Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان
Ebook729 pages5 hours

عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

مخطوط عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان كتاب في التاريخ العام ، من أضخم كُتب التاريخ ، تقع مخطوطته في تسعة وستين مجلداً، من بدء الخليقة حتى عام 850هـ ، وقد وصلنا كاملاً في نسخة ملفقة، محفوظة في مكتبة ولي الدين باستنبول، وهي ملفقة من ثلاث نسخ ، منها أجزاء من نسخة بخط المؤلف ، وأجزاء من نسخة كتبت سنة 891هـ وأخرى من نسخة كتبت ما بين (893 و898هـ). وقد حالت ضخامة الكتاب بينه وبين التصدي لتحقيقه ونشره، فبقي مخطوطاً سوى القسم المتعلق بعصر المماليك من سنة 648هـ حتى 707هـ والذي تم تحقيقه ونشره بواسطة دار الكتب والوثائق القومية ، وهذا يعني أن القسم الأهم من الكتاب لا يزال مخطوطاً، وهو القسم الذي سماه " تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر " ويشمل بقية حوادث عصر سلاطين المماليك حتى عام 850 هـ
Languageالعربية
PublisherRufoof
Release dateMay 4, 1902
ISBN9786379512931
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Related to عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Related ebooks

Reviews for عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان - حيدر الحلي

    الغلاف

    عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

    الجزء 3

    حيدر الحلي

    855

    مخطوط عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان كتاب في التاريخ العام ، من أضخم كُتب التاريخ ، تقع مخطوطته في تسعة وستين مجلداً، من بدء الخليقة حتى عام 850هـ ، وقد وصلنا كاملاً في نسخة ملفقة، محفوظة في مكتبة ولي الدين باستنبول، وهي ملفقة من ثلاث نسخ ، منها أجزاء من نسخة بخط المؤلف ، وأجزاء من نسخة كتبت سنة 891هـ وأخرى من نسخة كتبت ما بين (893 و898هـ). وقد حالت ضخامة الكتاب بينه وبين التصدي لتحقيقه ونشره، فبقي مخطوطاً سوى القسم المتعلق بعصر المماليك من سنة 648هـ حتى 707هـ والذي تم تحقيقه ونشره بواسطة دار الكتب والوثائق القومية ، وهذا يعني أن القسم الأهم من الكتاب لا يزال مخطوطاً، وهو القسم الذي سماه تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر ويشمل بقية حوادث عصر سلاطين المماليك حتى عام 850 هـ

