Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
Ebook786 pages6 hours

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

كتاب في التاريخ والتراجم والسير لحقبة زمنية كبيرة تمتد زمن النبوة حتى القرن العاشر الهجري تقريبا، وهو بهذا الإمتداد الزمني يشمل أحداثا جمة، ووقائع كثيرة متلاحقة ومتعاقبة، وقد أداره المؤلف حول ذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به من حوادث كثيرة .
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 15, 1903
ISBN9786347688415
سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Related to سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Related ebooks

Reviews for سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - العصامي

    الغلاف

    سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي

    الجزء 6

    العِصَامي

    1111

    كتاب في التاريخ والتراجم والسير لحقبة زمنية كبيرة تمتد زمن النبوة حتى القرن العاشر الهجري تقريبا، وهو بهذا الإمتداد الزمني يشمل أحداثا جمة، ووقائع كثيرة متلاحقة ومتعاقبة، وقد أداره المؤلف حول ذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به من حوادث كثيرة .

    ذكر بني قتادة أمراء مكة

    بعد الهواشم إلى وقتنا هذا :

    كان من ولد موسى الجون الذين مر ذكرهم في بني حسن عبد الله أبو الكرم، وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد: سليمان وزيد وأحمد، ومنه تشعب ولده .فأما زيد فولده اليوم بالصفراء بنهر الحسنية، وأما أحمد فولده بالدهناء، وأما سليمان فكان ولده مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن الله أبي الكرم .وكان لمطاعن إدريس وثعلب. فالثعلبية شعب بالحجاز، وكان لإدريس ابنان: قتادة النابغة وصرخة .فأما صرخة: فولده بينبع يعرفون بالشكرة .وأما قتادة النابغة: فكان يكنى أبا عزيز .وكان من ولده علي الأكبر وشقيقه حسن. فمن ولد حسن إدريس وأحمد ومحمد وجماز .وإمارة ينبع في أعقابهم حتى الآن فيرجعون إلى إدريس بن حسن بن إدريس .وأما أبو عزيز قتادة: فمن ولده بنو أبي نمي أمراء مكة لهذا العهد، وكان بنو الحسن بن الحسن كلهم متوطنين بنهر العلقمية من وادي ينبع لعهد إمارة الهواشم وكانوا ظواعن بادية .ولما نشأ فيهم قتادة هذا جمع قومه ذوي مطاعن، وأركبهم الخيول، واستبد بإمارتهم، وكان بوادي ينبع بنو حراب من ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن، وكان بها بنو عيسى بن سليمان بن موسى الجون، فحاربهم بنو مطاعن هؤلاء، وأميرهم أبو عزيز قتادة، فأخرجهم، وملك ينبع، والصفراء، واستكثر من الجند والمماليك، ثم استألف بني محمد وبني إبراهيم، وسار إلى مكة فانتزعها من أيدى الهواشم، وخطب للناصر العباسي، كذا في تاريخ العلامة ابن خلدون .فوليها الشريف قتادة: وهو أول من وليها من هذا الفخذ الشريف .قال في الوسيلة: وسبب طمعه في ملك مكة ما بلغه من انهماك ولاتها الهواشم على اللهو، وتبسطهم في الظلم، وإعراضهم عن صونها ممن يريدها بسوء اغتراراً منهم بما هم فيه من العز والسيف لمن عارضهم في مرادهم وإن كان ظلماً، فتوحش عليهم بذلك خواطر جماعة من قوادهم، ولما عرف قتادة ذلك منهم استمالهم إليه، وسألهم المساعدة على ما يرومه من الاستيلاء على مكة، وبعثه على المسير إليها أن بعض الناس فزع إليه مستغيثاً به في ظلامة ظلمها، فوعده بالنصر، وتوجه إلى مكة في جماعة من قومه، فما شعر أهل مكة ألا وهو معهم بها، وولاتهم على ما هم فيه من اللهو والانهماك، فلم تكن لهم بمقاومته طاقة، فملكها .قيل: إنه لم يأت إليها بنفسه في ابتداء ملكه، وإنما أرسل إليها ابنه حنظلة فملكها له، وذلك في سنة تسع وتسعين وخمسمائة بتقديم التاء في اللفظتين، وخرج منها مكثر بن عيسى إلى وادي نخلة .وفي سنة ستمائة مات مكثر بنخلة، وجاء ولد محمد بن مكثر، وقاتل حنظلة بن قتادة عند المتكا، ولم يحصل لمحمد ظفر، وتمت البلاد لقتادة، ذكر ذلك ابن محفوظ وابن فهد في إتحاف الورى بأخبار أم القرى .قال صاحب عمدة الطالب في مناقب آل أبي طالب وهو العلامة السيد النسيب والشريف الحسيب أبو جعفر شهاب الدين أحمد بن علي بن مهنا الداودي الموسوي: كان قتادة جباراً فتاكاً فيه قسوة وتشدد وحزم، وكان الخليفة في زمانه الناصر العباسي، فاستدعى الناصر الشريف قتادة إلى بغداد ووعده ومناه فأجابه إلى ذلك، وسار إلى أن وصل إلى العراق ثم إلى المشهد الغروي، فخرج أهل بغداد لتلقيه، وكان ممن خرج في غمار الناس رجل درويش معه أسد مسلسل، فلما نظر إليه الشريف قتادة تطير وقال: مالى ولبلد تذل فيها الأسود ؟فرجع من فوره إلى الحجاز. وكتب إلى الخليفة العباسي بقوله من الطويل:

    بِلادِي وَلَو جَارَت علي مُريفَة ........ وَلَو أَننِي أَعرَى بِهاً وأَجُوعُ

    وَلى كَف ضِرغَامٍ إِذاً ماً بَسَطتُهَا ........ بِهاً أَشتَرِي يَومَ الوَغَى وأَبِيعُ

    مُعَوَدَة لَثْمَ المُلُوكِ لِطُهْرِهَا ........ وفي بَطنِها للمُجدبِينَ رَبِيعُ

    أَأَتْرُكُهاً تَحْتَ الرهَانِ وأَبْتَغِي ........ بهاً بَدَلاً إني إِذَن لَرَقِيعُ

