About this ebook
Related to تشريح الرغبة
Related ebooks
من أي شيء خُلِقْت؟ Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعزيزتي تارا: رسائل مثيرة للونس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقميص وردى فارغ: قبل الموت Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsماذا لو؟: رسائل نثرية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsعدوي العزيز Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرسائل حريمي جدًا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشيروفوبيا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكل الأمور السيئة (الجريمة 4) Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأحببت نرجسياً Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكلوديوس Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقارئة الأرواح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsأحببت لاجئة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالجنة المفقودة Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبعد النهاية Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالوحش القابع في أعماقك Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبدون فصل أخير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالصياد والبحر Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsكجدول خجول يتحرى مجراه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلست بسراب Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلحظة ندم Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشيكولاتة سودا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsرحم صخري Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبريد لم يصل Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsقلبي ليس للبيع Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsالقناع الأخير Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsلحن سيبقا بيننا Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsشقة جاردن سيتي Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبورتريه Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsبين دروب العقل و متاهات الروح Rating: 0 out of 5 stars0 ratingsناتالي و تانيا: روايتان في كتاب Rating: 0 out of 5 stars0 ratings
Related categories
Reviews for تشريح الرغبة
0 ratings0 reviews
Book preview
تشريح الرغبة - ريم نجمى
تشريح الرغبة
رواية
تشريح الرغبة: رواية /ريم نجمي. - ط1.-
القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2022.
336 ص؛ 20 سم.
تدمك: 0 - 543- 795 - 977 - 978
1- القصص العربية .
أ - العنوان. 813
رقم الإيداع: 2021/ 26123
©
16 عبد الخالق ثروت القاهرة.
تليفون: 23910250 202 +
فاكس: 23909618 202 + ص.ب 2022
E-mail:info@almasriah.com
www.almasriah.com
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة
الطبعة الأولى: 2022م
تعبر الآراء الواردة في هذا الكتاب عن آراء المؤلف
وليس بالضرورة أن تعبّر عن آراء الدار
جميع الحقوق محفوظة للدار المصرية اللبنانية، ولا يجوز،
بأي صورة من الصور، التوصيل، المباشر أو غير المباشر، الكلي أو الجزئي، لأي مما ورد في هذا المصنف، أو نسخه، أو تصويره، أو ترجمته أو تحويره أو الاقتباس منه، أو تحويله رقميًّا أو تخزينه أو استرجاعه أو إتاحته عبر شبكة الإنترنت، إلا بإذن كتابي مسبق من الدار.
تشريح الرغبة
رواية
ريم نجمي
إلى عائشة..
أمي
شخصيات هذه الرواية وإن بدتْ شبيهة بشخصيات واقعية
فإنها هي الشخصيات الأصلية.
أما الشخصيات الواقعية التي تقابلونها كل يوم
فهي من نسج الخيال ولا وجود لها في الواقع.
«مشكلة الزواج أنه يموت كل ليلة بعد ممارسة الحب وينبغي إعادة تشكيله كل صباح قبل الفطور».
«لا شيء مما يمارس في السرير هو غير أخلاقي طالما يساهم في إحياء الحب».
«في المحنة يصبح الحب أكبر وأكثر نبلًا».
جابرييل جارسيا ماركيز
الحب في زمن الكوليرا
الفصل الأول
الذي انصرف
الرسالة الأولى
غدًا خريف
سنجلس معًا على الشرفة
وننظر إلى الوريقات التي يبست
تحملها الرياح في سماء القرية
كالرسائل التي سنحرقها،
واحدة بعد الأخرى، كل في منزله.
لويس غلوك
بون في 4 ديسمبر 2016
زوجي الحبيب،
لا بد لهذا الأمر أن ينتهي، ما عدتُ أتحمل هذه الأفكار السوداء التي تفيض من رأسي كل ليلة وتلطخ بياض السرير البارد. ما زلتُ أفكر فيما حدث بيننا والذي ربما سيحدث. أفكر في لقائنا الأخير، في الشّجَارات التي راكمناها، في البداية الجديدة التي تحدثتَ عنها في رسالتكَ السّابقة (ولو أني لا أفهم عن أي بداية تتحدث بعد كل هذه السنوات التي عشناها معا؟!). أفكر كثيرا، وكلما فعلتُ، أجدني أنزلق في بئر عميقة من الخوف، ذلك النوع الذي يشل كل محاولات العقل في رش أمل صغير في جسدك.
