Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

Journeys on a Football Carpet - Ar
Journeys on a Football Carpet - Ar
Journeys on a Football Carpet - Ar
Ebook612 pages4 hours

Journeys on a Football Carpet - Ar

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

When Qatar won its bid to host the 2022 FIFA World Cup™, it was the ultimate sporting miracle for a young and ambitious nation. But the critics were quick to judge, saying that Qatar, with no football history of its own, didn’t deserve the chance to host the biggest football tournament in the world. In Journeys on a Football Carpet, Qatar-born journalist and author Matthias Krug sets out to debunk that myth by sharing the fascinating inside story of the country’s football evolution over the past six decades. From its earliest football days towards becoming the epicenter of the football world in 2022, Qatar has realized the Maroon sporting philosophy: No dream, no matter how big, is impossible.
Languageالعربية
Release dateJun 17, 2021
ISBN9789927155123
Journeys on a Football Carpet - Ar

Read more from Krug Matthias

Related to Journeys on a Football Carpet - Ar

Reviews for Journeys on a Football Carpet - Ar

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    Journeys on a Football Carpet - Ar - Krug Matthias

    تمهيد

    بقلم: تشافي هرنانديز

    الفائز بكأس العالم لكرة القدم 2010 مع منتخب إسبانيا لاعب برشلونة الأسطوري

    وصلت إلى دولة قطر في صيف عام 2015 للتوقيع لنادي السدّ الرياضي. كانت تجربة جديدة تمامًا بالنسبة لي بعد سبعة عشر عامًا قضيتها في نادي برشلونة لكرة القدم. وكنا بالأمس القريب رافعين كأس دوري أبطال أوروبا في برلين؛ أي قبل بضعة أسابيع لنستكمل بذلك ثلاثية تاريخية للمرة الثانية في تاريخ النادي، وعلمت أن الوقت قد حان لأترك ناديّ العزيز وأُقبِل على حياتي وأشرَع في مغامرة جديدة تمامًا.

    ورغم أنني تحدثت مع لاعبي كرة قدم عظام - مثل بيب غوارديولا وراؤول غونزاليس - لعبوا في الدوحة قبلي وأخبروني بأشياء رائعة كثيرة عن دولة قطر، فإنني كنت في حيرة من أمري. وفي يوم حر قائظ من أيام يونيو، غادرت أنا وأسرتي فندق الشعلة في الدوحة متوجهين إلى أول مؤتمر صحفي ينظمه ناديّ الجديد.

    وعندما وقفت خارج استاد خليفة الدولي، تقدم نحوي ألماني طويل القامة وتحدث إليّ بالإسبانية؛ فسألني عن شعوري حيال الكشف عن انضمامي إلى النادي، لأنه لم يسبق لي الظهور في حفل تقديم من قبل؛ اللهم إلا حفلًا صغيرًا للغاية عندما كنت في الحادية عشرة لدى وفودي إلى برشلونة، لكنني لم أتعرض في حياتي لحدث صحفي بهذا الحجم. كان استقبالي في قطر مبهرًا؛ وأنا في غاية الامتنان لنادي السدّ... للأطفال الذي رحبوا بي في ذلك اليوم... ولعشاق كرة القدم في هذه الدولة لما لاقيت منهم من استقبال حافل.

    لا شك أنني أفتقد بعض الأمور في برشلونة: كزملائي السابقين وجلسات التدريب التي تبدأ بأسلوب «الروندو»، والسعادة التي كنا نستشعرها معًا في غرفة خلع الملابس. ومع ذلك، أقول بقلب مطمئن إن اختياري المجيء إلى قطر كان من أفضل قرارات حياتي؛ فهذا بلد ساحر استقبلني وأسرتي بحفاوة بالغة، وفيه مشروع عظيم طموح يتمثل في «أكاديمية أسباير» واستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022.

    لقد أذهلني هذا البلد ذهولًا إيجابيًا على أصعدة عدة؛ ولست أجد أمامي ما أتحدث عنه سوى عجائب حقيقية، مع اهتمام كبير بالرياضة. لقد كانت قطر مكانًا رائعًا من حسْن طالعي أن أقمت فيه وأتطلع إلى مزيد من التطور فيه على المدى البعيد، لا سيما وأعين الجميع متطلعة إلى كأس العالم 2022. سنحت لي الفرصة مع نادي السدّ لمواصلة الفوز بالكؤوس؛ بما في ذلك كأس الأمير المشهود بمناسبة افتتاح أول ملعب من استادات كأس العالم 2022 (حسب الوصف الوارد في هذا الكتاب). كما بدأت رحلتي التدريبية هنا لأفيد المنتخبات القطرية للشباب وأكاديمية أسباير.

