Explore 1.5M+ audiobooks & ebooks free for days

From $11.99/month after trial. Cancel anytime.

حكايات نجيع
حكايات نجيع
حكايات نجيع
Ebook260 pages2 hours

حكايات نجيع

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

آلاف العائلات المنكوبة من الجهتين، كلٌّ يسمي فقيده شهيداً. وإنانا فهمت بعد تشظي أخوتها أن الحياة كما اعتادتها انتهت إلى بحر من الألم الذي غدا هوية هذا الشعب.
محاطة بكل هذا الموت، تلتقي إنانا بسرجون الذي يحكي لها الموت ويروي قصة غامضة من عصر سابق عن جده، فتملؤها أسئلة.
متكئاً على حكايات التقمص الشعبية، يروي ربيع مرشد قصة التشظي السوري..
Languageالعربية
PublisherMamdouh Adwan
Release dateJun 5, 2024
ISBN9789933540494
حكايات نجيع

Related to حكايات نجيع

Related ebooks

Related categories

Reviews for حكايات نجيع

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    حكايات نجيع - ربيع مرشد

    الغلاف

    حكايات نجيع

    رواية

    ربيع فريد مرشد

    Y1043000000067-1.xhtml

    حكايات نجيع - رواية

    تأليف: ربيع فريد مرشد

    تصميم الغلاف: مَناف عزام

    978 - 9933 - 540 - 49 - 4 :ISBN

    الطبعة الأولى: 2018

    دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع

    سوريا - دمشق - ص ب: /9838/

    هاتف-فاكس: /6133856/ 11 00963

    جوال: 00971557195187

    البريد الإلكتروني: addar@mamdouhadwan.net

    الموقع الإلكتروني: addar.mamdouhadwan.net

    fb.com/Adwan.Publishing.House twitter.com/AdwanPH

    جميع الحقوق محفوظة للناشر دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع. لا يجوز نشر أي جزء من هذا الكتاب، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله، على أي نحو أو بأية طريقة دون موافقة الناشر الخطية.

    إن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع غير مسؤولة عن آراء المؤلف وأفكاره. وتعبر وجهات النظر الواردة في هذا الكتاب عن آراء المؤلف وليس بالضرورة عن رأي الدار.

    إهداء

    فريد وأقبال... والديَّ، جناحيّ اللامرئيين.

    إنانا، مينا... ابنتيِّ المنذورتين للجمال.

    جدّي: أبو مرهج سالم مرشد... وللرجولة حكاية.

    (جميع شخصيات المستشفى في العمل الروائي من أطباء وممرضين، هم شخوص وهمية وليست حقيقية أو مقتبسة من الواقع).

    التشظ ّ ي بحجر القدر ...

    تلك هي الحكاية برم ّ تها.

    1

    حتى ذلك الوقت الذي دخل فيه المكان الغاص كقرية نمل، والمتخم برائحة المعقّمات الواخزة، المستبِدّة بالهواء، المُلزِمة بالاختناق والدوار، كان لا يزال ماشياً على قدميه. لم يكن يعاني إلا من بعض الخدوش والرضوض غير المُهمّة، بالإضافة إلى أذنه التي كانت تنزُّ دماً، وتطنّ طنيناً مزعجاً، وعدا عن ذلك فقد كانت استجابته جيدة.

    إثر سقوط عجلتها اليمنى بقوّة في حفرة كانت قد أهملتها بلديّة مدينته، كُسر (قضيب الروظ)، ذلك الاختراع الواصل ما بين عجلتي السيّارة الأماميتين، انحرفت ثم انقلبت عدّة مرات. خرج رفيقاه من البلّور الأمامي بطريقة عصيّة على الفهم، أما هو فقد بقي يتقبّل قدره المحتوم بلا حول ولا قوّة، كقطعة قماش في غسالة. نزل سقف السيارة بعنف شرس فوق رأسه لكن من دون دماء.

    كان شاباً في بدايات عقده الثالث، وسيماً إلى حد مقبول، أنفه طويل نسبياً، مروّس ومتناسق مع وجهه البيضوي، له عينان خضراوان مشقوقتان بأفقية توحي بالذبول، جسد مائل للنحالة، متناسق بكتفين معتدلين مستقيمين، متوسط الطول، ذو شعر خرنوبي نصف أجعد يصل إلى كتفيه، وذقن رومانية في وسطها غمّازة، ووحمة كبيرة نسبياً نائمة تحت صدغه الأيسر، كان يرفض أي عمل تجميلي يزيل تلك الوحمة، لتغدو قريبة من لون الجلد، فقد كان يراها بأنها تميزه وتهبه تفرداً خارجياً غريباً.