    وماً أَنا ألا المِسكُ في غَيْرِ أَرضكُم أًضُوع وَأَما عِندَكُمْ فَأَضِيعُ

    فلما وقف الناصر العباسي على هذه الأبيات استشاط غضباً، وامتلأ حنقاً وحرباً. وكتب إلى الشريف قتادة كتاباً، يقول فيه :أما بعد: فإذا نزع الشتاء جلبابه، ولبس الربيع أثوابه، قاتلناكم بجنود لا قبل لكم بها، ولنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون .فلما قرأ الكتاب الشريف قتادة ارتاع لذلك أشد ارتياع. وأرسل إلى بني عمه بني الحسين بالمدينة يستنجدهم ويسألهم المعونة، وصدر الكتاب بقوله: من الطويل:

    بنى عَمناً مِنْ آل موسَى وَجَعفَرِ ........ وآلِ حُسَين كَيف صَبرُكُمُ عَنا

    بَنِى عَمناً إِنا كَأَقنَاِن دَوحَةِ ........ فَلاَ تَترُكُوناً يَتَّخِذناً الفَناً فَنَّا

    إذاً ماً أَخْ خَلى أَخَاهُ لآكِلٍ ........ بَداً بِأَخِيهِ الأَكْل ثُم بِذاً ثَنَّى

    فأتته منهم رجال النجدة، ذوو العدد والعدة .فلما أقبلت تلك الكتيبة الناصرية كسرها وبدد شملها وقهرها، فلما بلغ ذلك الناصر العباسي والى عليه الإنعامات الكاملة وأقطعه الإقطاعات الهائلة .وذكر ابن الأثير في سنة إحدى وستمائة: كان الحرب بين قتادة الشريف أمير مكة وبين الأمير سالم بن قاسم الحسيني أمير المدينة، ومع كل واحد منهما جمع كثير .وفي ذلك يقول الشريف قتادة: من الطويل:

    مَصَاِرعَ آل الُمصطفَى عُدتِ مثلَ ما ........ بَدَأتِ وَلَكِن صِرتِ بَين الأَقَاِرب