    تبذل قطر جهودًا عظيمة لبناء منتخبات شابة قوية قوامها من اللاعبين الموهوبين؛ حتى إن كثيرًا من اللاعبين في المنتخبين تحت 23 و19 سنة لهم مستقبل واعد سيتجلى بحلول تنظيم كأس العالم 2022، كما يضم كل من أكاديمية أسباير والاتحاد القطري لكرة القدم مدربين أكفاء. بدأت خلال سنوات إقامتي بالدوحة في تدريب منتخب تحت 23 سنة، واستمتعت بهذه التجربة أيّما استمتاع. كما أن جهود تنظيم كأس العالم ماضية بوتيرة رائعة، والدولة قادرة على مباشرة العمل على كل الجبهات إذا جاز التعبير؛ فالأساس حاضر وقائم لتنظيم نسخة رائعة من بطولة كأس العالم.

    أصبحت قطر اليوم واحدة من عواصم الرياضة في العالم، إذ تستثمر الدولة استثمارًا هائلًا في الرياضة يحدوها في ذلك عشق حقيقي ورؤية ثاقبة يمكن للناظر معاينتها في حديث الجميع - بدءًا من المشجعين وانتهاءً بصنّاع القرار الكروي. الأمر لا يقتصر على كرة القدم: فكل أسبوع تستضيف الدولة منافسات كبرى في ألعاب القوى والشطرنج والرجبي والسباحة وغيرها كثير، وكلها على مستوى راقٍ من التنظيم والتجهيز إذ تسعى قطر لأن تصبح عاصمة العالم الرياضية، وهذا مسعى محمود في حد ذاته.

    أعتقد أن فهم التطور المتسارع في الرياضة عالميًا يستلزم النظر في الجهود الأولى والفلسفة المحرّكة لذلك التطور. فمثلًا؛ يمكن اقتفاء أثر السنوات التاريخية لبرشلونة - التي حملت فيها فرقه كثيرًا من الألقاب وقدّمت أروع الأداء في مجال كرة القدم - إلى فلسفة يوهان كرويف وقيم «لا ماسيا»، فهي العوامل التي غُرست فينا منذ احترافنا كرة القدم؛ ومن دونها ما كنت لأحوز الفرصة - وأنا يومئذٍ لاعب يفتقر الحضور القوي في منتصف الملعب - لعمل كل ما تمكنّا من تحقيقه مع فريق برشلونة ومنتخب إسبانيا.

    بالمثل، وعت قطر صغر حجمها وفهمت أنها بحاجة لرؤية وفلسفة تسمح لها بتحقيق حضور عالمي. من هنا كان هذا الكتاب الماتع اللازم لفهم دواعي قطر لاختيار التميز الرياضي، لا سيما في كرة القدم، ليكون مكوّنًا رئيسًا من مكونات ثقافتها الوطنية. كما يحكي هذا الكتاب التاريخ الساحر المميز لكرة القدم في قطر من منظور دقيق النظرة، ثاقب الرؤية؛ شاملًا حكايات على لسان بيب غوارديولا ولساني من واقع إقامتي في الدوحة.

    أدهشني ذلك الألماني طويل القامة يوم قابلني عندما قال لي إنه وُلد وتربى في قطر بعدما وصل والده وأسرته إلى الدوحة لأول مرة في 1982. وقد كتب كتابًا يجمع بين دفتيه معاني الأهمية والإلهام: إنها حكاية بلد صغير حجمه، عظيمة أحلامه، أذهل عالم الرياضة واستحق احترامه - بإنجازات عزّ ما يضاهيها.

    تشافي هرنانديز

    مقدمة

    معجزة كروية في طور التكوين

    كلنا من عشاق المعجزات الكروية؛ ولعل أشهرها صعود فريق بأداء متميز إلى مصافّ المجد مخالفًا كل التوقعات؛ ومن أمثلة ذلك فريق ليستر الذي مضى في الطريق من أوله إلى منتهاه حتى فاز بلقب بطل الدوري الممتاز لكرة القدم في إنجلترا. وهناك أيضًا مثال المنتخب الوطني في أول بطولة لكأس العالم تقام في كوريا الجنوبية؛ إذ انبرى الفريق بأداء مبهر مدعومًا بصيحات عاتية وتشجيع ناريّ من الجماهير حتى بلغ المربع النهائي للبطولة. والسؤال: لماذا نعشق قصص الصعود تلك؟ لماذا نهيم بالمعجزات الكروية؟ لربما كان ذلك لأنها تعزز يقيننا بأن كل شيء ممكن بشرط الإيمان والاجتهاد في سبيله حتى تحقيقه؛ هذا إذا امتلكنا الجرأة لنحلم.

