Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
Ebook760 pages5 hours

عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

مخطوط عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان كتاب في التاريخ العام ، من أضخم كُتب التاريخ ، تقع مخطوطته في تسعة وستين مجلداً، من بدء الخليقة حتى عام 850هـ ، وقد وصلنا كاملاً في نسخة ملفقة، محفوظة في مكتبة ولي الدين باستنبول، وهي ملفقة من ثلاث نسخ ، منها أجزاء من نسخة بخط المؤلف ، وأجزاء من نسخة كتبت سنة 891هـ وأخرى من نسخة كتبت ما بين (893 و898هـ). وقد حالت ضخامة الكتاب بينه وبين التصدي لتحقيقه ونشره، فبقي مخطوطاً سوى القسم المتعلق بعصر المماليك من سنة 648هـ حتى 707هـ والذي تم تحقيقه ونشره بواسطة دار الكتب والوثائق القومية ، وهذا يعني أن القسم الأهم من الكتاب لا يزال مخطوطاً، وهو القسم الذي سماه " تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر " ويشمل بقية حوادث عصر سلاطين المماليك حتى عام 850 هـ
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMay 4, 1902
ISBN9786462184502
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Related to عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Related ebooks

Reviews for عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان - حيدر الحلي

    الغلاف

    عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

    الجزء 1

    حيدر الحلي

    855

    مخطوط عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان كتاب في التاريخ العام ، من أضخم كُتب التاريخ ، تقع مخطوطته في تسعة وستين مجلداً، من بدء الخليقة حتى عام 850هـ ، وقد وصلنا كاملاً في نسخة ملفقة، محفوظة في مكتبة ولي الدين باستنبول، وهي ملفقة من ثلاث نسخ ، منها أجزاء من نسخة بخط المؤلف ، وأجزاء من نسخة كتبت سنة 891هـ وأخرى من نسخة كتبت ما بين (893 و898هـ). وقد حالت ضخامة الكتاب بينه وبين التصدي لتحقيقه ونشره، فبقي مخطوطاً سوى القسم المتعلق بعصر المماليك من سنة 648هـ حتى 707هـ والذي تم تحقيقه ونشره بواسطة دار الكتب والوثائق القومية ، وهذا يعني أن القسم الأهم من الكتاب لا يزال مخطوطاً، وهو القسم الذي سماه تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر ويشمل بقية حوادث عصر سلاطين المماليك حتى عام 850 هـ

    السنة الثامنة والأربعين بعد الستمائة

    استهلت هذه السنة ، والخليفة هو : المستعصم بالله .وسلطان الديار المصرية : الملك المعظم تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين ، ولكنه ما أقام في السلطنة إلا يسيرا ، وقتل على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى .وبقية أصحاب البلاد وملوك الأطراف على حالهم ، غير صاحب اليمن ، فإنه قتل أيضاً في هذه السنة على ما نذكره إن شاء الله .

    ذكر كسر الفرنج وأخذ ريد افرنس أسيرا

    قد ذكرنا في السنة الماضية من القتال مع الفرنج، وكانوا قد ضعفوا لأجل انقطاع المدد والميرة عنهم من دمياط، فإن المسلمين قطعوا الطريق الواصل إليهم من دمياط، فلم يبق لهم صبر على المقام، فرحلوا ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرم من هذه السنة متوجهين إلى دمياط، وركبت المسلمون أكتفاهم، ولما أسفر صباح يوم الأربعاء خالطهم المسلمون، وبذلوا فيهم السيف، ولم يسلم منهم إلا قليل، وبلغت عدة الموتى من الفرنج ثلاثين ألفا، وإنحاز ريد افرنس ومن معه من الملوك والأمراء إلى تل هناك .قال المؤيد: إلى بلد هناك، فطلبوا الأمان، فآمنهم الطواشى محسن الصالحى، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة .قال أبو شامة: وأسر ريد افرنس وأخوه، وجماعة من خواصه كانوا اختفوا في منية عبد الله من ناحية شرمساح، فأخذوا برقابهم، وقيدوا ريدافرنس، وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان، ووكل به الطواشى صبيح المعظمى .وقال بيبرس: وكان للبحرية النجمية في هذه الوقعة الحظ الأوفى، والقدح المعلى .وفي المرآة: وفي أول ليلة من سنة ثمان واربعين وستمائة كان المصاف بين الفرنج والمسلمين على المنصورة، بعد وصول الملك المعظم توران شاه إلى المخيم، ومسك الأفرنسيس وهو ريدافرنس، وقتل من الفرنج مائة ألف، ووصل كتاب المعظم توران شاه، يعنى إلى دمشق، إلى نائبها جمال الدين ابن يغمور :الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، وما النصر إلا من عند الله، ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ،) ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم (، وأما بنعمة ربك فحدّث، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ؛نبشر المجلس السامي الجمالى، بل نبشر الإسلام كافة بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدوّ الدين، فإنه كان قد استفحل أمره، واستحكم شره، ويئس العباد من الأهل والأولاد، فنودوا: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله الآية ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة تمم الله على الإسلام بركتها، فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح، وجمعنا العربان، والمطوعة، واجتمع خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله تعالى، وجاؤوا من كل فج عميق، ومن كل مكان بعيد سحيق ،) ولما رأى العدو ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه الإتفاق بينهم وبين الملك الكامل رحمه الله، فأبينا ،) ولما كان في الليل (، تركوا خيامهم، وأثقالهم، وأموالهم، وقصدوا دمياط هاربين ،) فرسنا في آثارهم طالبين (، وما زال السيف يعمل في أدبارهم عامّة الليل، وقد حل بهم الخزى والويل: فلما أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا، غير من ألقى نفسه في اللجج، وأما الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج، والتجأ الفرنسيس إلى المنية، وطلب الأمان فآمناه، وأخذناه، وأكرمناه، وتسلمنا دمياك بعون الله ولطفه .وقال أبو شامة: وفي يوم الأربعاء سادس عشر المحرم وصل إلى دمشق غفارة ملك افرنسيس المأسور، أرسلها السلطان المعظم إلى نائبه بدمشق الأمير جمال الدين موسى بن يغمور، فلبسها، فرأيتها عليه، وهيى أشكرلاط أحمر، تحته فرو سنجاب، فيها بكلة ذهب، فنظم صاحبنا الفاضل الزاهد نجم الدين بن إسرائيل مقطعات ثلاثيا إرتجالا، كل قطعة بيتين في مدح السلطان، والأمير. أحديها :