    فاقتتلوا قتالاً شديداً، وكان الحرب بذي الحليفة .وقد كان قتادة قصد المدينة ليحصرها ويأخذها فحصرها مدة معلومة، فلقيه سالم بعد أن قصد الحجرة الشريفة وصلى عندها، ودعا وسار إلى قتال قتادة، فانهزم قتادة وتبعه سالم إلى مكة، وحصرها وأرسل إلى قتادة يقول بعد أن حصرها المدة المعلومة: حصر بحصر يا ابن عم. فأرسل قتادة إلى من مع سالم فأفسدهم عليه فمالوا معه، فلما علم بذلك سالم رحل عنه عائداً إلى المدينة .ثم إن قتادة خرج لحرب ثقيف فتحصنوا بحصونهم فلم يقدر عليهم، فآمنهم وحلف، فحضروا عنده فقتل منهم طائفة من أكابرهم، واستخلف على بلادهم نواباً من عنده، وعضدهم بعبيد له، فلم يبق لأهل الطائف معهم كلمة ولا حرمة، فعند ذلك اجتمع أهل الطائف ودفنوا سيوفهم في الرمل - وذلك في المجالس التي جرت عادتهم بالجلوس فيها مع أصحاب قتادة - واستدعوا أصحاب قتادة وأوهموهم أن ذلك بسبب كتاب ورد عليهم، فلما اجتمعوا أخرجوا سيوفهم وقتلوا أصحاب قتادة عن آخرهم، ولم يسلم منهم ألا واحد وصل إلى قتادة وهو واله العقل لما شاهد من الهول، وكان ذلك في سنة ثلاث عشرة وستمائة .وذكر الميورقي: أن في هذه الواقعة فقد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف لما نهب جيش قتادة البلاد .وذكر أبو شامة في أخبار سنة تسع وستمائة قال: فيها قتل قتادة صاحب مكة إمام الحنفية وإمام الشافعية ونهب اليمنيين .وذكر أيضاً في سنة ثمان وستمائة نهبه الحاج العراقي وكان أمير الركب علاء الدين محمد بن ياقوت نيابة عن أبيه ومعه ابن أبي فراس يدبره .وحج من الشام الصمصام إسماعيل، وكانت ربيعة خاتون أخت العادل بن أيوب في الحج، فلما كان يوم النحر بعد رمي الجمرة وثب بعض الإسماعيلية على رجل شريف من بني عم قتادة أشبه الناس به وظنه إياه فقتله عند الجمرة، ويقال: إن الذي قتله كان مع أم جلال الدين، فثار عبيد مكة عند ذلك والأشراف، وصعدوا على الجبلين بمنى، وهللوا وكبروا وضربوا الناس بالحجارة والمقاليع والنشاب، ونهبوا الناس يوم العيد والليلة واليوم الثاني، وقتل من الفريقين جماعة، فقال ابن أبي فراس لمحمد بن ياقوت: ارحل بنا إلى الزاهر إلى منزلة الشاميين، فلما حصلت الأثقال على الجمال حمل قتادة والعبيد، فأخذوا الجميع ألا القاتل، وقال قتادة: ما كان المقصود ألا أنا، والله لا أبقيت من حاج العراق أحداً، وكانت ربيعة خاتون بالزاهر ومعها ابن السلاخور سياروج وحاج الشام، فجاء محمد بن ياقوت أمير الحاج العراقي فدخل خيمة ربيعة خاتون مستجيراً بها ومعه أم جلال الدين، فبعث قتادة يطلبه، فبعثت خاتون مع ابن السلاخور إلى قتادة تقول له: ما ذنب المسلمين ؟قد قتلت القاتل وجعلت ذلك وسيلة إلى نهب المسلمين، واستحللت الدماء في الشهر الحرام في الحرم، وقد عرفت من أنا، والله لئن لم تنته لأفعلن وأفعلن .فجاء ابن السلاخور إلى قتادة فأخبره وخوفه عاقبة ما يروم وقال: إن فعلت غير ما فعلت قصدك الخليفة من بغداد ونحن من الشام، فكف عنهم، وطلب مائة ألف: دينار فجمعوا له ثلاثين ألفاً من أمير الركب، العراقي ومن خاتون أم جلال الدين، وأقام الناس ثلاثة أيام حول خيمة ربيعة خاتون بين جريح وقتيل ومسلوب وجائع وعريان، ويقال: إن قتادة أخذ من المتاع ما قيمته ألف ألف دينار، وأذن للناس في الدخول إلى مكة، فدخل الأصحاء الأقوياء وطافوا، ومعظم الناس ما دخل مكة، ورحلوا إلى المدينة، ثم إنهم دخلوا إلى بغداد على غاية الفقر والذل والهوان .وفي سنة تسع وستمائة: وصل من قبل الخليفة الناصر العباسي إلى قتادة مع الركب العراقي مَالٌ وخلعة وكسوة ولم يظهر له الخليفة إنكاراً على ما تقدم من نهب الحاج، وجعل أمير الحاج يتدرجه، ويخدعه بأنه لم يصح عند الديوان العزيز ألا أن الشرفاء وأتباعهم نهبوا أطراف الحاج ولولا تلافيك لهلكوا، وقال له: يقول لك مولانا الوزير: وليس كمال الخدمة الإمامية ألا بتقبيل العتبة، ولا عز الدنيا والآخرة ألا بنيل هذه الرتبة. فقال الشريف قتادة: سأنظر في ذلك ثم تسمع الجواب. واجتمع ببني عمه الأشراف وعرفهم أن ذلك استدراج لهم وله حتى يتمكن من الجميع. ثم قال لهم: يا بني الزهراء، عزكم إلى آخر الدهر مجاورة هذه البنية والاجتماع في بطائحها، فلا يرغبونكم بالأموال والعدة والعدد، وقد عصمكم الله وعصم أرضكم بانقطاعها وإنها لا تبلغ ألا بشق الأنفس. ثم عاد أبو عزيز قتادة إلى أمير الركب العراقي وقال له: اسمع الجواب. ثم أنشده الأبيات المتقدمة، فقال له أمير الركب الشريف: يا شريف، حاشا الله أن أحمل مثل هذه الأبيات منك، وأنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفة ابن عمك، وأنا مملوك تركي لا أعلم من الأمور التي في الكتب ما علمتَ، ولكني قد رأيت أن هذا من سرف العرب الذين يسكنون البوادي، وترغاب قطاع الطريق، والله لا حملت هذه الأبيات عنك فأكون قد جنيت على بيت الله وبني بنت نبيه، ووالله لو وصل إليه ما ذكرت لجعل سائر الوجوه إليك، ولكن لي رأي أعرضه عليك، فأصغي إليه أبو عزيز وعلم أنه رجل عاقل، قال: الرأي أن ترسل أحد أولادك من لا تهتم له إن جرى عليه ما تتوقعه، ومعاذ الله أن يجري عليه ألا ما تحبه، وترسل معه جماعة من ذوي الأسنان والهيئات، فيدخلوا مدينة السلام وفي أيديهم أكفانهم منشورة، وسيوفهم مسلولة، ويقبلون العتبة، ويتوسلون بالنبى صلى الله عليه وسلم، وبصفح أمير المؤمنين، وسترى ما يكون من الخير لك وللناس. قال: فشكره قتادة ووجه صحبته ولده راجح بن قتادة، وأشياخ الشرفاء، ودخلوا بغداد على تلك الهيئة التي ذكرها، وهم يضجون ويتضرعون ويبكون، والناس يبكون لبكائهم، فاجتمع الخلق كأنه المحشر، ومالوا إلى باب النوبة من أبواب مدينة الخليفة، فقبلوا هنالك العتبة .