    هذا الكتاب عن بلد صغير اجترأ على الحلم من أوسع أبوابه في كرة القدم؛ فالكتاب يقتفي الأيام الأوائل للرياضة في قطر عندما كانت الملاعب رملية وحدودها مرسومة بالزيت، أيامَ اعتاد الصغار استخدام الكرات البدائية «الشرَاب» متمردين على آبائهم حتى يلعبوا لعبة أحبوها. تلكم قصة ظلت طيّ الذاكرة والصدور حتى اليوم لأنها لم تجد من ينظر إلى تاريخ كرة القدم في قطر نظرة فاحصة؛ لذلك قررت أن أجمع شتات الذكريات فأعرض الحكاية بعناية وشغف يليقان بشخص وُلد على أرض هذا البلد الممتدة بثقة ويقين في مياه الخليج العربي.

    سطّرت قطر في 2 من ديسمبر 2010 لنفسها تاريخًا عظيمًا في عالم الرياضة عندما أصبحت أول دولة عربية وشرق أوسطية تفوز بحق استضافة كأس العالم لكرة القدم. يومها كتبت مقالًا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بعنوان «A World Cup miracle» (معجزة في كأس العالم) على خلفية تفوق قطر في المنافسة على الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا؛ وتكلل ذلك بإعلان اسمها دولةً مضيفةً للحدث من الظرف ذي اللون الأبيض الذي يحتوي على اسم الفائز. قلت في مقالي حينها: «قرار إسناد تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 إلى قطر هو معجزة رياضية في كثير من جوانبه؛ إذ حاز شعب قطر - ومن ورائه شعوب الشرق الأوسط - فرصة تحقيق إمكاناتهم الحقيقية في النهاية. وهذه بوابة صوب عالم جديد جريء في هذه اللعبة الرائعة».

    بعد انقضاء نشوة الفرحة الأولى في الدوحة، وفي عموم المنطقة المسحورة بكرة القدم، انطلق النقّاد في تصديهم لقرار إسناد تنظيم البطولة، علمًا بأن كثيرين منهم كانوا من دول لم تُوفَق في المنافسة الحامية في يوم بارد من أيام ديسمبر في زيورخ. واستند منطقهم في النقد يومها إلى أنه لا يمكن لهذا القرار أن يصادف الصواب - فلا بد أن في الأمر خطأ حسب رأيهم؛ إذ كيف لقطر الصغيرة أن تفوز بحق استضافة الحدث الكروي الأكبر في العالم. والحق أن كثيرين لم يعرفوا شيئًا يُذكر عن الدولة المضيفة للبطولة لأول مرة؛ بل إن بعضهم لم يعرف كيف ينطق اسم الدولة. وادعى كثيرون أنها تفتقر للتاريخ الكروي - فلماذا تسعى - مجرد السعي - إلى استضافة بطولة دولية بهذا الحجم؟

    انطلقت في تفنيد أسطورة انعدام التاريخ الكروي للدولة، فقصصت لأول مرة تاريخ قطر الحافل على المستوى الرياضي عمومًا والكروي خصوصًا. إنها حكاية حافلة مذهلة أقصّها بكلماتي ومن واقع تجربة والدي الذي وصل الدوحة في 1982 بوصفه واحدًا من أوائل المدربين الرياضيين الأجانب في قطر. يومها لم تكن قطر قد خطت خطوة سوى الحلم بما تطمح لتحقيقه يومًا ما. وفي ثنايا الحكاية خبر عن أول بطاقة صفراء في مسيرة الأسطورة بيليه في استاد الدوحة، وأول ملعب عشبي في منطقة الخليج بأسرها. وهناك أيضًا منتخب شباب قطر بقيادة إيفاريستو دي ماسيدو قاهر العمالقة، وهو المنتخب الذي أذهل العالم ببلوغه نهائي بطولة العالم للشباب في أستراليا عام 1981، متغلبًا على البرازيل وإنجلترا في سبيل ذلك. وهناك أيضًا لحظة الخيّال الشجاع الذي حمل شعلة متقدة في قلب الاستاد الأعظم في الدولة إيذانًا بدخول قطر إلى عالم استضافة الأحداث الرياضية الكبرى.