البارحة زارني ألفونسو في البيت وأنت تعرف أنه لا يفعل ذلك إلا للضرورة القصوى. كنتُ قد هاتفته منذ أن تركتَ البيت وسافرتَ إلى برلين، لكنه لم يأتِ إلا البارحة بعد أن أخذ إذنا استثنائيا وشعرَ فعلا بأنني في حالة غير جيدة، وهو ربما ألطف تعبير لأصف لكَ حالتي الآن. قال لي ألفونسو إنها في الغالب أزمة عابرة بيننا، وإنه
لا داعي لتضخيم الأمور. حاولَ طمأنتي وهو يتحدث عن المحبة التي زرعها الله في قلوب المحبين، وعن الرباط اللا مرئي بين الزوج وزوجته الذي يحميه الرب... قال كلاما كثيرا من هذا القبيل، بنبرة غير مقنعة، فأحسستُ أنه مجرد ممثل يؤدي دورا في مسرحية. ما زلتُ لا أستوعب رؤيته برداء الرّهبنة، بل أكاد أقول إنه هو نفسه غير مقتنع بدوره الجديد. لقد كان يتحاشى النظر إلى عينيّ، تماما كما كان يفعل وهو طفل، عندما يكذب.
عندما غادر البيت كنتُ أتساءل إن كان الرجل الذي زارني منذ قليل هو نفسه ألفونسو، صديقي منذ أكثر من أربعين عاما! لقد تحول إلى ظلٍّ هَرِم، بعد أن تآكلتْ البهجة التي كان يُشعّها من حوله. انطفأ ألفونسو، وانطفأتْ معه أيامنا الجميلة التي عشناها معه، وتلاشت صور رحلاتنا إلى بيت أهله في إيطاليا وسط حقول العنب وأشجار التين وليالي التسكع والحب في الأزقة الحجرية الضيقة... كل ذلك أخذه ألفونسو معه إلى الدير وعزلَه عنا إلى الأبد، وهو ما ضاعف شعوري بالخسارة.
ها أنا على مشارف الخمسين من عمري أجدني بلا صديق،
بلا زوج، بلا أطفال، بلا تلك الحياة التي تخيّلتُ أني سأعيشها.
لا أفهم ما الذي حدث بالضبط لتُقرّر فجأة حمل حقائبكَ والذهاب نهائيا إلى برلين. عندما قرّرتَ منذ سنوات تأجير بيت صغير في برلين، قلتَ لي إنكَ في حاجة إلى ملجأ برليني دائم، طالما أن عملكَ في الجامعة لا يستدعي فقط إعطاء المحاضرة الأسبوعية وإنما أيضا تأطير بعض ورشات البحث العلمي مع الطلبة، هذا إلى جانب لقاءاتكَ الأدبية المستمرة. حينها رحبتُ بالفكرة دون أن أعرف أنها اللبنة الأولى في الجدار الذي بنيته بيننا. كنتَ تسافر ليوم أو ليومين، ثم بدأتْ إقامتك هناك تمتد لأسابيع. كنتُ أنظر إلى الأمر كحاجة كاتب إلى خلوة إبداعية أو مجرد استراحة لكسر رتابة الحياة الزوجية، دون أن يخطر في بالي للحظة أنكَ بذلك تهم برفع يدكَ لوداع أخير.