وبلغ الخبر الناصر العباسي فعفا عنهم وعن مرسلهم، وأنزلوهم في الديار الواسعة، وأكرموا الكرامة التي ظهرت، واشتهرت وعادوا إلى أبي عزيز بما أحب، فكان بعد ذلك يقول: لعن الله أول رأى عند الغضب، ولا عدمنا عاقلاً ناصحاً يثبتنا عنده .قال المنذري في التكملة: كان قتادة المذكور مهيباً وقوراً قوي النفس شجاعاً مقداماً فاضلاً له شعر، تولى إمرة مكة، رأيته بها يطوف بالبيت، ويدعو بتضرع وخشوع، والريس على زمزم يدعو له وهو كالأسد شجاعة والقطب خشوعاً وتضرعاً والبدر كمالاً وبهاء .وكان مولده بوادي ينبع وبه نشأ. وكانت مملكته قد اتسعت من حدود اليمن إلى خلف مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وكثر عسكره واستكثر من المماليك، وخافته العرب في تلك البلاد خوفاً عظيماً، وسار في مكة سيرة حسنة، وأزال عنها العبيد المفسدين، وحمى البلاد وأحسن إلى الحجاج وأكرمهم وبقي كذلك مدة، ثم أساء السيرة وجدد المكوس وفعل أفعالاً شنيعة، ونهب الحجاج، وكان يخطب للناصر أحمد العباسي ابن المستضيء، ثم يخطب لنفسه بالأمير المنصور، ودام ملكه نحو سبع وعشرين سنة .وكان وراثته الملك عن مكثر بن عيسى الذي ورثه من آبائه الهواشم، ولم يكن أبو عزيز من الهواشم ألا من جهة النساء .ثم زاد ظلم قتادة في الناس وأذاه للحجاج من العراقيين وغيرهم، وأظهر التعدي حتى ضج الناس وفسدت نيته على الخليفة الناصر العباسي، فارتفعت الأيدي بالدعاء عليه، فقتله الله على يد ابنه حسن بن قتادة .وكان قتله في جمادى الأولى، هكذا ذكره أبو شامة في سنة 617 سبع عشرة وستمائة .وقال المنذري: بل في جمادى الأخرى من سنة 618، ثم استقر بعده في ملك مكة ابنه حسن بن قتادة. قيل قتله خنقاً .وسبب قتله: أن قتادة جمع جموعاً وسار من مكة يريد المدينة الشريفة فنزل بوادي الفرع، وهو مريض وبعث أخاه على الجيش ومعه ابنه حسن هذا، فلما بعد وأبلغ حسن أن عمه قال لبعض الجند: إن أخي قتادة مريض وهو ميت لا محالة، وطلب منهم أن يحلفوا له ليكون هو الأمير بعده .فلما بلغ الحسن ذلك أرسل إلى عمه من خنقه وخرج للناس في الحرم، وطلب الأشراف ووجوه الناس، وقال لهم: إن أبي اشتد به المرض وأنا أحب أن تبايعوني، فبايعوه وحلفوا له، فأحضر تابوتاً مغطى وقال: هذا أبي مات. وكان قد دفنه ليلاً .فلما استقرت الإمارة لحسن، وثبتت قدمه أرسل إلى أخيه، وكان بينبع وطلبه ولم يخبره بحال أبيه، فلما وصل إليه قتله، وكان له أخ اسمه راجح كانت بينهما مباينة أقام في الأعراب هارباً بظاهر مكة حتى كان من أمره مع آق باش أمير الركب العراقي ما كان كما سيأتي قريباً .ولما بلغ قتادة قتل حسن لعمه قامت قيامته وحلف ليقتلن حسناً، فبلغ ذلك حسناً، فدخل على أبيه بعد عوده من المدينة، فبالغ قتادة في ذمه وتهديده، فوثب إليه حسن، واستعان بغلام وجارية كانا يخدمان أباه فأمسكا يديه، فقتله خنقاً ثم قتلهما ليخفي سبب قتله، وقيل بل قتله سماً. فهذا سبب قتل حسن أباه قتادة .وكانت وفاته كما تقدم في جمادى الآخرة عام 617 سبع عشرة وستمائة أو ثمان عشرة، والأول هو الذي رأيته أكثر .وكان قتادة يقول: أنا أحق من الناصر العباسي بالخلافة، وكان في زمنه في المسجد يؤذن بحي على خير العمل، ومدة عمره نحو سبعين سنة .ومدة ولايته من سنة 599 تسع وتسعين وخمسمائة إلى سنة 617 سبع عشرة وستمائة .ولما وصل الملك المنصور صاحب اليمن أمر بنبش قبر قتادة وإحراقه لما فعل من نهب اليمنيين، فوجدوا في القبر تابوتاً ليس فيه شيء، فعرف الناس بذلك أن حسن قتل أباه ودفن التابوت في قبر آخر ليخفي قبره على الناس .وكان لقتادة من الولد راجح وهو الأكبر الذي فر إلى الأعراب بظاهر مكة كما تقدم، وحسن وعلى الأكبر جد الأشراف المعروفين بذوي علي، وعلى الأصغر جد أبي نمي جد الأشراف الذين كانوا ولاة خليص، وهم الآن ولاه مكة، ألا ترى أن عجلان بن رميثة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي هذا الأصغر بن قتادة، ولكل من هؤلاء ذرية وأعقاب .ومما صنع الشريف قتادة أن أدار على مكة سوراً من أعلاها ؛ليحفظها عمن يريدها بسوء .ثم وليها الشريف حسن بن قتادة عام سبع عشرة وستمائة، ووقع فيها قتال بينه وبين آق باش أمير الركب العراقي، وهو مملوك تركي للناصر العباسي عقد له الولاية على مكة وعلى كل بلد يدخلها، ومعنى آق باش: أبيض الرأس .وسبب القتال أنه لما ورد آق باش المذكور أميراً، تعرض راجح لقطع الطريق بين مكة وعرفة، فأمسكه الأمير المذكور، فأرسل أخوه حسن إلى الأمير موعداً له بمال جزيل أن يسلم إليه أخاه راجحاً، فبلغ ذلك راجحاً، فقال للأمير: أنا أعطيك أضعاف ما وعدك فأعني على ولاية مكة، فوعده بذلك، فأرادا جميعاً دخول مكة فمنعهما حسن ووقع الحرب، فصعد آق باش على جبل عرفة بما عنده من المنعة، فأحدقت به أعراب الشريف حسن فقتل، وعلق رأسه في ميزاب الكعبة، وقيل: رفع على رأس رمح بالمسعى، وأرسل يعتذر إلى دار الخلافة، كذا في عمدة الطالب .