    يقرر هذا الكتاب بجلاء أن قطر لديها تاريخ رياضي وكروي نابض بالحياة، تاريخٌ يفتخر به شعبها أيّما فخر. ستتجلى حلقات السلسلة التاريخية في حنايا حكاية قطر الرياضية التي تقصّها صفحات الكتاب بنظرات عميقة ممن أسهموا في صياغة ذلك التاريخ (ومن بينهم أساطير مثل مبارك مصطفى وبدر بلال، وأهم المسؤولين عن ملف كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 مثل حسن الذوادي وناصر الخاطر، وأساطير كرة القدم الفائزين بكأس العالم مثل تشافي هرنانديز وفيليب لام). وقد دأبت قطر على توظيف الرياضة بصفتها وسيلةً للتغيير الإيجابي سواء عندما قوبلت بنقد حادٍ أو من قبله؛ ذلك بأن دولة المنتخب العنّابي أيقنت صواب رؤيتها الرياضية: إن المعجزات ممكنة بعظيم الأحلام وسديد الجهد.

    هذا كتاب عن مثابر رياضي بصدد فرصة عظيمة؛ إذ أرادت قطر - أكثر ما أرادت - أن تضع نفسها على خريطة العالم بصياغة هوية وطنية جديدة مرتبطة بالساحرة المستديرة التي يعشقها العالم. وقد فعلت ذلك باغتنام الفرصة السانحة لإحداث الفارق في هذا العالم الرازح تحت وطأة التصارع. وهديًا بكلمات صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، سيدة قطر الأولى، خلال عرض الملف القطري في زيورخ: «متى؟ متى سيصبح الوقت مناسبًا لكي يُنظَّم كأس العالم في الشرق الأوسط؟ هل تدركون أهميّة ذلك بالنسبة إلى منطقتنا وعالمنا؟... حان الوقت، إنه الآن».

    نعم، حان الوقت لتنظيم أولى بطولات كأس العالم في الشرق الأوسط لأن الشعوب في هذه المنطقة من العالم تتحرّق شوقًا إلى الدافع وفرصة التنمية الاجتماعية الإيجابية المرتبطة بالبطولة. وقد قال ألبرتو تيستا ومحفوظ عمارة: «رغبة الشعوب المسلمة في أن تكون جزءًا من الحياة الرياضية العالمية هي رغبة حقيقية»(1).

    ينظر هذا الكتاب نظرة واقعية في التحول الرياضي المذهل بقطر؛ بدءًا من أيام «الكرة» المركولة في أنحاء الدولة حتى الخطط المستقبلية والاستعدادات الجارية لكأس العالم لكرة القدم قطر 2022. وتسعى الدولة إلى ذلك بصدق وعزيمة لمواجهة التحديات ومثارات النقد الأساسية، فهذا منطلقها للتعامل. كما تبحث الدولة في الفرص التي تضفي على هذه النسخة من البطولة إمكانات أعلى من أي نسخة سابقة حتى تترك أثرًا دائمًا وتغير الحياة إلى الأفضل.

    لا تتكرر المعجزات الرياضية كثيرًا، وهذا سر عشقها وتميزها؛ لكنها عندما تحدث يواتيك الفهم الكامل لها بالنظر في الجذور حتى تبصر كيف حدثت. لم تبدأ معجزة نسخة كأس العالم في قطر خلال عام 2010، ولا قبل ذلك بعامين عندما كنت أول من أماط اللثام عن عزم قطر المنافسة في استضافة البطولة؛ بل إن المعجزة العنابية بدأت قبل ذلك بعقود.

    تبدّى لي بعد سنوات الدراسة أن التاريخ عبارة عن معادلة معقدة وضرورية يمكن وصفها بكلمات أبسط من قبيل (ز + م) × ن. أي: الزمان (ز) مضافًا إليه المكان (م) مقترنان بالعامل المضاعف المهم «الإنسان» (ن) الذي يتخذ القرارات التي تصبح تاريخًا ملموسًا. ويضاف إلى هذه المعادلة عامل حاسم هو «س» - أي الاستفادة من كل ما سبق.


    (1) Sport in Islam and in Muslim Communities, edited by Alberto Testa and Mah-foud Amara (2015).

    1958. الريان، قطر

    فتى الكرة الشراب

    استهل صبي قطري اسمه «خطّاب عمر الدفع» مشواره الكروي أواخر خمسينيات القرن الماضي؛ عندما ركل الكرة لأول مرة لم يكن يريد سوى انطلاقة في هذه اللعبة الساحرة، ثم اكتشف تعطشه الذي لا يُروى لهذه اللعبة. بدأ خطاب - وهو بعدُ ابن السابعة - لعب الكرة مع الأصدقاء في حيه بالدوحة، الريان، قبل الذهاب إلى المدرسة. كانت الكرات المتاحة يومئذٍ لهم أبعد ما تكون عن المنتج الجلدي الذي يتقن بيليه التلاعب به برشاقة عجيبة، ليقذف به في الشبكة خلال نهائي كأس العالم لكرة القدم عام 1958.