    إن غفارة الفرنس التي ........ جاءت حباء لسيد الأمراء

    كبياض القرطاس في اللون لكن ........ صبغتها سيوفنا بالدماء

    والثانية: مخاطبة للأمير

    يا واحد العصر الذي لم يزل ........ يحوز في نيل المعالى المدا

    لا زلت في عز وفى رفعة ........ تلبس أسلاب ملوك العدا

    والثالثة: كتبها الأمير مقدمة كتاب إلى السلطان:

    أسيد أملاك الزمان بأسرهم ........ تنجزت من نصر الإله وعوده

    فلا زال مولانا يبيح حمى العدا ........ ويلبس أسلاب الملوك عبيده

    ثم إن الملك المعظم توران شاه رحل إلى فارسكور ونصب بها برج خشب، وأرسل إلى ابن أبي على نائب القاهرة بأمره بالقدوم عليه، و استناب بالقاهرة الأمير جمال الدين أقوش النجمى، وأعرض عن مماليك والده، وأهمل جانبهم، وهم الذين أبلوا في غزو الفرنج بلاء حسنا، فوجدوا في نفوسهم لما بلغهم عنه من التهديد والوعيد، فاجتمعوا على إعدامه ؛وتعجيل حمامه.

    ذكر قتل الملك المعظم توران شاه

    والكلام فيه على أنواعالأول في ترجمته: وهو السلطان الملك المعظم تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبي بكر الأمير نجم الدين أيوب، كان أبوه ولاه حصن كيفا في الشرق، ثم كان يستدعيه فلا يجيبه، فلذلك كان يكرهه، ولأجل خفة فيه أيضاً وخلاعة وهوج، فلذلك لم يوص إليه بالملك ؛مع أنه لم يخلف ولدا غيره، لأن ولده الواحد مات بدمشق، وولده المغيث توفى معتقلا بها كما ذكرناه، وولده خليل المولود من شجر الدرّ، لم يلبث إلا قليلا ومات طفلا .قال السبط: وحكى لي الأمير حسام الدين بن أبي عليّ قال: كنا نقول للملك الصالح أيوب: ما ترسل إلى ولدك توران شاه وتحضره إلى ها هنا، فيقول: دعونا من هذا، فلحينا عليه يوما فقال: أجيبه إلى ها هنا أقتله .الثاني: في سبب قتله: وكان قتله لأمور بدت منه، فنفرت عنه القلوب، فاتفقوا على قتله .منها: أنه كان فيه خفة .قال السبط: بلغنى انه لما دخل كان يجلس على السماط، فإذا سمع فقيها يذكر مسألة وهو بعيد منه، يصبح هو: لا نسلم. ومنها: أنه احتجب عن الناس أكثر من أبيه، وما ألفوا من أبيه ذلك، وكذا سمع مماليك أبيه منه، ما ألفوا من أبيه ذلك. ومنها: أنه كان إذا سكر يجمع الشموع ويضرب روؤسها بالسيف فيقطعها ويقول: كذا افعل بالبحرية .ومنها: أنه كان يسمى مماليك أبيه بأسمائهم .ومنها: أنه قدّم الأرذال والأندال، وأبعد الأماثل والأكابر .ومنها: أنه أهان مماليك أبيه الكبار .ومنها: أنه كان قد وعد أقطاى بأن يؤمره، ولم يف له ؛فاستوحش منه .ومنها: أنه كان يهدّد أم خليل، ويطلب المال والجواهر، فخافت منه، وارتفقت معهم .الثالث: في كيفية قتله :قال السبط: لما كان يوم الإثنين السابع والعشرين من المحرّم جلس المعظم على السماط، فضربه بعض المماليك البحرية بالسيف، فتلقاه بيده، فقطع بعض أصابعه، وقام فدخل البرج وصاح: من جرحنى ؟قالوا: الملحدة الحشيشية. قال: لا والله إلا البحرية ؛والله لا أبقيت منهم بقية، واستدعى المزين فخيط يده وهو يتوعدهم، فقال بعضهم لبعض: تموه وإلا أبادكم، فدخلوا عليه، فانهزم إلى أعلا البرج، فأوقدوا النيران حول البرج، ورموه بالنشاب، فرمى بنفسه، وهرب نحو البحر وهو يقول: ما أريد الملك، دعونى أرجع إلى الحصن، يا للمسلمين ما فيكم من يصطنعنى ويجبرني، والعساكر كلها واقفة، فما أجابه أحد، والنشاب تأخذه، وكذا لما صعد إلى البرج رموه بالنشاب، فتعلق بذيل أقطاى، فما أجاره، فقطعوه قطعا، وبقى على جانب البحر ثلاثة أيام منتفخاً، ما يتجاسر أحد أن يدفنه، حتى شفع فيه رسول الخليفة، فحمل إلى ذلك الجانب فدفن، وكان الذين باشروا قتله أربعة .قال سعد الدين مسعود بن تاج الدين شيخ الشيوخ: حكى لى رجل صادق أن أباه الملك الصالح أيوب قال لمحسن الخادم: إذهب إلى أخى العادل إلى الحبس، وخذ معك من المماليك من يخنقه، فعرض المحسن ذلك على جميع المماليك، فامتنعوا بأسرهم إلا هؤلاء الأربعة، فإنهم مضوا معه وخنقوه، فسلطهم الله تعالى على ولده حتى قتلوه أنحس قتلة وأقبحها، ومثلوا به أعظم مثله كما فعل بأخيه .وفي تاريخ النويرى: اجتمعت البحرية على قتله بعد نزوله بفارسكور، وهجموا عليه بالسيوف، وكان أول من ضربه ركن الدين بيبرس الذي صار ملك مصر فيما بعده، فهرب المعظم منهم إلى البرج الخشب الذي نصب له بفارسكور كما ذكرنا، فأطلقوا في البرج النار، فخرج المعظم من البرج هاربا طالبا للبحر ليركب في حراقته، فحالوا بينه وبينها بالنشاب، فطرح نفسه في البحر فأدركوه وأتموّا قتله في يوم الإثنين المذكور، وكانت مدّة إقامته في الملك من حين وصوله إلى الديار المصرية شهرين وأياما .وقال أبو شامة: جرح في يده في دهليز الخدمة بعد السماط، فانهزم ودخل برج خشب، فأحرق، فرمى بنفسه منه إلى ناحية النيل، فأدرك، وقطع بقرية فارسكور .وقال: أخبرني من شاهد ذلك انه ضرب أولا، فتلقى الضربة بيده، فخرقت يده، واختبط الناس، فأظهر ان ذلك كان من بعض الملحدة الحشيشية، ثم أشار بعضهم على الباقين بإتمام الأمر فيه. وقال بعد جرح الحية: لا ينبغى إلا قتلها، فركبوا وتسلحوا، وأحاطوا بخيمته وبرجه الخشب، لأنه كان نازلا في الصحراء بإزاء الفرنج، فدخل البرج خوفا منهم، فأمروا زراقا بإحراق البرج، فامتنع، فضربت عنقه، ثم أمروا زراقا آخر، فرمى البرج بنفط، فأحرقه، فخرج منه وناشدهم الله في الكف عنه، والإقلاع عما نقموا عليه، وطلب تخلية سبيله، فلم يجب إلى شيء من ذلك، فدخل البحر إلى أن وصل الماء إلى حلقه فرجع فضربه البندقداري بالسيف فرجع إلى الماء، وقيل: ضربه ضربة واحدة على عاتقه، فنزل السيف من تحت إبط اليد الأخرى، فوقع قطعتين، وكان قتله في أواخر محرم .فانظر إلى هاتين الوقعتين العظيمتين القريبتين كيف اتفقتا في شهر واحد. إحداهما في أوله: وهى كسرة الفرنج الكسرة العظمى التي استأصلتهم .والثانية في آخره: قتل للسلطان المعظم على هذا الوجه الشنيع .وحكى عن السيف بن شهاب جلدك والى القاهرة، كان أبوه: أنه بقى على البرج وهو يستغيث برسول الخليفة: يا أبا عز الدين أدركنى، وتكرر ذلك، فركب في أمره، وكلمهم فيه، فردّوه وخوفوه بالقتل والإحراق، وإخراق حرمة الخلفة، وجرى ما ذكرناه .قال السبط: وكانو قد جمعوا في قتله ثلاثة أشياء: السيف والنار والماء، فإنهم قتلوه وقد التجأ إلى البحر .قال: وحكى لى العماد بن درباس قال: رأى جماع من أصحابنا الملك الصالح أيوب في المنام وهو يقول :

    قتلوه شر قتله ........ صار للعالم مثله

    لم يراعوا فيه إلا ........ لا ولا من كان قبله

    ستراهم عن قريب ........ لأقل الناس أكله

    فكان كما ذكر من اقتتال المصريين والشاميين، ومن عدم فيهم من أعيان الأمراء .^

    ذكر سلطنة شجر الدُّر حظية الملك الصالح أيوب

    ولما قتلوا المعظم اجتمعت الأمراء واتفقوا على أن يقيموا شجر الدرّ في المملكة ، وأن يكون عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحى المعروف بالتركمانى أتابك العساكر ، وحلفوا على ذلك ، وخطب لشجر الدر على المنابر ، وضربت السكة بإسمها ، وكان نقش السكة : المستعصمية الصالحية ، ملكة المسلمين ، والدة الملك المنصورخليل ، وكانت شجر الدرّ قد ولدته من الصالح أيوب ومات صغيرا كما ذكرناه ، وكانت صورة علامتها على المناشير والتواقيع : والدة خليل المستعصمية .