    ذكر قتل السلطان

    فلما كانت الليلة التي يسفر صباحها عن يوم الجمعة الحادي عشر ربيع الآخر طلع في هذه الليلة نجم في السماء يسطع نوره ، ويأخذ بالبصر وله ذنب يظن الرائى أنه يراه بقريب من الأرض ، واشتغل الناس بالنظر إليه . . وقال بعضهم كان في تلك الساعة قران المشتري وزحل على رأي المنجمين ، ثم وقعت الضجة في داخل المدينة ، فركب الأمراء بالسلاح ، وأشيع الخبر بأن لاجين قتل تلك الساعة .وركب الأمير جمال الدين قتال السبع الموصلي مع جماعة من الأمراء . . إلى ظاهر المدينة ، ووقعت الضجة في سوق الخيل ، فركب كثير من الناس ولم يبق من الناس أحد في منزله .قال الراوي : وأخبرني قاضي القضاة حسام الدين الرازي الحنفي عن كيفية قتل السلطان ، فإنه كان حاضرا هناك ، ونجم الدين بن العسال حاضر ، وكانوا يحضرون عند السلطان ينادمونه فقال : كان السلطان جالسا وقدامه أصحاب الخدمة ، وقد صلى العشاء الآخرة ، وجلس بعض المماليك بين يديه يلعبون بالشطرنج ، وهو ينظر إليهم ، وقد أحضر له مأكول ، فأكل منه ، ثم رفع يده منه ، وطلب الطشت فغسل يده ، وقدم له الجمدار فوطة للمسح ، فأخذها ومسح بها يده ، وكانت الإشارة بين كرجى والمماليك أصحاب النوبة الذين اتفقوا على قتله أن كرجى إذا تقدم إلى الشمعة تكون إشارة إلى الهجوم على السلطان .قال : ولم يشهد إلا وكرجى قد تقدم إليه وضربه على كتفه ، فرفع يده يلتقى الضربة ، فطارت يده وأخذ كرجى النمشة من بين يديه وضربه عند نهضته فقطع مشط رجله ، فوقع وهو يقول : الله الله ، فأخذته السيوف من كل جانب ، ووقع بعض أطرافه إلى الإصطبل .قال الراوي : حكى لي أنه قام على قدميه وصار يصيح : لا تفعلوا بسلطاننا ، هذا ما يحل ، ورفع إليه بعض السلحدارية بالسيف ، وقال : اقتل بلا فضول ، قال : فسكت ، ولما تحققوا موته خرجوا على حميه ، وفي أيديهم الشموع ، ونزلت مماليك الأطباق ، واجتمع الأمراء الذين داخل باب القلة ، وفتحوا باب القلة وخرجوا ، فوجدوا الأمير طقجى جالسا على باب القلة في انتظارهم ، هو وخشداشيته ، فتلقاهم ، وتباشروا بما حصل لهم من الظفر ، ثم أرسلوا وطلبوا بقية الأمراء المقيمين بالقلعة ، فجاءوا أولا فأولا ، وبسطوا من باب القلعة بسطا ، وأوقدوا شموعا ، ووقع الصوت في نواحي القلعة بأن السلطان قتل .وكان منكوتمر يتحدث فيما يبطق بالأمراء المجردين ، فلم يشعر إلا وقد دخل مملوك وهو يقول : يا خوند ، اسمع هذه الضجة في القلعة ، فنهض وقام إلى الشباك فرأى باب القلعة قد انفتح ، وخرجت الأمراء ، والشموع توقد ، والضجة قد ارتفعت ، فقال : والله فعلوا ، وأشار إلى مماليكه أن يغلقوا الأبواب ، ويلبسوا ، ويتحصنوا .ثم قال كرجى للحسام الأستاذ دار : نقوم إلى دار منكوتمر ونحرقها إلى أن نخرجه ، فقال له الحسام : يا أمير ما يحتاج ، أنا أروح إليه وأخرجه ، ومشى إلى أن وصل إلى الباب فوجد المماليك قد لبسوا ، واعتدوا للقتال ، فعرفه نفسه ، وقال : قولوا للأمير سيف الدين يكلمني ، ففتح الشباك ؛ فسلم على منكوتمر وعرفه بما جرى من قتل السلطان وما ذكره كرجى من إحراق بيته ، فصار يتلطف به حتى أذعن لخروجه على شرط أن يشفع الأمراء فيه ، فخرج وقد شد وسطه بمنديل ، ومشى صحبته إلى أن وصل إلى باب القلة ، فوجد سائر الأمراء جلوسا والأمير طقجى جالس مكان النيابة ، فلما رأوه قاموا إليه وتلقوه ، فأخذ يد طقجى وباسها ، فقام إليه وأجلسه إلى جانبه ، وشرعت الأمراء مع الأمير حسام الدين الأستاذ دار يترققون السؤال لطقجى أن يلطف بأمره مع كرجى ويسأله في إبقاء نفسه عليه ، فأجاب إلى ذلك .وكان كرجى في ذلك الوقت غير حاضر ، واتفق الحال أن يكون منكوتمر في الحبس إلى حين حضور كرجى ، ثم يسألونه فيه ، وأرسلوه مع جماعة إلى الجب بالقلعة ، وكان في الجب جماعة من الأمراء منهم الأمير شمس الدين الأعسر ، والأمير عز الدين الحموي نائب الشام ، فلما نزل منكوتمر عندهم عرفوه ، وقالوا : كيف جئت عندنا ؟ فقال لهم : إن السلطان غضب عليه لأمر بلغه عنه وحلف أنه لا بد من حبسه ، فأمسكوا عنه ، وقصد الأعسر أن يوقع به في ذلك الوقت ، فمنعه الحموي من ذلك ، ورجوا أن أستاذه يرضى عليه ويكون هو الواسطة في إفراجهم من الحبس .ولم يلبث فيه يسيرا إلا وقد أرخوا القفة التي كانوا قد نزلوه بها وصاحوا من رأس الجب على منكوتمر بالصعود ، فقاموا إليه وأكرموه ، وهم يظنون أن القول الذي ذكره لهم صحيح ، فلما أخرجوه وجد كرجى واقفا ومعه جماعة من المماليك السلطانية ، فلما وقع نظره عليه أخذ يسبه ويهينه ، فلم يلتفت إليه منكوتمر ؛ بل كلمه بعزة نفس لأنه تحقق أنه لا يبقى عليه ، فضربه بدبوس حديد كان في يده ورماه إلى الأرض ، ثم ذبحه بيده على باب الجب ، وتركه ومشى إلى الأمراء . وكانت الأمراء سألوا كرجى أن يبقى عليه قبل مجيئه إلى الجب . فقال لهم : إن السلطان ما عمل معي سوءا ، بل والله أحسن إلى غاية الإحسان فكبرني وأنشأني ، وإنما قتلته حتى أبلغ مرادي من منكوتمر ، وما أحليه في الدنيا ، ولو علمت أني إذا قتلت منكوتمر يخليني السلطان بعده بالحياة لما قتلته ولا شوشت عليه .وقال بعض الرواة : كان السلطان لاجين يوم الخميس صائما فأفطر ليلة الجمعة . ولما كان بعد صلاة العشاء الآخرة دخل عليه الأمير سيف الدين كرجى مقدم البرجية ، وكان السلطان يلعب بالشطرنج وعنده قاضي القضاة حسم الدين الرازي الحنفي ، وكان كرجى قد اتفق مع نغاى الكرموني سلاح دار السلطان ، وكان صاحب النوبة تلك الليلة . فقال السلطان : يا أمير كرجى ما عملت ؟ فقال : بيت البرجية وغلقت عليهم ، وكان قد أوقف أكثرهم في دهليز الدار ، فشكره السلطان وأثنى عليه للحاضرين ، وقام يصلح الشمعة والنمجاة إلى جانبها ، فرمى عليها فوطة ، وقال للسلطان : ما تصلى ؟ فقال السلطان : نعم ، فقام ليصلي فضربه بالسيف على كتفه ، فطلب السلطان النمجاة فلم يجدها ، فقام من هول الضربة ، فمسك كرجى ورماه تحته فخطف نوغاى الكرموني النمجاة وضرب بها السلطان على رجله فقطعها ، فانقلب السلطان على ظهره قتيلا يخور في دمه ، فصاح القاضي حسام الدين فأرادوا قتله ، ثم أمسكوا عنه وتركوه مع السلطان وأغلقوا عليهم الباب .قال القاضي : كنت عند السلطان فما شعرت إلا وستة أسياف نازلة على السلطان ، وهو منكب على لعب الشطرنج ، فقتلوه .وكان رؤوس الذين اتفقوا على قتله طقجى ، وكرجى ، ونوغاى ، وقراطرنطاى ، وججك ، وأرسلان ، وأقوش ، وبيليك الرسولي .

