياللا بينا ننزل البحر)، وتتجه لولا بهدوء وابتسامة راضية لتعانق الأمواج، وبعد خمس دقائق بالضبط يصيح (ياللا بينا نرجع)، ودون أي اعتراض تعود معه لولا، وقد ابتلَّ شعرها، بل لم يكد يبتل، وبالابتسامة نفسها الراضية عادت إلى الشاطىء دون تعليقٍ سوى «دقائق لكن الواحد برضه استمتع»، وأشتاط غيظًا «حقا يا لولا حققت الاستمتاع في هذه المدة القصيرة»، وتعقِّب: «مش لازم نعمل مشكلة».
هكذا كانت، وهكذا كان عقلها وهدؤوها، لقد حوَّلت لحظة الضيق إلى متعة، وهكذا كانت نزوات إحسان وحِدَّته .
حلَّ المساء، وغمر الفراندة ضوء شاحب، يزيد من حلكة ظلال الأشجار وكثافة إحاطتها بالمكان، كأنها حُرَّاس الليل، تقف بالمرصاد لكل ما يحدث وتراقب الجميع، تبصر وتسمع وتشارك، وتحيط علمًا بكل ما هنالك، وبدأت بعض الزائرات في القدوم، يرتدين زي الموضة، كالجلابيب البلدي والمايوهات أو البيكيني، فكل واحدة تدخل كأنها (بالعة راديو)، لا يتوقف لسانها لحظة واحدة، عن الكلام، بل لاحظت أنهن جميعًا يتكلمن في وقتٍ واحد ولا تستمع إحداهن إلى الأخرى، والحديث يدور في تفاهات لا تنتهي (فلان تزوَّج على زوجته، وآخر طلَّق زوجته، وفلانة وقعت في الحب ... إلى آخره) .
وإحسان يجلس في ركنٍ بعيد من الفراندة، يدير وجهه نحو الأشجار، يُحدِّق في الظلام، وينصرف في شرود يدخِّن السيجار بشراهة، وأقترب منه متسائلة: «لماذا لا تجالسهن ؟»، فيجيب في شراسة: «دول جايين يتفرجوا على أبو الهول، بيحبوا شهرتي، واسمي، مش بيحبوني، ولا أجد فيهن تسلية، فمن يحبني، هو من يعرف حقيقتي، ويقبل غرابة أطواري، ويفهم طباعي وشخصيتي، ويقبل عيوبي ويحبها».
وتأتي لولا هاشَّة باشَّة تقول: «والنبي عاوزة أسليه، وهو دايما مبوِّز، ومش عاجبه حاجة»، ويشرد إحسان: «أريد تجربة مثيرة، حدثًا سياسيًّا ضخمًا يزلزل كياني، أو تجربة مجنونة أعيش أحداثها وأسجِّلها بقلمي».
وفي اليوم التالي تحت المظلة، والشمس في أوج تألُّقها، والبلاج مزدحم بالحسناوات، يستلقي إحسان عبد القدوس قائلًا لي: «إنني أستمتع برؤية هؤلاء المارة: انظري دول اتنين مبطَّلوش كلام من ساعة ما جينا، عندهم مشكلة، ودي واحدة راحت وجت كذا مرة بتدوَّر على حاجة، ودا راجل ماشي محني شايل هموم الدنيا على راسه، دي كلها قصص لازم أكتبها، فأنا أستمد قصصي من هؤلاء».
ويقفز فجأة إحسان، ويختفي بين زحام الأجساد، لقد ضاق بحصاري، بوجودي، بحديثي، وهو يحاول الانفراد - ربما - بفكرة جديدة، ليناقشها بعيدًا على سجيته، إنه يعيش الآخرين في قصصه ورواياته وتأملاته .
وأمكث وحدي تحت المظلة، أفكر في شخصية الفنان الغريب في أطواره وتصرُّفاته، وجاءت لولا تبحث عنه، والتفتتْ إليَّ قائلةً: «الله هو إحسان مش هنا؟» أجبتها: «لأ ده قام من ساعة»، وتضحك قائلة - وكأنها تفهم أطواره -: «يا للا بينا ندوَّر عليه».
