Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

صبح الأعشى في صناعة الإنشا
صبح الأعشى في صناعة الإنشا
صبح الأعشى في صناعة الإنشا
Ebook748 pages5 hours

صبح الأعشى في صناعة الإنشا

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

تعد هذه الموسوعة أحد المصادر العربية الواسعة التي تتناول مواضيع متعددة منذ الفترات الأولى في الإسلام عن أنظمة الحكم، والإدارة، والسياسة، والاقتصاد، والمكتبات، والولايات والعهود والعادات والتقاليد والملابس، في الشرق العربي. وفي الكتاب يتناول القلقشندي صفات كاتب الإنشاء ومؤهلاته وأدوات الكتابة وتاريخ الدواوين التي تعرف في الوقت الحاضر بمسمى الوزارات، وأيضاً يتناول الإنشاء في البلاد العربية وفنون الكتابة وأساليبها، ويصف الكتاب أشكال ملابس الجنود، والأسلحة، ومواكب تنصيب الخلفاء والسلاطين، وعن مناسبات استطلاع هلال رمضان، وموائد الإفطار، وملاعب السباق والألعاب الرياضية، ويصف أشكال العمائم والملابس ومراكب الدواب، ومظاهر المجتمع العربي وتقاليده وأعرافه وظواهره الاجتماعية.
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateJan 25, 1902
ISBN9786383954840
صبح الأعشى في صناعة الإنشا

Read more from القلقشندي

Related to صبح الأعشى في صناعة الإنشا

Related ebooks

Reviews for صبح الأعشى في صناعة الإنشا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    صبح الأعشى في صناعة الإنشا - القلقشندي

    الغلاف

    صبح الأعشى في صناعة الإنشا

    الجزء 6

    القلقشندي

    756

    تعد هذه الموسوعة أحد المصادر العربية الواسعة التي تتناول مواضيع متعددة منذ الفترات الأولى في الإسلام عن أنظمة الحكم، والإدارة، والسياسة، والاقتصاد، والمكتبات، والولايات والعهود والعادات والتقاليد والملابس، في الشرق العربي. وفي الكتاب يتناول القلقشندي صفات كاتب الإنشاء ومؤهلاته وأدوات الكتابة وتاريخ الدواوين التي تعرف في الوقت الحاضر بمسمى الوزارات، وأيضاً يتناول الإنشاء في البلاد العربية وفنون الكتابة وأساليبها، ويصف الكتاب أشكال ملابس الجنود، والأسلحة، ومواكب تنصيب الخلفاء والسلاطين، وعن مناسبات استطلاع هلال رمضان، وموائد الإفطار، وملاعب السباق والألعاب الرياضية، ويصف أشكال العمائم والملابس ومراكب الدواب، ومظاهر المجتمع العربي وتقاليده وأعرافه وظواهره الاجتماعية.

    الاقاليم الواقعة جنوب الديار المصرية

    اعلم أنه قد دخل في جهتي الشرق والغرب المتقدمتين ذكر أماكن مما هو في جهة الجنوب عن مملكة الديار المصرية ومضافاتها، انساق الكلام إليها استطراداً واستتباعاً: كأطراف اليمن، والهند، والصين الجنوبية الخارجة عن الإقليم الثاني إلى جهة الجنوب مما استتبعته ممالك الشرق، والمقصود الآن الكلام على ما عدا ذلك، وهو بلاد السودان .وهي بلادٌ متسعة الأرجاء رحبة الجوانب، حدها من الغرب البحر المحيط الغربي، ومن الجنوب الخراب مما يلي خط الأستواء ؛ومن الشرق بحر القلزم مما يقابل بلاد اليمن والأمكنة المجهولة الحال شرقي بلاد الزنج في جنوبي البحر الهندي، ومن الشمال البراري الممتدة بين الديار المصرية وأرض برقة، وبلاد البربر، ومن جنوبي المغرب إلى البحر المحيط .والمشهور منها ست ممالك .

    المملكة الأولى

    بلاد البجا

    والبجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الآخر. وهم من أصفى السودان لوناً. قال ابن سعيد: وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان، ومواطنهم في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق، فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل، على القرب من الديار المصرية .وقاعدتهم سواكن بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الآخر. قال في تقويم البلدان في الكلام على بحر القلزم: وهي بليدة للسودان، حيث الطول ثمانٌ وخمسون درجة، والعرض إحدى وعشرون درجة .قلت وقد أخبرني من رآها أنها جزيرةٌ على طرف بحر القلزم من جهته الغربية قريبةٌ من البر يسكنها التجار. وصاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة - بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر، وله مكاتبةٌ عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ويقال في تعريفه الحدربي بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما يعد، إن شاء الله تعالى .وقد عد في تقويم البلدان من مدن البجا العلاقي بفتح العين المهملة واللام المشددة ثم ألف وقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت. من آخر الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول ثمانٌ وخمسون درجة، والعرض ست وعشرون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي بالقرب من بحر القلزم، ولها مغاصٌ ليس بالجيد، وبجبلها معدن ذهب، يتحصل منه بقدر ما ينفق في استخراجه. قال المهلبي: إذا أخذت من أسوان في سمت المشرق تصل إلى العلاقي بعد اثنتي عشرة مرحلة. قال: وبين العلاقي وعيذاب ثمان مراحل ومن العلاقي يدخل إلى بلاد البجا .