    ذكر تسلم دمياط من الفرنج ورحيل ريدافرنس

    ولما تم النصر الأعظم والفتح الأكبر بتسلم دمياط من الفرنج من ريدافرنس أفرج عنه عن الحبس، وكان المتحدّث مع ريدافرنس في ذلك الأمير حسام الدين ابن أبي علىّ الهذبانى، لما يعلمون من عقله ومشورته، واقتداء مخدومهم بتدبيره، فتقرّر الاتفاق علىتسليم دمياط وأن يذهب هو بنفسه سالما، فأرسل ريدافرنس إلى من بدمياط يأمرهم بتسليم البلد إلى المسلمين، فأجابوه إلى ذلك، ودخل العلم السلطانى إليها يوم الجمعة لثلاث مضين من صفر، وأفرج عن ريدافرنس، وانقتل هو ومن بقى من أصحابه إلى البر الغربىّ، وركب البحر هو ومن معه، وأقلعوا إلى عكا، ووردت البشرى بذلك إلى البلاد، وضربت البشائر، وأعلنت الأفراح .وفي كسرة ريدافرنس يقول القاضى جمالالدين بن مطروح رحمه الله :

    قل للفرنسيس إذا جئته ........ مقال حق صادر عن نصيح

    آجرك الله على ما جرى ........ من قتل عباد يسوع المسيح

    أتيت مصرا تبتغى ملكها ........ تحسب أن الزمر يا طبل ريح

    فساقك الحين إلى أدهم ........ ضاق به عن ناظريك الفسيح

    وكل أصحابك أوردتهم ........ بحسن تدبيرك بطن الضريح

    خمسون ألفا لا يرى منهم ........ إلا قتيل أو أسير جريح

    وفقك الله لأمثالها ........ لعل عيسى منكم يستريح

    إن كان بابا كم بذا راضيا ........ فرب غش قد أتى من نصيح

    وقل لهم إن أضمروا عودة ........ لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

    دار بن لقمان على حالها ........ والقيد باق والطواشى صبيح

    وذكر أن الفرنسيس لما توجه إلى بلاده جمع جموعا كثيرة ونزل على تونس، فقال شاب من أهلها يعرب بابن الزيات:

    يافرنسيس هذه أخت مصر ........ فتاهب لما إليه تصير

    لك فيها دار لقمان قبر ........ وطواشيك منكر ونكير

    وكان هذا منه فألا عليه، فإنه هلك وهو محاصر لها، وصالح أهلها ابنه على مال ورحل عنها .^

    ذكر عود العسكر إلى القاهرة

    ولما جرى ما ذكرنا عادت العساكر إلى القاهرة ودخلوها يوم الخميس تاسع صفر من هذه السنة ، ولما دخلوا القاهرة أرسلوا رسولا إلى الأمراء الذين بدمشق في موافقتهم على ذلك ، فلم يجيبوا إليه .وفي تاريخ بيبرس : وسيروا رسولا إلى دمشق لاستحلاف الأمير جمال الدين يوسف بن يغمور نائب السلطنة بها والأمراء القيمرية وغيرهم ، فغلطوا الرسول ولم يجيبوه إلى ذلك .وكان الملك السعيد بن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن العادل صاحب الصبيبة خرج من الديار المصرية ، وعبر على غزة ، وأخذ جميع ما بها من المال وهرب ، وكان قد أعطى قبل ذلك قلعته للملك الصالح أيوب وصار في خدمته ، ولما هرب احتيط على داره بالقاهرة ، وتوجه هو إلى قلعة الصبيبة فسلمها له من كان فيها .وفي هذه الأيام ملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل بن أيوب الكرك واستولىعليها ، وذلك أنه كان عند عماته بالقاهرة ، فلماتوفى الملك الصالح أيوب بلغ الأمير حسام الدين ابن أبي علىّ ان فخر الدين بن الشيخ ربما أخرجه ورتبه في الملك ، فأطلعه إلى قلعة الجبل واعقتله بها ، فلما ورد المعظم توران شاه إلى المنصورة في التاريخ الذى ذكرناه ، أمر به فحمل إلى الشوبك واعقتل بها خوفامنه ، فلما مات المعظم أخرجه الطواشى بدر الدين الصوابىّ الصالحى ، وكان نائب الملك الصالح بالكرك ، وكانت الشوبك مضمومة إلى ولايته ، فملكه البلدين ، وسلم اليه القلعتين ، وقام بتدبير دولته ، والاجتهاد في خدمته .