    فتّش عن الطبيب المقيم، كان المستشفى الوطني ككل دوائر دولته المترهّلة: «علبة حليب لابني الرضيع أهم من كل مبادئ الاستقامة التي تحكي بها»، ثم طلب الشرطي من صديقه خالد، وبطريقة تلقائية، مئتي ليرة كرشوة، مقابل وضع الحادثة في خانة «القضاء والقدر»، وإكمال اجراءات شركة التأمين لأجل السيّارة المُحطّمة.

    وأخيراً وجده في إحدى غرف المستشفى مع مجموعة من الممرضات.

    «في ممر قسم العناية المركزة شابان في وضع حرج، أرجو مساعدتهما»، قال ملهوفاً.

    نظر الطبيب نحوه بتأفف: «سآتي، انتظروني هناك»، قال مراقباً خط الدماء الزهري النازل من أذنه المغبرّة، والصانع درباً أسود في جيده المتّسخ.

    في طريق عودته إلى رفاقه، بدأ يشعر بشيء غريب داخل رأسه، صوت يشبه أزيز الكهرباء، لم يكترث كثيراً، اعتبره أمراً طبيعياً ناتجاً عن انقلاب السيارة.

    وجدهما يتأوهان متألّمَين، انتابه الخوف: «الطبيب قادم».

    لم يكن مستبشراً بالوقت المُغفل عن عطش الاهتمام. وأخيراً جاء الطبيب لابساً مريوله الأبيض المكوي بعناية، تحته قميص زهري مخطط بالأبيض أيضاً، ليجدهما في حال يرثى لها. أراد أن يخبره عن رفيقيه، لكن ما إن وقف حتى تقصفت ركبتاه تحته، وافترش الأرض مغميّاً عليه.

    * * *

    وأخيراً انتهيت من تلك القضايا، مادّة من مواد سنتي الأخيرة. كانت إحدى المقررات الخمسة المتبقيّة معي في الجامعة، غامرت بدخولي خدمة العَلَم، قبل تخرّجي من قسم التاريخ الذي تأخرت فيه ثمانية أعوام بدلاً من أربعة. حذّروني كثيراً من تلك الخطوة غير مضمونة العواقب، وقاموا بتجسيد الأمثلة أمامي: «فوّاز تعرفه...»، «نعم»، «خسر جامعته بعد ذهابه للخدمة العسكرية...»، «حسّان الأسمر، أتعرف حسان؟». «أتذكّرَه...». «كان معه من المواد أقل مما لديك، واحدة أو اثنتين... أنهى العسكرية من دون أن يتخرج، واستنفد السنوات المسموحة له في كلية العلوم، وها هو يبيع الخضروات في سوق الحِسبة». فلان... نعم... علّان... صحيح. في اليوم التالي حلقت شعري بشكل كامل، وحملت حقيبتي، وتوجّهت نحو الكراج لأستقل «باص السكانيا»، وأذهب إلى دمشق في المكان المخصص «مركز تجمُّع الأغرار».

    كنتُ بأمسّ الحاجة إلى النجاح في تلك المادة حتى أستطيع التقدّم إلى فرصة التكميلية في الجامعة، واختزال عدّة شهور باجتيازي تلك المرحلة المفصلية، والبدء في مشواري العملي بعد تخلصي من البذلة الخضراء، والحذاء الأسود طويل الساق... والثقيل.

    أنهيت الامتحان متفائلاً. كانت مادة توحي باللذة، تتحدث عن القضايا المُعاصرة التي حوّلت مسار العالم والتاريخ، شائقة في دراستها، خطيرة في تأسيسها لمستقبل البشريّة الضبابي.

    توجهت بعد انتهائي من الامتحان الثقيل نحو كشك في كلية الآداب، اشتريت علبة سجائر حمراء طويلة، وعلبة كوكا كولا معدنيّة. مقعد خشبي فارغ كان في انتظاري، يستظلّ بظلِّ شجرة زينة خضراءَ عاقر، كامرأةٍ فاتنةِ الوجه، مكسورة القلب لرحمها الميت. الجو خانق، إلا من بعض النسمات الهاربة من سجن حر دمشق الموحي باللّهاث. فتحت علبة الكولا، برودتها عانقت أصابعي، شعرت برعشة مضادة لقميصي الأزرق الذي غدا كحلياً بعد غَرَقِهِ بالعرق. أخذت جرعة كبيرة وتجشأت بعمق، خرج من صدري صوتٌ كمحرّك درّاجة نارية، الحمد لله، ليس في جواري أحد. أشعلت السيجارة الطويلة وأخذت منها شهيقاً عميقاً، زفرت، أخرجت مع دخانه الأبيض تعب أيام من السهر والدراسة.