    ذكر ترجمة السلطان لاجين

    كان أصله من مماليك السلطان الملك المنصور نور الدين علي بن السلطان الملك العز أيبك التركماني .قال صاحب النزهة : حكى لي بعض الخدام المعزية أن قطز لما كان نائب نور الدين على المذكور أشترى لاجين وهو صغير للسلطان ، ثم لما تسلطن قطز والتقى بالتتار على عين جالوت وكسرهم وعاد إلى الديار المصرية ، قتل قريبا من الصالحية وتسلطن بعده الظاهر بيبرس ، ولما تسلطن بيبرس شيع أولاد الملك المعز إلى بلاد الاشكرى وبقيت من جماعته بعض المماليك ، وكان لاجين هذا منهم ، فشرعوا في بيعهم ، فاشتراه قلاون مع مملوكين آخرين ، وبقى عند قلاون إلى أن تسلطن ، فجاء إليه تاجره وادعى أنه لم يقبض ثمنه عند بيعه ، فنودى عليه ثانيا واشتراه قلاون شراء ثانيا صحيحا بثلاثة آلاف درهم ، وكان في مماليك قلاون مملوك اسمه لاجين وكان من أكابر مماليك قلاون .فلما اشترى لاجين هذا قالوا له : لاجين الصغير ، وكان بعضهم يسميه لاجين شقير لأنه كان أشقر أزرق العينين معرق الوجه طويلا ، وذكر أنه كان جركسي الجنس ، وكان شجاعا مهيبا ، موصوفا بالشجاعة والإقدام ، وفيه دين وعقل ، وكان يلعب بالرمح ويرمى بالنشاب في غاية الاتقان ، وظهرت له أمور من الشجاعة والإقدام في وقائع كثيرة خصوصا في نوبة أخذ طرابلس ، وكان يصطلى الحرب بنفسه ، ومما يدل على إقدامه ركوبه على الملك الأشرف وقتله ، ثم ركوبه على السلطان الملك العادل كتبغا وقتل مماليكه .وذكر عن القاضي حسام الدين الحنفي أنه لما بلغه تجهيز قازان لغزو بلاد الإسلام شاهده مرارا يصلي ويقف على قدميه ويكشف رأسه ويسأل الله أن يطيل عمره حتى يلتقي مع قازان وجيشه . قال : فقلت له ليلة : يا خوند كيف يكون عزمك إذا صح أمر قازان ؟ قال : يا قاضي حسام الدين كنت أختار من عسكر مصر ألفى فارس ممن أعرف فيه النجابة والفروسية ، وأصدم قازان حيث كان ، ولو كان في عشرين ألف فارس ، ويعطى الله النصر من يشاء ، ولكن أنا خائف أن يدركني الأجل قبل لقائه قال : قلت له : يا خوند الأعمال بالنيات .وذكر في السلطان أنه لما كان نائبا بالشام كان في عنفوان شبابه ، وكان مشغولا بلذة العيش في اللهو والشغف بالشراب ، وكان يعايش كبراء دمشق ورؤسائها ، ويتخذ لهم المجالس ، وينعم ويهب ، وكانت له مكارم كثيرة على أهلها ، فلذلك أهل الشام كانوا يحبونه ويتعصبون له .ومن كثرة انهماكه على الشراب واللهو والطرب بلغ الشجاعي خبره إلى السلطان الملك المنصور وعرفه أنه هتك حرمة السلطان بسبب معاشرته مع عامة دمشق وانهماكه على الشراب ، فغضب السلطان عليه ، وعرف الأمير حسام الدين النائب ما نقله الشجاعي عنه ، فأخذ حسام الدين يرد عنه ويكذب الشجاعي ويقول : إنه صاحب غرض ، ثم أمر السلطان بأن يكتب إليه كتاب ، فكتب كتاب فيه توبيخ وتهديد ونهاه عن الشراب والمعاشرة مع أطراف الناس ، وكذلك كتب إليه الأمير حسام الدين طرنطاى ، فلما وقف على الكتابين قلل ما كان يرتكبه ، وصار يقضى كثرة أوقاته في الركوب إلى الصيد ونحوه ، ويغيب في ركوبه شهرا وشهرين ، ويصحب معه الملاهي ، وقطع على هذا لذة عظيمة من العيش ، ولما كثر عليه العتب من السلطان رجعه طرنطاى وسد خلله إلى أن ترك ذلك كله .وكانت أيامه من أحسن ما تكون من العدل والإحسان إلى الرعايا ، وكان دينا خيرا ، مشفقا ، كثير الصوم والعبادة ، وقطع أكثر المكوس ، وقال : إن عشت لا تركت مكسا واحدا ، ولكن نائبه منكوتمر كان على خلاف ما ذكر ، وكان يعمل ما يختاره ، فوقع في دولته الفساد وكان ما كان .وكانت مدة مملكته سنتين وثلاث شهور ، وقيل : ثلاث سنين وشهرين ، وقيل : ثلاث سنين وستا وعشرين يوما ، والأول أصح ، وكان عمره لما قتل نحو خمسين سنة .