    ذكر استيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق

    ولماجرى ما ذكرناه خرج الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز ابن الظاهر غازى بن صلاح الدين يوسف بن أيوب من حلب ، وذلك لأنه لما ورد عليه الخبر بقتل المعظم تورانشاه وصلت اليه كتب الأمراء القيمرية من دمشق يستدعونه ويحثونه على الوصول اليهم ليسلموا دمشق إليه ، فوصلها يوم السبت ثامن ربيع الآخر من هذه السنة ، وأحاط عسكره بها ، وزحفوا عليها ، وكان النائب بها الأمير جمال الدين بن يغمور من جهة الملك الصالح ، وكان قد رتب الأبواب على الأمراء القيمرية وهم : ناصر الدين القيمري ، وضياء الدين ، وشهاب الدين الكبير ، ففتحوا باب الجابية مواطأة للملك الناصر ، فدخل الناصر وأصحابه دمشق ، وتملكوها بغير ممانعة ولا مقاتلة ، وخلع على الأمراء المذكورين ، وخلع أيضاً على الأمير جمال الدين بن يغمور النائب من جهة السلطنة ، وأحسن إليهم ، وعلى جماعة من الأمراء المصريين مماليك الملك الصالح نجم الدين ، واستقرت قدمه في ملك دمشق ، وعصت عليه بعلبك وعجلون وشميس مدة يسيرة ، ثم مال الجميع إليه .ولما وصل الخبر بذلك إلى مصر اجتمعت الأمراء والأجناد بقلعة الجبل وجدّدوا الإيمان لشجر الدرّ والدة خليل ، وللأمير عز الدين أيبك التركمانى بالتقدمة على العساكر ، وعزموا على إخراج العساكر صحبة الأمير حسام الدين ابن أبي على ليدفعوا الملك الناصر عن دمشق ، ويردّوة قبل أن يملكها ، فورد عليهم بأن القيمرية سلموها إليه ، فأمسك من كان منهم بالقاهرة ، وقبض على كل من اتهم بالميل إلى الحلبيين .

    ذكر سلطنة أيبك التركماني

    ولما جرى ما ذكرنا من عصيان الملك المغيث بالكرك واستيلائه عليها وعلى الشوبك ، واستيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق ، ووقوع الاضطراب في مصر ، اجتمعت البحرية والأتراك وأجالوا الرأي بينهم ، وقالوا : إنه لا يمكننا حفظ البلاد وأمر الملك إلى إمرأة ، وقد ورد في الحديث : ) كيف يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ( .وقالوا : لا بدّ من إقامة شخص كبير تجتمع الكلمة عليه ويشار في الملك إليه فاتفق رأيهم على أن يفوض أمر الملك إلى الأمير عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني الصالحىّ مقدّم العساكر ، فقاموا إليه وسألوه أن يولَّى عليهم ليقوم بسياسة الملك ، فأجابهم على ذلك ، وولوه ، وعقدوا له ، ولقبوه بالملك المعز ، وركب بالسناجق السلطانية يوم السبت آخر ربيع الآخر من هذه السنة ، وحملت الأمراء الغاشية في خدمته على العادة .وهو أوّل ملوك الترك ، وأبطلت السكة والخطبة التي كانت باسم شجر الدر في ثاني يوم تمليكه ، وكانت مدة سلطنتها ثلاثة أشهر لأنهم كانوا عقدوا لها بالسلطنة في آخر المحرم ، ثم خلعوها من السلطنة في آخر ربيع الآخر .^

    ذكرُ عَقْد السلطَنَة للملك الأشرف مظفر الدين موسى

    ابن الملك المسعود صلاح الدين يوسف الملقّب بإتِسزْابن الملك الكامل بن العادل بن أيّوبوالملك المسعود هو الذي ملك اليمن في حياة والده الملك الكامل كما ذكرنا ، وكان السبب في ذلك أنهم لما رأوا وقوع الاختلاف في البلاد ، واستيلاء كل أحد على ناحية ، ووقوع الإضطراب في الديار المصريَّة ، قالوا : لا بدَّ من إقامة شخص من بنى أيّوب ليجتمع الكلُّ على طاعته ، ويرتفع الخلاف . واتفق رأيهم على إقامة الملك الأشرف مظفر الدين موسى المذكور ، وأن يكون الملك المعزّ عز الدين أيبك أتابكة ، والقائم بتدبير الدولة ، والتقدمة على العساكر ، فرضى الجميع بذلك ، وأقاموا الأشرف المذكور ، وأجلسوه في دست السلطنة والأمراء في خدمته يوم الخميس لخمس مضين من جمادى الأولى ، وكان عمر الأشرف عشر سنين ، وجلس على السماط على عادة السلطنة .وكانت مدَّة سلطنة عز الدين أيبك خمسة أيام ، لأنه تولى السلطنة في آخر ربيع الآخر يوم السبت ، وخلع عنها يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى .

    ذكر ما جرى من الأمور بعد سَلْطنة الأشرف

    منها: أنه كان في غزة جماعة من عسكر مصر مقدمهم ركن الدين خاص ترك، فاندفعوا إلى مصر لما بلغهم حركة الحلبيين إلى مصر، ونزلوا بالسانح، واجتمعوا، واتفقت كلمتهم على طاعة الملك المغيث صاحب الكرك، وخطبوا له بالصالحية يوم الجمعة لأربع مضين من جمادى الآخرة من هذه السنة فنودى بالقاهرة ومصر أن البلاد للخليفة المستعصم بالله، وأن الملك المعزم عزّ الدين ايبك نائبهُ بها، وجددت الأيمان للأشرف بالسلطنة، وللمعز بالأتابكيَّة، وندبت العساكر إلى السانح، فهرب من السانح الطواشيان شهاب الدين رشيد الكبير، وشهاب الدين رشيد الصغير، وركن الدين خاص ترك، وأقوش المشرف، وكانوا من جملة الذين اتفقوا على تمليك المغيث بن العادل صاحب الكرك، فقبض غلمان الرشيد الصغير عليه، وجاؤوا به إلى القاهرة، فاعتقل بها، ونجا الباقون، وخرجت الخلع للذين تخلَّفوا بالسانح وعفى عنهم، وطيبت قلوبهم، وخرجت لهم النفقة .ومنها: أن في يوم الأحد لخمس مضين من رجب من هذه السنة رحل الأمير فارس الدين آقطاى الجمدار، وكانت إليه تقدمة البحرية الصالحية، من القاهرة متوجها إلى بلاد الشام، ومعه من العسكر ألفا فارس، فوصل إلى غزَّة، وكان بها جماعة من أصحاب الملك الناصر صاحب حلب الذى استولى على دمشق، فأوقع بها، فاندفعوا من بين يديه، ثم عاد الأمير أقطاى إلى الديار المصرية، ودخلها، وقبض على الأمير زين الدين قراجا أمير جاندار، وعلى صدر الدين قاضى آمد، وكانا من كبار الصالحيَّة .ومنها: أنه قبض على الأمير جمال الدين النجيبي، والأمير جمال الدين أفوش العجمى، واعتقلا .ومنها: أنها نقلوا الملك الصالح إلى ترتبه التي بنيت له عند مدرسته بالقاهرة بين القصرين، وعمل له العزاءُ بالقاهرة، وقطعت مماليكه شعورهم، وعملوا له عزاءً جديداً .ومنها: أن الأمراء وأرباب الدولة اتفقوا على هدم أسوار دمياط وتخريبها ومحو آثارها، لما اتفق من قصد الفرنج لها مرة بعد أخرى، لأنهم قصدوها في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وكادوا يملكونها، وفى أيام الملك الكامل وحاصروها أكثر من سنة وملكوها، وفي أيام الملك الصالح نجم الدين، وجرى ما ذكرناه، فهدموها وبنيت مدينة قريبة منها سميت المنشية، وهى المدينة يومنا هذا .ومنها: أن الملك الناصر يوسف صاحب حلب قبض على الملك الناصر داود ابن المعظم وحبسه في حمص، وذلك أنه كان قد قدم دمشق في خدمة الناصر يوسف، فبلغه عنه ما أوجب القبض عليه، فقبض عليه وسيَّره إلى حمص تحت الاحتياط، فاعتقل في قلعتها، وكان قد وعده وعوداً جميلة فلم يُنجز له منها شيئاً، فلما أيس منه طلب منه دستوراً ليمضى إلى بغداد، فأعطاه الدستور، فلما خرج إلى القُصَيْر قبض عليه في مستهلّ شعبان من هذه السنة، ووصل حريمه وأولاده من مصر، وكان له عشرة أولاد ذكورا وثلاث بنات، فأنزلوا في دمشق .ولما اعتقل بحمص نظم قصيدة مَطْلعًهَا :