    المملكة الثانية

    بلاد النوبة

    بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ولون بعضهم يميل إلى الصفاء، وبعضهم شديد السواد. قال في مسالك الأبصار: وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيها مما يلي المغرب على ضفتي النيل الجاري إلى مصر. قال في تقويم البلدان في الكلام على الجانب الجنوبي، وبينها وبين بلاد النوبة جبال منيعة .وقاعدتها مدينة دنقلة. قال في تقويم البلدان: الظاهر أنها بضم الدال المهملة وسكون النون وقاف مضمومة ولام مفتوحة وهاء في الآخر. وما قاله هو الجاري على ألسنة أهل الديار المصرية، ورأيتها في الروض المعطار مكتوبةً دملقة بإبدال النون ميماً، مضبوطةً بفتح الدال، وباقي الضبط على ما تقدم .وأنشد بيت شعر شاهداً لذلك. وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة .قال ابن سعيد: حيث الطول ثمانٌ وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض أربعة عشر درجة وخمس عشرة دقيقةً. قال: وفي جنوبيها وغربيها مجالأت زنج النوبة الذين قاعدتهم كوشة خلف الخط، وفي غربي دنقلة وشماليها مدنهم المذكورة في الكتب. قال الأدريسي: وهي في غربي النيل على ضفته وشرب أهلها منه. قال: وأهلها سودانٌ لكنهم أحسن السودان وجوهاً، وأجملهم شكلاً، وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم. واللحوم التي يستعملونها لحوم الأبل: طرية ومقددةً، ومطبوخة. وفي بلادهم الفيلة، والزراريف، والغزلان .قال في مسالك الأبصار: ومدنها أشبه بالقرى والضياع من المدن، قليلة الخير والخصب، يابسة الهواء. قال: وحدثني غير واحدٍ ممن دخل النوبة: أن مدينة دنقلة ممتدةٌ على النيل، وأهلها في شظفٍ من العيش، والحبوب عندهم قليلة إلا الذرة، وإنما تكثر عندهم اللحوم والألبان والسمك. وأفخر أطبختهم أن تطبخ اللوبيا في مرق اللحم، ويثرد ويصف اللحم واللوبيا على وجه الثريد .وربما عملت اللوبيا بورقها وعروقها. قال: ولهم انهماك على السكر بالمزر وميل عظيم إلى الطرب .ولما خاف بنو أيوب نور الدين الشهيد صاحب الشام على أنفسهم حين هم بقصدهم، بعث السلطان صلاح الدين أخاه شمس الدولة إلى النوبة ليأخذها لتكون موئلاً لهم إذا قصدهم، فرأوها لا تصلح لمثلهم، فعدلوا إلى اليمن واستولوا عليها، وجعلوها كالمعقل لهم. قال ابن سعيد: ودين أهل هذه البلاد النصرانية. قال في مسالك الأبصار: ومن هذه البلاد نجم لقمان الحكيم ثم سكن مدينة أيلة، ثم دخل إلى بيت المقدس. ومنها أيضاً ذو النون المصري الزاهد المشهور، وإنما سمي المصري لأنه سكن مصر فنسب إليها. وكان ملوكها في الزمن القديم وسائر أهلها على دين النصرانية، فلما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنهم مصر غزاهم. قال في الروض المعطار: فرآهم يرمون الحدق بالنبل، فكف عنهم، وقرر عليهم إتاوةً في كل سنة. قال صاحب العبر وعلى ذلك جرى ملوك مصر بعده، وربما كانوا يماطلون بذلك ويمتنعون من أدائه، فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يطيعوا، إلى أن كان ملكهم في أيام الظاهر بيبرس رحمه الله، رجلاً اسمه مرقشنكز وكان له ابن أخ اسمه داود فتغلب عليه، وانتزع الملك من يده، واستفحل ملكه بها، وتجاوز حدود مملكته قريب أسوان من آخر صعيد الديار المصرية ؛فقدم مرقشنكز المذكور على الظاهر بيبرس بالديار المصرية، واستنجده على ابن أخيه داود المذكور، فجهز معه العساكر إلى بلاد النوبة، فانهزم داود ولحق بمملكة الأبواب من بلاد السودان، فقبض عليه ملكها وبعث به مقيداً إلى الظاهر بيبرس، فاعتقل بالقلعة حتى مات، واستقر مرقشنكز في ملك النوبة على جزية يؤديها في كل سنة، إلى أن كانت دولة المنصور قلاوون ثم استقر بمملكة دنقلة في الدولة المنصورية قلاوون رجل اسمه سيمامون وغزته عساكر قلاوون سنة ثمانين وستمائة .ثم ملكهم في أيام الناصر محمد بن قلاوون رجل اسمه أمي وبقي حتى توفي سنة ست عشرة وسبعمائة .وملك بعد دنقلة أخوه كرنبس .ثم خرج من بيت الملك منهم رجل اسمه نشلى فهاجر إلى مصر، وأسلم وحسن إسلامه، وأقام بمصر بالأبواب السلطانية ؛وأجرى عليه السلطان الملك الناصر رزقاً، ولم يزل حتى امتنع كرنبس من أداء الجزية سنة ست عشرة وسبعمائة، فجهز إليه السلطان العساكر مع نشلى المقدم ذكره، وقد تسمى عبد الله ففر كرنبس إلى بلاد الأبواب، فاستقر عبد الله نشلى في ملك دنقلة على دين الأسلام، ورجعت العساكر إلى مصر، وبعث الملك الناصر إلى ملك الأبواب في أمر كرنبس فبعث به إليه، فأسلم وأقام بباب السلطان، وبقي نشلى في الملك حتى قتله اهل مملكته سنة تسع عشرة وسبعامئة، فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم. قال في العبر: ثم انتشرت أحياء جهينة من العرب في بلادهم واستوطنوها، وعاثوا فساداً، وعجز ملوك النوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعةً لهم، وتفرق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت، فتمزق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم، ولم يحسنوا سياسة الملك، ولم ينقد بعضهم إلى بعض، فصاروا شيعاً ولم يبق لهم رسم ملك، وصاروا رحالة بادية على عادة العرب إلى هذا الزمان .وذكر في مسالك الأبصار: أن ملكها الآن مسلم من أولاد كنز الدولة قال: وأولاد الكنز هؤلاء أهل بيتٍ ثارت لهم ثوائر مرات. فيحتمل أن أولاد الكنز من جهينة أيضاً جمعاً بين المقالتين .وقد ذكر في مسالك الأبصار: أن سلطانهم كواحد من العامة، وأنه تأوي الغرباء إلى جامع دنقلة فيرسل إليهم ؛فيأتونه فيضيفهم وينعم عليهم هو وأمراؤه، وأن غالب عطائهم الدكاديك: وهي أكسيةٌ غلاظ غالبها سود: وربما أعطوا عبداً أو جارية .وقد ذكر في الروض المعطار: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قصد قتال النوبة فرآهم يرمون الحدق بالنبل فكف عنهم، وقرر عليهم إتاوةً من الرقيق في كل سنة، ولم تزل ملوك مصر تأخذ منهم هذه الأتاوة في أكثر الأوقات حتى ذكر في مسالك الأبصار أنه كان عليهم في زمنه مقرر لصاحب مصر في كل سنة من العبيد، والأماء، والحراب، والوحوش النوبية -قلت: أما الآن فقد انقطع ذلك. ' وربك يخلق ما يشاء ويختار ' .