وفي موسم تسعة عشرة وستمائة وليها الملك المسعود يوسف من بني أيوب، وصل إليها وكان قد تفرق عن حسن والأشراف، لشحه ولم يبق عنده ألا جماعة من عشيرته .وجاء مع صاحب اليمن المذكور أخو الشريف حسن الشريف راجح بن قتادة فتقاتلا بالمسعى، فانكسر حسن وفارق مكة فنهبها الملك المسعود، وراجح حتى سلبوا الناس أشياء من على أجسادهم، وولى الملك المسعود راجح بن قتادة حلياً ونصف المخلاف، وأمر المسعود بنبش قبر قتادة فلم يجدوا ألا التابوت كما تقدم ذكر ذلك، وعمل المسعود في مكة من المنكرات ما لم يُرَ .منها: أنه يطلع على قبة زمزم، ويرمي الحمام بالبندق، ويجلس عبيده بالمسعى فيضربون أرجل الناس بالسيوف يقولولن: إن السلطان سكران نائم، امشوا قليلاً قليلاً لئلا توقظوه. كانت داره على المسعى تسمى دار السلطنة، وكانت تسمى دار القوارير .قلت: عثرت في بعض التواريخ أن محلها كان محل المدرسة القايتبائية الآن. انتهى .ثم خرج من مكة واستناب عليها نور الدين علي بن رسول الغساني الملقب بالملك المظفر ورتب معه ثلاثمائة فارس، وولى راجحاً حلياً وأعمالها .ثم وصل حسن بجيش عظيم من الينبع إلى مكة سنة عشرين وستمائة فخرج إليه أميرها علي بن رسول المذكور، فكسره علي بن رسول، فتوجه إلى الشام فلم ير بها وجها ولم يفلح بعد قتل والده وعمه، وقد دعا عليه أبوه قتادة في قصة اتفقت له نقلها الزنجاني وزير أبيه الشريف قتادة هي: أنه كان الشريف قتادة بالحرم الشريف مع الأشراف فهجم عليه ولد لولده حسن وترامى في حجره مستجيراً، وإذا بوالده حسن يشتد في إِثره حتى ألقى يده في شعره وجذب الصبي من حجر جده فاغتاظ الشريف قتادة، وقال الحسن: هكذا ربيتك، ولهذا ادخرتك ؟فقال حسن: ذاك الإخلال أوجب هذا الإدلال .فقال الشريف قتادة: ليس هذا بإدلال ولكنه إذلال، وانصرف حسن بولده ففعل فيه ما اقتضاه عقله، فالتفت الشريف قتادة إلى الأشراف، وقال لهم: والله لا أفلح هذا، فلم يمر به ألا زمن يسير حتى قتل أباه وفاق عقوبة العقوق والقطيعة، ثم توجه إلى العراق، فلم ير بها وجهاً، بل أرادوا قتله بسبب قتله آق باش الناصري مملوك الخليفة الناصر العباسي في الواقعة التي جرت في أيامه بمكة زمن الحج، فخرج منها خائفاً، ولم يزل طريداً شريداً خائفاً إلى أن وصل بغداد، فأدركه أجله في الجانب الغربي على دكة، فلما علم به غُسل وصُلي عليه، وحمل فدفن في مشهد موسى الكاظم سامحه الله تعالى، هذا حاصل ما ذكره المؤرخون في مصنفاتهم مفرقاً غير مجتمع في كتاب ولا مستوفي، جمعت ما ذكروه، وسقته مجتمعاً كل حديث في محله، وكل فرع إلى أصله، وكل نوع إلى جنسه وشكله. وهذا شاني في ترجمة كل واحد من هؤلاء السادة الأعلام، أذكرها كافلة للمرام، بعون الملك العلام .على إني لا أخلو من قول جاهل خامد، أو فاضل حاسد، أو مبغض جاحد: هل زاد على الجمع ؟وما درى أنه تقطير للفؤاد تقطير للدمع، إذ تتبع ذلك من مظانه المتفرقات، وضم شمل القصة وسبكها في ألطف قالب من العبارات، يعرف قدره من أشرق في أفق الفضل وما غاض بدر تمه، ولا يجحد حقه ألا كل عاض بظر أمه .على أن لي فيه فلتوتات، كأنها ياقوتات، ينظرها بنور العدل والإنصاف، زاكي السريرة ذاتاً وسمى، ويتخونها من عم بصره وبصيرته عمه وعمى .لكن الأعمال بمقاصدها، والله عالم بصحيح النية من فاسدها .ولم تزل مكة في ولاية الملك المسعود يوسف بن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، ونائبه عليها نور الدين علي بن رسول إلى سنة خمس وعشرين وستمائة، فتوفي الملك المسعود بعد أن فلج ويبست يداه ورجلاه، ورأى في نفسه العبر، نعوذ بالله من سوء قضاه .وفيها وصل إلى مكة جيش من صاحب مصر وعلى الجيش طغتكين ومعه مائتا فارس، ففر منها نائبها نور الدين علي بن رسول نائب الملك المسعود، وأنفق طغتكين على أهل مكة نفقة جيدة، وحلفهم، وتوثق منهم .فلما كان سنة سبع وعشرين وستمائة وصل إلى مكة جيش صاحب اليمن علي بن رسول الغساني وصحبته السيد راجح بن قتادة، فنزلوا بالأبطح وحصروا مكة، وأرسل الشريف راجح إلى أهل مكة يذكرهم إحسان السلطان نور الدين أيام نيابته بمكة عن الملك المسعود، فمال رؤساء مكة إليه، فلما أحس بذلك الأمير طغتكين خاف على نفسه فخرج خائفاً وقصد وادي نخلة، فدخل راجح ومن معه .فوليها الشريف راجح بن قتادة وكان أمير الجيش يسمى ابن عبدان، فدخل إلى مكة واستولى عليها وخطب للملك المنصور ابن الملك المسعود .وتوجه طغتكين إلى ينبع وكان بها رتبة للكامل صاحب مصر الأيوبي، فأقام هناك، وعرف الكامل بالخبر، فجهز جيشاً كبيراً من مصر، وأمر صاحب الينبع، وصاحب المدينة أن يخرجا مع ذلك الجيش إذا وصل إليهما، ففعلا، ووصلوا إلى مكة جميعاً في رمضان، وحاصروا راجحاً وابن عبدان وقاتلوهما فانكسروا، واستولى على مكة أميرها الأول طغتكين، فقتل من اْهل مكة خلقاً كثيراً وأنهبت ثلاثة أيام وأظهر حقده عليهم، وأخافهم خوفاً شديداً .وفي سنة ثلاثين وستمائة جمع الشريف راجح جموعاً عظيمة، وأملى الملك المنصور صاحب اليمن بعساكر، فقدم مكة، وطرد طغتكين وعسكر الملك الكامل صاحب مصر، فلما علم بذلك الكامل جهز عسكراً في شوال سبعمائة فارس، فلما أن وصل الحاج واتضح أمر العسكر خرج الشريف راجح من مكة فدخلها العسكر المصري من غير محاربة وطيبوا قلوب أهلها وعدلوا فيهم وأحسنوا، وحج بالناس أمير يسمى الزاهد، وترك في مكة أميراً يقال له ابن مجلي في خمسين فارساً أقام بمكة فعدل وأحسن السيرة .