    إلهى أنت أعل وأعْلَمُ ........ بحقُوق ما تُبدى الصدورُ وتكْتمُ

    وأنت الذى تُرْجى لكلّ عظيمة ........ وتخشى وأنت الحاكمُ المُتحَكُّم

    إلى علمك العلوى أشكو ظلامتي ........ وهل بسواك يُنْصَفُ المتَظلّمُ

    أبت خيانان العشيرة معْلنّا ........ إلى مّن بمكنون السرائر يَعْلَمُ

    أتيتهُمُ مُستَنصّراً متحرَّما ........ كما يفعلُ المستَنصْرُ المتحَرّمُ

    فلما أيسْنَا نصَرهَم ونوالَهم ........ رمونا بإفك القول وهو مُرَجَّمُ

    أغثنا أغْثنا من عدانا يكُن لنا ........ بك النْصرُ حتى يخذلوا ثم يُهزموا

    فنصرك مجعولٌ لنا مَعَجلٌ ........ وبرّك معلوم بنا فهو مُعلَم

    ذكْرُ توجُّه الملك الناصر من دمشق قاصدا الديار

    المصرية :وفيها : سار الملك الناصر المذكور بعساكره من دمشق وصحبته ، من ملوك أهل بيته ، الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب ، وهو خال أبيه ، والأشرف موسى صاحب حمص ، كان وهو يومئذ صاحب تلّ باشر والرحبة وتدمُر ، والملك المعظم فخر الدين تورانشاه بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ومقدم جيشه الأمير شمس الدين لؤلؤ وإليه تدبير المملكة .وفي المرآة : وكان سير الملك الناصر قاصداً الديار المصرية بإشارة شمس الدين لؤلؤ المذكور ، فإنه لحَّ في القضيَّة لحاحا كان سببا لحضور المنيَّة ، وكان يستهزىءُ بالعساكر المصرية ويقول : آخذها بمائتى قناع .وكان رحيلهم من دمشق يوم الأحد منتصف رمضان من هذه السنة ، ولما وصلت الأخبار بذلك إلى الديار المصرية انزعج الملك المعز أيبك التركماني ومن معه من البحرية والترك لذلك وأجمعوا على لقاء الملك الناصر ومحاربته ودفعه عن الديار المصريَّة ، وقبضوا على جماعة من الأمراء اتهموهم بالميل إلى الناصر ، و تجهزوا ، وخرجوا من القاهرة في شهر شوال ، وبرزوا إلى السَّانح ، وتركوا السلطان الملك الأشرف موسى بقلعة الجبل ، واستناب المعز بالديار المصرية الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارى ، وأفرح عز الدين أيبك عو ولدى الصالح إسماعيل ، وهما : المنصور إبراهيم والسعيد عبد الملك ابنا الصالح إسماعيل ، وكانا معتقلين من استيلاء الملك الصالح نجم الدين أيوب على بعلبك ، وخلع عليهما ، ليتوهَّم الملك الناصر صاحب حلب من أبيهما الصالح إسماعيل .ولما خرجوا وصل أولهم إلى السانح ، ونزلوا بالصالحية ، وقوى الإرجاف بوصول الملك الناصر ودخوله الرمل .قال بيبرس : وكان رحيل المعزّ في بقية العساكر ثالث ذي القعدة من هذه السنة ، ووصل الملك الناصر بمن معه من العساكر إلى كراع وهى قريبة من العباسة والسَّدير ، وتقارب ما بين العسكرين ، فمال من كان مع الناصر من مماليك أبيه العزيز إلى الترك الذين بمصر للجنسيّة ، فرحل المعز أيبك ونزل قبالة الناصر بَسمُوط ، والتقوا في يوم الخميس عاشر ذي القعدة ، فكانت الكسرة أولا على عسكر مصر ، وولوا منهزمين ، وثبت المعز ايبك في جماعة من البحرية ، وانحاز إلى جانب ، وبقى الملك الناصر تحت السناجق في جمع من العزيزية ، فخامروا وانضافوا إلى المعز أيبك فحمل على الطلب الذي فيه الملك الناصر ، فولَّى منهزما طالبا الشام في جماعة من خواصّه ، وأخذت سناجقه والطبلخاناة التى له ، وقصد المعز أيبك الأطلاب الشاميَّة ، فوقع بالطلب الذي فيه شمس الدين لؤُلؤ ، فحمل عليهم ، وبدَّدَ شملهم ، وأُتى به إليه ، فأمر بضرب عنقه ، فضربت ، وأتى بالأمير ضياء الدين القيمرى ، فضربت عنقه ، وأتى بالملك الصالح عماد الدين إسماعيل فسلم عليه الملك المعزّ ، ووقف راكبا إلى جانبه ، وأُسر الملك الأشرف صاحب حمص ، ونُصْرَة الدين ، والمعظم فخر الدين ابنا صلاح الدين يوسف .وأما العسكر المصريون المنهزمون ، فإن الهزيمة استمرت بهم ، ولا يعلمون ما تجدد بعد ذلك ، ووصلوا القاهرة غد هذا اليوم ، وهرب بعضهم إلى الصعيد ، وخطب ذلك اليوم للملك الناصر يوسف صاحب حلب بالقلعة وجامع مصر ، وأما القاهرة فلم يقم بجامعها خطبة وتوقفوا ليتحققوا .