    المملكة الثالثة

    بلاد البرنو

    وبلاد البرنو - بفتح الباء الموحدة وسكو الراء المهملة وضم النون وسكون الواو. وهم مسلمون والغالب على ألوانهم السواد قال في التعريف: وبلاده تحد بلاد التكرور من الشرق، ثم يكون حدها من الشمال بلاد أفريقية ومن الجنوب الهمج .وقاعدتهم مدينة كاكا بكافين بعد كل منهما ألف فيما ذكر لي رسول سلطانهم الواصل إلى الديار المصرية صحبة الحجيج في الدولة الظاهرية برقوق. وقد تعرض إليها في مسالك الأبصار في تحديد مملكة مالي على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى .ومن مدنهم مدينة كتنسكي بكافٍ مضمومة وتاءٍ مثناة فوقية ساكنة ونون مكسورة وسين مهملة ساكنة وكافٍ مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية. وهي شرقي كاكا على مسيرة يومٍ واحدٍ منها .قلت: وقد وصل كتاب ملك البرنو في أواخر الدولة الظاهرية برقوق يذكر فيه أنه من ذرية سيف بن ذي يزن إلا أنه لم يحقق النسب فذكر أنه من قريش وهو غلط منهم فإن سيف بن ذي يزن من أعقاب تبابعة اليمن من حمير. على ما يأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، وفي المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى .ولصاحب البرنو هذا مكاتبةٌ عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى .

    المملكة الرابعة

    بلاد الكانم

    والكانم بكافٍ بعدها ألف ثم نون مكسورةٌ وميم في الآخر. وهم مسلمون أيضاً والغالب على ألوانهم السواد. قال في مسالك الأبصار: وبلادهم بين وأفريقية وبرقة، ممتدةٌ في الجنوب إلى سمت الغرب الأوسط .قال: وهي بلاد قحط وشظف، وسوء مزاج مستولٍ عليها. وغالب عيشهم الأرز، والقمح والذرة، وببلادهم التين، والليمون، واللفت، والباذنجان، والرطب .وذكر عن أبي عبد الله السلايحي، عن الشيخ عثمان الكانمي وغيره أن الأرز ينبت عندهم من غير بذر .ومعاملتهم بقماش ينسج عندهم اسمه دندي، طول كل ثوب عشرة أذرع فأكثر .قال: ويتعاملون أيضاً بالودع، والخرز، والنحاس المكسور، والورق، لكنه جميعه يسعر بذلك القماش .وذكر ابن سعيد: أن جنوبيها صحارى فيها أشخاصٌ متوحشة، كالغول أقرب الحيوانات إلى الشكل الأدمي، تؤدي بني آدم ولا يلحقها الفارس .وذكر أبو عبد الله المراكشي في كتابه التكملة عن أبي اسحاق إبراهيم الكانمي الأديب الشاعر: أنه يظهر بلاد الكانم في الليل أمام الماشي بالقرب منه قلل نار تضيء، فإذا مشى بعدت منه، فلا يصل إليها ولو جرى، بل لا تزال أمامه .وربما رماها بحجر فأصابها، فيتشظى منها شراراتٌ .قال في مسالك الأبصار: وأحوالها وأحوال أهلها حسنةٌ، وربما كان فيهم من أخذ في التعليم، ونظر من الأدب نظرة النجوم فقال إني سقيم، فما يزال يداوي عليل فهمه، ويداري جامح علمه، حتى تشرق عليه أشعتها، ويطرز بديباجه أمتعتها .وقاعدتها مدينة جيمي. قال في تقويم البلدان: بكسر الجيم وبالياء المثناة تحت الساكنة وكسر الميم ثم ياء مثناة تحتية في الآخر .حسب ما هو في خط ابن سعيد. وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة .قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاث وخمسون درجة، والعرض تسع درج، وبها مقرة سلطانهم .قال في مسالك الأبصار: ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها دلا وآخرها طولاً بلدة يقال لها كاكا وبينهما ثلاثة أشهر .وقد تقدم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو، وبينها وبين جيمي أربعون ميلاً .قال وبها فواكه لا تشبه فواكه بلادنا، وبها الرمان، والخوخ، وقصب السكر .قال في مسالك الأبصار: وسلطان هذه البلاد رجل مسلم .قال في تقويم اللدان: وهو من ولد سيف بن ذي يزن .قال في مسالك الأبصار: وأول من بث الأسلام فيهم الهادي العثماني، ادعى أنه من ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه وملكها، ثم صارت بعده لليزنيين .وذكر في التعريف: أن سلطان الكانم من بيتٍ قديم في الأسلام، وقد جاء منهم من ادعى النسب العلوي في بني الحسن .ثم قال: وتمذهب بمذهب الشافعي رضي الله عنه .قال في مسالك الأبصار: وملكهم على حقارة سلطانه، وسوء بقعة مكانه، في غاية لا تدرك من الكبرياء، يمسح برأسه عنانٍ السماء، مع ضعف أجناد، وقلة متحصل بلاد، لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرةً وعند العصر .أما في سائر السنة فلا يكلمه أحدٌ ولو كان أميراً إلا من وراء حجاب .قال: والعدل قائم في بلادهم، ويتمذهبون بمذهب الأمام مالك رضي الله عنه، وهم ذوو اختصار في اللباس، يابسون في الدين، وعسكرهم يتلثمون، وقد بنوا مدرسة للمالكية بالفسطاط ينزل بها وفودهم .

    المملكة الخامسة

    بلاد مالي ومضافاتها

    ومالي بفتح الميم وألف بعدها لامٌ مشددة مفخمة وياء مثناة تحت في الآخر .وهي المعروفة عند العامة ببلاد التكرور .قال في مسالك الأبصار: وهذه المملكة في جنوب المغرب، متصلة بالبحر المحيط .قال في التعريف: وحدها في الغرب البحر المحيط ؛وفي الشرق بلاد البرنو وفي الشمال جبال البربر، وفي الجنوب الهمج .ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي: أنها تقع في جنوب مراكش ودواخل بر العدوة جنوباً بغرب إلى البحر المحيط .قال في مسالك الأبصار: وهي شديدة الحر، قشفة المعيشة، قليلة أنواع الأقوات، وأهلها طوال في غاية السواد وتفلفل الشعور، وغالب طول أهلها من سوقهم، لا من هياكل أبدانهم .قال ابن سعيد: والتكرور قسمان: قسم حضر يسكنون المدن وقسم رحالة في البوادي .وقد حكى في مسالك الأبصار عن الشيخ سعيد الدكالي: أن هذه المملكة مربعة، طولها أربعة أشهر أو أزيد، وعرضها مثل ذلك، وجميعها مسكونةٌ إلا ما قل، وهذه المملكة هي أعظم ممالك السودان المسلمين .وتشتمل على ثمان جمل :

    الجملة الأولى

    في ذكر أقالميها ومدنها

    وقد ذكر صاحب العبر : أنها تشتمل على خمسة أقاليم كل إقليم منها مملكة بذاتها .