    استحضر الدفع ذكرياته بشغف فقال: «بدأنا نحن الأطفال لعب الكرة طلبًا للمتعة قبل الذهاب إلى المدرسة، بلا أحذية تحمينا، والكرة كانت من قصاصات أقمشة قديمة أو جوارب (شراب) خيط بعضها ببعض لتصبح شبيهة بالكرة». دأب الأطفال على ركل تلك الكرة البدائية بشغف وحب في دول عربية أخرى، وعُرفت فيما بينهم باسم «الكورة الشراب» (الجوربية). وقد كانت كرة مصممة للعب في الشوارع تتناقلها أقدام الصغار بأنحاء المنطقة في أي ساحة خالية يجدونها.

    فتن بيليه العالم بأدائه، وبدأ الدفع حينها أحلامه بإحراز أهداف مبهرة لبلده بقدميه. وعن ذلك قال الرجل - الذي أصبح بعدها اسمًا له نجوميته الكروية المبكرة في قطر (وأصبح بعدها وزيرًا في الحكومة) - إنه رأى في تلك المرحلة ميلادًا حقيقيًا لكرة القدم بصفتها لعبة شعبية في قطر. ومع ذلك، كانت اللعبة في مستهلها صعبة المنال؛ إذ «لم يوجد بالغون يلعبون كرة القدم حينئذٍ، ولم أجد لي مناصرًا أو مُعينًا، بل كانت شكلًا من أشكال الترفيه للصغار فحسب. وفي المدرسة استقبلنا معلمون من مصر وفلسطين فساعدونا وشجعونا على لعب كرة القدم».

    كان لكرة القدم في البلدين المذكورين حضور قوي في أوساط الجماهير والمجتمع في ذلك الحين؛ إذ تأهلت مصر لنهائيات كأس العالم 1934 في إيطاليا، وخسرت من المجر 4 - 2 في مباراة مؤهلة في نابولي، «لكن مشاركة مصر المبكرة في كأس العالم 1934 عززت اللعبة وصبغتها الوطنية أيّما تعزيز»(2). كانت البطولة حينها تُلعب وفق مباريات إقصائية من المرحلة الأولى. بدأت مرحلة جديدة لكرة القدم بشغفها وانتشارها فسحرت العالم العربي بأكمله. وتجسد ذلك في فلسطين أيضًا مع إنشاء الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1928. لم يوفق المنتخب الفلسطيني في التأهل لكأس العالم 1934، لكن شعبية اللعبة كانت متزايدة في فلسطين. ومن ثم، أخذ المعلمون الوافدون من البلدين في بث الشغف بكرة القدم إلى الطلاب القطريين؛ ومن بينهم الطَموح خطاب الدفع.

    بدأ جيل ثان من لاعبي كرة القدم العرب طريقه في مصر وفلسطين، ولم يكن الاحتلال البريطاني محل ترحيب في كلا البلدين، بل كان على العكس من ذلك تمامًا. وقد صدرت كتابات عديدة تفيد بأن كرة القدم كانت شكلًا من أشكال المقاومة للاحتلال؛ وكان من صور الانتصار المعنوي للفرق العربية عمل منتخب من «المحتلين» وضربه، وإنشاء فرق تضاهي الفرق البريطانية. أي أن كرة القدم اتخذت شكلًا من أشكال الفخر الوطني، ثم اتخذت أبعادها وسماتها العربية الخالصة؛ وبدأت مصطلحات من قبيل «الكورة الشراب» تظهر وتختلط باللغة العربية، وتبعها مصطلحات من قبيل «الجون» (حارس المرمى) و«الباكات» (المدافعين) و«الفراودة» (المهاجمين) و«البنالتي» (ركلة الجزاء) (3).

    فما العامل الكروي الحاسم الذي نشر كرة القدم وأذاع صيتها إبّان طفولة الدفع؟ إنها رحلة أخرى في الزمن والتاريخ لاستجلاء الحقائق. في البداية لعب العالم كرة القدم من دون قطر، إذ ظهرت كرة القدم على الأرجح في أوساط أسرة هان الصينية (206 قبل الميلاد - 221 بعد الميلاد)، ثم عرفت اللعبة قواعد رسمية أواخر القرن التاسع عشر في مدينة شيفيلد شمالي إنجلترا، لكنها لم تنتشر في شبه القارة الناتئة من الجزيرة العربية في مياه الخليج العربي؛ فهذا المجتمع الصغير المعتمد في معاشه على صيد السمك واللؤلؤ له جذور ضاربة في التاريخ حتى 8000 عام قبل الميلاد، وعرف رياضات تراثية مثل الصقارة والصيد بالسلوقي وسباق الهجن للترفيه عن السكان الرحّالة.