التقيتُ إحسان فور مجيئي إلى مصر من روما، حيث كان زوجي سفيرًا لدولة الكويت هناك، وكان العمل الدبلوماسي المُترف المتناهي الرفاهية والتحضُّر، ثم كانت صدمتي في المجتمع المصري، الذي غبت عنه أعوامًا طويلة، فأصبت بلون من الاكتئاب والتخبُّط والحيرة وعدم الاستقرار، فكان إحسان لي هو الطبيب والمُعلِّم والناصح والصديق، ولم تكن تعجبه أفكاري، ولا أسلوب حياتي، وكان يسخر منِّي ويحنق، ويتشاجر إن لم أنفِّذ طلبه كأنني أخته أو ابنته أو أحد أفراد أسرته، وكانت لولا كثيرًا ما تأتي لتفضَّ الشجار بيننا .
وقد أفادني كثيرًا بخبرته العميقة في الحياة، وبدأت صداقتنا حين كان يدفعني إلى الحديث، والاعتراف الكامل دفعًا رغم أن العنف يلازمه، وهو صريح لا يجامل، وعلى الشخص الذي يريد صداقته أن يحتمله، لكنه يستمتع بلذة الإنصات والتأمُّل والتحليل والاستماع دون تذمُّر، إنه يعيش الآخرين ثم يكتب .
لاحظت التناقض في شخصيته منذ الوهلة الأولى، فإلى جوار الحدَّة والعنف، كان الخجل والحياء كأنه طفل، وهو يتحدث عن هذا التناقض فيقول: «إنني نصفان، نصف خيالي وفني ورثته عن أبي محمد عبد القدوس، ونصف واقعي يعيش الحياة ورثته عن أمي فاطمة اليوسف، والحب هو الذي أعانني على التوفيق بين المتناقضات».
لقد عاش السياسة والصحافة والكتابة بالحب، وكان يقول: «إنني أكتب القصة وأنا أعيش السياسة، وأكتب السياسة وأنا أعيش القصة، والكاتب كالطبيب، مهمته معالجة المجتمع وتصويره من جميع الجهات»، ثم يقول: «لقد جلبتْ لي هذه القصص من المتاعب قدر ما جلبته لي كتاباتي في الموضوعات السياسية والوطنية، وأثارت حولي من الجدل والتهم قدر ما أثارته قضية الأسلحة الفاسدة، وكان يمكنني تجنُّب كل هذا، لو أنني رفعت من كل قصة بضعة سطور، ولكنني رفضت أن ينـزع سطــر واحـد برضـاي، وأنني أستطيـع أن أدَّعـي الوقـار، وأستطيـع أن أضغـط على قلمي؛ حتـى لا يكتب إلا في حدود نطاق مرسوم، ولكنني لا أريد؛ لأنني أقوى من الادَّعاء وأقوى من الكذب، وأقوى من أن أخجل من فني».
وإحسان في نظري يُعدُّ أبرز كاتب للقصة النفسية، وعظمة إحسان ترجع إلى مقالاته السياسية التي تمتاز بالجرأة، ورغم صلته الوثيقة برجال ثورة يوليو، فلم يتردد في أن يصارحهم برأيه، عندما لاحظ أن نظام الحكم يسير نحو الديكتاتورية، وطلب من جمال عبد الناصر الاستقالة، فتعرَّض للسجن، ثم محاولة الاغتيال .
وكان إحسان - الذي كانت حياته كفاحًا وتضحيات جِسامًا - ضمن كثيرين، ممن عرفت في فترة من فترات حياتي الخصبة، من مشاهير مصر في السياسة والأدب والصحافة والفن، فهؤلاء الذين رفعوا راية مصر، وأخلصوا في عطائهم، وتعلمتُ منهم الكثير.