أكتبُ إليكَ الآن وأتأملُ الورود الحمراء الذابلة في مزهرية المكتب، لم أترك الخادمة ترميها، طلبتُ منها أن تغير الماء كلما اسودَّ، لقد كانت آخر شيء قدمته إليّ بمناسبة برنامجي الإذاعي الجديد. رغم أن أريجها يتساقط، سأتركها هناك حتى تعود ومعكَ باقة أخرى. هل ستعود يا عادل؟ أم أن عودتكَ تشبه هذه الورود التي لن تحيا مرة أخرى مهما غيَّرتُ الماء؟
صدقني يا حبيبي، إن ما يحدثُ لكَ الآن هو نتيجة متوقعة لأزمة منتصف العمر. لا يمكن لكَ ألا تنظر إلى الأمور من هذه الزاوية. لقد قرأتُ أن الرجال في مثل عمركَ يصابون بخيبات مفاجئة من كل ما يحيط بهم: عملهم، علاقاتهم الأسرية، منجزاتهم في الحياة... يدخلون مرحلة شك وجودي قاتمة وكأنهم يكتشفون فجأة أنهم أحياء. وأنت يا حبيبي مرهف كأريج وردة بلّها الندى فمالتْ على أشواكها. قلتَ إنك تسعى إلى بداية جديدة، حسنا، فلنبدأها معا. يمكن أن نسافر مثلا إلى مكان بعيد، حيث الشمس وحرارة الحياة، بعيدا عن رمادية الجو وانعكاسه على روحينا. يمكن أن نكتشف ذلك المكان ونكتشف من خلاله ذاتينا من جديد ونزيح الغبار عن قلبينا. عرفت من كتارينا أن هناك بعض وكالات الأسفار تنظم رحلات خاصة بالأزواج الذين يريدون تجديد حياتهم الزوجية، رحلات تتخللها جلسات تحليل نفسي ولقاءات بإخصائيي العلاقات الزوجية والجنسية.
إذا لم تتحمس لهذه الفكرة، يمكن أن نسافر إلى تايلاند، لنسترجع أيام شهر العسل. أعرف أنكَ لستَ مثلي في التقاط التفاصيل وتخزينها في الذاكرة، لكن أعتقد أن لتلك الرحلة بالذات زاوية مضيئة في قلبك. كان الجو في بانكوك حارا جدا إلى درجة خانقة ورغم ذلك كنا نسير في الشارع كجسدين مضفورين، يدي على ظهرك ويدك على خصري. لم يكن يزعجنا ضجيج السيارات وعوادمها ولا محاولاتنا المتعددة لقطع الشارع التي كانت أشبه بمغامرة حياة أو موت. كنتَ تُمسكُ بيدي بثقة وتقول لي: «لا تخافي أنت مع ابن الدار البيضاء، الخبير في قطع الشوارع المزدحمة والمكدسة بالسيارات والحافلات». كان قميصكَ ملتصقا بظهركَ بفعل رطوبة الجو العالية بينما أدخلُ يدي تحته، فتُبْتل أصابعي بقطرات العرق المنزلقة، أداعبُ ظهركَ بأناملي وكأني أرسم لوحة من دوائر لا نهائية. كنا نلتقط أنفاسنا فقط في الحافلات المكيّفة ونحظى ببعض البرودة المؤقتة قبل أن نخرج مرة أخرى إلى تلك الكتل الهوائية الدافئة. يدكَ كانت تتجول أنّى شاءت في جسدي، بينما يوجه إلينا باعة التذكارات الابتسامات والكلمات غير المفهومة. ولكم كنتُ أضحك على وجنتيك المحمرتين بفعل الحرارة، حمرةٌ اختلطتْ بسمرتكَ فأصبحتْ وجنتاك ككرزتين ناضجتين، جديرتين بالالتهام والقبل. ثم جاء دورك لتضحكَ عندما فقدتُ إحدى فردتي صندلي الذي تركته عند عتبة باب إحدى قاعات معبد «وات برا كايو» العظيم. كنتُ متضايقة كطفلة ضاعت منها دميتها، بينما كنتَ تشبهني بساندريلا وأنا أتمشى نصف حافية على بلاط دافئ ومنقوش كلوحة فنية ملونة وسط قصور وبنايات مزخرفة تشبه تصوراتنا عن قصور ألف ليلة وليلة. خرجنا نبحث عن أقرب محل لبيع الأحذية، غير أننا توقفنا عند بائع الفواكه المتجول، الذي كان يبيع أناناسا لم نر مثله في حياتنا، أناناسا صغيرا يكاد يكون في حجم البرقوق وكان له طعم خرافي كفاكهة من الجنة، إذ لم نشعر إلا متأخرا أننا استهلكنا كل الكمية التي كانت مع البائع.