وقال صاحب النزهة : حكى لي بيجان مملوك الأمير شمس الدين قراسنقر حكاية غريبة اتفقت لأستاذه مع السلطان لاجين ، وهي أنهما بعد قتل الأشرف خليل بن قلاون لما هربا ودخلا القاهرة ، واختفى كل منهما في مكان ، فاختفى شمس الدين قراسنقر في حارة بهاء الدين ، واختفى لاجين في مأذنة جامع ابن طولون - على ما ذكرنا فيما مضى - رأى قراسنقر مناما عظيما في حق لاجين ، فلما اجتمعا وهما مختفيان قال له قراسنقر : يا أشقر والله لقد رأيت رؤيا عظيمة ، ولكن أخاف إذا قصصتها عليك تطمعك نفسك وتغير نيتك وتغدر بي . فقال لاجين : لا يكون ذلك إن شاء الله ، فآخر الأمر أحضرا مصحفا شريفا وتحالفا ، وأكدا اليمين أن أحدهما لا يخون الآخر ؛ ثم شرع قراسنقر فقص المنام وقال : رأيتك راكبا وبين يديك خيول معقودة الأذناب مضفورة المعارف ، مجللة الأرقاب على عادة مراكيب الملوك . قال : ثم نزلت وجلست على منبر وأنت لابس حلة الخلافة ، وطلبتني فأجلستني بالقرب منك على ثالث الدرجات ، وشرعت في الحديث معي ، ثم رفضتني برجلك ، فوقعت من المنبر ، فاستيقظت عند وقوعي : وهذا يدل على قربي منك ، ثم يجرى علي أمر من جهتك ، ثم قال : يا أشقر النحس أنا والله حلفت وحلفتك فما أدري هل تثبت على يمينك أم لا ؟وبقى الأمر على هذا إلى أن تسلطن لاجين واستناب قراسنقر ، ثم قبض عليه ؛ ولكن أخلى له مكانا في بعض القاعات وأكرمه في محبسه ؛ وأوصى أن تعمل له أطعمة مفتخرة ، ولا تقطع من عنده فاكهة ، ولا حلاوة ، وكل ما يختاره من الأشياء المستطرفة ، والمراسلات بينهما لا تنقطع ، وكل وقت كان قراسنقر يسير إليه ويذكر له المنام المذكور ويسأل منه أن يجعل بشارة المنام الإفراج عنه وإرساله إلى أي مكان يشاء السلطان ، وفي أثناء ذلك كان يذكره الأيمان المؤكدة بينهما ، وكان السلطان كلما سمع من ذلك تبسم ويبعث إليه السلام ويقول له : ما بقى إلا قليل .وتمادى الأمر على ذلك إلى ليلة الجمعة التي قتل فيها السلطان ، فأرسل إليه السلطان السلام ومعه فاكهة ، وقال للرسول : قل للأمير شمس الدين إني اشتهيت بسلة بلحم قديد ، ولا آكلها إن شاء الله إلا وأنت معي ، فلما سمع قراسنقر بذلك استبشر وفرح غاية الفرح ، ولما كانت ليلة قتله أرسل إليه بسلة مطبوخة ، واعتذر بأنه صائم ولا يمكنه أن يفطر على بسلة ، وفي الجمعة الأخرى تكون عندي إن شاء الله ، فلما سمع قراسنقر ذلك أرسل إليه إني منتظر لرؤيته ولو ساعة واحدة أو بكلمة واحدة ، فإن في خاطري أن أراه قبل الموت ، ولما سمع السلطان ذلك تبسم وقال للقاصد : اذهب إليه وسلم عليه ، وعرفه أنه لا يجمعني وإياه إلا يوم القيامة ، فلما ورد إلى قراسنقر ذلك قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وقتل السلطان في تلك الليلة .وحكى مجد الدين الحرمي وكيل بيت المال قال : كان السلطان متزوجا ببنت الملك الظاهر بيبرس ، وكانت دينة عفيفة ، فحكت أنها رأت في المنام ليلة الخميس قبل قتل السلطان بليلة كأن السلطان جالس في المكان الذي قتل فيه ، وكان عدة غربان سود على أعلى المكان ، وقد نزل منهم غراب فضرب عمامة السلطان فرماها عن رأسه وهو يقول : كرجى كرجى مرتين ، فلما أصبحت ذكرت ذلك للسلطان وقالت له : أقم الليلة عندنا ، فقال : ما تم إلا ما يقدره الله تعالى . ذكر هذا النويري في تاريخه .وذكر صاحب النزهة : أن زوجة السلطان أرسلت خادمها وراء علاء الدين ابن الأنصاري ، وكان له علم في تفسير المنامات ، لأجل تفسير رؤيا رأته . فقال علاء الدين : إني ضعيف لا أقدر على الطلوع إلى القلعة ، ولكن قل لها : تكتب المنام في الورقة وأنا أرد الجواب عنها ، فعاد الخادم إلى الخاتون وأخبرها بذلك ، فأرسلت إليه ورقة مكتوبة فيها أن الخاتون رأت السلطان جالسا وهي إلى جانبه وإذا بطائر يشبه العقاب انقض عليه واختطف فخذه الأيسر وطار به إلى أن طلع من دور القاعة ، وطائر آخر قاعد على خشب دور القاعة في حلية الغراب وهو يصيح كرجى كرجى كرجى ثلاث مرات ، فلما وقف عليها علاء الدين قال : أيها الخادم هذا لا يفسر إلا بعد ثلاث جمع . قال : وقصدت بذلك التسويف إلى أن تنقضى إما ثلاثة أيام أو ثلاث جمع أو ثلاث شهور ، وعلمت أنه يظهر سر منامها عن قريب ، فوقع قتله ثاني ليلة الرؤيا .