    الأقليم الأول مالي

    وقد تقدم ضبطه . وهو إقليمٌ واسطة الأقاليم السبعة الداخلة في هذه المملكة ، واقعٌ بين إقليم صوصو وإقليم كوكو : صوصو من غربيه ، وكوكو من شرقيه .وقاعدته على ما ذكره في مسالك الأبصار : مدينة بني .قال في مسالك الأبصار : بالباء الموحدة والنون ثم الباء الموحدة أيضاً .قال : وهي ممتدة تقدير طول بريد في عرض مثل ذلك ، ومبانيها متفرقة ، وبناؤها بالبالستا .وهو أنه يبنى بالطين بقدر ثلثي ذراع ، ثم يترك حتى يجف ، ثم يبنى عليه مثله ، وكذلك حتى ينتهي ، وسقوفها بالخشب والقصب ، وغالبها قباب أو جملونات كالأقباء ، وأرضها تراب مرمل ، وليس لها سور ، بل يستدير بها عدة فروع من النيل من جهاتها الأربع ، بعضها يخاض في أيام قلة الماء ، وبعضها لا يعبر فيه إلا في السفن .وللملك عدة قصور يدور بها سورٌ واحد .

    الأقليم الثاني صوصو

    بصادين مهملتين مضمومتين ، بعد كل منهما واو ساكنة . وربما أبدلوا الصاد سيناً مهملة سمي بذلك باسم مكانه .قال في العبر : وهم يسمونها الأنكارية . وهي في الغرب عن إقليم مالي المقدم ذكره فيما ذكره في العبر عن بعض البقلة .

    الأقليم الثالث بلاد غانة

    بفتح الغين المعجمة وألف ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر . وهي غربي إقليم صوصو المقدم ذكره تجاور البحر المحيط الغربي .وقاعدته مدينة غانة التي قد أضيف إليها .قال في تقويم البلدان : وموقعها خارج الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب .قال ابن سعيد : حيث الطول تسعٌ وعشرون درجة والعرض عشر درج .قال في تقويم البلدان : وهي محل سلطان بلاد غانة .وقد حكى ابن سعيد : أن لغانة نيلاً شقيق نيل مصر ، يصب في البحر المحيط الغربي عند طول عشر درج ونصفٍ ، وعرض أربع عشرة .وإليها تسير التجار المغاربة من سجلماسة في بر مقفر ومفاوز عظيمة في جنوب الغرب نحو خمسين يوماً ، فيكون بين غانة وبين مصبه نحو أربع درج . وهي مبنية على ضفتي نيلها هذا .قال في العبر : وكان أهلها قد أسلموا في أول الفتح الأسلامي .وقد ذكر في تقويم البلدان : أنها مدينتان على ضفتي نيلها ، إحداهما يسكنها المسلمون والثانية يسكنها الكفار .وقد ذكر في الروض المعطار : أن لصاحب غانة معلفين من ذهب ، يربط عليهما فرسان له أيام مقعده .

    الأقليم االرابع بلاد كوكو

    وهي شرقي إقليم مالي المقدم ذكره . قال في الروض المعطار : وملكها قائم بنفسه ، له حشمٌ وقواد وأجنادٌ وزيٌ كامل ؛ وهم يركبون الخيل والجمال ، ولهم بأسٌ وقهرٌ لمن جاورهم من الأمم .قال : وبها ينبت عود الحية : وهو عود يشبه العاقر قرحاً ، إلا أنه أسود ؛ من خاصته إنه إذا وضع على حجر الحية خرجت إليه بسرعة ، ومن أمسكه بيده أخذ من الحيات ما شاء من غير جذعٍ يدركه أو يقع في نفسه .ثم قال : والصحيح عند أهل المغرب الأقصى أن هذا العود إذا أمسكه ممسك بيده أو علقه في عنقه لم تقربه حيةٌ البتة .وقاعدته مدينة كوكو بفتح الكاف وسكون الواو وفتح الكاف الثانية وسكون الواو بعدها .وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال ابن سعيد : حيث الطول أربعٌ وأربعون رجة ، والعرض عشر درج .قال : وهي مقر صاحب تلك البلاد . قال : وهو كافر يقاتل من غربيه من مسلمي غانة ومن شرقيه من مسلمي الكانم .وذكر المهلبي في العزيزي أنهم مسلمون ، وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصفٍ .قال في الروض المعطار : وهي مدينةٌ كبيرةٌ على ضفتي نهر يخرج من ناحية الشمال ، يمر بها ويجاوزها بأيام كثيرة ، ثم يغوص في الصحراء في رمال كما يغوص الفرات في بطائح العراق .قال ابن سعيد : وكوكو في شرقي النهر ، ولباس عامة أهلها الجلود يسترون بها عوراتهم ، وتجارهم يلبسون الأكسية ، وعلى رؤوسهم الكرازين ، ولبس خواصهم الأزرق .قال في مسالك الأبصار : وسكانها قبائل يرنان من السودان .