    كنت سارحاً بعمق، أفكر في رواية «دوار الحريّة» للكاتب الحمصي «مالك داغستاني»، رأيت الكتاب في بيت عمّتي نجوى، أذهلتني الحالة التي كُتب فيها الكتاب. كان مالك سجيناً سياسياً، استطاع رفاقه في النضال السياسي، وبرشاوى معقولة للسجّان، تهريب علبتين من «نسلات» قلم الرصاص، وعدّة دفاتر صغيرة من ورق (الشام) الرقيق، لأجل لف التبغ الحموي المطحون. كتب عمله متخفّياً ومرعوباً، لينشره بعد خروجه من مُعتقل تعايش معه ثماني سنوات ونيّفاً. لم يتسنَّ لي إلّا قراءة شذرات بسيطة: «يا أمُّ إنّي أبدل ثوب المكان كي أشيّد قصيدة، وأبدل ثوب القصيدة كي تغدو صالحة للبقاء، في هذا الهواء المتقرّح... يا أم هذا ليس شيئاً باهظاً كما يمكن أن تساوركِ الحدائق، هو إشهارٌ للذاكرة أمام الشمس، خوفاً من رطوبة الوقت، ورداءة رائحة الجمجمة الركيكة»، ما حفظته كان كافياً للذوبان في كأس الكلمات المُر.

    كنت في خضمّ توهاني حين جلستا بجانبي، في المقعد القريب جداً، فتاتان تأكلان «الشيبس»، لم ألتفت إليهما لأرى ما مقدار جمالهما، عدت إلى الكتاب نفسه مقرّراً الرجوع لبيت عمّتي، محاولاً أخذه معي إلى مكان خدمتي في حال قَبِلت، أو سرقته بعد رفضها، مع نيّة إعادته وإخفائه في مكان ما من شقتها الصغيرة، لتجده فيما بعد... مصادفةً.

    تسلّلت لأذني من إحدى الصبيّتين جملة حبَسَت ما في الجو مما تبقى من نسيم عابر: «أنا لا أخشى الموت»، ثم أردفت، وبطريقة تنظيريّة على رفيقتها، أنها، وبكونها لا تخاف الموت، تتوقع عمراً مديداً قد يصل إلى ألف عام. لم تكن جملة «الألف عام» ملحوقة بضحكة مُزاح كما كنت أتوقع، كانت تتكلم بكل جديّة ورزانة.

    لم أستطع مقاومة حشريتي، التفتُّ نحوهما متسائلاً بنظرة مستغربة: «من منكما لا تخاف الموت؟».

    تطلَّعت إحدى الفتاتين نحوي ممتعضة من هذا التدخل الفجّ، لكنها ما أن رأتني حتى زاغ بصرها، شعرْتُ بأن سيغمى عليها. لم أكن أعرف سرّ ما حدث، طبعاً لم يكن عشقاً روائياً، ولا فيلماً سينمائياً جولييتياً، شيئاً غريباً غامضاً جلب لتفكيرها صوراً شتّى. أرجعْت الأمر لأخ بعيد له تواتر نظراتي، أو لحبيب فارَقْته يشبهني، شعرْتُ بشهقتها الداخلية تخنقها، وبقلبها الذي بدأ يستغيث كعصفور سجين في قفص صدرها.

    حاولَتْ أن تبقى متماسكة أمامي، ثم قالت: «أنا... أنا... أعني أنا من لا تخشى الموت».

    جمالها الغجري ملفتٌ، فجُّ وصريح لدرجة لا يسمح لك بالتجاهل مهما تمرّدتُ على الفجر، عينان زرقاوان بصفاء سماوي، ومشقوقتان بأهداب طويلة كثّة. وجه رائق حنطي مائل للسمرة بصفاء الكأس، أنف متناسق وفم صغير مكتنز، وشعر ناعم مسترسل، فاحش السواد بأصالة غير مصبوغة.

    - لكن هل تعلمين ما سيحدث معكِ بعد الموت؟

    مطّت شفتيها بارتباك، ورفعت كتفيها قليلاً.

    - إن أكثر ما يخيفنا في هذه الحياة هو الغموض... هل تعرفين الضبع؟

    شعرتُ بتسرّعي لهذا السؤال، فربما هي ابنة مدينة؛ ما أدراها بالضبع، وماذا سيعنيها منه؟

    - لم أره شخصياً، لكنني رأيت برنامجاً عنه في قناة الجزيرة الوثائقية.