    ذكر قتل منكوتمر وترجمته

    قد ذكرنا أن كرجى هو الذي قتله، وأن طقجى ومن معه لما قتلوا السلطان أتوا إلى دار منكوتمر فدقوا عليه الباب وقالوا له: السلطان يطلبه، فأنكر حالهم، وقال: إنكم قتلتم السلطان، فقال له كرجى: نعم يا مأبون، وجئنا نقتلك، فقال منكوتمر: قال أنا في جيرة الأمير سيف الدين طقجى، فأجاره، وحلف له أن لا يؤذيه، ولا يمكن أحدا من أذيته، ففتح باب داره، وتسلموه، وذهبوا به إلى السجن، كما ذكرنا مفصلا، ثم اغتنم كرجى غيبة طقجى وأخرجه من السجن، فذبحه من أذنه إلى أذنه، وأصبح كما قال الشاعر :

    ومن يحتقر في الشر بئرا لغيره ........ يبيت وهو فيها لا محالة واقع

    وكان منكوتمر مملوكا من أحسن الأشكال، وأكمل صفات الحسن، وكان لاجين ممن يثق به، ويعتمد عليه في سائر أموره، ولما ولى الملك ولاه النيابة كما ذكرنا، وسلم إليه مقاليد الأمور، فتعاظمت نفسه، وساءت أخلاقه، ونفر منه النفوس، وعافته الأمراء وأرباب المناصب والكتاب، وأكبر ذنوبه عند الخاصة والعامة والذي أورث له.. منهم عند عمل روك البلاد، فإن السلطان قصد بذلك إصلاح أرزاق الجند، فرجعه عن قصده، ونقص أخبازهم، وتولى تفريقها، وكان يجلس في شباك دار النيابة ويفرق المثالات، وهو مولى الوجه، ظاهر الغضب.. فلم يكن أحد يجسر أحد على كلمة بين يده من خير أو شر .وكان السلطان قد كبر كرجى وقربه، وجعله مقدما على المماليك السلطانية، وكان كلما حضر عند منكوتمر من عند السلطان في رسالة لا يأخذها منه بقبول، ويولى وجهه عنه، فإذا جاوبه، جاوبه بكلام غليظ منكر. وما سمع أنه دخل إليه في شفاعة وقبلها منه، وما زال يسعى عليه وعلى طقجى إلى أن وافق السلطان على إخراجهما إلى الشام، فوقفت الأمراء ومنعوه من ذلك، كما ذكرنا، وكان قصده إبعاد هؤلاء من عند السلطان، وإنشاء قوم من حاشيته وجهته .وكذلك كان قصده في نواب البلاد، فأوقع ذلك في قلوبهم حزازات لا يحصى عددها، ونارا تتلظى ولا يسكن وقودها، ولا يمكن خمودها، حتى جرى ما جرى .^