    الأقليم الخامس بلاد تكرور

    وهي شرقي إقليم كوكو المقدم ذكره، ويليه من جهة الغرب مملكة البرنو، المتقدمة الذكر، وبها عرفت هذه المملكة على كبرها واشتهرت .وقاعدتها مدينة تكرور بفتح التاء المثناة فوق وسكون الكاف وضم الراء المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر .قال في الروض المعطار: وهي مدينة على النيل على القرب من ضفافه أكبر من مدينة سلا من بلاد المغرب، وطعام أهلها السمك، والذرة، والألبان، وأكثر مواشيهم الجمال، والمعز، ولباس عامة أهلها الصوف، وعلى رؤوسهم كرازين صوف، ولباس خاصتهم القطن والمآزر .قال: وبينها وبين سجلماسة من بلاد المغرب أربعون يوماً بسير القوافل، وأقرب البلاد إليها من بلاد لمتونة بالصحراء آسفي بينهما خمسٌ وعشرون مرحلة .قال: وأكثر ما يسافر به تجار الغرب الأقصى إليها الصوف، والنحاس، والخرز، ويخرجون منها بالتبر، والخدم .قلت: وذكر في مسالك الأبصار: أن هذه المملكة تشتمل على أربعة عشر إقليماً وهي: غانة، وزافون، وترنكا، وتكرور، وسنغانة، وبانبغو، وزرنطابنا، وبيترا، ودمورا، وزاغا وكابرا، وبراغودي، وكوكو، ومالي .فذكر أربعة من الأقاليم الخمسة المتقدمة الذكر، وأسقط إقليم صوصو، وكأنها قد اضمحلت وزاد باقي ذلك، فيحتمل أنها انضامت إلى صاحبها يومئذ بالفتح والأستيلاء عليها .قال في مسالك الأبصار: وفي شمالي بلاد مالي قبائل من البربر بيضٌ تحت حكم سلطانها: وهم نيتصر، ونيتغراس، ومدوسة، ولمتونة، ولهم أشياخ تحكم عليهم إلا نيتصر، فإنهم يتداولهم ملوكٌ منهم تحت حكم صاحب مالي .قال: وكذلك في طاعته قومٌ من الكفار بعضهم يأكل لحم الأدميين .ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي: أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب. وهم بلاد همج، وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة، ولو شاء أخذهم ولكم ملوك هذه المملكة قد جربوا أنه ما فتحت مدينةٌ من هذه المدن وفشا بها الأسلام، ونطق بها داعي الأذان، إلا قل بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتى يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، فرضوا منهم ببذل الطاعة، وحمل قرر عليهم، وذكر نحو ذلك في التعريف في الكلام على غانة .