وفي سنة إحدى وثلاثين: جهز الملك المنصور صاحب اليمن إلى السيد راجح عسكراً جراراً، وخزانة عظيمة، فنهض راجح ومن معه من العسكر، ودخلوا مكة، وأخرجوا ابن مجلي ومن معه، فلما أن وصل الحاج سمع الشريف راجح أن الملك الكامل حاج على النجب لوعد بينه وبين الخليفة العباسي، فخرج راجح من مكة فتغير عليه خاطر الملك المنصور، فلما رجع الملك الكامل عاد راجح إلى مكة وكان بها غلاء عظيم، سموه غلاء ابن مجلي .وفي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة: وصل من صاحب مصر عسكر ألف فارس، فخرج الشريف راجح إلى اليمن، فجهزه الملك المنصور بخزانة وعسكر أيضاً، وأرسل قناديل ذهب وفضة لتعلق في جوف الكعبة فلم يقدر راجح ومن معه لمقاومة العسكر المصري فلم يدخل، فلما سمع بهم العسكر المصري خرجوا إليهم من مكة، فالتقوا بمحل يقال له الخلف والخليف، فانهزمت الأعراب أصحاب راجح، وأسر أمير عسكره ابن عبدان فقيد، وأرسل به إلى مصر .وفي سنة خمس وثلاثين وستمائة خرج السلطان نور الدين علي بن رسول من اليمن قاصداً مكة في ألف فارس، وأرسل للجند الذين بمكة أن كل من جاء إليه يعطيه ألف دينار وحصاناً وكسوة، فمال إليه كثير من الجند، وآثروه على مولاهم، ووفي لهم بما وعدهم، وأرسل إلى الشريف راجح، فتلقاه من أثناء الطريق، فقدمه صحبة ثلائمائة فارس من أهل النجدة من عسكره، وأعطاه النقارات والكئوسات، وتقدم إلى مكة .فلما تحققت عساكر مصر وصول السلطان أحرقوا ما كان عندهم من الأثقال والأقوات، وخرجوا من مكة، فأرسل الشريف راجح يبشر السلطان نور الدين بما وقع، فأحرم بعمرة ودخل مكة في رجب، وتصدق على أهل مكة بأموال جزيلة .وفي ذلك العام مات الكامل صاحب مصر، فخطبوا للملك المنصور ابن الملك المسعود صاحب اليمن .وفي سنة سبع وثلاثين وستمائة: أرسل صاحب مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل إلى مكة ألف فارس عليهم الشريف شيحة بن قاسم الحسيني أمير المدينة الشريفة، فلما سمع بهم راجح ومن معه من عساكر الملك المنصور، فروا إلى اليمن وأخلوا مكة، فدخلها شيحة وملكها ونهبها، فلما بلغ ذلك المنصور صاحب اليمن جهز السيد راجحاً بعسكر معه إلى مكة، فلما أحس بهم الحسيني فر هارباً من مكة وأخلاها .وفي موسم سنة تسع وثلاثين وستمائة دخل من صاحب مصر عسكر إلى مكة، فلما بلغ صاحب اليمن تجهز، وخرج إلى مكة بجيش كثيف، فهرب المصريون، وأحرقوا دار السلطنة بمكة، فدخل السلطان نور الدين علي بن رسول الغساني، وصام رمضان، وأقام بها وأبطل المكوس والجبايات والمظالم، وكتب ذلك في رخامة مربعة جعلت قبالة الحجر الأسود في حائط زمزم، وأرسل يطلب أبا سعيد الحسن بن علي بن قتادة من ينبع، فلما أتاه أكرمه وأنعم عليه، فاستخدمه على مكة، واشترى منه قلعة الينبع وأمر بخرابها لأجل أهل مصر، وأبقى عنده مملوكه ابن فيروز، والأمير فخر الدين بن السلاح، فأقام ابن السلاح أميراً سبع سنين، فولى بعده الأمير ابن المسيب سنة خمس وأربعين .وفي سنة ست وأربعين وستمائة ولي مكة الشريف أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة، وذلك أن الملك المنصور قبل ذلك لما دخل مكة أقام أبا سعد هذا بوادي مر ليساعد عسكره الذين أقاموا بمكة، فحسن مشايخ العرب من زبيد وغيرهم لأبي سعد الحسن بن علي بن قتاده أخذ مكة والاستيلاء عليها، والفتك بمن فيها من العسكر اليمني، وهونوا عليه أمرهم، وكانوا فرقتين، فرقة تخرج إلى أعلى المعلاة، والفرقة الأخرى تخرج إلى أسفلها هكذا كل يوم. فحمل أبو سعد على إحدى الفرقتين، فكسرها فضعفت الأخرى، فقبض على ابن المسيب وأخذ خيله وعدده ومماليكه، واستولى على مكة، وأحضر الأعيان من أهلها، وقال: ما لزمته ألا لتحققي خلافه ونيته الخروج على الملك المنصور صاحب اليمن، والذهاب بهذا المال إلى العراق، والمال عندي محفوظ إلى أن يصل مرسوم السلطان فأسلمه إليه، فوردت الأخبار بعد أيام يسيرة بموت الملك المنصور علي بن رسول، فقوي أمر أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة المذكور، فخرج الشريف راجح من مكة لما رأى أن ابن أخيه أبا سعد الحسن المذكور استولى عليها، وسكن المحل المعروف بالواديين .وكان الشريف الحسن هذا شجاعاً جلداً كريم الأخلاق شديد الحياء، جمع الشجاعة والكرم والعلم والعمل، وكانت أمه حبشية، ووقع له معها أنه حارب بعض العرب، فلما تراءى الجمعان، جاءته في هودجها فقالت له: اعلم أنك وقفت في موقف إن ظفرت أو قتلت قالت الناس: ظفر ابن رسول الله أو قتل ابن رسول الله، وإن هربت قالوا: هرب ابن السوداء، فانظر أي الأمرين تحب أن يقال. فقالا لها: جزاك الله خيراً لقد نصحت فأبلغت، ورجع فقاتل حتى ظفر، فقال الناس كما قالت ودامت ولايته على الحجاز نحو أربع سنين وأشهر إلى أن قتله ابن عمه جماز ابن حسن بن قتادة لثلاث خلون من شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة، وقيل في شهر رمضان، وقيل: في شوال .وأبو سعد هذا هو والد عبد الكريم جد الأشراف ذوي عبد الكريم ووالد أبي نمي صاحب مكة الآتي ذكره .كان الشريف أبو سعد هذا فاضل الأخلاق، طيب الأعراق شديد الحياء، جمع الشجاعة والكرم والعلم والعمل، له الشعر الرائق والنثر الفائق، فمن شعره القصيدة المشهورة: من المتقارب:

    خُنُوا قَوَديِ من أسيرِ الكلل ........ . . . . . . . . . . . .

    نسبها العلامة الفاسي إليه .والمشهور أنها لابن مطروح والشهرة تساعده .قال: ألا أن في القصيدة أبياتاً ترجح أنها لأبي صعد لأن إنشاءها إنما يليق بالملوك، منها قوله فيها: من المتقارب:

    وإن قِيلَ إني غَداً مَيت ........ بِأَيدِي الصبَابَةِ ظُلماً فَهَل

    تموتُ نفوس بِآجَالِها ........ وَنفِسي تَمُوتُ بِغَيرِ الأجَل

    فَلَيتَ إذا ماً آَتاني الحِمَامُ ........ يُؤَخرُ عَني الإلهُ الأجَل

    لأني غيُوث إِذاً الغَيثُ مَل ........ ويَوْمَ الِكفَاح أُرَوى الأَسَلْ

    فيحتمل ويحتمل والله أعلم .قلت: الاستدلال على أنها لأبي سعد بأن فيها أبياتاً لا يليق إنشاؤها ألا بالملوك استدلال لا ينهض، إذ كل كريم شجاع يسوغ له أن يتمدح ويقول عن نفسه ذلك، بل صناعة الشعر ومبالغاته تسوغ للشاعر القول، وإن لم يتصف بإنالة نائل ولا طول طائل .ثم وليها جماز بن حسن بن قتادة في رمضان من السنة المذكورة .وذلك أنه لما كانت سنة إحدى وخمسين وستمائة، قدم الشريف جماز هذا بعسكر من عند الناصر بن العزيز بن الظاهر بيبرس، ووعده أن يخطب له بمكة، فأمده بعسكر صحبة الركب الشامي، فتقدم أمام الركب ودخل مكة في رمضان من السنة المذكورة، واستولى على مكة وقتل ابن عمه أبا سعد الحسن بن علي بن قتادة وحج بالناس، ثم نقض عهد الناصر، ولم يخطب له، وخطب للملك المظفر بن المنصور بن المسعود صاحب اليمن، فلما كان آخر يوم من ذي الحجة من السنة المذكورة قدم عمه راجح بن قتادة ففر منه جماز بلا قتال إلى ينبع .ثم وليها راجح بن قتادة وكان بمكة غلاء عظيم، وعطش بيعت شربة الماء بدرهم والشاة بأربعين درهماً، واستمر إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة، فلما كان شهر ربيع الأول منها هجم عليه ابنه غانم بن راجح، وأخرجه من مكة بلا قتال .فوليها غانم بن راجح في شهر ربيع الأول، واستمر إلى شهر شوال من السنة المذكورة .ثم وليها أبو نمي بن أبي سعد بن قتادة، وعمه إدريس بن حسن بن قتادة، وأخرج غانم بن راجح منها .وأبو نمي هذا: هو والد أبي سعد الحسن المذكور، وذلك أنه في شوال آخر السنة المذكورة أعني سنة اثنتين وخمسين وستمائة قبل وصول الحج إلى مكة قدم الشريف أبو نمي، وعمه إدريس وأخذا مكة من غانم بن راجح بعد قتال شديد قتل فيه من الأشراف ثلاثة .فلما كان أول الحجة وصل من جانب الملك المظفر صاحب اليمن عسكر عليه أمير ابن برطاش فبرز له الأشراف أبو نمي وإدريس ومن معهما إلى خارج مكة، وتقاتلوا بالسرحة من قوز المكاسة، وكان معهم الشريف جماز بن شيحة، فقتل بين الصفين خلق كثير، وانهزم الأشراف، ودخل مكة عسكر الملك المظفر .وفي عام ثلاث وخمسين وستمائة جمع الشريف أبو نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة، وعمه الشريف حسن بن قتادة جمعاً عظيماً، وقصدوا مكة فدخلوها من رؤوس الجبال، وتقاتلوا وسط مكة هم وعسكر الملك المظفر صاحب اليمن فقتلوا غالب العسكر، وأسروا الأمير ابن برطاش، وسفكت الدماء بالحرم الشريف، وامتلأت البلد منهم رعباً بحيث لم يصل في الحرم أحد، ووقع بينهم في أيام الحج وبين أمير الحاج العراقي فتنة درأها الله تعالى بالصلح فسلم المسلمون، وفدى نفسه ابن برطاش الأمير، ورجع من حيث جاء .وفي سنة أربع وخمسين وستمائة: استظهر إدريس على أبي نمي بإمرة مكة ثم اشتركا. وفي موسم خمس وخمسين وستمائة لم يحج أحد من أهل الحجاز، ولم ترفع راية من رايات الملوك لأحد بمكة .وفي سنة ست وخمسين وستمائة خرج أبو نمي إلى ثقيف، وبقى إدريس بالبلد فهجم عليه أولاد حسن بن قتادة إخوتة بعد أن لزموه .فوليها أولاد حسن بن قتادة في غيبة أبي نمي، فلما جاء أخرجهم منها في السنة المذكورة بغير قتال. وكانت مدتهم ستة أيام .وفي سنة تسع وخمسين وستمائة حج الملك المظفر يوسف بن الملك المنصور صاحب اليمن معه المراكب تسايره في البحر مشحونة بالعلوفات والأطعمة، وأكثر في طريقه من الصدقات وفعل الخيرات والمبرات، والشريف أبو نمي، وعمه إدريس متوليين إمرة مكة، فلما سمعا به خرجا خوفاً منه، فدخلها المظفر في عساكر كثيرة محرماً خاشعاً حاسر الرأس حتى دخل المطاف، ثم نزل عسكره بالحجون، ولم يزل بمكة إلى أن قضى ما عليه من الوقوف بعرفة وبقية المناسك، ولم يزل مدة إقامته بمكة يصلي المغرب على قبة زمزم، وخدم البيت وغسله مع الخدام وصب عليه وكنس، وكسا البيت الشريف من داخله، ولم يكسه ملك قبله بعد الخلفاء العباسية، وقام بمصالح الحرم وأهله، ثم أقام بمكة عشرة أيام يفرق الصدقات حتى وصلت صدقاته إلى كل منزل بمكة، ونثر على الكعبة الذهب والفضة، وعمل للكعبة باباً وقفلاً، وودع البيت باكياً وعاد إلى بلاده، وفي غالب سلطنته كان يخطب له بمكة .