    ذكر تدبير كرجى

    ولما جرى ما ذكرناه من قتل السلطان ، ونائبه منكوتمر اجتمعت الأمراء للمشورة والتحدث في الأمور بينهم لسيف الدين طقجى ، وسيف الدين كرجى ، وأول ما بدأا فيه أن سيروا البريد إلى الشام وحلب ، وكتبوا إلى النواب عما جرى من الأمور ، وعرفوا نائب حلب الطباخى بأنهم قضوا الشغل الذي وقع عليه الاتفاق ، وأمروه بأن يقبض على أيدغدى شقير الذي كان قصد منكوتمر أن يجعله نائب حلب ، ويقبض على جاغان الذي هو نائب الغيبة في الشام ، وهو الذي كان قصد منكوتمر أن يجعله نائب دمشق عوض سيف الدين قفجق .ويقبض أيضا على حمدان بن صلغاى الذي أرسله السلطان إلى النواب ، كما ذكرنا ، ويقبضوا جميع الأمراء الحسامية .وجعل الأمراء يحضرون كل يوم ، ويجلسون على باب القلة ، ويجلس الأمير طقجى مكان النائب ، والأمراء الكبار في الميمنة والميسرة ، ويمد سماط السلطان كما هي العادة .ووقعت المشورة بينهم في أمر السلطان الذي يولى عليهم ، فاتفقوا على إحضار الملك الناصر من الكرك ، وإجلاسه على التخت .والأمراء الكبار بالقلعة يومئذ الأمير سيف الدين سلار ، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، والأمير حسام الدين لاجين الرومي أستاذ الدار ، والأمير عز الدين أيبك الخازندار ، والأمير بدر الدين عبد الله السلحدار ، والأمير سيف الدين كرد الحاجب ، وطقجى في مكان النائب ، والأمراء حوله ، وديوان الجيش قدامه ، وهو يأمر وينهى معتقدا أن الرقاع قد خلت ، وأن البياذق قد تفرزنت .ولما اجتمعت آراؤهم على إحضار الملك الناصر من الكرك ليجلس في السلطنة ، لأنه صاحب البيت ، وابن صاحبه ، ووارث ملك أخيه وولده .فقام كرجى بينهم يتكلم ، فقال اسمعوا له ، وقال : يا أمراء أنا الذي قتلت السلطان لاجين ، وأخذ ثأر أستاذي ، والملك الناصر الذي في الكرك صغير لا يصلح أن يكون سلطانا ، وما يكون سلطان إلا هذا ، وأشار إلى الأمير طقجى ، وأكون أنا نائبه ، فأنا ما فعلت الذي فعلت إلا أن أكون أنا وهو ها هنا ، والذي يقول غير هذا يقول قدامي ، قلم يقدر أحد من الأمراء أن يرد عليه الجواب ، فسكتوا عن آخرهم ، وبقى كل واحد ينتظر جواب غيره ، فأجاب الأمير سيف الدين كرد الحاجب وقال : يا خوند الذي فعلته أنت قد علمه الأمراء ، وخاطرت بنفسك ، ومهما أردت ما ثم من يخالف ، وانفض هذا المجلس على أن موافقة الأمراء على ما يختاره .وفي ذلك اليوم وقعت بطاقة الأمير بدر الدين أمير سلاح ، وصحبته الأمراء المجردة ، وهي من أيام لاجين ، كما ذكرناه ، بأنهم قد وصلوا إلى الصالحية ، قصد الأمير حسام الدين الأستاذ دار وكرد الحاجب إلى خدمة كرجى ، وقالا له : إن الذي اخترته قد حصل ، ولم يبق غير حضور هذا الرجل الكبير العقل ، وهو موافق لنا في كل ما تختاره ، وانقضى الأمر على هذا .ثم كتب الأمراء الكتب في الليل إلى خشداشيتهم من الأمراء الواصلين ، وعرفوهم بجميع ما جرى ، وأن كرجى وطقجى قد قويت شوكتهما ، وأرادا أن تكون السلطنة لطقجى والنيابة لكرجى ، ووقع اتفاقا معهما على ذلك من غير اختيار منا ، وإنما أكرهانا على ذلك ، وعرفوهم أن يأخذوا حذرهم ، ويعملوا في رأيهم على الأمير بدر الدين أمير سلاح ، ويتقيدوا برأيه في جميع ما يرسم به ، وأنهم منتظرون ما يرى في أمرهم وأمر الأمراء الذين بمصر ، إن الأمراء المجردين إذا وصلوا إلينا يقوى أمرنا ، ويشتد قلبنا .ووقع الاتفاق أيضا من كرجى وطقجى وشاورشى والمماليك الأشرفية أن يكون كلهم يد واحدة ، وتكون كلمتهم متفقة على أن تكون السلطنة لطقجى ، والنيابة لكرجى ، وعينوا لجماعة من حاشيتهما بإمريات وإقطاعات ، واتفقوا على أن أحدا منهم لا ينزل من القلعة ، ولا يلتقوا ببدر الدين أمير سلاح ، ولا الأمراء المجردين الذين معه ، وأن يظلوا مقيمين بالقلعة إلى حين طلوع الأمراء ، ثم يتفقون عليهم ، ويفعلون ما يختارونه .فبقى الأمر على ذلك إلى أن وصلت العساكر إلى بركة الحجاج وكان ذلك في النصف من شهر ربيع الآخر من هذه السنة .