في محل قريب اشترينا صندلا جلديا بُنيا ساعدتني على انتعاله وقلت لي إني أميرتكَ، وسأبقى كذلك طول العمر، وإن حياتنا ستظل كتلك السماء الزرقاء الصافية التي كانت تغطي بانكوك ساعتها. استغربتُ من التشبيه، لكنك قلتَ إذا كان للحب لون، فلا بد أن يكون لونه أزرق، كنتَ دائما ترى الحب أزرق تماما كما كانت تقول مغنية يونانية نسيتُ اسمها الآن.
ثم عثرنا على تلك الزرقة الباهرة في مياه جزيرة بوكيت، حيث انطلق حبنا كطفل صغير يجري على شاطئ المحيط الهندي. كنا شابين ومجنونين نطوف بصخرة جيمس بوند ونقلده هو والشرير سكارامانغا، تماما كالمشهد الأخير في الفيلم الشهير. كنا نطوف في الأسواق ونجرب كل الأكل الغريب، ونلتهم الفواكه التي نعرفها والتي لا نعرفها بشهية ذلك الأناناس الصغير، حتى وقعنا في تلك الفاكهة الكريهة التي يسمونها «دوريان»، قضمتُ القطعة الأولى بشهية، فدخلتْ رائحتها إلى منخاري وطلعتْ إلى رأسي حتى كاد أن يغمى عليّ وكأني ابتلعتُ كيسا من الصراصير واستقروا في حلقي. كنتَ تهدئني وتتابع أكل تلك الفاكهة وتقول إنها لذيذة رائحتها فقط التي تشبه رائحة مرحاض عمومي.
كنا نتحدثُ مع الباعة باللغة العربية وسط اندهاشهم وابتساماتهم اللطيفة، وكنا نطلق عليهم أسماء عربية مفترضة ونخاطبهم بها، إلى أن رد علينا ذلك الذي أطلقنا عليه اسم «حميد» بلغة عربية فصحى، فصُعقنا وضحكنا من المفاجأة، هل تتذكره؟ لقد كان بائعا مسلما ويعمل في مركز إسلامي في الجزيرة. حتى إني أذكر أنكَ رافقته بمفردك في اليوم الموالي لتصلي معه في مسجد غير بعيد عن الفندق. قلتَ لي إنك تريد أن تفعل ذلك من باب الاكتشاف بالرغم من أنك
لا تصلي. كنا أيضا نكشِفُ عن ظهرينا للمدلكات الشعبيات في السوق واللواتي كن يكسرن عظامنا بل ويخطون بأرجلهن الصغيرة خطوات على ظهرينا، وبالرغم من صراخنا وأنيننا لا يتوقفنَ عن التدليك وكأنهن في مهَمّة مقدسة لتأديب الحياة. كم كنا نستغرب من نفسينا عندما نعود إليهن في اليوم الموالي لنعيد الكرة، ونعيد التوسلات نفسها لعتقنا من الربط والشد.