ووصل معظم العسكر الشامى إلى العباسة في إثر المصريين ، ولا يظنون إلا أن الكسرة قد تمت على المصريين : وزال أمرهم بالكلية ، وهم ينتظرون وصول الملك الناصر ليدخلوا معه القاهرة ، ثم جاءهم الخبر بما جرى من هرب الملك الناصر ؛ وقتل شمس الدين لؤلؤ والقيمري ، وأَسر من أَسر ، فاختلفوا فيما يعتمدون عليه ، وكان في الجيش تاج الملوك ولد المعظم بن صلاح الدين وهو مجروح ، وحاروا فيما يفعلون .وفي نهار الجمعة حادى عشر ذي القعدة وردت البشائر بانتصار المعزّ وانكسار الناصر ، وكان بقلعة الجبل ناصر الدين بن يغمور استادار الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ؛ وأمين الدولة أبي الحسن غزال وزيره محبوسين من أيام الملك الصالح نجم الدين ، فلما بلغهما انتصار الناصر وكسر العسكر المصرى خرجا من الحبس وأظهرا السرور ، ثم لما تحقق نصر المعز أيبك أُعيدا إلى السجن ، ونودى في آخر هذا اليوم ، وهو يوم الجمعة المذكور ، بإظهار الزينّة .وعاد الملك المعزّ والبحرية والعساكر المصريَّة ومَن انضَّم إليهم من العزيزية على غير طريق العباسة خوفا من النصاريَّة النازلين عليها ، ووصلوا إلى القاهرة بكرة يوم السبت ثانى عشر ذي القعدة ودخل المعزّ أيبك ، والملك الصالح عماد الدين إسماعيل قدامه في الموكب تحت الاحتياط فاعتقله بقلعة الجبل في دار ، واعتقل الأشرف صاحب حمص والمعظم تورانشاه وأخوه في حبس القلعة ، وشنق ناصر الدين بن يغمور ، وأمين الدولة الوزير على باب القلعة ، ثم أخرج الملك الصالح عماد الدين إسماعيل خارج القلعة من جهة القرافة ، فقتل ودفن هناك ، وكان مقتله في ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة .وفي المرآه : لما أسروا شمس الدين لؤلؤ ، وجاؤوا به إلى بين يدى الملك المعز ، قال حسام الدين بن أبي علىّ : لا تقتله لتأخذ به الشام . وقال أقطاى : هذا الذى يأخذ مصر بمائتي قناع ، قد جعلنا مخانيث ، فضربوا عنقه .وأما الملك الناصر فإنه لما كسر ، كَسَرت العزيزيَّة سناجقة ، وكَسرُوا صناديقه ، ونهبوا ماله ، وَرَموه بالنشَاب ، فأخذه نوفل البدوى وجماعة من مماليكه وأصحابه ، وساروا به إلى الشام ، ومات تاج الملوك من جراحة كانت به ، فحمل إلى القدس ومات به ، وضرب الشريف المرتضى في وجهه بالسيف ضربة هائلة عرضا ، وأرادوا قتله ، فقال : أنا رجل شريف ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتركوه .قال السبط : وحكى لى قال : بقيتُ في الرمل يوماً وليلةً ملقى ، رأسى ناحية ووجهى ناحيةً ، والدماءُ تفيض ، ولولا ان الله تعالى منَّ علىَّ بالملك الصالح ابن صاحب حمص لهلكت ، حملنى وخيَّط وجهى بمسَال ، وعاينتُ الموتَ مراراً ، وتمزَّق الناس كل ممزَّق ، ومشوا في الرمال أيّاماً .وأما المصريُّون فإنهم دخلوا إلى القاهرة بالأُسارى والسناجق المقلَّبَة ، والطبول المشقَّقة ، والخيول والأموال والعدد ، ولما وصولا إلى تربة الملك الصالح نجم الدين أيوب أحدقوا بالصالح إسماعيل ، وصاحوا ياخوند : أين عينك ترى عُدّوك ، ورموا الأسارى في الجبل ، وجمعوا بين الصالح إسماعيل وبين أولاده أيَّاما ، ثم غيَّبوُه .وأما المماليك فمالوا على المصريّين قتلا ونهبا ، ونهبوا أموالهم ، وسبوا حريمهم ، وفعلوا بهم مالا يفعل الفرنج بالمسلمين .وكان السامرى ، وزير الصالح إسماعيل ، معتقلا في القلعة في جب هو وناصر الدين بن يغمور ، وسيف الدين القيمرى ، والخوارزمى صهر الملك الناصر يوسف ، فخرجوا من الجّب ، وعصَوا في القلعة . ولم يوافقهم سيف الدين القيمرىّ ، بل جاءَ فقعد على باب الدار التى فيها عيال الملك المعز أيبك التركمانى وحماهم ، فلم يدع أحداً يقربها .وأما الباقون فصاحوا الملك الناصر يا منصور ، وجاء الترك ففتحوا باب القلعة ودخلوا ، فشنقوا السامرىَّ وابن يغمور والخوارزْمىّ متقابلين ، ولكن لا على سرر ، وشنقوا المجير بن حمدان ، وكان شابَّا حسنا ، قالوا : تعدى على بعض المماليك ، ونهب خيله .وأما الملك الناصر يوسف صاحب حلب ، فإنه وصل إلى غزة في حالة عجيبة ، وأقام ينتظر أصحابه ، فوصل إليه مَنْ سلم منهم ، ومن عسكر الشام ، وابن صاحب الموضل وكان معه .وقال المؤيَّد وغيره : ثم بعد هزيمة الملك الناصر يوسف صاحب حلب سار فارس الدين أقطاى من الديار المصرية ومعه ثلاث آلاف فارس إلى غزة وملكها ، واستولى عليها ، ثم عاد إلى الديار المصرية .وفيها أمر الملك المعزّ ببناء مدرسته التى بدار الملك بمصر على البحر ، فبُنيت .وفيها :وفيها :^