    لا تزال هذه الأنشطة التراثية حاضرة إلى يومنا هذا، وستكون تجربة جديدة رائعة لمشجعي كأس العالم. فها هو سوق واقف الساحر - العامر بالنشاط والتنوع في مطاعمه ومقاهيه وبازاراته الضيقة - يعرض كل شيء من أطقم الشاي الفضية إلى حقائب اليد متعددة الألوان، والتوابل العبِقة والسيوف العربية الذهبية الأصيلة، وصولًا إلى متاجر الصقارة التي تتيح للسائحين التقاط صور مع صقر رابض على الذراع. ويتواكب ذلك مع شرح من مدربي الصقور لدلالات اللون والشكل والفصائل التي تجعل من تلك الجوارح طيورًا باهظة الثمن، حتى إن ثمنها ليصل إلى مليون ريال قطري. وفي تلك الأجواء التي تتيح ألف اكتشاف واكتشاف، مع ممارسة فنون الفصال في أمسية واحدة، يمكن للزائر معرفة أنواع الصقور المستخدمة في صيد حيوانات يصل حجمها أحيانًا إلى حجم الغزال؛ ومنها صقر «الحُر».

    سيقضي الزائر وقتًا ماتعًا في متابعة سباق الهجن والسلوقي، فهي أنشطة لم يشهد لها مثيلًا في حياته بصفته مشجعًا لكرة القدم. واستنادًا إلى البحوث الصادرة، فإن كلاب فصيلة السلوقي كانت من أدوات الصيد التقليدية لدى القاطنين الأوائل بهذه المنطقة، فهي تمتاز بالخفة والنحافة والسرعة الشديدة، ويمكن اقتفاء أصولها إلى الحقبة ما بين 7000 و5000 عام قبل الميلاد. وتُصوِّر النقوش الحجرية القديمة الملك الشاب توت عنخ آمون وهو في مطاردة بزوجين من كلاب السلوقي الملكية خاصته. كان التجار يأخذون كلاب السلوقي من أراضي ما بين النهرين الخصيبة بمنطقة الشرق الأوسط حيث صارت رفقةً محبوبةً للقبائل البدوية بالمنطقة.

    ومع ذلك، اقتضت تلك «الرياضات التقليدية» وجود حيوان مدرب نهض بدور العنصر الخارجي المصاحب خلال وقت الترفيه المفضل. أما في كرة القدم فالمطلوب هو كرة مستديرة. ومن ثم، أكان من المعقول افتراض شعبية ولو محدودة في البداية لجسم مستدير يُركَل بالقدم؟ اندفعت أوروبا عام 1913 بجموح صوب صراع دموي تصاعد حتى بلغ حربًا عالمية هي الحرب العالمية الأولى، بينما صار الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني حاكمًا لقطر. كانت هناك رياضات بدنية تقليدية متناسقة مع أسلوب المعيشة في ذلك الوقت، كالسباحة، والغطس أثناء رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، ورياضة العدو في فصل الشتاء، والمصارعة التقليدية التي لها ضوابط. كما كانت للنساء رياضات تتناسب مع طبيعتهن مثل رياضة دق الحب وغيرها. أما الأطفال فكانت أغلب ألعابهم شعبية تعتمد على الرياضة والحركة مثل الخشيشة، وقلينا نطوع، وعظيم سري.

    شهد الثالث من نوفمبر 1916 توقيع بريطانيا معاهدة مع الشيخ عبدالله وضعت بموجبها قطر تحت حماية الإمبراطورية البريطانية من كل أشكال الاعتداء البحري؛ لكن هل كانت قطر مستعمرة على غرار الهند أو الجزائر؟ يقرر آلين فرومهيرز في تأريخه لماضي الدولة أن «قطر لم تُستعمر حقيقةً على غرار ما حدث في الجزائر أو الكونغو»(4). غير أنه ينبغي مراعاة السياسة البريطانية لمجابهة نفوذ الدولة العثمانية، وهي مراعاة جديرة بالنظر في ظل فسيفساء الاستقلال القطري المعقّد. لكن الإمبراطورية المترامية الأطراف كانت يومها في بداية منحدر التداعي، وبقيت إحدى أواخر قلاعها في المنطقة العربية حيث كان لبريطانيا كثير من المستعمرات والمصالح. ونصَّب القيصر الألماني حينها نفسه صديقًا لكل المسلمين، وأبدى استعداده لدعم الانتفاضة في المستعمرات البريطانية بالسلاح والمال.