في المساء كنا نتعشى في شرفة تحضن المحيط الهندي، ونكتفي بضوء غروب الشمس العائمة في الأفق. كنت تحب السمك المرصع بفليفلات حارة قاتلة، وكنتُ غالبا ما أتناول ثمرة أناناس كبيرة محشوة بالأرز وفواكه البحر. لقد كان العاملون في ذلك الفندق يدللوننا بأطباق شهر العسل، قالوا إنها أفروديتية. لكننا لم نكن في حاجة إليها. كنا نمارس الحب بمباركة الآلهة البوذية والهندوسية، أنسكبُ فيك وتنسكب فيّ دون عناء، فنتحول إلى سائل له رائحة التوابل والبخور. كان للقاءاتنا الجسدية في تايلاند نشوة غرائبية تجعلني أبكي. هل رأيت من قبل امرأة تبكي من اللذة؟ كان صوت نحيبي يختلط مع أنينك وصرختك وأنت تصل إلى منتهاك، ليتحول إلى أغنية جسدية دافئة على السلم الموسيقي الآسيوي. كنتُ من فرط اللذة أتصور أن نشوة مماثلة ستعيش إلى ما لا نهاية ذلك المحيط الذي كان يتنفس معنا في الغرفة. الآن وأنا أكتب إليك أشم تلك الرائحة المِلْحيّة وأحس أن غرفة المكتب مضاءة بتلك الذكريات وهي تتوارد على خاطري الآن. أقول لنفسي أحيانا، من باب التخفيف، إن ذكرى تلك الرحلة كافية لأعيش ما تبقى من عمري مغمورة بالحب والدفء الجسدي. لكني أفتقدك يا حبيبي، أفتقدك حقا وها أنا أرتدي قميصك الأبيض وأشم رائحتك وأستعيد بعضا منكَ وبعضا من أيامي معك.
أين أنت الآن؟ ماذا تفعل؟ أما زلت تستيقظ بصعوبة وتجلس على السرير لدقائق وكأنك تستعيد نفسك من حلم؟ هل ما زلت تحط تلك القطرات في عينيك عند الاستيقاظ لتبُلّ جفافهما؟ من يرتب لك فوضى الأوراق والكتب أم أنك سعيد بفوضاك وبعزلتك الجديدة؟ والسرير الكبير؟ ماذا ستفعل به؟ أما زلت في حاجة إلى سرير لشخصين؟ والكومبيوتر القديم المشترك الذي يحتوي على الكثير من ملفاتك؟ ألم تعد بحاجة إليه؟ يمكنك أخذه فأنا، كما تعرف، أعمل على اللابتوب. هل تمكنتَ أخيرا من إنهاء روايتك الجديدة؟ وما هي النهاية التي استقرَرْتَ عليها؟
مع الحب والكثير من القبلات
زوجتك يوليا
الرسالة الثانية
- كيف يستطيع المرء أن يبقى متزوجا خمسة وعشرين عاما؟
- ربع الوقت يقضيه المرء نائما، هي ثماني سنوات إذن يدبرها المرء.
من فيلم «لوست إن ترانسليشن» (ضائع في الترجمة)
برلين في5 ديسمبر 2016
عزيزتي يوليا،
هل ستصدقينني إن قلتُ لكِ إني أتألم لألمكِ؟ عندما وصلني إيميلك البارحة انزلقتْ مني دموع وأنا أقرأ السطور التي كتبتِها وحتى السطور التي لم تكتبِيها. غمرني شعوركِ نفسه وأنا أسترجع معكِ رحلتنا إلى تايلاند. لا لم أنسَ تلك التفاصيل كما تعتقدين وربما أتذكر مشاهد كثيرة ما عدتِ تذكرينها. أنسيتِ ذلك القرد الذي مر من أمامنا فجأة ليتسلق النخلة ويرمي لنا بثمرة من جوز الهند؟ لقد جاء مع صاحبه في مهمة جني تلك الثمار، لكنه لسبب ما آثر أن يمنحنا أول ثمرة يجنيها والتقطنا ذلك الفعل كإشارة إلهية تنبئنا برحلة حياة مثمرة، رغم أننا فشلنا في فتح الثمرة وساعدتنا إحدى النادلات في الفندق على فتحها.