    الجملة الثانية

    في الموجود بهذه المملكة

    قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ سعيد الدكالي: أن بها الخيل من نوع الأكاديش التترية .قال: وتجلب الخيل العراب إلى ملوكهم، يتغالون في أثمانها، وكذلك عندهم البغال، والحمير، والبقر، والغنم، ولكنها كلها صغيرة الجثة، وتلد الواحدة من المعز عندهم السبعة والثمانية، ولا مرعى لمواشيهم، إنما هي جلالة على القمامات والمزابل .وبها من الوحوش الفيلة، والأساد والنمورة، وكلها لا تؤذي من بني آدم إلا من تعرض لها. وعندهم وحش يسمى ترمي بضم التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم، في قدر الذئب، يتولد بين الذئب والضبع لا يكون إلا خنثى: له ذكرٌ وفرج، متى وجد في الليل آدمياً صغيراً أو مراهقاً أكله .ولا يعترض إلى أحد في النهار، وهو ينعر كالثور، وأسنانه متداخلة .وعندهم تماسيح عظام منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأكثر، ومرارته عندهم سمٌ قاتل تحمل إلى خزانة ملكهم .وعندهم بقر الوحش، وحمير الوحش، والغزلان. وفيما يسامت سلجماسة من بلادهم جواميس متوحشة تصاد كما يصاد الوحش، وبها من الطيور الدواجن الأوز، والدجاج والحمام، وبها من الحبوب الأرز، والغوثي: وهو دق مزغب، يدرس فيخرج منه حبٌ أبيض شبيه بالخردل في المقدار أو أصغر منه، فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز، وهذا الحب هو والأرز هما غالب قوتهم، وعندهم الذرة وهي أكثر حبوبهم، ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابهم، وعندهم الحنطة على قلة فيها، أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة، وعندهم الفواكه البستانية الجميز وهو كثير لديهم ؛وعندهم أشجار برية ذوات ثمار مأكولة مستطابةٍ، منها شجر يسمى تادموت يحمل شيئاً مثل القواديس كبراً في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة، ساطع البياض، طعمه مزٌ لذيذ يأكلون منه، وإذا جف جعلوه على الحناء فيسوده كالنوشادر، ومنها شجر يسمى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخروب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق الترمس حلوٌ لذيذ الطعم، له نوى. ومنها شجر يسمى قومي، يحمل شبيه السفرجل، لذيذ الطعم يشبه طعم الموز، وله نوى شبيهٌ بغضروف العظم، يأكله بعضهم معه. ومنها شجر اسمه فاريتي، حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمثرى بداخله نوى ملحم، يؤخذ ذلك النوى وهو طري، فيطحن فيخرج منها شيء شبيهٌ بالسمن يجمد، وتبيض به البيوت، وتوقد منه السرج، ويعمل منها الصابون، وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار لينة، ويسقى الماء حتى يقوى غليانه وهو مغطى الرأس، ويسارق كشف الغطاء في افتقاده، فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف. وربما انعقد منه نار فأحرق البيت، فإذا نضج برد، وجعل في ظروف القرع، وصار يستعمل في المأكل كالسمن. ومتى جعل في غير ظروف القرع من الأنية خرقها. ويوجد بها من الثمرات البرية ما هو شبيه بكل الفواكه البستانية على اختلاف أنواعها، ولكنها حريفةٌ لا تستطاب، يأكلها الهمج من السودان، وهي قوت كثيرٍ منهم .وبها من الخضروات اللوبياء، واللفت، والثوم، والبصل، والباذنجان، والكرنب، أما الملوخية فلا تطلع عندهم إلا برية، والقرع عندهم بكثرة. وعندهم شيءٌ شبيه بالقلقاس إلا أنه ألذ من القلقاس، يزرع في الخلاء فإن سرق منه سارقٌ، قطع الملك رأسه وعلقه مكان ما قطع منه، عادةٌ عندهم يتوارثونها خلفاً عن سلف، لا توجد فيها رخصة، ولا تنفع فيها شفاعةٌ .وجبالها ذوات أشجار مشتبكةٍ، غليظة السوق إلى الغاية، تظل الواحدة منها خمسمائة فارسٍ. وفيها بغانة وما وراءها في الجنوب من بلاد السودان الهمج معادن الذهب .وقد حكى في مسالك الأبصار عن الأمير أبي الحسن علي بن أمير حاجب عن السلطان منسا موسى سلطان هذه المملكة: أنه سأله عند قدومه الديار المصرية حاجاً عن معادن الذهب عندهم - فقال: توجد على نوعين: نوع في زمان الربيع ينبت في الصحراء، له ورقٌ شبيه بالنجيل، أصوله التبر. والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفاف مجاري النيل، تحفر هناك حفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى، فيؤخذ. قال: وكلاهما هو المسمى بالتبر. ثم قال والأول أفحل في العيار، وأفضل في القيمة. وذكر في التعريف نحوه. وذكر عن الشيخ عيسى الزواوي عن السلطان منسا موسى القمدم ذكره أيضاً أنه يحفر في معادن الذهب كل حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها، فيوجد الذهب في جنباتها .وربما وجد مجتمعاً في سفيل الحفيرة، وأن في مملكته أمماً من الكفار لا يأخذ منهم جزيةً، إنما يستعملهم في إخراج الذهب من معادنه. ثم قد ذكر في مسالك الأبصار: أن النوع الأول من الذهب يوجد في زمن الربيع عقيب الأمطار ينبت بين مواقعها، والثاني يوجد في جميع السنة في ضفات مجاري النيل. وذكر في التعريف: أن نبات الذهب بهذه البلاد يبدأ في شهر أغشت حيث سلطان الشمس قاهرٌ، وذلك عند أخذ النيل في الأرتفاع والزيادة. فإذا انحط النيل تتبع حيث ركب عليه من الأرض، فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به. ومنه ما يوجد كالحصى. فجعل الجميع مما يحدث في هذا الزمن في أماكن النيل خاصة، وفيه مخالفة لما تقدم. بل قد قال: إن شهر أغشت الذي يطلع فيه الذهب وهو من شهور الروم، ويقع - والله أعلم - أنه يركب من تموز وآب يعني من شهور السريان، وهذا غلط فاحش. فقد تقدم في المقالة الأولى أن شهور الروم منطبقة على شهور السريان في الأبتداء والأنتهاء، دون ابتدأء أول السنة، وشهر أغشت من شهور الروم هو شهر آب من شهور الريان بعينه .ثم قد حكى في مسالك الأبصار عن والي مصر عن منسا موسى القمد ذكره: أن الذهب ببلاده حمى له، يجمع له متحصلة كالقطيعة، إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السرقة .وحكى عن الشيخ سعيد الدكالي: أنه إنما يهادي بشيء منه كالمصانعة، وأنه يتكسب عليهم في المبيعات لأن بلادهم لا شيء بها. ثم قال: وكلام الدكالي أثبت وعليه ينطبق كلامه في التعريف حيث ذكر غانة ثم قال: وله عليها إتاوةٌ مقررة تحمل إليه في كل سنة. وبهذه البلاد أيضاً معدن نحاس وليس يوجد في السودان إلا عندهم. قال الشيخ عيسى الزواوي: قال لي السلطان موسى: إن عنده في مدينة اسمها نكوا معدن نحاس أحمر، يجلب منه قضبان إلى مدينة بنبى قاعدة مالي فبيبعث منه إلى بلاد السودان الكفار، فيباع وزن مثقال بثلثي وزنه من الذهب، يباع كل مائة مثقال من هذا النحاس بستة وستين مثقالأ وثلثي مثقال من الذهب .وبهذه البلاد معدن ملح وليس في شيء من السودان الوالجين في الجنوب والمسامتين لسجلماسة وما وراءها ملحٌ سواه. قال المقر الشهابي بن فضل الله: حدثني أبو عبد الله بن الصائغ، أن الملح معدوم في داخل بلاد السودان، فمن الناس من يغرر ويصل به إلى أناس منهم يبذلون نظير كل صبرة ملح مثله من الذهب. قال ابن الصائغ: وحدثت أن من أمم السودان الداخلة من لا يظهر لهم بل إذا جاء التجار بالملح وضعوه ثم غابوا، فيجيء السودان فيضعون إزاءه الذهب، فإذا أخذ التجار الذهب، أخذ السودان الملح. قال في مسالك الأبصار: قال لي الدكالي: وأهل هذه المملكة كثيرٌ فيهم السحر، ولهم به عناية حتى إنهم في بلاد الكفار منهم يصيدون الفيل بالسحر حقيقةً لا مجازاً، وفي كل وقت يتحاكمون عند ملكهم بسببه، ويقول أحدهم: إن فلاناً قتل أخي أو ولدي بالسحر، والسلطان يحكم على القاتل بالقصاص وقتل الساحر .وحكى عنه أيضاً: أن السموم بهذه المملكة كثيرة، فإن عندهم حشائش وحيوانات يركبون منها السموم القتالة، ولا سيما من سمكٍ يوجد عندهم. قال الشيخ سعيد الدكالي: ومن خصيصة هذه البلاد أن يسرع فيها فساد المدخرات لا سيما فإنه يفسد وينتن فيها من يومين .