    لكن لورانس العرب التفّ على الألمان، إذ وعدت حكومته الزعامات العربية بالاستقلال، ولا يُنسى أنها أصدرت كذلك عددًا من الوعود سيئة السمعة لدول أخرى من بينها فرنسا، وأفرزت تعقيدًا في مستقبل المنطقة بأسرها. بدأت يومئذٍ حروب عصابات ضد الحكام العثمانيين في الخليج العربي، في إثرها سحب العثمانيون قواتهم في نهاية المطاف. لكن البريطانيين استيسروا خُلف وعودهم بدلًا من أن يمنحوا العرب استقلالهم. وفي ظل تلك الأجواء المشحونة والتصارع بين الإمبراطوريات على القوة الاستراتيجية، واجهت الرياضات الحديثة صعوبة في الانتشار مع مطلع القرن العشرين، إذ كان الاستمرار السياسي هو الأهم والأولى، وأوجب ما يكون ذلك في بلد صغير مثل قطر. ولعل أصول السياسة الرياضية المعتمدة لدى قطر للقرن الحادي والعشرين، التي توصف بأنها من أدوات بناء الدولة، يمكن التماسها في ذلك العمل التوازني الدقيق الساعي للبقاء والاستمرار في منطقة جغرافية حيوية. وهو ما دعا إلى اعتماد نهج براغماتي.

    ابتلعت الإمبراطورية البريطانية أجزاء من أرض فارس (إيران حاليًا) على ساحل الخليج العربي المواجه لقطر، وذلك لما في تلك الأرض من إنتاج نفطي غزير تربّح المحتل من ورائه. وفي السابع عشر من مايو 1935، وقّع الشيخ عبدالله أول اتفاقية امتياز نفطي قطري مع شركة النفط الأنجلو-فارسية؛ وبعد ثلاث سنوات بدأ حفر أول بئر في قطر. كان البريطانيون حاضرين على الدوام في تلك الفترة على صعيد تطوير الدولة، فجلبوا الخبرات الفنية لتطوير إنتاج النفط، لكنهم كانوا بصفتهم ذاتها قوة استعمارية في بلد طامح بوضوح للاستقلال، شأنه في ذلك شأن كل البلاد الأخرى بالمنطقة.

    فهل كان الموقف مجرد ريبة طبيعية تجاه رياضة جاءت من سياق ثقافي مختلف تمامًا؟ ظلت «اللعبة الرائعة» لخمسين عامًا تقريبًا تجذب الجماهير في مناطق كبيرة من العالم دون أن تُركل كرة واحدة على أرض الدوحة. يمكن اقتفاء وصول كرة القدم إلى إسبانيا (التي فاز منتخبها بكأس العالم لكرة القدم 2010) في عام 1889 تقريبًا إثر تأسيس نادي «ريكرياتيفو ولبة» في أندلوسيا، واستغرق تدحرج الكرة لأول مرة بصفة منظمة على أرض قطر نحو نصف قرن بعد ذلك التاريخ. ولعل تلك البداية المتأخرة نسبيًا تضفي مزيدًا من الإعجاب والتميز في التحول الرياضي المتسارع بالدولة.

    لم تكن الظروف مواتية لحدوث ذلك التطور؛ إذ كان للحرب العالمية الثانية تأثير سلبي شديد في قطر، فلم يزد إجمالي تعداد السكان في 1940 عن 16 ألف نسمة(5)، وبدأت حينها حقبة من العُسر الشديد. وواكب ذلك وقف إنتاج النفط. وقد أشار المقيم السياسي البريطاني بلمحة متشائمة إلى الحياة في الدوحة قائلًا: «هذا مكان لا يكاد يزيد عن قرية صيد بائسة»(6). ويوضح الأرشيف القطري لقطةً جوية للدوحة أواخر ثلاثينيات القرن الماضي؛ وفيها كانت الدوحة عبارة عن تجمع من مبان صغيرة قريبة من الساحل.