    ذكرُ مَنْ توفى فيها من الأَعيْان

    عبد الملك بن عبد السلام بن الحسن اللمغانى الحنفى ، مدرس مشهد أبي حنيفة رضى الله عنه ، وهو أخو عبد الرحمن ، وعم محمد بن علىّ بن عبد السلام ابن الحسن اللمغانى .وكان رجلا فاضلا من بيت العلم والرئاسة ، توفى في هذه السنة ، ودفن بمقبرة الخيزران .الحافظ المسند أبو الحجاج يوسف بن أبي الصفا خليل بن عبد الله الدمشقي الآدمى المنعوت بالشمس ، نزيل حلب .مات بحلب في العاشر من جمادى الآخرة ، ودفن بظاهر باب الأربعين ، ومولده بدمشق في سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، سمع الكثير ، ومعجم شيوخه يزيد على أربعمائة شيخ .أمين الدولة أبو الحسن غزال المتطبب ، وزير الملك الصالح عماد الدين إسماعيل .وكان سامريا كما ذكرناه وكان سببا على هلاك نفسه ، وعلى سلطانه ، وسبب زوال النعمة عنه وعن مخدومه ، وهذا هو الوزير السوء .وقال السبط : فسبحان من أراح المسلمين بقتله ، وقد ذكرنا قتله عن قريب

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1