عموما للبدايات دائما سحر ما، سواء أكنا في تايلاند أو في أي مكان في العالم أقل جمالا. للبدايات دائما ذلك اللون الوردي، الذي يغطي على كل الألوان الأخرى ويخفي العيوب. البداية هي ذلك الغموض الذي يحيط بمن نحب، فنراه استثنائيا ومميزا عن الآخرين في كل ما يقوم به، حتى أبسط الأمور وأقلها إحداثا للانبهار، نتلقاها كمعجزة من السماء أو كعمل إنساني عظيم جدير بالإعجاب والتوثيق. ضحكتك أيتها الشقراء المزيفة، كانت بالنسبة إليّ عالما من الموسيقى، لدرجة أني سجلتها بمسجلتي مرارا. ضحكتك كانت كالبصمة التي لا تشبه إحداها الأخرى. التقاء الصف الأول لأسنانكِ مع الصف الثاني كان يحدث بداخلي حفلةً من المشاعر المختلطة التي لن أتمكن ما حييتُ من وصفها لكِ.
ماذا أقول لك عن تلك النقط البنية الفاتحة العائمة في خضرة عينيك؟ عينان خضراوان لكن لونا بنيا فاتحا يحضن تلك النقطة السوداء بقوة، وكأنه يغار من الأخضر في عينيك ويقف حاجزا بينها وبينه. لم أكن أبدا أشبع من النظر إليكِ، حتى كدتُ أمتص لون عينيك من كثرة التحديق فيهما. كانت كل كلمة تقولينها وكل حركة تقومين بها قصيدة في حد ذاتها. إن أول صورة تخطر في بالي عندما أتذكرك، صورتكِ وأنت مستلقية على ظهرك ترفعين قدميك بأظافركِ الملونة بالأحمر وتضعينهما على الحائط. عندما رأيتُ ذلك المشهد لأول مرة، كنتُ في طريقي إلى مقابلة عمل، جئت لأمنحكِ قبلة الوداع فوجدتك تداعبين الحائط بقدميك الورديتين، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أرمي بحقيبتي على الأرض وأنقض عليك كحيوان جائع.
يوليا عزيزتي، لو فتحنا أبواب الذاكرة لن نخرج منها سالميْن من الألم، وبذلك تصعبين الأمور عليكِ وعليّ. أريد أن أغادر علاقتنا بأقل الخسائر العاطفية الممكنة وأدرك أن ذلك ليس بالأمر الممكن والسهل. لكن دعينا على الأقل نحاول. أعرف تماما أن علاقة دامت لخمس وعشرين عاما ليس من السهل إنهاؤها، أكتب إليك هذه الجملة ويدي ترتعش، لكن كما قلتُ لك في السابق، من الأفضل أن نتوقف الآن، إكراما لذلك الحب الذي جمعنا في يوم من الأيام واحتراما لتلك الصداقة التي ما زالت تجمعنا.
لا أحاول أن أواسيكِ إن قلتُ لك إنك يا يوليا جزء مني، لقد عُجنتْ روحي مع روحكِ ولم أعد أتبين الجزء الذي يخصني من الجزء الذي يخصكِ. أحيانا كثيرة أتصور أننا أصبحنا نتشابه، لقد أخذتُ تعابير وجهكِ وأخذتِ تعابير وجهي، نكاد نبتسم الابتسامة نفسها ونعبر عن امتعاضنا بتقطيب جبيننا بالطريقة نفسها ونرفع ذقننا مع الشفة السفلى نحو الأعلى لنعبر عن الاستغراب أو المفاجأة.
لا يمكن لشخص طبيعي أن يتخلص من ذلك التمازج العجيب لمجرد أنه اختار أن يسلك طريقا آخر في الحياة، تاركا يد رفيقه، تلك اليد التي كانت إلى وقت قريب متشابكة مع يده.
لستِ بحاجة لتذكريني برحلة شهر العسل كي أستعيد ذلك الحب الذي عشناه، هناك الكثير من المشترك بيننا والكثير من الحياة. لقد عشتُ معكِ لحظات أعتقد أن الكثيرين