    أنّى لحال كهذه أن يواكبها بداية كرة القدم في قطر؟ ولمّا كان عام 1948 جلبت شركات النفط عمالتها الأجنبية ولُعباتها معها إلى البلاد، وأحضروا معهم الكرة المستديرة أو «الكورة» كما أطلق عليها أهل البلد. لم يلعب الكرة في البداية سوى موظفي شركات النفط؛ وشارك القطريون في المباريات لمامًا. ثم بدأت هذه الرياضة في الانتشار بالأحياء القطرية (الفرجان). وفي عام 1950 تأسس نادي النجاح؛ أول ناد قطري لكرة القدم. غير أن بعض الشكوك تدور حول الاسم الفعلي لأول نادٍ، فبعضهم يرى أنه سُمي «اتحاد العرب» وكان يسبق بفترة وجيزة نادي النجاح الذي تأسس في دخان. المؤكد هو أن نادي النجاح تحول إلى النادي «الأهلي» الحالي، أي النادي الذي قضى فيه جوزيف غوارديولا - لاعب خط الوسط الأسطوري الكتالوني - عامين قبل أن يصبح أنجح مدرب في تاريخ نادي برشلونة لكرة القدم. وبحلول عام 1980 تتابع إنشاء مزيد من الأندية، ليضم الدوري القطري في عام 2015 أربعة عشر فريقًا كاملة القوام.

    ثمة شواهد على لعب كرة القدم لأول مرة في منطقة دخان قرب الساحل الغربي لقطر، وتفيد بعض المرويات الشفهية بأن حدود ملعب كرة القدم كانت تتحدد يومها بالنفط الخام، ولا تزال دخان تضم لوحة إعلانية تخلد تاريخ أول اكتشاف للنفط بقطر؛ فيما توضح صور الأرشيف «الحفار رقم 1» الذي كان عبارة عن منشأة منعزلة في الصحراء المفتوحة. ولا تزال «دخان» مدينة صغيرة هادئة، لا نصيب لها من استضافة مباريات كأس العالم المرتقبة. أستحضر من ذكريات الطفولة المبكرة أن عائلتي كانت تقود السيارة إليها يوم الجمعة، فهي على مسيرة ساعة بالسيارة عبر الصحراء ذات التلال القليلة (فقطر بلد منبسط الأرض جدًا، وأعلى نقطة فيها هي قرين أبو البول بارتفاع 105 أمتار) وصولًا إلى نادي دخان الترفيهي الرياضي الذي كان يضم مسبحًا ومنفذًا إلى الشاطئ. وبعد عقدين من الزمن وجدت نفسي أقود المسافة نفسها بصحبة زوجتي عبر الصحراء القطرية صوب المستشفى الكوبي في دخان لإجراء فحوص دورية خلال حملها الثاني.

    تمتع فريق نادي دخان لكرة القدم بميزة الأرض. ولم أكن أعلم إلا النذر اليسير عن تنظيم أول بطولة لكرة القدم في قطر بالقرب من المكان الذي اعتدت فيه الاستمتاع بالأمواج أيام الجمعة. فاز فريق دخان بالنهائي وأصبح أول بطل لقطر تزامنًا مع فوز ألمانيا الغربية بكأس العالم لأول مرة في 1954. فهل هذه هي المنطقة التي تتوارد بشأنها مزاعم غربية عن «عدم وجود تراث لكرة القدم» في قطر رغم أن «هذه اللعبة جنحت للانتشار كالنار في الهشيم وفق شواهد التاريخ» حسب قول مؤرخ كرة القدم فيل بول؟ تواكب إنشاء أول ناد لكرة القدم في قطر مع فوز إيطاليا والأوروغواي بكأس العالم مرتين؛ علمًا بأن الأمر يستغرق حتى عام 2050 حتى يتمكن أول فريق قطري (الأهلي) من إقامة مباراة احتفالًا بمئويته على نحو ما فعل برشلونة في 1999 وريال مدريد في 2002.

    شهد يوم 1 من سبتمبر 1952 إبرام اتفاق نفطي جديد بين حاكم قطر وشركة بترول العراق (التي أصبحت بعد ذلك شركة قطر للبترول) حصلت قطر بموجبه على 50 بالمائة من أرباح صادرات النفط، فكانت أول خطوة كبرى صوب تأميم اكتشافات النفط والغاز الهائلة التي كان لها الفضل بعد نصف قرن في جعل قطر صاحبة أعلى دخل للفرد بالعالم. قريبًا من ذلك التاريخ بدأ اليافع القطري، خَطّاب الدفع، لعب كرة القدم، فواجه مقاومة عاتية من عائلته في البداية، لكن والده بدأ في تغيير رأيه تدريجيًا حيال كرة القدم. واصل خطاب صقل مهاراته الكروية حتى أضحى سريعًا في صفوف أول منتخب وطني قطري لكرة القدم. وفي عام 1966، فازت إنجلترا بنهائي كأس العالم بأرضها على ألمانيا الغربية (بهدف شهير أُحرز في الوقت الإضافي الذي يرى الألمان بالطبع أنه لم يتجاوز خط المرمى)، وهو العام نفسه الذي

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1