    الجملة الثالثة

    في معاملة هذه المملكة

    ذكر في مسالك الأبصار عن ابن أمير حاجب: أن المعاملة عندهم بالودع وأن التجار تجلبه إليهم كثيراً فتربح به الربح الكثير، وكأن هذا في المعاملات النازية في مثل المآكل وما في معناها، والأ فالذهب عندهم على ما تقدم من الكثرة .

    الجملة الرابعة

    في ذكر ملوك هذه المملكة

    قد تقدم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة أقاليم، وهي: إقليم مالي، وإقليم صوصو، وإقليم غانة منالجانب الغربي عن مالي، وإقليم كوكو، وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالي، وأن كل إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مسستقلة، ثم اجتمع الكل في مملكة صاحب هذه المملكة، وأن مالي هي أصل مملكته. قال في مسالك الأبصار: وهو وإن غلب عليه عند أهل مصر اسم سلطان التكرور فإنه لو سمع هذا أنف منه، لأن التكرور إنما هو إقليم من أقاليم مملكته، والأحب إليه أن يقال صاحب مالي لأنه الإقليم الأكبر، وهو به أشهر. ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي: أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكاً. وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والأستيلاء عليها استيلاءً كلياً. فقد قال في التعريف: وأما غانة فإنه لا يملكها وكأنه مالكها، يتركها عن قدرة عليها: لأن بها وبما وراءها جنوباً منابت الذهب. وذكر ما تقدم من أن بلاد منابت الذهب متى فشا فيها الأسلام والأذان، عدم فيها نبات الذهب، وصاحب مالي يتركها لذلك لأنه مسلم، وله عليها إتاوةٌ كبيرة مقررة تحمل إليه في كل سنة .وقد ذكر صاحب العبر: أن هذه الممالك كانت بيد ملوكٍ متفرقة، وكان من أعظمها مملكة غانة. فلما أسلم الملثمون من البربر، تسلطوا عليهم بالغزو حتى دان كثيرٌ منهم بالأسلام، وأعطى الجزية آخرون، وضعف بذلك ملكه غانة واضمحل، فتغلب عليهم أهل صوصو المجاورن لهم، وملكوا غانة من أيدي أهلها. وكان ملوك مالي قد دخلوا في الأسلام من زمن قديم .قال: ويقال: إن أول من أسلم منهم ملك اسمه برمنداتة بباء موحدة وراء مهملة مفتوحتين وميم مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة بعدها ألف ثم نون مشددة مفتوحة وهاء في الآخر فيما

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1