    ذكر قدوم الأمراء المجردين ومقتل طقجى

    لما وصلت العساكر إلى بركة الحجاج ، ودخل بعضهم المدينة ، شرعت الأمراء المقيمون بمصر في تجهيز الملاقاة ، وشاوروا طقجى وكرجى في ذلك .فقال كرجى : نحن ما عندنا أحد ينزل إلى ملتقى أحد ، وكل واحد منهم يدخل إلى بيته ، ثم إذا أصبح يطلع إلى قلعة السلطان ويلبس خلعته ، ثم يروح إلى بيته وبعد ذلك ندبر ما نفعله ، فقامت الأمراء على ذلك وتفرقوا .ثم اجتمع الأمير سيف الدين كرد الحاجب بالأمير حسام الدين الأستاذدار ، وقال : هذا الذي اتفقت الأمراء عليه لا ينفع ، ولما يتم أمر ما دام طقجى وكرجى في القلعة ، والرأي أن تعلم الأمراء أنهم إذا طلعوا خدمة القصر يوسعون الحيلة في الحكم عليهما بالنزول والملاقاة بالأمراء القادمين ، فأرسلا لكل أمير مملوكا وأعلما بذلك .فلما اجتمعوا في القلعة لخدمة القصر شرع الأمير جمال الدين قتال السبع وحسام الدين الأستاذدار وطغريل البوغاى وتحدثوا مع طقجى وكرجى وقالوا : هذا الأمير بدر الدين أمير سلاح رجل كبير ، وأتابك عسكر مصر ، وقديم الهجرة ، وكان في الغزاة مع العدو ، وقد أثر فيهم آثارا حسنة ، وفتح إحدى عشرة قلعة ، وله مدة سنة ونصف غائبا هو ومن معه ، فيدخلون مصر ولا يجدون أحدا لاقاهم ولا التفت إليهم ولو كان السلطان في الحياة خرج بنفسه فالتقاه فأكرمه ، ووافقهم سائر الأمراء في هذا الحديث ، ولم يبق أحد حتى قال : والله هذا هو المصلحة ، وكرجى لا يلتفت إلى سماع ما يقولون ، ثم قال : لا ينزل أحد منا إليهم ، فإن أردتم أنتم انزلوا ولاقوهم فإنهم خشداشيتكم ، وطال شرح الكلام بينهم إلى أن استحى الأمير طقجى وقال لكرجى : قول الأمراء على هذا الوجه هو الصواب ، وأنا أركب صحبة الأمراء ومماليك السلطان معي ، وتركب بقية العسكر وحدهم ، ويلاقون هذا الرجل ومن معه ، وتكون أنت مقيما بالقلعة مع بعض مماليك السلطان إلى أن نلتقي ونرجع ، فإن اختار طلوع القلعة طلعنا معه ، وإن اختار غير ذلك عرفنا قصده وانتظم الأمر على الدول على هذا الوجه .ثم جلس طقجى وكرجى على باب القلعة وعرضا مماليك السلطان فاختارا منهم أربعمائة مملوك من خيارهم يكونون في خدمة طقجى ويركبون معه عند نزوله ، ووصاهم أن يكونوا متيقظين على أنفسهم ولا يفارقون طقجى ويحفظونه إلى أن يرجع ، وجهز لهم كرجى من الإصطبل خيار الخيل وخيار المراكيب .فلما أصبحوا ثاني اليوم ركبت سائر الأمراء ووقفوا ينتظرون ركوب طقجى إلى أن نزل في عصبة شديدة وموكب كبير ، وكان الأمير سيف الدين كرد الحاجب أيضا راكبا مع الأمراء والجند في موكب كبير ، ولم يبق في القاهرة أحد من العامة والسوقة إلا وقد خرج للتفرج ، وكان يوما مشهودا ، ثم سارت الأمراء والعسكر كلهم إلى أن التقوا ، وفسح الحجاب طريقا لطقجى ، فساق إلى أن اجتمع بالأمير سلاح ، فتصافحا على الخيل وقبل طقجى يده ، ومشى إلى جانبه إلى أن وصلوا إلى قبة النصر .فساق كرد الحاجب من وسط الموكب وقال للأمير سلاح : يا خوند الأمير يطلع إلى القلعة أو يروح إلى بيته ، فقال الأمير سلاح : المرسوم مرسوم السلطان ، وأنا موجوع من رجلي ، فإن رسم بالطلوع طلعت . فقال له كرد : يا خوند وأين السلطان ؟ فقال : ما هذا الكلام ؟ فقال : السلطان - تعيش - قتله الأمير ، فقال : من قتله ؟ فقال كرد هذا قتله ، وأشار إلى طقجى ، فلما سمعه طقجى قال : نعم أنا قتلت السلطان ؟ بالإنكار . قال كرد : نعم . قال طقجى : تكذب ، وما خرج الكلام من فمه حتى ضربه بعض المماليك البرجية بالسيف على كتفه اليمين فلم يقطع منه شيئا ، فلما أحس بالسيف ركض فرسه وخرج من الحلقة التي كان واقفا فيها مع الأمراء ، فأشهرت بعد ذلك السيوف ووقعت الضجة والغلبة ، وارتفع الغبار حتى لا يرى بعضهم بعضا .ورأى كرد الحاجب أن مماليك السلطان داروا بطقجى يحفظونه ، فقال لهم : يا أولادي أنتم نزلتم حتى تقابلون هذا الرجل الكبير أتابك العساكر ، وإذا رآكم على هذا الحال لا يعتقد إلا أنكم نزلتم لأجل قتاله ، فيحصل بذلك فتنة كبيرة ، وما زال يتلطف بهم إلى أن أخرجهم من الحلقة وأوقفهم بمعزل من الناس ، ثم ساق كرد ، وجاء إلى الأمير سلاح وقال يا خوند : متى ما وليت عن العسكر ههنا يهلك أهل الإسلام ، وكان قد قصد أن يخرج من بينهم ويذهب ، فعند ذلك أمر بأن ينشر سنجقه ويحرك النقارات حربيا ، ولما رأت الناس ذلك اجتمعت المماليك كلها ، وقامت ساق الحرب ، وبقى طقجى وحده وخلفه سلحدار واحد ، ونظر إلى العسكر وقد ضربوا عليه حلقة ، ولم يبق معه أحد من المماليك ، فقصد أن يلتجئ إلى أمير سلاح ويستجير به ، فصادفه قراقوش الظاهري والتزق به ، فضربه بالسيف ، فجاءت الضربة في وسط حنكه ، فقطع وجهه قطعتين وفصل الحنك من الوجه ووقع إلى الأرض ، واجتمعت عليه الخيل ، فبقى طريحا ، فجاء أمير سلاح ووقف عليه وأمر بأن يشال على قبر عال ، ويحمل إلى تربته .قال صاحب النزهة : فرأيته وقد سلب جميع ما كان عليه ، ولم يجدوا شيئا يحمل عليه غير مزبلة من مزابل الحمامات ، فوضع على بهيمة ، ودارت به الناس إلى أن أوصلوه إلى تربته التي عمرها بجوار إصطبله ومدرسته .