واستمر أبو نمي وعمه إدريس متوليين إمرة مكة إلى سنة سبع وستين، ثم انفرد بها أبو نمي، وأخرج عمه إدريس منها، وخطب لصاحب مصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري، واشترط عليه السلطان أن لا يمنع زائراً لا ليلاً ولا نهاراً، ولا يعترض تاجراً بظلم، وأن تكون الخطبة والدعاء له، ولأبي نمي، وجعل له عشرة آلاف درهم في كل سنة، فأجاب الشريف أبو نمي بقبول هذه الاشتراطات، فلما ورد إلى السلطان من أبي نمي الإجابة بالسمع والطاعة وقبول ما اشترطه كتب السلطان إليه مرسوماً بإمرة مكة منفرداً .ففي سنة ثمان وستين: حج السلطان الملك الظاهر بيبرس على تجريدة خيل وركاب، وكان قدم له مع الحج خيلاً وحملاً ومتاعاً في المنازل كلما أصبح في منزل ترك الخيل الأولى وأخذ المهيئات له، فارتحل إلى أن وصل مكة ثامن ذي الحجة آخر النهار، وقد طلع الناس عرفة، ولم يبق في مكة غير الشريف أبي نمي وعسكره، فاستنكروا ذلك وقالوا: ما يصل في هذا الوقت ألا من قصد إدراك الحج قبل فواته أو غريب ما قدم قبل ذلك لا يعرف العادة، ورأوهم جميعهم على الخيل البلق .فقالوا لهم: من أين أنتم، من العراق أو من الكوفة أو من العجم أو من الترك ؟فقال السلطان: قولوا له: أليس قد قلت لا يجيئني ألا على خيل بلق فقد جئناك على البلق، ونحن محرمون، وهذا صاحب مصر معه أمراء مصر والشام وعرفوه كل أمير، باسمه فإن تقتل الجميع فاقتلهم، وكان الشريف أبو نمي قد قال مثل هذا القول في العام الماضي، فاستغفر وتقدم إلى السلطان وقال: العفو يا مولانا السلطان، ثم ركب وسعى مع السلطان، وأشهد على نفسه أن لا يمكس أحداً من الحجاج القادمين براً وبحراً ويبطل الجباية والمظالم إلى أن تقوم الساعة وكتب عليه الإشهاد بذلك، فبطل ذلك وكان في صحائف الملك الظاهر بيبرس، وتصدق السلطان بالحرم وفرق كساوي على أهله وعلق كسوة الكعبة بيده وزار من بمكة من الصالحين، وأحسن إحساناً كثيراً إلى الشريف أبي نمي، وكذلك لأمير المدينة، وكتب لأبي نمي وإدريس أن يكون حالهما واحداً في إمرة مكة فعادا شريكين. ثم انفرد إدريس بها أربعين يوماً، ثم قتل أبو نمي عمه إدريس في حرب كانت بينهما بخليص، وانفرد بها، وذلك أنه لما استظهر عمه إدريس عليه، وأخرجه من مكة، وانفرد بالإمرة خرج أبو نمي هارباً من عمه إدريس من مكة، ووصل إلى ينبع، واستنجد بصاحبها وحشد، وجمع وقصد مكة بالجيش، فالتقى هو وعمه إدريس بخليص وتحاربا فطعن أبو نمي عمه فألقاه من ظهر الفرس ونزل واحتز رأسه، واستقل بالولاية منفرداً وذلك في سنة 669 تسع وستين وستمائة .وله وقائع مشهورة مع ملوك مصر وغيرهم، منها أنه في سنة 683 ثلاث وثمانين وستمائة كانت فتنة بينه وبين واحد من أبناء أخيه لأجل ما يؤخذ من الحاج، قيل: كانوا يأخذون من حج اليمإني في كل جمل ثلاثين درهماً، ومن حاج مصر على كل جمل خمسين درهماً، ومع هذا لا يسلمون من النهب والعسف، فلما حج الظاهر بيبرس أزاله ثم أعادوه، فأرسل الملك المظفر عسكراً ملكوا مكة، فجمع أبو نمي عسكراً، ودخل إلى مكة، وأخرج عسكر اليمن، وزاد على الحجاج في الجباية، ووصله جيش من مصر، فلما وصلوا إلى قرب مكة قفل أبو نمي أبواب سور مكة، ومنعهم من الدخول، فاجتمع الحجاج فهدموه، وأحرقوا باب المعلاة ودخلوا مكة هجماً بعد فرار أبي نمي من مكة زمن الحج، فخشي الملك من عوده فترك بها ثلاثة آلاف مع نائب من قبله فأقاموا بها، فاتفق أن ألفاً منهم خرجوا لناحية منى للتنزه فكمن لهم الشريف أبو نمي في خيل، ورجل بمسجد الخيف، فلما عادوا قاصدين إلى مكة هجم عليهم فقصد أميرهم فقتله ثم قال: كل من قتل فارساً فله فرسه، فعاد أكثر رجله خيالة، ثم صدقوا المحاربة والمجالدة معه، فكسروا الألف عن آخرهم، وانتصروا وغنموا خيولهم وسلاحهم وتفكك منهم أفراد فلحقوا بالباقين بمكة، وعرفوهم الحال وأن لا طاقة لكم به فهزم الجميع إلى مصر، فلما بلغ ذلك ملك مصر جهز جيشاً كثيفاً لقتال أبي نمي المذكور، ثم عزم على الوصول إلى مكة بنفسه، فأتاه أحد العلماء الصالحين، وسأله عن توجهه، فقال: إنه لقتل الشريف أبي نمي وأهله، فقال له ذلك العالم إنك حسنت العبارة، ولكن الناس يقولون إنك ذاهب إلى حرم الله تعالى، وقتل أولاد حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك من الملك موقعاً ورجع عن عزمه، ثم راسل الشريف أبا نمي بالمراسيل والهدايا والكلام اللين حتى زالت الوحشة بينهما وأقره على إمرة مكة

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1