    - طيّب... سنبقى مرعوبين من الضبع حتى نراه، فيقل خوفنا إلى النصف، والنصف الآخر قد يتلاشى، حين نعرف لَكَم هو جبان هذا المخلوق، صاحب الفكّ القوي.

    ثم أكملتُ:

    - إن المعرفة أساس الثقة، والغموض عرّاب الخوف، فكيف الحال... ونحن نتحدث عن ضباب كامل يلفّ شيئاً رهيباً مثل الموت؟ حدّان لسلاح واحد، الارتياح والقلق.

    كنت أتحدث بطريقة تنظيرية نوعاً ما، لكنني كنت أيضاً أعمل على منحها شعوراً بثقافتي الجيدة، المستترة تحت وجهي المحروق من دورة عسكريتي القاسية.

    نزعتُ عن رأسي قبّعة كنت أرتديها، لأجفف قطرات العرق المزعجة. نظرَتْ نحوي، فرأَت فروة رأسي البيضاء الخالية من الشعر، إثر عقوبة استحققتها حين قبضوا عليَّ متلبّساً في إحدى زوايا بيت الخلاء، ذي الرائحة النتنة، أقرأ لأجل امتحاني القريب. التفتُّ باحثاً عن سلّة قمامة، فرأت وحمتي الغافية تحت صدغي الأيسر، وشهقت مرة أخرى. من الطبيعي أن يمتلك أي إنسان وحمة. بدأت أشعر أن ثمة شيئاً غامضاً وراء شهقاتها المستغربة تلك.

    أنا أحكي، وهي مصغية بكامل مسامها، لدرجة أنها لم تنتبه إلى صديقتها التي وقفت بشيء من الامتعاض.

    - عليّ الذهاب... نلتقي لاحقاً.

    أشارت بيدها تودعني، ومن دون أن تتطلع نحوها وقفتْ وجلَسَتْ بجانبي: «هذا صحيح، كنت أكذب، أنا يرعبني الموت، أرتعد منه، أعشق حياتي. لكنني لم أسألك... ألا تخاف أنت منه؟». كانت مسمّرةً سطوة عينيها اتجاه عيني.

    «أبداً». قلت بلا مبالاة.

    - آها... أنت الآن من يكذب.

    ردّت بحماس انفعالي أرجع جذعها قليلاً إلى الخلف، ثم تراجعت عن جملتها، شعرَت بأنها أخطأت بحق شخص تعرفت إليه منذ دقائق.

    - أنا لا أقصد الكذب بمعناه الفج، لكنّك يعني...

    ضحكْتُ، وحرَّكْتُ يدي أمام وجهي بأن «لا تكترثي»، ثم دعوتها لشرب فنجان قهوة، لأخبرها بواحدة من أسس البناء الفكري لمجموعة بشريّة صغيرة، شاءت الأقدار أن أكون أنا فرداً منها.

    * * *

    لم يكن المكان المحبب لي ولصديقتي، كان مقعداً لا يمنح الخصوصية، ملتصقاً بمقعد آخر يشكلان سوياً الحرف (دال). وفي الوقت نفسه رأينا شاباً جالساً على أحد المقعدين، لكنه كان الوحيد الفارغ في كلية الآداب المزدحمة في مثل هذا الوقت من السنة، أيام الامتحانات.

    تلك هي سنتي الأولى من فرع الأدب الإنجليزي الذي دخلته عن قناعة، وشجعني عليه أبي.

    بعد جلوسنا، أكملت حديثي الكاذب عن الموت، الموضوع الذي أثارته صديقتي أمامي، عن منام تكرر أكثر من مرّة في غفوتها، عندما كانت ترى ملاكاً أبيضَ آتياً إليها لخطف روحها.

    لم أكن أعلم بأن الشاب الجالس بجوارنا، والذي دخل على حديثنا بطريقة شعرت بأنها اختراق غير مبرر في حينها، بأنه سيغير نمط حياتي مستقبلاً.

    * * *

    أنهى عدنان حُمصيّة دراسته كمهندس بتروكيمياء من برلين، في جزئها الرازح تحت سيطرة الاشتراكية في ألمانيا الشرقية. إذ بعد حصوله على علامات ممتازة في البكالوريا العلمي، تؤهله لدراسة فرع كالصيدلة مثلاً، علِم أن هناك بِعَثاً دراسيّة إلى

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1