    ذكر مقتل كرجى

    لما قتل طقجى وانهزمت المماليك الذين نزلوا صحبته كانت طائفة منهم هربت نحو القلعة، وأخبروا كرجى بأن العسكر جميعهم اجتمعوا على طقجى وهم في قتال معه، ولم يعرفوا أنه قتل أو بالحياة، فنهض كرجى من وقته وطلب سائر المماليك السلطانية الذين في القلعة، وفتح الزردخاناه وأخرج منها العدد وآلات الحرب وفرقها، وأمر بشد الخيل من إصطبل السلطان، ونزل في خمسمائة مملوك، ووقف تحت الطبلخاناه على أنه منتظر خبرا ثانيا، ثم ترادفت المماليك المنهزمة والذين حضروا مقتل طقجى، وعرفوا كرجى أنه قتل، وأن العسكر جميعهم قاصدون إليك، فوجد لذلك أمرا عظيما وقوى نفسه على ملاقاتهم بمن معه، ثم نظر إلى من معه، فرأى منهم من يناجز إلى ورائه، ومنهم من يلوى عنان فرسه، وعرف أن الأمر قد انحل ولم يبق معه غير مماليك نفسه، وأول العسكر قد بدأ وأعلامهم منشورة، فأثنى عنان فرسه إلى نحو القرافة، وتبعته الحرافيش وصاحوا عليه، وكان متولى القاهرة في ذلك الوقت ناصر الدين الشيخي، فصادفه وهو طالع من الصليبة وهو سائق، وقصد أن يرده، فرجع إليه وضربه بالسيف، فخرج فرسه، وساق إلى أن وصل بساتين الوزير، والخيل وراءه أولا فأولا، وهو يرجع إليه ويردهم عنه .وكان كرجى على ما كان عليه من قصر القامة شجعا، فارس الخيل، وقد تعلم فنون الحرب، ولم يزل في مراددة الخيل الواصلين إليه إلى أن قابله صمغار ابن سنقر الأشقر واصطدم هو وإياه، فتطاعنا ساعة، فأدركه محمد شاه المعروف بالأعرج الخوارزمي، وكان من الفرسان المجيدين، وقابله وما زال يتطارد معه إلى أن رماه إلى الأرض، فاجتمعت الجند عليه فذبحوه وأخذوا رأسه وأتوا بها إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح والحسام الأستاذ دار، والأمراء وقوف عند الطبلخاناه، ورموا برأسه بين أيديهم، ففرحت الأمراء وتباشروا، ثم تفرقوا، ورجعت المجردون إلى بيوتهم .وفي تاريخ النويري: هرب كرجى حين علم بقتل طقجى، فلحقوه آخر القرافة فقتلوه هناك .وقال بيبرس: هرب إلى ظاهر مصر فأدركوه عند قبور أهل الذمة، فقتلوه هناك، فصرعه بغيه وأهلكه غيه، ولله أن در القائل :

    قضى الله أن البغي يصدع أهله ........ وأن على الباغي تدور الدوائر

    ^

    ذكر عود الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة

    ولما جرى ما ذكرنا طلعت الأمراء الأكابر إلى القلعة في ثاني اليوم الذي قتل فيه طقجى وكرجى، واتفقت آراؤهم على النزول إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح وتكون المشورة بحضرته لأجل أمر السلطنة، فنزلوا إليه وشاوروه في ذلك، وأقاموا يترددون إليه يومين والثالث إلى أن اتفقت آراؤهم على أن يسيروا بعض الأمراء إلى مدينة الكرك ليحضروا الملك الناصر منها ؛ليجتمع شمل أهل الإسلام وتسكن الفتن بينهم، فإن مماليك السلطان البرجية جميعهم التفت على الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والمماليك الصالحية والمنصورية وبعض الأشرفيه التفت على الأمير سيف الدين سلار الصالحي، فأرادوا أن يسكنوا خواطر الناس بحضور ابن أستاذهم وسلطانهم، وأن يحفظوا دولته إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، فاتفقوا على ذلك، وقصدوا قتل من مسكوا من المماليك الذين شاركوا في قتل السلطان، ثم أخروا ذلك إلى وقت حضور السلطان من الكرك .واتفق رأيهم على تسيير الأمير علم الدين سنجر الجاولى، والأمير سيف الدين آل ملك الجوكندار، وجهزوا لهما الهجن وما يحتاجان إليه .واتفقوا على أن تكون الكلمة بينهم متفقة واحدة، فكانوا يجلسون ويحكمون وتكتب الكتب بالعلائم، فأول من يكتب علامته الأمير حسام الدين لاجين الأستاذ دار، ثم الأمير عز الدين أيبك الخزندار، ثم الأمير سيف الدين سلار، ثم الأمير سيف الدين كرد الحاجب، ثم الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، ثم الأمير جمال الدين عبد الله السلحدار، ثم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وكانوا إذا كتبوا كتبا لسائر النواب يكتب عن ألسنة هؤلاء الأمراء ويحط كل منهم علامته عليه، ثم ينزل الجميع يوم الاثنين ويم الخميس إلى خدمة الأمير بدر الدين أمير سلاح، ويأكلون على سماطه، ويستشيرونه فيما يفعلونه، فإنه كان هو المشار إليه من الأكابر، وهو الذي سكن الفتنة بينهم في ذلك الوقت وأشار أن المسلمين لا يسكنون إلى أن تجتمع كلمتهم على ابن أستاذهم، فإنهم مماليك أبيه وأخيه، وهو وارث ملكهم، ومالك عقدهم وحلهم، وقطع من الجميع علائق الطمع، وعرفهم أن حضوره وتملكه عليهم أحق وأولى، وإن كان صغير السن وأنتم تدبرون أمره برأيكم .ثم

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1